عقدَ مركز دراسات الوحدة العربية ندوة افتراضية يوم الأربعاء الماضي تحت عنوان “حول المواجهة الروسية-الأطلسية فى أوكرانيا والتحولات الدولية”. قدّمت الندوة مديرة المركز السيدة لونا أبو سويرح، وأدارها محمد بلّوط مسئول وحدة التفاكر فى المركز، وكان المتحدثان هما أستاذا العلاقات الدولية في جامعة القاهرة والجامعة اللبنانية دكتورة نورهان الشيخ ودكتور نجاح واكيم.

شهدت الندوة حضورًا عربيًا لافتًا مما لا يقل عن ثماني دول عربية، وأثارت عددًا من القضايا المهمة التي تمثّل جوهر النقاش الدائر حاليًا حول الحرب الأوكرانية وأبعادها المختلفة.

تتعلق القضية الأولى بتكييف ما حدث في أوكرانيا وما إذا كان يمثّل فخًا نصبه الغرب لروسيا حتى يستنزفها في صراع ممتد على غرار ما حدث مع الاتحاد السوڤيتي في أفغانستان، أم أنه يمثّل ضربة استباقية من روسيا لمنع تمدّد الناتو إلى أوكرانيا وتهديد أمنها القومي مباشرة. كانت وجهة النظر الغالبة هي أن تشبيه أوكرانيا بأفغانستان ما هو إلا دعاية غربية تحاول وضع القرار الروسي في إطار رد الفعل، ويدخل في هذه الدعاية التركيز على بطء تقدم روسيا في تحقيق أهدافها في أوكرانيا. ودعّم أصحاب وجهة النظر هذه رأيهم بأن مقارنة أوكرانيا بأفغانستان غير دقيقة سواء من حيث نطاق التدخل والأهم من حيث النتائج، فالفشل في أفغانستان سيقابله نجاح في أوكرانيا. وقادت النقطة الأخيرة تأكيد أن دخول كييف -لفرض مطلبّي نزع سلاح أوكرانيا وإزاحة نخبتها اليمينية المتطرفة-هو تطور واقع لا محالة في غضون أيام قليلة بعد أن تقوم القوات المدرّبة على حرب الشوارع بالتمهيد لدخول الجيش الروسي إلى العاصمة، ولئن تأجل حسم المعركة لمصلحة روسيا فهذا مبعثه الحسابات الروسية التي تركّز على استهداف القدرات العسكرية وليس على تدمير البنية التحتية الأوكرانية. أما وجهة النظر الثانية فكانت تميل إلى نظرية المؤامرة وترى بموجبها أن روسيا قد سيقت إلى الفخ الأوكراني لتحقيق حزمة من الأهداف الغربية، منها تقوية الناتو، وفرْض عزلة دولية خانقة على روسيا ودفْع قيادتها لاتخاذ قرار الحرب نزولًا على الاعتبارات الجيوإستراتيجية رغم التكلفة الاقتصادية الباهظة لهذا القرار، وهذه النقطة الأخيرة كانت محل أخذ ورد بخصوص قدرة روسيا وشعبها على التأقلم مع العقوبات الاقتصادية منذ 2014.

وتتعلق القضية الثانية بانعكاسات الحرب الأوكرانية على شكل النظام الدولي، وتتوقف هذه الانعكاسات على النتيجة التي ستنتهى بها الحرب، لكن هذا ليس هو المتغير الوحيد. وذلك أنه حتى بفرض عدم تحقيق روسيا أهدافها السياسية والعسكرية في أوكرانيا ومع تأكيد قوة الناتو في مواجهتها، فإن تثبيت الزعامة الأمريكية للناتو موضع نظر على ضوء خبرة حلفاء الولايات المتحدة معها في أفغانستان وقبل ذلك في العراق، وها هي ألمانيا تقوم بتعزيز قدراتها العسكرية وتحدث نقلة نوعية في إستراتيجيتها الدفاعية. كما أن بعض الدول الأوروبية التي ألزمت نفسها بسياسة الحياد تراجع حاليًا مواقفها. ثم هناك القوة الجبّارة للصين التي قد تكون الحرب الأوكرانية أدت لتراجع الاهتمام الأمريكي بها، لكن الولايات المتحدة التي نشأت من البداية كمشروع إمبراطوري دافعَت عنه عبّر سلسلة من الحروب على مدار تاريخها لا تقبل التنازل عن قيادة النظام الدولي، وصاغت إحدى المداخلات المعادلة على هذا النحو الواضح: لو لم تظل الولايات المتحدة على رأس النظام الدولي فلن تبقى موحّدة. وفى الأثناء جرت إثارة العلاقة بين التاريخ والتغيير، فبينما رأى اتجاه في الندوة أن القادة الذين أحدثوا تغييرات كبرى في النظام الدولي كانوا قراءً جيدين للتاريخ، شكك اتجاه آخر في جدوى الرهان على التاريخ لتغيير واقع جيوسياسي جدّ معقد. ومؤدّى النقاش لهذه القضية برمتها التفاعلات الأوراسية-الأطلسية وتأثيرها على مستقبل النظام الدولي مسألة متعددة الأبعاد ومن الصعب التنبؤ باتجاهاتها.

أما القضية الثالثة فكانت ذات طبيعة أخلاقية إذا جاز التعبير، وجوهرها كيف يمكن أن نعرب عن تفهمنا للمطالب الروسية المشروعة في حماية أمنها القومي، وفِى الوقت نفسه لا نؤيد اللجوء للقوة المسلحة في تحقيق تلك المطالب؟ لقد لاحظ عدد من المشاركين أن قطاعًا كبيرًا من الرأي العام العربي مال لدعم الموقف الروسي إزاء التوسع الغربي المتتالي في دول الكتلة الشرقية السابقة وفي أراضي الامبراطورية السوڤيتية نفسها، لكن المعضلة هي في كيفية التوفيق بين دعم الموقف الروسي في أوكرانيا ورفض السلوك الأمريكي في العراق وأفغانستان، بل والأهم رفض السلوك الإسرائيلي العدواني في فلسطين تحت شعار تهديد الأمن القومي؟ هنا ظهر اتجاه اعتبر أنه لو اقتصرت روسيا على دخول إقليم دونباس لطرد القوات الأوكرانية وتمكين جمهوريتّي دونيتسك ولوجانسك من تنظيم استفتاء على حق تقرير المصير-لبدا الموقف الروسي أكثر مشروعية حيث تسكن الجمهوريتين أغلبية ذات أصول روسية، ولصارت الجمهوريتان شوكة كبيرة في خاصرة أوكرانيا. مع ذلك فهذا لا يحل مشكلة المشروعية لأنه يشجع الحركات الانفصالية التي لو ترك لها الحبل لتضاعف عدد دول العالم، فلا توجد دولة بلا أقليات. وعطفًا على موقف الرأي العام العربي، تفرّع النقاش ليشمل مواقف الدول العربية من التطورات الأوكرانية، وتم تسليط الضوء على تفرّد الموقف السوري الذي تجاوز الدعم الدبلوماسي لروسيا في الأمم المتحدة إلى دعمها لوجستيًا عبر التسهيلات التي تحظى بها روسيا في الموانئ السورية، وهذا جزء من تشابك العلاقة بين روسيا وسوريا، فكما أن التدخل الروسي في 2015 أنقذ سوريا من السقوط بيد الإرهاب، فإن سوريا من أهم الساحات التي ستتأثر بمجريات الصراع في أوكرانيا.

لقد كانت ندوة مركز دراسات الوحدة العربية غنية بمداخلاتها ونقاشاتها وقضاياها المثارة، وسوف تتبعها كما قيل ندوات أخرى تواكب التطورات الأوكرانية وانعكاساتها الإقليمية والدولية المهمة.

 

وكان مركز دراسات الوحدة العربية قد عقد هذه الندوة مساء الأربعاء 2 آذار/مارس 2022.. اضغطوا على الرابط للمزيد عنها 

ندوة رقمية حول المواجهة الروسية-الأطلسية في أوكرانيا