المؤلف: سامي خزندار

مراجعة: عبد الحسين شعبان (**)

الناشر: مركز الجزيرة للدراسات، الدوحة؛ الدار العربية للعلوم – ناشرون، بيروت

سنة النشر: 2014

عدد الصفحات: 295

 

– 1 –

حين شرَعنا في «الكلية الجامعية للّاعنف وحقوق الإنسان» في بيروت، بوضع برامج الدراسات العليا، كان واحداً من الموضوعات والفروع التي توقّفنا عندها والتي تدخل في صميم قضايا اللاعنف، هو حل النزاعات باللاعنف. ولعلّ من إشكالات هذا الفرع أو الاختصاص، هو ندرة المصادر النظرية باللغة العربية، وإنْ وفّر «المعهد السويدي بالإسكندرية» موادّ أولية، بالتعاون مع «معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام»؛ لكن ذلك ليس كافياً كمصادر أكاديمية ومراجع علمية ومناهج بحث دراسية.

وكان مركز دراسات الوحدة العربية خلال العقد ونيّف الماضي قد بنى علاقة وثيقة مع هاتين المؤسستين السويديتين الرائدتين في إطار شراكة متواصلة، ولا سيّما في مجال النشر باللغة العربية للعديد من الكتب والتقارير السنوية المتعلقة بالسلام والتسلّح وحلّ النزاعات؛ وهذه تشمل مواد نظرية ومعرفية في ما يتعلق بالوسائل والسبل الممكنة لتحقيق السلام وإقامة صرح علاقات سلمية، مثلما نظّم العديد من الفاعليات والأنشطة، في الإسكندرية وبيروت وتونس.

– 2 –

لذلك حين اطلّعت على كتاب سامي ابراهيم الخزندار الموسوم: إدارة الصراعات وفضّ المنازعات – إطار نظري؛ توقّفت عنده كثيراً، ووجدت فيه مادة أكاديمية رصينة، ويمكن أن تشكّل خلفية لاختصاص جديد، وتمنيت على طلبة الدراسات العليا في الكلية المذكورة، ولا سيّما الذين يريدون التخصّص في مادة حلّ النزاعات باللاعنف، قراءة هذا الكتاب المتميّز في موضوعه وفي محتواه، بل إن أحد الطلبة، وهو من الدنمارك وعراقي الأصول، يعدّ أطروحة ماجستير بإشرافي عن الموضوع ذاته.

إن موضوع إدارة الصراعات وفضّ المنازعات لا يتعلق بالقضايا ذات البعد العسكري أو الحربي فحسب، بل يبحث في المشاكل والعقبات والتحدّيات التي تواجه المجتمعات والدول للتوصّل إلى حلول مقبولة ومرضية وسلمية وعادلة. والأمر يشمل قضايا السكان والبيئة والتعليم والمرأة واللاجئين والتمييز العنصري وغيرها، بل وكل ما يتعلّق بالتنمية التي نطلق عليها «التنمية المستدامة» لشمولها جميع الفروع والحقول السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والقانونية والتربوية والدينية والبيئية والصحية وغيرها.

وتكفل محاولات فضّ النزاعات عبر المفاوضات تسوية المشكلات بوسائل أكثر نجاعة وأقلّ تكلفة وأجدى منفعة، ناهيك ببعدها الإنساني، ولا سيّما في الوصول إلى حلول مشتركة، سواء على الصعيد الدولي أم على الصعيد الداخلي، السياسي منه والاجتماعي والاقتصادي والعلاقات الإثنية والدينية والطائفية، فضـلاً عن القطاعات الأخرى.

فعلى الصعيد العالمي، ومنذ انتهاء عهد الحرب الباردة وتحوّل الصراع الأيديولوجي من شكل إلى آخر، وخصوصاً بعد انهيار جدار برلين في 9 تشرين الثاني/نوفمبر 1989، وهيمنة الولايات المتحدة التي أصبحت القوة الأولى والأساسية في العلاقات الدولية، فإن التوجه نحو حل المنازعات بالطرق السلمية واللاعنفية ارتفع رصيده من الناحية النظرية على أقل تقدير، مترافقاً مع الدعوات لاحترام حقوق الإنسان وقبول الحق في الاختلاف والاعتراف بالتنوّع وإنْ كان هناك نوعاً جديداً من الهيمنة للقوى المتسيّدة، وخصوصاً في ظلّ سياسة الكيل بمكيالين، فضـلاً عن ازدواجية المعايير.

وإذا كان للسياسة استحقاقاتها، فإن هذه المرحلة شهدت محاولات نشطة لبحث المشاكل العالمية المعقّدة عبر مؤتمرات دولية كبرى منها: مؤتمر القمة العالمية المعني بالطفل عام 1990، ومؤتمر الأمم المتحدة للبيئة 1992، وللتغذية في العام نفسه؛ والمؤتمر العالمي الثاني لحقوق الإنسان (فيينا 1993)؛ والمؤتمر الدولي للسكان والتنمية في القاهرة 1994؛ والمؤتمر العالمي الرابع حول المرأة (بكين 1995)؛ ومؤتمر القمة الاجتماعية في (القاهرة)؛ ومؤتمر قمة الألفية الثالثة أواخر عام 2000؛ ومؤتمر القمة العالمية لمكافحة العنصرية (ديربن – جنوب أفريقيا) 2001؛ ومؤتمر القمة العالمي للسكان (كوبنهاغن، 2005)؛ ومؤتمر الأمم المتحدة الرابع للبلدان الأقل نمواً في إسطنبول في العام 2011؛ ومؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة (ريو دي جانيرو – 2012)؛ ومؤتمر الصحة العالمية لمجتمع المعلومات – 2015؛ وقمة الأمم المتحدة للاجئين والمهاجرين في نيويورك – 2016؛ ومؤتمر المحيط في فيجي – 2017. وقد وفّر هذا فرصاً أكبر للتعايش والاحترام المتبادل والبحث في حلول سلمية من خلال المفاوضات، بغض النظر عن محاولات فرض الاستتباع وتوظيف بعض تلك المؤتمرات والقمم لأغراض سياسية أنانية ضيقة، بل استخدام بعضها وسيلة ابتزاز ضد آخرين.

وكان شهدت تسعينيات القرن العشرين عدداً من الاتفاقيات المتعلقة بالتسوية السلمية للنزاعات الداخلية والحروب الأهلية التي وجدت صداها وانعكاساتها في العديد من البلدان، حيث أبرم اتفاق الطائف في لبنان عام 1990، وتمكن المؤتمر الوطني الأفريقي في جنوب أفريقيا عام 1994 من الوصول إلى السلطة عبر قانون جديد للانتخابات يسمح لجميع الأعراق والانحدارات المشاركة دون تمييز، وقبل ذلك كان قد انعقد مؤتمر في كمبوديا للتسوية عام 1993 وسبقته تسوية في أنغولا عام 1991، وفيما بعد تسويات في عدة دول منها ليبيريا والنيبال والكونغو والسودان.

وهناك اتفاقية دايتون للسلام عام 1995 بشأن البوسنة والهرسك، واتفاقية الجمعة العظيمة أو اتفاق بلفاست عام 1998 حول إيرلندا الشمالية؛ وهناك اتفاقية نيفاشا عام 2005 التي مهّدت لإجراء استفتاء جنوب السودان الذي انفصل فعلياً في العام 2011 وإقليم تيمور الشرقية في إندونيسيا الذي كان استقلاله بقرار من مجلس الأمن العام 2002 وإعلان استقلال كوسوفو عام 2008.

وهكذا تتحوّل الكثير من القضايا الداخلية والنزاعات المحلية إلى قضايا دولية وإقليمية.

وإذا كانت النزاعات تطغى على المشاكل الدولية، فإن هناك قضايا أصبحت أكثر إلحاحاً وتحتاج إلى حلول سلمية أو لاعنفية تتم بين الدول والمنظمات الدولية، لأنها تهم المجتمع الدولي ككل مثل قضايا: الإرهاب الدولي واللاجئين والاتجار بالبشر وغسيل العملة وتجارة المخدرات وتجارة السلاح وغيرها، لما لها من تأثيرات اقتصادية كبيرة في الأوضاع الداخلية والدولية. بهذا المعنى تزداد الحاجة إلى التفكير بوسائل جديدة وأساليب متعدّدة لتحليل الواقع الجديد واستنباط الحلول والمعالجات للمشاكل الدولية القائمة، على أساس تحريم استخدام القوة في العلاقات الدولية أو التهديد بها واللجوء إلى الحلول السلمية بين الدول والبلدان على أساس ميثاق الأمم المتحدة والمعاهدات والاتفاقيات الدولية، بما فيها الشرعية الدولية لحقوق الإنسان وقواعد القانون الدولي.

* * * * *

سلّط خزندار الضوء على بعض المستجدات المتعلقة بفضّ النزاعات عبر اللاعنف، لا من أجل معالجة آثاره بعد اندلاعه عبر حمائية طويلة ومتدرّجة فحسب، بل باستخدام وسائل وقائية تحول دون اندلاعه، ولا سيّما أن بعض الصراعات أصبح معتّقاً ومستديماً، وأخذت آثاره تنعكس على العالم مثل الصراع العربي – الإسرائيلي، ولا سيّما بتنكّر «إسرائيل» لحقوق الشعب العربي الفلسطيني وفي المقدمة منها حقه في تقرير مصيره وإقامة دولته الوطنية المستقلة القابلة للحياة على أرض فلسطين وعاصمتها القدس الشريف.

لعلّ إقدام «إسرائيل» حالياً على تشريع «قانون الدولة القومية اليهودية» يعني في ما يعنيه اعتبار سكان فلسطين الأصليين، بمن فيهم عرب الـ 48 مجرد سكان مقيمين، وليس لهم حقوق المستوطنين القادمين من أصقاع الدنيا فما بالك بحقوق عرب فلسطين بوجه عام بمن فيهم اللاجئون الذين لهم الحق في العودة والتعويض في الآن ذاته، طبقاً لقرار مجلس الأمن الدولي الرقم (194) لعام 1948، في حين يتم التنكّر للغة العربية التي تراجعت مكانتها في ظل هذا القانون العنصري وقوانين الأبرتايد الصهيوني.

بتقديري إن المباحث الخاصة بمنع النزاعات كي لا تكون مزمنة أو متجدّدة هي المسألة الأكثر حيوية في معالجات هذا الكتاب، وخصوصاً حين يتعلّق الأمر بالسلام والتعاون والمشترك الإنساني.

– 3 –

باختصار أقول إن الكتاب يتألف من مقدمة كتبها بيتر فالنستين، وهو بروفسور كرسي في داغ همرشولد، قسم دراسات الصراع والسلام – جامعة أوبسالا – السويد، ومقدمة للكاتب، إضافة إلى 4 فصول وخاتمة وثبت بأسماء المصادر والمراجع وقائمة ببعض الأشكال والجداول التي عرضها الكاتب لتوضيح بعض فصوله.

تتناول الفصول الأربعة: الخلفية لإدارة الصراعات وحلّ النزاعات داخل الدولة الواحدة بالوسائل السلمية واللاعنفية، إضافة إلى امتداداتها على المستوى الدولي، وهي نزاعات تعالج آثارها اتفاقيات جنيف الأربعة الصادرة في 12 آب/أغسطس1949 وملحقاها بروتوكولا جنيف لعام 1977، الصادران عن المؤتمر الدبلوماسي 1974 – 1977؛ البروتوكول الأول الخاص بحماية ضحايا المنازعات الدولية المستمر، والبروتوكول الثاني الخاص بحماية ضحايا المنازعات المسلحة غير الدولية.

ويبحث الكاتب في الفصل الأول نشأة وتطوّر علم دراسات الصراع والسلام من خلال رؤية خاصة باعتباره حقـلاً علمياً مستقـلاً أصبح له مناهجه ومفاهيمه وتطبيقاته، ويسلط الضوء على تاريخ هذا العلم والأفكار والأسس التي تقوم عليها فكرة إدارة الصراعات وحل النزاعات وصولاً إلى تحقيق السلام، بما فيها أساليب الوقاية لمنع اندلاع الصراعات أو للحؤول دونه أو الحد من تأثيراته في حال اندلاعه، بتوفير سبل حمايته.

ويستعرض الكاتب ذلك منذ الحرب العالمية الثانية ويتناول أهم روّاده، ثم يتناول المرحلة التأسيسية (الخمسينيات والستينيات)، أما المرحلة الثالثة فهي مرحلة السبعينيات والثمانينيات، ويطلق عليها مرحلة النمو والتوسع، وخصوصاً من خلال ما هو منشور ومكتوب، ويتوقّف عند المرحلة الرابعة أي منذ انتهاء عهد الحرب الباردة ويسميها مرحلة الانتشار والرسوخ، وخصوصاً بتأسيس مؤسسات بحثية وعلمية متنوّعة.

ويبحث في الفصل الثاني الصراع وضرورته في المجتمع الإنساني في إطارات المنهجية وأبعاده العنفية طبقاً للمفاهيم اللاعنفية بما فيها مفاهيم الأزمات الدولية وسماتها واتجاهاتها، كما يتوقّف عند مراحل تطور الصراع، مثلما يتناول بعض المصطلحات الخاصة بالحروب والصراعات مثل: الصراع الدولي والكفاح المسلح والصراع العنيف أو المميت والحرب الأهلية وانفلات العنف، وكل ذلك في مباحث مستقلة.

وأهم ما في هذا الفصل هو تركيزه على «المنع الوقائي» للصراعات، فحسب معهد كارنيغي للسلام هو «عملية تهدف إلى منع ظهور الصراعات العنيفة أو منع الصراعات الجارية من امتدادها وانتشارها أو منع إعادة ظهور العنف في هذه الصراعات» (ص 80)، ويستند في تعريفه إلى ما يذهب إليه بيتر فالنستين إلى أن المنع الوقائي هو أفعال بناءة لتجنب تهديد أو لتجنب استخدام أو نشر القوة المسلحة من قبل أطراف متنازعين في خلاف سياسي.

ويقتبس من الأكاديمي العربي عمرو عبد الله القول «إن المنع الوقائي هو عملية ترتبط بتوفير بيئة معرفية ومهارات للتعامل الإيجابي مع الصراعات» (ص 81). وبالطبع فإن هذا ينطبق على الحروب والصراعات الداخلية والدولية، كما يتوقف عند منهج اللاعنف ويستعرض بشكل مختصر مفهوم المهاتما غاندي.

أما الفصل الثالث فإنه متخصص في أسباب وأنماط الصراعات الأهلية والدولية التي تمهد للفصل الرابع الخاص بالتسوية والمنع الوقائي فيذكر الإنذار المبكر ومؤشرات السلام ومنع الصراعات.

– 4 –

تندرج مثل هذه الموضوعات في الدراسات السياسية والدولية، سواء في إطار العلوم السياسية والعلاقات الدولية أو القانون الدولي، وحرص المؤلف على أن يقدّم مادة رصينة وبأسلوب أكاديمي وبتفسيرات وشروحات وأسئلة، أراها رفداً لفروع عديدة نحتاج إليها في جامعاتنا العربية، وخصوصاً في ظلّ ندرة الأدبيات النظرية المتعلّقة بالموضوع، وعليه قدّم خزندار فرضيات مهمة يسعى للوصول إليها، مثلما هي استخلاصات اجتهادية، وخصوصاً تحديد الوسائل المنهجية للتسوية السلمية والحيلولة وقائياً دون وقوع النزاع، ولا سيّما بنشر الثقافة الوقائية وهي مسألة مهمة في ظروف مجتمعاتنا التي تشهد صراعات طائفية وإثنية، داخلية وإقليمية، بما فيها امتداداتها الدولية المتشعبة والمتعددة.

أعتقد أن افتتاح فرع علمي بهذا التخصص يحتاج إلى تأهيل وتدريب أساتذة وأكاديميين وباحثين، وألفت النظر بهذه المناسبة إلى ضرورة اهتمام مراكز الأبحاث والدراسات بهذا الفرع المهم لما له من انعكاسات كبيرة على البيئة العربية التي تعتبر بيئة حاضنة للنزاعات بل مولّدة لها ومنتجة ومصدّرة في الوقت نفسه بحكم التعصّب والتطرّف والعنف والإرهاب. والتعصّب إذا ما تحوّل من تفكير إلى سلوك سيكون تطرّفاً وهذا الأخير إذا تحوّل إلى فعل فسيكون عنفاً، والعنف يعني اختيار الضحية بعينها لأسباب سياسية أو دينية أو طائفية أو إثنية أو غيرها، لأن المرتكب يعرف الضحية في حين أن الإرهاب الدولي يضرب عشوائياً، بهدف خلق نوع من الرعب والفزع لدى السكان وعموم الناس لإضعاف هيبة الدولة وزعزعة الثقة بها، كما أن الإرهابي لا يعرف الضحايا، لأنه يمارس الإرهاب في المحال العامة: مدارس، أسواق، مراكز تجمّع، وجوامع ومساجد وكنائس وغيرها.

ويتوصّل الكاتب إلى عدد من الاستنتاجات المهمة التي تتعلّق بهذا الموضوع الجديد، ومنها أن الاهتمام الأساسي الذي لحظه بهذا الفرع هو في الغرب والدراسات الغربية عموماً، في حين لاحظ ضعف اهتمام الثقافات والحضارات الأخرى به وهو ما نتفق معه تماماً، وكان بودي التركيز في مبحث خاص أو فصل مستقل لدور الثقافات الأخرى القديمة منها والحديثة، وخصوصاً في المساهمة التي قدّمها المهاتما غاندي في نشر الثقافة المدنية اللاعنفية، فهو بحق يعتبر رائداً من رواد المقاومة السلمية، حيث استطاع إجبار بريطانيا أكبر إمبراطورية قائمة آنذاك على الانصياع لمطالب الهنود بالاستقلال، حتى وإن ذهب هو ضحية العنف لاحقاً على يد أحد الهندوس المتطرفين. ويحتفل العالم باليوم العالمي للّاعنف كل عام في 2 تشرين الأول/أكتوبر، وهو يوم عيد ميلاد غاندي باعتباره رسول اللاعنف، وذلك منذ العام 2007 وبقرار اليونسكو رقم 271/61 والمؤرخ في 15/6/2007.

كما كنت أتمنى أن يضع الكاتب مبحثاً خاصاً لأطروحة نيلسون مانديلا حول المقاومة المدنية والعدالة الانتقالية واجتراحه لحلول غير مطروقة أو غير نمطية لحل الخلافات الداخلية، وما تركته من تأثيرات كبيرة على المستوى العالمي وتأثيراتها لاحقاً، في العديد من التجارب العالمية، وخصوصاً أن نظام الأبرتايد دام أكثر من 200 عام وتفكّك بفعل توجّه إنساني لإقرار التعدّدية وإجراء انتخابات لجميع الأعراق والأقوام والانحدارات، والتأسيس لنظام حكم ديمقراطي دون ثأر أو انتقام. وذلك أحد الحلول الوقائية من اندلاع العنف، وقد سار على هذا الطريق العديد من دول أمريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية بعد انهيار النظام الشمولي والعديد من دول العالم.

وقد كان مناسباً لو عرض بعض الأفكار والإرهاصات الأولى المناوئة للعنف والتي شكلت مرجعية للمقاومة اللاعنفية مثل أفكار الروائي الروسي تولستوي حول اللاعنف. وإن كان قد جاء على بعض الفقرات التي تتعلّق بالحروب والنزاعات في الإسلام، لكنّه كان يمكن وضعها في فصل خاص ومعالجة معمّقة، لأن ما يقدّمه في هذا المجال من تطور يعتبر موضوعاً كونياً وهو لا يخص الحضارة الغربية وحدها، وذلك بالاستناد إلى الأسس الأولية التي جاء بها ميثاق الأمم المتحدة، لكن ذلك لا ينتقص من البحث إطلاقاً ويمكن استكماله في طبعة جديدة، وخصوصاً ليكون أكثر قرباً للقارئ والمختص العربي.

ويطرح خزندار رأياً وجيهاً لبيتر فالنستين مفاده كيف يمكن لصاحب القرار والمنظمات الدولية غير الحكومية الاستفادة من نتائج دراسات إدارة الصراع وحلّ المنازعات. وأعتقد، وبالتساوق مع ذلك، أنه يمكن اقتراح إنشاء قسم خاص في جامعة الدول العربية وكذلك في منظمة التعاون الإسلامي – وكلاهما منظمتان دوليتان إقليميتان مهمتان – يتعلّق بإدارة الصراع ووسائل حل المنازعات، إضافة إلى فروع خاصة في الجامعات العربية والاستفادة من الثورة العلمية والتقنية وثورة المعلومات والاتصالات والمواصلات لتجسير الفجوة في هذا المجال والبحث عن المشتركات التي تربط بعضنا ببعض وبالعالم أيضاً، مع الأخذ بنظر الاعتبار المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة على أساس قواعد القانون الدولي والقانون الإنساني الدول والشرعة الدولية لحقوق الإنسان وقيم الحرية والمساواة والعدل والسلام والتسامح.

الكتاب مادة نظرية غنيّة تصلح مدخـلاً مهماً لمعرفة قضايا إدارة الصراعات وفضّ المنازعات، ويمكن استكماله بتجارب عملية لدول المنطقة أو الإقليم، ولا سيّما للوطن العربي. وهو كتاب يستحق القراءة، ويمكن للباحث المتخصص أن يفيد منه كثيراً مثلما يمكن للقارئ بوجه عام أن يغتني به لما يحتويه من معلومات غزيرة وجديدة في قسمها الأكبر.