تلقي الانتخابات الرئاسية الأمريكية بتأثيراتها على الأحداث العالمية كافة مرة كل أربع سنوات. وتهيمن وقائعها واتجاهاتها على مختلف وسائل الإعلام، وتؤدي شخصية الرئيس الجديد وتوجهاته وانتماؤه الحزبي دورًا كبيرًا في التأثير في كثير من علاقات الولايات المتحدة الدولية، ووجودها في الخارج من عقد اتفاقيات السلام والتعاون وحل النزاعات، إلى شن الحروب.

ولا شك أن انتخابات عام 2020 ستشهد تحولاتٍ عميقةً في الحياة السياسية الأمريكية؛ فقد فرض تفشّي فيروس كورونا المستجد ركودًا اقتصاديًا غير متوقع ألقى بظلاله على السباق الرئاسي وغيّر مساره. فقبل تفشي الفيروس، كانت التوقعات تُظهر أن الرئيس الحالي ترامب سيتوجه نحو ولاية ثانية بأدنى معدل بطالة تاريخيًا وبمكاسب اقتصادية قوية، وهو ما جعل الاقتصاد ورقة قوية في يده، ولا يمثل مشكلة تذكر في مسار الحملة. لكن ترك فيروس كورونا آثاره القوية على مستقبل تلك الانتخابات وقلل من فرص فوز ترامب، فها هو نائب الرئيس السابق باراك اوباما، جو بايدن، وعلى عكس معظم التوقعات، يصبح المرشح الأقوى للحزب الديمقراطي، وقد حشد الديمقراطيون خلف ترشيحه وأصبح المنافس القوي لترامب، وفي ظل وجود هذا التنافس القوي بين المرشحين البارزين، دونالد ترامب، الذي تسبب في خلق توترات وصراعات عالمية على نحو لم يسبقه فيه أي رئيس آخر، وجو بايدن نائب الرئيس السابق باراك أوباما والساعي للتغيير، تبرز أمامنا سياسات خارجية متناقضة لكل منهما في حال فوز أي منهما في انتخابات الرئاسة القادمة والتي ستجري في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020.

واجه الرئيس ترامب منذ توليه منصبه في كانون الثاني/يناير2017 انتقادات واسعة حول سياساته الداخلية والخارجية وطريقة إدارته، التي عملت على تقويض مكانة أمريكا كقوة ليبرالية عالمية، حيث دفعته أيديولوجيته وشخصيته المتقلبة إلى انتهاج أهداف عدائية، فعمد إلى التنصل من المنظمات الدولية التي تهدف إلى تعزيز الديمقراطية والحرية الليبرالية. وبدلًا من ذلك سمح لأنظمة تعَدُّ عدوة للولايات المتحدة، مثل الصين، بزيادة قوتها ونفوذها في الشؤون العالمية، وهاجم حلفاء واشنطن، ودعم الحكام الشعبويين وأجج النزاعات، بل خلق توترات جديدة، وبخاصة في منطقة الشرق الأوسط؛ وتحديدًا مع إيران، الأمر الذي ألحق أضرارًا جسيمة بمكانة أمريكا العالمية وتأثيرها في الشؤون الدولية([1]).

في المقابل فمن المتوقع أن تكون طريقة إدارة جو بايدن للسياسة الخارجية متشابهة مع طريقة إدارة أوباما، والتي من المرجح أن تركز معظم اهتمامها على القضايا الداخلية، مع اتخاذ لسياسة خارجية مغايرة تمامًا عن نهج الإدارة الحالية؛ من خلال العمل على دعم المنظمات الدولية، والعلاقات الشخصية الودية مع قادة العالم، جنبًا إلى جنب مع الالتزام المستمر بالإنفاق الدفاعي العالي المستوى واتخاذ موقف حذر تجاه خصوم أمريكا. وعليه، من الواضح أن أغلبية السياسة الخارجية المحتملة لرئاسته ستكون مناقضة للكثير من القرارات التي اتخذها ترامب([2]).

ويمكن التنبؤ نسبيًا بأن فوز المرشح الرئاسي جو بايدن مرشح الحزب الديمقراطي سيغير الكثير من المعادلات الأمريكية. بعدما قلب الرئيس ترامب تلك المعادلات رأسًا على عقب وبخاصة في مجال التجارة العالمية والمناخ والبيئة. وسيكون لزامًا عليه العمل على تحقيق تغير جذري في السياسة الأمريكية الخارجية، وهو ما يعني أن هذا التغير سيكون حتميًا.

هنا سنحاول تلمس الخطوط العريضة لكل من المرشحين في سياستهما الخارجية إزاء قضايا هي مختلف عليها بينهما.

وبالتالي فالتساؤل الذي يثار هنا هو: ماذا يتوقع العالم من هذين المرشحين الرئاسيين في شأن مستقبل السياسة الخارجية الأمريكية؟ وكيف سيكون تعاطي كل منهما مع ملفات السياسة الخارجية؟

ولعل من أهم الملفات الخارجية التي تبرز الاختلاف الواضح بين المرشحين والتي تعكسه في الوقت نفسه اختلاف الحزبين الجمهوري والديمقراطي وطريقة تعاطيهما معها هي:

أولًا: العلاقة مع الصين

تعدّ العلاقات الأمريكية – الصينية واحدة من أهم وأكثر العلاقات الدولية تعقدًا وتشابكًا في القرن الحادي والعشرين، لأسباب كثيرة. اقتصاديًا، الولايات المتحدة الأمريكية هي أكبر اقتصاد في العالم والصين هي ثاني أكبر اقتصاد، كما أن بكين أصبحت أكبر شريك تجاري لواشنطن منذ عام 2015، وبلغ حجم التبادل التجاري بينهما مليار دولار أمريكي. سياسيًا، الصين قوة صاعدة على الساحة الدولية وتتشابك مع الولايات المتحدة الأمريكية في الكثير من القضايا الإقليمية والدولية تشابكًا لا يمكن تجاوزه لتسوية تلك القضايا.

ولقد ساعدت الإدارات الأمريكية المتعاقبة، بدءً من ريتشارد نيكسون وحتى باراك أوباما، في ظهور الصين كقوة اقتصادية وفقًا لسياسة “التوفيق”، أو سياسة “التعامل البنَّاء” مثلما أطلق على سياسة الرئيس كلينتون([3]).

بوصول دونالد ترامب للسلطة اتبع استراتيجية جديدة مع الصين حاول فرضها، قائمة على سياسة “المواجهة”، وبخاصة مع تزايد نفوذ الصين القوي، وهذا يتسق مع شخصية ترامب الذي ينقلب على الثوابت والاتفاقات كافة منذ مجيئه للسلطة.

هذا التغيير الأمريكي يبدو أنه عميق وسيستمر إلى ما بعد رئاسة دونالد ترامب، لأن هناك إجماعًا في واشنطن على أن السياسة السابقة مع الصين فشلت ويجب استبدالها عبر اعتماد نهج أكثر تشددًا، وبخاصة مع تأكيد ترامب أن انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية في عام 2001 كان “خطأ مميتًا”([4]). وقد اتخذ ترامب مسارين في تعامله مع الصين:

على المستوى التجاري، بدأ النزاع التجاري بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 22 آذار/ مارس 2018 عن وجود نية لفرض رسوم جمركية تبلغ 50 مليار دولار أمريكي على السلع الصينية بموجب المادة 301 من قانون التجارة لعام 1974 التي تسرد تاريخ “الممارسات التجارية غير العادلة” و”سرقات الملكية الفكرية”. وكرد انتقامي من الحكومة الصينية فقد فُرضت رسوم جمركية على أكثر من 128 منتج أمريكي، وأصبحت الرسوم الأمريكية على ما قيمته 34 مليار دولار من البضائع الصينية فعّالة في السادس من حزيران/يوليو 2018، وقامت الصين بفعل المثل على القيمة نفسها. وهذه الرسوم تمثل ما قيمته 0.1 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي([5]). ونتيجة لتلك الحرب التجارية المعلنة، وعلى المستوى الاقتصادي، هوت العلاقات بين البلدين إلى أدنى مستوياتها منذ عقود. وعلى الرغم من أن بعض التوترات شابت العلاقات بين البلدين خلال العقود الماضية، إلا أن حرب الرسوم الجمركية هي الأكثر شراسة منذ ثلاثينيات القرن الماضي.

على المستوى السياسي، هذه العلاقات الأمريكية – الصينية التي احتفظت بقدر من الثبات والتوافق في المراحل السابقة، تواجه الآن مرحلة فارقة وفي حالة اختبار حقيقي؛ فمن الحرب التجارية ومحادثات السلام في واشنطن، إلى التوترات في بحر الصين، بحيث دخلنا في مرحلة من التنافس القوي والطويل الأمد بين البلدين، يعكس التحول في السياسة الأمريكية الذي ستكون له انعكاسات كبيرة لا على العلاقات الثنائية وحسب، بل على الأمن العالمي أيضًا. كما توجت تلك التوترات أخيرًا باتهام ترامب للصين بأنها البلد المتسبب بانتشار وباء كورونا في العالم وأن منظمة الصحة العالمية هي “دمية في يد الصين”، وهي التي تتحكم فيها([6]).

وبالنسبة إلى المرشح الرئاسي جو بايدن، ففي الواقع يوجد إجماع من الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الولايات المتحدة على إعطاء أولوية كبيرة للعلاقة بالصين، لكن ثمة خلاف بين كل منهما حول طريقة التعاطي مع هذا الملف.

وعلى الجانب التجاري، في حال فوز جو بايدن في الانتخابات المقبلة فقد يعمل على تخفيف التوتر المحيط بالحرب التجارية مع الصين، لكنه سيواصل المفاوضات معها في شأن “الممارسات التجارية غير العادلة” التي يُحتمل أن تؤدي إلى خطاب “الحرب”. كما يمكن أن يعمل على إزالة بعض العقوبات ضد الصين، لأن إدارة أوباما عملت على “إعادة التوازن” على “محور آسيا” ومن المحتمل أن تستمر إدارة بايدن بانتهاج السياسة نفسها تجاه الصين؛ فحقبة أوباما اتسمت بالتعاون والوفاق مع الصين، وساهم بايدن نفسه في دور أساسي في صنع هذه السياسة من خلال دوره نائبًا للرئيس. وقتها كانت الفكرة السائدة في دوائر صنع القرار الأمريكي هي أن دمج الصين في النظام الدولي والتعاون معها، سوف يساهم في صعودها على نحوٍ سلمي والتزامها بقواعد النظام الدولي([7]). اليوم تغيرت هذه الفكرة وأصبح الاعتقاد السائد هو أن دمج الصين والتعاون معها لم يحقق النتائج المرجوة منه، بل ساهم في تحول الصين إلى منافس للولايات المتحدة. وبالتالي فإن فك الارتباط والمواجهة أصبحا بديلًا للدمج والتعاون، وسوف ينعكس ذلك بالتأكيد على سياسات بايدن.

سيكون على الجانب السياسي كذلك أحد التحديات المهمة الماثلة أمام بايدن، وهو طريقة معالجته الإجراءات الجيوسياسية العدوانية من جانب بكين. وربما تنفعه علاقته الشخصية وتفاعلاته السابقة مع رئيس الوزراء الصيني، شي جين بينغ. ففي إدارة أوباما، لطالما تم إرساله إلى بكين لتحسين العلاقات بين الحكومتين. ثماني مرات على الأقل، التقى كل من شي وبايدن خلال اجتماعات ناجحة في الحقبة 2011 – 2012. ووفقًا، لصحيفة نيويورك تايمز، “فقد التقيا رسميًا، وسارا سويًا، وقضيا أكثر من 25 ساعة طوال مدة علاقاتهما في تناول الطعام والعشاء، ولم ينضم إليهما سوى المترجمين”. وهذا يعني أن بايدن كان قد نجح على نحو ملحوظ في تكوين علاقة شخصية بصورة سريعة ساعدت في انفتاح في العلاقات ما بين واشنطن وبكين([8]).

ومن المرجح خلال الموسم الانتخابي أن يتعرض المرشحان للعلاقات الأمريكية الصينية ولا سيما موضوع انتشار فايروس كرونا وطريقة تعامل بكين مع تلك الأزمة.

 

ثانيًا: العلاقة بالحلفاء

رفع دونالد ترامب منذ مجيئه إلى السلطة شعار “أمريكا أولًا”. اعتقد البعض أنه مجرد شعار انتخابي ولن يتحول إلى استراتيجية العزلة التي اتبعتها الولايات المتحدة مراحل طويلة حتى انخراطها في الحرب العالمية الثانية، إلى جانب دول الحلفاء، لكن ترامب بدأ في اتّباع الكثير من آليات هذه السياسة، ساعياً بذلك لتدمير إرث طويل من العمل المشترك الذي جمع بلاده بالاتحاد الأوروبي، إذ نقل ترامب أمريكا من حليفة للأوروبيين إلى خصم لهم، إلى درجة أن هناك من يقول: ترامب لا يحمل شعار أمريكا أولًا.. بل المال أولًا؛ وهو أمر يمكن تلمّسه عبر مسارين:

1 – التشكيك في جدوى تلك التحالفات. يرى ترامب أن الولايات المتحدة يجب أن تتوقف عن تشغيل قواعد عسكرية أو نْشر قواتها في أراضي دول أجنبية، أو الدخول في تحالفات يترتب عليها تكاليف مالية كبيرة. ففي مقابلة أجرتها صحيفة الواشنطن بوست، في نيسان/ أبريل 2016 سئل دونالد ترامب إن كان يرى فائدةً في امتلاك الولايات المتحدة قواعد عسكرية في شرق آسيا، فأجاب بكل صراحة “شخصيًا لا أعتقد ذلك أبدًا”. وقد كرر مرارًا أن حلف “الناتو” أصبح قديمًا وغير فعال، وفي هذا مخالفة صريحة للإجماع الأمني وان للولايات المتحدة مصلحة جوهرية في الاحتفاظ بتحالفاتها الأمنية والاستراتيجية مع أوروبا وشرق آسيا والشرق الأوسط.

كما يعتقد ترامب أن حلفاء الولايات المتحدة الاستراتيجيين يجب إن يتحملوا كامل أعباء الوجود العسكري الأمريكي في بلادهم ومناطقهم، أو عليهم أن يتحملوا وحدهم أعباء الدفاع عن أنفسهم إذا لم يدفعوا للولايات المتحدة تكاليف ذلك. وبناءً على ذلك، لا تعتد إدارته بوجود شراكات استراتيجية مع الحلفاء، وهذا يمثل بحد ذاته تحولًا كبيرًا في العقيدة الأمنية للولايات المتحدة، وفي سياق هذا التحول، عبر ترامب عن استعداده لرفع العقوبات الاقتصادية التي فرضتها إدارة اوباما على روسيا بسبب سياساتها تجاه أوكرانيا، وأعرب عن رغبته في الاعتراف بضم جزيرة القرم إليها([9]).

2 – عدم الجدوى الاقتصادية من تلك التحالفات: تكابد الولايات المتحدة تكاليف الدفاع عن حلفائها من دون مردود حقيقي، لذلك يعتقد ترامب أن الولايات المتحدة لا تحصل على مكاسب فعلية من تلك العلاقة والتي تحكمها تركيبة النظام الدولي وقوانينه، وبخاصة في مجال التجارة، ولمدة طويلة كان ترامب يعارض اتفاقية التجارة الحرة، وقام هو بنفسه بالانسحاب من اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية التي وصفها بأنها الاتفاقية التجارية “الأسوأ”([10])، كما أنه انسحب من اتفاقية الشراكة التجارية عبر المحيط الهادي. وهو أعرب عن ثقته بقدرة الولايات المتحدة على دخول أي حرب تجارية والخروج منها منتصرة.

ينظر ترامب إلى مسائل التجارة الدولية من منظور اقتصادي بسيط قائم على الربح والخسارة وفق معادلة صفرية، وهو يعتقد أن الولايات المتحدة ممكن أن تستخدم نفوذها الاقتصادي لفرض شروطها على الآخرين كالضغط على الصين لتحرير سعر عملتها على سبيل المثال. ولا يبدي ترامب عدائه لاتفاقيات التجارة الحرة فحسب، بل إنه يعادي الاندماج الاقتصادي الدولي أيضًا. كذلك ساهمت إدارة ترامب في الإضرار بالرؤية الأوروبية الأمريكية المشتركة للتعامل مع أزمات دولية وإقليمية، مثل الاتفاق النووي مع إيران، بعدما ساعدت القوى الكبرى في التوصل إليه، والانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ، وأخيرًا الانسحاب من منظمة الصحة العالمية([11]).

بالنسبة إلى المرشح الرئاسي جون بايدن، دوليًا، سيسعى بايدن في حال فوزه، إلى إعادة ترميم الجسور مع الأوروبيين وحلف الشمال الأطلسي بعد تصدع هذه العلاقة خلال ولاية ترامب. من خلال العودة إلى الاتفاقيات السابقة الموقعة بين الطرفين، كاتفاق باريس المناخي، وكذلك من خلال تمتين الوجود الأمريكي العسكري في القارة والتشدد مع روسيا، كذلك سيعود بايدن إلى المظلة الأمنية في تقرير الوجود العسكري دوليًا.

وبالتالي سيعمل بايدن على تعزيز العلاقة مع حلفاء الولايات المتحدة وبخاصة في حلف شمال الأطلسي، التي تعرضت لانتكاسة في ظل الإدارة الحالية لترامب، ومن المتوقع أن يستعيد بايدن الشراكة مع الحلفاء ويخفف الضغوط عليهم. إضافة إلى أنه سيعمل على إصلاح الضرر الذي لحق بالرؤية الأوروبية – الأمريكية المشتركة حول الكثير من القضايا الدولية وعلى على رأسها الاتفاق النووي الإيراني عبر اتفاق إلـ 5+1 ([12]).

كما أن التغيرات الضخمة التي شهدتها الولايات المتحدة والعالم منذ مجيء ترامب إلى البيت الأبيض، كانحسار موجة العولمة وتغير توجهات المواطن الأمريكي تجاه بعض السياسات المرتبطة بها مثل اتفاقيات التجارة الحرة والتي قام ترامب في إثرها بالانسحاب من اتفاقية الشراكة التجارية عبر المحيط الهادي، ستترك أثرها في سياسة بايدن؛ وبالتالي من غير المتوقع أن يعود لها بايدن لأن أغلبية الرأي العام الأمريكي أصبحت تنظر بتشكك في الفوائد المرتبطة بهذه الاتفاقيات على الاقتصاد الأمريكي([13]).

 

ثالثًا: الشرق الأوسط والعلاقة مع إيران

فيما يتعلق بالشرق الأوسط بوجه عام هناك تشابه إلى حدٍ ما بين سياسات دونالد ترامب وسياسات جو بايدن، في ما يتعلق بتقليل الارتباط الأمريكي بمنطقة الشرق الأوسط وتقليل الدور القيادي فها. والأمر أصبح توجه استراتيجي للولايات المتحدة ولا يرتبط بشخصية رئيس معين، ويرجع أساسًا إلى انخفاض الأهمية الاستراتيجية للمنطقة في منظومة المصالح الاستراتيجية الأمريكية، وظهور فرص وتهديدات في مناطق أخرى على رأسها القارة الآسيوية. وبالتالي حضور موضوعات الشرق الأوسط في الانتخابات الأمريكية سيكون محدودًا بين المرشحين وعلى النحو التالي([14]):

  • الملف الفلسطيني. سيؤيد دونالد ترامب خطط إسرائيل لضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة لإسرائيل بحلول تموز/ يوليو 2020، فمن المتوقع أن يؤيد ترامب هذا الضم الذي يخدم خطابه وكون الحزب الجمهوري هو الآن الداعم الرئيس لإسرائيل في الولايات المتحدة. وهذه الخطوة ستجعل جو بايدن في موقف صعب، لأن الموافقة على الضم تغضب الجناح اليساري في الحزب الديمقراطي، وهو في أمسّ الحاجة إلى دعمه في تشرين الثاني/ نوفمبر. وعلى الأرجح أن يترك بايدن مسافة معيّنة للمناورة ويتبنى موقفًا يتسم بالدبلوماسية العالية بأن القرار في شأن قضايا الوضع النهائي متروك للإسرائيليين والفلسطينيين لكي يقرروا هم بأنفسهم ذلك.
  • تركيا. هي الأخرى تعدّ قضية خلافية بين المرشحين الرئاسيين، بسبب علاقة ترامب الوثيقة بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وبالفعل، عارض البيت الأبيض بقوة فرض عقوبات أمريكية على أنقرة حين اشترت تركيا نظام الصواريخ الروسي S-400، وأبدى ترامب استعدادًا أكبر للتراجع أمام الضغوط التركية في سورية. في 24 نيسان/ أبريل 2020، وفي توبيخ مباشر للسلطات التركية. من جانبه تعهّد بايدن بأنه، في حال انتخابه، سيدعم قرارًا يعترف بالإبادة الجماعية للأرمن وسيحافظ، أيضًا، على انتقاده قرار ترامب المفاجئ في عام 2019 بسحب القوات الأمريكية من سورية، الذي سمح بالتوغل التركي. وقد قال بايدن آنذاك إن ترامب “باعالأكراد في سورية”([15]). 
  • حروب وصراعات الشرق الأوسط. يرى ترامب أن الذهاب للحرب في الشرق الأوسط كالحرب على العراق عام 2003، كان أسوأ قرار في تاريخ الولايات المتحدة، تحت ذريعة باطلة هي أسلحة الدمار الشامل، لم يكن هناك أي منها. وأشار في تغريده لديه على تويتر إن “الولايات المتحدة أنفقت ثمانية تريليونات دولار في القتال والقيام بدور الشرطي في الشرق الأوسط، الآلاف من جنودنا العظماء قتلوا أو أصيبوا بجروح خطيرة، وملايين الناس قتلوا في الجانب الآخر”. من هذا المنطلق يعارض ترامب بشدة الخوض في حروب وصراعات هي من دون طائل ومن دون فائدة للولايات المتحدة، وهو دافع عن سحب قواته من سوريا أيضا([16]). وتتلخص فلسفة ترامب في ذلك، كالتالي، “على تلك الدول تحمل أعباء تلك الحروب بنفسها وعليها أن تؤدي دورًا قياديًا في تحقيق الأمن لنفسها ولمناطقها وإذا أرادت تلك الدول الحماية الأمريكية فعليها أن تدفع مقابل ذلك”. وعليه، يُتوقع أن يبقى اهتمام الولايات المتحدة بصراعات الشرق الأوسط، في صنع السياسات وفي الحملات، محدودًا في عام 2020. وسيعمل التناغم النفطي الأمريكي – الروسي – السعودي على جعل ترامب أقل حماسةً لدفع عملية سلام في اليمن وليبيا وسورية، حيث من المرجح أن تستمر النزاعات والقضايا العربية غير حاضرة في الاعتبارات الانتخابية لعام 2020، إلا إذا ثارت بعد أزمة كورونا اضطرابات في بعض أنحاء العالم العربي في الأشهر المقبلة. في المقابل دعم جو بايدن الحرب على العراق عام 2003، وكان صاحب مشروع تقسيم العراق إلى مناطق فدرالية، لكنه تراجع عن مواقفه هذه في ما بعد، وأيد انسحابًا أمريكيا من أفغانستان في 2010، وأصبح لا يحبذ وجودًا عسكريًا ثقيلًا في العراق وسورية، بل إنه لن يتسرع في الانسحاب في حال انتخابه رئيسًا. فهو يؤيد، كما قال في المناظرات، إبقاء قوة عسكرية خاصة في سورية. كذلك سيدعم بايدن خطة ترامب لإنهاء الحروب الطويلة التي لا تنتهي في الشرق الأوسط. لكنه مع ذلك سيحاول تمييز نهجه عن نهج إدارة ترامب في الشرق الأوسط من خلال اقتراح بعض الفروق الدقيقة. وقد يتخذ إجراءً مختلفًا في شأن الانسحاب من سورية([17]).

ستكتشف الولايات المتحدة، مع انتخاب بايدن، أن التوجهات الشعبية الأمريكية تعارض التورط في حروب جديدة، كما يعم الرأي العام الأمريكي حالة ضيق من آفاق التدخل العسكري في دول أخرى وذلك بسبب العبء الاقتصادي والأمني لهذه التدخلات. لهذا سيكون العهد الديمقراطي أكثر مهادنة وأقل تدخلًا في حروب وشؤون الدول الإقليمية([18]).

  • الملف الإيراني. لم يخف ترامب معارضته القوية للاتفاق النووي الذي وقعته طهران في إدارة أوباما مع الدول العظمى في تموز/ يوليو 2015، وبدأ تطبيقه مطلع عام 2016. ويراه أسوأ اتفاق([19])، لأنه يضع إيران، “في طريق الحصول على سلاح نووي”، ولم يكتف ترامب بانتقاد الاتفاق، ولكنه اتخذ قراره بالانسحاب منه والعودة إلى العقوبات في الثامن من أيار/مايو 2018، مؤكدًا أن الاتفاق لم ينجح في وقف المساعي الإيرانية للحصول على السلاح النووي، أو ردعها عن مواصلة تطوير برنامجها للصواريخ البالستية([20]). كما وصفه صراحة بأنه “خطير جدًا”، ومؤكدًا أنه “خطأ تاريخي” سيوقفه بأي وسيلة ليتسنى له تصحيح هذا الخطأ، ووضعه كأولوية في سياسته الخارجية، وأنه سيسعى لزيادة العقوبات حتى أكثر مما كانت عليه قبل الاتفاق، وأعلن في 20 نيسان/أبريل 2017 أن إيران لا تحترم روح الاتفاق الموقع عام 2015 مع القوى العظمى حول برنامجها النووي الذي أدى إلى تخفيف العقوبات الدولية عليها، كما تضمن خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 19 أيلول/سبتمبر 2017 وصف إيران بالدولة المارقة وممهدًا الطريق لإلغاء الاتفاق بقوله: “لا يمكننا السماح لنظام قاتل بالاستمرار في هذه الأنشطة المزعزعة للاستقرار مع استمراره في بناء صواريخ خطرة، ولا يمكننا الالتزام باتفاق إذا كان يقدم الغطاء لإقامة برنامج نووي محتمل”([21]).

وحتى قبل قرار ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي، اعتمدت إدارته، مبكرًا، سياسة العقوبات التي عبّرت عنها بسلسلة من القرارات من بينها قرار مجلس الشيوخ الأمريكي في 15 حزيران/يونيو 2017، لحزمة من العقوبات الجديدة، تستهدف أي شخص أو كيان أجنبي يقوم بأعمال مع كيانات إيرانية ذات صلة ببرنامج الصواريخ الإيرانية‏؛ وذلك بهدف إضعاف قدرات إيران والاحتفاظ بمزيد من أوراق الضغط عليها.

وستبقى إدارة ترامب عشية الانتخابات الرئاسية متمسكة دومًا بالضغط على النظام الإيراني. ففي 22 نيسان/ أبريل 2020، أمر ترامب البحرية الأمريكية “بقصف وتدمير” الزوارق الحربية الإيرانية التي “تضايق” السفن الأمريكية؛ حصل ذلك بعد لقاء استفزازي بين الجانبين في مياه الخليج. وجاء مقتل قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني بواسطة قصف بطائرة من دون طيار وبتوجيه مباشر من ترامب ليشهد مزيد من التصعيد في هذا السياق، ومع أن المواجهة بين واشنطن وطهران غير محتملة، فإن وقوعها قبل الانتخابات سيهيمن على المناظرات الرئاسية ويثير الشكوك أيضًا في قدرة ترامب على تجنّب جر الولايات المتحدة إلى الحرب([22]).

فيما يتعلق بجو بايدن، فهو يُعدّ من مؤيدي الخيار الدبلوماسي في التعامل مع إيران مع استخدام أسلوب العقوبات. وسيدافع بايدن بلا شك عن الاتفاق النووي مع إيران بوصفه أحد إنجازات السياسة الخارجية الرئيسة للرئيس السابق باراك أوباما. يجدر بالذكر أنه صوت ضد تصنيف الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية حين كان سيناتور.

لذلك من المتوقع مع رئاسة بايدن الجديدة أن تغير الولايات المتحدة من سلوكها تجاه إيران. هذا التحوّل ستقبل عليه الولايات المتحدة مع بقاء النظام الإيراني في مكانه. لهذا ستجد الولايات المتحدة أنها بحاجة إلى هدوء أكبر في ملفها الشائك مع إيران، ولهذا ستبتعد من العقوبات الراهنة، ومن الضغط المبالغ به على إيران، لكنها ستجر إيران إلى مفاوضات تسمح بالتهدئة والتوازن([23]). وبينما يدور جانب من الصراع الأمريكي مع إيران حول قضايا محددة كالنووي ودور إيران في الإقليم، لكن الولايات المتحدة في ظل إدارة ديمقراطية جديدة ستكون أقل حماسة للتصدي للدور الإيراني في الإقليم، بل ستكون تلك الإدارة أكثر حماسة للوصول إلى تسوية مع إيران. ربما تنشأ تحالفات هدفها التهدئة وتغيّر سلوك إيران بلا مواجهة مباشرة. هذه الاحتمالات قائمة وهي تتناقض مع الخط العام لإدارة الرئيس ترامب([24]).

 

رابعًا: القيادة العالمية والمنظمات الدولية

 يعتقد ترمب أنّ الولايات المتحدة هي بلد محمي طبيعيًّا، ومن ثمّ لا يوجد تهديد وجودي لها، وبالتالي فهو يدعو إلى الانكفاء وعدم الانخراط في الشؤون الدولية، والتركيز في الداخل، انطلاقًا من أنّ أمريكا لا تحتاج إلى العالم، فهي من جهته تتبادل 80 بالمئة من تجارتها مع نفسها هذا من جهة.

من جهة ثانية يرى ترامب أنّ الآخرين لا يتحملون قسطًا كافيًا من أعباء العمل لتوفير الأمن في النظام الدولي، وأنّ عليهم أن يؤدوا دورًا قياديًا في تحقيق الأمن لأنفسهم ولمناطقهم. وهذا بدوره سيرسل إشارات سوف تفهم منها كلٌّ من الصين وروسيا وكوريا الشمالية وحتى إيران، أنه لن يكون هناك ردّ فعل أمريكي إذا اتخذوا خطوات عدائية تجاه خصومهم الإقليميين، وسوف يثير ذلك شكوك الحلفاء أيضًا حول مدى الالتزام الأمريكي بأمنهم. لقد تركت انعزالية ترامب أثرها العميق حول دور الولايات المتحدة ونظرتها إلى نفسها ثم هناك عودة إلى عقلية ما قبل الحرب العالمية الثانية، حين كان الأمريكيون يشكّكون في قدرة بلادهم على أداء دور قيادي في النظام الدولي، ومن ثمّ التحلل من الالتزامات التي التزمت بها على امتداد سبعة عقود([25]).

كذلك فاقم وباء كورونا، أيضًا، النزعة الانعزالية لدى ترامب، وهو بذلك، مرة أخرى، يلغي دور أمريكية القيادي في خضم أزمة عالمية. لقد أصابت إدارة ترامب المسؤولين الكنديين بالإحباط من جراء منع شحنات أقنعة طبية من دخول الولايات المتحدة بغرض الاستهلاك المحلي، بينما قبلت عرضًا بإمدادات طبية من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وأضاع ترامب فرصة لإعادة تأكيد الدور القيادي لأمريكا في العالم خلال قمة مجموعة العشرين في آذار/مارس 2020. وعرض مساعدة كوريا الشمالية في معالجة حالات فيروس كورونا المستجد، لكنه لم يظهر تعاطفًا مماثلًا مع الحلفاء في أوروبا ومناطق أخرى. وقد يستمر هذا الانسحاب الأمريكي من القيادة العالمية في عام 2020 وبعده، في انتظار نتائج الانتخابات في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020([26]).

لقد أدت السياسة الخارجية للولايات المتحدة في عهد ترامب إلى تراجع مكانتها الدولية من المركز الأول في جدول القوة الناعمة على مستوى العالم عام 2016 إلى المركز الخامس في عام 2019. وهي مستمرة في التراجع. هذا التدهور في المكانة العالمية للولايات المتحدة ليس من صنع الصين، ولا علاقة له بارتفاع مكانتها، بل يرتبط مباشرة بضعف القدرات الذاتية وبتحولات في السياسة الأمريكية نفسها، تجاه حلفائها وخصومها في آن واحد؛ فإذا أضفنا إلى ذلك تأثير التحولات التي تجتاح العالم، وبمقارنة ذلك بمقدار التحولات الهائلة التي تحققها الصين، سندرك على الفور لماذا نشهد بداية أفول القوة الأمريكية([27]).

يرى الكثيرون أنّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لا يتسبّب في إحداث تحوّلات ملحوظة في النّظام الدّولي، بل يتسبب في تسريعها. ففي السياسة الخارجيّة، يبدو أنّ لترامب وجهة نظر عالميّة واضحة ومحدّدة، ترتكز على تشكيك متأصّل في نظام التحالف لما بعد الحرب العالميّة الثانية وفي النّظام المتعدّد الأطراف. فالرئيس ترامب لا يفضل أن يكون جزءًا من المبادرات المتعددة الأطراف التي يعتقد أنها تفقد الولايات المتحدة ميزة المساومة. وقد انسحب خلال مدة ولايته من بعض تلك المبادرات الرئيسية مثل صفقة التجارة عبر المحيط الهادئ، واتفاقيات باريس للمناخ واتفاق إيران النووي. وهو بذلك بدّل نهج “أمريكا أولًا” الذي كان متبعًا على مر السنين إلى نهج “أمريكا فقط” في علاقته مع حلفاء الولايات المتحدة حول العالم. وأدت سياساته تلك إلى تراجع مكانة الولايات المتحدة كقوة عالمية ودفعته توجهاته وشخصيته المتقلبة إلى انتهاج أهداف عدائية، فعمد إلى التنصل من المنظمات الدولية التي تهدف إلى تعزيز الديمقراطية والحرية الليبرالية، كالانسحاب من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتّحدة، وفي وقت سابق، أعلن ترامب تجميد تمويل الولايات المتحدة لمنظمة الصحة العالمية، وهي المساهم الرئيسي للتبرعات فيها ومن ثم الانسحاب منها أخيرًا([28]).

في المقابل إذا ما تم انتخاب جو بايدن رئيسًا للولايات المتحدة، فإنه سيعمل في إطار أكبر يتعلق بفكرة استعادة الدور القيادي للولايات المتحدة في العالم والشراكة مع الحلفاء وليس الانكفاء على الذات وتبني شعار أمريكا أولًا كما فعل ترامب. ومن المحتمل أن يقوم بإجراءات مختلفة لبناء الثقة مع حلفاء الولايات المتحدة، ومن المرجح أن يدلي بتصريحات تؤكد التزام الولايات المتحدة بالمبادرات المتعددة الأطراف والمنظمات الدولية. وعلى الأرجح سيبني بايدن خطابه في الناتو على طمأنة حلفاء الولايات المتحدة في ما يتعلق بالمادة (5) من ميثاق الحلف. كما يُتوقع أن يعيد بايدن مشاركة الولايات المتحدة في الاتفاق النووي الإيراني واتفاق باريس المتعلق بالمناخ.

وبالتالي ستمثل السياسة الخارجية لبايدن انحرافًا كبيرًا عن نهج الإدارة الحالية؛ من خلال العمل على دعم المنظمات الدولية، والعلاقات الشخصية الودية مع قادة العالم، جنبًا إلى جنب مع الالتزام المستمر بالإنفاق الدفاعي العالي المستوى واتخاذ موقف حذر تجاه خصوم أمريكا. وسيكون الهدف الأسمى لإدارته هو إثبات المصداقية والمكانة التي كانت تتمتع بها واشنطن قبل عام 2017. وسيعمل مع الحلفاء ومن خلال المؤسسات المتعددة الأطراف، وسيعود إلى الاتفاقيات الدولية، التي تخدم الولايات المتحدة، وبالتالي، فإن الالتزام تجاه المنظمات الدولية، سيكون اختلافًا واضحًا في السياسة الخارجية بين ترامب وبايدن، وكان الأخير مؤيدًا منذ مدة طويلة لمثل هذا النهج في إدارة الشؤون الدولية([29]).

ومن بين الاتفاقات الرئيسية لإدارة أوباما التي شارك فيها جو بايدن، اتفاقية باريس في شأن تغير المناخ، والاتفاق النووي الإيراني، كما التزم أيضًا بإعادة الانضمام إلى منظمة الصحة العالمية، بقوله يوم 7 تموز/ يوليو2020: “الأمريكيون أكثر أمانًا عندما تشارك واشنطن في تعزيز الصحة العالمية.. في يومي الأول كرئيس، سأعود للانضمام إلى المنظمة وسأستعيد قيادتنا على المسرح العالمي”([30]).

وبالتالي سوف يكون بايدن امتدادًا لأوباما في تعزيز دور المنظمات الدولية والتعاون المتعدد الأطراف، الذي شهد تراجعًا في عهد ترامب وكان آخرها الانسحاب من منظمة الصحة العالمية والتهديد بالانسحاب من منظمة التجارة العالمية.

خاتمة

في النهاية، على الرغم من الاختلاف الواضح في التعاطي مع الشأن الدولي لكل من دونالد ترامب وجو بايدن، إلا أنه يمكن القول إنّ هناك إجماعًا بدأ يتشكّل في الولايات المتحدة عمومًا، وفي أوساط الحزبين خصوصًا، يرفض استمرار قيام الولايات المتحدة بدور “الشرطي” في النظام الأمني العالمي، وهو إجماع يجد دعمًا كبيرًا بين الأمريكيين. ففي استطلاع للرأي أجرته مجموعة “بيو” للأبحاث، رأى 57 بالمئة من الأمريكيين أنّ أمريكا يجب أن تهتمّ بحلّ مشكلاتها وأن تترك للآخرين حلّ مشكلاتهم بأنفسهم.

في الحقبة المقبلة بعد الانتخابات سيشهد الدور الأمريكي مزيدًا من التراجع، لكن ذلك لا يعني نهاية الدور الأمريكي العالمي، بل سيعني تراجعًا لهذا الدور ولجوءه إلى لغة التحالفات والتعاون. ستبقى الولايات المتحدة دولة كبرى مؤثرة، لكن دورها لن يكون كالسابق وقدراتها لن تسمح لها بأن تكون شرطي العالم.

وستكتشف الولايات المتحدة أنها لن تستطيع قيادة العالم لوحدها، وأن اللحظة الأمريكية الانفرادية قد فاتت، وأنها لن تستطيع إدارة الدول الأخرى كما تريد، بل ستضطر إلى التعاون الدولي والتعاون الإقليمي، وبخاصة أن الأولوية في السياسة الخارجية الجديدة ستكون للتعامل مع آثار كورونا الاقتصادية وللتعامل مع القضايا كافة المرتبطة بالتجارة وتحسين الأداء الاقتصادي.

ومع الإدارة الجديدة لن تكون تصورات ترامب حول العقوبات على إيران مثلًا هي الفيصل، كما يصعب أن تستمر تصورات الأسود والأبيض في التعامل مع الصين وأوروبا، ستجد الولايات المتحدة أن التعاون والتفاوض هما الأفضل من المقاطعة والابتعاد. في حين أن إدارة محتملة لبايدن سوف تكون في جانب منها امتداد لإدارة أوباما السابقة، ولكن الجانب الأكبر سوف يكون انعكاسًا للتغيرات الضخمة التي شهدتها الولايات المتحدة والعالم خلال السنوات الأربع الماضية، وأي تطورات جديدة سوف تشهدها السنوات القادمة([31]).

سيقدم ترامب وبايدن خيارين متناقضين في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، وبالفعل لم يسبق للسياسة الخارجية الأمريكية أن واجهت مثل هذه المخاطر.

 

 قد يهمكم أيضاً  الانتخابات الرئاسية الأمريكية: الأبعاد التاريخية والسياسية والدستورية

#مركز_دراسات_الوحدة_العربية #الانتخابات_الأميركية #أميركا #الولايات_المتحدة_الأميركية #دونالد_ترامب #جو_بايدن #الرئيس_الأميركي #الإنتخابات_الرئاسية_الأمريكية #السياسة_الخارجية_الأميركية #الأحزاب_الأميركية