لا نرى براءة تلحق الاختراع من غير براعة تسبق الإبداع؛ فذاك من ذاك. لقد بات الابتكار العلمي الذي يعكس براعة العلماء والباحثين يمثل مدخـلاً لمزيد من التقدم والتطور المستمرين، إذ إن هناك اتفاقاً بشرياً على أنه لا يمكن للمجتمعات أن تنمو وتستقر ما لم تحقق الاكتفاء الذاتي في إنتاجها المحلي النابع من إبداعاتها العلمية وابتكاراتها المتجددة من داخل عمقها الحضاري. ففي الوقت الذي حافظت الدول الصناعية الكبرى على وتيرتها المتصاعدة في تسجيل أعداد كبيرة من براءات الاختراع، بل نخالها زادت ونمت؛ نلفي الأمة العربية قد رضيت بذيل القائمة.

نقدم في هذا العمل التقييمي وضعية براءات الاختراع في الوطن العربي كونها تمثل مؤشراً مهماً لقياس أعمال البحث والتطوير والإبداع التكنولوجي على مستوى المؤسسات الصناعية وكذا الجامعات والمراكز البحثية؛ حيث يمكن استعمال براءة الاختراع بوصفها مؤشراً للمقارنة بين المؤسسات الصناعية والدول.

أولاً: براءات الاختراع: مدخل تاريخي

يكون المبدع أو المبتكر عاجزاً عن الوصول إلى العمق المعرفي والفلسفي والعلمي إن لم يكن قد ورث أسئلة ظلت حبيسة الإرث البشري؛ لأن السؤال يستجلب الدهش والاستغراب والحيرة، فما يدهش المبدع الأصيل عبر الأسئلة الكبرى المثارة، في مكنته أن يفتح له أفق الذكاء ويوسِّع مداركه. وإذْ نلفي الدهش يفضي إلى مسالك المغامرة، فإن الكشف هو نتيجة إقدام وجرأة أكثر من أن يكون حصيلة عملية تفكير منطقية؛ ففي معظم الحالات بدأ الاختراع بفكرة، وهي ما عبَّر عنه أحد علماء الهند بالقول: «إن نظام الابتكار ليس موضوعاً يدرس، بل هو ما يدور في عقولكم»‏[1]. هذه الفكرة التي تدور في عقول المهووسين بالابتكار قادت إلى تجارب واختراعات، وهي «غالباً ما يليها التخلي عن الفكرة، ليتم التقاطها في وقت لاحق، وعلى الأغلب من شخص آخر. فقط عندما يأتي شخص يملك من الإصرار والمثابرة ما يكفي ليصل بالفكرة إلى ختامها، وليخلق منها منفعة عامة، يعرف هذا الشخص بـ «المخترع». كانت هذه الحال مع كل الآلات التي غيرت حياتنا، مع الآلات التي تعمل بالبخار، السفينة البخارية، المحرك البخاري، والتلغراف»‏[2].

لا شكَّ في أن الاختراعات قديمة؛ ولكن الاختراعات المؤسسية التي غيَّرت حياة البشرية وأوقفتها على نقلة نوعية كانت اختراعات حديثة العهد، إذْ جمعت بين العلم والفلسفة، ومن ثم كانت مقدمة لدخول الغرب المتخلف منطقة حضارية لم يكن يتنبأ بها أحد سوى العلم نفسه على هيئة ابتكارات واختراعات كانت سبباً في توسيع دائرة سوق العلم في أنحاء العالم. وحيث إن العلم كتابةٌ فقد كانت كتابة العلم أم الاختراعات. إن «استحداث يوهان غونتبرغ لحروف الطباعة المتحركة في منتصف القرن الخامس عشر كان له أثره الواضح في النشاط الذي أصبح معروفاً فيما بعد باسم العلم، وأسهمت الاكتشافات في استحداث تكنولوجيا جديدة وتطوير سفن للملاحة قادرة على عبور المحيطات، وأدى كل هذا إلى تحول عام للمجتمع»‏[3].

كما هو معلوم، أنشئت براءة الاختراع بوصفها أداة ووسيلة لحماية الملكية الصناعية الفكرية من السرقة أو الاستخدام أو بيع الاختراع إلا بحصول إذنٍ من صاحب براءة الاختراع، ومن ثم هي حق وامتياز، وهي أيضاً «إجازة قانونية تعطي صاحب البراءة حق التحكم في إنتاج اختراعه واستخدامه والمتاجرة فيه لمدة عشرين عاماً. ولا يمكن تجديد براءة الاختراع»‏[4]. كما تُعرف براءة الاختراع بأنها شهادة تمنحها الدولة بواسطة هيئة عمومية مختصة للمخترع لقاء إنجازه غير المسبوق، وكي يثبت له حق احتكار استغلال اختراعه مالياً ولمدة زمنية محدودة وفي ظروف معينة، ومن ثم هي بمنزلة المقابل الذي تقدمه الدولة للمخترع تقديراً لجهوده واعترافاً بحقه المطلق في التصرف في الاختراع بما يمليه القانون.

في فترة الثمانينيات من القرن الماضي كانت أمريكا تتربع على عرش براءات الاختراع؛ إذْ «تبقى السباقة في تحثيث الاختراعات الناجحة والمهمة وذلك من حيث عددها. فمن ضمن الـ 500 اختراع بين سنتي 1953 و1973، هناك 319 اختراعاً من أصل أمريكي و85 من أصل إنكليزي، بينما 34 اختراعاً كانت من أصل ياباني و33 من أصل ألماني»‏[5].

لقد باتت براءات الاختراع وسيلة نبيلة للنهضة التكنولوجية ومؤشراً حضارياً على التطور التكنولوجي والتنافس التقني بين الدول؛ ومع ذلك فإن الاختراع شيء والحصول على البراءة شيء آخر. ولا يحصل الجمع بين البراءة والاختراع إلا إذا كان الاختراع يضيف إلى إنجازات المجتمع العلمي الدولي، فمثـلاً «أكثر ثلاث شركات هندية تمكنت فقط من تقديم 150 طلب حصول على براءة في العام 2009، ولم تُمنح براءات الاختراع إلا لأقل من اثني عشر طلباً فقط»‏[6].

يكشف الإحصاء السنوي للمنظمة العالمية للملكية الفكرية عن هوة واضحة بين عدد طلبات براءات الاختراع العربية المقدمة لديها عبر معاهدة التعاون بشأن البراءات، وبين ما توصلت إليه بعض دول المنطقة؛ إلا أن نقطة الضعف الأبرز عربياً في مجال إنتاج المعرفة هي براءات الاختراع؛ إذْ بلغ مجموع براءات الاختراع المسجَّلة في جميع الدول العربية من سنة 1963 إلى 2013 نحو 1821 براءة اختراع جلها لغير المقيمين‏[7]. علماً أن في «العراق كان يوجد قانون لبراءات الاختراع منذ عام 1935 هو القانون رقم (61) لعام 1935. وأصدرت مصر قانوناً في حقل براءات الاختراع هو القانون رقم (132) لعام 1949»‏[8].

ووفقاً للبيانات الرسمية الحديثة الصادرة من مكتب براءات الاختراع والعلامة التجارية الأمريكية (USPTO)؛ فإنه في عام 2015 منحت فقط 325,979 براءة اختراع لمختلف بلدان العالم العربي‏[9].

ثانياً: حماية الملكية الفكرية في الوطن العربي

سارعت الدول العربية مثل غيرها من دول العالم إلى توفير الحماية لجوانب الملكية الفكرية كافة بما يسمح بتعزيز مستويات نقل التكنولوجيا وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وتنمية القطاعات المعرفية لدعم الأداء الاقتصادي بتلك البلدان وتوفير وإتاحة سبل المعرفة للارتقاء بمستوى رأس المال البشري. ولكن على الرغم من الجهود المشار إليها؛ إلا أن البلدان العربية لا تزال تواجه الكثير من التحديات على صعيد حماية الملكية الفكرية بما يحول دون تحقيق الاستفادة القصوى من الجهود المبذولة في هذا الصدد سواء بسبب قصور أو عدم تطور تشريعاتها بما يكفي، أو بسبب الإطار المؤسسي والتنظيمي غير الملائم، أو حتى على صعيد الحاجة إلى المزيد من التنسيق الفاعل بين البلدان العربية كمجموعة في ما يتعلق بالجهود المبذولة لحماية الملكية الفكرية والتفاوض بشأنها مع باقي الدول والمنظمات العالمية المعنية.

انضمت أغلبية الدول العربية لأهم ثلاث اتفاقيات دولية توفر الحماية للملكية الفكرية، وهي: اتفاقية باريس لحماية الملكية الصناعية عام 1883، واتفاقية برن لحماية المصنفات الأدبية والفنية عام 1886، واتفاقية إنشاء المنظمة العالمية للملكية الفكرية عام 1970.

علاوة على ذلك؛ فإن مدة الحماية في الوطن العربي – ومصر نموذجاً – تصل إلى خمس سنوات قابلة للتجديد؛ ولكن اتفاقية الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية فرضت عشر سنين لحماية الملكية قابلة للتجديد خمس سنوات أخرى؛ حيث التزمت بها مصر وباقي البلدان العربية‏[10].

تستجلب الملكية الفكرية منافع كثيرة لاقتصاد بلد ما؛ وغيابها أو عدم الحصول عليها يُبقي البلدان في مواقع متأخرة بحيث لا تنفع نفسها ولا ينتفع بها غيرها، كما هو الحال البائس في البلدان العربية ولا سيَّما النفطية الجاهزية النفع؛ حيث نلفي فيها الملكية الفكرية لا يحرسها قانون، وإنْ وجدت فيها براءات اختراع فإن أصحابها يعدمون حقوقهم المعنوية والمادية، علاوة على غياب التشجيع والتنفيع؛ فتكون البلدان النافعة والمنتفعة وجهتهم بعدما يضيق بهم الحال وتنقطع بهم السبل؛ حيث «ترى المقاربة النفعية للملكية الفكرية أن الملكية الفكرية يمكن تبريرها على قدر ما تسهم في تقدم العلم والتكنولوجيا»‏[11].

ومع ذلك تبقى الملكية الفكرية ذات طابع اقتصادي مادي للشركات الرأسمالية المتعددة الجنسية التي تحتكر براءات الاختراع، كما أنها تجعل الاختراعات غير فاعلة إذا كانت لا تخدم أغراض هذه الشركات الاستثمارية. ففي الأرجنتين مثلاً، المشجعة للاستثمارات الرأسمالية الأجنبية، هناك «58 براءة لم يجر الاستفادة منها على الإطلاق»‏[12]. وعليه فإن «الغرض من مكتب البراءات هو تعزيز الابتكار بتشجيع الناس على التقدم على حقوق ملكية خاصة قدر الإمكان. وقد اتهم بخفض المعايير لإرضاء زبائنه»‏[13]. وهذا ما يسمى تسليع الملكية الفكرية.

طبعاً، إن ظهور مصطلح ابتكار وبداية استعماله في قاموس الاقتصاديين، كان بفضل جوزيف شومبيتر (Schumpeter, 1939)، الذي أبرز وبيَّن أن الابتكار ظاهرة مسؤولة في المشاريع الاقتصادية؛ حيث يُتحدث عن المقاول بالإشارة على أنه شخص مبتكر؛ حيث إن عملية الابتكار ينتج منها عمل جديد يرضي الناس‏[14].

ثالثاً: الأهمية الاقتصادية والتكنولوجية لبراءات الاختراع

لبراءات الاختراع أهمية كبرى للبلد الأصل أو البلد المضيف أو البلد الراعي؛ إذْ من الممكن لبراءات الاختراع أن تفصِّل حلولاً عاجلة ومناسبة وحاسمة لمشاكل اقتصادية وعسكرية وصحية، علاوة على ذلك، بإمكانها أن تقدِّم خدمة مادية ومعنوية للمجتمع؛ فتغير من نمط حياته إلى الأفضل؛ إذْ تكمن أهمية الحصول على البراءة في الحفاظ على حق المبتكر أو المبدع الذي قام بابتكارها.

على الرغم من أن العديد من الجامعات في العالم تشجع على الابتكار والاختراع، وتسهب في الحديث عن الملكية الفكرية للجامعة وفوائدها، وتشجع الباحثين فيها على الابتكار والأصالة في البحوث التي يقوم بها أعضاء هيئة التدريس وطلبة الدراسات العليا؛ إلا أن الجامعات تتباين في مدى جديتها في اتخاذ الخطوات العملية لتنظيم أو تدوين ما تنتجه من اكتشافات، والسعي لحماية ممتلكاتها الفكرية الناجمة عن البحث العلمي، إذْ إن هناك بعض الجامعات لا تهتم بالبحوث ولا بما قد ينجم عنها من ابتكارات، نظراً إلى انهماكها في الشؤون الإدارية، وتوجه جل اهتمامها إلى النواحي الأكاديمية. كما أن هناك جامعات تهتم بالبحوث النظرية والعلوم الأساسية، ولا تكترث بتطبيقات نتائج تلك البحوث التي تنتجها، أو أنها لا تدرك قيمة الثروة العلمية التي تنتجها عقول العاملين بها؛ ما يؤدي إلى عدم الاهتمام بالنفائس العلمية التي أنتجتها العقول البشرية.

لننظر في إحصاءات عدد طلبات براءات الاختراع في الوطن العربي من ســـنة 1966 حتى ســنة 2016 كما هو مبين في الشكل الرقم (1)، سنلفي ركوداً وحالة من التردي من سنة 1966 حتى سنة 2000؛ بينما حصل تحسن بعد سنة 2005.

إن التراجع العربي واضح جداً؛ ففي عام 1964 سجلت إيران 80 طلباً لتسجيل براءة الاختراع للمقيمين؛ بينما سجَّل العراق 130 طلباً، وبعد أكثر من نصف قرن باتت إيران التكنولوجية والنووية تسجِّل سنوياً أكثر من 13,680 طلباً للمقيمين فيها بخلاف العراق الذي تراجع القهقرى على نحوٍ لا يخدم اقتصاده في الأجل المتوسط‏[15].

ما من شك في أن تدني عدد طلبات الحصول على براءات الاختراع، يرجع إلى ندرة البحوث العلمية في مختلف الميادين، وكذلك إلى قتور واضح في الإنفاق على البحث العلمي والتطور التقني؛ إذْ يبلغ هذا الإنفاق مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي 0.2 بالمئة في الأردن ومصر، ونحو 0.4 بالمئة في السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر، في حين تصل النسبة إلى 3.3 بالمئة في السويد واليابان. أما عن الصين التي استفادت من براءات الاختراع في تحسين وضعها الاقتصادي والتكنولوجي والاجتماعي إلى حد بعيد مقارنة بالوضع المزري الذي كانت عليه في العقود الماضية من القرن المنصرم؛ فهي تتصدَّر حالياً دول العالم في طلبات براءات الاختراع؛ إذ سجلت نمواً في عدد طلبات براءات الاختراع سنوياً بأكثر من 10 بالمئة على مدى عشر سنين، ومن ثم هي تحتل المركز الثالث بعد الولايات المتحدة الأمريكية واليابان، وهي تخطط للانتقال إلى المركز الأول خلال عامين قادمين إذا حافظت على هذه النسبة العالية من طلبات براءات الاختراع‏[16].

الشكل الرقم (1)

طلبات تسجيل براءات الاختراع في الوطن العربي في الحقبة 1966-2016

المصدر: من عمل الباحثين.

رابعاً: عرض تقييمي للنشاط العلمي في ميدان براءات الاختراع حسب البلدان العربية

إذا أجرينا قراءة عميقة في إحصاءات عام 2014 – على سبيل المثال – وفي ما يخص عدد طلبات براءات الاختراع لكل مليون نسمة من السكان، نلفي الإمارات العربية المتحدة قد سجلت الرقم القياسي العربي، وذلك بطلب 1,471 براءة اختراع أغلبها من غير المقيمين، تليها مصر والمغرب والجزائر ثم السعودية، كما هو مبين في الشكل الرقم (2)؛ بينما وصل الطلب على براءة الاختراع إلى 13,802 طلب في إيران، و7620 طلباً في ماليزيا، كما هو مبين في الشكل الرقم (3).

كما تشير بيانات تقرير المنظمة العالمية للملكية الفكرية الويبو (WIPO) إلى أن عدد طلبات الحصول على براءات الاختراع المقدمة للاعتماد في البلدان العربية، سواء من مقيمين أو غير مقيمين لم تتعد 9,000 طلب في عام 2014 كما هو مبين في الشكل الرقم (2)، في حين بلغ عدد الطلبات المقدمة في العام ذاته في دولة نامية واحدة فقط مثل جنوب أفريقيا نحو أكثر من 7,000 طلب في العام ذاته كما في الشكل الرقم (2)‏[17]. وهو ما يعكس إلى حد كبير تواضع مستوى مخرجات قطاعات التعليم في البلدان العربية ومحدودية أنشطة البحث العلمي والابتكار والإبداع في بلدان المنطقة مقارنة بغيرها من البلدان النامية الأخرى. وكغيرها من بلدان العالم تمثل طلبات الحصول على البراءة المقدمة من غير المقيمين النسبة العليا من عدد الطلبات بينما لا تزال نسبة الطلبات المقدمة من المقيمين محدودة جداً في البلدان العربية. أما في ما يتعلق بعدد براءات الاختراع الممنوحة فعلياً لعام 2014، فقد بلغت 7,538 براءة في البلدان العربية مجتمعة خلال عام مقارنة بنحو 5,065 براءة ممنوحة في جنوب أفريقيا؛ حيث تتصدر مصر البلدان العربية من حيث عدد طلبات الحصول على براءات الاختراع بإجمالي 2,136 طلباً، بينما تتصدر الجزائر الدول العربية من حيث عدد البراءات الممنوحة بإجمالي 5,372 طلباً.

الشكل الرقم (2)

عدد طلبات الحصول على براءة الاختراع والبراءات الممنوحة في البلدان العربية سنة 2014

المصدر: من عمل الباحثين بالاعتماد على: World Intellectual Property Indicators, World Intellectual Property Organization, WIPO Economics and Statistics Series, Statistical Appendix, 2014.

الشكل الرقم (3)

مقارنة بين إجمالي البلدان العربية وبعض البلدان النامية سنة 2014

المصدر: من عمل الباحثين.

يستعرض الشكل الرقم (4) آخر إحصاءات عدد طلبات الحصول على براءات الاختراع المقدمة للاعتماد في البلدان العربية وبراءات الاختراع الممنوحة لسبع بلدان عربية سنة 2017؛ حيث أضيفت إليها العراق والكويت وقطر؛ بينما لا يوجد بيانات عن الجزائر ومصر ولبنان.

تعد قاعدة المعلومات المتعلقة بعدد براءات الاختراع مصدراً مهماً للمعلومات عن الابتكار التكنولوجي وهو مؤشــــر جيد، وذلك باعتباره منتجاً للبحث والتطوير في بلد ما. يستعرض الجدول الرقم (1) عدد البراءات الممنوحة للبلدان العربية من سنة 2013 حتى 2017 بحسب تقرير المنظمة العالمية للملكية الفكرية الويبو (WIPO). نلاحظ في السنتين 2013 و2014 أن الجزائر كانت سبَّاقة في هذا المجال؛ فقد حصلت على 5127 براءة اختراع سنة 2013 و5372 براءة اختراع سنة 2014، وجاءت تونس في المركز الثاني بـ 589 براءة سنة 2015؛ بينما احتلت مصر المركز الثالث برصيد 415 براءة سنة 2015، وجاءت الجزائر في المركز الرابع برصيد 353 براءة اختراع سنة 2015، وحدثت تغيرات كمية ونوعية سنة 2016. بينما تصدرت السعودية الدول العربية في سنتي 2015 و2016 برصيد 763 و595 براءة اختراع على التوالي. في سنة 2017 جاءت تونس في الصدارة بـ 555 براءة اختراع تليها السعودية ثم المغرب. ونشــــير هنا إلى أن ما يقرب من نصف البلدان العربية يوجد في قائمة البلدان المبتكرة، وهي: السعودية والإمارات وقطر ولبنان والأردن والكويت واليمن وتونس والمغرب ومصر والجزائر؛ بينما بقية البلدان العربية تكاد تكون غائبة تماماً عن هذا المضمار البحثي، وذلك مقارنة ببعض البلدان النامية، مثل: ماليزيا وتركيا وجنوب أفريقيا وإيران كما مبين في الجدول الرقم (1).

الشكل الرقم (4)

عدد طلبات الحصول على براءات الاختراع وبراءات الاختراع الممنوحة في البلدان العربية سنة 2017

المصدر: من عمل الباحثين بالاعتماد على

World Intellectual Property Indicators (2018), World Intellectual Property Organization, WIPO Economics and Statistics Series, Statistical Appendix

نلاحظ في الشكل الرقم (5) الذي يقارن بين بلدان عربية وبلدان نامية أخرى، أن خمـسة بلدان عربية حصلت على الجزء الأكبر من براءات الاختراع الممنوحة في البلدان العربية بأهمية نسبية تصل إلى نحو 91 بالمئة من إجمالي البراءات الممنوحة في الأعوام 2013 – 2017، وهي: الجزائر ومصر والإمارات العربية المتحدة والمغرب والسعودية، تليها الأردن وتونس وقطر ولبنان، ثم البحرين واليمن والسودان؛ أما باقي البلدان العربية فقد تعذَّر الحصول على معلومات عنها.

من وجهة أخرى نجد أن ترتيب الجامعات وتصنيفها محلياً وعالمياً له علاقة بعدد براءات الاختراع داخل كل جامعة على حدة. فمثـلاً حققت الجامعات الجزائرية منذ تأسيسها الكثير من الإنجازات الكمية؛ لكنها في الوقت ذاته استطاعت وبإمكانات متواضعة أن تحقِّق بعض الإنجازات النوعية التي يجب أن تسهم في التنمية الاقتصادية، مثلما هو الشأن بالنسبة إلى عدد براءات الاختراع بوصفها مؤشِّراً مهماً للابتكار الذي حقَّقه عدد من الباحثين المخترعين في بعض مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي الجزائرية سنة 2017، كما هو مبسوط في الجدول الرقم (2)‏[18].

الجدول الرقم (1)
وضع البلدان العربية في الإحصاءات الدولية للملكية الفكرية وبراءات الاختراع ( 2013-2017)

(-) عدم توافر بيانات.

المصدر: من عمل الباحثين بالاعتماد على
World Intellectual Property Indicators (2013-2018), World  
Intellectual Property Organization (WIPO) Economics and Statistics Series, Statistical Appendix

الشكل الرقم (5)
براءات الاختراع الممنوحة في البلدان العربية مقارنة ببعض البلدان النامية (2013-2017)

المصدر: من عمل الباحثين.

الجدول الرقم (2)

ترتيب الجامعات الجزائرية بحسب عدد براءات الاختراع (2016 – 2017)

الترتيبالجامعةعدد براءات الاختراعالمجالات
1جامعة البليدة 120الفيزياء – الميكانيكا – الكيمياء
2جامعة بومرداس11تكنولوجيا المعلومات – الكيمياء – الإلكترونيات
3جامعة العلوم والتكنولوجيا – هواري بومدين10التكنولوجيا – الصناعة
4جامعة بسكرة9الفيزياء
5جامعة سيدي بلعباس9تكنولوجيا المعلومات – صناعة البلاستيك – المياه
6جامعة قسنطينة18الإنشاءات الثابتة
7جامعة سطيف18التقنيات الصناعية – البلاستيك – الصيدلة
8جامعة وهران (سينيا)5التقنيات الصناعية
9جامعة لغواط5الفيزياء – الميكانيكا
10جامعة ورقلة5الفيزياء
11جامعة جيجل4الفيزياء
12جامعة بجاية3الفيزياء
13جامعة تلمسان3الفيزياء – تكنولوجيا المعلومات
14جامعة محمد بوضياف – وهران3الإلكترونيات
15جامعة المدية2الصحة – هندسة العمليات – الإلكترونيات
16المدرسة الوطنية لعلوم البحر وتهيئة الساحل2علوم البحار
17جامعة أدرار1معالجة النفايات – الطاقة
18جامعة عنابة1التكنولوجيا – الصناعة
19جامعة باتنة1الفيزياء
20جامعة بشار1الإنشاءات الثابتة – التقنيات الصناعية
21جامعة خنشلة1الفيزياء
22جامعة تيزي وزو1الفيزياء
23المدرسة الوطنية العليا المتعددة التقنيات – الجزائر1الطاقة – التكنولوجيا
24المدرسة الوطنية المتعددة التقنيات – وهران1الفيزياء
المجموع115

المصدر: من عمل الباحثين بالاعتماد على: Recueil des Brevets d’Invention, DVITT, DGRSDT, MESRES, 2017, l’Algerie.

من وجهة أخرى، نلاحظ في الشكل الرقم (6) حصول تطور في عدد براءات الاختراع للمخترعين الجزائريين في الفترة 2011 – 2017؛ حيث من المتوقع ارتفاع وتيرة الاختراعات خاصة في مراكز البحوث التابعة لوزارة التعليم والبحث العلمي الجزائرية التي حصلت على 90 براءة اختراع سنة 2017، أو التي تنشط خارج الوزارة بحصولها على 25 براءة اختراع في السنة نفسها. ويعود ذلك إلى التطور الكبير في تسجيل براءة الاختراع مقارنة بالسنوات السابقة، نتيجة الجهود المبذولة في تقنين الملكية الفكرية وحمايتها.

الشكل الرقم (6)

التطور في براءة الاختراع لمخترعين جزائريين (2011 – 2017)

المصدر:           Enquete de la DGRSDT (December 2017).

إن الثقافة المشجعة على الابتكار لا تزال ضعيفة في البلدان العربية، لكن بعض البلدان العربية – وبخاصة الخليجية منها – بدأت في السنوات الخمس الماضية تبدي اهتماماً متزايداً بالابتكار، وتشجع المواطنين على إنتاج براءات اختراع وتسجيلها محلياً لدى المكاتب الدولية ذات الصلة، وبخاصة مكتب براءات الاختراع والعلامات التجارية الأمريكي. الفجوة واسعة جداً في منطقة الشرق الأوسط بين العرب وجيرانهم في تركيا وإيران في طلبات تسجيل براءات الاختراع. وعلى عكس الأرقام فإن أوضاع البحث العلمي وثقافة الابتكار في الوطن العربي – على الرغم من ثرائه المادي والبشري – ما زال في ذيل القائمة العالمية لمؤشرات التقدم العلمي والتكنولوجي. في المقابل يحقق العرب المقيمون في المهجر والمنافي إنجازات علمية ومعرفية رائدة.

في آخر تقرير حول التنمية الإنسانية العربية لعام 2018، يشير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى أن ما يقارب ثلث سكان المنطقة العربية هم من الشباب في أعمار 15 – 29 سنة، وهناك ثلث آخر يقل عمرهم عن 15 عاماً، ما قد يضمن استمرار هذا الزخم السكاني إلى العقدين المقبلين على أقل تقدير، ويُوفِّر فرصةً تاريخية يتحتّم على البلدان العربية اغتنامها. في المقابل تعاني أغلب البلدان العربية تردّي مستوى التعليم العالي وضعف الجامعات، وبخاصة في التخصصات العلمية، وعدم وجود مناخ ملائم للبحث العلمي على المستوى المادي من خلال ضعف الإنفاق الحكومي والخاص، وعلى مستوى السياسات العامة. علاوة على أن الأوضاع الأمنية والحروب والثورات التي تعيشها البلدان العربية والتهديدات الإرهابية قد زادت الأوضاع تردياً أكثر من أي وقت مضى؛ وهذا يجعل الاهتمام بتطوير القدرات العلمية والتعليمية والاهتمام بالمواهب والرفع من كفاءاتها ودعمها في سبيل الابتكار والاختراع أمراً ثانوياً؛ حيث تذهب أغلب الموارد إلى استيراد السلاح وإخماد الانتفاضات الاجتماعية ومقاومة الإرهاب.

خامساً: التعاون التكنولوجي العربي ومعوقاته

يعتمد البحث العلمي والتطور التكنولوجي على الإنسان ومستواه العلمي وتدريبه المهني وقوة إدراكه وقدرته على فهم التكنولوجيا ونقلها. والواقع العربي يظهر أن المجتمع العربي، بل إن الإنسان العربي، بات يعتمد بشكل شبه كلي على تكنولوجيا واختراعات البلدان المتطورة، ذلك بأن العرب استوردوا المعدات والآلات الحديثة واستخدموها؛ إلا أنهم لم يحاولوا دراستها وفهمها بهدف تطويرها والاستفادة من التكنولوجيا الجديدة، أو بعبارة أخرى لم يتمكنوا حتى الوقت الراهن من تحقيق نقل حقيقي للتكنولوجيا ومن تطويعها واستيعابها؛ حيث يعيش الإنسان العربي عالة على تكنولوجيا البلدان المتطورة واكتشافاتها، ولا سيَّما «إن الحزمة التكنولوجية المكونة من تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتكنولوجيا الحيوية والتكنولوجيا النانوية وتكنولوجيا المواد الجديدة رباعية شديدة التداخل والتفاعل فيما بينها، وهي المحرك الرئيسي للثورة التكنولوجية التي سوف يشهدها العالم حتى 2020 على الأقل. لا توجد رؤية عربية شاملة لهذه الرباعية التكنولوجية الحاسمة، بل لا توجد رؤية عربية لأي منها على حدة، باستثناء استراتيجية عربية في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وضعت على عجل تلبية لمطالب مؤتمر القمة العالمية لمجتمع المعلومات التي عقدت دورتها الثانية في تونس في العام 2005»‏[19]. ومثل هذه الرؤية لم يحصل لها المتابعة لتوسيع مداركها، ولم يتم الوقوف عليها وتتبع مسارها المستقبلي.

يعاني الوطن العربي وجود صعوبات متعددة تعوق البحث العلمي، ومن أهم هذه المعوقات:

1 – عدم توافر التمويل المالي اللازم، وهذا ما يؤدي إلى عدم توفير البنية التحتية اللازمة للبحث العلمي. كما يظهر ذلك من خلال النقص الواضح في الأجهزة العلمية التي يحتاج الباحث العربي إليها مثل المختبرات والأجهزة. ناهيك بالمكتبات، فهي غير موجودة بالمعنى العلمي المعاصر. فالمراجع قديمة، وطلب المصادر والمعلومات ما بين المكتبات العربية والعالمية شبه مفقودة. أضف إلى ذلك النقص في المراجع والدوريات العلمية ودور النشر؛ ما يجعل الباحث العلمي في الوطن العربي يدخل في عزلة مطلقة، فهو لا يستطيع حضور المؤتمرات العلمية في تخصصه، ولا يحصل على المصادر العلمية التي تساعده على البحث العلمي، ولا الأجهزة العلمية اللازمة لعمله للحصول على نتائج جيدة. في غياب سياسات حكومية عربية فاعلة وعاملة، ستتَّسع الفجوة بين الجامعة والتنمية، وقد تفضي إلى التبعية العلمية والتكنولوجية للخارج، على الرغم من وجود مبادرات بحثية فردية طامحة لا تعيرها الحكومات أدنى اهتمام. يقول زحلان: «ومن أواخر سنوات الـ 1990 كانت هناك جهود متزايدة لربط البحث والتطوير بتطبيقات في الصناعة؛ لكن التقدم كان بطيئاً ومحدوداً. فالنيات موجودة، لكن البيئة التمكينية هي إما ضعيفة أو غير موجودة […] في عام 2005 خمسة بلدان عربية فقط كان لديها ناتج من أكثر من 500 منشور في كل العلوم التطبيقية: الجزائر (608)؛ مصر (2,174)؛ الأردن (588)؛ السعودية (846) وتونس (594). تسعة بلدان كان لديها ناتج أقل من 100 [منشور] في كل العلوم التطبيقية. كان نصف ناتج البلدان العربية في العلوم التطبيقية في الهندسة المدنية والهندسة الميكانيكية. ومع ذلك ما زالت البلدان العربية تستورد هذه التكنولوجيات، وما زالت بعيدة جداً من استخدام قدراتها الوطنية، ومن الاعتماد على الذات بها»‏[20]. وهذا الخلل نراه يرجع، ولا سيَّما في الجزائر، إلى أن «التعليم لا يزال في الجزائر مطلباً استهلاكياً، وليس استثماراً قومياً، ذلك ما أدى إلى ضعف إسهامه في النمو الاقتصادي»‏[21]. ومن ثم يتعذَّر أن يكون هذا النمو الاقتصادي، على ضآلته، في خدمة العلم والبحث العلمي.

2 – عدم الاهتمام بالباحث العربي وعدم تأمين مستلزماته؛ وهذا لا يمكِّنه من العيش عيشة كريمة بتوفير جو علمي بعيد من البيروقراطية والروتين. فالباحث في أي بلد من بلدان العالم يعيش عيشة هنية؛ حيث تتوافر له مستلزمات الحياة الضرورية، علاوة على أن دخله يمكِّنه من تأمين متطلباته كاملة. إن الأمم العربية لا نراها تنهض بالابتكار إن لم تستفد من عقولها المهاجرة؛ ففي الهند كانت الحكومات واعية بأهمية المتعلِّمين والباحثين الذين هاجروا لأسباب معروفة للحكومات؛ إذْ إن النظر في هذه الأسباب سبق النظر في طريقة الاستنجاد بهذه العقول؛ حيث إن هذه العقول عاقلة هي الأخرى، ولا تطلب من بلدها المتخلف إلا ما هو معقول ومقبول من عيشة محترمة لا تعوق نشاطهم العلمي، كما حدث في الهند المتخلفة التي أنقذتها عقولها المهاجرة المتقدمة، وهو ما حصل في الصين أيضاً؛ ولعل عدد السكان وحجمه، الذي يعد نصفه متعلِّماً، أدَّى دوراً بارزاً في عملية الإنقاذ العلمي والجامعي. إن العقول المهاجرة في هذه الحالة ستكون كثيرة، والذي يعود ليس قليـلاً. إن الناجح هو من نجح في بلده؛ حيث إن للحرية أهمية في حصول البحث العلمي في الخارج، وللكرامة أهمية في نجاح البحث العلمي في الداخل. ولكن كل ذلك يتوقف على وجود سياسات حكومية واعية؛ ففي الهند «أرسى نهرو قواعد بنية أساسية. كانت هناك موارد طاقة قوية، ومختبرات جيدة التجهيز، ومصانع تعمل بكفاءة، وجيش متسلح بالعلم من الباحثين والمهندسين المدربين، الذين ستحط رحال كثير منهم في وطنهم، عائدين من وظائفهم التي عملوا بها خارج البلاد. لقد كانت الهند على أهبة الاستعداد للمعركة في عصر التكنولوجيا القادم، على الرغم من أن نهرو لم يطل عمره ليرى ذلك بعينيه»‏[22].

3 – غياب السياسات والاستراتيجيات العلمية الواضحة؛ إذ تفتقر معظم البلدان العربية إلى سياسات واضحة للبحث العلمي، التي تتضمن تحديد الأهداف والأولويات والمراكز البحثية اللازمة وتوفير الإمكانات المادية الضرورية. إن البلدان العربية غائبة عن الاقتداء بالتعاون الإقليمي في العالم إلى جانب تعاون عالمي يحصل حتى بين دول تختلف في اللغة والثقافة؛ فقد «أسفر تقرير اليونسكو عن تطبيقات التكنولوحيا النانوية عن مفاجأة كبيرة متمثلة بكمّ المبادرات على صعيد النانو التي اتخذتها الدول النامية والبازغة، سواء على مستوى البحوث النظرية أو التطبيقات العملية.. هناك نسبة عالية لبراءات الاختراع في دول العالم الثالث (36 بالمئة أوروبا، 34 بالمئة أمريكا، 28 بالمئة آسيا). لقد نجحت دول مثل الصين والهند والبرازيل في أن تؤمِّن لنفسها موقعاً حصيناً على الخريطة الجيونانوية، وقد أقامت الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا تحالفاً للتعاون العلمي والتكنولوجي في هذا المجال التكنولوجي الواعد، وقد لحقت بالركب دول نامية كثيرة مثل الفيليبين وكوريا وفيتنام وتايلاند وماليزيا والمكسيك وشيلي»‏[23]. إن الإنفاق على البحث العلمي مرتبط بوجهات النظر في الوزارات المختلفة؛ فمن الممكن أن توضع خطة للبحث العلمي في وزارة معينة وبمجرد تغيير الوزارة تصبح الخطة كأنها لم تكن، وهو ما يظهره عدم وجود خطط استراتيجية في مجالات الحياة كافة. فكثيراً ما يتوقف البحث في مجال معين عند تغير الأشخاص لمجرد أن هذا المجال من البحث لا يروق لهم، أو غير مجدٍ في نظرهم، أو خارج اهتمامات أصحاب المناصب المستجدة.

4 – النظام السياسي يؤثر تأثيراً بالغاً بممارساته في المناخ الفكري؛ فالبحث العلمي يتطلب ممارسة للحرية الأكاديمية في أجلى صورها، وإمكان التعبير عن الاختلاف حتى مع ممثلي السلطة السياسية، كما أن اتجاهات النخبة السياسية الحاكمة إزاء العلم – سواء من ناحية تقديره بوصفه قيمة عليا في ذاته من ناحية، أم بوصفه وسيلة ناجعة من ناحية آخرى للتصدي للمشكلات التي يواجهها المجتمع – سيحدد إلى أي مدى يكون حجم الاهتمام الذي يمنح للمؤسسات العلمية، ودرجة التركيز على تأهيل أصحاب العلم، وكذلك مقدار التمويل الذي سيخصص للبحث العلمي.

5 – عدم التخطيط الجيد للبعثات العلمية إلى الخارج رغم التكاليف الكبيرة التي تتحملها الدولة في هذا الصدد. فالبعثات العلمية المنظمة والمستديمة كانت سبباً في النهضة العلمية اليابانية والصينية والهندية التي اختصرت الوقت واحترمته، وذلك بتكوين الإنسان واستثمار الأرض.

6 – ضعف مراكز البحث العلمي والوحدات الإنتاجية في التعامل مع براءات الاختراع؛ فإذا «أرادت البلدان النامية ومنها البلدان العربية أن تستفيد من براءات الاختراع المملوكة للشركات الاحتكارية الرأسمالية الأجنبية ومن المعرفة المتصلة بها، Know How في عملية تطوير صناعاتها الوطنية، فإن الاستفادة تجري أساساً عن طريق إبرام اتفاقات أو عقود بين هذه الشركات من جانب وبين الهيئات أو المؤسسات الوطنية التابعة للدول النامية»‏[24].

7 – عدم توافر المناخ العلمي، علاوة على أن المناخ العام في البلدان العربية لا يشجع على البحث العلمي واستثمار القدرات الإبداعية والابتكار لدى الأفراد العلميين.

خاتمة

يتوجَّه العالم أكثر مما مضى نحو الاقتصاد القائم على المعرفة؛ حيث تمثل التكنولوجيا أحد عناصر المعرفة التي باتت في خدمة التنمية الاقتصادية والاجتماعية. ويشهد العالم حالياً تغيرات جذرية في سوق التكنولوجيا، مثل تعاظم أهمية المدخلات التكنولوجية في عمليات الإنتاج والخدمات. تبين الإحصاءات الواردة ضمن هذا العمل التقييمي تدني تعداد براءات الاختراع المطلوبة والممنوحة في بلدان الوطن العربي، وهذا مقارنة بدول مثل: ماليزيا وتركيا وجنوب أفريقيا وإيران التي كان وضعها الاقتصادي والتعليمي إلى وقت قريب يتشابه أو يتطابق مع وضع البلدان العربية الحالية، لكن السؤال الذي يفرض نفسه بقوة: ما سبب هذا التدني الكبير في براءات الاختراع في الوطن العربي؟ فهل من إجابات حاسمة؟

هذه الإجابات الحاسمة قد تُقَدُّ قدّاً من كذا توصيات حول سبل تطوير الوضع العربي على صعيد البحث العلمي وبراءات الاختراع، وأهمها:

– على جميع الأطراف الفاعلة في الوطن العربي بذل المزيد من الجهود لرســــم استراتيجية إنمائية للمعرفة وثقافة الابتكار والاختراع، علاوة على ضرورة مضاعفة الإسهام في مجال البحث العلمي على كل الصعد.

– خلق بيئة عربية مشتركة في مجال الاختراعات والابتكارات الحديثة، والدخول الجماعي في المنافسة الدولية، وتحفيز المبادرات الفردية الاستثنائية والصرف عليها، وتجشيع القطاع الخاص علـى الإبـداع والابتكـار تزامناً مع حمايـة الحقوق الملكية لتمكينه مـن جنـي العائـد علـى الاستثمار في أنشطة البحث والتطوير.

– الحرص على مراجعة التشريعات المتعلقـة بحمايـة الملكيـة الصـناعية للتأكـد مــن مواكبتهــا للــتغيرات في بيئــة التجــارة العالميــة ومــا يطــرأ عليهــا مــن مســتجدات، وذلــك لتحســين وضع البلدان العربية في مــا يتعلــق بحمايــة الملكيــة الفكرية؛ وهذا قد يساعد على زيادة قدراتها التنافسية.

– نشر الوعى المجتمعي لدى المبدعين وجمهور المستهلكين بحقـوق الملكيـة وتبسيط إجراءات تسجيلها.

– تشجيع مبادرات البحث العلمي والابتكار والاختراع في أوساط الموهوبين والمهووسين بالبحث، وذلك خارج المؤسسات العلمية والأكاديمية وإنْ أتت تحت رعاية الجامعة والقطاع الصناعي المبادر.

– تطويع المؤسسات الصناعية بحيث تكون أيضاً مؤسسات متعلِّمة مدى الحياة ومستوعبة لجديد الابتكارات؛ حتى يكون بإمكانها التواصل بيسر مع الجامعات والمؤسسات البحثية بوصفها مؤسسات معلِّمة ومبتكرة.

 

قد يهمكم أيضاً  المعرفة العربية في المجلات العلمية: مؤشرات جديدة برؤية حضارية

#مركز_دراسات_الوحدة_العربية #براءات_الاختراع #الاختراعات_في_الوطن_العربي #النشاط_العلمي #النهضة_التكنولوجية #تسجيل_براءات_الاختراع #الملكية_الفكرية #النشاط_العلمي #أهمية_تسجيل_براءات_الاختراع