شهدت الأيديولوجيا الأوراسية على مدى السنوات العشرين الماضية جملة من التغيرات، بالخصوص بعدما اقترح نور سلطان نازارباييف، المعتمد على المنهجية الأوراسية، تشكيل اتحاد جديد يقوم على مبدأ جديد ويحل محل الاتحاد السوفياتي. ومرت على هذه الأفكار بضع سنين قبل أن تبدأ في النفاذ إلى ممارسات الدولة. فإذا ما أشرنا إلى المعالم الرئيسية المرتبطة بالمشاريع المابين حكومية، يمكن اعتبار الأول من كانون الثاني/يناير 2010 تاريخاً بدأ فيه الاتحاد الجمركي بين روسيا، بيلاروسيا، وكازاخستان وباشر العمل بداية من الأول كانون الثاني/يناير 2015 بعد أن بدأ الاتحاد الاقتصادي الأوراسي EEU عمله بصفة رسمية. مع ذلك، وإضافة إلى المشاكل المتعلقة بتوحيد الأطر القانونية والدفاع عن مصالح مواطني كل بلد الذين يدخلون إلى الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، يوجد هناك مسار لفلسفة سياسية تؤثر في صنع القرار وتطوّر بطريقة أو بأخرى من المناقشات العلمية والجماهيرية بالرغم من أنها تظل خارج الأنشطة السياسية الرسمية.

في معظم الحالات، نحن نتوافق مع مفاهيم الأوراسية التي تطورت على يد المهاجرين الروس في 1920. النظرية التي بدأت تنفذ إلى الممارسات السياسية من قبل عدد من الأكاديميين والسياسيين في كل من روسيا وكازاخستان، وكانت تتسم هذه النظرية ببراغماتية الواقعية السياسية وبمجاراة التغيرات الطارئة على الوضع الدولي، غير أن تلك الأفكار الدقيقة التي صاغتها أعمال المفكرين البارزين لم تتحقق دائماً. إن القضايا المتعلقة بالتحديات والتهديدات الجديدة أصبحت ذات أهمية خاصة، فمن المواجهة الجيوبوليتيكية الواضحة إلى التكنولوجيات الغامضة والتخريبية، التي أصبح الكثير منها هدفاً مباشراً أو غير مباشر ضد مشروع الاتحاد الأوراسي.

سنسعى في هذا المقال إلى تحديد بعض المسارات المستقبلية المحتملة في شأن التطور القادم لمشروع الاتحاد الأوراسي مركِّزين في ذلك على عدد من الجوانب اللازمة كحد أدنى لأداء «دولة واسعة» أو لاتحاد ما بين حكومي. وسيشمل ذلك الأسئلة التي تراوح ما بين النظرية السياسية والاقتصاد إلى إعادة التفكير في النظام الدولي والاستراتيجية الدفاعية.

أولاً: أصل الكلمة (الإيتيمولوجيا) كبناء سياسي

من الضروري، أولاً وقبل أي شيء، تحديد جهاز المصطلحات المرتبطة بآفاق إنشاء اتحاد أوراسي؛ فمن المستحيل تضييع فرصة توسيع قاعدة المصطلحات الحالية الموجودة من طريق اجتذاب ابتكارات مميزة للخطاب السياسي بما يعكس بنى عميقة للفهم. وكما يقول مارتن هايدغر: «اللغة معقل الوجود». فمن طريق تشكيل (وإعادة إنتاج) إيتيمولوجيا متوافقة سنسهم في العملية، ليس فقط عبر خلق تفكير جديد، ولكن أيضاً في عمليات جديدة تتصل بإعادة الاعتراف بالمنطقة الأوراسية. زيادة على ذلك، من الضروري تجاوز المنهج الوضعي حيث تفرض المصطلحات اللاتينية ومعها المصطلحات الغربية نفسها على هذا الموضوع، كما يبدو ضرورياً العمل خارج معجم، آلية وثقافة العلاقات الدولية التي تم مقاربتها للألفية الثالثة، ليس فقط لمناطق معنية، وإنما لسائر أنحاء المعمورة‏[1].

يعني اسم «اتحاد» في اللغة الروسية: ميثاق، أو ارتباط، في معرض الإشارة إلى جماعة معينة. وهي بالأساس مفردة مقترضة من اللاتينية conjūnctiō (ارتباط، مصادفة، اتفاق)، أو من المفردة الإغريقية Σύνδεσμος (ارتباط، رابط). وإذا أخذنا في الحسبان مسار تطور هذه المصطلحات سنلاحظ فرقاً مهماً؛ فالانتشار الواسع للمصطلح الإنكليزي (اتحاد) ينحدر من الاصطلاح اللاتيني نفسه، ولكن فقط عبر شكل مقتضب، كمثل المفردة المشتركة التي معناها غير كامل ولا تعكس جيداً فكرة الجماعة. أكثر من ذلك، قد يعني هذا في المعجم السياسي اقتراناً غير مستقر، بما في ذلك الحاصل بعد الاتفاقات أو «الاتحادات» حيث توجد تأويلات سلبية لهذا المفهوم، من مثل: «مجلس انتفاضيّ» (junta)، والذي يحيل على انقلابات عديدة في بلدان أمريكا اللاتينية قام بها العسكر. وعليه يكون التفسير المقبول مناسباً، اسمياً على الأقل، لاتحاد مستقبلي، من دون أن نغفل أن هناك العديد من المرادفات الأخرى. على كل حال، سيكون هذا علامة دالة لأشكال من البنى المابين حكومية، ولكن ماذا سيكون محتواها؟

كذلك مسألة أشكال الحوكمة (أو الحوكمة المشتركة)، تطرح نفسها فوراً، فهل يتم إنشاء برلمان أوراسي أم يتم تفويض السلطة التشريعية لمجلس ما بين – برلماني للاتحاد الأوراسي؟ هل يكون شكل تفويض السلطة وفقاً لمثال البرلمان الأوروبي مناسباً في هذا الوضع، أم هناك إمكان لخلق بنى أكثر مرونة تستجيب لمصالح الشعب الأوراسي؟ هل يتم قبول الصيغة التوافقية والقانون المتعدد المراكز كأدوات لحل القضايا السوسيو – سياسية والاقتصادية؟ هل يبقى الاقتصاد القوة الدافعة لقاطرة أوراسيا أم تكون هناك أسباب أعمق (وإن كان يصعب على السياسيين وصفها بكلمات) للاندماج الجيوبوليتيكي (وكما يقول أرسطو: الكل أكبر من مجموع أجزائه)؟

في اللحظة الراهنة، يشتغل الاتحاد الاقتصادي الأوراسي في شكل الاتحاد الجمركي. كما أن عناصر جديدة، بالخصوص عامل الدفاع، القدرة الشخصية وكذا الأيديولوجية الجامعة، لم تدخل بعد في مصالح النخب الوطنية المعارِضة لأسباب ذاتية وأخرى موضوعية.

لقد آمن الفلاسفة الأوائل بأن الدولة هي النموذج الأعلى للإبداع البشري. إذا كان الأمر كذلك، فإن أيَّ اتحاد للدول إلى قوة موحّدة ذات سياسات داخلية وخارجية منتقاة بعناية، وذات نظام يحقق التوازنات والمواجهات ضد التهديدات الخارجية، حتماً سيكون ذلك الاتحاد النموذج الأعلى على الإطلاق. لكن ينبغي أن يوجد المكونان الروحي والأيديولوجي فوق البناءات السياسية اليومية. وفي رأينا، فإن الإديوكراتيا (Ideocracy) ينبغي أن تصبح النظام السياسي لحكم الاتحاد الأوراسي، فهي تتسم بنظرة عالمية مشتركة وبرغبة النخب الحاكمة لخدمة فكرة واحدة مشتركة وبوصايتها لتمثيل «مصلحة جميع الشعوب التي تسكن هذا العالم الخاص المكتفي ذاتياً»‏[2]. للأسف، لا تزال هذه الأطروحة من الناحية النظرية فقط تحت تسميات تعريفية. بذلك، يشكل إعداد نخبة جديدة مهمَّة ملحَّة اليوم.

ثانياً: الجغرافيا الحتمية

ما هي الأوراسيا؟ مع أن إدوراد سويس (Eduard Suess) استعمل هذه المفردة في عمله الأساسي «وجه الأرض»‏[3] على نحو يدل على اعتباطية وضع الحدود بين آسيا وأوروبا، فمن دون شك، أنه من الضروري الأخذ في الحسبان، أولاً وقبل أي شيء، فكر مدرسة الأوراسية الكلاسيكية، من بيتر سافيتسكي (Peter Savitsky) إلى ليف جومليف (Lev Gumilev)، إذ ليس في وسعنا بناء الأسس النظرية لواقع سياسي حقيقي بالاقتصار فقط على سياق جغرافي خالص‏[4]. إذا أخذنا هذا الأمر كمَبدَأ، سنكتشف أن الأوراسيين يستعملون مصطلح الأوراسيا بمعنى إقصائي، فالأوراسيا عالم خاص، وليست مجرد مجموع أوروبا وآسيا. تجدر الإشارة هنا إلى أنها «في هذا تتبع آراء العالم السلافي، اللغوي وعالم الإثنولوجيا، الجغرافي فلاديمير لامانسكي (Vladimir Lamansky)، الذي كان أول من اقترح أن العالم القديم قسّم ثلاث قارات وليس فقط إلى قسمين، وهي: أوروبا، آسيا وروسيا. أو ما يسمى «العالم الأوسط «من أوروبا الشرقية وشمال آسيا، مستنداً في ذلك على ما تقدمه البيانات الجغرافية واللغوية»‏[5]. في هذه الحالة، نحن نتعامل مع مزيج من الثقافات والشعوب التي تقطن هذا الفضاء، الذين لا «يتوافقون» مع الهوامش الأوروبية والآسيوية للأوراسيا‏[6]. ويمكن استخدام منهجية مشابهة من الجيوبوليتيكا السلبية (النافية) (Apophatic Geopolitics) لغرض تخطيط مستقبل ممكن لاتحادنا الأوراسي.

إن التشكيل السياسي الأوراسي الجديد لن يكون نسخةً مكررة من الاتحاد السوفياتي أو الإمبراطورية الروسية، كما لن يكون شبيهاً بالاتحاد الأوروبي حيث تتقسم الدول الوطنية وفقاً للاختلافات اللغوية والإدارية، وفي بعض الحالات وفق فوارق التداول. بل سيجتمع على أساس الإدارة السياسية – الاقتصادية، ولن يكون أيضاً شبيها بمشروع تكامل دول أمريكا اللاتينية ويرجع ذلك إلى حقيقة أن عدداً من دول اتحادنا المستقبلي تملك لغاتها الخاصة‏[7]. من ناحية أخرى، لا توجد في هذه العملية فقط استمرارية لماض مشترك ولكن جذور لغوية وثقافية مشتركة أتاحت للأوراسيين الحديث عن اتحاد لغوي. فعلى سبيل المثال، كانت تسمية رومان جاكوبسن لـ «المجال المشترك للارتباط الناعم» تتطابق عملياً مع حدود الاتحاد السوفياتي، باستثناء الشرق الأدنى، حيث تمتد الحدود بطول نهر «أومولون» الفاصل بين تشيكوتكا وكامشاتكا (Chukotka and Kamchatka) (تم تغطية هذه المنطقة من قبل منغوليا والمناطق الشمالية للصين)، وقد أشار ليف جوميليف إلى تكامل الشعوب التركية، السلافية والفنلندية التي تسكن الأوراسيا على طول السلاسل الجبلية من هندو كوش إلى تيان شان.

زيادة على ذلك، يستلزم تشكيل الاتحاد الأوراسي فرصة تقييم جميع جوانب قصور المشاريع السابقة، بدءاً من مستوى نظام الحكم وصولاً إلى مصالح الجماعات المحلية. غير أنه يجب أن ننظر أولاً وقبل أي شيء إلى الكتلة الأوراسية من منظور عالمي.

يتحدث علماء الجيوبوليتيكا الأنغلو ساكسون من خلال طموحاتهم الإمبريالية عن العالم القديم واستمرارية الثقافة السياسية الغربية، في حين يتناسون الصورة الشاملة للعالم. فالمحور الجغرافي للتاريخ ووسط الأرض (قلب الأرض Heartland) موجودان في روسيا‏[8]. لذلك، لم تفقد الصيغة الشهيرة «السيطرة على العالم» جوهرها على الرغم من التعديلات والتصحيحات التي عرفتها على يد كل من نيكولاس سبيكمان وزبيغينيو بريجنسكي وهنري كيسنجر. لكن، كما هو حال أي كائن جغرافي، سيكون قلب الأرض ناقصاً من دون عناصر حيوية أخرى. وبالتالي، تشكل كازاخستان منطقة الضعف في الأوراسيا، لأنها تتيح الوصول إلى دول أخرى من آسيا الوسطى، وكذلك إلى الصين وروسيا‏[9] اللتين تمثلان المنطقة الداخلية أو أرض أوراسيا الداخلية البعيدة عن المنطقة الشاطئية، وكذا عن الأرض الوسطى. بينما تمثل كل من بيلاروسيا وأوكرانيا في الجهة الغربية الأطراف المنطقية لمجال الأوراسيا الثقافي – الجغرافي الذي ينتهي عند حواف جبال الكاربات أو خط التحارر يناير (وفقاً لسافيتسكي). يتضح من ذلك أن أوكرانيا حلقة وصل مهمة للاتحاد الأوراسي ولن يكتمل دون أوكرانيا، لذلك يترك الصراع المرير للولايات المتحدة والغرب حول هذه الجمهوريات تداعيات جيوسياسية.

في الوقت نفسه، إن الاتحاد الأوراسي هو جسر بين الشرق والغرب؛ فمن الناحية الاقتصادية، هو خط اتصال مهم بين تلك القوى السياسية العملاقة كالاتحاد الأوروبي والصين، ويرتبط بتوسع منطقة الاتحاد الجمركي من سبخات مازوريا في الشمال وعلى نطاق واحد من حوض بحر قزوين – الأسود في الجنوب من جهة إلى جونغاريا من جهة أخرى. إن إمكان إنشاء ممر نقل قوي يشكل حالياً مصلحة كبيرة لبكين. وفي ذلك، يتحقق مفهوم بيتر سافيتسكي لصيغة اليابسة – البحر الأوراسي في الألفية الثالثة.

في قمة منظمة شنغهاي للتعاون الاقتصادي التي عقدت في أوفا عام 2015، تحادث كل من قادة روسيا والصين حول صيغة ممكنة للاتحاد الاقتصادي الأوراسيEEU ولطريق الحرير – مشروع الحزام الاقتصادي – الذي شرعت الصين بتنفيذه عام 2013. وبإدماج هذين النطاقين القاريين الواسعين، فإن التكامل، والنقل، والمشاريع اللوجستية قادرة كلها – ومن دون مبالغة – على خلق واقع جيبوليتيكي في مجال الأوراسيا لا أن تقدم مصالح اقتصادية مهمة فقط. وهي توجد وتعزز الظروف الجديدة الملائمة لمصالح دول القارة وللحياة الاجتماعية السياسية، وكل ما من شأنه أن يقلل أي ضغط محتمل على روسيا أو الصين‏[10]. وعلى الرغم من أن هذه الأخيرة تعد فاعـلاً حضارياً مكتفياً ذاتياً وتقع خارج المخطط الكلاسيكي للأوراسية (تقع الهند والمحيط الهادي الآسيوي أيضاً خارج المخطط)، فإن هذا التعاون مقبول وفي بعض الحالات ضروري من وجهة نظر النيو – أوراسية.

ثالثاً: ما وراء مخطط الأوراسية الكلاسيكية

كانت الأطروحة الرئيسة لإعادة التفكير في الأوراسية الكلاسيكية قد وضعت من قبل كل من رئيس كازاخستان نور سلطان نازارباييف (Nursultan Nazarbayev) بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، والأكاديمي الروسي عالم الجيوبوليتيكا ألكسندر دوغين (Alexander Dugin). وعلى الرغم من أنهما قاربا هذه المسألة من زوايا مختلفة، فيمكن أن تشترك تصوراتهما بشكل منسجم وأن يكمل بعضها الآخر. فنازارباييف قدم الأوراسية من مقترب سكوني وعبر حفظ استمرارية الاتحاد، فوفق خطته، كانت هناك رابطة جديدة للتغلب على الخلافات المتأصلة لمذهب البلاشفة، والماركسية – اللينينية والنظام السوفياتي. وفي الوقت نفسه الحفاظ على العلاقات الاقتصادية بين الجمهوريات. وظل اقتراحه غير متابع لسنوات، لأسباب مختلفة تراوح بين وجود النزاعات بين مختلف الجمهوريات إلى ذلك التوجه الخاطئ لإنشاء النظام الرأسمالي الليبرالي الذي فرضته الفواعل الدولاتية وغير الدولاتية، كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي. أما مشروع ألكسندر دوغين حول النيو – أوراسيا فيبدو كعقيدة جيوبوليتيكية واسعة النطاق تتجاوز نطاق الحدود الجغرافية التقليدية، وأن الثنائية الكلاسيكية لكارل شميت حول البر والبحر والتمييز بين الأصدقاء والأعداء تسمح تلقائياً بتمدد الأوراسيا على نطاق كوكبي‏[11]. ويشير دوغين إلى أن «الأوراسيين ليسوا فقط ممثلين عن الشعوب القاطنة في الإقليم الأوراسي، إنهم كل تلك الشخصيات الحرة والمبدعة التي تعترف بقيمة التقاليد بما في ذلك تمثيل تلك المناطق التي تبقى موضوعياً تحت قواعد الأطلسية»‏[12].

وفي إحدى كتاباته، عبّر مؤخراً الباحث الصيني هاو شي (Tao Xu) بشكل صحيح عن أن «التقارب بين الصين وروسيا هو نتيجة حتمية للضغط الاستراتيجي الذي تمارسه الولايات المتحدة الأمريكية، فضـلاً عن الاختيار الذي صنعته هذه الأطراف من أجل الحفاظ على بقائها»‏[13]. وأضاف في منشوره: «تعد شعوب جمهورية الصين وفدرالية روسيا من الكيانات الأكثر دواماً في القارة الأوراسية التي تمتلك حضارة تاريخية طويلة الأمد، وقاعدة صناعية وزراعية متطورة. إن العلاقات بين الصين وروسيا لا تعزز الأمن والتنمية لهاتين الدولتين فحسب، بل من شأنها أن تجذب اهتمام البلدان الأخرى في إقليم أوراسيا، بما فيها إيران وباكستان، من أجل عرقلة الخطط الاستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة»‏[14] . علاوة على ذلك، يستمر شي في التحليل الإقليمي عبر منظور الضرورات الاستراتيجية ويشير بشكل منطقي كامل أن أمريكا اللاتينية تمثل قوة خارجة عن المجتمع الأوراسي، في حين تعد أفريقيا قوة صديقة، وأشار أيضاً إلى وجود العديد ممن يؤيدون وجود روسيا والصين في آسيا.

بناءً على ما تقدم، سيمثل تشكيل «الاتحاد اﻷوراسي» جنباً إلى جنب مع عمليات التكامل الأخرى في أجزاء أخرى من العالم الحركة نحو خلق عالم متعدد الأقطاب (متعدد المراكز). فحالما يتم إنشاء «الاتحاد اﻷوراسي»، ستسرع الدول إلى الانضمام إليه، فضـلاً عن غيرها من البلدان المساهمة في تشكيل النظام العالمي الجديد، والتي ستكون قادرة على الخروج من تحت نفوذ الولايات المتحدة سواء عبر الوسائل المباشرة (القوة الغاشمة) أو الوسائل غير المباشرة (القوة الناعمة).

ومن الأهمية بمكان اعتبار أن خلق قوة أوراسية متلاحمة سيجعلها جد صعبة المنال بالنسبة إلى القوات الأجنبية كالولايات المتحدة الأمريكية في المقام الأول، ولإنشاء جيوب للتحكم على شكل قواعد عسكرية أو دول أقمار. ففي حين لا يزال بالإمكان مراقبة وجود نفوذ واشنطن في آسيا الوسطى، ولا سيّما في أفغانستان، من الممكن تماماً في المستقبل القريب أن يضغط التعاون المناسب بين بلدان المنطقة كلية على الولايات المتحدة.

تجدر الإشارة إلى أن هناك مشروعين آخرين يرتبطان بروسيا والصين: الطريق البحري في القطب الشمالي، واستراتيجية «عقد اللؤلؤ». الأول عبارة عن مشروع جيو – اقتصادي يتم تحقيقه من قبل روسيا، حيث يقع جزء كبير من المنطقة القطبية الشمالية ضمن منطقتها الاقتصادية ذات السيادة. أما الصين، فقد تمكنت بنجاح – إلى حد ما – في وقت سابق من تحقيق مشروعها. ويمثل هذا «العقد» نوعاً من تسلسل (أو سلسلة) رموز حيث كل «لؤلؤة» تشير للوجود العسكري الصيني أو النفوذ الجيوبوليتيكي الذي تبني من خلاله بكين علاقات استراتيجية وتطور فرصاً لإقامة وجود لها على طول خطوط الاتصالات البحرية التي تربط الصين والشرق الأوسط‏[15]. على العموم، يغلق هذان الحزامان فعـلاً منطقة أوراسيا من الشمال والجنوب، وإذا لزم الأمر، يمكن أن تتكاملا إلى طوق بحري لوجستي.

رابعاً: الاقتصاد

هل ينبغي أن نتبع الفكرة الألمانية حول الحكم المطلق (الاكتفاء الذاتي) كما تم وصف ذلك في كتاب يوهان فيخته الفضاء التجاري المغلق أو في القائمة التي وضعها فريديريك عن «النظام الوطني للاقتصاد السياسي» للتغلّب على قوميات مختلفة (روسيا، كازاخستان…) والارتقاء إلى مستوى السيادة الاقتصادية الجماعية؟ أم علينا التمسك بالمفاهيم التي قدمها نيكولاي تروبتسكوي وبيتر سافيتسكي اللذان تكلما، ليس فقط عن القرارات الاقتصادية المواتية لمنطقة أوراسيا، بل أيضاً للمثال البشري العالمي الأعلى الذي يمكن أن يتجسد في عالم خاص بأوراسيا فوق – قومية‏[16]؟

هناك النظام الجيزلياني (نسبة إلى منظِّره الاقتصادي سيلفيو جيزال (Silvio Gesell) حول الرأسمال الحر، أو الاقتصاد الأخلاقي الذي يفترض أن يقوم على وظائف متنوعة تبعاً للخصائص الإقليمية ويحتاج بطريقة أو بأخرى إلى التغلب على منطق الرأسمالية الليبرالية الجديدة. لذلك فالمناقشة الأخيرة في شأن إمكان إنشاء مصرف البريكس (BRICS) تعد بداية جيدة من أجل الصعود خارج تبعية أصول المضاربة بالغرب. عموماً، وكما لاحظ ذلك غريغوري غليسون، أستاذ في العلوم السياسية من الولايات المتحدة الأمريكية، «فإن إنشاء فضاء اقتصادي واحد في جميع أنحاء أراضي أوراسيا هو أمر طال انتظاره»‏[17].

ولكن، إذا كانت هذه «الصيغة الرسمية لمشروع التكامل الجاري في إطار الاتحاد الأوراسي تعني التكامل الاقتصادي مع الحفاظ على السيادة السياسية وضمان الأمن الجماعي»‏[18]، فينبغي أن تتسع في المستقبل لتشمل عمليات التوحيد السياسي والاجتماعي، بما في ذلك مستوى الدبلوماسية العامة. وسيسمح ذلك بالتوصل إلى مستوى نظام تكامل باستطاعته تطوير قواعد اللعبة الخاصة به. وكاستجابة لتحدي العولمة، يعد من الضروري أيضا: (1) تحفيز إنتاج الأسواق المحلية؛ (2) استخدام مبدأ الفرعية (Subsidiarity)، (3) الدفاع عن التجارة المحلية من الآثار المدمرة للشركات عبر الوطنية والتعريفات المنخفضة، (4) تشجيع الأخذ بتكنولوجيات بيئية (5) وتشكيل نوع من الاقتصاد المختلط‏[19].

وبغض النظر عما يمكن أن يقال عن الاقتصاد الذكي وتكنولوجيا المعلومات، سيكون الغذاء والطاقة هما دائماً دعامتا الإنتاج. فمن دون الغذاء، سيستحيل تحصيل أداء سليم لأية قوة عمل، ومن دون مكونات الطاقة فأي معمل أو مصنع أو وسيلة نقل ستتوقف. إن روسيا وكازاخستان هما أكبر منتجي ومصدِّري القمح في العالم، إضافة أنهما يمتلكان مخزونات هائلة من المواد الهيدروكربونية، والمواد المشعة التي يمتلكان الهياكل الأساسية الملائمة لمعالجتها. لقد أصبح لعنصر المادة الخام خاصية متباينة منذ أن نظر الغرب إلى روسيا وكازاخستان بوصفهما ملاحقه النفطية والغازية. غير أن الطاقة النووية ستظل (على الرغم من الحادث الذي وقع في اليابان‏[20]) واعدة ورخيصة نسبياً لفترة طويلة قادمة. بالارتباط مع ذلك، فإن إنشاء حبوب بديلة في المستقبل (وبشكل أعم، الحبوب الزراعية) وتبادل الطاقة سيعني دوراً جديداً ووضعاً جديداً «للاتحاد اﻷوراسي». وفي هذا السياق، كان قد قدّر العديد من السياسيين الروس والخبراء انضمام روسيا إلى منظمة التجارة العالمية بالخطأ.

أما إذا عدنا إلى الفضاء ما بعد – السوفياتي، فسنرى أن روسيا، بيلاروسيا، كازاخستان، أرمينيا، وقيرغيزستان مرت بمسار الانتقال من إطار الاتحاد الجمركي إلى الاتحاد الاقتصادي الأوراسي. ورغم ملاحظة تراجع العلاقات التجارية والاقتصادية بين هذه الدول بسبب استمرار الأزمة المالية العالمية، يجري بحيوية تطوير نماذج بديلة تدخل ضمن المجموعة الكاملة لوثائق الاتحاد الاقتصادي الأوراسي ولا تتعارض مع قواعد الدول القومية والقانون الدولي. يولى اهتمام خاص للخدمات، أو بتعبير أدق، لتشكيل سوق موحدة للخدمات كعملية معقدة ومتعددة الأوجه‏[21].

خامساً: المجموعات العرقية ضمن العمليات السياسية للاتحاد الأوراسي

ما هي المقاربة التي سيتم تطويرها من أجل حل القضايا الإثنية والثقافية التقليدية بين شعوب الاتحاد المستقبلية التي ستؤثر في نجاحه كثيراً؟ استناداً إلى نظرية ليف غوميليف، فنحن على الأرجح سنكون قادرين على تجنب صراعات من النمط الذي أشار إليه هنتنغتون، ولو أنه لا يمكن استبعاد محاولات إثارة الصراعات العرقية وزعزعة الاستقرار التي تستند إليها. نقدم في ما يلي ما يمكن رسمه ما بين الأساليب غير العنيفة من أجل تذويب حدة الاختلافات العرقية: (1) التكامل أو الاندماج؛ (2) التحكم عن طريق الهيمنة؛ (3) التحكيم (بما في ذلك إشراك طرف ثالث في العملية)؛ (4) إقامة الكانتونات (الولايات) أو الفدرلة؛ (5) التوافقية أو الفصل بين السلطات‏[22].

لقد تم اختبار الخيار الأول في أوروبا الغربية عبر نسخته «المؤنسنة» وعرف باسم التعددية الثقافية، غير أن هذه النسخة شهدت فشلها بداية من 2010 على يد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في فرنسا وعن طريق المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. أما الخياران الثاني والثالث فهما غير مناسبين على الإطلاق في حالتنا هذه، ومن حيث الخيار الرابع فقد تمت دراسته بما فيه الكفاية في المثال عن دول أوروبا الغربية، وهو خيار غير مناسب كلياً للفضاء الأوراسي. بينما التوافقية والتي ترتبط غالباً مع التشاركية فهي مثيرة أكثر للاهتمام لأنها لا تستند إلى المبادئ الاقتصادية التي تساعد على تنظيم الصراعات الطبقية، بل تقوم على «مواءمة التصدع الاجتماعي القائم بين خطوط الفصل العرقية والدينية»‏[23] والتي توجد بالفعل حتى في روسيا. وكما لاحظ بعض المتخصصين في القانون الدولي، يوجد عدد من الشروط التي يمكنها أن تجعل الصيغة التوافقية فعالة، وهي:

– العزل المجتزأ للجماعات العرقية.

– توازن قوى تعددي.

– وجود اتفاقات خارجية معترف بها تشترك فيها كل الجماعات.

– الولاء المشترك للدولة.

– تقليد تكييف النخب.

– العدالة الاجتماعية الاقتصادية.

– حجم صغير للسكان مع الحد من الضغوط السياسية.

– نظام تعددية حزبية معتدل مع وجود أحزاب سياسية انقسامية‏[24].

إضافة إلى ذلك، هناك عامل آخر مهم وهو الحدود العابرة التي لا تعكس الخطوط الإدارية ولكنها تتقاطع مع الفضاءات الاجتماعية التي تمتلك خصوصيات معينة. على سبيل المثال، حتى وإن تمت مواءمة هذه الظاهرة عبر اشتراك الخصوصيات السلافية العرقية مع الأرثوذكسية الدينية الثقافية المشتركة بين روسيا البيضاء وروسيا، ثم بين روسيا وكازاخستان، فستكون هناك المزيد من الاختلافات ليس فقط على طول خط السلاف مقابل الأتراك أو الأرثوذكس مقابل المسلمين. بل، على سبيل المثال، وجود العنصر القوقازي وتقاسمه مع عرقية تركية فوقية مشتركة تألفت عبر أجزاء مختلفة. ومع ذلك، فقد تتحول ظاهرة الحدود الهجينة ليكون لها تأثير إيجابي. فالتجربة التاريخية تبين كيف أن تمازج الثقافات يساهم في حوار متعدد (Polylogue) للشعوب بالرغم من اختلافاتهم المحلية والثقافية والمذهبية، وبالرغم من تباين رؤاهم للعالم‏[25].

سادساً: آراء النقاد والمعارضين

بالنظر إلى الانتقادات الحالية الموجهة لفكرة الاتحاد الأوراسي، هناك عدد من السياسيين والخبراء معظمهم من الولايات المتحدة وغرب أوروبا عدّوا المبادرة بمنزلة محاولة لإحياء الإمبراطورية السوفياتية ولموسكو الدور الرئيسي بوصفها المركز المحوري في صناعة القرار. علاوة على ذلك، نظر عدد من المحللين المخضرمين إلى هذه المبادرة في سياق الوضع الدولي وارتباطاً بالقوة المتصاعدة لعدد من الدول وبالنظر للجيوبوليتيكا الإقليمية، فالمحلل لورين غوودريتش من مركز ستراتفور الاستخباراتي والتحليلي يرى أن خطة إنشاء الاتحاد الأوراسي هي محاولة لاستعادة الإمبراطورية الروسية «متى تسنى ذلك». فهو يعتقد بأن روسيا، نظراً إلى ظروف جغرافية خاصة، لديها حدود غير محمية وبالتالي تسعى لتعظيم إقليميها ولخلق العمق الاستراتيجي حول «محيطها». يكتب غوودريتش أن «الخطة النهائية لروسيا هو استعادة السيطرة على أجزاء كبيرة من أراضيها السابقة… وستبدأ هذا التكامل الجديد من الإمبراطورية الروسية من طريق إنشاء اتحاد مع الجمهوريات السوفياتية السابقة يقوم على المنظمات الحالية الموجودة بموسكو مثل الاتحاد الجمركي، الدولة الاتحادية ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي. وهو ما يتيح لهذا الاتحاد الأوراسي أن يشمل استراتيجيا المجالين الاقتصادي والأمني‏[26]. ومع ذلك، فقد اعترف الخبير الأمريكي أن الاتحاد الأوراسي لن يكون نسخة جديدة للاتحاد السوفياتي كون موسكو قد راعت كل الأخطاء التي يحتمل أن ترافق عملية التحكم. لذلك، «فموسكو ستؤثر في السياسة الخارجية والأمن، ولكن لن تتحمل مسؤولية الانسجام الكبير للشؤون الداخلية لكل بلد».

إن الانقلاب الذي حدث في أوكرانيا يجب أن يقدر، لا بوصفه محاولة للسيطرة على البلاد فقط، ولكن لإضعاف التكامل اﻷوراسي أيضاً، كما تبيِّن الأحداث في أوكرانيا التي أثارت ردود فعل موسكو وأبدت تقييمات متفاوتة. على سبيل المثال، حين اعترف رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو بنظام كييف، بل وحتى قدم الدعم اللوجستي إلى أوكرانيا للقيام بعملية عسكرية عقابية في دونباس، عبرت موسكو عن ردة فعل سلبية إزاء ذلك.

إن الأجندة الحالية تتضمن انضمام دول آسيا الوسطى، وهو احتمال التي لم يجلب بعد اهتمام علماء السياسة، فطاجيكستان راغبة في الانضمام إلى «EEU» وتعدّ أوزبكستان على قدر من الأهمية على رقعة الشطرنج الأوراسية ضمن الخطط الجيوسياسية. لكن، تجدر الإشارة أن هناك توترات على موارد المياه بين هذه الدول. من جهة أخرى، حين ساهم جزئياً نشاط العسكريين في أفغانستان في تعزيز دور حلف معاهدة الأمن الجماعي (هناك الوجود العسكري الروسي في طاجيكستان الذي تم تعزيزه مؤخراً عبر النقل العسكري والمروحيات الهجومية) يتطلب التكامل المناسب بين هاتين الدولتين العمل على تطوير «خارطة طريق» مفصّلة.

أيضاً، ينبغي إجراء تقييم دقيق لأي انتقاد، فالصورة تكون أقل وضوحاً عندما تقوم مراكز الفكر الأمريكية الليبرالية أو في أوروبا الغربية في حشد الحجج «المعارضة» التي تستند إلى منطق استعماري جديد، استناداً إلى أن عملية توحيد أوراسيا لا تخدم مصالحهم. حقيقة، إذا لم يكن هناك نواة عقلانية في اعتراضات المعارضين، فمن الضروري الأخذ في الحسبان هذه النقاط وإجراء مناقشة مستفيضة. من الضروري أيضاً أن نفهم أن «الاتحاد اﻷوراسي» ليس مشروع النخب الحاكمة ولكن يعبر عن تجسيد تطلعات شعوب قارتنا.

سابعاً: استراتيجية أم استراتيجيات؟

تمتلك كل دولة استراتيجيتها الخاصة للقيام بنشاطها السياسي الخارجي بما يرتبط بالمصالح والقيم الوطنية. فعند دول حلف شمال الأطلسي مثـلاً، تبرز النقاشات حول قضايا السياسة الخارجية بما يتوافق مع مبادئ الثقافة الاستراتيجية، وهو الأمر الذي يمكن أن يحصل في الاتحاد الأوراسي إن هو حاول مجاراة مقتضيات الاستراتيجيات الوطنية، بما في ذلك مسائل الأمن، وهو ما لم يتحقق حتى الآن. وسيتطلب المشروع الحقيقي للاتحاد الأوراسي استراتيجيا طويلة المدى تستدعي محتوى أيديولوجياً، وإضفاء طابع مؤسسي على الثقافة الاستراتيجية الجديدة، التي يجب أن تتجاوز التعارضات العرقية أو القومية، المدنية والإقليمية. والتي كانت في مراحل تاريخية سابقة عوامل في اشتداد الصراع. وبالنظر إلى الوضع الدولي الجديد فيمكن لهذه التعارضات أن تتخذ أشكالاً جديدة ترتبط بالأولويات التكتيكية للنخب الحاكمة وبالتأثير الخارجي.

من جهة ثانية، يجب أن تكون هذه الاستراتيجية بالضرورة استراتيجية كبرى إذ إنها تتضمن، ليس فقط نطاق جغرافي واسع أو مجرد إصلاحات اقتصادية في الدول المنضمة إلى الاتحاد المستقبلي، وإنما رد فعل قوياً إزاء الدول المنافسة والتكتلات الدولاتية‏[27]. وعلى الرغم من هذا المصطلح [الاستراتيجية الكبرى] يطبق أصـلاً في فن الحرب، ويشير إلى ضرورة بذل الدولة جهود واسعة النطاق في مختلف مجالات النشاط خلال الحرب‏[28]، فقد أعيد فيه النظر من طرف علماء الجيوبوليتيكا وبدأ يستخدم في تحديد ما يعزز مهام الدولة والتحالفات لأجل تحقيق أهداف استراتيجية معينة. وفي هذا المسعى، لا بد من العزم على توفيق الإمكانات من المذاهب الموجودة والاتفاقات الجماعية. إن الجماعة الأكاديمية، ومسائل الحتمية الطبيعية، وتفكير كبار المسؤولين، والمسائل التكتيكية، والمجالات الإقليمية والحكومية الدولية، يجب أن تتوج باتحاد وبراديغم أوراسي مشترك، مع ضرورة دراسة السياق الجيوبوليتيكي العام. وكما قال عالم الجيوبوليتيكا البارز كولين غراي، فإن للسياق (من اللاتينية contextere) معنيين: يمكن أن يشير إلى الذي «يحيط»، أو إلى المعنى الحالي الذي يمتلك أهمية يومية. في الوقت نفسه، يمكن أن يشير إلى «ما ينسج معاً»‏[29]. وتكون في ذلك الوحدة هي سياق الأمن القومي لدول الاتحاد الأوراسي وأسس التنمية المستقبلية. وإن كان يمكن تصحيح الأخطاء التكتيكية في تنفيذ البرامج المختلفة فإنه لا يمكن تصحيح الخطأ الاستراتيجي. في حالتنا هذه، لا يمكننا اتخاذ مثل هذا الخطأ، وهو ما يعني خسارة الكثير من العقود المقبلة. وهو ما لا يمكن أن يحدث. وعليه، تحتاج الجهات الفاعلة ومؤسسو الاتحاد الأوراسي إلى صوغ السياق الجيوسياسي بأنفسهم وليس تحت إكراهاته.

 

قد يهمكم أيضاً  الخيار الأوراسي وسؤال الأمن والهوية في غرب آسيا

موضوع آخر ذات صلة  البعد الأوراسي في استراتيجية الاتحاد الأوروبي

#مركز_دراسات_الوحدة_العربية #أوراسيا #الخيار_الأوراسي #الاتحاد_الأوراسي #الأوراسية #الأوراسية_في_القرن_الحادي_والعشرين #الأيديولوجيا_الأوراسية