مقدمة:

ربما لا يكون تناول القول الهيثمي والأرض التي يتجذّر فيها فكرُه سهـلاً وبديهيّاً، ولا سّيما أنّ إعادة فتح سيرة صاحب المناظر من جديد في زماننا هذا قد يصطدم في بدايته بجملة من الإشكاليات لعلّ من أهمّها: ما الأسس الفلسفيّة لبحوث ابن الهيثم العلميّة؟ وأنّى لنا أن نعتبر الرياضيّات أفقاً ملائماً لاستشكال موقف فلسفي؟

إنّ التّوجّه بالمسألة جهة النّظر الفلسفي هو ما نعتقد أنّه سيجعلنا نقترب من القول الهيثمي في مداه الأصلي وتخومه الإشكاليّة، لذلك ارتأينا أن نولي وجهنا شطر هذا الضّرب من النّظر كشرط لتحديد منزلة المواضيع الرياضيّة من المتن الهيثمي وطريقة تلقيه للرياضيّات اليونانيّة والعربيّة السائدة في عصره.

أولاً: في ماهية الكائن الرياضي ووجوده

لعلّ من أهمّ المشكلات الّتي يثيرها القول الهيثمي هي مشكلة التّعرّف إلى خواص الـ «كائنات الرّياضيّة» وماهياتها. فلئن جرى الاهتمام بهذه القضيّة منذ إقليدس، فإنّ ابن الهيثم في إجابته عن سؤال ما معنى أن نفكّر في خواص الـ «كائنات الرّياضيّة» وماهياتها؟ يُميّز بين نوعين من النّظر، فإذا كان الفيلسوف – من وجهة نظره – يطمع في إثبات وجود إنيّات الموجودات، فإنّ العالِم يُمكن أن يكون كلامه مركّباً من الفلسفة والعلم.

بيد أنّه، إذا كنّا نعرف اهتمام ابن الهيثم بـإقليدس الّذي أفرده بمؤلّفات كاملة، شرحاً لأصوله ومعانيه ومصادراته، فإنّ ذلك لا يعني قبولاً غير مشروط لأطروحاته، بل لعلّ الشّكوك التّي أثارها ابن الهيثم منذ مدخل مؤلَّفه الموسوم بكتاب في حلّ شكوك كتاب إقليدس في الأصول وشرح معانيه كفيلة للتّدليل على ذلك. ففي تعليقه على حدّ إقليدس للنّقطة بأنّها «شيء لا جزء له»‏[1]. نجده يناقش هذا الحدّ منطقيّاً من حيث هو حدّ من الحدود المنطقيّة، وفلسفيّاً من حيث ماهية النّقطة ووجودها، حيث اعترض على إقليدس لكونه عرّف النّقطة من دون أن يبرهن على وجودها‏[2]. كما اعترض على «الفصل» المنطقي، وهو «لا جزء له»، ووصفه بأنّه غير كافٍ، «لأنّ ما لا يتجزأ هو أشياء كثيرة. وإنّما المتجزّئ من جميع الموجودات هو المقادير فقط، وما سوى المقادير فليس يتجزّأ كالوحدة والهيولى الأولى وكالعقل الفعّال وكالعدم»‏[3] لا يتجزّأ مع أنّه يسمّى شيئاً، فليس تنفصل به النّقطة عمّا سواه. فإذا كان عيب إقليدس في رأي ابن الهيثم أنّه لم يُبيّن أنّ النّقطة موجودة، فكيف عالج صاحب المناظر هذا الأمر؟ وهل أضاف إلى حدود إقليدس شيئاً جديداً؟

في جوابه عن هذا الإشكال يبيّن ابن الهيثم أنّ الكلام في مشكلة وجود الكائنات الرّياضيّة، وإثبات إنيّتها ليس بحثاً هندسيّاً، ولا يجب على المهندس إثبات وجود النقطة، «ولا إثبات وجود شيء من المقادير الّتي يستعملها، لأنّ إثبات وجود إنيّات الموجودات إنّما هو على الفيلسوف لا على المهندس»‏[4]. ولكن، إن كان واجباً على المهندس تبيينه بما هو مهندس، فقد يجوز له أن يُبيّن إنيّة النّقطة «بما هو متكلّم كلاماً فلسفيّاً بل كلاماً مركّباً من الفلسفة والهندسة»‏[5]. وبهذا المعنى، فإنّ ابن الهيثم يُميّز بوضوح بين الجانب التقني، أي الجانب الرّياضي المحض، والجانب الفلسفي، ولكنّه يُجيز التّركيب بين القول الفلسفي والقول الهندسي. مغزى هذه الإشارة أنّه إذا لم تكن ثمّة هندسة محض فلسفيّة، فإنّه ليس ثمّة مع ذلك هندسة خالية من الفلسفة، وهذا عصب نقد ابن الهيثم للقول الإقليدي.

وفي إثر عرضه لأصول إقليدس ومعانيها، يتناول ابن الهيثم الخطوط المستقيمة والمستديرة والبسيطة، معتبراً أنّ كلّ نقطتين من النّقط الّتي على الخطّ المستقيم فالجزء من الخطّ الّذي بين تلك النقطتين هو أقصر الأبعاد التي بين تلك النّقطتين، وهذا القول هو حدّ للخطّ المستقيم، وهو موجود في التّخيّل. لأنّه «إذا تخيّل المتخيّل الخطّ ولم يستصحب في تخيّله شيئاً من السّطح ولا عرضاً من الأعراض التّي تعرض في سطوح الأجسام الطّبيعيّة كالألوان وكالخشونة والملاسة والصِقل، وما يجري مجرى ذلك ممّا يُدرك بالحسّ في نهايات الأجسام سمّي ذلك الخطّ خطّاً تعليميّاً، فالخطّ التّعليمي إذن هو مقدار ذو بعد واحد وهو موجود في التّخيّل»‏[6]. ولأمر كهذا، يتمثَّل ابن الهيثم هذا النّموذج بخيط مشدود بقوّة من طرفيه لكن هذا النّموذج لا يصلح إلا لمُساعدة «التّخيّل» على تصوّر المُستقيم، من دون أن يستطيع البتّة إثبات وُجوده. ومن أجل ذلك، ساغ التّساؤل حول كيفيّة إثبات خواص الكائنات الرياضيّة وإقامة الدليل على وجودها.

للإجابة عن هذا السؤال يستهلّ ابن الهيثم هذا الأمر بتحديد ماذا يريد بالحدّ، وفي ذلك يقول: «إنّا نريد بالحدّ القول الدّال على المعنى، لا ما يُشير إليه المتفلسفة من تقرير لفظ الحدّ وترتيبه»‏[7]. وهذا معناه أنّ الرّجل لا يُريد بالحدّ الّذي يُشترط فيه أن يدلّ على الماهية بالجنس والفصل على طريقة المتفلسفة والمناطقة، بل إنّ الحدّ في نظره قول محض يدلّ على المعنى الذي يُنتزع من المقادير الرّياضيّة. وعليه، فإنّ إقامة الدّليل على وجود الكائنات الرّياضيّة لا نتوصّل إليه عبر تحليل القضايا في صورتها المنطقيّة المتّصلة أو المنفصلة، بل على الضد من ذلك، يظلّ كشف خواصها وهيئاتها وكيفيّة حدوثها اقتضاء تداوليّاً، وليس دليـلاً صوريّاً نتوصّل إليه بصرف النّظر عن الحالة التي يوجد عليها في الواقع. فكلّ القضايا التي تُسند محمولات إلى موضوعات تنبني على اقتضاء منطقي. بيد أنّ اقتضاء الجنس والفصل لا يمكن أن يثبت الوجود الفعلي للكائنات الرياضيّة، لأنّه يقف عند خواص لا تدخل في تقويم ماهياتها، وإنّما تتبدّى كمحمولات للماهية. كما لا يصحّ حمل محمول أو نفيه عن موضوع، صحيحاً كان أو خاطئاً، إلّا إذا تحقّقنا من الاقتضاء الوجودي، الذي يفضي إلى القول: إنّ القضيّة بعد ذلك صادقة أو كاذبة. ويبدو من كلّ هذا، أنّه أراد أن يعيد النّظر في مفترضات فلسفيّة شغلت الذّهن الفلسفي مبنية على القول بأنّ الحدّ يتمّ بالجنس والفصل، وهو ما يجعلنا نفهم أنّ كلامه عن الحدّ هو أدخل في باب الفعل العقلي منه في باب الحمل الواصف لمحمولات الماهيّة الذاتيّة. ومعنى هذا أنّ ابن الهيثم غلّب الاعتبارات الدّلاليّة على الاعتبارات المنطقيّة في تصوّره لما يكونه الحدّ.

ومن أجل الاقتراب من المقصد الذي نروم تلمّس بعض أبعاده الدّلاليّة، أي كيفيّة تحديد خواص الكائنات الرّياضيّة وهيئاتها وكيفيّة حدوثها، مثل حقيقة الدّائرة أو غيرها من الأشكال بمعناها الرّياضيّ الدّقيق، يُمكن القول، إنّ كلّ هذا راجع في تقدير صاحب المناظر إلى الإبداع العقليّ أو ما عبّر عنه بـ «الصورة التي تحصل في التّخيّل»‏[8]، بعد أن انتُزعت وجُرّدت من «المقادير المحسوسة»‏[9]، وصارت مقادير خياليّة. فطريق البحث عن خواص المعاني، غير ممكن إلّا إذا حصلت في التخيّل وصارت معقولةً. فالنّقطة مثـلاً «موجودة في العقل والتّخيّل ولا يجوز أن توجد بغير العقل والتّخيّل، لأنّها ليست من ذوات المواد، فليس يجوز أن توجد بالحسّ. وإذا كانت لا يجوز أن توجد إلّا بالتّخيّل والتّمييز وقد وُجدت بالتّخيّل والتّمييز، فقد تبيّن أنّ إنيّة النّقطة موجودة»‏[10]. وبهذا التّقدير، فإنّ «الموجود على التّحقيق هو الموجود بالتّخيّل والتّمييز، أمّا الموجود بالحسّ فليس بموجود على التّحقيق»‏[11]. وكذلك يكون وجود جميع المقادير التّعليميّة إذا حصلت لهذه المقادير صورة في التّخيّل معقولة مفهومة عند التّمييز أمكن للقوّة المُميّزة تخيّلها وتجريدها من المادة «من غير حاجة إلى التّوسّل والتّدرّج في كلّ وقت»‏[12]. ولكن، ما هي أسباب اعتراض ابن الهيثم على شهادة الحواس؟

1 – أسباب اعتراض ابن الهيثم على شهادة الحواس

اعتراض ابن الهيثم على شهادة الحواس، يعود إلى سببين: أحدهما أنّ الحواس كثيرة الأغلاط، ولا يحسّ الإنسان بغلط حسّه، ولذا فلا يوثق بوجود حقيقة المحسوس، «والموجود الّذي لا يُوثق بوجود حقيقته ليست له حقيقة موجودة، وإذا لم تكن حقيقته موجودة، فليس هو بموجود على الحقيقة»‏[13]. والعلّة الأخرى أنّ الأشياء المحسوسة كائنات فاسدة، فهي أبداً مستحيلة وليست ثابتة على صفة واحدة، ولا آناً واحداً، فليست لها حقيقة ثابتة، «وإذا لم تكن لها حقيقة ثابتة فليس توجد على الحقيقة»‏[14]. فمثـلاً حينما نرى في الأجسام الطّبيعيّة مسافات كثيرة مستديرة، فإنّ ذلك لا يعني أنّها مستديرة على الحقيقة، ويقدّر أصحاب المساحات هذه المسافات المستديرة ويمسحونها على أنّها دوائر، ولكنّها «ليست دوائر على الحقيقة»‏[15]، فيصحّ القول إنّه ليس يوجد في عالم الكون والفساد، التي تُدرك بالحواس، دوائر متساوية، ولا وجود لدائرة صحيحة الاستدارة من بين هذه الدّوائر. فالدّائرة لها مفهومٌ من حيث الوصف، ولكن معنى هذا الوصف غير موجود «ولا يصحّ وجوده لأنّه ليس يُوجد في الحسّ شكل على هذه الصّفة، أعني على غاية الاستدارة (…)، إنّ هذا القول إنّما هو مثل وصفنا لعنقاء مغرب، فالصّفة مفهومة والعنقاء غير موجودة»‏[16]. ويعني ابن الهيثم بهذه الإشارة، أنّه ليس في الأجسام الطبيعيّة سطح مستدير على غاية الاستدارة، حتّى ولو افترضنا أنّه موجود، فلا طريق لنا لأن نعلم بوجوده على الحقيقة للعلّتين اللّتين أشرنا إليهما آنفاً وهما: أنّ الأجسام الطّبيعيّة متغيّرة لا تثبت على حال ولا في آن، وأنّ الحواس لا تُدرك هيئات الأجسام الطّبيعيّة على غاية التّحقيق، فمثـلاً «حاسة البصر ليست تدرك المبصر الّذي في غاية الصغر، فإنّ الجزء من ألف جزء من عين البعوض لا يدركه البصر، وكذلك حاسة اللّمس لا تدرك الجزء من ألف جزء من رجل النّملة»‏[17].

وهكذا يمكن القول، إنّ ما يُشكّل ماهيّة الكائن الرّياضيّ – من وجهة نظر صاحب المناظر – وما يضمن له المعنى ويؤمّنه هو «إخراجه إلى الوجود العقلي»‏[18]، لأنّ الصّورة التّي تحصل في التّخيّل والتّمييز هي الصورة الحقيقيّة. وبناء عليه، يمكن أن نترجم عبارة «إنّا نريد بالحدّ القول الدّال على المعنى» بعبارة إنّا نريد بالحدّ القول الدّال على صورة الشّيء العقليّة المتخيّلة، أي أنّ المعنى الرّياضيّ من حيث ماهيته ووجوده إنّما هو في التّخيّل فقط، فالموجود الحقيقي هو الموجود المُتخيَّل.

وفي هذا المناخ العقلي، يلوح لنا أنّنا إزاء قول مركّب من النّظريّة الأرسطيّة في التّجريد (mathemata) ونظريّة المثل الأفلاطونيّة (الوجود الذّهني الأصلي للكائنات الرّياضيّة). وهذا معناه بعبارة أخرى، أنّنا إزاء صورة مجرّدة استقرّت في التّخيّل. فما نستنتجه، إن جاز مقام الاستنتاج هنا، أنّ ابن الهيثم وصّف أنطولوجيا جديدة للكائن الرّياضيِّ تقوم على التّركيب بين المقدار والإنيّة عبر فعلي التّجريد والتّخيّل. وهذا الاشتراك بين المقدار والإنيّة يُمكّن هذه الأخيرة من الاتّصال بالأولى، ويُضفي عليها صفة المصداقيّة وكثافة دلاليّة خاصّة.

ومع كلّ هذا، علينا أن نخطو مع صاحب المناظر خطوات أخرى تقودنا إلى مقالته الموسومة بمقالة في المعلومات، ولكي نتبيّن الأهميّة الّتي أولاها لهذا الغرض، يمكن أن نستحضر أيضاً ما اصطلح عليه عالمنا الفيلسوف في مقالته آنفة الذكر بـ «المعلوم». فماذا يعني ابن الهيثم بالمعلوم؟

2 – في ماهية المعلوم

إنّ المعلوم، بحسب ابن الهيثم: «هو اعتقاد معنى لا يصحّ فيه التّغيّر»‏[19]، من حيث هو صورته التّي منها تتقوّم خاصّته أو خواصه، لأنّ من طبيعته أنّه لا يدخل تحت الكون والفساد، ولا يتغيّر بضرب من ضروب التّغيّرات، «فليس يكون الشّيء، معلوماً إلّا إذا كان ثابتاً على حال واحدة هي مائيّته الّتي تخصّه»‏[20]. على هذا النّحو مثـلاً، يستحضر ابن الهيثم المعلوم الّذي يخصّ مائيّة الخطّ، فيقول: «فأمّا المعلوم الّذي يختصّ بمائية الخطّ، فهو أنّ الخطّ طول لا عرض له، لأنّ هذا المعنى هو في جميع الخطوط ولا يتغيّر. فأمّا طول الخطّ وشكله، فإنّه يتغيّر في الخطوط، لأنّ الخطوط منها مُستقيم ومنها مُستدير ومنها مُنحن على اختلاف أنواع الانحناء، فالمعلوم الّذي يختصّ بمائيّة الخطّ هو أنّ الخطّ طول لا عرض له»‏[21].

وأمّا كيف تفهم القوّة المميّزة صورة استقامة الخطوط فذلك «لأنّ صورة الاستقامة يدركها جميع النّاس من الأجسام المحسوسة، وذلك أنّ كثيراً من الأجسام المحسوسة توجد أشكالها مستقيمة، وتعمل على شكل الاستقامة كالمساطر، والسهام والعمد، وكثير من الأبنية، وكالخيوط، والشعر إذا مدّت مدّاً شديداً، وأمثال ذلك كثيرة، وكلّ واحد من هذه الأجسام يدركها الحسّ، ويدرك أنّها مستقيمة، ويفهم التّمييز صورة الاستقامة منها. وإذا أدرك الإنسان الأجسام المستقيمة الشّكل، ويدرك أنّها مستقيمة. ويفهم التّمييز صورة الاستقامة منها، وإذا أدرك الإنسان الأجسام المستقيمة الشكل المختلفة الصورة، وأدرك الاستقامة من كلّ واحد مع اختلاف إحاطتها، واختلاف جواهرها، واختلاف ألوانها، واختلاف أعراضها، حصلت صورة الاستقامة متخيّلة في نفسه مفهومه عنده»‏[22]. وهذا الأمر ينسحب – بحسب ابن الهيثم – على جميع المعاني التّعليميّة كماهية الزّاوية وماهية الدّائرة وماهية محيط الدّائرة وماهية العدد وماهية الوحدة الّتي هي عنصر المقادير التّعليميّة وأوّلها، والأوضاع الهندسيّة وما يلازمها من علاقات تشكيليّة بين الخطوط والسّطوح والأجسام. وعليه، فإنّ جميع المعاني العلميّة ‏[23] المعلومة سواء كان علمنا لها بالقوّة أو بالفعل، هي مواضيع تنحصر في دائرة المفاهيم اللّامُتغيّرة الّتي يمنحها الكائن العاقل مصداقيّة هي بدورها لا مُتغيّرة، ويكون الكائن العاقل في الأمر مدركاً ذلك. لأنّ المعلوم على التّحقيق بعبارة ابن الهيثم «هو كلّ معنى لا يصحّ فيه التّغيّر، أعتقدَ ذلك المعنى معتقد أو لم يعتقده معتقد»‏[24].

بناء على الاعتبارات السابقة، يبدو أنّ ابن الهيثم أراد من هذه الاعتبارات توكيد ثبات المعلومات الرّياضيّة واستقلال كينونتها عن الزّمان والمكان وعن الكائن الّذي يمحنها مصداقيّة. ومعنى هذا بعبارات أخرى، أنّ للكائنات الرّياضيّة عند ابن الهيثم وجوداً مزدوجاً، عقليّاً وأنطولوجيّاً. وهذان الوجودان كلاهما بالقوّة وبالفعل معاً. فالمقادير لها وجود أنطولوجي، وهو وجود بالقوّة إذا لم يصح اعتقاد المعتقد للمعنى الّذي لا يتغيّر في المعلوم. والوجود العقلي للمقادير هو وجود بالفعل إذا صحّ اعتقاد المعتقد للمعنى الذي لا يتغيّر في المعلوم. ومن أجل ذلك، فإنّ المعلوم على التّحقيق هو المعلوم العقلي. ونحن نعتقد أنّ إحدى الغايات البعيدة من دفاع ابن الهيثم عن هذا الموقف المزدوج هو الحؤول دون أن يكون العقل شرطاً في وجود الأشياء، لأنّ الموجود موجود سواء عُقل أم لم يُعقل‏[25].

وفي إثر هذا التّصنيف المشخّص بأمثلة عديدة، يبقى بعد ذلك سؤال أساسي هو: علامَ استند ابن الهيثم لمعاينة حقيقة المعلوم ووجوده؟ وما هي الاقتدارات التّي وجب امتلاكها لكي نفهم أنّ مفهوماً ما في الهندسة هو ما هو عليه؟

3 – طريق إدراك المعلوم

لعلّ الوجه العصيّ لهذا الإشكال مترتّب على تقدير طبيعة المعاني التّعليميّة ترتّباً لا تلغيه الأوائل المُدركة بفطرة العقل، بل تزيده حدّة، فأقصى ما يستطيع العقل أن يعلّمنا إيّاه هو تنظيم ما نعرف من دون أن يقدّرنا على إدراك كينونة ما لا نعرف، وربّما لشيء كهذا جعل ابن الهيثم للتّخيّل‏[26] وتحديداً للقوّة المصوّرة – ملكة تصوّر الخواص – مهمّة الكشف عمّا يُقوّم ماهية الكائن الرّياضيّ، وهذا التّخيّل هو بالنّسبة إليه فعل تفكّر نستنتج بفضله وبالاستناد إلى الآثار الّتي تتركها الأشياء (الأجسام المحسوسة) أشكالاً ذهنيّة غير متغيّرة «كالّذي شاهد مصراً من الأمصار، فإذا فارقه كان متصوّراً له، وهذه القوّة من قوى النّفس النّاطقة، يُقال لها القوّة المصوّرة»‏[27]. فالكائنات الرّياضيّة إذاً، هي معانٍ مُتصوّرة أو مُتخيّلةٌ، أي أنّها مُلتقطة من الحواس، ثمّ فُصلت وجُرّدت من كلّ شائبة من شوائب الحسّ لنحصل بذلك على «صورة في التّخيّل معقولة مفهومة»‏[28]. وعن هذه القضيّة أفاد ابن الهيثم قائلاً: «إنّ جميع المتخيّلات إنّما هي مُلتقطة من الحواس، ومُنتزعة من الأجسام المحسوسة، ثمّ انتزعت الصورة من الجسم المحسوس، وحصلت في التّخيّل استغنى المُتخيِّل بعد ذلك عن الجسم المحسوس»‏[29].

وبالعودة إلى القول الهيثمي في الأوائل المُدركة بفطرة العقل أو ما يُسمّى العلوم المُتعارفة أو العلوم الأُول مثل أنّ «الكلّ أعظم من الجزء» أو أنّ الأشياء المساوية لشيء واحد متساوية، نجده يقرّ بأنّ هذه المعارف وإن بدت وكأنّها معارف فطريّة وعقليّة، فهي ليست في الحقيقة كذلك، وإنّما أصل ذلك مأخوذ من الحسّ، ويُدرك بالقياس، ليستقرّ بعد ذلك في النّفس. ومثل هذه القضايا إنّما تُصبح بديهيّة متعارفة بسبب «كثرة استعمال النّاس لها، لا لأنّها علوم أُوَل تعرف بفطرة العقل»‏[30].

وممّا يدلّ عنده على أنّ هذه المعارف ليست ممّا يُدرك بفطرة العقل من دون تمييز أنّ كثيراً من النّاس إذا سمعوا أمراً من هذه الأمور لم يفهموه إلّا بعد أن يُفصّل لهم ويُشرح، ثمّ بعد ذلك يحكم السّامع منهم أنّه صادق، ومثال ذلك أنّ «سكان الأطراف وأصاغر العوام، ومن لا يعرف الكتابة والقراءة، ولا يعرف الحساب، ولا يتمعس بالبيوع والأشرية لا يعرف الكلّ ولا الجزء ولا معناهما إلّا بعد أن يشرح له، والمعنى الذي لا يدركه كلّ أحد بالبديهة ليس هو أوّلاً في العقل، ولا معلوماً بفطرة العقل، فليس هو من العلوم الأوائل، فالكلّ أعظم من الجزء ليس هو من العلوم الأول، ولم يحصل في التّمييز إلّا بالقياس على الوجه الّذي ذكرناه»‏[31].

ومن الأمثلة البارزة على طبيعة هذا المسار أنّ ما يراه البعض معارف فطريّة وأوليّة، مثل علمنا بأنّ ضارب اثنين في اثنين يساوي أربعة، وقرّر أنّ هذا العلم ليس علماً ضروريّاً يُعرف بفطرة العقل، وإنّما يُعتقد أنّه كذلك لكثرة استعماله. ويستدلّ على ذلك بأنّ «كثيراً من النّاس وهم عوام النّاس لا يعرفون نتائج الأعداد المضروب بعضها في بعض وكثيراً منهم لا يحسنون أن يضربوا عدداً في عدد، وكلّهم مع ذلك، أو جمهورهم يعلمون أنّ اثنين في اثنين أربعة»‏[32]. وهذا ينطبق أيضاً على ما يظنّه النّاس بديهة وهو الأشياء المُساوية لشيء واحد فهي متساوية، فإنّ هذه القضيّة وأمثالها «لو عُرضت على عوام النّاس، ومن لم يعرض لشيء من العلوم لم يعترف بها، ولم يعتقد صحّتها، وربّما لم يفهم معانيها»‏[33]. لذلك ينهي ابن الهيثم حديثه في هذا المبحث، بقوله: «ثمّ لمّا استقرّ هذا المعنى عند واحد من العقلاء المُميّزين، وتكرّر ذلك فيما بينهم صارت هذه القضيّة من القضايا المُتعارفة الّتي لا شكّ فيها»‏[34]. ونجد الأمر كذلك أيضاً في الخطوط، والسّطوح، والدّوائر، والأشكال الأخرى كالمربّع المعيّن، والمربّع القائم الزوايا، والمثلّث القائم الزاوية. فحكم العقل هنا إنمّا هو مبنيٌّ على الحسّ ابتداءً والتّخيّل انتهاءً. ولأنّ الإنسان مطبوع على أن يتخيّل كلّ ما أدركه بحسّه من بعد إحساسه به، صارت الأشياء لديه وكأنّها معلومة بفطرة العقل.

ومع ذلك، لا يذهبنّ بنا الظنّ أنّ ابن الهيثم ينكر دور الفطرة كليّاً، لأنّه ولئن دحض فكرة وجود معانٍ أوليّة فطريّة معلومة بفطرة العقل، فإنّه أثبت في المقابل أنّ للإنسان جملة الاستعدادات الأوليّة كالقدرة على المُقايسة فـ «النفس الإنسانيّة مطبوعة على القياس»‏[35]، وقد لاحظ ذلك عند الطفل فترة نشوئه، فهو «يميّز، ويقيس الشّيء بالشّيء دائماً بغير تكلّف»‏[36]، فالطفل يختار الأحسن على القبيح من الصور من طريق قياس إحداهما بالأخرى، كما يرى أنّ الحدس السريع والتّمييز أمر رئيس في هذه العمليّة. ولكن لا ينبغي أن يُفهم الاستعداد هنا على أنّه استعداد من جنس القوة العقليّة فحسب، بل هو أيضاً من جنس القوى الحسيّة. وهذا ما يجعل علاقة العقل بالحسّ لديه علاقة تشارط وتضايف، أي أنّ الإنسان بفضل الإدراك الحسّي والاستعداد العقلي يتوصّل إلى اكتساب المعارف.

عموماً، يُمكن القول، إنّ الحدود الّتي صادر بها صاحب المناظر على العلوم الأُوَل وعلى المقادير التّعليميّة أو الأشكال المتخيّلة كما يصطلح على تسميتها لفظه، إنّما مخرجها هو مخرج الاستقراء والاعتبار، فهي من جنس ما يُمكن إدراكه بالحسّ ثمّ بالتّخيّل والتّجريد والتّمييز، لا من جنس القضايا الصادقة غير المتعذّرة الّتي نقبلها ببديهة العقل من دون مماراة ولا مدافعة أو مشاحنة. بهذا المعنى، فإنّ إدراك العلوم الأول عنده ليس يكون بمجرّد الإحساس أو ببديهة العقل، بل يكون بضرب من ضروب القياس والتّمييز إذا كانت مقدّمات المقاييس الكلّيّة مستقرّة في النّفس وحاضرة للذّكر، فالمثال المحسوس للمثلّث مثـلاً «تُفهم منه صورة المثلّث، وتتشكّل من المثال في التّخيّل جميع المعاني الّتي تتعلّق بالمثلّث، ثمّ إذا حصلت صورة المثلّث في التّخيّل سقط الاحتياج إلى المثال»‏[37]. بل إنّ الخيال بعد ذلك يتحرّر، فيتخيّل أصغر ما يمكن من الأشياء، وأكبر ما يمكن منها، «إلى أي حدّ شاء»‏[38]. ولعلّ هذا ما يبرّر استعمال ابن الهيثم مصطلح «العلوم المتخيّلة»‏[39] بدل العلوم الرّياضيّة. بهذا المعنى، فإنّ ما ذهب إليه ابن الهيثم في هذا الصّدد يضعنا في صميم فلسفته في المكان، ذلك أنّ المقادير التّعليميّة لا تحتاج إلى مكان، وليس يحتاج إلى المكان إلّا الأجسام الطبيعيّة. وهذا ممكن في التّخيّل، لأنّ المُتخيِّل يستطيع أن يتخيّل وراء العالم خلاء سعته بحسب اختياره‏[40]. وهذا في الواقع مؤشّر للتحرّر من المكان الفيزيائيّ المُدرَك بالحسّ المباشر والمتناهي.

وفعـلاً، فلقد ناقش صاحب المناظر قضيّتَي النّهاية واللانهاية، حيث وجّه اعتراضاً إلى إقليدس في قوله «ونهايتا الخط نقطتان». وعن هذا الأمر أفاد موضّحاً: «والّذي يُفهم من هذه القضيّة أنّها كليّة مطّردة في كلّ خطّ، ويُفهم منها أنّ كلّ خطّ فهو متناه»‏[41]، ويرى ابن الهيثم أنّه ليس كلّ خطّ متناهيّاً، إذ يُمكن أن تعترضه خطوط مستقيمة ومنحنية ليس لها نهايات. فخطّ الدّائرة مثـلاً ليس متناهيّاً نهاية وجوديّة «وإذا كان ليس كلّ خطّ متناهيّاً فليس لكلّ خطّ نهايتان، فليس كلّ خطّ نهايتاه نقطتان»‏[42]. بيد أنّه لم يذهب بهذا الاعتراض إلى مداه مكتفياً في ذلك بشرح الأسباب التي دعت إقليدس للقول بالتناهي، حيث برّر ذلك بأنّ صاحب الأصول إنّما تكلّم على الخطوط الموجودة في التّخيّل، والخطوط المستقيمة أو المنحنية الموجودة في التّخيّل هي متناهية: لأنّ الخطوط اللامتناهية لا تتشكّل في التّخيل جملتها، لأنّ «الجملة إنّما تكون للمحصور بالنّهايات، فما لا نهاية له لا جملة له، وما ليس له جملة فليس تتخيّل جملته»‏[43]. وكذلك القول في محيط الدائرة «فهو متناهٍ بالقوة، وليس هو متناهياً بالفعل، وكلام إقليدس إنّما هو في الأشياء المتناهية بالفعل»‏[44]. ويُفهم من ابن الهيثم، هاهنا، أنّ المقادير الرّياضيّة، لا يمكن أن تُتخيّل إلّا متناهية لأنّ «ما ليس بمتناه فلا طريق إلى تخيّله»‏[45]. ومن أجل كلّ هذا، يمكن القول إنّ صاحب المناظر لم يكتفِ بمعرفة واسعة بالإرث الإقليدي، بل تجاوزه إلى تكوين معرفة تميّزت بطابعَي النّقد والإبداع، «فلقد أتى ابن الهيثم بأول نقد فلسفي لمفهوم اللّانهاية ونبذ استعمال هذا المفهوم في الرّياضة لأنّه لا يمكن حلّها حـلاًّ سليماً إلّا في نطاق الهندسات اللّاإقليدية. فوضع شرطاً لاستعمال الكائنات الرّياضيّة هو أن تكون متناهية – وبالتّالي يمكن تصوّرها وتصوّر تغيّراتها في المخيّلة»‏[46].

نتبين والحال هذه، أنّ تحاليل ابن الهيثم في هذا المجال تبقى – مفهوميّاً – على غاية من الأهميّة لا بالنّظر إلى ما ستؤول إليه من مراجعة لمفهوم المكان وهندسته، وإنّما أيضاً لما فتحته من إمكانات لتعقّل تغيّر الكمّ عامّة وبلورة مفهوم جديد للهندسة انطلاقاً من إدخال الحركة مخالفاً بذلك التّصوّر الإقليدي. فإذا كان البحث الهندسي عند إقليدس قد اقتصر على تناول خصائص الأشكال، فإنّ ابن الهيثم سيهتمّ بالعلاقات بين الأشكال نفسها في وضعها وامتدادها، وفي مقدارها ونسبتها وهيئاتها ضمن الفضاء الهندسيّ. إنّ ابن الهيثم على سبيل المثال، يلجأ على هذا النّحو إلى مفهوم المعلوم الوضع و«يحدّد هذا المفهوم بعلاقة بالنّسبة إلى شيء، سواء أكان ذلك بالنّسبة إلى شيء ثابت أو متحرّك. وباختصار، يُدخل ابن الهيثم بشكل واضح الحركة ليتكلّم عن الوضع، وأمّا إقليدس فلم يكن قادراً على التّسليم بهذا الأمر»‏[47].

وممّا يُشير إلى ذلك المطمح أنّ ابن الهيثم لم يكتفِ بشرح أصول إقليدس بل ذهب في اتّجاه تعديل مصادراته‏[48] واكتشاف خواص جديدة تتعلّق بتصوّر أشكال تُحدثها حركة أو حركات متّصلة‏[49]، على غرار ما يُطالعنا مثـلاً المعلوم الّذي يختصّ بوضع الخطّ من نقطة متحرّكة أو نقط متحرّكة. يقول ابن الهيثم: «وأمّا المعلوم الّذي يختصّ بوضع الخطّ من نقطة متحرّكة أو نقط متحرّكة، فهو الأبعاد الّتي بين كلّ نقطة تُفرض على الخطّ وبين النّقطة المتحرّكة أو النّقط المتحرّكة، إذا كانت الأبعاد الّتي بين النّقط معلومة وكان الخطّ متحرّكاً بحركة مُساوية لحركة النّقطة المتحرّكة أو النّقط المتحرّكة وفي الجهة التي تتحرّك إليها النّقطة أو النّقط. فالخطّ المعلوم الوضع بالقياس إلى نقطة متحرّكة أو نقط متحرّكة، هو الخطّ الذي أبعاد النّقط التي عليه من النّقطة المتحرّكة أو النّقط المتحرّكة أبعاد لا تتغيّر، وهو مع ذلك متحرّك بحركة مساوية لحركة النّقطة المتحرّكة أو النّقط المتحرّكة وفي جهة حركتها، كان الخطّ مستقيماً أو غير مستقيم»‏[50].

بناء على ما سبق، نفهم أنّ ما يشكّل قوام خواص الأشكال التي تحدثها حركة أو حركات متّصلة هو قبل أي شيء ضرب من حركة فعليّة وهو يحوي معناها. وبهذا الاعتبار، ندرك كيف أنّ التّخيّل يضعنا في اتّصال مباشر بماهية الكائن الرياضي ويسمح لنا بأن نكتشف فيه طبيعته المفهومة والمعقولة. ولكن، إذا كانت هي ذي حقيقة المعلوم وحقيقة علاقته بالتّخيّل والتّمييز فما تكون علاقته بفنّ «التّحليل والتّركيب»، وهل أنّ هذا الفنّ علم أم منهج؟ وكيف يتسنّى لنا البّرهنة والابتكار في أمور التّعاليم؟ وأيّ منزلة للحدس في هذه الصناعة؟

ثانياً: في صناعة البرهنة والاستكشاف

بداية، يجب أن نستحضر أنّ ابن الهيثم قرّر وبوضوح في عنوان مقالته «في التّحليل والتّركيب» أنّ وجه الحاجة إلى المِران بصناعة التّحليل نابع من الحاجة إلى تعلّم كيفيّة «استخراج المجهولات من العلوم التّعليميّة، وكيفيّة تصيّد المقدّمات الّتي هي مواد البّراهين الدّالة على صحّة ما نستخرج من مجهولاتها»‏[51]. فأين تكمن الحاجة إلى التّحليل والتّركيب؟

1 – طريق التحليل والتركيب

إنّ طريق تطلّب هذا الفنّ – بحسب ابن الهيثم – «هو أن نفرض المطلوب على غاية التّمام والكمال، ثمّ ننظر في خواص موضوعه اللازمة لذلك الموضوع ولجنسه، وفي ما يلزم من لوازمه، ثمّ في ما يلزم تلك اللوازم إلى أن ننتهي إلى شيء معطى في ذلك المطلوب وغير مُمتنع فيه، فهذه هي كيفيّة التّحليل بالجملة، وإذا انتهى هذا النّظر إلى المعنى إلى الشيء المعطى قطع النّظر في ذلك المطلوب»‏[52].

نستجلي من هذا التّحديد، أنّ الهندسيّ مدعوّ في البدء، لدى تصوّره لحقيقة المطلوب أن يبدأ أوّلاً بالمعلومات الّتي لا يتمّ استخراج المسائل التّعليميّة إلّا بها قبل البراهين، ولا سّيما أنّ المعلومات تبقى هي الضّامن لوجود خواص الكائنات الرّياضيّة في ثباتها وصدقيّتها، وفي إثر هذا التّهيّؤ يأتي التّمكّن من تصيُّد البّراهين الّتي بها يتوصّل المُحلّل «إلى التّرتيب المؤدّي إلى المطلوب من نتائجها»‏[53]. وأوضح ما يتجلّى موقف ابن الهيثم من هذه القضيّة‏[54]، قوله: «فأمّا قوانين هذه الصناعة وأصولها الّتي بها يتمّ وجود الخواص وتصيّد المقدّمات، وهي من أصول التّعاليم الّتي قدّمنا القول بأنّ صناعة التّحليل لا تتمّ إلّا بتقيّد العلم بها، فهي المعاني التي تسمّى المعلومات»‏[55]. وإذا سلّمنا مع ابن الهيثم بأنّ البرهان هو «القياس الدّال بالضرورة على صحّة نتيجته»‏[56]، فإنّ هذا القياس لا بدّ أن يكون، بدوره، مركّباً «من مقدّمات يعترف الفهم بصدقها وصحتّها، ولا يعترضه شيء من الشّبهات فيها، ومن نظام وترتيب لهذه المقدّمات، يضطرّ سامعه إلى تيقّن لوازمها واعتقاد صحّة ما ينتجه ترتيبها»‏[57]. وهذا يعني أنّ صناعة التّحليل هي فنّ برهانيٌّ بامتياز. ولكن ما هي خطوات البرهنة في صناعة التحليل والتركيب؟

2 – خطوات البرهنة في صناعة التحليل والتركيب

ينتقل ابن الهيثم بعد كلّ هذا إلى تفسير خطوات التّركيب، فيقول: «أمّا كيفيّة التّركيب فهو أن نعرض الشّيء المعطى الذي انتهى إليه التّحليل، وعنده وقف النّاظر، ثم تُضاف إليه الخاصّة الّتي وُجدت قبل تلك الخاصّة، ويسلك في التّرتيب عكس التّرتيب الّذي سلك في التّحليل، فإنّه إذا التمست هذه الطّريق انتهى التّرتيب إلى المعنى المطلوب، لأنّه كان أوّل موضوع في التّحليل. فعكس التّرتيب يصير لأوّله ولآخره، وإذا انتهى التّرتيب المعكوس إلى المطلوب الأوّل المفروض، صار هذا التّرتيب قياساً برهانياً، وصار المطلوب الأوّل المفروض نتيجة له، ويصير المطلوب موجوداً، ومع ذلك فصحّته متبيّنة»‏[58]. ولكن ماذا لو جاءت نتيجة التّحليل مناقضة لنتيجة التّركيب وحالت دون اكتشاف المحلّل للمعلومات‏[59] الرّياضيّة؟

في جوابه عن هذا الإشكال يبيّن ابن الهيثم أنّ صناعة التّحليل تحتاج إلى تقدّم العلم بأصول التّعاليم والارتياض بها، ليكون المحلّل ذاكراً الأصول عند التّحليل، ويحتاج مع ذلك إلى «حدس صناعي»‏[60]، وكلّ صناعة فليس يتمّ لصانعها إلّا بحدس على الطّريق الّذي يؤدّي إلى المطلوب، والحدس كما يوضّح ذلك ابن الهيثم «إنّما يُحتاج إليه في صناعة التّحليل إذا لم يجد المحلّل في موضوع المسألة خواص معطاة، ومتى رُكّبت أنتجت المطلوب. فعند هذه الحالة يحتاج المُحلّل إلى الحدس، والّذي يحتاج إلى الحدس عليه هو زيادة يزيدها في الموضوع ليحدث في زيادتها خواص للموضوع مع الزّيادة يؤدّي إلى الخواص المعطاة الّتى متى ركّبت أنتجت المطلوب»‏[61]. وأمّا القانون في هذا الحدس، لدى صاحب المناظر، فـ «هو أن يتطلّب زيادة متى أُضيفت إلى الموضوع الأوّل حدث من مجموعهما خاصّة أو خواص لم تكن موجودة قبل تلك الزيادة. فإنّ المُحلّل إذا تحرّى هذه الطّريقة إلى خاصّة مُعطاة، فإنّ المعنى المبحوث عنه صحيح وله حقيقة، وإن انتهت هذه الطّريقة إلى خاصّة باطلة، فإنّ المعنى المبحوث عنه باطل ولا حقيقة له»‏[62].

لعلّ اللافت الدّال، هاهنا، هو إقحام ابن الهيثم للحدس في صناعة التّحليل، ومغزى هذا الإقحام، أنّ فنّ التّحليل يبقى فقيراً ما لم يغتن بالحدس، فالمحلّل يبقى بحاجة إلى ما اصطُلح عليه صاحب المناظر بـ «الحدس الصناعي» وذلك من أجل إضافة خواص للمعطيات والبناءات إذا تعذّر الوصول إلى المعنى المبحوث عنه بمعاول التّحليل والتّركيب. ولأمر كهذا، يتبدّى التّحليل – بالنّسبة إلى ابن الهيثم – تحت سمتين اثنتين غير قابلتين للفصل: الأولى هي طريقة للبّرهنة، وهي بهذا المعنى طريقة رياضيّة؛ والثّانية طريقة للابتكار مُغتنية بالحدس.

وبهذا التّقدير، بإمكاننا القول، إنّ فعل الحدس هو شهادة على قدرة الرياضيّ على البرهنة والاستكشاف. بيد أنّ هذا الحدس الّذي لا بدّ منه من أجل إضافة زيادات إلى خواص الموضوعات، لا ينبغي أن يكون كيفما اتّفق. فإذا كان الحدس يُحمَل في دلالاته السّائدة على معنى المعرفة المباشرة، فليس ذلك معناه – من وجهة نظر ابن الهيثم – أنّ «المباشر» هو أيسر الأمور إدراكاً، «بل يقتضي ممارسة قبليّة للتّحليل»‏[63]، وهذا ما يجعل التّحليل لا يتعيّن كمجرّد نشاط آلي، بل «يرسم تدخّلاً لعامل ذاتي مطلق وهو ما يفسّر عدم إرجاع التّحليل إلى طريقة اكتشاف آلي»‏[64]. وبما هو كذلك، فإنّ الحدس عند ابن الهيثم ليس مجرّد عمليّة عفويّة ولا لحظيّة، أي أنّه ليس لمحة من لمحات الحسّ الباطن الّتي ينبلج له فيها الحقّ انبلاجاً، بل هو فنّ من فنون الابتكار والخلق، يقتضي دربة ومِراناً كما يقتضي حذقاً ومهارة لأنّ «الصناعيّ ما يُستفاد من أرباب الصناعات»‏[65]، وهو بهذا المعنى يقتضي دربة ومراناً. واكتساب صنعة الحدس إنّما يكون بـالتعهّد و«المباشرة»، والمراد بالمباشرة: الممارسة أو المزاولة‏[66]، الأمر الذّي يجعلها تفترض استعداداً عقليّاً سابقاً.

وإذا كان الأمر كذلك، وإذا سلّمنا بأنّه لا يمكن الحديث مع ابن الهيثم عن حدس مباشر، فهذا يدلّ من جديد على أنّ المعرفة بقواعد صناعة التّحليل والتّركيب وأصولها تبقى الشّرط الضّروري الّذي لا بدّ أن يسبق كلّ حدس. وعليه، فإنّ صناعة الاكتشاف ليست عمـلاً آلياً يخضع لضرورة عمياء، وإنّما يمكّن من بلوغ المعلومات بقدر ما فيه من تدبّر للحيل. وليس أوضح من هذا البيان ما أفاد به جورج بوليغان (G. Bouligand) في كتابه الطابع الحدسي للرّياضيّات الّذي نصّ على ما أقرّه ابن الهيثم في لحظة سابقة، بالقول: «فعالم الهندسة، إذ يصبح أكثر ألفة بالموجودات الّتي يدرسها، ينتهي به الأمر إلى أن يكوّن لنفسه عنها فكرة تعادل في وضوحها فكرته عن الأشياء الحقيقيّة الّتي يحفل بها العالم الخارجي. وعلى هذا النّوع يتكوّن في بعض مناطق العالم الرّياضي ميل إلى إدراك علاقات، عظيمة الدّقّة في أغلب الأحيان، وذلك عندما يكون كشف هذه المناطق قد بلغ حدّاً معيّناً من التّقدّم»‏[67].

ليس فعل الحدس بهذا التّقدير، مجرّد فعل بسيط يمكّن الرّياضي من اكتساب القدرة على إدراك الحقائق إدراكاً كليّاً مباشراً، ولا يُمكن أن يكون مسلكاً عرضيّاً أو نشازاً أو خرقاً للعادة في ثنايا أنشطة الفكر أو فعـلاً مضادّاً لطبيعة حركته أو إلهاماً أو هبة أو رؤيا، وإنّما هو ضرب من الوعي العقليّ المتلبّس بجوهر البرهان، والنّافذ إلى مواطن الصعوبة فيه. لذلك إذ يصل ابن الهيثم بين الممارسة الرّياضيّة وبين القدرة على التّخيّل، فذلك لأنّ الحدس إنّما يحتاج إلى اختمار المعرفة بالأصول كشرط للابتكار والإبداع في الرّياضيّات لأنّه يجب على المحلّل معرفة أصول الرّياضيّات، ويجب أن تكون هذه المعرفة مدعومة بقدرة على تمحّل الحيل وحدس صناعي. وهذا يعني بعبارة أخرى، أنّ الحدس من وجهة نظر صاحب المناظر ليس مجرّد ممارسة تلقائيّة من داخل الذّات، بل هو ممارسة لاحقة، أي فعل بعدي يتطلّب إبتداءً، حضور معرفة عميقة بالنّاتج المعرفيّ، ثم حدس ما يتجاهله العلم أو بالأحرى ما ينفلت من مقاييسه التّحليليّة أو التّركيبيّة، أو ما يعجز إلى النّفاذ إليه بأدواته الإدراكيّة والقياسيّة وما تعجز عنه ملكات التّفكير العادي. وهنا، إذ يؤكّد ابن الهيثم على أهميّة الحدس في عمليّة التّحليل، فإنّه يؤكّد في ذات الوقت تكامله معها، وضرورتهما معاً من أجل بلوغ المطلوب. ومن ثمّ وجب الفصل بين الإمكان المنطقيّ والإمكان الحدسيّ. فشرط الإمكان المنطقيّ أن يكون المُعطى في المطلوب غير مُمتنع فيه، وشرط الإمكان الحدسي هو عدم وجود في الموضوع خواص معطاة. ففي الحالة الأولى ينحبس الفكر داخل أقيسته، وفي الحالة الثانيّة ينفتح الفكر على الحدوس حتّى يتسنّى له المرور من خلالها من البّرهنة إلى الاستكشاف والابتكار.

هكذا إذاً تظهر السّمة المميّزة للحدس وهي السّماح للرّياضي بالانفلات من حتميّة العلل الآلية. ومن ثمّ فإنّ الحدس سيشكّل سببيّة من جنس جديد لأنّها ستدمج العامل الذّاتي باعتباره العامل الّذي ينهض على استخدام مخصوص للبرهنة. وحينئذ يُمكن القول، إنّ «الرّؤية الإجماليّة، (الّتي تشكّل الحدس)، ضروريّة لمن يبدع، وهي ضروريّة كذلك لمن يريد فعـلاً أن يفهم فعـلاً المبدع»‏[68].

كلّ هذا قد يسمح، في المقام الأوّل بالقول، إنّ فنّ التّحليل والتّركيب في نظر ابن الهيثم، نهج في التّفكير يتأسّس على طريق البّرهان، أو بشكل أدقّ، «فنّاً مُزدوجاً في البّرهان والاكتشاف»‏[69]. ولأمر كهذا، فإنّ الممارسة العلميّة تنتهي إلى تنصيب إشكال خطير، هو افتقار المعرفة الرّياضيّة للقدرة على الخلق والابتكار والإبداع، أي القدرة على إضافة زيادات إلى المعطيّات وكذلك على إجراء بناءات مساعدة كثيراً ما يقع الرّجوع إليها عند إجراء التّحليل. وهذا الافتقار لن يُعالَجَ إلّا باستحضار فنّ التّحليل والتّركيب بوصفه فنّاً للابتكار، وممارسة نهجه الخاصّ المُميّز بفضل الحدس الصناعي. وهذا ما يؤكّد تكامل كلّ من البرهنة والحدس، وضرورة حضورهما معاً، لأنّه انطلاقاً من التّحليل يمكننا أن نذهب إلى الحدس وخلاف ذلك ليس صحيحاً.

إذاً، واحدة من فضائل التّحليل والتّركيب هي الاقتدار على الابتكار، بيد أنّ هذا الاقتدار حينما يكون مجرّداً من التّعلّم بأصول التّعاليم لا يقود إلى شيء. وهذا يعني ضرورةً، أنّ فنّ الابتكار يندرج مُسبقاً في تعلّميّة العلم من جهة أدوات إنجازه وطرائق تنظيمه وضروب استخدامه، وهو – إن جاز لنا القول – ضرب من العلاقة التّلازميّة بين العلم والتّعلّم لوثاقة الصّلة بين تنظيم التّعلّم بتنظيم العلم والمعرفة.

وطبيعيّ أن يترّتب على هذا الفهم نتائج مُختلفة، وبخاصّة من ناحية حدود المعرفة الإنسانيّة ومصادرها، ونعني بذلك أنّه لا المعرفة بالأصول وحدها يمكن أن تُفيدنا في إدراك أحكام كليّة وضروريّة، ولا التّحليل وحده كافٍ لبلوغ اليقين. بهذا المعنى، فإنّ البّرهان والحدس لا يلغي أحدهما الآخر، بل هما بالأحرى يتلاحقان، لأنّ المعرفة بالأصول، والقدرة على تمحّل الحيل، وفعل الحدس، هي وسائل لا بدّ أن تتوافر لدى المحلّل حتّى يتسنّى له اكتشاف المجهولات الرّياضيّة.

نتبيّن والحال هذه، أنّ فنّ التّحليل هو في صميمه فنّ برهاني، ولا يمكن أن يكون كذلك إلّا بقدر ما يكون مهيّأ لقيادتنا «إلى استخراج المجهولات من العلوم التّعليميّة وكيفيّة تصيّد المقدّمات الّتي هي مواد البّراهين الدّالة على صحّة ما يُستخرج من مجهولاتها»‏[70]. وهذا الأمر عبّرت عنه لغة بوانكاري حديثاً بالقول: «يبيّن لنا هذا أنّ المنطق لا يكفي وأنّ علم البرهان ليس هو كلّ علم، وأنّ على الحدس أن يحافظ على دوره بما هو مكمّل، وبالأحرى بما هو ثقل مضاد للمنطق وترياق لسمّه (…) من دون حدس لا يتسنّى للعقول الشّابة التدرّب على العقل الرّياضي، ولا يتسنّى كذلك محبته، ولا يرون فيه سوى ثرثرة لا جدوى منها»‏[71].

إنّ فعل البرهنة بهذا التّقدير هو شهادة على افتقار صناعة التّحليل للحدس لأنّ صناعة التّحليل تبقى تقنيّة محدودة بحدود العقل وأقيسته، فأقصى ما يستطيع التّحليل أن يعلّمنا إيّاه هو تنظيم ما نعرف دون أن يذهب بنا إلى اكتشاف ما لا نعرف، «فهو لا يستطيع، إذن، أن يستعمل من الأدوات، غير المبضع والميكروسكوب»‏[72]، فهو كما يُقال اليوم آلة «لعرض العلم» وليس «فنّاً للاكتشاف العلمي» أو ما اصطلح عليه ليبنيتز بـ «Ars Inveniendi»‏[73]، وبالتّالي، ليس الحدس أدنى من العقل، وإنّما هو «أعلى» منه، أو يشكّل، إن صحّ القول، معرفة فائقة للعقل (Supra-intellectuelle) تسمو على كلّ ضرب من ضروب المعرفة الاستدلاليّة المحضة. إنّه وحده الّذي يتوفّر على ما أسماه بوانكاري ذات مرّة «ضرباً من القوّة الإبداعيّة» ‏[74](une sorte de vertu créatrice) لذلك حرص صاحب العلم والفرضيّة على ضرورة حضور الحدس في العلم الرّياضيّ، معتبراً أنّ المنطق الصرف لا يؤدّي إلّا إلى قضايا هي من قبيل تحصيل الحاصل (Tautologies)، وبالتّالي كان لا بدّ من توافر عنصر آخر غير العنصر المنطقي لإنشاء الهندسة والجبر، وهو الحدس‏[75]. ومن أجل كلّ هذا وُجد اليوم من يعلن بأنّ مذهب ابن الهيثم في فلسفة الرّياضيّات هو المذهب الحدْسي (Intuitionnisme) لأنّه «يعتمد في تعريفاته وشروحه ليس فقط على الحسّ، بل أيضاً على الحدْس بالمعنى الّذي نجده عند الفيلسوف الألماني كانط (Kant) في القرن الثامن عشر»‏[76].

خاتمة

هذا هو المشهد الإجمالي الّذي كان يتطلّب من بعض الوجوه، إذا جاز القول، تفحّصاً منطقيّاً وتوضيحاً فلسفيّاً للأمور. فأهميّة هذا الحدث واضحة، إذ صارت عبارتا التّحليل والتّركيب تشيران إلى مجال يمكن لعالم الرّياضيّات الإكباب عليه بوصفه هندسيّاً وفيلسوفاً ومنطقيّاً. فما يدور عليه الأمر في هذا المجال كلّه، هو في الحقيقة، أمر الفلسفة والأنطولوجيا والميتافيزيقا وليس أمر النّظر العلميّ المحض. بيد أنّ اختيار ابن الهيثم للكتابة في صناعة التّحليل والتّركيب وفي المعلومات لم يكن اختياراً اعتباطيّاً، فلقد كان بحاجة إلى مثل هذا التّصوّر الجديد من أجل بلورة وبناء نظريّته في المكان. فما سعى إليه صاحب المناظر من خلال تنزيل إشكاليّة التّحليل والتّركيب والمعلومات ضمن الحيّز الهندسيّ ولئن كان المقصود منه ملامسة أسس للرّياضيّات توفّر للرّياضيّ قواعد وأصول ترشده إلى كيفيّة البحث عن الأبنية المساعدة على تطبيق هذه الصناعة، فإنّه أراد به أيضاً البحث عن إخراج جديد لمفهوم المكان، والردّ على الشّبهات المرتبطة بتحديد ماهيته وتوكيد شروط وجوده المستقّل، وبخاصّة أنّ رسالة ابن الهيثم في المكان تأتي ضمن قائمة الأعمال المُبدعة… وهذا يعني أنّ ابن الهيثم في هذه المرحلة قد تجاوز مرحلة التّحصيل وتصوّر مسألة المكان بالطّريقة التّي تقتضيها المعرفة العلميّة.

وفعـلاً، لقد أدرك ابن الهيثم أنّه لا يُمكن أن نرسم ملامح جديدة للمكان من دون فيزياء جديدة مُختلفة عن فيزياء أرسطو، ومن دون رياضيّات جديدة مختلفة عن رياضيّات إقليدس. وهذه الرّياضيّات الجديدة تحتاج إلى فلسفة أخرى غير الفلسفة الّتي كرّسها التّقليد المشّائي وغير فلسفة صاحب الأصول الهندسيّة. فأيّ صورة للمكان في ضوء هذا الفهم الجديد للهندسة؟ وما موقع الفيلسوف منها؟.

 

قد يهمكم أيضاً  المنحى التنويري عند جرجي زيدان من خلال كتابه «تاريخ التمدن الإسلامي»

إحصلوا على كتاب  فكر ابن خلدون، العصبية والدولة: معالم نظرية خلدونية في التاريخ الإسلامي

#مركز_دراسات_الوحدة_العربية #إبن_الهيثم #ابن_الهيثم #فكر #إبستيمولوجيا #فلسفة #الرياضيات #الهندسة #المنطق #دراسات