يُلاحظ الباحث في تاريخ السينما اللبنانية، قلة عدد المخرجات اللواتي أثّرن في مسار هذه الحركة الإبداعية وكنّ في أساسها، في ظل حضور ذكوري قوي. صحيح أن لبنان شهد خلال الحرب الأهلية كمّاً لا بأس به من الإنتاج السينمائي، بدعم من أوروبا (خصوصاً من فرنسا وبلجيكا)، فظهر عدد كبير من المخرجين المشحونين بالأفكار والنظريات، باحثين عن فرص للتعبير عن أنفسهم أو عن الوضع السائد في البلد من خلال السينما، فبرز مارون بغدادي، وجان شمعون، وبرهان علوية، ثم جان كلود قدسي وبهيج حجيج، بين آخرين، فيما برزت المخرجات، رندا الشهال صباغ، وجوسلين صعب، وهيني سرور، من الجيل نفسه.
حاولت هؤلاء المخرجات الثلاث فهم الحرب والبحث في خفاياها، فصوَّرن عدداً من الأعمال الروائية والوثائقية، لكنها لم تكن كافية لتأسيس سينما المرأة في لبنان، خصوصاً أن الفترة التي سبقت الحرب الأهلية (1975 – 1990)، لم تشهد أعمالاً أنثوية تذكر، وخصوصا أيضاً أن الحرب نفسها لم تكن لتوفّر ترف انخراط السينمائيات في قضايا المرأة بشكل يمكّن من الحديث عن «سينما أنثوية».
في خضمّ نشاطات ذلك الجيل الأول، بدأت الأفلام بالظهور تباعاً، فكانت الأفلام الروائية والوثائقية والتلفزيونية، وحتى الأفلام التجارية، وتنوع المخرجون وتكاثروا، وقد برزت من بينهم مجموعة حاولت فهم الحرب وإعطاء رأيها فيها، وتحليلها على طريقتها الخاصة. فبرز خط جديد في السينما اللبنانية سمته الالتزام بموضوع الحرب والتنظير لها، وحاول عدد من المخرجين عكس تجارب شخصية، كما حصل مع سينمائيين يمتدون زمنياً من مارون بغدادي إلى زياد دويري، أي بين فيلمي «حروب صغيرة» و«بيروت الغربية»، اللذين حاول الاثنان فيهما مع الفارق الزمني والفارق في الأجيال والتطلعات، عكس هواجسهما وتساؤلاتهما في الحرب.
أما «الثورة السينمائية الأنثوية»، فلم تبدأ في لبنان فعلياً، إلا مع منتصف تسعينيات القرن الماضي من خلال أعمال روائية ظهرت تباعاً لتحمل بعد تواقيع جوسلين صعب، ورندا الشهال، وليلى عساف، وكريستين دبغي، ودانييل عربيد، وجوانا الحاجي توما، ونادين لبكي، وديما الحر، وليال راجحة، ولارا سابا، وزينا دكاش.
في حين برزت فئة كبيرة من المخرجات الشابات في فئة الأفلام الروائية الوثائقية المتعلقة بالحرب ومستتبعاتها، حاولت فئة أخرى الابتعاد قدر الإمكان عن الحرب أو التنظير لها، والغوص في مشاكل المرأة والهوية والجندر والحرية والقمع وعرض مشاكل اجتماعية، أو تصرفات ذكورية تدين المرأة. ولا بد من ذكر الدور المهم الذي أدته المخرجة اللبنانية في صناعة الفيديو كليب في الوطن العربي، إذ برزت أسماء كثيرة، ساهمت في تطوّر هذا الفن، وصُرفت ميزانيات ضخمة، ما اعتبرته بعضهن تمريناً تقنياً قبل الدخول إلى عالم السينما.
ويبدو واضحاً أن المخرجات الوافدات إلى السينما من عالم الفيديو كليب، كليال راجحة ونادين لبكي، حققت أفلامهن نسب مشاهدة عالية في لبنان.
مهما يكن، فإننا في الإطلالة التالية على بعض سمات السينما، كما حققتها المرأة في لبنان، سنحاول الإضاءة على أبرز الأعمال الروائية لبعض المخرجات، كما ظهرت خلال فترة الحرب وبعدها، مقتربة أحياناً من الحديث عن هواجس النساء وتساؤلاتهن التي طرحنها في هذه الأعمال.
هيني سرور: الثورة امرأة
ولدت هيني سرور في بيروت عام 1945، والتحقت بالحركة التقدمية اللبنانية والمقاومة الفلسطينية، ودرست العلوم الاجتماعية في باريس، حيث عملت لاحقاً صحفية وناقدة سينمائية. في تلك الفترة، بدأ اهتمامها بسينما «العالم الثالث»، وركّزت أفلامها بشكل أساسي على إبراز دور المرأة في الثورات الوطنية والاجتماعية، فقدمت فيلماً عن المرأة الفيتنامية، ودورها في الثورة، وفي حرب التحرير، وآخر عن المرأة الفلسطينية («ليلى والذئاب») ودورها في الثورة والنضال ضد المحتل الصهيوني، كما قدمت أعمالاً أخرى عن الحركة التقدمية العربية.
أما فيلمها الأبرز «دقت ساعة التحرير… بره يا استعمار»، فيعتبر اليوم من كلاسيكيات السينما الثورية العالمية، وهو يوثق أحد أكثر الصراعات جذرية، وأشدها أهمية استراتيجية في الوطن العربي: حرب تحرير جنوب الجزيرة العربية ضد الاستعمار البريطاني وعملائه. ويستمدّ الفيلم أهميته من كونه المادة المصوّرة الوحيدة عن المناطق المحررة في إقليم ظفار، وهو حتى اليوم لا يزال ممنوعاً من العرض في معظم الأقطار العربية.
ويوثّق الفيلم إنجازات جبهة تحرير الخليج العربي المحتل في بناء مجتمع عادل وديمقراطي يحفظ حقوق المرأة، قبل أن يتم سحق هذه الحركة على يد سلاح الجو البريطاني وجيش شاه إيران. أثناء تصويرها للفيلم، قطعت هيني سرور حوالى 800 كيلومتر سيراً على الأقدام في طرق جبلية ملغمة قاحلة وتحت القصف لتوثق النضال اليومي للجبهة، ولتقدم صورة عن موقع المرأة ودورها في التحرير الوطني. اختير الفيلم للعرض في مهرجان كان عام 1974، وفي مهرجان البندقية في السنة ذاتها.
جوسلين صعب: القضية أولاً
كانت جوسلين صعب (مواليد 1948)، تستعد للسفر إلى هانوي، حين حصلت حادثة عين الرمانة التي فجّرت الحرب الأهلية اللبنانية، فاعتذرت عن السفر مع زملائها، واشترت كاميرا، وراحت توثق بيروت المدينة التي سيتغير وجهها مراراً. منذ بداياتها، تلتزم صعب قضايا الإنسان ولا تبتعد عنها، محاولة طرح مواضيع للنقاش تعتبر من المحرّمات في مجتمعات عربية. لذلك اختارت في أحد أبرز أفلامها الروائية وأكثرها إثارة للجدل، «دنيا» الحديث عن ختان الفتيات في مصر، فمنع الفيلم من العرض في بعض البلدان، وتعرّضت المخرجة لانتقادات كثيرة.
أخرجت جوسلين صعب فيلمها الأول «لبنان في الدوامة» عام 1975 تحت ظروف صعبة، خصوصاً أنها بدأت التصوير مباشرة بعد حادثة عين الرمانة، وفي أشد حالات الشحن الطائفي. طرح العمل نماذج عديدة لصورة المقاتل اللبناني، ويعتبر من الأغنى في الصور، وساعدت في بداية الحرب المخرجة في تسليط الضوء على أنواع المقاتلين.
أظهرت صعب صورة المقاتل يتمرن على السلاح ويتلقى التعليم على فنون الحرب على يد اختصاصيين، والخضوع للدروس النظرية والفكرية، وما يسمّى بالتحصين الفكري. كما أظهرت المقاتل الذي تغزو الرسوم الطائفية يديه، كالصليب والشعارات المحمّدية، وعملت على تصوير المقاتلين اليافعين يتحدثون عن رأيهم في حمل السلاح وتأثرهم بالبيئة الاجتماعية التي ينتمون إليها. كما أبرزت المقاتل المسيحي الذي «يدافع عن شرفه ووطنيته وحبه للبنان»، والمسلم الذي «حمل السلاح ضد حزب الكتائب الفاشي، ولحماية مشروعه السياسي». ونلاحظ هنا مدى التناقض والكره بين الطرفين.
عالج الفيلم فكرة لم يتطرق إليها أحد لاحقاً من المخرجين اللبنانيين، حين أظهر المقاتل اللبناني، وتحديداً الجنوبي، يلتحق بصفوف المقاومة الفلسطينية بعد فشل الجيش في ردع إسرائيل إثر ارتكابها لمجزرة بنت جبيل.
يطرح الفيلم فترة تحضير المقاتلين ونشوء حركة المحرومين على يد السيد موسى الصدر، والكتائب مع بشير الجميل، ونشوء حركة فتح في الجنوب، ونشاط الحركة الوطنية، والحرب من أجل شعارات العمال والفلاحين. ويبيّن انخراط العنصر النسائي في الحرب، تاركاً الأنوثة والجمال «للدفاع عن لبنان الحرّ ومحاربة الفاشية الكتائبية».
وأظهرت جوسلين مدى الكراهية الكبيرة المتبادلة بين المقاتل المسلم والمسيحي، فنرى المسيحي في الفيلم يصرخ أنه يريد تطهير لبنان من الآخر، والمسلم يتهم المسيحي بالفاشية، وكانت كل هذه المشاعر الحاقدة قد تأججت، خصوصاً بعد حادثة عين الرمانة، التي كانت أول مشهد في الفيلم.
أنجزت صاحبة «بيروت مدينتي» (1982)، شريطها الروائي الأول بعد نهاية الحرب بعنوان «كان يا ما كان بيروت» (1994)، وفيه بدت بصمة الحنين إلى تلك السنوات واضحةً: مراهقتان تخرجان من بين الركام، وتتنقّلان بين أرشيف سينمائي ضخم، على خلفيّة ذاكرة العاصمة في الزمن الجميل. تحمل من ذلك الزمن صوراً كثيرةً، أبرزها صورة جمال عبد الناصر.
وفي أضخم أعمالها الروائية «دنيا» (تمثيل حنان الترك ومحمد منير)، تعالج جوسلين صعب الختان الجسدي والفكري، والزواج القسري، ووضع المرأة، والتسلط الذكوري، وقمع حرية التعبير والرأي. ويتطرق الفيلم إلى المحظورات والتابوهات والمحرّمات الاجتماعية، ما جعل المخرجة اللبنانية تتهم من قبل العديد من المصريين بأنها ليست على دراية بالواقع المصري.
الغريب أن فكرة الفيلم التي أرادت صعب مناقشتها، أبعد من الختان الجسدي، وتتخطى ذلك إلى مشاكل المرأة عموماً في المجتمع، لكن أحداً لم يركز على ذلك، والتهت الأقلام بما حصل من «إساءة» شاركت فيها الممثلة حنان الترك، التي تلقت تهديدات أيضاً بسبب دورها في العمل.
رندا الشهال: الأنوثة في ثلاثية
حققت رندا الشهال (1953 – 2008) ثلاثة أفلام روائية هي: «شاشات الرمل»، و«الكفار»، و«بيت من ورق»، وأبدت اهتماماً واضحاً بقضايا المرأة في كل أعمالها. واللافت أنها لم تطرح هذه القضايا بطريقة تقليدية، بل كانت تقدم الظروف التي صنعت هذه القضايا، مع تفسيرات ومداخلات. فتناولت في عملها الأول عزلة المرأة العربية في مجتمعها، وتشتتها وضياعها في الثاني، فيما حاولت في آخر أعمالها وأفضلها تقديم عمل ضمن رؤية سياسية خاصّة، ورسالة ذات بعد إنساني وأنثوي.
وتحاول الشهال في «طيارة من ورق» أن تضع اليد على إحدى مفارقات الاحتلال الإسرائيلي، من خلال حياة قرية في الجولان نصفها محتلّ، ترزح تحت عبء التقاليد التي تصادر حريّة المرأة. ولعلّه الفيلم الأكثر اكتمالاً، فنياً وتقنياً، بين أعمال الشهال التي رحلت عن عالمنا باكرا، بفضل تماسكه الدرامي، وقوّة مونتاجه، وطرافة موضوعه، وأداء ممثلاته.
وتدور أحداث الفيلم عند الحدود مع فلسطين المحتلة، حيث تطالعنا مراهقة تلاعب الرياح بطائرتها الورقيّة. تلك الحدود ستجتازها أوّل مرّة بملابس العرس لملاقاة زوج لا تعرفه على الضفّة الأخرى. ومن ثم تجتازها كفعل تمرّد، تعبر حقول الألغام إلى الجندي الإسرائيلي الذي أحبّته عند ذلك الشرخ بين عالمين وحقيقتين وحريّة مستحيلة. تختار المخرجة لفيلمها نهاية غرائبيّة… كأنها تريد للوطن أن ينتصر على الاحتلال، وللحبّ أن يتحرر من وطأة العشيرة، والعمل في محاولة لتقديم صورة عن الصراع العربي – الإسرائيلي، لكن من دون ولوج الحرب.
في المقابل، لم يجد فيلم الشهال «الكفار»عام 1997 مساحة للعرض أو النقاش. كان فيلماً يلامس المحرّمات بحسب العقلية السائدة، ويعالج موضوعاً شائكاً هو التطرف الديني. ليس بعيداً من لبنان، غرست المخرجة شخصيات فيلمها: فريد الإسلامي المتطرف الذي قرر البوح بمعلومات عن متطرفين في فرنسا، مقابل إطلاق سراح صديقه المسجون هناك، تشارلز، الدبلوماسي الفرنسي. ولكن الصفقة تتعقد عندما ينجذب الرجلان واحدهما إلى الآخر.
وإلى الحرب الأهلية عادت الشهال مجدداً في فيلمها «متحضرات»، كما هي حال سينمائيين كثر آثروا أخذ مسافة من الحدث ليتمكنوا من قراءته بروية، إلى الثمانينيات، لتروي فصلاً هامشياً أبطاله الخدم الذين تركهم مستخدموهم في البيوت قبل أن يفروا إلى جهة آمنة.
لأن المخرجة كانت قد انتهت من تصوير الحرب بعناوينها العريضة، فقررت الغوص في التفاصيل الموجعة، وأولها المشهد الافتتاحي العنيف لمسلحين يفجرون القطط طلباً للتسلية والمتعة، كان «متحضرات» فيلماً عن الحرب بلغة الحرب. الشتائم كانت أساس الحوارات، والعنف الجسدي واللفظي محور المشاهد. إنه فيلم يدين الجميع، ويعلن مسؤولية كل اللبنانيين عن الحرب.
نادين لبكي… سكر بنات
وصلت نادين لبكي إلى السينما، من عالم الفيديو كليب الذي حققت فيه نجاحات كبيرة، حيث ارتبط اسمها بأبرز نجوم الغناء اللبناني والعربي. لكن ذلك لم يكن صدفة، فالصبية الجميلة، تتمتع بحس سينمائي مرهف، وكانت تعمل دائماً على تقديم حبكة إخراجية تختلف عن السائد، ولا تشبه إلا الخط الذي تمثله.
وما قدمته نادين لبكي في عالم الفيديو كليب لم يختلف كثيراً عما يمكن أن يقدم في عالم السينما، إذ حاولت في غالبية أعمالها إظهار قوة الأنثى وعدم ضعفها أو خضوعها للرجل الذكر. حققت لبكي أفلاماً قصيرة أيام الدراسة الجامعية كانت تمهيداً لما ستحصده من نجاحات لاحقة.
لكن المخرجة الشابة عرفت كيف تقدم خلطة سحرية تضم ما تحبه وتضمن لها النجاح على شباك التذاكر، خصوصاً في فيلمها الروائي الثاني «وهلّأ لوين؟» الذي عادت فيه إلى الانقسام الحاصل بين اللبنانيين، والحرب الخفية بينهم، مع كثير من الكليشيهات والأفكار النمطية. لكن الفيلم حقق نجاحاً باهراً وصوّر بميزانية ضخمة (4 ملايين دولار) نسبة إلى ما يقدّم من أفلام لبنانية.
أما فيلمها الروائي الأول «سكر بنات»، فسيبقى لفترة طويلة في الذاكرة اللبنانية، ويعتبر من الأفلام الأنثوية المهمة التي قدمت في تاريخ السينما العربية، لأن مخرجته اشتغلته بعناية، ومن دون التفكير بنجاحه أو فشله. و«سكر بنات» عمل شاعري عن مجموعة من النساء تبحث عن الحب والصدق والعطف والحنان والتواصل مع الآخر. أجواء الفيلم مريحة جداً خصوصاً للنساء.
يظهر الفيلم أن السينما ليست مجرد تقنيات ومعدات، بل أفكار ومشاعر. اهتمت لبكي بكل تفاصيل الفيلم، وأرادته أن يكون بداية مثالية لها في عالم السينما. نشعر في الفيلم بمشاكل المرأة، بضعفها وقوتها وحزنها وكبتها وصعوبة تعبيرها عن هويتها الجنسية. نشعر بكل ذلك عبر حوارات دافئة بسيطة، وتمثيل عفوي. واللافت أن لبكي لم تختر ممثلين متمرسين لأدوارها، بل فتيات عاديات من المجتمع، لكنهن متميزات. أرادت الأدوار عفوية بلا تصنع. كانت تبحث عن الشعور الأول، عن الفكرة الأولى، والانطباع الأول.
والجميل في العمل أنه خاص بالمخرجة، إذ أدت الشخصية الرئيسية فيه، وشاركت في كتابة السيناريو وأخرجته، وأشرفت على كل التفاصيل الصغيرة فيه قبل الكبيرة، فهو يحمل نظرتها وهواجسها وتساؤلاتها كأنثى في هذه الحياة.
ينتقد الفيلم بشكل مستتر التصرفات الذكورية في مجتمعنا، خارقاً المحظور اجتماعياً، فكان جريئاً من حيث الفكرة وطريقة معالجتها من دون أن يدخل في خانة ما يعتبره البعض إباحياً في مجتمعنا الشرقي. ونجحت لبكي مع أربع سيدات غير محترفات، في إطلاق معاناة المرأة اللبنانية من مختلف الطوائف إلى العلن، وجعلت من صالون التجميل مكاناً «تتعرى فيه» النسوة نفسياً ليبحن بعفوية وتلقائية بأدق تفاصيل حياتهن حيث لا مجال للتصنّع والكذب.
وعرضت في فيلمها مشكلات اجتماعية تنوعت بين علاقة الفتاة بالرجل قبل الزواج، وعدم تقبل المجتمع لها، ما يضطرها إلى البحث عن وسيلة تبعد عنها نظرات الناس وأحكامهم لتكمل حياتها بشكل طبيعي.
ولم تقتصر قصص «سكر بنات» على الشابات، بل أظهرت معاناة سيدة ترفض الاعتراف بسنها، وتعير مظهرها الخارجي اهتماماً بالغاً، وتطمح إلى أن تصبح ممثلة، وتقوم بتصرفات تحاول من خلالها إقناع نفسها والمجتمع بأنها لا تزال شابة.
لارا سابا تفضح بيروت
بعد تجارب وثائقية عدّة، قدّمت المخرجة لارا سابا فيلمها الروائي الأول «قصة ثواني»، مقدمة فيه شكلاً إخراجياً جديداً في لبنان على غرار ما فعله المكسيكي أليخاندرو غونزاليس اينياريتو في «بابل».
أرادت سابا أن تظهر المدينة على حقيقتها، وأن تعرّيها من قبحها وبهرجاتها الكثيرة. دخلت الكاميرا إلى تفاصيل مخفية في بيروت فتعرّفنا إلى عشوائياتنا وتصرفاتنا الخفية. يتمحور الفيلم حول قصة ثلاث شخصيات في المدينة تتقاطع أقدارها من دون أن تعرف أيٌّ منها الأخرى، وتؤثر قرارات كل منها – من حيث لا تدري – في حياة الشخصيات الأخرى.
ويبدو لافتاً أن نجم الفيلم لم يكن ممثلاً أو ممثلة، بل السيناريو والحبكة الدرامية اللذان أديا دور البطولة، والممثلون أكملوا الصورة. تميّز العمل بقوة لغته التعبيرية والواقعية البسيطة، والقدرة على ملامسة مشاكل كل واحد منا. يذكر أن الفيلم مثّل لبنان في جوائز الأوسكار.
يبدأ «قصة ثواني» بحادث سير أليم أتى مناسباً في التوقيت والإيقاع ليفتح بنية الفيلم على ثلاثية سردية ومكانية ودرامية تنسج بهدوء ثلاث حكايات تنتمي شخصياتها إلى ثلاث طبقات اجتماعية مختلفة. تتشابك قصصها لتسير منفصلة، متوازية تارة، ومتسلسلة متتابعة أحياناً، ولترسم في مجملها لوحة سينمائية ثاقبة في تعريتها وتشريحها لبنية مجتمع ظنّ مخطئاً أنه يمكن لطبقاته الاجتماعية المتباعدة نظرياً أن تبقى محصّنة خلف أسوارٍ منيعة تمنع اتصالها وحتمية ترابط مصائرها.
وتقول سابا عن الفيلم في حديث مع الزميلة فيكي حبيب، في صحيفة الحياة: «أعتقد ان لدينا مشكلة في لبنان، وهي أننا نأخذ الأمور غالباً بشكل شخصي. فأنا لا أرسل في هذا «بطاقة بريدية» من لبنان، بل أصنع سينما. كما أنني لا أحقق فيلماً سياحياً، بل سينما عن المجتمع. هو فيلم سوداوي من دون أدنى شك. لكنّ هذا لا يلغي أن هناك صورة أخرى لبيروت المشرقة والجميلة قد أتناولها في فيلم آخر.
أما في هذا الفيلم، فكل ما فعلته هو أنني أخذت عيّنة من المدينة ووضعتها تحت المجهر، خصوصاً أن أكثر ما يحركني هو غياب العدالة، والطفولة الممنوعة من الحلم. من هنا كان مهماً أن أقول في الفيلم إن هذه الشريحة إن لم نعرها اهتماماً، ستقلب الطاولة فوق رؤوس الجميع يوماً ما. وأنا لا أطالب هنا بالمساواة على الطريقة الاشتراكية، ولكن أعتبر أن لا بد من حدّ أدنى من الحماية والعلم. ولا يمكن المرء ألا يتحرك أمام هول المعاناة. فأنا من عكار (شمال لبنان)، حيث قصص الحرمان كثيرة. فهناك، مثلاً، تعرّفت في إحدى الندوات إلى فتاتين محرومتين من الذهاب إلى المدرسة لكونهما جميلتين! وآخرين لا يرتادون الجامعة، لعدم قدرتهم على تأمين مصاريف النقل… قصص كثيرة من هذا النوع تستمعين إليها. قصص مملوءة بالأفق المسدود والأحلام الضائعة».
دانييل عربيد ومشاكل الرقابة
حققت المخرجة دانييل عربيد (1970) خلال مسيرتها السينمائية، ثلاثة أفلام روائية هي «معارك حب» و«رجل ضائع» الذي لم يعرض إلا مرة واحدة في بيروت، و«بيروت أوتيل» (الذي منع الأمن العام عرضه لأنه «يعرِّض الأمن الوطني للخطر، وتناول قضية سياسية شائكة هي اغتيال الرئيس رفيق الحريري»)، وكثرة مشاهد العري فيه.
مع كل فيلم قدّمته، أثارت عربيد ضجة، نظراً إلى أفكارها الجريئة والمتحررة، ومناقشتها مواضيع جدلية، والتوقيت التي تصدر فيه. وتتناول في أعمالها الحب والجنس والحرب واللذة والهوية. ففي فيلم «رجل ضائع» تناولت عربيد العلاقة بين الشرق والغرب من خلال شخصيّتين ذكوريّتين تربطهما علاقة صداقة، ويكونان رفيقين في رحلة ضياعهما المشتركة، ولكن ضمن إطار الحرب الأهلية التي تعود إليها.
لطالما شغلت الحرب بال عربيد، فقررت في باكورتها الروائية العمل على هذا الموضوع، ولكن من وجهة نظر مختلفة. لم تستطع عربيد التخلص من الحرب التي عاشتها ورافقتها إلى المهجر (مقيمة في فرنسا)، أرادت أن تروي حربها كما شعرت بها. وكما عاشها قبلها كل من زياد دويري وبهيج حجيج وجان شمعون وبرهان علوية.
فلكل من هؤلاء المخرجين رؤيته للحرب، منهم من تطرق إلى أسباب الحرب الأهلية، ومنهم من عرض المقاتلين فيها على أنهم ضحايا، ومنهم من روى حربه كما عاشها. إلا أن عربيد حاولت أن تخرج قليلاً من المناخ التقليدي للحرب، فابتعدت عن مسبباتها وقضاياها الفكرية وهمومها السياسية وأبعادها، وكل الأيديولوجيات والتحاليل السائدة، وقدمت قصة دافئة مليئة بالمعارك بين العواطف والرغبات.
تعرض عربيد في فيلمها قصة من نوع آخر. عرض لتفاصيلٍ من يوميات الحرب المملة، وتجارب جنسية جديدة لفتاة تملّكت جسدها الرغبة، فقررّت الخروج من الحرب على طريقتها. لا يظهر الفيلم دماراً أو قنابل، ولا نسمع صوت رصاص بشكل مباشر، بل كاميرا تلاحق مجموعة من الوجوه سئمت الحرب. كلٌ له مشاكله وهمومه، منهم من يتمنى الموت، ومنهم من يبحث عن حب جديد، ومنهم من ينتظر مولوداً يتمنى أن لا يأتي كي لا يُحبط. لم يظهر الفيلم إلا جانباً واحداً للحرب، وهذا ما قصدته المخرجة أو أنه ربما يكون عرضاً لتجربتها الشخصية. وقد يكون الفيلم بشكل أو آخر عرضاً لسيرتها الذاتية ولهواجسها التي ملأت رأسها أيام الحرب.
عائلة مسيحية تقطن في منطقة مسيحية، تتألف من أب وأم وفتاة في بداية مراهقتها، وخادمة. أب مقامر ابتلعته الحرب، وحولته جزءاً قذراً منها. أم حامل سئمت العراك مع زوجها طيلة النهار، تتحمل عبء مشاكله وديونه، وفي الليل يتحول العراك بينهما إلى معارك حب ضارية في إحدى ضواحي السرير الشرقية.
فتاة لم تبلغ الثانية عشرة، تحاول أن تبتعد عن مشاكل بيتها، أن تستشعر أنوثتها، فتغرم بالخادمة وتتعلم منها كيف تكتشف اللذة، ما يفتح عينيها على معان جديدة.
الخادمة، وهي محور الفيلم، وقد تكون محركه، فتاة مغرية، مرغوبة من جميع مقاتلي الحي، تعيش قصص حب كثيرة، ليس من أجل الحب بل من أجل الهروب من واقعها المزري. يكرهها أفراد العائلة عدا الفتاة الصغيرة، لأنها على حد قول الأب عاهرة.
المعارك في الفيلم ليست معارك معتادة تستخدم فيها البنادق والمدافع والطائرات، بل هي حرب أحاسيس وأعصاب. معارك بين الرغبة والموت، بين الإثارة والصدفة، بين الأنوثة والبندقية، بين اليأس والخلاص، بين الطفولة والأمومة. معظم شخصيات الفيلم خاضت معارك عواطفها وهواجسها من دون أن تكون الحرب هي الدافع. فالتحولات حصلت نتيجة اختلال ما في التركيبة العائلية. البعد وعدم الاهتمام بما يجمع العائلة، وهذا ما أرادت عربيد أن تصوره، أن الحرب لم تقضِ فقط على الأبنية والحجارة، بل أيضاً على العواطف والمشاعر العائلية، ما سمح لها أن تتغلغل في منافذ أخرى.
الفيلم عبارة عن صور تتحرك، تتكلم بلغة الإشارات والانفعالات، كاميرا تعبر من المنزل إلى الملجأ، إلى الدرج، إلى الشارع، إلى المقهى، إلى الخيانة، ومن ثم الهروب. لم يعتمد على نص قوي مكتوب، إذ إننا لم نلحظ حوارات ذات أهمية أو جمل قادرة على أن تثير جدلاً أو نقاشاً ما حول شرعية الحرب.
أما أبرز ما تميَّز به الفيلم فهو جرأة المشاهد الجنسية وقوة تأثيرها. فالمشاهد تعتبر سابقة من نوعها في السينما اللبنانية، وهي شبيهة إلى حدّ كبير بمثيلاتها التي تصنع في الأفلام الأمريكية من حيث الحبكة والانسجام والانغماس بالمشهد. ولهذا كتب على إعلان الفيلم «ممنوع دخول من هم دون الثامنة عشرة»، إلا أن الفيلم، رغم دفئه ورومانسيته، لا يحتمل هذا النوع من المشاهد، لأنها رغم قوة تأثيرها بدت وكأنها مقتطعة من فيلم آخر.
ليال راجحة… بيروت مدينة الخطيئة
يبدو لافتاً أن الجيل السينمائي اللبناني الجديد، يتعاطى مع الحرب كأنها ذكرى للتخلص منها وإغراقها في أعماق الذاكرة، كي لا تبقى سوداوية.
وعلى عكس بعض المخرجين المخضرمين الذين غاصوا في أسباب الحرب، وصوّروا الدمار والقتل على الهوية أحياناً، يعمد الجيل الجديد إلى معالجة أبعاد نفسية واجتماعية للحرب، بعيداً من أزيز الرصاص أو القذائف.
في عملها الروائي الطويل الأول «حبة لولو»، تبدو ليال راجحة مرتاحة إلى ما تقدمه، وواثقة بقدرة صورتها على التأثير في مُشاهِد عملها. اختارت ثلاث نساء لتقدم حكاياتهن وتعرض من خلالهن صورة بلد يتمزق. الأنثى في الفيلم هي البلد الغارق في المشاكل، والفاقد كل حالات الاستقرار والعائش في خوف دائم من المجهول.
اغتصبَ أحد المقاتلين خلال الحرب الأهلية «فاتن» (تقلا شمعون) لدى عودتها إلى الملجأ الذي خرجت منه لتحضر الطعام، فعادت وانتفخ بطنها بعد أشهر، وطردتها العائلة لإصرارها على الاحتفاظ بجنينها، ولم تصل التحقيقات الشكلية لدى القوى الأمنية إلى معرفة هوية الجاني.
وصلت «ليال» (زينة مكي) إلى الدنيا بلا هوية، ومن دون أوراق ثبوتية، فمنعت من دخول المدرسة، كما بقية الأطفال، أو العمل في أي شركة أو مصنع. كانت الأم مدرسة ليال، فيها تتعلم الدلال والكذب للخروج من واقعها، فاستثمرت جمالها للابتعاد عن واقعها الذي كانت تعود إليه كل مساء. «حلا» (لورين قديح) صديقة العائلة، وهي فتاة هوى مقطوعة من شجرة، تعمل ليل نهار، وكل رجل مشروع ربح مادي بالنسبة إليها.
تسير الحكايات الثلاث في سياق منفصل أحياناً في بيروت، لكنها تجتمع على أمور عدّة أهمها الضياع وفقدان الأمل وانعدام الأفق واللاانتماء. فـ «فاتن» لم تقدر على تغيير الصورة النمطية المأخوذة عنها في المجتمع، وأورثت ابنتها شعوراً بالخوف والاستسلام، في حين ساعدت حلا وشجعتها على الدعارة وابتزاز الزبائن لتأمين قوتها اليومي.
يعالج الفيلم مشكلة الأطفال غير الشرعيين في لبنان، وهو موضوع حديث نسبياً على السينما اللبنانية التي بدأت، وإن ببطء شديد، تواكب مشاكل المجتمع، وتخرج من الإطار التقليدي للعرض، عبر استحضار مشاهد جاهزة في الشارع من دون تعديلات أو تدخلات من المخرج. كما يطرح «حبة لولو» مشكلة الإجهاض والفقر والأوضاع المادية التعيسة، وكثرة الوجوه للشخص الواحد في المجتمع، وعدم تقبّل الواقع أو بالأحرى عدم الرضا عن العيش في بلد لا يُطبّق أبسط حقوق الإنسان.
وكما أي فيلم لبناني حديث، يعاني العمل ضعفاً في السيناريو والحوار، وهي معضلة تعانيها السينما اللبنانية منذ مدة لعدم وجود كتّاب سيناريو حقيقيين للسينما، إضافة إلى أن البرامج الأكاديمية الموضوعة لهذه المهنة ليست كافية، وبحاجة إلى التطوير. لكن المخرجة الشابة، قلّلت من الحوارات لمصلحة أفكارها، وكادراتها، وجمال صورتها، واختيارها الموفق للممثلين الذين قدموا شخصيات الفيلم الرئيسية.
أدت راجحة على الرمزية أحياناً في عملها، وكما عبّرت النساء الثلاث عن أوضاع البلد المتمزقة، كانت «ليال» هي بيروت، المدينة الجميلة والساحرة من الخارج، الغارقة في مشاكلها وزيفها وخطيئتها داخلياً.
يتأرجح العمل بين الكوميديا والدراما من دون أن يغلب أحدهما على الثاني. فالجانب الدرامي بدا مؤثراً ومباشراً بلا تعقيدات، وساعدت في ذلك الكادرات الضيقة التي اعتمدتها المخرجة ليكون المشهد دافئاً وحميماً. أما الجانب الكوميدي الذي قدّمت غالبية مشاهده فتاة الليل، فاعتمد على لغة شبابية ومفردات مستقاة من الشارع، وساعدت في إيصال النكتة ملامح الممثلة التي أتقنت دورها، وعملت على تحريك كل عضلات وجهها لإضحاك المشاهد.
وبدا واضحاً مدى اهتمامها بأدق التفاصيل من أكسسوارات، واختيار مواقع التصوير، وعدم الاعتماد كثيراً على كادرات واسعة لا تخدم فكرتها الإخراجية. وساعد راجحة في ذلك عملها لسنوات في إخراج الكليبات لأشهر الفنانين.
ديما الحر… سينما الإنسان
ينتهي فيلم المخرجة ديما الحر «كل يوم عيد» حيث يبدأ. أرادت أن تقول، وإن بصورة رمزية، إن البداية في لبنان لا تختلف عن النهاية، فهما وجهان لعملة واحدة. في عملها الروائي الأول قررت الحر أن تخوض في سينما الإنسان، وأن توغل في الصراع مع الذات والأنا، بمشاهد سوداوية، حزينة وعبثية. لم ترد لشخصياتها أن تُعبّر عن دين أو لون طائفي، بل أرادت أن توصل إلى المشاهد من خلال لقطاتها السوريالية، أن ثمة حرباً تحوم في الأفق، وأن الخطر قد يقع في أية لحظة.
ثلاث نساء لا يعرفن بعضهن: هيام عباس، ومنال خضر، وريا حيدر، يستقلّن حافلة واحدة في اتجاه سجن الرجال الواقع في منطقة لبنانية نائية. الأولى تزور زوجها الذي سجن يوم زفافها، ولـ الثانية هدف واحد ومحدد، أن تنتزع طلاقها من زوجها الذي يقضي في السجن فترة عقوبة طويلة، لتتحرر بعد طول انتظار. أما الثالثة، فتخوض الرحلة مجبرة متوجسة، فتنقل في حقيبة يدها سلاح الخدمة الخاص بزوجها الذي يعمل حارساً في السجن. يقع حادث يحوّر مسار الرحلة. تجد النساء الثلاث أنفسهن تائهات في اللامكان فريسة للقلق والأفكار الهوسية في أرض جافة قاحلة. ومن هنا تبدأ رحلة كل منهن بحثاً عن استقلالها الخاص.
فيلم نسائي جداً، يبدو الرجال فيه شبه غائبين، وعندما يحضرون، يكون ذلك، إما عبر استذكار المفقودين أو كمصدر للتهديد. ابتعدت المخرجة في تصوير أحداث عملها عن المدينة وضوضائها وحداثتها وتطورها التكنولوجي، وتوغلت كاميرا الفيلم في منطقة لم تزرها عدسات المخرجين اللبنانيين إلا نادراً، على حد علمنا. اختارت الصحراء حيث تبدأ المتاهة، ولم تعرف النسوة بداية الطريق من نهايتها، ولم يفرّقن بين الحلم والحقيقة. وجدن أنفسهن وسط الفراغ حيث لا ماضيَ، ولا حاضر، ولا مستقبل. ثمة مساحة فقط للتفكير، إما المضي قدماً، أو الاستسلام والهلاك. فالوحدة تعيد الإنسان إلى داخله، والصحراء مكان يعرض فيه أحلامه وكوابيسه. وفيها أماكن لا نعرفها ولا تذكرنا بشيء. لم يبد أي تأثر أو خوف على وجوه المسافرات، كن جامدات وكأنهن اعتدن الحرب أو أدمنّ الضياع.
ثمة حماسة سرية في الفيلم، على رغم أنها لم تظهر، ولكن المتابع بدقة يشعر بها. هذا ما أرادته ديما الحر: أن تقدم فيلماً إشكالياً رمزياً في صُوَرِه، تاركة للمشاهد استنباط ما تريد قوله. وعلى رغم جمالية الصورة التي تقدمها المخرجة اللبنانية، تبقى بعض المشاهد في الفيلم غامضة ومعلقة ومفتوحة في أكثر من اتجاه. يبدأ الفيلم في نفق، وينتهي في نفق آخر، وربما هذه هي الفكرة الأساسية، أن لبنان لن يخرج من النفق المظلم بسهولة.
لافت ما فعلته مخرجة هذا الفيلم حين قررت أن تختار «كل يوم عيد» عنواناً لفيلمها، لتكمل ما بدأته في الفيلم من تهكم وسخرية على الحياة في لبنان، خصوصاً أن الأحداث المأساوية والأوضاع السياسية الصعبة هي «الأعياد» التي تتكلم عليها المخرجة.
كتبت ديما الحر الفيلم بالتعاون مع الممثل والمخرج اللبناني ربيع مروة، المعروف باعتماده الدعابة السوداء في أعماله التي تتناول التاريخ اللبناني.
المصادر:
(*) نُشرت هذه المقالة في مجلة السينما العربية العدد 2.
(**) محمد غندور: صحافي لبناني في جريدة «الحياة».
مركز دراسات الوحدة العربية
فكرة تأسيس مركز للدراسات من جانب نخبة واسعة من المثقفين العرب في سبعينيات القرن الماضي كمشروع فكري وبحثي متخصص في قضايا الوحدة العربية
بدعمكم نستمر
إدعم مركز دراسات الوحدة العربية
ينتظر المركز من أصدقائه وقرائه ومحبِّيه في هذه المرحلة الوقوف إلى جانبه من خلال طلب منشوراته وتسديد ثمنها بالعملة الصعبة نقداً، أو حتى تقديم بعض التبرعات النقدية لتعزيز قدرته على الصمود والاستمرار في مسيرته العلمية والبحثية المستقلة والموضوعية والملتزمة بقضايا الأرض والإنسان في مختلف أرجاء الوطن العربي.