عقدت هذه الحلقة النقاشية في مقر مركز دراسات الوحدة العربية، في بيروت بتاريخ 12 آذار/مارس 2015. وقد شارك في هذه الحلقة الإخوة التالية أسماؤهم (وفق الترتيب الألفبائي):
الرئيس أحمد عبيدات رئيس وزراء أردني أسبق – عمّان.
د. أمين حطيط عميد ركن متقاعد، وأستاذ جامعي – لبنان.
أ. أنيس النقاش منسّق شبكة الأمان للبحوث والدراسات الاستراتيجية – لبنان.
د. خير الدين حسيب رئيس مجلس الأمناء، ورئيس اللجنة التنفيذية لمركز دراسات الوحدة العربية.
اللواء طلعت مسلم خبير استراتيجي وعسكري – مصر.
د. عبد الله الشايجي أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت.
د. علي الدين هلال وزير سابق، وأستاذ جامعي – مصر.
د. عماد فوزي شعيبي رئيس مركز المعطيات والدراسات الاستراتيجية في دمشق.
أ. فارس أبي صعب مدير الدراسات في مركز دراسات الوحدة العربية.
أ. فوزي الراوي سياسي عراقي مقيم في سورية.
د. كمال خلف الطويل طبيب وباحث عربي – فلسطين/سورية.
السفير محمد أنيس سالم(*) مساعد وزير الخارجية الأسبق – مصر.
د. نبيل فؤاد مساعد وزير الدفاع الأسبق – مصر.
اللواء واصف عريقات خبير ومحلل عسكري – فلسطين.
د. يزيد صايغ باحث رئيسي في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت.
قدّم الحلقة وأدار الحوار: د. خير الدين حسيب
مدخل
خير الدين حسيب
رئيس مجلس الأمناء، ورئيس اللجنة التنفيذية لمركز دراسات الوحدة العربية.
أود أن أوضح في البداية أن فكرة البحث في موضوع إنشاء جيش عربي، وإعادة إحياء اتفاقية الدفاع العربي المشترك لا علاقة لها بالتصريحات التي صدرت مؤخراً عن جامعة الدول العربية والتي تشير إلى أن مؤتمر القمة الذي سيعقد في القاهرة أواخر شهر آذار/مارس سيبحث هذا الموضوع، كما لا علاقة له بما يطرح من تحالفات عربية وإقليمية، لا من قريب ولا من بعيد، فقد سبق للمركز أن كلّف اللواء طلعت مسلّم منذ أكثر من ستة أشهر بإعداد دراسة عن هذا الموضوع، وهو في صدد إعداد كتاب عنه. وقد سبق للواء مسلّم أن أرسل المخطط الأولي للكتاب إلى المركز، فارتأينا في وقت مبكر، حتى قبل أن يبدأ الحديث عن هذا الأمر من جانب بعض الباحثين والخبراء العرب، أنه من المفيد عرض مشروع الدراسة ومناقشته مع عدد من الباحثين والخبراء العرب قبل بدء اللواء مسلم في البحث فيها، لكي يستفيد من الآراء والملاحظات المختلفة التي يمكن أن تُطرح على مشروع الدراسة. لكن مع ذلك، سيرسل تقرير عن وقائع هذه الحلقة النقاشية إلى الأمين العام للجامعة العربية للإفادة منها، كما ستنشر هذه الوقائع في المستقبل العربي.
لذا أرجو عدم الربط بين البحث الذي نقوم به وبين قضايا الإرهاب والتحالفات الإقليمية التي تطرح.
ورقة عمل
تفعيل وتطوير اتفاقية الدفاع العربي المشترك ومشروع تأسيس قوة عربية مشتركة
طلعت مسلّم
خبير استراتيجي وعسكري – مصر.
أولاً: هل هناك ضرورة أو حاجة إلى إحياء اتفاقية الدفاع العربي المشترك؟
نبعت اتفاقية الدفاع العربي المشترك من ظروف الدول العربية حتى من قبل الحرب في فلسطين عام 1948؛ ففي عام 1931 طرح الملك فيصل الأول ملك العراق مشروع إقامة حلف عربي يجمع العراق والأردن والسعودية واليمن، وهو ما عكس مخاوف الملك وهذه الدول مما يضر بأمنها، ونص ميثاق جامعة الدول العربية عام 1945 على أن مهمات الجامعة تنسيق الخطوات السياسية (وصيانة استقلالها وسيادتها من كل اعتداء بالوسائل الممكنة). لكن الميثاق لم يحدد الوسائل والأدوات الضرورية لتحقيق ذلك، وكان من أهم ما أثر في نتائج القتال عام 1948 فقدان القيادات السياسية، والقيادة العسكرية الموحدة، وضحالة المعلومات المتوافرة في قيادات الجيوش العربية عن قوات العدو. واتجهت الدول العربية إلى العمل على قيام تعاون سياسي وعسكري عربي مشترك، وأعيد طرح فكرة الضمان الجماعي، وأن جامعة الدول العربية هي الإطار الذي يتيح للعرب تبني فكرة بديلة تستند إلى العمل العسكري الموحد، هكذا عقدت معاهدة الدفاع المشترك بما فيها البروتوكول الإضافي والملحق العسكري عام 1950.
إن الأوضاع اليوم قد تبدو أكثر إلحاحاً على أصحاب القرار العربي للعودة إلى فكرة التعاون السياسي والعسكري، والعودة إلى معاهدة الدفاع المشترك، مع الاستعداد لإدخال ما يلزم من تعديلات تقتضيها التطورات الدولية والقومية والإقليمية، إذ إن الدول العربية تواجه تهديدات من داخلها ومن خارجها في حين أن القوى الخارجية التي أتاحت لدول عربية في الماضي فرصة الاستعانة بقوى أجنبية تتضاءل بشدة نتيجة لعزوف الولايات المتحدة ومن ورائها الدول الغربية عن الاشتراك بقوات خارج أراضيها، وبخاصة قواتها البرية التي لا غنى عنها لكسب أية معركة.
ومن جهة أخرى فإن علاقات القوى الغربية ببعض مصادر التهديد الإقليمي، وبخاصة إسرائيل وإيران وتركيا، واتجاهها نحو مزيد من التعاون، تحتم ضرورة وجود بديل قومي وإقليمي يمكن الاعتماد عليه في مواجهة مصادر التهديد المحتملة، ويبدو أن أفضل صورة واردة إلى الذهن هي معاهدة الدفاع المشترك.
إن الغرض من إحياء معاهدة الدفاع المشترك في حال حدوثه هو إنشاء جيش عربي (قوة عربية مشتركة)، وتوحيد الجهود العسكرية العربية وما يمكن أن يحققه من فوائد للوطن العربي حال إنشائه في مواجهة التهديدات التي تواجه الوطن، وإيجاد قاعدة قوية للشعوب العربية تمكنها من التعامل مع القوى الأخرى، بما فيها مصادر التهديد المحتملة، على أساس من الندّية والمصالح المتبادلة، ويساعد على ضمان الأمن القومي ويكون طرفاً في تحقيق «أمن عربي – إيراني – خليجي» ويساعد على حل بعض المشاكل العربية، وبخاصة مواجهة الإرهاب.
ثانياً: مصادر وطبيعة التهديدات المحتملة للأمن القومي
ما زالت مصادر التهديد للأمن القومي العربي هي نفسها وإن بدت مصادر التهديد الداخلية تتخذ صورة أقوى وأخطر، فرغم معاهدات السلام بين بعض الدول العربية وإسرائيل والعلاقات غير المباشرة وغير المعلنة؛ فما زالت إسرائيل تشكل مصدراً رئيسياً للتهديد، ويبدو ذلك بصورة أكثر وضوحاً في تهديدها لكل من سورية ولبنان ناهيك بالشعب الفلسطيني، كما إنها تهدد إيران؛ بينما تشكل إيران مصدراً محتملاً للتهديد لدول الخليج بما في ذلك استمرار احتلالها الجزر العربية الثلاث، وهي تمثل قوة تدخل في اليمن، وهي تتدخل في الشؤون الداخلية في العراق، وتنسب إليها بعض حوادث الاغتيالات، وتخشى الدول العربية من احتمالات امتلاك إيران قوة نووية وتطوير قواتها العسكرية. بينما تشكل تركيا مصدراً لتهديد مباشر لكل من سورية والعراق، في حين تتدخل تدخلاً سافراً في الشؤون الداخلية للدول العربية في سورية والعراق وليبيا ومصر، وبخاصة من خلال علاقتها بالحركات الإسلامية مثل الإخوان المسلمين وداعش والنصرة والجيش السوري الحر.
وقد أصبح تدخل حلف شمال الأطلسي واضحاً في ما سمي: «الربيع العربي»، حيث قامت دول الحلف بالتدخل المباشر في ليبيا، وبخاصة فرنسا وبريطانيا إلى جانب الولايات المتحدة، في حين تقوم تركيا عضو الحلف بدورها في شرق البحر المتوسط، وهو تدخل مسلح ومباشر إضافة إلى التدخل غير المباشر بالتمويل والتسليح واستضافة وتنظيم المؤتمرات للمعارضة المسلحة.
لكن التنظيمات الإرهابية أصبحت أكثر خطورة، وبخاصة أنها تختفي بين أبناء البلد الواحد، وتفاجئهم بأعمالها وتقوم بإعاقة تقدمهم وتدمر منشآتهم وتستنزف قدراتهم، وتدمر تراثهم، بل وتشغل جيوشهم وقواتهم المسلحة وعناصر المقاومة عن أداء واجبها الدفاعي ضد الأخطار الخارجية. وقد ظهرت منذ عام 2011 تنظيمات كثيرة وإن كان يبدو أن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش» هو أكثرهم خطورة، وبخاصة بعدما استولى على الموصل ثانيةِ المدن العراقية وسيطر على بعض موارد النفط، ونهب أموال بعض البنوك في المناطق التي تمّت السيطرة عليها.
ثالثاً: تقييم معاهدة الدفاع العربي المشترك
وخبرات التعاون العسكري بين البلدان العربية
1 – تطبيق المعاهدة على مستوى الجامعة العربية
رغم أن روح المعاهدة قد وجدت لها فرصة للخروج إلى الواقع ووضعت كثيراً من الأسس للتعاون والعمل العسكري العربي المشترك، إلا أن تطبيق المعاهدة بوصف كل اعتداء على بلد عربي أو أكثر اعتداءً على الدول العربية جميعاً لم ينفذ، كما أن قرارات جامعة الدول العربية الخاصة بتشكيل قوة إلى الكويت عام 1961 كانت أول نجاح للجامعة منذ حرب فلسطين في تشكيل قوة مشتركة تحت قيادة موحدة لإنجاز عمل قومي محدد، إلا أنه يصعب تقويمه، إذ صدر عن مجلس الجامعة وليس عن مجلس الدفاع المشترك ولم يختبر عملياً، كما كان يهدف إلى المحافظة على الكويت من أطماع عربية، وليس لمواجهة خطر خارجي. وكذلك تشكيل قوة الردع العربية إلى لبنان في حزيران/يونيو عام 1976 تحت إشراف الأمين العام لجامعة الدول العربية للحفاظ على الأمن والاستقرار في لبنان، إلا أن القرار اتخذ خارج أجهزة المعاهدة، ولم يُلتزَمْ بها. وفي الوقت نفسه، يمكن القول إن إنشاء القيادة العربية الموحدة كان خطوة مهمة في سبيل تطبيق أهداف المعاهدة، كما كان انضمام قوات عربية من أطراف الوطن العربي إلى الجبهتين المصرية والسورية عام 1973 تطبيقاً عملياً، لأن كل عدوان على بلد عربي هو اعتداء على الدول العربية جميعاً.
اندثرت الترتيبات الخاصة بمعاهدة الدفاع المشترك في السبعينيات، بعد اتجاه مصر نحو عقد معاهدة سلام مع إسرائيل. وأنشئت أمانة عسكرية لجامعة الدول العربية نتيجة لنص المعاهدة على إنشاء مجلس الدفاع المشترك، حيث نصت لائحته على أن يكون رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية هو الأمين العام المساعد العسكري للجامعة، وظل هذا قائماً كإدارة عسكرية للجامعة برئاسة ضابط سوري. وقد اختلف الوضع بعد عودة الجامعة إلى القاهرة في عام 1989 حيث عين أمين عام عسكري مساعد سوري لكنه من دون صلاحيات، والأهم من دون وجود مجلس الدفاع المشترك الذي كانت قد توقفت جلساته منذ عام 1984.
2 -اتفاقيات التنسيق والتعاون العسكري بين البلدان العربية خارج
نطاق الجامعة
عقدت اتفاقيات ذات طابع عسكري بين الدول العربية وأحياناً بينها وبين دول غير عربية، وقد كان أول لجوء إليها نتيجة لانضمام العراق إلى حلف بغداد، إذ وقعت مصر وسورية اتفاقية للدفاع المشترك قضت بإنشاء قيادة مشتركة بينهما في تشرين الأول/أكتوبر 1955، ثم عقدت مصر والسعودية واليمن اتفاقية ثلاثية في الشهر نفسه، ثم أتبعتها باتفاقية مع الأردن في آذار/مارس 1956، لكن هذه الاتفاقيات لم تتح لها فرصة للعمل الجدي الفعال، أثناء العدوان الثلاثي على مصر، ثم بعد الوحدة بين مصر وسورية بخاصة، ثم بعد الانفصال. وكانت ثورة اليمن في أيلول/سبتمبر 1962 فرصة لتعاون عسكري بين مصر واليمن يمكن القول إنه أنجح تعاون عسكري عربي، وإن كان خارج المعاهدة وليس بعيداً من روحها.
بعد تلاشي فرصة القيادة العربية الموحدة للجيوش العربية في آذار/مارس عام 1967، وبسبب تفاقم الخلافات بين الحكومات العربية، سارعت بعض الدول العربية إلى عقد اتفاقات ثنائية، بين مصر وسورية، وبين سورية والعراق، ثم بين مصر والأردن. إلا أن هذه الاتفاقات لم يثبت جدواها في مواجهة العدوان عام 1967 حيث لم تصل إلى استغلال الإمكانات العربية للدول المتعاقدة سواء عن تقصير، أو قصر الزمن، أو تعمد عدم الالتزام.
أنشئت بعد الهزيمة عام 1967 قيادة للجبهة الشرقية لقيادة القوات التي تعمل على الجبهة من سورية والأردن والعراق للعمل في الجبهة الأردنية والقيام بأعمال التنسيق، إلا أنها لم تتمكن من أداء مهماتها، ولم تتحقق لها سلطات كافية على القوات المخصصة لها، وهو ما أدى إلى حلها عام 1970، ولم ينجح إنشاء قيادة مشتركة للجبهات العربية في حزيران/يونيو 1970 نتيجة خلافات بين الأردن من جهة ومنظمة التحرير الفلسطينية والحكومات السورية والعراقية والمصرية من الجهة الأخرى. وهكذا اتجهت مصر وسورية إلى عقد اتفاقية بينهما في تشرين الثاني/نوفمبر 1970، انتهت عام 1971 بالاتفاق على إنشاء دولة اتحادية تضم مصر وسورية وليبيا، وأنشئت القيادة العامة للقوات المسلحة الاتحادية في حزيران/يونيو 1972، وهي القيادة التي قامت بالتحضير للحرب عام 1973، وهي أنجح تجارب التعاون العسكري العربي على نطاق واسع رغم ما يؤخذ عليها وبخاصة عدم اشتراك ليبيا، وعدم الالتزام بالمعاهدة ولا بقرار مجلس الدفاع المشترك.
كان مجلس التعاون الخليجي المؤسسة الوحيدة التي تمثل تعاوناً عسكرياً عربياً حيث أنشئت قيادة مشتركة، وقوة انتشار سريع (قوات درع الجزيرة)، وأجريت تدريبات مشتركة بين أقطارها، لكن دوله تعرضت لتهديدات ولم تُبدِ مؤسساته فاعلية في مواجهتها.
عقدت معاهدة دفاع مشترك بين مصر والسودان، ومن الغريب أن الحكومة السودانية أوقفت تنفيذ المعاهدة بما يوحي بأن التعاون العسكري ما لم يكن مفيداً، فقد تكون أضراره أكثر من فوائده.
انضمت دول عربية إلى بعض برامج حلف شمال الأطلسي مثل برنامج «حوار المتوسط»، و«مبادرة إسطنبول للتعاون»، وسمحت بوجود عسكري أجنبي على أراضيها بما يضعف من إمكان التعاون العسكري العربي.
3 -القصور في تحقيق تعاون عسكري عربي سواء في إطار معاهدة الدفاع المشترك أو الاتفاقات الثنائية والمتعددة الأطراف
من أسباب هذا القصور وجود خلافات عميقة بين الدول العربية وبخاصة بين موقف كل من مصر وسورية مقابل العراق، وخضوع كثير من الدول العربية للسيطرة الاستعمارية، ووجود قوات عسكرية أجنبية فيها، وضعف القوات المسلحة العربية كمّاً ونوعاً من حيث القدرة على مواجهة التحديات العسكرية أمامها، وعدم انعقاد مجلس الدفاع المشترك نتيجة للخلاف حول قضايا العلاقات مع الدول الأجنبية، وبالتالي عدم وجود قيادة سياسية للتعاون العسكري المحتمل، وافتقار الاتفاقات الثنائية ومتعددة الأطراف إلى جهاز سياسي دائم يقوم باستكشاف احتمالات التعاون العسكري في مواجهة التحديات المحتملة وتقديم توصيات للقيادة السياسية، وعدم التزام قيادات الجيوش العربية بأوامر وقرارات قيادات التعاون العسكري، وامتناع حكومات عربية عن سداد أنصبتها في ميزانية التعاون، ورفض بعض الدول العربية السماح لقوات عربية بالدخول إلى أراضيها أو عبورها، وخوف قيادات عربية من أن تسلبهم قيادات التعاون بعض صلاحياتهم واختصاصاتهم والتدخل في أعمالهم.
4 – خبرات التنسيق الواقعية
تمكن التنسيق العسكري العربي من تحقيق خبرات جيدة غير بعيدة من معاهدة الدفاع المشترك، ولكن ليس وفقاً لنصوصها دائماً. وقد كان التنسيق بين القوات العربية عام 1973 خبرة جيدة للتعاون العسكري العربي، تكاد تكون وحيدة حتى الآن، وفي مجال التصنيع العسكري وخلال أيار/مايو 1974 وافق مجلس الدفاع المشترك على توصيات الهيئة الاستشارية العسكرية على إنشاء مؤسسة عربية للصناعات المتطورة بأسبقية لإنشاء صناعات حربية، وفي أيار/مايو 1975 وافق مجلس الدفاع المشترك على الخطة التفصيلية، واجتمعت الهيئة العربية للتصنيع في 2 تشرين الثاني/نوفمبر 1975 في أربعة بلدان مؤسسة هي: جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ودولة قطر، لكن التعاون العربي توقف بعد توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل.
تطور التعاون بين الدول العربية في زمن السلم من خلال تبادل البعثات الدراسية، وحضور دورات تدريبية في المنشآت التعليمية العربية، وكذا إجراء المناورات والتدريبات المشتركة، فنلاحظ تزايد عدد الدارسين العرب في المنشآت التعليمية العربية بصورة واضحة، وهو ما يساعد على القدرة على التفاهم بين القوات في الحرب، وفي مجال التدريب والمناورات المشتركة. فقد أجريت مناورات مشتركة بين القوات البحرية المصرية والقوات البحرية للمملكة العربية السعودية والمسماة «مرجان»، التي أتمت في شباط/فبراير 2015 دورتها الخامسة عشرة. كذلك أجريت تدريبات مشتركة بين قوات مصرية وقوات من دولة الإمارات العربية المتحدة.
كذلك تطور التعاون العسكري بين البلدان العربية، فأنشأت دول مجلس التعاون الخليجي قوة انتشار سريع (درع الجزيرة) وقيادة مشتركة، وأجرت تدريبات مشتركة. إلا أن هذه المؤسسة وتوابعها لم تبد فاعلية في التعاون العسكري في مواجهة التهديدات التي واجهت بعض أقطارها مثل الكويت والسعودية.
5 -مدى صلاحية معاهدة الدفاع المشترك كأساس للعمل العربي
العسكري المشترك
طالب كثيرون بتفعيل وإعادة العمل بمعاهدة الدفاع العربي المشترك، بينما تبدو المصاعب التي واجهت التجارب السابقة غير مشجعة. ولكن إذا اتفقنا على أن هناك تهديدات تحيط بالدول العربية، وأن التعاون العسكري العربي يكاد يكون الرد الوحيد المتيسّر والمعقول لهذه التهديدات، وأن استعداد الآخرين للدفاع عن الدول العربية في تناقص مستمر، وهناك ميل إلى مزيد من استخدام القوى الأجنبية لإمكانات جيوش المنطقة حتى في حال اشتراكها، فإن التعاون العسكري العربي يصبح أكثر من خيار وغالباً حتمياً. وهنا يثور السؤال عما إذا كان الأفضل هو العودة إلى التعاون عن طريق تفعيل معاهدة الدفاع المشترك، أو عدم الالتزام بالمعاهدة والبدء في تشكيل إطار دفاعي جديد، أو الاتجاه مباشرة إلى إنشاء قوة عسكرية مشتركة؟ ويبدو أن العودة إلى معاهدة الدفاع المشترك أكثر منطقية حيث نتجنب المحاور وهناك خبرات مكتسبة، ودراسات تمت، مع الاستعداد لتعديل ما نراه غير مناسب، وإدخال ما نراه ضرورياً نتيجة لتغير الظروف الدولية والإقليمية، فتشكيل إطار دفاعي جديد يتجاهل خبرات مكتسبة ودراسات سابقة، بينما القفز إلى إنشاء قوة دفاعية مشتركة، وإن كان يتخلص من البيروقراطيات المعطلة، يحتاج إما إلى توفير أسس جديدة للتعاون مختلفة وإما تحتاج إلى مزيد من الزمن، وقد يؤدي إلى مواجهة مصاعب لم يجر الاستعداد لها، كما يؤدي إلى نتائج سلبية. لذا فقد يكون من المناسب البدء بالإعلان عن العودة إلى العمل بالمعاهدة وأن يبدأ العمل بالدول التي تقبل بذلك، وألا يُشترط انضمام كل الدول، وبخاصة أن هناك ثلاث دول لم تنضم إليها أصلاً هي سلطنة عمان، وجمهورية جيبوتي، وجزر القمر، كما أنه من حق الدولة العضو أن تنسحب من المعاهدة وفقاً لما جاء في نصها، مع البدء فوراً في الإعداد لتعديل المعاهدة وفقاً لما يُرى مناسباً، وفي الوقت نفسه يمكن فوراً تشكيل قوة عربية مشتركة تستعد للمشاركة في صد التهديدات القائمة والمحتملة بين الدول التي توافق على ذلك مع تنظيمها بشكل كامل، إذ إن هذا يقع وفق ممارسة حق الدفاع الشرعي الفردي والجماعي واستخدام القوة المسلحة، ولرد الاعتداء ولإعادة الأمن والسلام إلى نصابهما.
من الطبيعي أن يشتمل تنظيم الدفاع العربي على تشكيل قوات تتناسب مع التهديدات القائمة والمحتملة، مثل قوات مكافحة الإرهاب، وقوات الانتشار السريع والقوات المحمولة جواً وبحراً (قوات الإبرار الجوي وقوات الإبرار البحري). وقد كانت هذه القوات موجودة خلال فترة التعاون السابقة في إطار معاهدة الدفاع المشترك، ولكن الأسبقية هي لتشكيل عناصر الاستطلاع والمعلومات وكذا وسائل الاتصال والقيادة والسيطرة، وتوفير عناصر التأمين القتالي والتعبوي.
من المتصور أن يشتمل التعاون العسكري بين البلدان العربية وفقاً للمعاهدة على تبادل المعلومات والإنذار وبخاصة شبكة إنذار الدفاع الجوي ضمن نظام دفاع جوي عربي، وتوفير نظام السيطرة، والتخطيط المشترك لتنفيذ المهمات المتعلقة بالتعاون بين البلدان العربية وبخاصة تشكيل قيادة موحدة للجيوش العربية تتولى التحضير والتخطيط الاستراتيجي للتعاون، وقد يشتمل التعاون على تنفيذ مهمات قتالية وتعبوية مشتركة أو منفردة لقوات من بلد عربي أو أكثر، ويجري التعاون وفقاً للوقت والمهمات والاتجاهات، وكذا مهمات مشتركة للقوات البحرية والجوية والدفاع الجوي للقوات العربية.
تمتد مشاركة الدول العربية في التعاون عن طريق المشاركة في القيادة الموحدة أو المشتركة وبالانخراط في وضع الخطط وصياغة الوثائق إلى المشاركة في التدريب والاختبارات والمراجعة وتقديم المعاونة، وكذا المشاركة في تنفيذ أعمال الصيانة الدورية والإمداد بالحاجيات التي تتوافر في دول عربية ولا تتوافر في غيرها، وصولاً إلى مشاركة وحدات عربية من بلدان مختلفة في تنفيذ مهمات مشتركة.
يبقى أسلوب اتخاذ القرار العسكري ثابتاً سواء على مستوى قيادة التعاون أو قيادات التشكيلات التعبوية والتكتيكية، بدءاً بتحديد المهمة القتالية إلى جمع المعلومات عن العدو المطلوب مواجهته بجميع وسائل الحصول على المعلومات، ثم تقدير الموقف بمشاركة القيادات والأجهزة المختصة، وتقديم التوصيات والمقترحات، ثم بلورة القرار بواسطة القائد المختص بعد الاستماع لكل ما سبق، وإصدار الأوامر والتعليمات للتنفيذ، مع الاهتمام الخاص بتعليمات تنظيم التعاون لتحديد عمل القوات المتعاونة في مواجهة احتمالات تطور القتال والعمليات، وكذا تعليمات التأمين الشامل. لكن المهم هو أسلوب اتخاذ القرار السياسي الذي يحدد مهمات القوات المتعاونة. ويمكن أن توكل المهمة إلى مجلس رئاسي مصغر يشتمل على رؤساء الدول الثلاث المناوبة (السابقة والحالية والمقبلة) ووفقاً للتخطيط الاستراتيجي المصدق عليه وإلى حين اجتماع مجلس الدفاع المشترك واتخاذ القرار.
6 – مواجهة العقبات المتوقعة
من الطبيعي أن تعارض دول أجنبية الفكرة السابقة بدءاً من الولايات المتحدة ووصولاً إلى باقي دول حلف شمال الأطلسي وإسرائيل، كونها تمثّل خروجاً عن النظام العالمي المتعارف عليه، وشقاً لعصا الطاعة عليها، كما أنه ينافس التحالف الدولي ضد الإرهاب الذي تسيطر هي على أولوياته. ومن المتصور إمكان مقاومة هذه القوى بالاعتماد على علاقات جيدة وتوثيق العلاقات العسكرية بأطراف التوازن الاستراتيجي العالمي بحيث يمكن كبح جماح القوى الدولية المهيمنة، وبخاصة روسيا والصين.
تعدّ أهم عقبة محتملة في طريق المعاهدة هي اتخاذ القرار السياسي بمهمة العمل العسكري العربي المشترك، لكن يمكن التغلب عليها إذا ما تعمّدت أطراف عربية اتخاذ القرار أو انتظار قوة عربية القرار من قيادتها القطرية، حيث يمكن البدء بالقوى العربية الأساسية باعتبار حق الدفاع الشرعي الفردي والجماعي، وأن تصر الكتلة العربية الرئيسية على التعاون دون انتظار في حال الإحساس بتعويق اتخاذ القرار.
يفترض أن تحدد أجهزة التعاون والمعاهدة علاقة القوة العربية المشتركة بأي قوات موجودة فعلاً مثل قوة الانتشار السريع المصرية، أو أية قوة أخرى مثل قوات درع الجزيرة، وإذا حسنت النوايا لصالح الجميع فسيمكن حل المشكلة بسهولة، أما إذا لم تحسن النوايا فيجب على القوى القومية أن تأخذ المبادرة وتبدأ بالتعاون في ما بينها.
رابعاً: تعديلات ضرورية على معاهدة الدفاع المشترك
ليست هناك ضرورة حتمية لتعديل نصوص المعاهدة سوى تعديل نص المادة الثامنة من المعاهدة وفقاً لقرار مجلس الجامعة الرقم 3552 بتاريخ 29/3/1977 بإنشاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي.
أما الملحق العسكري للمعاهدة فيلزم تعديل البند الخامس الخاص بالقيادة العامة لجميع القوات العاملة في الميدان للنص على إنشاء القيادة العامة الموحدة للجيوش العربية بالاسترشاد بقرار مجلس ملوك ورؤساء الجامعة العربية في دورته الأولى (كانون الثاني/يناير 1964)، وتحديد اختصاصات القيادة العامة الموحّدة لجيوش الدول العربية بما فيها اختصاصات القائد العام للقيادة العربية ومسؤولياته وفقاً لتصديق مجلس الدفاع المشترك في دور انعقاده السادس غير الاعتيادي في 26 أيار/مايو 1965.
قد يكون من المناسب بحث إضافة مادة إلى المعاهدة توضح كيفية التعاون مع قوات دولية تعمل في المنطقة لتحقيق هدف قومي ويوافق عليها كل من مجلس الأمن وكذا مجلس الدفاع المشترك.
الخطوات التنفيذية المقترحة
تشتمل عناصر الفكرة على:
– تبدأ عناصر الفكرة بتصفية الجو السياسي بين البلدان العربية، وهو ما يجري فعلاً بعضه في الوقت الحاضر، ويفترض أن يكون مؤتمر القمة العربية في أواخر آذار/مارس 2015 فرصة لتحقيق أكبر قدر من تصفية الجو السياسي بين الدول غير المشتبكة في نزاعات مسلحة داخلية، ويتضمن ذلك اقتناعاً بضرورة وحتمية التعاون العسكري بين البلدان العربية وينتظر أن يتحقق ذلك جزئياً.
– يأتي بعد ذلك مباشرة الإعلان من بعض الدول العربية عن التزامها بمعاهدة الدفاع المشترك وإعادة تشكيل أجهزتها من مجلس دفاع مشترك، وهيئة استشارية عسكرية ولجنة عسكرية دائمة دون انتظار باقي الدول.
– ثم يلي ذلك البدء في إنشاء قوة مشتركة عسكرية بين الدول التي تعلن التزامها، قائمة على التنسيق بين العناصر المشابهة لديها، وبخاصة في الاستطلاع ومجالات الدفاع الجوي، ومكافحة الإرهاب، والقوات الجوية، وقوات الإبرار مع تحديد المسؤوليات ونظام القيادة السياسية والعسكرية.
– وضع نواة لقيادة موحدة للجيوش العربية للدول التي تعلن التزامها بالمعاهدة مع الإفادة من تجربة القيادة الموحدة لجيوش الدول العربية.
– تشكيل لجنة لمراجعة المعاهدة وتقديم الاقتراحات بأي تعديلات.
– إحياء الهيئة العربية للتصنيع للقيام بالدور الذي أنشئت من أجله بمشاركة الدول المؤسسة لها والتي ترغب في الانضمام إليها.
– تبدأ المرحلة الأولى بتصفية الخلافات بين البلدان العربية خلال مؤتمر القمة العربي عام 2015، والاتفاق على ضرورة التعاون العسكري حتى منتصف عام 2015، وتشتمل أيضاً على البدء في استدعاء أجهزة معاهدة الدفاع المشترك، والاتفاق بين عدد من الدول العربية على تشكيل قوة مشتركة، والقيام ببعض الأعمال العسكرية المشتركة ضد التهديدات المباشرة في بعض الدول، ويجري العمل على استئناف الهيئة العربية للتصنيع القيام بالمهمات التي أنشئت من أجلها.
– تبدأ المرحلة الثانية خلال النصف الثاني من عام 2015 بالإعلان عن الالتزام بمعاهدة الدفاع المشترك وتأليف لجنة لمراجعتها واقتراح التعديلات الخاصة بها ودعوة مجلس الدفاع المشترك خلال باقي عام 2015 للإعداد لقمة 2016. ويتصاعد التعاون العسكري بين عناصر القوة المشتركة ضد التهديدات التي تواجه الدول المهددة، وتستكمل الدراسات الخاصة بخطط عمل الهيئة العربية للتصنيع.
– تبدأ المرحلة الثالثة في الربع الثاني من عام 2016 وفيها يتزامن تشكيل القيادة الموحدة للجيوش العربية مع استكمال أجهزة معاهدة الدفاع المشترك، وبخاصة اللجنة العسكرية الدائمة، والبدء في إجراء الدراسات والخطط والمقترحات وجمع المعلومات وبحث التسهيلات والمساعدات المختلفة التي قد تطلب منها وقت الحرب، وتستكمل خطط الهيئة العربية للتصنيع.
– تستمر المرحلة الثالثة حتى آذار/مارس 2017 حيث تتولى القيادة العربية الموحدة مسؤولياتها، كما تستكمل الأمانة العسكرية لجامعة الدول العربية تشكيلها وتبدأ في إصدار نتائج أعمالها لتعرضها على مؤتمر القمة عام 2017. وربما يبدأ إنتاج الهيئة العربية للتصنيع لإنتاج صناعات متطورة.
المناقشات
يقدم هذا القسم الثاني خلاصة تنفيذية لأهم الآراء والمناقشات التي عرضت في الحلقة، وقد تم توزيع المناقشات في هذا التقرير على خمسة عناوين فرعية، هي: الدوافع، والمخاوف، والعوائق، والخيارات، والتقنيات.
1 – الدوافع
تطرقت المناقشات إلى المخاطر المصيرية التي تتعرض لها الأمة العربية في هذه المرحلة، سواء في إطار المشهد الإقليمي الذي تتزايد معه ظاهرة تدخل بعض الدول الإقليمية في الشؤون العربية، أو في إطار ما تتعرض له البلدان العربية من مخاطر من الداخل، وبخاصة مع تطور ظاهرة الإرهاب في الآونة الأخيرة، أو مع تطور ظاهرة العنف والانقسام المذهبي والطائفي في بعض البلدان العربية، الأمر الذي أدى إلى انكشاف الأمن القومي العربي إلى حد انهياره في بعض الأقطار والمناطق العربية. كل ذلك يدفع إلى التفكير جدياً في إعادة إحياء اتفاقية الدفاع العربي المشترك أو أي صيغة دفاعية عربية أخرى.
أ – مواجهة حالة الانكشاف والعجز العربيين: إن ما يدعو إلى التفكير في إحياء وتفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك وتشكيل جيش أو قوة عربية مشتركة في هذه المرحلة، هو حالة الانكشاف والعجز التي تسود أنظمة الحكم في الوطن العربي عموماً.
ب – مواجهة «الإرهاب الديني» وظاهرة الصراعات الطائفية والسياسية المسلحة: فمن جهة تحتدم الصراعات المذهبية وأعمال العنف والقتل العشوائي والتدمير في العراق وسورية وليبيا واليمن وبدرجة أقل في مصر، وتكاد هذه الحالة، في ظل التغيرات الدولية والإقليمية، تتجاوز حدود تلك الأقطار وتمتد إلى أقطار عربية أخرى ما زالت تشهد استقراراً نسبياً مثل لبنان والأردن وربما قطاع غزة والضفة العربية في فلسطين المحتلة. في المقابل «تتفاقم خطورة هذه الحالة [أيضاً] حين نرى هذا التحول في طبيعة وتركيبة الجيوش العربية في الأقطار التي تهددها الانقسامات والحروب الأهلية».
ج – مواجهة المخاطر الإقليمية: إذ تبرز أدوار جديدة ومؤثرة سواء لكل من إيران وتركيا أو لإسرائيل، «بوصفها قوى إقليمية فاعلة في المشهد العربي وقد أصبح لها مصالح وأطماع وأجندات، فأباحت لنفسها التدخل بصورٍ وأشكال مختلفة في رسم مستقبل المناطق العربية المجاورة لها على أقل تقدير».
د – مواكبة المخاطر والتغيرات الدولية: إذ يبدو أننا «مقدمون على تغيّرات مهمة وعلى صفقة دولية وإقليمية وعربية كبيرة. فما يحدث في أوكرانيا، وما حدث في السعودية، وما يحدث في سورية، ثم ما يحدث في العراق، هي بدايات لأمور ستتضح أكثر. وبالتالي، إن النظر إلى هذا المقترح [أي تفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك] انطلاقاً من معطيات الواقع العربي والإقليمي والدولي الحالية، يبدو أنه يقدم نظرة غير صحيحة وغير موضوعية، لأننا مقبلون على تغيّرات مهمة. إذاً، نحن بحاجة إلى إعادة النظر في وضعنا. أولاً علينا ألّا نتشاءم، والقوة العربية المشتركة قد نحتاج إليها عربياً، وداخلياً. سنحتاج إليها في العراق، لأن العراق يبدو أنه مقبل على حرب أهلية، فبعد داعش ربما تكون هناك حرب أهلية في العراق، ليس بين سنّة وشيعة أو بين عرب وأكراد، ولكن بين شيعة وشيعة وبين سنّة وسنّة وبين أكراد وأكراد. وسنحتاج إلى قوة سلام عربية، كما سنحتاج إلى هذه القوة في ليبيا وسورية واليمن. إن الأخطار الخارجية لم تعد كما كانت، فأمريكا اليوم ليست أمريكا السابقة، والدول الكبرى لم تعد قادرة على التفرد بإرسال قوات. ونحن العرب لدينا مشاكل داخلية نحتاج معها إلى هذه القوة العربية». وفي ظل التفاهمات الدولية التي تلوح في الأفق، فمن المتوقع أن تشمل مجمل القضايا المعلقة من أوكرانيا إلى اليمن، ويكمن مخرج أمتنا العربية في «قيام كتلة عربية وازنة يتوافق أطرافها على استراتيجية مرنة تتحدد من خلالها مصادر تهديد الأمن القومي العربي، بصرف النظر عن التفاوت في تحديد أولويات هذه المصادر».
هـ – صلاحية اتفاقية الدفاع العربي المشترك كصيغة لمواجهة المخاطر: في سياق مناقشة الصيغة الممكنة للتعاون العسكري العربي في المرحلة المقبلة ومدى صلاحية اتفاقية التعاون العربي المشترك لهذا التعاون يظهر أن الاتفاقية «ما زالت تشكل أساساً ومدخلاً سليماً لأي اتفاقات جديدة على أن يتم تطويرها أو الإضافة إليها بما يتناسب مع التصور الجديد والظروف المتغيرة في الوطن العربي وعلى المستويين الإقليمي والدولي». ثم إنه «على الرغم من وجود ثغر ومشاكل في الاتفاقية فإن الحاجة إلى بقاء هذه الأمة هي أهم كثيراً مما سبق من اعتراضات. والمشكلة لا تكمن في المعاهدة بقدر ما هي في بعض الأنظمة والأشخاص. فهل نحن مستعدون لنحل مشكلاتنا وننتهز فرصة قائمة لتحقيق تعاون عربي أم سنبقى نضع مصيرنا بأيدي قوى أجنبية؟».
و – التقاط الفرصة التاريخية: في مقابل هذا الواقع العربي المتصدّع والمهدد بدأ يظهر أن «هناك تغيرات مهمة تحدث في الواقع الدولي يمكن أن تتيح فرصة للأنظمة العربية للتعامل مع مختلف المشكلات التاريخية وأزمات هذه الأمة التي كنا نرى أن للواقع دوراً حقيقياً فيها». أمام هذه المرحلة الخطيرة التي نمر بها، «ربما توجد أمامنا فرصة قد تكون أخيرة؛ فإما أن نستطيع التعاون في ما بيننا وإما أننا قد لا نلتقي بعد ذلك. فهل نحن مستعدون لأن لا نلتقي بعد ذلك»، و»هل نقبل أن نبقى خارج التاريخ؟». لكن، في المقابل، هل يمكن في ظل هذا المشهد أن تتولد حالة عربية تسترد معها الشعوب حريتها وكرامتها، وتقوم فيها أنظمة سياسية منتخبة انتخاباً نزيهاً تنتهج سياسات مستقلة تعيد التوازن للعلاقات العربية مع دول الجوار؟ وأقصد هنا إيران وتركيا، على أساس المصالح المشتركة ومبادئ حسن الجوار، كما تبعث برسالة قوية للكيان الصهيوني، وتضيف إلى الموقف المصري موقفاً عربياً وازناً في مواجهة مشاريع نهب مياه النيل التي تهدد أمن مصر ومستقبل شعبها، إذ تظهر رغبة لدى القواعد الشعبية العربية في تأسيس قوة عسكرية عربية للدفاع عن هذه المنطقة ومحاولة النهوض فر شؤونها.
2 – المخاوف
في مقابل الجو المتحمس لإعادة تفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك أو بناء جيش عربي مشترك، ظهر جو آخر في مناقشات الحلقة، إذ أبديت بعض الشكوك حيال إمكان تحقيق هذا الطرح.
أ – غياب القرار العربي المستقل: «هل أن العرب يملكون قرارهم المستقل لإنشاء جيش؟ ومن سيحارب هذا الجيش؟»، إذ إن «لدينا جغرافيا في التاريخ السياسي العربي ليست مرسومة بإرادة الشعوب العربية، وهناك مصالح مرتبطة بالخارج هي التي تؤسس لاقتصاد الوطن العربي ومصالحه. كما أن أمنه ومشروعيته مرتبطان بالخارج إلى حد كبير وليس بإرادة شعوبه».
ب – التجربة التاريخية غير المشجعة لاتفاقية التعاون العسكري المشترك: لا بد من الإشارة إلى أن البعض يعتقد أن تجربة الاتفاقية على أكثر من ستة عقود مضت لم تكن مشجعة، على الرغم من تعرّض بعض البلدان العربية لعدة حروب (منذ العدوان الثلاثي عام 1956 حتى حرب غزة عام 2014)، إذ إن كل هذه الحروب حصلت في ظل اتفاقية الدفاع العربي المشترك، فماذا فعلت تلك الاتفاقية، باستثناء بعض الحالات وأهمها حرب 1973؟»، وهذا «يجب أن يعطينا الدروس أين يجب أن نعمل وأين يجب أن لا نعمل».
ج – غلبة الرؤية المحورية في مشروع إعادة تفعيل الاتفاقية: يُخشى أن يكون هذا الطرح لإعادة إحياء التعاون العسكري العربي يركز على حاجات بعض الدول أو الأنظمة خلافاً لحاجات كل الدول أو كل الأنظمة. فضلاً عن أن الحديث عن هذه الاتفاقية اليوم يغفل نقطة الصراع الرئيسي، وهي إسرائيل، كما يغفل مخاطر تركيا. بمعنى أن الحديث عن اتفاقية الدفاع العربي المشترك اليوم هو حديث انتقائي لدى هذا النظام العربي أو ذاك، أو لدى هذه المجموعة أو تلك من الدول العربية. وأي اتفاق في خصوص هذه الاتفاقية اليوم لن يعدو كونه مجرد اتفاقات ثنائية».
د – صعوبات تحقيق التجربة على المستوى العربي الشامل: إذا كان الهدف من الاتفاقية هو حماية الدول العربية الـ 22 وتحقيق توافق جماعي عليها، فإن الأمرّ في هذه الحالة قد يكون معقداً جداً، لأنه ربما يفوق قدرة الدول العربية على تحقيقه. أما إذا كان الهدف هو اقتصار الاتفاقية على عدد من الدول العربية مجتمعة وليس كلها، فهذا قد يؤدي إلى تصدّع يصيب المنظومة العربية ويعيد إحياء سياسة المحاور على الساحة العربية. وبالتالي لا بد من التساؤل: «ماذا ستعطي هذه المبادرة الطرف العربي غير الموجود ضمن القوة المشتركة؟ فالقوات على ما يبدو ستكون مصرية في معظمها. ولكن لا بد من الإشارة هنا إلى تجربة الاتحاد الأوروبي، إذ ليست جميع دول الاتحاد مشتركة في جميع اتفاقات الاتحاد في بعض المجالات التي اقتصر توقيعها على بعض دول الاتحاد فقط، مع إبقاء العضوية فيها مفتوحة للدول غير الموقعة للانضمام إليها حين ترغب في ذلك.
هـ – التشكيك في جدوى المبادرة: فما هي القيمة المضافة التي ستوفرها هذه المبادرة؟»
3 – العوائق
هناك عدة عوائق تقف في وجه تحقيق عملية إعادة تفعيل اتفاقية التعاون العسكري المشترك:
أ – الاختلاف العربي على تحديد مصادر الخطر والتهديد: وبالتالي على وجود عقيدة عسكرية عربية موحدة، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى الاختلاف على خيارات التسلُّح وخلق صعوبات فيه، فالجيش يتطلب التسليح المناسب والمتطور، وهنا تطرح مسألة التصنيع العسكري العربي المستقل وسوق السلاح في معظمه بيد من يطمع بالعرب.
فإذا نظرنا إلى الوضع العربي، لا نجد اتفاقاً على تحديد مصادر هذه الأخطار والتهديدات. فهل هناك اتفاق على أن إسرائيل هي مصدر التهديد؟ وهل هناك اتفاق على أن تركيا هي مصدر التهديد؟ وكذلك الأمر بالنسبة إلى إيران؟ إذاً لا يوجد اتفاق بين جميع الدول العربية على تحديد مصادر التهديدات.
ب – غياب المشروع العربي الجامع: المشكلة الأساسية تكمن في أننا نفتقد مشروعاً عربياً جامعاً. وهذه المبادرة التي أطلقها الرئيس المصري بالدرجة الأولى تبدو أنها رد فعل أكثر منها استراتيجية، فهي آنية، ولا ترتكز على تخطيط استراتيجي بعيد المدى. هذه المبادرة تبدو أنها ليست جزءاً من مشروع عربي، وهي لا تتصدى للمشاريع الإقليمية، كما أنها لا تطمئن الدول الضعيفة والصغيرة. وهي بالتالي مبادرة غير واضحة تتصدى للإرهاب. أي إرهاب؟ لذلك يبدو طرح المبادرة اليوم تعبيراً عن تفكير رغبوي، إذ هناك مشكلة في العقيدة العسكرية وهناك مشكلة أساسية في التوافق (Interoperability)، كما لا توجد أنظمة عسكرية عربية مشتركة للقيادة والسيطرة (Command and Control) يمكن أن تتعامل معه الجيوش العربية المختلفة في ما بينها بنوعية الأسلحة والتسلح المعتمدة لدى كل منها.
ج – سيادة النزعة القطرية: إن الواقع المرير الذي نعانيه كعرب، هو أنه في الوقت الذي يعاملنا به العالم كأمة نرى نخبنا الشعبية والسلطوية تتعامل مع الواقع العربي من منظور قطري ضيق على نحو أعطى فرصة للكثير من أنظمتنا أن تستبد بشعوبها.
د – وجود اتفاقيات ذات طابع عسكري وأمني بين أطراف عربية وأخرى غير عربية: يحول دون قيام هذه الأطراف العربية بأي نوع من الأعمال العسكرية ضد إسرائيل أو المساهمة أو الاشتراك فيها، وبخاصة بعدما باتت عدة دول عربية مستباحة لقوات الحلف الأطلسي التي تشكل احتلالاً ضمنياً لهذه الدول.
هـ – غياب الثقة والاتفاق حول المهمات التي يمكن أن توكل إلى القوة المشتركة: كما لا يمكن إقامة قوى مشتركة من دون وجود حد أدنى من الثقة المتبادلة بين الدول المشاركة في هذه القوة. فإذا نظرنا إلى واقعنا العربي الحالي سنجد تكتلات واتجاهات وعداوات صريحة ومعلنة، وحتى بين الدول الحليفة أو القريبة توجد تباينات وتفاوتات. فلو نظرنا إلى التحالف المصري – الخليجي اليوم فسنرى فيه تباينات حول الموضوع السوري، وتبايناً غير معلن حول الموقف تجاه إيران.
و – سيطرة الانقسام على المشهد العربي: يرى البعض أن القول بالعودة إلى اتفاقية التعاون أمر منطقي هو مسألة فيها نظر في ظل واقع الانقسام العربي وسيطرة بعض دول الخليج على قرار الجامعة العربية وعدم استعداد القوى التي لا تتقبل السيطرة الخليجية فكرة إعطاء دول الخليج قوة مضافة. لذا، واستناداً إلى ما تقدم، نرى في الاقتراح الذي تطرحه هذه الحلقة أمر غير قابل للتطبيق.
ز – عدم وجود عقيدة عسكرية قومية: يجب أن يكون للقوة العسكرية العربية المشتركة عقيدة عسكرية. وهنا تظهر عدة تناقضات ومفارقات، أهمها أن هذا الجيش لو حصل أن تأسس فسيكون عدة جيوش لكل منها عقيدته الوطنية، وهي مهما أردنا تجميل الصورة، ستمثل أنظمتها القطرية.
ح – غياب الرأس في صنع القرار: من سيكون صاحب القرار في الموضوع الذي تجري مناقشته هنا، أي الدفاع العربي المشترك؟ هذا الأمر يحدث من دون أي حوار جدي داخل المجتمعات العربية. تحدث أحد الأخوة عن ضرورة وجود أنظمة عربية مستقلة، وهو يقصد أن تكون مستقلة في سياستها الخارجية. في حين أن معظم هذه الأنظمة هي مستقلة تماماً، ولكن عن شعوبها.
ط – استمرار الهيمنة الأمريكية على الإقليم: لا توجد منطقة إقليمية يحكمها الفراغ السياسي بحيث تكون لديك فيها حرية كاملة للحركة ولتفعل ما تريد. فالقوة المهيمنة في هذه المنطقة هي الولايات المتحدة والتحالف الغربي، سواء عبر نشر القواعد العسكرية أو عبر العلاقات السياسية والاقتصادية… وغير ذلك. فهل من المتصوّر أن تنشأ القوة المشتركة العربية على نحو يتحدى القوى المهيمنة في المنطقة ومن دون موافقتها، أم أن إنشاء هذه القوة المشتركة يحتاج إلى ضوء أخضر من تلك القوى المهيمنة؟
ي – تصاعد حدة النزاعات العربية – العربية: يحكم المنطقة العربية اليوم عدد من النزاعات المسلحة العربية البينية أكثر من أي وقت مضى. وكأننا نتكلم على أوروبا في ذروة الحرب العالمية الثانية وننتظر أن تحقق اتفاقية دفاع مشترك في ما بينها جميعاً في الوقت الذي كان بعضها يحارب البعض الآخر. ثم كيف يمكن العودة إلى اتفاقية بعد 65 عاماً؟ لذا يرى البعض أن أي كلام حول هذا الموضوع غير قابل للتحقق.
4 – الخيارات
كان هناك تنوع واختلاف في الخيارات التي طرحت في هذه الحلقة: وقد دارت المناقشات في الخيارات حول مجموعة عناوين:
أ – تحديد البعد السياسي للتعاون العسكري: إن الأساس في مناقشة موضوع كهذا هو السياسة، فهي التي تحدد الأهداف ومصادر التهديد، ثم يأتي بعد ذلك تحديد طبيعة القوات المسلحة التي ستتعامل مع هذه الأهداف. لذا، يرى البعض أنه، ما لم يتفق العرب على السياسة أولاً وعلى مصلحة الأمة العليا، وما لم يكن ثمة وضع دولي يسمح بأن تصبح الجامعة العربية غير ما هي عليه اليوم وغير ما كانت عليه سابقاً، فلا معاهدة مشتركة للدفاع العربي.
ب – تحديد مصادر التهديد: في إطار الخيارات لتفعيل هذه الاتفاقية ينبغي تحديد مصادر التهديد على نحوٍ موضوعي وأكثر تفصيلاً. وهنا لا يكفي أن نحدد الجهة التي نتصور خطرها بل يجب أن نحدد العنصر أو الجهة التي يقع عليها التهديد، فإذا قلنا إن إسرائيل مصدر خطر فيجب أن نذكر مثلاً أنها تهدد الأرض والثروة والاستقرار… إلخ، ثم نحدد ما يتطلبه دفع الخطر ووسيلته.
ج – إعادة تحديد نوعية التهديدات: لا حديث عن قوة مشتركة أو جيش مشترك، أو حتى تعاون عسكري مشترك، قبل الاتفاق على تحديد مصادر الأخطار والتهديدات. فمن الضروري تحليل نوعية التهديدات والحاجات في الوطن العربي من منظور جديد. لقد بُنيت اتفاقية الدفاع العربي المشترك على أساس نظرية العمل من خطوط خارجية ضد إسرائيل المحاطة بالبلدان العربية، أما التهديدات الحالية للبلدان العربية فتجيء في إطار الموجة الرابعة للحروب (محاربة الإرهاب الداخلي والعابر للحدود) وهي تهديدات مستجدّة من حيث طبيعتها وعدم وضوحها، إلا أنها تحتاج إلى التعامل معها من خطوط داخلية، وهو أمر مختلف تماماً عن فكر اتفاقية الدفاع العربي المشترك.
المطلوب إذاً هو تعديل الاتفاقية لتكون قادرة على مواجهة الموجة الرابعة للحروب، وهو حالة طارئة ستنتهي أو يؤمل أن تنتهي، بينما تبقى الاتفاقية بعد تطويرها قائمة من أجل تحقيق الهدف المنشأة من أجله، وهو مواجهة إسرائيل، وهو هدف دائم علينا ألا نغفله.
إن اتفاقية الدفاع العربي المشترك صالحة لتحقيق الهدف الذي أُنشئت من أجله وهو إسرائيل، وأن المطلوب هو إضافة مفهوم جديد ومن ثم قوات ومهمات جديدة لمواجهة عدو جديد له طبيعة خاصة وهو الإرهاب. كما أن مواجهة الموجة الرابعة للحرب تحتاج إلى مواجهة شاملة وليست أمنية فقط (سياسية اقتصادية – ثقافية – دينية)؛ فعلى القيادات العربية العمل على حل مشاكل شعوبها، وعلى الأخذ في الأساليب الديمقراطية من أجل احتواء شعوبها وعدم تركها للاستقطاب من الآخرين.
د – الهوية والمصلحة: إن إعادة النهوض على قاعدة وحدة الهوية هي أمر لا يكفي. فنحن نبتعد من السياسات ونجتمع على الهويات مع العلم أن الهويات ليست بسياسات. لذا يجب أن نتحدث عن السياسات فهي التي تجمع. وقبل تعريف الأهداف يجب تعريف المصلحة، وما يطرح من مبادرة اليوم لا تقوم على تعريف المصلحة المشتركة للعرب بل تنطلق من وجود هوية مشتركة، وهي أمر لا يكفي لإنجاح عمل مشترك ووحدوي.
هـ – ضرورة تجاوز المفهوم الكلاسيكي للقوة العسكرية: اليوم نمط المعارك التي تدور في المنطقة هو دمج ما بين الجيش النظامي والحشود الشعبية أو الدفاع الوطني. وثنائية هذه القوة هي التي ستمكّن الجيش النظامي الضعيف من تحقيق أهدافه، وستدخل هذه القوة بأسلوب من القتال لا يساعدنا على التغلب على الظواهر الداعشية فقط بل سيرهب أمريكا نفسها ويمنعها من النزول إلى الأرض. إذاً الحراك الذي يحصل في سورية والعراق وفق هذا الخليط (الجيش النظامي والحشد الشعبي) سينهي ظاهرة الدواعش وسيمنع القوى الأجنبية من التدخل.
و – الاستقلال عن النفوذ الأجنبي: من الضروري إخلاء المنطقة العربية برمتها من القواعد والقوات الأجنبية، أياً كان عملها. فالثابت أن صون الخليج واجب قومي عربي يتوجب أداؤه، لكن لبّ المسألة هو أن الخليج عربي ولا تحميه إلا قوة عربية، لا غير. وسيظل النظام الرسمي العربي عاجزاً عن فعل أي شيء ما لم يستقلّ عن التبعية للأجنبي، والاستغناء عن قواعده العسكرية، وما لم تتفاهم النظم العربية في ما بينها وتخرج من حالة الاشتباك في ما بينها والعودة إلى التشبيك بنظام عربي مستقل متحالف مع القوى الإقليمية. عندها تعود القوى الإقليمية (تركيا وإيران) التي نخافها إلى حجمها. فتركيا تأخذ دورها كحليف وليس كمتدخّل مسيطر، وإيران تأخذ دورها كحليف داعم وليس كقائد ومسيطر.
ز – النظر إلى التعاون العسكري وفق رؤيةٍ أشمل: إن اتفاقية الدفاع العربي المشترك صالحة لتحقيق الهدف الذي أُنشئت من أجله وهو إسرائيل، والمطلوب هو إضافة مفهوم جديد ومن ثم قوات ومهمات جديدة لمواجهة عدو جديد له طبيعة خاصة وهو الإرهاب. كما أن مواجهة الموجة الرابعة للحرب تحتاج إلى مواجهة شاملة وليست أمنية فقط (سياسية، واقتصادية، وثقافية، ودينية)؛ فعلى القيادات العربية العمل على حل مشاكل شعوبها، والأخذ بالأساليب الديمقراطية من أجل احتواء شعوبها وعدم تركها للاستقطاب من الآخرين.
من الضروري إذاً إنشاء بنيان عسكري سياسي قانوني يواجه التحديات التي تتعرض لها الأمة العربية في المرحلة الحالية. فالموضوع لا يقتصر على إنشاء قوة بل يشمل التفكير في بنيان كامل لمعالجة ومواجهة التهديدات الأمنية. بل يجب أن تكون هذه المبادرة جزءاً من مشروع عربي متكامل بدلاً من أن تكون مجرد تفكير آني. كما أن أي كلام على اتفاقية دفاع مشترك يجب أن يُبنى على أسس اجتماعية وسياسية واقتصادية معقولة. فالدفاع ليس موضوعاً مجرداً بل هو مرتبط بالاقتصاد وبالميزانية وبالنظام السياسي وبمستوى الرعاية الاجتماعية وبالمصالح والقوى النخبوية.
ح – التكيف مع التنوع الجيوسياسي العربي: إن التمسك بالفكرة الأساسية لاتفاقية الدفاع العربي المشترك لناحية إما أن تشمل الاتفاقية كل البلدان وإما أن لا تقوم، فهذا كلام لم يعد مقنعاً، لأنه بالممارسة كانت هناك تجارب تعاون عسكري عربية بين الأطراف العربية صاحبة المصلحة المباشرة من دون أن تشمل هذه التجارب كل البلدان العربية. لذلك يفترض التعاطي مع الموضوع وفق مقاربة أكثر مرونة وتنوعاً، وبخاصة في ظل التنافر السياسي العربي وعدم التجانس في النظرة إلى الأخطار والتهديدات وصعوبة العمل العربي المشترك الشامل، ويمكن أن يتم «إنشاء قوى إقليمية عربية متجانسة النظرة ووفقاً لما تسمح به قوانينها، ثم إجراء تنسيق بين هذه القوى مع الانفتاح على تطوير الفكرة إلى غرفة عمليات مشتركة تضمن في الحد الأدنى عدم الاعتداء والتصادم، وتطمح إلى تقديم الإسناد المتبادل عند الاقتضاء. وهنا يمكن الحديث عن 4 تجمعات عسكرية عربية أساسية: الأولى خليجية مع الأردن، والثانية من العراق وسورية ولبنان وفلسطين، والثالثة من مصر والسودان وليبيا، والرابعة من المغرب وتونس والجزائر، على أن تترك الحرية للدول الأخرى للتنسيق أو الانضمام إلى أي مجموعة (المشرق، المغرب الخليج، النيل)، ولتشجيع هذه المجموعات على تطوير التنسيق والتعاون السياسي في ما بينها مع الالتزام بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وللمجموعة».
هذا مع العلم أن السير في موضوع القوة المشتركة، على قاعدة أن يشترك فيها عدد من البلدان العربية دون غيرها، يُخشى أن يعيدنا إلى سياسة المحاور. لذا يمكن الإبقاء على المعاهدة وترك الفرصة لمن يدخل والسماح لمن لا ينضم أن ينضم لاحقاً.
ط – الإفادة من تجارب الآخرين: من الضروري دراسة تجارب التجمعات الإقليمية الأخرى، كي لا نعود مرة أخرى إلى اختراع العجلة، بل ينبغي التأمّل في تجارب حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي، وهي كلها تجارب طويلة وفيها تفصيلات مهمة جداً.
ي – التشديد على مركزية العامل الإسرائيلي في الصراع: إذ حتى لو كانت محاربة هذا الإرهاب ضرورة وحاجة لمنع تمدّده وتغوّله، فإن محاربته وحده، إذا كان فرعاً من الإرهاب الإسرائيلي، لا تعني أن إسرائيل بدعم من اللاعب المركزي أمريكا لن تعيد إنتاج أنماط أخرى من الإرهاب. من هنا لا بد من إيجاد صيغ وخطط قابلة للتطبيق تؤمِّن مواجهة الأصل والفرع معاً، الأمر الذي يستدعي القول بتفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك على النحو الذي يأخذ في الحسبان خطر الوجود الإسرائيلي، والأخطار المحدقة بجميع الدول العربية التي تهدد الأمن القومي العربي. وهذا يتيح ضمناً تشكيل قوات عربية مشتركة التي يكون لرئاسة أركانها تقدير الموقف التعبوي وتحديد الأولويات.
إن الخطر الإسرائيلي هو الخطر الأساس في المنطقة وهو الذي أفرز كل الأزمات التي يعيشها الواقع العربي. ولو أن العرب تصرفوا على أساس أن الخطر الحقيقي يكمن في الوجود الإسرائيلي، وأن هذا الخطر سيصيب كل دولة من الدول العربية، لما كنا نجتمع اليوم لنتحدث عن إعادة إحياء هذه الاتفاقية، بل على العكس كنا نجتمع في تل الربيع وفي القدس.
إذاً، إن تأكيد مركزية إسرائيل كعدو هو ليس من باب التشبث بتراث تقادم، بل لأنها كانت وتبقى مشروع هيمنة وظيفياً إحلالياً توسعياً منزرعاً بين جناحي آسيا وأفريقيا العربيين، ويريد الشام له بيئة حضانة ومنصة سيطرة.
وفي الخلاصة، إن تفعيل معاهدة الدفاع العربي المشترك، على قاعدة مركزية إسرائيل عدواً وأمن المنطقة صفواً عربياً، هو وصفة نهوض قطب عربي مركزي جامع يمسك بزمام أمنه وأعنّته.
لذلك ما نبحث عنه باتفاقيات دفاع مشترك، وبالأحرى ما تبحث مصر عنه في هذه الاتفاقيات يجب أن يُعطى لمصر. فمصر مهددة في سيناء ومهددة في ليبيا، وهي تحتاج إلى مشروعية قرار إقليمي مدعوم دولياً للتدخل العسكري لكبح هذه العصابات التكفيرية، وهي تبحث عن مشروعية عربية وإقليمية ودولية؛ فليُعطَ لمصر قرار إقليمي عربي لقوات عربية مدعومة دولياً كي لا تتهم مصر بأنها متدخلة.
5 – الخطوات التنفيذية
أ – طبيعة القوة المطلوبة: لا بد من أن تحدد الدول العربية طبيعة هذه القوة المطلوب إنشاؤها، وفي ضوء ذلك تحدد إن كانت تريد قوى خفيفة سريعة للتدخل في مواقف معينة أم قوى للمشاركة في عمليات حفظ السلام والمراقبة أم تريد تنسيقاً على مستوى الجيوش أم حلفاً عسكرياً يؤثر في موازين القوى الإقليمية. كل هذه المفاهيم مهمة ولها مبرراتها، ولكنها مفاهيم مختلفة تماماً بعضها عن البعض، وبالتالي ينبغي التمييز في ما بينها.
ب – القيادة المركزية القومية التوجُّه: إعداد القوى وإنشاء القيادة أو الأمانة العامة التي تشرف عليها عبر غرفة عمليات عسكرية مركزية يديرها أركان ملتزمون شخصياً، كما تلتزم دولهم بفكرة العمل العربي المشرك وبوحدة أهداف الأمة ووحدة مصيرها، والإرادة الجدية للتعاون أو العمل المشترك من دون التوقف عند طبيعة نظام هذه الدولة أو تلك أو التدخل في شؤونها الداخلية، وهو أمر غير متحقق راهناً.
ج – الانطلاق من مهمات مرحلية: هناك من يقول إنه من الضروري تحديد الأهداف قبل تأسيس القوة العسكرية. لكن يمكن أن نؤسس القوة العسكرية ونحدد لها مهمات مرحلية، أما الأهداف فيمكن أن توضع لاحقاً. وهذا أمر يحدث في دول العالم وليس في منطقتنا العربية فقط. فعندما يُنشأ جيش يُنشأ كجيش وطني بغض النظر عن الحكومات التي تتغير، فالجيش تكون له مهمة ثابتة هي الدفاع عن الوطن. لذلك، يرتبط تأسيس قوة عسكرية عربية بمسألة ثابتة هي الأمن القومي العربي.
د – اعتماد التدرجية في التعاون: يمكن للتعاون العربي المشترك بين المجموعات أن يتدرج كما يأتي:
– عدم الاعتداء وعدم التدخل. وهو طموح الحد الأدنى لكن سيكون عظيماً إذا وصلنا إليه في غضون سنتين.
– التعاون والتنسيق الأمني والاستخباري.
– عدم مساعدة القوى والتنظيمات والدول التي تمثّل تهديداً جدياً لأي دولة عربية.
– تقديم المساعدة اللوجستية عند التمكن إلى أي مجموعة تطلبها.
– تقديم المساعدة التقنية والتدريبية عند التمكن إلى أي مجموعة تطلبها.
– تقديم المساعدة العملانية عند التمكن إلى أي مجموعة تطلبها.
– يمكن العمل في المجموعة عبر قيادة إقليمية وغرفة عمليات إقليمية مشتركة تشارك فيها جميع الدول الأعضاء، وتنشأ على صعيد الجامعة العربية غرفة عمليات مشتركة يشارك فيها كل من شارك في مجموعة إقليمية تكون مهمتها رعاية المراحل المذكورة أعلاه حول تدرّج التعاون.
على أن تكون اتفاقات التعاون هذه مكمّلة لميثاق جامعة الدول العربية، وخصوصاً المادتين 5 و8 منه.
المصادر:
نُشرت أعمال هذه الحلقة النقاشية في مجلة المستقبل العربي العدد 434 في نيسان/أبريل 2015.
مركز دراسات الوحدة العربية
فكرة تأسيس مركز للدراسات من جانب نخبة واسعة من المثقفين العرب في سبعينيات القرن الماضي كمشروع فكري وبحثي متخصص في قضايا الوحدة العربية

بدعمكم نستمر
إدعم مركز دراسات الوحدة العربية
ينتظر المركز من أصدقائه وقرائه ومحبِّيه في هذه المرحلة الوقوف إلى جانبه من خلال طلب منشوراته وتسديد ثمنها بالعملة الصعبة نقداً، أو حتى تقديم بعض التبرعات النقدية لتعزيز قدرته على الصمود والاستمرار في مسيرته العلمية والبحثية المستقلة والموضوعية والملتزمة بقضايا الأرض والإنسان في مختلف أرجاء الوطن العربي.