الملخص

يعالج هذا المقال خيارات أوكرانيا اليوم، في ظلّ النظام الدّولي الفوضوي وما ينجم عنه من تسابق على القوّة والنفوذ بين القوى الكبرى، سواءٌ في سبيل توازن القوى أو لضمان التفوّق ضمن معضلة الأمن، أو في سبيل احتواء قوى كبرى صاعدة من أجل تأكيد الهيمنة. نظام فوضوي يُكرّس عودة الجيوبوليتيك في رسم موقع ودور القوى الكبرى وسياساتها الخارجيّة. عودة للجيوبوليتيك، تُبرز أهميّة موقع أوكرانيا الجيوسياسي، كدولة حاجز، بين روسيا والاتحاد الأوروبي (أو الغرب)، في قلب صراع القوّة والنفوذ.

دولة حاجز، تحوّلت في خياراتها السياسيّة من الجانب الروسي إلى الجانب الأوروبي، منذ شباط/فبراير 2014، مثّلت تهديدًا وخطرًا على أمن جارتها روسيا ووجودها، وهي التي تعدّ أوكرانيا نقطة الضعف التي يمكن لخصومها العبور عبرها إليها، فدخلت أوكرانيا في أزمات واضطرابات متصاعدة مع روسيا وصولًا إلى الحرب المستمرّة حتى اليوم منذ ثلاث سنوات.

وسط التبدّل في سياسات الولايات المتحدة تجاه أوكرانيا وأوروبا، تظهر اليوم خيارات جديدة لحل الأزمة، ضمن مسارين أمريكي وأوروبي مختلفين في الرؤية. خيارات تُطرح اليوم أو قد تُفرض غدًا، على أوكرانيا الدّولة الحاجز، تضعها أمام معضلة: إمّا التناغم مع ما يفرضه الواقع الجديد في السياسة الأمريكيّة وما قد يحمله من حلول قد تعزّز قدرتها على البقاء وتعيد لها الأمان والاستقرار، رغم الأثمان الباهظة التي ستُدفع، أو السير وفق الرؤية الأوروبيّة وما قد يعنيه ذلك من استمرار للحرب ولتكاليفها الباهظة.

مقدمة

إنّ المشهد غير المسبوق، للتباين الواضح في أهداف ورؤية كلّ من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونائبه جاي دي فانس من جهة، وبين توقعات رئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي وآماله من جهة ثانية، لمآل الحرب الروسيّة على أوكرانيا، والذي كان مسرحه المكتب البيضاوي في البيت الأبيض، لا يمكن عزله عن المشهد العام للنظام العالمي الفوضوي الذي تحاول فيه الولايات المتحدة الأمريكيّة، متمثلة، اليوم، بالرئيس دونالد ترامب، أن تكرّس نفسها على الساحة الدّوليّة، كقائد لهذا النظام، في ظلّ مجابهة لهذه القيادة، من قبل قوى صاعدة أخرى عديدة، تحاول فيه أن تفرض نفسها كشريك أساسيّ في قيادة هذا النظام الدّولي الجديد.

نظام دولي فوضوي، نعيش في كنفه، يُترجَم صراعًا على القوّة والنفوذ ومحاولات لحجز المواقع والأدوار المتقدّمة على رقعتَي الشطرنج الدّوليّة والإقليميّة، نرى ارتداداتِه وتجلياتِه في ساحات متعددة من العالم، ولا سيّما في دول ضعيفة، تعاني الانقسامات والتعقيدات والأزمات، وبنوع خاص في الدول الحاجز التي تقع على خط صراع وتنافس القوى الكبرى وتفصل في ما بينها، كحال أوكرانيا، التي تقع بين روسيا والاتحاد الأوروبي أو بشكل أعّم بين روسيا والغرب (الاتحاد الأوروبي + الولايات المتحدة الأمريكيّة).

من هنا، وفي ظلّ التسابق على النفوذ والقوّة على الساحتين الدّوليّة والإقليميّة، وفي ظلّ التحوّل الحاصل في السياسة الأمريكيّة وما نجم عنه من تباين في الرؤية والأهداف والتوقّعات والآمال بين الطرفين الشريكين لمسار السلام المنشود، من أجل إنهاء الحرب القائمة على أوكرانيا، نرى أنّ البعض، اليوم، يرى أنّ الوقت قد حان لانتهاج مسار شجاع للحلّ والسّير في طريق سلام الأقوياء (الولايات المتحدة وروسيا) مهما بلغت الأثمان؛ سلام لأوكرانيا مصلحة فيه، إذ يحافظ على ما تبقّى؛ في حين يرى البعض الآخر بأنّ طريق السلام غير واضحة، نظرًا إلى عدم جدّية الرئيس الروسي وسياساته المراوغة، إضافة إلى تهديداته المستمرّة للأمن القومي الأوروبي.

بناءً على ما تقدّم، نطرح الإشكاليّة الآتية: إلى أيّ مدى تستطيع أوكرانيا، الدّولة الحاجز، في ظلّ نظام فوضوي، أن تتناغم مع الواقع الجديد في السياسة الأمريكيّة، وأن تستفيد من التّحولات الحاصلة، كي تعزّز قدرتها على البقاء وتؤمّن لنفسها الأمان والسلام وتساهم في خفض الأزمات والصراعات المحيطة بها؟ أو أنّ هذه الدّولة الحاجز محكومة بأن تبقى مرآة تنعكس فيها الصورة الواقعيّة للنظام الإقليمي والدّولي اللامستقر والمتأزم، وبالتالي تبقى ساحة مضطربة، تُدفع فيها أثمان صراعات ومصالح الكبار؟ 

ما هي ركائز النظام الفوضوي؟ هل نحن في طور تبلور نظام جديد؟ هل تعيش أوروبا، اليوم، تبعات معضلة الأمن (Security Dilemma)؟ ما هي الواقعيّة السياسيّة وما ترجماتها؟ ما هي خيارات أوكرانيا، الدولة الحاجز، في سياساتها الخارجيّة؟ وأيّ خيار هو الأكثر احتمالًا، في ظلّ التحولات الحاصلة في الموقف الأمريكي؟ ما هو توازن القوى، وكيف يتمّ الوصول إليه؟ هل أوكرانيا محكومة بأن تبقى ساحة ساخنة مضطربة تدفع ثمن الموقع والدّور؟

سوف تتمّ الإجابة عن كلّ ذلك وفق المنهج الوصفي التحليلي. وسوف تتمّ معالجة هذه الإشكاليّة في مبحثين. يتمحور المبحث الأول حول أوكرانيا، الدّولة الحاجز، بين النّظريّة والواقع، وذلك ضمن فقرتين. تتضمّن الفقرة الأولى، أوكرانيا في ظلّ النظام الفوضوي؛ وفي الفقرة الثانية، الدّولة الحاجز ومعضلة الخيارات. أمّا القسم الثاني، أوكرانيا في مهبّ القوى الكبرى، فهو يتناول في فقرته الأولى، أوكرانيا والتحدّيات الجيوبوليتيكيّة وفي الفقرة الثانية، الفرص والخيارات المتاحة.

لقد تمّ الرجوع، في سبيل كتابة هذا المقال، إلى كتب ومقالات متنوّعة وآراء شخصيّة متعددة لشخصيات مؤثّرة، إن لسياسيين، أو لأصحاب خبرة واختصاص. لم يكن من الصعب الاستحصال على المواد اللازمة لهذا المقال، إذ إنّ هناك عددًا كبيرًا من المفكرين والكتّاب كتبوا عن أوكرانيا وعن الحرب الروسيّة على أوكرانيا.

إنّ الإضاءة على الأحداث والتطورات المتسارعة للأزمة الأوكرانيّة ومقاربتها من زوايا مختلفة، سواء من خلال التطرق إلى دور النظام الدّولي الفوضوي أو إلى موقع ودور الدّولة الحاجز أو للنظريّة الواقعيّة وترجماتها وغيرها من الجوانب، إنّما هو لفهم أدّق وأعمق لماجريات الأمور، ولكيفيّة تطوّرها، وتدفع في سبيل تصوّر حول كيفيّة مسار الأمور في المستقبل، وتمثّل مساهمة علميّة، نأمل أن تؤدي إلى استشراف موقع ودور لأوكرانيا، يحفظان لها البقاء ويحملان لها، كما ولمحيطها الإقليمي والدّولي، الأمن والاستقرار.

أولًا: أوكرانيا، الدّولة الحاجز، بين النظريّة والواقع

نشهد اليوم على أحداث وتطورات متسارعة وعلى تحولات جذريّة في مسار الأزمة‏[1] الأوكرانيّة، وما هذا كلّه إلّا لكون أوكرانيا، تعاني اليوم، كدولة حاجز بين قوى كبرى، تفصل بينهما، ارتدادات النظام الدّولي الفوضوي وعودة الجيوبوليتيك القديم، بما يعنيه من عدم ثقة بين القوى الكبرى ومن عودة للتنافس والصراع على القوّة والنفوذ ومن تسابق على المواقع المتقدّمة في قيادة النظام العالمي الجديد.

1 – أوكرانيا في ظلّ النظام الفوضوي

من أجل فهم المتغيرات والأزمات والنزاعات في العالم وفي أوكرانيا بوجه خاص، لا يكفي النظر فقط إلى السياسات الداخليّة والخارجيّة للدّول ضمن الأنظمة الإقليميّة، والقول بأنّ هذه الأزمات والحروب هي ذات أصول محليّة، قد تنتقل بعد ذلك إلى الساحتين الدّوليّة والإقليميّة؛ وإنّما يجدر النظر بشكل أوسع إلى الديناميات التي يفرضها النظام الدّولي نفسه وما ينتج منه من ديناميات وتفاعلات على المستويين الإقليمي والمحلي.

أ – النظام الدّولي الفوضوي‏[2] والواقعيّة

شهد النظام الدّولي على ولادته مع سلام وستفاليا‏[3] وأتى كترجمة لأفكار غروثيوس حول مجتمع واحد من الدول، لا يُحكم بالقوة أو بالحرب، بل بالقوانين الفعليّة والاتفاق المتبادل لإنفاذ القوانين‏[4]. نظام جديد في حينه، قام على مجموعة من الدّول المستقلة، مع الاعتراف بعدم وجود سلطة متفوقة عليها‏[5]. نظام دولي تبدّلت أنماطه، خلال المسار التاريخي، من نظام متعدّد القوى (المرحلة الأوروبيّة قبل الحرب العالميّة الأولى) أو نظام الوفاق الأوروبي، إلى نظام الثنائيّة القطبيّة (الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي)، بعد الحربين العالميتين، ثم إلى نظام الأحادية القطبيّة (الولايات المتحدة الأمريكيّة)، مع سقوط جدار برلين وتفكّك الاتحاد السوفياتي، حتى عام 2008 مع الركود الاقتصادي، كما يعتقد البعض، أو 2010 مع صعود الصين الاقتصادي ودخول العالم في مرحلة النظام الدولي المعاصر، الذي لا إسم له، والذي تشكّل الفوضويّة سمته الأساسيّة.

إنّ الواقعيّة (Realism) هي واحدة من أقدم النظريّات‏[6] وأكثرها تأثيرًا في العلاقات الدّوليّة. والواقعيّة تقوم في جوهرها على افتراض أنّ النظام الدّولي فوضوي، أي أنّه لا يوجد سلطة مركزيّة عالميّة أو «حارس ليلي» يتدخّل عندما تهدّد دولة ما دولة أخرى أو حكومة عالميّة قادرة على فرض القواعد أو القوانين. نظام دولي تتعايش فيه الدّول بدون «قوّة – حكم» قادرة على التحكيم لحلّ النزاعات في ما بينها، كما يفسّر كينيث والتز في كتابه «الإنسان، الدّولة والحرب: التحليل النظري»‏[7]. غياب للسلطة المركزيّة العالميّة أو للـ»حارس الليلي» أو للـ»قوّة – الحكم»، يعاني فقدانها عالم اليوم، ولا سيّما خلال السنوات الأخيرة، مع الضعف‏[8] الواضح في قدرة الأمم المتحدة على أداء هذا الدور للفصل والحلّ في الخلافات والأزمات الدّوليّة. فهذه المؤسّسة الدّوليّة، التي تمّ إنشاؤها، في الأساس، بعد مآسي الحربين العالميتين الأولى والثانيّة، عام 1945، كمنظمة دوليّة تسهر على سلام العالم وتعمل على تسوية الخلافات والنزاعات والأزمات، حتى لا تتحول إلى حروب مدمّرة، قد أصبحت ثانويّة، بحسب ميرشايمر في كتابه الوهم العظيم[9]، لأنّها لا تملك القوّة القسريّة على الدّول.

وفي الواقعيّة، أوّل ما يتبادر إلى الذّهن، عبارة أنّ «القوّة هي جوهر العلاقات الدّوليّة». ولعلّ المشهد الذي رأيناه خلال حادثة المكتب البيضاوي التي وصفها البعض بالـ»مشادة الكلاميّة المؤسفة»، لخير دليل على ذلك. وعلى الرّغم من غرابة ما حدث أمام الصحافة وعلى مرأى من العالم، فهو تعبير عما يحصل عادةً وراء الأبواب المغلقة، من فرض وتحكّم للقوّة. والقوّة، كما يعرّفها روبرت دال، هي «قدرة الفاعل (أ) على أن يجبر الفاعل (ب) على أن يفعل شيئًا أو يمتنع عن فعل شيء، ما كان ليفعله لولا قدرة (أ)‏[10]. أو بحسب ما يعرّفها مورغنثاو، هي «القدرة التي يملكها الإنسان للتحكم بأفكار وسلوكيات الآخرين»‏[11]. وتبقى القوّة، في ظلّ النظام الفوضوي، هي العامل الأساس، إذ تسعى الدّول، بحسب مورغنثاو‏[12]، إمّا للحفاظ على قوّتها، أو ما تبقى من قوّتها، باعتماد السياسة الدّفاعيّة، كما يحصل مع أوكرانيا؛ وإمّا إلى زيادة القوّة واعتماد السياسة التوسعيّة، كما يحصل مع روسيا مثلًا؛ وإمّا إلى إظهار القوّة والنفوذ، وذلك باعتماد سياسة فرض الهيبة والقوّة، كما يحصل مع الولايات المتحدة الأمريكيّة.

ب – توازن القوى ومعضلة الأمن

(1) توازن القوى: من أبرز آليات المحافظة على النظام الدّولي، هو توازن القوى (Balance of Power). وتوازن القوى، هو مقدار من القوّة تسعى كلّ دولة للحصول عليه بحيث تحافظ على الوضع القائم في النظام الدّولي أو الإقليمي، وأيّة محاولة لتغييره تثير ردّة فعل مقاوم في سبيل إعادة الأمور إلى ما كانت عليه. بمعنى آخر، تحاول كلّ قوّة في النظام اكتساب مقدارٍ كافٍ من القوّة يخوّلها منع أيّ تفوق أو هيمنة لأيّ من القوى الأخرى في نظامها. وتوازن القوى في النظام الدّولي هو الذي يتحكّم بالقوى الإقليميّة والمحليّة ويؤثّر فيها، أكثر كثيرًا من حصول العكس‏[13]. وتجدر الإشارة إلى أنّ محاولات إقامة مبدأ توازن القوى أو الحفاظ عليه، لا يعني الحصول على السلام والاستقرار حكمًا، لا بل في كثير من الأحيان تتسبّب هذه المحاولات بزعزعة الاستقرار وتصبح مصدرًا للأزمات والحروب، كما حصل مثلًا خلال الحرب الباردة، حيث أدّى توازن القوى إلى أزمات وحروب متعدّدة، مثل أزمة الصواريخ الكوبيّة أو حرب فيتنام أو غيرها. أزمات وحروب، نشهد على الكثير منها اليوم في أماكن مختلفة من العالم، ولا سيّما في أوكرانيا، عقب محاولات بعض القوى الكبرى إقامة توازن جديد والسّعي لبلورة نظام دولي يقوم على تعدديّة القوى.

أمّا السلم أو الحرب فغير مهمّيْن في توازن القوى؛ فالهدف الأساسي هو الحفاظ على نظام الدّول نفسه. فأيُّ نظام دولي يستمر ما دام توازن القوى قائمًا‏[14]، وأيّ إخلال في التوازن قد يُسقط النظام ويؤدّي إلى نشوء نظام دولي جديد. من هنا، يمكن فهم محاولات الولايات المتحدّة الأمريكيّة، ولا سيما مع الإدارة الجديدة للرئيس ترامب، لتكريس قوّتها كقائد لهذا النظام؛ وما شعار الرئيس ترامب «إجعل أمريكا عظيمة مرّة أخرى (Make America Great Again) إلّا خير دليل على ذلك. وفي سبيل الحفاظ على تفوّقها وهيمنتها‏[15]، تعمل على احتواء أيّة قوّة قد تمثّل تهديدًا لها وهذا ما يحصل مع محاولات الولايات المتحدة الأمريكيّة، اليوم، لاحتواء الصين، خوفًا من كسر التوازن وفقدان التفوّق وفقدان البقاء.

إنّ عدم التوازن على الساحة الدّوليّة، يرتدّ على مناطق من العالم، أوروبا مثلًا، بعدم توازن، تحاول خلاله القوى الإقليميّة الكبرى في المنطقة اللعب على الوقت والإفادة منه لتقوية مواقعها، ولتحقيق مصالحها ولكسب أوراق قوّة تخوّلها حجز المواقع المتقدّمة على خريطة النفوذ المستقبليّة. وفي ظلّ هذا التسابق والتنافس على النفوذ والقوّة والمواقع، تدفع الدوّل الصغرى – والمقصود هنا، صغيرة في القوّة، قياسًا إلى جاراتها من القوى الكبرى، المنقسمة على ذاتها، كأوكرانيا مثلًا – ثمن التوازن واللاتوازن من استقرارها وأمنها وازدهارها، إذ تتحول إلى ساحة مستباحة للتدخُّلات الخارجيّة وللرسائل المتبادلة وللصراعات بالوكالة وللتسويات، التي غالبًا ما تأتي على حسابها، وما يحصل اليوم على الساحة الأوكرانيّة أوضح مثال على ذلك.

(2) معضلة الأمن: الدّول، في غياب الحَكَم الأعلى، على ذاتها وتسعى إلى زيادة قدراتها، بما تستطيع للحفاظ على أمنها وبقائها. كما وتميل إلى خوف بعضها من بعض، كونها لا تدرك نيات الآخرين. فمثلًا، الولايات المتحدة الأمريكية تبحث، ولا سيّما خلال السنوات الأخيرة، في صعود الصين. ونشهد اليوم كيف أنّ الرئيس ترامب يحاول إنهاء الأزمة الأوكرانيّة وأزمات الشرق الأوسط، لينصرف إلى احتواء الصين، لأنه لا يمكن للقادة الأمريكيين أن يعرفوا نيات الصين المستقبليّة بدرجة عالية من اليقين. ولا يمكنهم أن يسمحوا لقوّة أخرى أن تمتلك من القدرة ما يمثّل خطرًا على قوّتهم وتفوّقهم وبالتالي على بقائهم. والخوف وعدم الثقة أو الخشية بعضها من بعض، يدفع بهذه القوى، كما يستنتج جون ميرشايمر في كتابه مأساة سياسات القوى العظمى[16]، إلى التنافس والتصارع في ما بينها، في سبيل زيادة قوّتها ونفوذها من أجل البقاء. ونشهد على ذلك اليوم وبصورة واضحة، إن على الساحة الإقليميّة أو الساحة الدّوليّة، حتى ما بين الحلفاء (ولا سيّما ما بين الدّول الأوروبيّة والولايات المتحدة الأمريكيّة).

خوف وعدم يقين وتنافس وسعي إلى زيادة القوّة بين القوى الكبرى، يثير معضلة الأمن في ما بينها. ومعضلة الأمن هي، بحسب جون هيرز، «حالة بنيوية لدى الدول، لمحاولة الاعتماد على الذات وحفظ الأمن، ما يدفع الآخرين إلى الشعور بعدم الأمن، فتقوم باتخاذ تدابير خاصة تزيد أمنها، متذرعة بالدفاع عن نفسها مقابل التهديدات المقابلة»‏[17]. أوليس هذا بالضبط ما يحدث اليوم في أوروبا، بعد وصول الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض، ولا سيّما بعد التحوّل الجذري في سياساته تجاه أوكرانيا وتقديم الدّعم العسكري والاستخباري لها، وما نتج منه من رد فعل لدى دول الاتحاد الأوروبي التي بادرت إلى زيادة موازناتها للإنفاق الحربي من أجل حماية أمنها وبقائها؟!

ومعضلة الأمن، كما يراها الواقعيون، تشبه دائرة حلزونية لا خلاص منها، حيث تشعر الدولة بأنّ أمنها في خطر، فتسعى إلى زيادة قوّتها، وهو ما يثير مخاوف الدول الأخرى، التي تسعى بدورها إلى خطوات مماثلة، وهو ما يعيد شعور الخوف وانعدام الأمن إليها من جديد؛ وهكذا دواليك، إلى أن يتسبّب تسابق التسلح والقوّة إلى وقوع الحرب. يحاول الرئيس ترامب تجنّب حرب كبرى، من خلال محاولته إبرام اتفاق سلام مع روسيا، من أجل خفض التهديدات والمخاطر وكسر هذه الدائرة الحلزونيّة، إن نجح.

2 – الدّولة الحاجز ومعضلة الخيارات

إنّ مصطلح الحاجز، تمّ تطبيقه لأوّل مرّة على كيان سياسيّ، عام 1876؛ أمّا مصطلح الدّولة الحاجز، فقد تمّ استخدامه لأوّل مرّة عام 1883. إنّما تجدر الإشارة، إلى أنّ مفهوم الدّولة الحاجز، ليس تطورًا حصل في القرن التاسع عشر، وإنّما هو مفهوم، تعود جذوره إلى نحو 3500 سنة، إلى القرن الخامس عشر قبل الميلاد. والدّولة الحاجز، قد قدّم الكثير من المؤلفين والباحثين تعريفات لها‏[18]؛ ويمكن تعريفها على أنّها دولة أصغر أو أضعف من القوى الفاعلة المحيطة بها؛ تقع وسط منطقة مواجهات استراتيجيَة، بين قوى إقليميّة أو دوليّة؛ وهي غالبًا ما تكون، ذات سلطة «هشة» أو متزعزعة، وذات نسيج اجتماعي ضعيف. دولة ضعيفة تستجلب الدّول الكبرى إلى أراضيها، لتجعل منها مكان تواجه مناسبًا، تحاول فيه كلّ دولة كبرى، أن تحقّق مصالحها وأجنداتها، وأن تسجّل النقاط عبر هذه الدّولة الحاجز وعلى حسابها، وأن تثبّت سلطتها على حساب الدّول الكبرى الأخرى.

دولة حاجز تجد نفسها، في ظلّ النظام الفوضوي وما ينجم عنه من انعدام ثقة وخشية وتنافس وتصارع بين القوى الكبرى، أمام معضلة الخيارات. خيارات، قد تكون متنوعة، وإنّما محدودة، لسياساتها الخارجيّة، من أجل الحفاظ على أمنها وبقائها. خيارات، لكلّ واحد منها فوائده ومحاذيره. فبحسب مارتن وايت (Martin Wight)، على الدّولة الحاجز، من أجل حماية سيادتها واستقلالها ومن أجل الإبتعاد بنفسها عن دائرة الخطر والحروب، أن تعمد إلى خيار من ثلاثة خيارات في سياستها الخارجيّة. والخيارات الثلاثة، بحسب وايت، هي الحياد (Neutrality) والدّولة التابعة (Satellite)‏[19] وانتهاز الفرص (Trimmer).

أ – خيار الحياد‏[20]

يُعرّف جون شاي الدّولة الحاجز على أنّها «دولة تقع جغرافيًا و/أو سياسيًا بين قوتين كبيرتين أو أكثر، تتمثل مهمّتها في الحفاظ على السلام بين القوى الأكبر»‏[21]. ومن أجل الحفاظ على السلام ولكي تُبقي الدّولة الحاجز نفسها على مسافة واحدة من القوى المتنافسة أو المتنازعة، وكي تُجنّب نفسها المشاركة في الأعمال العدائيّة، خدمةً وحمايةً لاستقلالها وسيادتها، يكون اعتماد الحياد هو الخيار الأفضل لهذه الدّولة الحاجز.

فالدّولة الحاجز المحايدة، بحسب وايت، هي «دولة ليس لديها سياسة خارجيّة نشطة؛ تأمل أن تبقى بعيدة من الأنظار وأن تهرب من لفت الأنظار إليها»‏[22]. فاعتماد الحياد والحفاظ عليه، يجعل من الدّولة «حاجزًا» فاعلًا بين القوى الكبرى في المنطقة، بدلًا من كونها ساحة للصراعات والأزمات والرسائل. ولكن يتعيّن على هذه الأخيرة، القبول والاعتراف به، كي يصبح نافذًا، أو أن تكون الدّولة الحاجز قادرة على حماية حيادها، وإن بالقوّة، أو بالاتّكال على قوّة ثالثة، قادرة على حماية حيادها؛ والخيار الأخير، دونه محاذير، إذ قد يعرّض الدّولة الحاجز للخطر عند أيّ تبدّل في أولويّات القوّة الثالثة. والحياد، هو من طبيعة وجوهر وجود الدّولة الحاجز؛ لذا، تتنامى المطالبة به، بنوع خاص، في زمن الأزمات الكبيرة. وهذا ما حصل في أوكرانيا مع بداية التصعيد الكبير عام 2022، مع اقتراح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بحياد أوكرانيا، بضمانة كلّ من روسيا والولايات المتحدة الأمريكيّة والاتحاد الأوروبي، من أجل ضمان الأمن والسلام في بلاده بصورة مستدامة‏[23].

إلّا أنّ الحياد الذي تراه الدّولة الحاجز لنفسها، غالبًا ما يتعارض مع رؤية القوى الكبرى المتنافسة له. وهذا ما شهدنا عليه في الحالة الأوكرانيّة. فعلى الرغم من مطالبة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بحياد أوكرانيا، إلّا أنّ رؤيته لهذا الحياد تختلف عن الرؤية الأوكرانيّة؛ فهو يطالب بحياد منزوع السلاح لأوكرانيا، وهذا ما لم تقبله أوكرانيا ولا الغرب في حينه، وكان الثمن الحرب المدمّرة منذ ثلاث سنوات وحتى اليوم. حياد، قد تتلاقى الرؤى عليه اليوم، كونه أصبح حاجة للجميع.

ب – خيار الدولة التابعة [24]

هو خيار قد تلجأ إليه الدّولة الحاجز انطلاقًا من أنّ مصلحتها الوطنيّة تقتضي ذلك. خيار، يكمن في تحوّل الدّولة الحاجز إلى دولة تابعة، إثر انحياز هذه الأخيرة إلى إحدى القوى الكبرى في المنطقة، تدور في فلكها وتنال معها الحماية والدّعم، وإن على حساب استقلالها وسيادتها. خيار، تعتقد الدّولة الحاجز أنّه سينجّيها من خطر التقسيم أو الاجتياح أو الانهيار؛ إلّا أنّه يجعل منها دولة شبه حاجز. والدّولة التابعة، بحسب مارتين وايت، هي الدّولة التي تسيطر على سياستها الخارجيّة قوّة أخرى. وخيار الدّولة التابعة، سعت إليه أوكرانيا عبر محاولتها الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، ظنًّا منها أنّه يحقّق لها الأمن والازدهار. غير أنّ خيار انحياز الدّولة الحاجز إلى طرف دون الآخر، خيار حسّاس، يحمل في متنه مزايا ومخاطر، وهذا ما شهدته أوكرانيا منذ عام 2014، وصولًا إلى التصعيد الكبير والحرب التي أدّت إلى خسارات كبيرة، على صعد متعددة، أنهكت قوّة أوكرانيا وأضعفتها وخسّرتها أجزاء من أراضيها. خيار بالتحوّل إلى دولة تابعة، جعل من أوكرانيا خط الدفاع الأمامي في حروب «القوّة الحامية» (الاتحاد الأوروبي) ضدّ روسيا. خيار، إذا أرادت أوكرانيا الاستمرار به، بمساندة من بعض القوى الكبرى، ولا سيّما الاتحاد الأوروبي، قد يعرّضها لمزيد من الدمار وقد يتسبب، ربّما، في تلاشيها.

ج – استراتيجيّة انتهاز الفرص

هو خيار تعتمده الدّولة من خلال سياسات تمكّنها من انتهاز الفرص التي يوفّرها التنافس الحاصل بين جيرانها الأقوياء، بحيث تعمل على تقليبهم بعضهم ضدّ بعض والإفادة من حالة التنافس القائمة بينها ومن محاولة كلّ من القوتين المتنافستين لاستجلابها إلى فلكها وما يعنيه ذلك من فرص ومكاسب للدّولة الحاجز. استراتيجيّة، كان يمكن لأوكرانيا في بداية الأزمة عام 2014، اعتمادها، بدلًا من استراتيجية الانضمام إلى الغرب، لربّما كان بإمكانها تجنيبها الحرب التي وصلت إليها. غير أنّ خيار هذه الاستراتيجيّة، قد لا يؤدي بالضرورة إلى تحقيق المكاسب والفرص، فهو خيار يحمل في طيّاته مخاطر عديدة، إذ غالبًا ما يدفع الضعيف ثمن اللعب مع الأقوياء.

ثانيًا: أوكرانيا في مهبّ القوى الكبرى

دخلت أوكرانيا، عبر خيارات صنّاع القرار فيها، على خط صراع وتنافس القوى الكبرى، فوجدت نفسها في مهبّ أجندات ومصالح القوى الكبرى، أسيرة موقعها الجيوبوليتيكي ودورها كدولة حاجز. أسيرة تنافس القوى الكبرى، إن على المستوى الإقليمي أو المستوى الدّولي، التي تهدف، إما للسيطرة على العالم (الولايات المتحدة الأمريكيّة) أو على المناطق الجيوسياسيّة المهمّة بالنسبة إليها (روسيا، الاتحاد الأوروبي)، من أجل تحقيق التفوّق وحماية أمنها وسلامها وتعزيز قدراتها. أسيرة الساحة التي تُدفع على أراضيها ومن دماء شعبها أثمان مصالح وطموحات وتسويات القوى الكبرى.

1 – أوكرانيا والتحدّيات الجيوبوليتيكيّة

نشهد اليوم، في ظلّ النظام الفوضوي القائم، على عودة الجيوبوليتيك وأهميّته في معادلة صراعات القوّة والنفوذ، بعد أن أعلن سابقًا، عن نهايته، وفق نظرية فرانسيس فوكوياما «نهاية التاريخ»، إثر تفكك الاتحاد السوفياتي.

أ – أهميّة أوكرانيا بالنسبة إلى روسيا وللغرب

تحتل أوكرانيا، من الناحية الجيوسياسيّة، موقعًا، يجعلها في قلب‏[25] التنافس الدّولي بين روسيا وحلف الناتو. إذ تمثّل أهميّة جغرافيّة واستراتيجيّة لكلّ من روسيا والغرب. في ما يخص روسيا، تكمن أهميّة أوكرانيا الجغرافيّة والاستراتيجيّة، في كونها تشترك معها في حدودها البريّة بطول 2000 كم (حسب اتفاقيّة الحدود عام 2003)، توفّر منطقة عازلة وطريقًا بريًّا للنقل ولأنابيب النفط والغاز نحو وسط وشرق أوروبا، إضافة إلى ما تمثّله من منفذ لروسيا على البحر الأسود وما يؤمّنه ذلك من بسط لنفوذ هذه الأخيرة في المنطقة. هذا، من دون أن ننسى العلاقات التاريخيّة والروابط الثقافيّة واللغويّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة التي تعود جذورها إلى مئات السنين. فأوكرانيا كانت في نظر روسيا جزءًا من الوطن الأم، و»كييف» العاصمة الثقافيّة لإمبراطوريّة روسيا في الماضي وثاني أقوى جمهوريّة بعد روسيا في الاتحاد السوفياتي السابق. وتكمن أهميّة أوكرانيا، بصورة أساسية، كونها تمثّل الحصن الأساسي لروسيا أمام التمدّد الغربي (الخصم الأساسي لروسيا) لحلف الناتو وللاتحاد الأوروبي الذي بات يحيط بها. من هنا، يمكن فهم سبب الأزمة الأوكرانيّة، إذا ما قاربناها من الناحية الجيوبوليتيكيّة، فأوكرانيا هي نقطة الضعف في التفكير الاستراتيجي الروسي، وتحديدًا الأوراسي‏[26] منه، فهي «الحديقة الخلفيّة» التي لا يمكن لروسيا خسارتها أو السماح لخصومها بالسيطرة عليها، لأنها، في هذه الحالة، تصبح خطرًا على بقائها.

وكما أنّ أوكرانيا مهمّة جيوسياسيًّا في نظر روسيا، فقد اكتشف الغرب أهميّتها، ولا سيّما منذ أواخر التسعينيات، في إعادة بناء القوّة الروسيّة في المجال الأوراسي‏[27]. فبحسب بريجينسكي، تمثل أوكرانيا «مساحة مهمة من رقعة الشطرنج الأوراسيّة» و»مفتاح الاتجاهات الجيوبوليتيكيّة في أوراسيا»، لذا دعا إلى «تحريرها» من النفوذ الروسي. ومنذ ذلك الوقت، بدأ الغرب بتهيئة أوكرانيا، عبر «القوّة الناعمة»، وبوجه خاص منذ عام 2008، لضمّها إلى المحور الغربي، للحيلولة دون الصعود الروسي من جديد، بما يعنيه من قلب للتوازن وخطر على النظام العالمي القائم.

وهكذا، وفي ظلّ الصراع على النفوذ والقوّة بين من يريد استعادة دوره وفرض نفسه كشريك على رقعة الشطرنج الدّوليّة (روسيا)، وبين من يحاول احتواء أيّة قوّة تسعى لقلب التوازن القائم ويهدّد النظام (الولايات المتحدة الأمريكيّة وحلفاءها)، وجدت أوكرانيا، الدّولة الحاجز، نفسها، منذ عام 2014، تعيش فصولًا متتالية من الأزمات والانقسامات والنزاعات؛ ويعود ذلك إلى التحوّل الجذري في سياستها الخارجيّة من المحور الروسي إلى المحور الأوروبي – الغربي. إذ اعتمدت أوكرانيا منذ عام 2014 استراتيجيّة الانضمام إلى الغرب، استراتيجيّة تلاقت مع الاستراتيجيّة الغربيّة التي كانت تهدف إلى تعزيز الديمقراطيّة والقيم الغربيّة في العالم وإلى إنتاج قادة موالين للغرب. استراتيجيّة قامت على ثلاثة محاور مترابطة: توسيع الناتو وتوسيع الاتحاد الأوروبي والثورة البرتقاليّة‏[28]. استراتيجيّة رأت فيها موسكو خطرًا عليها، من خلال تمدّد حلف الناتو نحو الشرق وتوسّع الاتحاد الأوروبي ورأت أنّ تغيير المشهد السياسي هو طريقة لاستهدافها. كما رأت في محاولة دمج أوكرانيا في الغرب معاداة لها. وبالتالي حوّل الغرب موسكو، وعن غير قصد ربّما، إلى عدوّ، وهو ما أدى إلى أزمة أوكرانيا.

ب – بعض المحطات البارزة في مسار تحولات السياسة الأوكرانيّة

شهدت أوكرانيا منذ شباط/فبراير عام 2014 على تغيّر في سياساتها الداخليّة والخارجيّة تمثّلت بانقلاب القوات العسكريّة الأوكرانيّة اليمينية على الرئيس يانوكوفيتش (Yanukovych)، وخلعه، بدعم من الولايات المتحدة الأمريكيّة؛ حدث ذلك في اليوم التالي لتوصّل ممثلي الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكيّة إلى اتفاق مع الرئيس يانوكوفيتش لتنظيم انتخابات مبكّرة وحكومة وحدة وطنيّة ووقف للقتال من كلا الجانبين. إتفاق، كان برعاية كلّ من روسيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، تمّ نقضه من الغرب. وتمّ، خلافًا للاتفاق، تقديم الدّعم من جانب الغرب للمعارضة وإضفاء الشرعيّة على انقلابها. خيارات، اتخذها القادة في أوكرانيا، نُقلت معها أوكرانيا من حكم قريب من روسيا إلى حكم قريب ومدعوم من الغرب، تطالب فيه القيادة الجديدة بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وإلى حلف الناتو.

في عام 2015، لم يطالب الروس باستعادة الدونباس، وإنّما طالبوا بالسلام فيها من خلال المفاوضات بين الأوكرانيين، الذين هم من الإثنيّة الروسيّة في شرق أوكرانيا، وبين الحكم الجديد في كييف، الأمر الذي أدّى إلى اتفاقية مينسك 2. واتفاقية مينسك 2 تمّ التصويت عليها في مجلس الأمن بالإجماع ووقّعت عليها الحكومة الأوكرانيّة بضمانات صريحة من جانب كلّ من فرنسا وألمانيا؛ وكان الهدف منها إنهاء الحرب. لكن الحكومة الأوكرانيّة لم تشأ تنفيذ الاتفاقيّة وإعطاء الاستقلال الذاتي لمنطقة الدونباس، كما تمّ التوافق عليه، وإنّما كان ذلك من أجل كسب الوقت لإعطاء أوكرانيا القدرة على بناء قوّتها، كما شرحت ذلك، صراحة، المستشارة الألمانيّة أنجيلا ميركل في مقابلة لها مع Die Zeit بعد التصعيد الذي حصل عام 2022.

اتخذ القادة الأوكرانيون قرارات كثيرة أدخلت البلاد على خط التنافس بين القوى الكبرى ومثّلت خطرًا على أمنها، دفعت بالأمور إلى التصعيد الكبير عام 2022 مع بداية الحرب الروسيّة – الأوكرانيّة (والصراع الروسي – الغربي الواضح) في 24 شباط/فبراير 2022. فتحوّلت أوكرانيا، عندها، إلى ساحة للصراع، بفعل خسارتها التوازن بين القوى الكبرى. إذ إنّ التّحول الأوكراني صوب الغرب، مثّل اختلالًا للتوازن بين روسيا والغرب وأتى لمصلحة الغرب، فأصبحت أوكرانيا، امتدادًا للغرب إلى حدود روسيا أفقد روسيا المدى الجيوبوليتيكي العازل ومثّل خطرًا على أمنها وبقائها. وهو ما دفع الرئيس الروسي إلى اتخاذ قرار التهديد بالحرب، في بادئ الأمر، ومطالبته بحياد أوكرانيا وبنزع السّلاح منها، وصولًا إلى خيار الحرب، بعد فشل كلّ محاولات التسوية‏[29].

2 – الفرص والخيارات المتاحة

تصدّرت أوكرانيا، منذ بداية الحرب الروسيّة عليها في شباط/فبراير 2022، وما زالت تتصدّر، على نحو بارز، عناوين الصحف والأخبار حول العالم؛ وتحوّلت إلى محور للاهتمام والمراقبة والمتابعة الدّوليّة، وعنوانًا للنشاط والتحرك الديبلوماسيّ والسياسي من مختلف القوى الإقليميّة والدّوليّة، في سعي حثيث لاحتواء الأوضاع المتأزمة وإيجاد الحلول، منعًا لتحوّل الأزمة الأوكرانيّة إلى «صدام كبير».

أ – مسار الحلّ الأمريكي – الروسي

يحاول الرئيس ترامب أن يفتح اليوم، طريقًا لحلّ الأزمة الأوكرانيّة، عبر اتفاق سلام مع روسيا، بوصفه رجل السلام، كما يحبّ أن يقدّم نفسه، وذلك من ضمن سياساته لإنهاء الحروب التي تمّ إشعالها خلال رئاسة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن. طريق، بدأ الرئيس ترامب يرسم مساره منذ التحوّل الواضح في سياسته الخارجيّة تجاه أوكرانيا وأوروبا. تحوّل جذري في السياسة الأمريكيّة، يُوجب، ومن باب الواقعيّة السياسيّة، على أوكرانيا، أن تعيد القراءة في واقعها الحالي وأن تتّخذ القرارات وفقًا للمصلحة الأوكرانيّة البحتة، وأن تلاقي التغيّر الحاصل على الساحة الدّوليّة، فتحوّله إلى فرصة حقيقية، تعيد من خلالها التوازن بين القوى الكبرى المحيطة بها، بما يسمح لها استعادة دورها كدولة مهمّة استراتيجيًا لجيرانها المتجاورين المتنافسين، بما يعزّز أمنها واستقرارها كما وأمن نظامها واستقراره.

لذلك، وفي سبيل تحقّق هذه الفرصة الجديّة السانحة اليوم، لإنهاء عذابات وويلات حرب السنوات الثلاث الأخيرة، يتوجّب، على الرئيس الأوكراني، الذهاب قدمًا في طريق ما هو متاح من حلّ، وتفعيل ما يلزم من دبلوماسيّة، من أجل الحصول على تسوية (لا على هدنة)، توقف النزيف الجغرافي والبشري ودفع الأثمان الباهظة على الصعد كافة. تسوية، ينضمّ إليها الجميع، تراعي مصالح جميع الأطراف، تؤمّن لأوكرانيا وشعبها الأمن والأمان والاستقرار والسلام المستدام. تسوية تنقل أوكرانيا من موقع المتلقّي لارتدادات صراع النفوذ والقوّة بين القوى الجارة المتنافسة إلى موقع الحاجة الإستراتيجيّة واللاعب الديناميكي ضمن نظامها. والتسوية تعني تنازل جميع الأطراف من أجل خير الجميع. تسوية، تقوم على اعتماد أوكرانيا الحياد كسيناريو ممكن، يمثّل حلًا محتملًا للأزمة. حياد قد تتوصل أوكرانيا، بمساعدة من الولايات المتحدة الأمريكيّة وبدعم من الدّول الأوروبيّة، إلى تحسين شروطه. حياد، ضمن شروط، قد ترضي جميع الأطراف المتنازعة، كمثل أن تعتمد أوكرانيا الحياد المسلّح‏[30] الذي يتضمّن استمرار الدّعم والتدريب العسكري الغربي (الأوروبي والأمريكي)، إضافة إلى عضويتها في الاتحاد الأوروبي.

من جهة روسيا، يبدو أنّ عضوية الاتحاد الأوروبي مقبولة، أمّا بالنسبة للسلاح، فعلى روسيا التنازل عن رغبتها في أوكرانيا منزوعة السلاح، إذ إنّه هدف غير قابل للتحقق (لا سيّما اليوم، بعد الأثمان الباهظة التي دُفعت خلال السنوات الثلاث الماضية، وعودة الدّول الأوروبية إلى زيادة الإنفاق الدّفاعي)، وإنّما يمكن التوافق على وضع سقف لنوعيّة الأسلحة، بحيث تمكّن أوكرانيا من حماية حيادها، دون أن تمثّل خطرًا على بقاء الآخرين. وفي المقابل، على أوكرانيا وشركائها القبول بتجميد الخط الأمامي الحالي، دون الاعتراف القانوني بحدود جديدة، إذ إنّ استعادة الأراضي التي خسرتها‏[31] أوكرانيا في الحرب، هدف مستحيل تحقّقه، وبخاصة في ظلّ ما يفرزه الميدان من تفوّق روسي. ويبقى، ربّما، الحفاظ على استقلال أوكرانيا وسيادتها فرصة تستحق العمل على تحقيقها، من أجل غد أفضل، حتى ولو أتى ذلك عبر ثمن باهظ يدفع اليوم وفق شروط قد يحسبها الأوكرانيّون مجحفة بحقهم وبتضحياتهم، كما حصل مع فنلندا منذ نحو 80 سنة.

فحياد أوكرانيا، يبدو اليوم حاجة ومصلحة للجميع، سوف يطوي، إلى غير رجعة، إن حصل، صفحة حرب، أنهكت جميع الأطراف ولم تأتِ نتائجها كما حلم بها أيّ طرف من أطراف النزاع؛ ينقل أوكرانيا، من كونها ساحة للصراعات والحروب والأزمات والرسائل أو مساحة عازلة متأزّمة ومتفجّرة بين القوى المتنازعة، إلى دولة مهمّة استراتيجيًا لجيرانها، تمثّل واحة سلام وتلاقٍ وأمان واستقرار، لها ولمحيطها الأقرب والأبعد.

ب – خيار «السلام من خلال القوّة» وفق الرؤيّة الأوروبيّة

في مقابل فرصة السلام الأمريكي – الروسي، هنالك رؤية مختلفة للسلام مع روسيا بالنسبة إلى القوى الأوروبيّة. هذه الأخيرة، وبحسب تصاريح العديد من مسؤوليها، هي مع خيار التوصل إلى سلام، ولكن ضمن شروط وضمانات أمنيّة؛ وهي مستمرّة بدعم أوكرانيا إلى أقصى الحدود، وبكل الوسائل المتاحة. فالحرب في أوكرانيا بالنسبة إلى القوى الأوروبيّة هي حرب الجميع في مواجهة روسيا. وأوكرانيا، الدّولة الحاجز، هي اليوم، خط الدفاع الأمامي لأوروبا. فهي، بحسب قول الرئيس الليتواني جيتاناس ناوسيدا (Gitanas Nausėda)، «تشتري الوقت الثمين لنا كلّ يوم، وتدفع بالدماء. لذلك، سيكون من غير المسؤول جدًّا إضاعة هذا الوقت».

تحوّل في السياسة الأمريكيّة، إن من خلال تجميد الدّعم لأوكرانيا أو من خلال النظرة الأمريكيّة للاتحاد الأوروبي أو في استبعاد الاتحاد من محادثات السلام مع روسيا. زاد من خشية القوى الأوروبيّة حول أمنها وسيادتها في مواجهة الدّولة الروسيّة، التي تسعى، بحسب اعتقاد هذه القوى، إلى فرض هيمنتها على القارة الأوروبيّة.

في خضمّ هذا التباعد بين الرؤية الأمريكيّة والرؤية الأوروبيّة، يدرس القادة الأوروبيون اليوم كيفيّة ضمان وجود أوكرانيا في موقع القوّة خلال أي محادثات سلام مستقبليّة مع روسيا وفقًا لمبدأ سَنّته رئيسة المفوضيّة الأوروبيّة قبل أسابيع وهو «السلام من خلال القوّة».

سلام لم تتبلور أسسه الواضحة بعد، ما زال مجرّد أفكار مطروحة، سواء من خلال إرسال قوات حفظ سلام أو تجميد للنزاع وفق النموذج القبرصي أو غيرها من الأفكار. أفكار حتى اليوم لا يبدو أنّها تلاقي قبولًا من أطراف مختلفة، ولا سيّما من الجانب الروسي، وإنّما هو سلام يعكس مسار الدعم الواضح لاستكمال الحرب القائمة وتوفير كلّ ما تحتاج إليه أوكرانيا من أجل الصمود في مواجهة روسيا، إلى حين تبلور الظروف المثلى لهذا السلام. فالحرب الروسيّة – الأوكرانيّة بالنسبة إلى القوى الأوروبيّة ليست تنافسًا جيوسياسيًا بين القوى الكبرى فقط، وإنّما هي خطر حقيقي على وجودها ووحدتها وبقائها، تحدث على «عتبة» حدودها. من هنا أهميّة ضمان موقع القوّة لأوكرانيا، الدّولة الحاجز، من أجل ضمان موقع القوّة للاتحاد الأوروبي في معادلة توازن القوى مع روسيا.

في ظلّ كلّ هذه المخاوف الأوروبيّة وانعدام الثقة والخشية من روسيا، كما والتباعد في الرؤية ما بين القوى الأوروبيّة والولايات المتحدة، يتوجّب على أوكرانيا اليوم دراسة الوقائع بصورة عقلانية ووفق المصلحة الأوكرانيّة الصرف، من أجل تحديد الطريق الأمثل، الذي يفتح لها باب الحلّ ويؤمّن لها الأمن والاستقرار، حتى ولو توجّب دفع أثمان باهظة؛ فسلامة ما تبقى يستحق كلّ التضحيات وكلّ الجهود، ويبقى الخوف من استمرار الحرب، إذا ما استمرت، أن تكون دون أفق واضح، تكلّف أوكرانيا المزيد من الخسائر والتضحيات.

خاتمة

في ضوء المتغيّرات الكبرى التي تجري على الساحة الدّوليّة وما تطلقه من ديناميات، نشهد ارتداداتها في ساحات متعدّدة من العالم؛ ديناميات يفرضها النظام الدّولي الفوضوي، تُترجَم، بحسب النظريّة الواقعيّة، تنافسًا وصراعًا على القوّة والنفوذ والأدوار بين القوى الكبرى ومحاولات لرسم خرائط نفوذ جديدة، ظهرت اليوم فرصة جديّة لإخراج أوكرانيا من معاناتها وإعادة السلام إليها وإلى نظامها.

فرصة لأوكرانيا، الدّولة الحاجز، قد يوفّرها سعي الرئيس ترامب إلى اتفاق سلام بين القوى الكبرى، يتيح لأوكرانيا استعادة دورها وموقعها. يكون ذلك، ربّما، من خلال التوّصل إلى تسوية تؤمّن حياد أوكرانيا، بحيث تصبح حاجة لجميع الأطراف المتنازعة، تتحول معه من ساحة للخصومات والخلافات وتضارب المصالح إلى واحة للتلاقي والتعاون والسلام.

فرصة سانحة اليوم، تواجه تحديّات عديدة، بسبب انعدام الثقة والخوف بين مختلف القوى، قد تُخرج الجميع من مآزقهم ومن تدحرج الأمور نحو «الـصدام الكبير»، هذا إذا ما تلاقت جميع الإرادات على اقتناص هذه الفرصة. فإذا ما تمّ تجاوزها، وذهبت بعض الأطراف، ولا سيّما القوى الأوروبيّة، إلى استكمال الحرب، حتى تحقق «السلام من خلال القوّة»، ولو من دون الدعم الأمريكي، قد نكون أمام مزيد من العنف ومن دفع أوكرانيا للمزيد من الأثمان على خريطة النفوذ والقوّة. فهل سنشهد على حلّ أم على فصول جديدة من الأزمات والنزاعات نتيجة استمرار القوى الأوروبيّة في المواجهة الشاملة ومحاولاتها لاستعادة الدور كشريك فعلي وأساسي على رقعة الشطرنج الدّوليّة المستقبليّة؟

المصادر:

نُشرت هذه الدراسة في المجلة العربية للعلوم السياسية العدد 12 سنة 2025.

حقوق الصورة محفوظة لوكالة “رويترز”.

هناء اسطفان: باحثة في العلاقات الدولية.

[1]    يعرّف أوران يونغ في كتابه الوسطاء (Intermediaries) الأزمة على أنّها أحداث سريعة تؤدي إلى زيادة عدم الاستقرار في النظام القائم إلى درجة غير عاديّة تزيد من احتمال استخدام العنف. وهي أيضًا: «حدث مفاجئ يطال مصالح الأمة، ويتم التعاطي معه بما تيسّر من الوقت والإمكانيات، ويترتب على تفاقمه نتائج خطيرة». انظر: Loiyed W. Singer and Jour Reber, «A Crisis Management System Security Management,» New York University of Science (September 1987), pp. 8-9.

انظر أيضًا: رواد غالب سليقة، إدارة الأزمات الدوليّة في ظلّ الأمن الجماعي، إشراف كمال حماد (بيروت: منشورات الحلبي الحقوقيّة، 2014)، ص 30 – 31.

[2]    إنّ الفوضويّة (Anarchy) أو غياب السلطة المركزيّة في نظر كينيث والتز، في كتابه «الإنسان، الدولة، والحرب: التحليل النظري»، هي المبدأ المنظّم للنظام الدّولي. والدّول هي وحدات النظام الدّولي، وهي تريد البقاء. وفي ظلّ الفوضويّة، تسعى كل دولة للاعتماد على نفسها، إذ إنّه في سياق الفوضويّة، كل دولة غير متأكّدة من نيات الدّول الأخرى وخائفة من التعاون المتبادل، إذ قد يصب في مصلحة دول أخرى أكثر من مصلحتها الخاصة. أمّا النظام الدولي فيمكن تعريفه على أنّه «مجموعة من الوحدات التي ترتبط في ما بينها بعلاقات لها أنماط محدّدة، ويتميز بإمكانية الاتصال والتأثير المتبادل ببن الوحدات ضمنه». انظر: ليلى نقولا، العلاقات الدّوليّة من تأثير القوّة … إلى قوّة التأثير: مقاربة لفهم تطوّر مضامين العلاقات الدّوليّة منذ وستفاليا لغاية اليوم (بيروت: مكتبة جوزيف عون الحقوقيّة، 2019)، ص 177.

[3]    أنهى سلام وستفاليا عام 1648 الحروب الدينيّة المدمرّة بين الدول الكاثوليكيّة والدول البروتستانتيّة وأدى إلى الاعتراف بسيادة الدولة المطلقة على أراضيها وباستقلال الدولة عن الكنيسة وأرسى نظامًا دوليًا جديدًا.

[4]    نقولا، المصدر نفسه، ص 35.

[5]        Antonio Cassese, International Law in a Divided World (Oxford: Clarendon Press, 1986), p. 37.

[6]    والنظريات في العلاقات الدّوليّة هي الأطر أو النماذج التي تساعدنا على فهم الواقع التجريبي وتكوين الفرضيات واستشراف المستقبل. وهناك العديد من النظريات المتعلقة بالعلاقات الدوليّة، يمكن تقسيمها إلى ثلاث فئات عريضة: الواقعيّة والليبراليّة والبنائيّة. إضافة إلى غيرها من النظريات التي لا تتناسب تمامًا معها، مثل نظرية التبعية والماركسية…

[7]    Kenneth N. Waltz, Man, the State, and War: A Theoretical Analysis, rev. ed. (New York: Columbia University Press, 2001).

[8]    إنّ التأثير الذي تمارسه الأمم المتحدة على الدّول هو ضعيف، بفعل حقّ النقض الذي يمتلكه الأعضاء الدائمون في هيئة صنع القرار الرئيسيّة فيها أي مجلس الأمن الدّولي، ما يسمح للقوى الكبرى الدائمة العضويّة بمنع وتقييد السياسات التي لا تتناسب مع مصالحها وسياساتها واستراتيجياتها. إضافة إلى ذلك فالمؤسسات الدّوليّة، بحسب ميرشايمر، في كتابه مأساة سياسات القوى العظمى، يتمّ خلقها وتشكيلها (وتمويلها) من جانب القوى الكبرى كي تكون في حقيقتها ميادين لاستعراض علاقات القوّة. وبالتالي تمتلك القوى المؤسّسة قدرة تعطيلها إذا ما تعارضت مع سياساتها.

[9]    John. J. Mearsheimer, The Great Delusion: Liberal Dreams and International Realities (New Haven, CT: Yale University Press, 2018).

[10]   Robert Dahl, Politics: Who Gets What, When and How (New Haven, CT: Yale University Press, 1966), p. 45.

[11]   Hans Morgenthau, Politics Among Nations: The Struggle for Power and Peace (New York: Alfred A. Knopf, 1948).

[12]   Hans J. Morgenthau, Politics Among Nations: The Struggle for Power and Peace, 4th ed. (New York: Alfred A. Knopf, 1967), pp. 25-26.

[13]   Hedley Bull, The Anarchial Society: A Study of Order in World Politics (London: Macmillan Press Ltd, 1995), pp. 97-99.

[14]       Ibid., pp. 102-103 and 107.

[15]   إنّ كلمة «الهيمنة» مشتقة من اليونانيّة hĕgemonía وهي تعني «القيادة والحكم». أمّا في العلاقات الدّوليّة، فهي تشير إلى تركيز القدرات النسبيّة في يد دولة واحدة، أو وجود دولة تبحث عن قيادة دوليّة، أو موافقة عامة في المجتمع الدّولي، في ما يتعلق بالتبعيّة لنظام مركزي، أو مزيج من هذه الظواهر. انظر: نقولا، العلاقات الدّوليّة من تأثير القوّة … إلى قوّة التأثير: مقاربة لفهم تطوّر مضامين العلاقات الدّوليّة منذ وستفاليا لغاية اليوم، ص 369. أمّا جون ميرشايمر فيعرّف الهيمنة على أنّها «دولة قويّة لدرجة أنّها تسيطر على جميع الدّول الأخرى في النظام» وأنّه «لا يوجد دولة أخرى لديها القوّة العسكريّة اللازمة لخوض قتال جاد ضدّها».

[16]   John Mearsheimer, The Tragedy of Great Power Politics (New York: Norton and Company, 2001).

[17]   John Herz, “Idealist Internationalism and the Security Dilemma,” World Politics, vol. 2, no. 2 (1950), pp. 171-201.

[18]   مثلًا، عرّف بوتير (Potter) الدّولة الحاجز على أنّها «دولة ضعيفة، صغيرة في الحجم، ليس لديها، ربّما، سياسة خارجيّة إيجابيّة خاصة بها، تقع بين دولتين قويتين أو أكثر وتعمل بالتالي على منع العدوان الدّولي». وهي، بحسب ماتيسين (Mathisen) «دولة صغيرة مستقلّة، تقع بين دولتين (أو كتلتين) أكبر حجمًا، وعادة ما تكونان متنافستين. ويبدو أنّه، من الطبيعي التفكير بها كنوع من الحاجز السياسي الذي يعمل على تقليل مخاطر الصراع بين جيرانها الأكبر». وهي، على ما عرّفها زيرينغ (Ziring)، هي «لاعب أقّل (في العلاقات الدّوليّة)، محصورة بين كيانات أكثر قوّة وطموحًا وعدوانيّة في كثير من الأحيان».

[19]   Wight 1995 in: Leila Nicolas, Global and regional Strategies in the Middle East in Pursuit of Hegemony (London: Routledge, 2024).

[20]   الحياد في اللغة اللاتينيّة neutralis، مشتق من كلمة neuter (ne uter أي لا هذا ولا ذاك). والحياد يعني تبنّي دولة معيّنة كسويسرا مثلًا، موقفًا، يبعدها عن سياسة الأحلاف والتكتلات والمحاور؛ أي أن ترغب الدّولة، في أن تنأى بنفسها، عن النزاعات والصّراعات، بما يعني خيار الدّولة، في أن تُجّنب شعبها وأرضها مختلف الاحتمالات والتأثيرات السلبيّة الناجمة عن النزاعات المسلحة.

[21]  John Chay and Thomas E. Ross, Buffer States in World Politics (London: Routledge, 2018), p. xiii.

[22]       Nicolas, Ibid.

[23]   William B. Taylor, «Ukraine Considers Neutrality: Will Putin Respond?,» United States Institute of Peace, 31 March 2022, <http://www.usip.org/publications/2022/03/ukraine-considers-neutrality- will-putin-respond> (accessed on 9 March 2025),

[24]   إنّ خيار الدولة التابعة ينجم عن:

-احتدام التنافس بين القوّتين الأكبر المتجاورتين، بحيث لا يعود هنالك من إمكانيّة إلّا باختيار طرف واحد.

-تحوّل دراماتيكي في القدرة، لمصلحة قوّة من القوى الكبرى على حساب القوّة الأخرى، قد يدفع بالدّول الحاجز باتجاه الدّولة الأقوى.

-انشقاق داخلي، يهدّد باضطرابات داخليّة، تحتّم سعي طرف من الأطراف المتعارضة للحصول على دعم خارجي.

[25]   تتمتع أوكرانيا بموقع جيواستراتيجي، وفقًا لنظريّة ماكيندر، يتمثل بأنّه محور منطقة الـ «heartland قلب العالم». فبالنسبة إلى ماكندر من يسيطر على «قلب العالم» فإنّه يسيطر على الجزيرة العالميّة. ومن يسيطر على الجزيرة العالميّة يسيطر على العالم. واستراتيجيّة روسيا بحسب دوغين تتماهى مع النظريّة الأوراسيّة.

[26]   يرى ألكسندر دوغين في كتابه الجيوبوليتيكا أنّ «العامل الأوكراني يمثل النقطة الأضعف في الحزام الروسي الغربي». ويشدّد دوغين على خطورة نقطة الضعف الأوكرانيّة، ويستكمل بربطها بنطاقات المدى الجيوبوليتيكي الروسي الأخرى. من هنا اضطرار روسيا، إلى التوسع غربًا لصنع مسافة فاصلة عن حدودها وعاصمتها.

[27]   إنّ محورية الصراع على أوراسيا تظهر أيضًا في قراءة بريجينسكي في كتابه رقعة الشطرنج فهو يربط مصير السيطرة الأمريكيّة بمنع أي قوّة أخرى من التمدّد في المنطقة الأوراسيّة والمقصود بطبيعة الحال هي روسيا. فهو يؤكّد أنّه في حال «تمدّد أي قوّة في أوراسيا فإن أميركا تخسر هيمنتها، ويصبح من الواجب ألا تكون أي قوّة أوراسيّة منافسة قادرة على السيطرة على أوراسيا، وبالتالي منافسة الولايات المتحدة».

[28]   الثورة البرتقاليّة هي نوع من أنواع الثورات الملوّنة. والثورة الملوّنة مصطلح يطلق على أعمال التّحرّكات والتظاهرات الشبابيّة المطلبيّة المنظمّة، وهي تظاهرات سلميّة لاعنفيّة، يحمل فيها المتظاهرون شارات وأعلامًا ذات لون يميّزها تُعرف به.

[29]   منها على سبيل المثال محادثات السلام على الحدود مع بلاروسيا والتي لم تفضِ إلى أي نتائج ملموسة، ثم محادثات أنطاليا في تركيا (10 – 14 آذار/مارس 2022) والتي كادت أن تفضي إلى حلول؛ غير أنّها ومع الأسف لم تنجح. وإنّما هذه المفاوضات أدّت إلى محادثات إسطنبول التي اقترحت إنهاء مشاريع أوكرانيا بالانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وضع حدود لقواها العسكريّة… محادثات كادت أن تفضي إلى اتفاق من كلا الطرفين قبل أن تتوقف في أيار/مايو 2022 بفعل أمور كثيرة، من بينها مجزرة بوشا (Bucha Massacre)، وبفعل التدخل الغربي، وبوجه خاص، تدخل الرئيس الأسبق للوزراء البريطاني بوريس جونسون لإجهاض هذا الاتفاق مقدمًا الدعم الغربي لأوكرانيا للاستمرار بالحرب من أجل إضعاف روسيا.

[30]   الحياد المسلّح هو موقف تتخذه دولة أو مجموعة من الدّول، تؤكّد فيه أنّها ستتخذ كلّ التدابير العسكريّة وغيرها من أجل الدفاع عن نفسها في وجه أيّة قوّة أو دولة تحاول خرق حيادها.

[31]   بحسب التقديرات، تسيطر روسيا الآن على ما يقل قليلًا عن خمس أراضي أوكرانيا، أي نحو 113 ألف كيلومتر مربع.


مركز دراسات الوحدة العربية

فكرة تأسيس مركز للدراسات من جانب نخبة واسعة من المثقفين العرب في سبعينيات القرن الماضي كمشروع فكري وبحثي متخصص في قضايا الوحدة العربية

مقالات الكاتب
مركز دراسات الوحدة العربية
بدعمكم نستمر

إدعم مركز دراسات الوحدة العربية

ينتظر المركز من أصدقائه وقرائه ومحبِّيه في هذه المرحلة الوقوف إلى جانبه من خلال طلب منشوراته وتسديد ثمنها بالعملة الصعبة نقداً، أو حتى تقديم بعض التبرعات النقدية لتعزيز قدرته على الصمود والاستمرار في مسيرته العلمية والبحثية المستقلة والموضوعية والملتزمة بقضايا الأرض والإنسان في مختلف أرجاء الوطن العربي.

إدعم المركز