نظم مركز دراسات الوحدة العربية يوم 22 فبراير الماضي ندوة افتراضية بمناسبة ذكرى الوحدة المصرية-السورية (1958-1961) شارك فيها وفق الترتيب الأبجدي مع حفظ الألقاب كل من إبراهيم علوش وأحمد يوسف أحمد وعبد القادر النيال وعلي الدين هلال وعلي فخرو ومصطفى نويصر، وأدارت الندوة لونا أبو سويرح مديرة المركز، وكثيراً ما كنت ألمس نوعاً من الاستخفاف- أو حتى السخرية المبطنة – بإحياء هذه المناسبات باعتبارها تنتمي لزمن ولى لا فائدة من البكاء على أطلاله، ومع أنه لا مانع من تذكر إنجارات الماضي وأمجاده إلا أن المعنى الأهم هو التمسك بالحلم وأن الرابطة العربية هى الحل مهما بدا من تدهور الأوضاع العربية الراهنة، لأن هذا التدهور من وجهة نظر أنصار العروبة ليس سوى نتيجة للتخلي عن المشروع العربي فى مواجهة مشروعات بديلة صُممَت لتحقيق مصالح أصحابها على حساب المصالح العربية، وأعلم أن الفكرة العربية وتجلياتها السياسية تواجه فى الوقت الراهن تحديات من أفكار وترتيبات أخرى لها أنصارها الذين يرون فيها حلولاً مثلى للمعضلات العربية، وفى السعي لمستقبل أفضل للعرب فليتنافس المتنافسون والبقاء للأصلح، وإذا كان العروبيون متمسكين بحلمهم من المفيد لهم بالتأكيد أن ينظروا فى دروس الخبرة الماضية لنضالهم، ومن هنا أتت القيمة الحقيقية لانعقاد الندوة كي يتم فى الحاضر والمستقبل تفادي الأسباب التى أدت لتعثر المسار القومي العربي فى الماضي، والتأكيد على العوامل التى صنعت إنجازات حقيقية فى ذلك المسار، لأن الوضع العربي المتردي الراهن لا يعنى استبعاد المبادرة بمحاولات جزئية للتكامل العربي تنطلق من الإيمان بجدواه وتحتاج للاسترشاد بدروس الخبرة الماضية. ومن هذا المنطلق ركزت فى كلمتي على الدروس المستفادة من تجربة الوحدة المصرية-السورية، وأولها وأهمها الدرس المتعلق بصيغة الوحدة، فقد اتُفِق على الأخذ بصيغة الوحدة الاندماجية بما يتسق مع الأفكار القومية العربية الرومانسية التى كانت ترى فى الأمة العربية نسيجاً واحداً متجانساً يُفْتَرض أن تعبر عنه دولة مركزية اندماجية واحدة، ولا شك أن ظروف عدم الاستقرار السياسي فى سوريا والصراع الدولي عليها قد عززت حجج الداعين للوحدة الاندماجية حتى كان الداعون إلى الوحدة بالصيغة الاتحادية (الفيدرالية) يُتهمون بالتفريط فى حلم الوحدة، ولقد أثبتت التجربة عدم ملاءمة الصيغة الاندماجية لواقع التنوع القطري العربي، ويُلاحظ أن تجربة دولة الإمارات العربية المتحدة (1971) قد استفادت من هذا الدرس بتبنيها الصيغة الاتحادية فيما تجاهلته تجربة الوحدة اليمنية (1990) بالطريقة نفسها التى تم بها تجاهل الآراء التي دعت للأخذ بالصيغة الاتحادية قبل الوحدة المصرية-السورية، وأذكر أثناء مشاركتي فى ندوة باليمن فى الشهور التى سبقت إعلان الوحدة أننى طرحت فكرة الأخذ بهذه الصيغة على ضوء التجربة المصرية-السورية، وكان الحوار كله محصوراً فى الصيغة الاندماجية، ولاحظت أن أحداً لم يعلق على ما قلت، وسألت صديقي اليمني الجالس بجواري عن سبب التجاهل فنصحني بعدم تكرار اقتراحي ومازحني بقوله إنه لولا تقدير منظمي الندوة لي لكان فى الأمر شأن آخر، وقد رأينا المشاكل التى واجهتها الوحدة اليمنية بسبب الصيغة الاندماجية والتى أفضت إلى حرب الانفصال 1994 وما أعقبها من تعقيدات فى الجنوب أفضت إلى ظهور ما عُرِف بالحراك الجنوبي الذي بدأ حركة مطلبية وانتهى إلى المطالبة بالانفصال.

ومن الدروس بالغة الأهمية المستفادة من الوحدة المصرية-السورية ما يتعلق بالبعد المؤسسي فيها، فقد استندت أساساً إلى كاريزما عبد الناصر وجماهيريته الطاغية بينما حدث ارتباك فى صيغة السلطة التنفيذية للوحدة ما بين الوزارة المركزية والمجلسين التنفيذيين، كما أن السلطة التشريعية لم تتكون إلا بعد نحو سنة ونصف السنة من إعلان الوحدة، وكلما سُئلت عن السبب في فشل محاولات الوحدة العربية مقابل نجاح الاتحاد الأوروبي أجبت بأنه النضج المؤسسي الأوروبي وضعف المؤسسات العربية، كذلك فإن سلمية الوحدة من أهم الدروس المستفادة، فقد نشأت بطريقة سلمية، وعندما وقع الانفصال استجاب عبد الناصر للضغوط التى دعته للتدخل العسكرى لحمايتها ولكن على أساس أن يكون التدخل لدعم الوحدات العسكرية التى بقيت على ولائها للوحدة، فلما انضمت للانفصاليين أوقف العملية العسكرية قبل أن تبدأ، وقد انتُقد فى هذا الصدد على أساس أن القوة كانت حاضرة فى تجارب الوحدة كافة إما تأسيساً أو حماية، لكني دافعت عن نهجه مستشهداً بما آلت إليه الوحدة اليمنية بعد حسمها عسكرياً، وأخيراً وليس آخراً كان العداء الخارجي للوحدة سبباً أصيلاً فى انتهائها، وقد لفت الدكتور علي الدين هلال فى مداخلته إلى أن حديثنا عن هذا العداء ليس من قبيل التفكير التآمري، ولكنه ثابت بالوثائق الرسمية التى أفرجت عنها الدول الكبرى. كان من دواعي سروري كثافة الحضور فى الندوة، فقد حضرها من خلال تطبيق زوم خمسون مشاركاً ومن خلال صفحة المركز على الفيس بوك نحو 400، وأذكر أن حضور 100 مشارك لندوة من ندوات المركز كان يُعتبر إنجازاً كبيراً، ناهيك عن التكلفة الباهظة، فشكراً للتكنولوجيا، كما جاء المشاركون من أرجاء الوطن العربى كافة، وكان مستوى النقاش رفيعاً وحضور الشباب لافتاً، وهو ما يدعو للتفاؤل بالمستقبل وما أعطى زخماً للتأكيد على ضرورة الاهتمام بإعادة تأسيس الفكرة العربية بالأسلوب المناسب لهم، وبقى أن أُشير إلى المحاولة التى جرت فى بداية الندوة لقرصنتها وتخريبها، ورغم التوتر الذى صاحبها لمدة الدقائق العشر التي استغرقتها فقد سعدت بها لسببين ،أولهما الكفاءة اللافتة لجهاز المركز فى القضاء عليها، والثاني أن حديث الوحدة العربية مازال يزعج البعض، غير أن أكثر ما أسعدني أن مشاركاً سورياً عرف نفسه على الشاشة بأنه من الإقليم الشمالي.

 

إليكم تفاصيل الندوة عند الضغط على الرابط التالي ندوة رقمية حول الوحدة المصرية-السورية والدروس المستفادة

وهذا رابط الندوة كاملة على قناة يوتيوب الخاصة بالمركز: