مقدمة:

يشكّل الأطفال نسبة كبيرة من المجتمع البشري، حيث يعدّ طفلا كل من لم يبلغ سن الثامنة عشرة من عمره. ويتعرضون بحكم ظروفهم وحداثة سنهم لخطر الاستغلال أكثر من غيرهم، ويعد الاستغلال كل استفادة من هؤلاء الأطفال على حساب حقوقهم الأساسية، ومن بين أهم مظاهر الاستغلال تجنيدهم في المنازعات المسلحة.

حيث أصبحت مشاركة الأطفال في الحروب ظاهرة منتشرة وملفتة للنظر في أرجاء عديدة من العالم، إذ يتم استغلالهم من قبل كيانات حكومية وغير حكومية تجبرهم على المشاركة في الأعمال العدائية، بتدريبهم على القتل أو استخدامهم في نقل المعدات والأسلحة، أو تجميع المعلومات عن الخصم مقابل تلبية حاجياتهم الأساسية من ملبس ومأوى وغذاء[1].

وبالنظر إلى التزايد المستمر لهذه الظاهرة، فقد تضمن القانون الدولي الإنساني أحكاماً؛ تنظم الوضع القانوني للأطفال المقاتلين، وتحدد أوجه الحماية المقررة لهم، والواجب المفروض على أطراف النزاع لضمان حقوق هذه الفئة[2].

وعليه فإن التساؤل الذي يطرح نفسه هنا هو: ما مدى نجاعة أحكام القانون الدولي الإنساني في الحد من معاناة الأطفال الجنود؟

ويتفرع عن هذه الإشكالية المحورية تساؤلان:

– ما هي الضمانات المكرّسة لحظر تجنيد الأطفال في ظل القانون الدولي الإنساني؟

– ما هي تجليات حماية الأطفال الجنود عند وقوعهم في الأسر؟

للإجابة عن هذه الإشكالية ، سنعتمد خطة البحث التالية:

أولاً: حظر تجنيد الأطفال في القانون الدولي الإنساني

إن فكرة حظر اشتراك الأطفال في الأعمال العدائية ليست وليدة العصر الحديث، ولا يرجع الفضل فيها لمفكري الغرب وحدهم، بل إن لهذا المبدأ أساساً من التقاليد المستقرة في العرف الإسلامي الإنساني المعمول به في الحروب أيضاً[3]. ومع شيوع ظاهرة استخدام الأطفال في الحروب خاصة غير الدولية منها، تبيّن أن مسبباتها ترجع إلى ثلاثة أقسام رئيسية لخصها الدكتور مصطفى إبراهيم في ما يأتي:

المسببات الاجتماعية: مثل الانتماء العشائري والقبلي وتقديم الولاء للقبيلة على الانتماء للوطن والإحساس بالفوارق الاجتماعية، وكذلك تعميق مسألة الثأر في ثقافة العشائر مع ضعف التسويات والملاحقات الحكومية، إضافة إلى انتشار الأمية….

المسببات الاقتصادية: وهي تكمن في التفاوت في الثروات بين القبائل وهيمنة عناصر قبلية على مفاتيح اقتصادية مؤثرة، وسيطرتها بالتالي على باقي القبائل والعشائر الصغيرة باللعبة الاقتصادية، وانتشار تجارة الأسلحة الأوتوماتيكية وسهولة الحصول عليها.

المسببات السياسية: وتؤدي دوراً بارزاً في تجنيد الأطفال من خلال جعلهم وسائل تستغلها إما الجماعات المسلحة من جهة أو حركات التمرد من جهة أخرى[4]، بالإضافة إلى ضعف الوازع الأخلاقي لدى الحركات المتمردة والجماعات المسلحة وعدم تقيدها بقواعد القانون الدولي الإنساني وأخلاقيات القتال، وصعوبة ملاحقة مرتكبي الجرائم ضد الأطفال.

كلُّ هذه المسببات جعلت الطفولة في وضع أمني شائك، خاصة بعد أن تعاظم دور الأطفال في النزاعات المسلحة[5]. وأمام هذا الواقع المؤلم، وجد المجتمع الدولي نفسه ملزماً بالتدخل بهدف وضع حد لهذه الظاهرة، لأنه يتجافى مع الإنسانية أن يتم السماح للأطفال بالمشاركة في الحروب وتعريض حياتهم للخطر، بدلاً من حمايتهم من ويلاتها. وعليه فقد بادرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر (ICRC) باعتبارها منظمة دولية محايدة ومستقلة تضطلع بمهمة توفير الحماية والمساعدة لضحايا الحروب من المدنيين والعسكريين على حد سواء، وكذا نشر وتطوير أحكام القانون الدولي الإنساني[6]. سنة 1971 بعدما تبين لها قصور معاهدات جنيف لسنة 1949 عن معالجة مشكلة الطفل المحارب، وضعت اللجنة تقريراً هاماً ضمنته ملاحظات في شأن اطراد تجنيد الأطفال في النزاعات المسلحة، وأنه قد ترتب على ذلك موت ما لا يقل عن نصف مليون طفل في سن دون الخامسة عشرة، في ميدان القتال خلال العقدين الماضيين. وقد أثير هذا الموضوع في أول مؤتمر للخبراء الحكوميين بشأن إعادة تأكيد وتطوير قواعد القانون الدولي المطبقة أثناء النزاعات المسلحة والذي عقدته اللجنة الدولية للصليب الأحمر سنة 1971، وأيضاً في المؤتمر الدبلوماسي حول إعادة تأكيد وتطوير القوانين الإنسانية المطبقة أثناء النزاعات المسلحة الذي عقده المجلس الاتحادي السويسري في الفترة من 1974 – 1977‏[7].

لقد تمت مناقشة البروتوكولين الإضافيين لاتفاقيات جنيف؛ اللذين تقدمت بهما اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وكانت اللجنة الدولية قد أعدت هذين المشروعين في صياغتهما النهائية واضعة في اعتبارها حصيلة المناقشات التي جرت في مؤتمر الخبراء الحكوميين؛ في دورتيه في جنيف سنتي 1971 و1972‏[8].

وبعد المناقشات المستفيضة التي بذلت خلال مؤتمر جنيف الدبلوماسي في دوراته الأربع، نجحت تلك الجهود ولأول مرة في قيام البروتوكولين الصادرين عن المؤتمر في 10 حزيران/يونيو 1977، المؤكدين على الحظر التام والقاطع لمشاركة الأطفال في النزاعات المسلحة. وعليه فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: ما مدى فعالية الأحكام الواردة في بروتوكولي جنيف لسنة 1977 في الحد من ظاهرة الأطفال الجنود؟

1 – حظر تجنيد الأطفال في ضوء بروتوكولي جنيف لسنة 1977‏[9]

لقد نصت المادة الرقم (77) من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقية جنيف على «إلزام أطراف النزاع باتخاذ التدابير الممكنة التي تكفل عدم اشتراك الأطفال؛ الذين لم يبلغوا بعد سن الخامسة عشرة في الأعمال العدائية بصورة مباشرة، وعلى هذه الأطراف بالتحديد الامتناع عن تجنيد هؤلاء الصغار في قواتها المسلحة، ويجب على أطراف النزاع في حالة تجنيد هؤلاء ممن بلغوا سن الخامسة عشرة ولم يبلغوا سن الثامنة عشرة أن تسعى لإعطاء الأولوية لمن هم أكبر سناً»[10].

وبذلك يستفاد من هذا النص أنه يجب على الدول الأطراف في نزاع مسلح دولي ألا تسمح بتجنيد أطفالها للخدمة في قواتها المسلحة الذين لم يبلغوا سن الخامسة عشرة، وحتى بالنسبة لمن بلغ هذا السن، ولم يبلغ سن الثامنة عشرة بعد، إذ يجب على الدول المتحاربة أن تعطي أولوية التجنيد للأكبر سناً من هؤلاء الأطفال، بمعنى أن الطفل الذي بلغ سبع عشرة سنة يجب تجنيده قبل الطفل الذي عمره ست عشرة سنة وهكذا.

أما بالنسبة إلى النزاعات المسلحة الداخلية، فإن البروتوكول الإضافي الثاني نص على «لا يجوز تجنيد الأطفال دون سن الخامسة عشرة في القوات أو الجماعات المسلحة، ولا يجوز السماح باشتراكهم في العمليات العدائية»[11].

من خلال استقراء مضمون المادة الرقم (77) من البروتوكول الإضافي الأول، نستخلص أنها تنص على حظر الإشراك المباشر للأطفال في النزاعات المسلحة، أي حظر المساهمة في حمل السلاح فقط، في حين نجد أن نص المادة الرابعة من البروتوكول الإضافي الثاني قد أولى للأطفال حماية أوسع، تتجلى في الحظر التام لإشراك الأطفال في أي من العمليات الحربية، بصفة مباشرة أو غير مباشرة، التي تشمل إلى جانب عمليات القتال، أعمالاً أخرى مثل نقل الذخائر والمؤن، ونقل وتداول الأوامر، واستطلاع وجلب المعلومات، والقيام بعمليات تخريبية، والقيام بأعمال التجسس والاستخبارات[12].

وبالتالي فإن على الدول الأطراف أن تكون أكثر صرامة في النزاعات المسلحة غير الدولية مما هو عليه أثناء النزاعات المسلحة الدولية[13]. كما أن هذا النص ينطبق على جماعات الثوار أيضا الذين هم أكثر استفادة من الأطفال في النزاعات المسلحة غير الدولية[14].

من خلال ما سبق يتضح بجلاء أن بروتوكولي جنيف لسنة 1977 قد حددا السن الأدنى لمشاركة الأطفال في العمليات العدائية، في خمس عشرة سنة، إذ تعد هذه الخطوة في حد ذاتها إضافة نوعية للقانون الدولي الإنساني، وتدعيماً واضحاً للجهود الدولية التي بذلت في هذا الشأن.

لكن هل استطاع بروتوكولا جنيف لسنة 1977 الحد من ظاهرة تجنيد الأطفال؟

2 – ظاهرة الأطفال الجنود بعد توقيع بروتوكولي 1977

على عكس ما كان يتوقع من أفول ظاهرة إشراك الأطفال في النزاعات المسلحة، بعد توقيع بروتوكولي جنيف لسنة 1977، فإنّ هذه الآفة قد عرفت انتشاراً واسعاً في أماكن متفرقة من العالم، وهذا ما أكدته اللجنة الدولية للصليب الأحمر، باعتبارها الجهة مصدر الوصاية الأصلية في الرقابة على تطبيق القانون الدولي الإنساني والمبادئ التي يحميها.

فقد أوردت هذه اللجنة في نشرتها سنة 1984، ملاحظاتها بشأن اشتراك أطفال لا تزيد أعمارهم عن إحدى عشرة أو اثنتي عشرة سنة في القتال، في أماكن كثيرة من العالم، بما في ذلك حرب الخليج الأولى وأمريكا الوسطى وآسيا وأفريقيا. في مخالفة صريحة لكلّ المبادئ المستقرة في القانون الدولي الإنساني[15]. وقد أيّدها في ذلك تقرير لليونيسيف صادر في سنة 1986، إذ جاء في هذا التقرير أن الدراسة التي أجرتها اليونيسيف أسفرت عن اكتشاف أكثر من عشرين دولة تسمح باشتراك الأطفال في ما بين سن العاشرة والثامنة عشرة، وربما في سن أقل من ذلك، في التدريب العسكري، والأنشطة غير الرسمية المتصلة بالحروب الأهلية، وفي جيوش التحرير، بل وفي الحروب الدولية. وتتفاقم هذه الظاهرة في مناطق النزاع في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية[16].

وبناءً على هذه التقارير، وفي أثناء إعداد مشروع اتفاقية حقوق الطفل، بذلت جهود دولية حثيثة لأجل تحديد السن التي لا يجوز دونها للأطفال أن يشاركوا في الأعمال العدائية من الخامسة عشرة إلى الثامنة عشرة، إلا أن المادة الرقم (38) من اتفاقية حقوق الطفل سنة 1989، لم تسجل أي تقدم، فقد جاءت إعادة لنص الفقرة الرقم (2) من المادة (77) من البروتوكول الأول، وذلك لأن بعض الدول أثناء المناقشات حول المادة الرقم (38) قد أثارت الحجج نفسها التي أثيرت أثناء المؤتمر الدبلوماسي حول تطوير القانون الدولي الإنساني السابق على توقيع بروتوكولي جنيف، في ما يخص مسألة السن والتدابير الممكنة الواجب اتخاذها في حالة المشاركة في الأعمال العدائية[17].

ومن الملاحظ أن التناقض واضح وصريح في هذه الاتفاقية، بحيث إن مادتها الأولى عرّفت الطفل بأنه «كل إنسان حتى الثامنة عشرة ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه»، ثم طلبت من الدول عدم تجنيد الأطفال دون الخامسة عشرة في قواتها المسلحة، ومعنى ذلك أن الطفل ما بين سن الخامسة عشرة والثامنة عشرة، مسموح بتجنيده في القوات المسلحة للدول الأطراف، وهو ما زال طفلاً، طبقاً لتعريف المادة الأولى لسن الطفولة.

وبذلك يمكننا القول إن المادة الرقم (38) لم تأت بجديد، بل إن مضمونها من شأنه أن يصرف الانتباه عن القاعدة الأقوى الواردة في البروتوكول الإضافي الثاني إلى اتفاقيات جنيف، هذا الأخير الذي يوفر حظراً أشمل في ما يتعلق بإشراك الأطفال بالنزاعات المسلحة غير الدولية.

ولقد كان من نتائج هذا التردّد في رفع سن تجنيد الأطفال إلى الثامنة عشرة، هو توسع ظاهرة اشتراك الأطفال في الحروب والنزاعات التي وقعت بشكل لم يسبق له مثيل، إلى درجة أنه قتل أكثر من مليوني طفل، وجرح أكثر من ستة ملايين آخرين بسبب النزاعات المسلحة[18]. كذلك من الأمور التي ساهمت بشكل رئيسي في زيادة استغلال الأطفال، واشتراكهم في الأعمال العدائية، هو ازدهار تجارة السلاح بسبب توافر أكوام المخزون منه نتيجة انتهاء الحرب الباردة[19].

وثمة سبب آخر يرجع إلى انتشار مجموعة كبيرة من النزاعات غير الدولية التي قامت على أساس قومي أو ديني أو قبلي، حيث يسهل فيها التأثير في الأطفال وإجبارهم على الانخراط في أعمال القتال والتخريب والتجسس، بل إن الأطفال الذين نشأوا في ظل العنف سينظرون إليه على أنه نمط حياة دائم[20].

ومن الأمثلة على ذلك الحرب الأهلية في ليبيريا التي استمرت من سنة 1989 إلى سنة 1997، والتي راح ضحيتها مئة وخمسون ألف شخص، وأجبر بسببها مليون نسمة على النزوح والهجرة، غير أن الأشد هولاً هو أن 15 ألف طفل، بعضهم لم يتجاوز سن السادسة عشرة من عمره، جرى تدريبهم كجنود[21]. وليبيريا ليست المثال الوحيد لذلك، فقد أوضح تقرير الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، بمناسبة إجراء دراسة حول وضع الأطفال في النزاعات المسلحة، أن أكثر من 300 ألف طفل متورّطون في الانخراط في النزاعات المسلحة حالياً[22].

لقد دفعت الوضعية الكارثية للطفولة – لما بعد إقرار البروتوكولين الإضافيين لاتفاقية جنيف سنة 1977، واتفاقية حقوق الطفل لسنة 1989 – بالمجتمع الدولي إلى ضرورة التحرك لاحتواء الوضع، الأمر الذي نتج منه إقرار بروتوكول اختياري صدر سنة 2000، فهل استطاع هذا الأخير الحدّ من ظاهرة الأطفال الجنود؟

3 – البروتوكول الملحق باتفاقية حقوق الطفل بشأن اشتراك الأطفال في النزاعات المسلحة الصادر سنة 2000‏[23]

لقد أدى الانتشار الواسع للأسلحة الخفيفة – سهلة الاستعمال – إلى توسيع دائرة تسليح الأطفال أكثر من أي وقت مضى، خاصة الأطفال دون سن الثامنة عشرة، سواء في القوات الحكومية أو القوات شبه العسكرية والمليشيات المدنية ومجموعات متنوعة من الجماعات المسلحة غير التابعة للدولة، حيث تستخدم هذه الأخيرة الأطفال كمعطى استراتيجي لخوض غمار الحرب، وخاصة أن الأطفال يسهل التحكّم فيهم من الراشدين، فهم – أي الأطفال – يقومون بالقتل من دون خوف، ويطيعون الأوامر من دون تفكير، وللأسف فإن أول ما يخسره هؤلاء الأطفال هو طفولتهم، سواء جندوا بالإكراه، أو انضموا إلى الجماعات المسلحة للهرب من الفقر والجوع، أو تطوعوا لدعم قضية ما بصورة نشيطة، وكثيراً ما يتعرض هؤلاء الأطفال للتجنيد أو الاختطاف لضمهم إلى الجيوش، وكثيرون منهم لم يتعدّ عمرهم سنّ العاشرة، وهم يشاركون في أعمال عدائية غالباً ما توجّه ضد عائلاتهم أو مجتمعاتهم المحلية.

بالإضافة إلى ذلك، فقد ورد في دراسة نشرتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر سنة 2010 تحت عنوان «مشاركة الأطفال في النزاعات المسلحة» على أنه يجري تجنيد عشرات الآلاف من الأطفال أو استخدامهم من قبل القوات المسلحة والجماعات المسلحة في ما لا يقل عن 18 بلداً في جميع أنحاء العالم، حيث يتم استغلالهم للاضطلاع بمجموعة من الأدوار كحمالين، ورسل، وجواسيس، وكشّافين بشريين للألغام، كما يستخدمون رقيقاً – عبيداً – جنسياً وعمالاً قسريين، وحتى منفّذين لعمليات انتحارية[24]، وكشهادة حية لهؤلاء الأطفال، تقول «جاسيناتا»، وهي فتاة لم تبلغ من العمر سوى ثماني سنوات عندما اختطفت من قريتها في أوغندا: «لقد استخدموني كحاضنة للأطفال في البداية، ثم اضطررت إلى التدرّب كمقاتلة لما بلغت من العمر 12 سنة، وأذكر أنني أنجبت طفلي الأول لما بلغت من العمر 13 سنة تقريباً. بعد ذلك بقليل، أصبت برصاصة في ساقي، ثم أصبت برصاصة مرة أخرى في الساق نفسها، وصرت أشعر بالضعف، ولكنني ما زلت مضطرة إلى المشي، وحمل الطفل، والسلاح، والقتال»[25].

فمن خلال هذه الشهادة، يمكننا القول إنه يتم أحياناً استغلال الفتيات المجنّدات ليكنّ متاعاً لإشباع الرغبات الجنسية للقادة إلى جانب المشاركة في القتال[26]. وبالنظر إلى الوضع المأساوي للأطفال المتأثرين بالنزاعات المسلحة، وعلى الأخص الحالات البالغة الشيوع التي يتم فيها إجبارهم على الاشتراك في الأعمال العدائية أو السماح لهم بالاشتراك فيها، فإن إقرار بروتوكول إضافي إلى اتفاقية حقوق الطفل يعدّ مبادرة تستحق الترحيب.

فانطلاقاً مما سبق، وفي ضوء الوعي والاهتمام المتزايديْن داخل المجتمع الدولي بالمحنة القاسية للأطفال المتأثرين بالنزاعات المسلحة، اتخذت مبادرة هي الأولى من نوعها في إطار نظام الأمم المتحدة بعد سنوات قليلة فقط من دخول اتفاقية حقوق الطفل حيّز التنفيذ، من أجل رفع الحدّ الأدنى لسن التجنيد والاشتراك في النزاعات المسلحة إلى 18 سنة[27].

وقد جاءت هذه المبادرة متسقة إلى حدّ كبير مع الموقف الذي اعتمدته الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر التي بدأت في سنة 1993 خطة عمل ترمي إلى تطوير أنشطة الحركة لصالح الأطفال[28].

وتتضمن خطة العمل الصادرة سنة 1995 التزامين: أولهما تعزيز مبدأ عدم التجنيد وعدم الاشتراك في النزاعات المسلحة للأطفال دون الثامنة عشرة من العمر؛ والثاني اتخاذ التدابير الملموسة من أجل حماية ومساعدة الأطفال ضحايا النزاعات[29].

وفي السنة نفسها، أوصى المؤتمر الدولي السادس والعشرون للصليب الأحمر والهلال الأحمر في أحد قراراته بأن «تتخذ أطراف النزاع كل التدابير الممكنة لكي تضمن عدم اشتراك الأطفال دون الثامنة عشرة من العمر في الأعمال العدائية»[30].

فمن الواضح أن هذا البروتوكول المعتمد من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر أيار/مايو سنة 2000‏[31]، يعتبر جهداً مهماً وانتصاراً صارخاً لحقوق الأطفال[32]، وتتويجاً لجهود اللجنة الدولية للصليب الأحمر والمنظمات غير الحكومية، التي بذلت طوال فترة التسعينيات قصارى جهدها من أجل رفع الحدّ الأدنى لسن مشاركة الأطفال في النزاعات المسلحة من الخمس عشرة سنة إلى الثماني عشرة سنة[33].

وقد تضمن البروتوكول بعض الأحكام المهمة، وبصفة خاصة تحديد سن التجنيد الإجباري، والتجنيد الطوعي أو الاختياري، كما تناول مسألة تجنيد الأطفال في الجماعات المسلحة المتميزة من القوات المسلحة للدولة، وذلك على النحو التالي[34]:

«يجب على الدول الأطراف اتخاذ جميع التدابير الممكنة عملياً لضمان عدم اشتراك أفراد قواتها المسلحة الذين لم يبلغوا سن الثامنة عشرة من العمر اشتراكاً مباشراً في الأعمال الحربية»[35].

وعليه فبخصوص:

– التجنيد الإلزامي: «تكفل الدول الأطراف عدم خضوع الأشخاص الذين لم يبلغوا الثامنة عشرة من العمر للتجنيد الإجباري في قواتها المسلحة»[36].

– التجنيد الطوعي: ترفع الدول الأطراف الحدّ الأدنى لسن تطوع الأشخاص في قواتها المسلحة الوطنية عن السن المحدّدة في الفقرة 3 من المادة الرقم (38) من اتفاقية حقوق الطفل، ويشترط البروتوكول قيام الدولة، بعد التصديق عليه، بإيداع إعلان يتضمن الحدّ الأدنى للسن الذي تسمح عنده بالتطوع في قواتها المسلحة الوطنية، وأن تقدم ضمانات لمنع التطوع الإجباري أو القسري[37].

كما يلزم البروتوكول الدول الأطراف التي تسمح بالتطوع في قواتها المسلحة دون سن الثامنة عشرة أن تتخذ الضمانات التي من شأنها أن يكون هذا التجنيد تطوعاً حقيقياً، وأن يتم بموافقة الآباء والأوصياء القانونيين للأطفال، كما يجب على الدولة تزويدهم بجميع المعلومات الكاملة عن الواجبات التي تنطوي عليها الخدمة العسكرية الوطنية، وإذا كان الواجب على الدولة بشكل عام هو أن تقوم برفع سن التجنيد التطوعي، إلا أن ذلك لا ينطبق على المدارس العسكرية التي تديرها الدولة أو تقع تحت سيطرتها، والتي تقبل الطلبة الذين لا يقل عمرهم عن 15 سنة كحدّ أدنى.

أما بخصوص المجموعات المسلحة المتميّزة من القوات الوطنية للدولة، فإن البروتوكول يحظر عليها أن تقوم تحت أي ظرف من الظروف بتجنيد أو استخدام من هم دون الثامنة عشرة من العمر في الأعمال الحربية، وينطبق هذا الحظر على المجموعات المسلحة كافة، وعلى الدول التي يوجد فيها مثل هذه الجماعات أن تتخذ جميع التدابير الممكنة عملياً لمنع هذا التجنيد أو الاستخدام، بما في ذلك اعتماد التدابير القانونية اللازمة لحظر وتجريم هذه الممارسات[38].

كما أوجب هذا البروتوكول الاختياري على الدول اتخاذ كل التدابير التي تكفل تسريح الأطفال من صفوف القوات المسلحة التابعة لها، إذ نص على أن «تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير الممكنة لكفالة تسريح الأشخاص المجندين أو المستخدمين في الأعمال الحربية في نطاق ولايتها بما لا يتناقض مع هذا البروتوكول ….»[39].

من خلال ما سبق، يتضح لنا بجلاء أن البروتوكول الملحق باتفاقية حقوق الطفل، بشأن اشتراك الأطفال في النزاعات المسلحة لسنة 2000، يمثل تقدماً واضحاً بالنسبة إلى ما يوفره القانون الدولي الإنساني من حماية، كما أنه يعزز إبقاء الأطفال جميعاً بمنأى عن مخاطر النزاع المسلح، وعن الاشتراك بمختلف أنواعه في الأعمال العدائية، على وجه الخصوص[40].

إلا أن هذا لا يمنعنا من إثارة بعض النقاط الأساسية من قبيل طبيعة الالتزام المفروض على الدول، فمن خلال استقراء المادة الأولى من البروتوكول، نجد أن الالتزام المفروض على الدولة هنا رهين بسلوك الدولة لا بالنتائج ومدى تحمّلها، وبالتالي فإنه كان من الأفضل استبدال عبارة «تتخذ جميع التدابير الممكنة» بعبارة «تتخذ جميع التدابير الضرورية»، لأن ذلك، مما لا شك فيه، سيوفِّر للأطفال حماية أكبر، وفي السياق نفسه دائماً، هناك نقطة ضعف ثانية تتجلى في مقدار الحماية المكفولة للأطفال إزاء الاشتراك في الأعمال العدائية، فوفقاً للنص، فإن الأطفال يحظون بالحماية في ما يتعلق بالاشتراك المباشر في الأعمال الحربية، وبالتالي فإن مضمون هذا الأخير هو أضعف مما ورد في البروتوكول الإضافي الثاني لاتفاقية جنيف لسنة 1977، حيث لا يجيز الاشتراك في الأعمال العدائية بالنسبة إلى الأطفال، سواء بصفة مباشرة أو غير مباشرة[41].

وبذلك يمكن القول إن المشاركة يمكن أن تكون بصورة غير مباشرة في الأعمال العدائية، مثل جمع المعلومات أو نقل الأوامر أو نقل الذخائر والمؤن الغذائية… ولا حاجة إلى القول إن اشتراك الأطفال في مثل هذه الأفعال من شأنه أن يعرّضهم لخطر الإصابة البدنية والصدمة النفسية، وهو خطر قد لا يقلّ أهمية عن ذاك الذي يمكن أن يتعرّضوا له إذا ما «اشتركوا مباشرة» في الأعمال العدائية.

كذلك من الملاحظات التي يمكن إثارتها بخصوص مضمون هذا البروتوكول الاختياري ما ورد في نصّ المادة الرقم (3) منه بخصوص رفع الحدّ الأدنى لسنّ التطوع، إلا أن الضمانات التي نصّت عليها لتأكيد الطابع التطوعي لسن التجنيد يصعب تطبيقها من الناحية العملية، فعلى سبيل المثال في البلدان التي تكثر فيها النزاعات المسلحة، يكون الوفاء بمطلب توفير دليل موثوق به عن السن المنصوص عليه في المادة محل شك، حيث إن نظم تسجيل المواليد كثيراً ما تكاد تنعدم. إضافة إلى ذلك، فإن الحماية المنصوص عليها في الفقرات الأولى من المادة (3) تعاني استثناءً مهماً، إذ إن اشتراط رفع سنّ التطوع لا ينطبق على المدارس التي تديرها القوات المسلحة أو تقع تحت سيطرتها، وسبب هذا الاستثناء هو أن وفود العديد من الدول التي أعدّت البروتوكول اعتبرته إجراءً ضرورياً لتوفير أعداد كافية من المتقدمين من ذوي المؤهلات المطلوبة للوفاء باحتياجات جيوشهم الوطنية.

وقد جرى التأكيد في هذا الشأن أن النظام الذي يعتمد على الخدمة التطوعية للأشخاص دون السن 18 سنة من العمر هم أفضل من نظام التجنيد الإجباري لمن هم فوق هذه السن، كما أن المدارس العسكرية كثيراً ما تمثل واحدة من الفرص القليلة المتوافرة أمام صغار السن في البلدان الفقيرة للحصول على تعليم عال[42].

نرى أن هذه التبريرات قد أضعفت الحماية المقررة في المادة الثالثة من البروتوكول الاختياري، وأنه من الأجدر توفير سبل أخرى لحصول الأطفال على تعليم عال من خلال مؤسسات لا تعدّ جزءاً من القوات المسلحة للدولة.

أما على مستوى الوجه الآخر للبروتوكول الاختياري، فهناك تقدم واضح بخصوص الحماية المكرّسة للأطفال، تتمثل في  الأساس برفع الحدّ الأدنى لسنّ التجنيد من خمس عشرة سنة إلى ثماني عشرة سنة. كذلك بحسب مقتضيات المادة الرابعة من البروتوكول، فإنه لا يجوز للمجموعات المسلحة من غير الدول أن تجنّد الأطفال، سواء أكان ذلك إجبارياً أم تطوعياً، ولا أن تجعلهم يشاركون في الأعمال العدائية، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر دون سن الثامنة عشرة. وعليه، تشكل هذه المادة إشارة قوية إلى عزم الدول ضبط سلوك المجموعات المسلحة من غير الدول[43]. وهذا يعدّ في حدّ ذاته قفزة نوعية في مسار حماية الطفولة، من الناحية النظرية على الأقل، ليبقى التساؤل مطروحاً حول وضعية الأطفال في سورية واليمن، الذين يجنّدون بشكل لم يسبق له مثيل، في تجاهل وانتهاك لكلِّ مقتضيات الاتفاقيات والبروتوكولات المعنية بحظر تجنيد الأطفال، فهل تشكّل هذه استثناء من القواعد القانونية السالفة الذكر، أم أن واقع الطفولة في هذين البلدين هو حجة على قصور المجتمع الدولي عن القضاء على ظاهرة الأطفال الجنود؟

فوفقاً لتقارير المنظمات الدولية، هناك الآلاف من الضحايا الأطفال في هذين البلدين، حيث يتم تجنيدهم واستغلالهم في الصراعات المسلحة التي أصبحت أمراً واقعاً وقدراً محتوماً منذ اندلاع شرارة النزاع.

أ – وضعية الأطفال في سورية

أدت الأوضاع المزرية داخل سورية والمتمثلة بالمواجهات المسلحة، إلى تردّي الأوضاع الاقتصادية للبلد، الأمر الذي نتج منه شريحة عريضة من المجتمع أصبحت تعيش تحث عتبة الفقر المدقع، ولجوء أخرى إلى بعض الدول المجاورة للعيش في ظروف صعبة، وكذا انتشار الصراعات الأيديولوجية الطائفية المتطرفة، بالإضافة إلى تدمير المدارس التي بلغ عددها منذ بداية الأحداث أكثر من 1390 مدرسة، فضلاً عن أن ما يقارب 5000 مدرسة أقفلت أبوابها[44]. والكارثة أن التقارير تشير إلى أن ما يزيد على 52 بالمئة من الأطفال بين عمر 6 و12 سنة لا يلتحقون بالتعليم الابتدائي، وهو ما ينذر بكارثة إنسانية كبرى في السنوات المقبلة على مستوى الأمية، وبالتالي عواقب ذلك من التخلف وسهولة التجنيد[45]. وهذا الأخير تم إحكام استغلاله من طرف كل الفصائل المتحاربة، ونخص بالذكر هنا تنظيم (داعش) الذي انتهج سياسة التجويع وإغراء الأهالي بإرسال أطفالهم للقتال مقابل المال، أو عن طريق اختطافهم[46]، للزجّ بهم في معسكرات تدريب يطلق عليها اسم دورات الأشبال، نذكر من بينها معسكر «أشبال العز»، حيث تتحدّث تقارير تابعة لمؤسسات دولية عن انتساب المئات من الأطفال إلى هذا المعسكر الذي يقع في غرب الرقّة، هذه المدينة التي عرفت أحداثاً مؤلمة أبرزها وصول 30 جثة لأطفال مقتولين في كوباني – عين العرب – بعدما أرسلوا إلى دورة قتالية مدتها شهر واحد فقط. كذلك من بين العمليات الانتحارية التي نفّدت خلال هذه الدورة القتالية واحدة نفذها طفل اسمه «باسل حميرة» من مدينة الرقة، لم يبلغ بعد 18 سنة[47].

وهناك معسكرات أخرى خاصة بتدريب الأطفال كان آخرها ما كشفه تقرير لصحافي أمريكي نشر في واشنطن بوست عن معسكرات تقيمها «داعش» وتصور أنشطتها، يظهر فيها أطفال صغار وهم يطلقون النار على أهداف، وهم يسيرون تحت راية سوداء، وهي راية تنظيم «داعش»، ويطلق عليهم «أشبال الزرقاوي». ويخضع الأطفال في هذه المعسكرات لبرامج مكثفة للتدريب على استعمال الأسلحة، وغالباً ما يتم تجنيدهم كعناصر انتحارية أو جواسيس[48].

وبدوره، فإن وزير التربية والتعليم في الحكومة السورية المؤقتة محيي الدين بنانة، يدقّ من غازي – المدينة التركية على الحدود السورية، حيث مقر الحكومة المؤقتة – ناقوس الخطر ويكشف عن وجود 3 ملايين ونصف المليون طفل خارج المدارس، الأمر الذي ينذر بكارثة إنسانية تهدد جيلاً بكامله سيذهب إلى التطرف والانحراف الاجتماعي.

ويضيف قائلاً: «توجد لدينا إحصاءات أن أغلبية المنتسبين إلى «داعش» بين 9 – 18 سنة، ونسبتهم ضمن صفوف التنظيم لا يستهان بها، فقد تصل إلى 30 أو 40 بالمئة من عناصر «داعش» من السوريين، وبالتالي هم سلعة أمام التصرف يمكنهم استخدامها في أي لحظة».

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونسيف)، في تقرير صدر سنة 2013م تحت عنوان»الحصار، الأثر المدمر للأطفال»، اعتبرت أن سوريا أصبحت أحد أخطر الأماكن بالنسبة إلى الأطفال. وجاء في التقرير أن نحو 3 ملايين طفل في سورية والدول المجاورة غير قادرين على الذهاب إلى المدارس بانتظام. وأوضحت أن هذا الرقم يشكّل نحو نصف سكان سورية ممن هم في مرحلة الدراسة، وأن ما يقدر بمليون طفل سوري محاصرون أو في مناطق يصعب الوصول إليها، وأن الملايين مهدّدون بأن يكونوا جيلاً ضائعاً، يسهل استقطابه واستغلاله.

ومما تجدر بنا الإشارة إليه هنا أن تجنيد الأطفال لا يقتصر على تنظيم «داعش»، بل يتجاوزه إلى النظام السوري، بحيث يقاتل عدد من الأطفال السوريين إلى جانب النظام ضمن مليشيات الدفاع الوطني، ويتم تكليفهم بالمهام البسيطة، مثل نقاط التفتيش أو ما يعرف بالحواجز. ولا يخفى أن خطر تواجد الأطفال في أماكن كهاته لا يقلّ أهمية عن المواجهات المسلحة المباشرة. وفي هذا الإطار، يقول مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبد الرحمن: «نعم، هناك تجنيد للأطفال من قبل الفصائل المقاتلة، ولكن النظام غير مستثنى من تجنيده للأطفال أيضاً، كعناصر ضمن ما يسمّى بـ «الدفاع الوطني»، و«اللجان الشعبية»، وهناك في بعض الحالات ما يعرف بـ «كتائب البعث» التي يشارك فيها طلاب المرحلة الثانوية، وهم أيضاً دون السن القانونية لجبهة الحروب». ويكشف أن من ضمن 50 ألف مقاتل في تنظيم «داعش» في سورية، يوجد أكثر من 10 إلى 15 بالمئة منهم أطفال»[49].

كانت هذه بعض صور الواقع المؤلم الذي تتخبّط فيه الطفولة السورية، بسبب الانتهاكات الجسيمة للقواعد القانونية، التي تنتهجها مختلف الفصائل المتحاربة، ليطرح السؤال: ماذا عن حالة الطفل اليمني في ظل الظروف الراهنة؟

ب – وضعية الأطفال في اليمن

يعتبر اليمن واحداً من ثماني دول أدرجت قواتها الأمنية الوطنية سنة 2012 من قبل الأمين العام على قائمة الدول التي تجند وتستخدم الأطفال في النزاعات المسلحة. ووفقاً لتقديرات منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) بلغ عدد الأطفال المشاركين فى القوات المسلحة ما يقرب من أربعين ألف طفل. والجدير بالذكر أن عام 2014 وحده شهد زيادة كبيرة فى عمليات تجنيد الأطفال فى اليمن تقدر بـ 47 بالمئة عن الأعوام التي سبقت ذلك، وهو ما يعدّ أمراً طبيعياً، ولا سيما أن هذا العام تحديداً قد مثل البداية الحقيقية والأكثر ضراوة للصراع في اليمن. لكن على الرغم من ذلك، تظل القدرة على التوصل إلى إحصاء دقيق بشأن تجنيد الأطفال يكتنفها قدر كبير من الصعوبة، خاصة مع عدم اعتراف جهات التجنيد باستقطاب الأطفال باعتباره أمراً سيضعهم تحت طائلة القانون[50].

وفي هذا السياق، قال رئيس منظمة «سياج» لحماية الطفولة في اليمن، أحمد القرشي، إن الأحداث التي تشهدها اليمن تظهر بشكل كبير جداً مشكلة تجنيد الأطفال، مشيراً إلى أن الظاهرة تستند إلى ثقافة قبلية ودينية متطرفة تشجع على حمل السلاح.

وأضاف قرشي: «إن الحوثيين يستخدمون الأطفال كمقاتلين وكوسائل اتصال بين جماعات المقاتلين وكحملة رسائل»[51].

وفي ظل هذا الوضع، فقد بذل العديد من الجهود الأممية والمحلية لوقف ظاهرة تجنيد الأطفال في اليمن، أسفرت عن توقيع الحكومة اليمنية اتفاقية مع الأمم المتحدة فى أيار/مايو 2014‏[52]، بحضور رئيس الوزراء اليمنى الأسبق، محمد سالم باسندوة، والممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لشؤون الأطفال والنزاعات المسلحة، ليلى زروقي، حيث تضمّنت خطة عمل تلتزم الحكومة بموجبها بالحقوق العالمية للطفل ومعايير حماية الأطفال التي حدّدتها اتفاقية الأمم المتحدة بشأن حقوق الطفل وبروتوكولها الاختياري حول إشراك الأطفال في الصراعات المسلحة التي صادقت عليها الجمهورية اليمنية في آذار/مارس سنة 2007، وكذلك المعايير الدولية ومعايير حقوق الإنسان ذات الصلة.

لكن تظل هذه الاتفاقية قاصرة، لكونها تقتصر على الأطفال المنتسبين إلى الجيش النظامي، ولا تتضمن الأطفال الذين يتم تجنيدهم من قبل الجماعات المسلحة الأخرى غير الملتزمة بها، خاصة جماعة «أنصار الله» الحوثية، و«أنصار الشريعة» التابع للقاعدة، ذلك علاوة على أن التغيير الذي أصاب منظومة الحكم في اليمن وخروج الوضع عن سيطرة الحكومة التي وقّعت الاتفاق يجعل الالتزام بما تضمنته الاتفاقية، أمراً مستحيلا.

من خلال ما سبق، يبدو أن الأطراف المتحاربة، سواء في سورية أو في اليمن، قد استغلت الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، والطبيعة القبلية المتشابكة لاستقطاب وتجنيد الأطفال. وفى هذا السياق، تتقدم الإغراءات المالية عملية تجنيد الأطفال، حيث يتم استغلال الفقر وتدني الحالة الاقتصادية، إذ تقوم العديد من الأسر بإرسال أبنائها للانضمام، سواء إلى الجيش النظامي أو إلى المليشيات المسلحة مقابل الحصول على الحدّ الأدنى من احتياجاتهم اليومية.

ويضاف إلى ذلك، عمليات التعبئة الدينية التي تقوم بها التنظيمات بمختلف فروعها في سورية، وهو ما يعني أن الأجيال الجديدة من الأطفال السوريين يعيشون حالة مسخ للهوية وغسل للدماغ بأفكار عنيفة ستجعلنا أمام المئات والآلاف من أنصار التكفير والتفجير. وفي الجهة الأخرى نجد الحوثيين، حيث يقومون بتخصيص حصص أسبوعية لطلاب المدارس تتحدّث عن فضيلة الحروب والجهاد في سبيل الله، فضلاً عن عرض بعض الأفلام الوثائقية الحماسية لحثّ وتشجيع الأطفال على الجنوح نحو الحرب. وهو النمط الذي تعتمد عليه التنظيمات القاعدية في تجنيد الأطفال لمواجهة الحوثيين الشيعة، بالإضافة إلى قيام التنظيم بعمليات تزويج الأطفال بعد بلوغهم سن الخامسة عشرة بهدف ضمان ولائهم[53].

وخلاصة القول، إن كل الجهود التي بذلت من طرف المجتمع الدولي للحدّ من ظاهرة الأطفال الجنود، ما زالت لم ترق بعد إلى المستوى المطلوب، بل حتى البروتوكول الاختياري لسنة 2000 لم يأت بالقوة التي كان يطمح إليها الكثيرون. وأبرز مثال على ذلك نموذجا سورية واليمن، اللذين لم تسعف كل الاتفاقيات الدولية من الحد من معاناتهما، وبذلك تبقى آفة الأطفال الجنود في انتشار مستمر تحمل جملة من التساؤلات، أبرزها: ما هي صفة هؤلاء الأطفال في النزاعات المسلحة؟ وما هي القواعد القانونية التي تنطبق عليهم أثناء وقوعهم في الأسر؟

ثانياً: الحماية القانونية للأطفال المشاركين في الأعمال العدائية

يرى القانون الدولي الإنساني أنه من غير الطبيعي مشاركة الأطفال في الأعمال العدائية[54]. لكن قد يتم انتهاك هذا الحظر، بالزجّ بهم في الحروب، الأمر الذي يعدّ مخالفة صريحة لمبدأ الإنسانية وقواعد القانون الدولي الإنساني، ومن ثم يثور التساؤل في هذه الحالة عن ماهية الحماية القانونية المكرسة للأطفال الجنود في حالة وقوعهم في الأسر، علماً أن القانون الدولي الإنساني لا يعرّف «الجنود الأطفال»؟ لهذا السبب، فقد استنجدنا بتعريف مبادئ «الكاب» الذي اعتمدته منظمة الأمم المتحدة للطفولة، والذي يعرّف الطفل الجندي بأنه «كل شخص لم يتجاوز عمره 18 سنة وعضو في القوات المسلحة الحكومية أو في الجماعات المسلحة النظامية أو غير النظامية، أو مرتبط بتلك القوات، سواء كانت هناك أو لم تكن حالة من الصراع المسلح»[55].

يعتمد هذا التعريف أساساً على السن والمشاركة، سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة، إذ ينطبق على الأطفال الذين يؤدون مهام متنوعة. وهذه الأخيرة قد تكون عن طريق المشاركة بالأسلحة في الأعمال العدائية، إضافة إلى زرع الألغام الأرضية والمتفجرات، ومهام التجسس والاستطلاع والطبخ، أو حتى الذين يجري استعبادهم جنسياً أو يستغلون لغايات جنسية أخرى[56]. كما تعرّف المفوضية الأوروبية مصطلح «الجنود الأطفال» بأنهم «الأشخاص الذين لم تتجاوز أعمارهم 18 سنة، وسبق أن شاركوا بشكل مباشر أو غير مباشر في الصراع العسكري المسلح».

فمن خلال التعريفين السابقين، نستخلص أنه في حالة انخراط الأطفال في النزاعات المسلحة، تكون لهم صفة المقاتلين، وبالتالي ينطبق عليهم وضع المقاتل، وذلك بالرغم من القواعد الخاصة بحماية الأطفال من التجنيد التي سبق ذكرها[57]. وفي حالة وقوعهم في قبضة الخصم، يكون لهم كامل الحق في التمتع بوضع أسرى الحرب.

وفي هذه الحالة، يستفيد الطفل من القواعد العامة الواردة في القانون الدولي الإنساني بشأن حماية الأسرى ومعاملتهم، كما أنه نظراً إلى صغر سنه، فإنه – أي الطفل – يحظى بمعاملة خاصة في حالة اعتقاله أو وقوعه في الأسر.

وعليه، فإن التساؤل الذي يطرح نفسه هنا هو: ما المقصود بحماية الأطفال الأسرى؟

للإجابة عن التساؤل السابق سننتهج التقسيم التالي:

1 – الحماية العامة للأسرى

من المؤكد أن أسرى الحرب يشكّلون طائفة من الطوائف التي تتعرض لمخاطر واعتداءات شتى بسبب سقوطهم في يد العدو. لذلك فقد نصّ القانون الدولي الإنساني في إطار الاتفاقية الثالثة المتعلقة بمعاملة أسرى الحرب، وبعض أحكام البروتوكول الإضافي الأول لسنة 1977، على كفالة حماية الأسرى منذ وقوعهم في الأسر، وحتى الإفراج عنهم وعودتهم إلى ديارهم وأوطانهم[58].

ومن المبادئ الأساسية التي أرساها في هذا الإطار إسناد مسؤولية الأسر إلى الدولة الحاجزة، لا إلى أفراد أو تنظيمات، وحجز الأسرى بمنأى عن جبهات القتال وساحات المعارك، وتأمين حمايتهم وتقديم الخدمات الضرورية لهم، وتمكينهم من تبادل الرسائل مع ذويهم، والسماح لمندوبي اللجنة الدولية للصليب الأحمر بزيارتهم، وعدم إرغامهم على القيام بأعمال عدائية ضد بلدهم، أو حشدهم في صفوف قوات الدولة الحاجزة، كما أن حقهم بالعودة إلى أوطانهم فور انتهاء العمليات الحربية ثابت[59]. وفي إطار الاتفاقية نفسها دائماً، فقد أوردت مجموعة من القواعد لحماية أسرى الحرب، وانطلاقاً من هذه القواعد، تتم حماية الأطفال المشاركين في الأعمال العدائية في حالة وقوعهم في الأسر[60].

كما نصّت الاتفاقية الثالثة على وجوب معاملة أسرى الحرب معاملة إنسانية في جميع الأوقات، وحظر اقتراف الدولة الحاجزة أي فعل أو إهمال غير مشروع يسبب موت أسير في عهدتها. ويعتبر انتهاكاً جسيماً لهذه الاتفاقية، وخصوصاً عدم جواز تعريض أي أسير للتشويه البدني أو التجارب الطبية أو العلمية من أي نوع كان، مما لا تبرّره المعالجة للأسير المعني، ولا يكون في مصلحته. وبالمثل، يجب حماية أسرى الحرب في جميع الأوقات، خصوصاً ضد جميع أعمال العنف أو التهديد وضد السباب وفضول الجماهير.

كما تحظر تدابير القصاص من أسرى الحرب[61]، وتنصّ الاتفاقية نفسها في إطار المادة الرقم (14) على أنه «لأسرى الحرب الحق باحترام أشخاصهم وشرفهم في جميع الأحوال، ويجب أن تعامل النساء الأسيرات بكل الاعتبار الواجب لجنسهن».

وتضيف المادة الرقم (15) منها على أنه «تتكفل الدولة التي تحتجز أسرى الحرب بإعانتهم من دون مقابل، وبتقديم الرعاية الطبية التي تتطلبها حالتهم الصحية مجاناً».

وعليه، إذا أباح القانون الدولي الإنساني للأطراف المتحاربة استهداف القوة المسلحة للخصم، أفراداً وعتاداً، فإنه قد حظر المساس بغير ذلك من قبيل المدنيين، ومن لم يعُد غير قادر على القتال، حيث إن المقاتل هدف عسكري طالما حمل السلاح وشارك في العمليات العسكرية، لكنه يصبح محمياً إذا ألقى السلاح أو لم يعُد قادراً على القتال لإصابة لحقت به، أو لوقوعه في الأسر، ونتيجة لذلك فإن إيذاءه بأي شكل من الأشكال يعتبر جريمة بموجب قواعد القانون الدولي الإنساني. ومن أبشع الجرائم المرتكبة ضد أسرى الحرب، القتل والتعذيب واتخاذهم رهائن، وتحويلهم إلى سلاح للضغط على الخصم، واحتجازهم لأشهر أو لسنوات طويلة بعد انتهاء المعارك، وعزلهم عن العالم الخارجي[62].

من خلال ما سبق ذكره، نخلص إلى أن التزام الدول بكلِّ المقتضيات السالفة الذكر، سيشكل حماية فعالة لجميع الأسرى، ومن بينهم الأطفال. وعليه، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: ماذا عن الحماية الخاصة؟

2 – الحماية الخاصة للأطفال الأسرى

لما اتخذت المسائل المتصلة بالطفل، كعنصر فاعل في الحرب، أبعاداً مفرطة وغير مقبولة. جاء البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقية جنيف سنة 1977 لينصّ في بنوده على أن الأطفال المقاتلين الذين يقعون في قبضة الخصم، يكونون موضع احترام خاص، ويتمتعون بحماية خاصة، وذلك انطلاقاً من الفقرة الثالثة للمادة الرقم (77) منه، التي تقول: «إذا حدث في حالات استثنائية أن اشترك الأطفال ممن لم يبلغوا بعد سن الخامسة عشرة، في الأعمال العدائية بصورة مباشرة، ووقعوا في قبضة الخصم، فإنهم يظلون مستفيدين من الحماية الخاصة التي تكفلها هذه المادة، سواء أكانوا أسرى حرب أم لم يكونوا»[63].

فمن الملاحظ هنا أن هذا الحكم، شأنه شأن الحكم الوارد في إطار الفقرة الثالثة من المادة الرابعة للبروتوكول الإضافي الثاني، الذي يتسم بالواقعية في ما يتعلق باحتمال حمل الأطفال للسلاح[64].

وعليه، فإن الأطفال المشاركين في الأعمال العدائية يتمتعون بحماية خاصة في حالة وقوعهم في الأسر، حيث تنطبق عليهم صفة المقاتلين، ويتمتعون بوضع أسير حرب قانوني[65].

ومن هذا المنطلق، يجب العمل على ضمان الحماية لهم في حالة اعتقالهم، حتى ولو كانت مشاركة هؤلاء الأطفال في الأعمال العدائية محظورة أصلاً، إذ لا يوجد مانع سنّي للتمتع بوضع أسير الحرب، فالسن ما هو إلا عامل يبرر معاملتهم معاملة أفضل.

وبالتالي، فالأطفال المقاتلون دون سن الخامسة عشرة الذين اعتقلوا يجب عدم إدانتهم لمجرد أنهم حملوا السلاح، فهم لا يتحمّلون أية مسؤولية، نظراً إلى أن الحظر المتعلق بمشاركتهم في الأعمال العدائية المنصوص عليه في الفقرة الثانية من المادة الرقم (77) من البروتوكول الإضافي الأول يخصّ أطراف النزاع وليس الأطفال. فالمسؤولية القانونية في مثل هذه المخالفة، تقع على عاتق المشارك في النزاع المسلح الذي جند هؤلاء الأطفال القصّر.

وعليه، يجب أن يحظى كل الأطفال الذين أسروا بمعاملة جيدة، نظراً إلى صغر سنهم وفقاً لاتفاقيات جنيف الثلاثة التي نصّت على «أنه يجب على الدول الحاجزة أن تعامل الأسرى على قدم المساواة من دون أي تمييز ضار على أساس العنصر، أو الجنسية، أو الدين، أو الآراء السياسية، أو أية معايير مماثلة أخرى، وتلتزم الدولة الحاجزة بالمساواة طالما كانت أوضاع الأسرى وظروفهم متساوية، وما قد يتمتع به الأسرى من معاملة أفضل بسبب ظروفهم الصحية أو أعمارهم»[66]. علاوة على ذلك، نصّت هذه الاتفاقية على ضرورة معاملة الأطفال في حالة تشغيلهم على أساس أنه «يجوز للدولة الحاجزة تشغيل أسرى الحرب اللائقين للعمل، مع مراعاة سنّهم وجنسهم ورتبتهم، وكذلك قدراتهم البدنية، على أن يكون القصد بصورة خاصة هو المحافظة عليهم في صحة جيدة، بدنياً ومعنويا»[67].

ويقضي البروتوكول الأول بأن يعامل الأطفال الأسرى معاملة خاصة، وذلك من خلال أسرهم في أماكن منفصلة عن تلك التي تخصص للبالغين[68].

وبصرف النظر عن طبيعة النزاع المسلح، فإن المعاملة الخاصة للأطفال يمكن أن تشمل ترتيب عملية تتعلق بالتربية الصحية لهم، من خلال توفير الرعاية والمعونة، وتعليمهم على الأساس الذي يلائم ثقافتهم، وهو ما تم تأكيده في البروتوكول الثاني لسنة 1977، الذي يفيد بأنه «يجب توفير الرعاية والمعونة للأطفال بقدر ما يحتاجون إليهما، وبصفة خاصة:

– يجب أن يتلقى هؤلاء الأطفال التعليم بما في ذلك التربية الدينية والخلقية.

– تبقى الحماية الخاصة التي توفرها هذه المادة إلى الأطفال دون الخامسة عشرة سارية عليهم إذا اشتركوا في الأعمال العدائية بصورة مباشرة، رغم أحكام الفقرة ج التي تمنع اشتراكهم في هذه الأعمال إذا ألقي القبض عليهم[69].

وكما هو الشأن بالنسبة إلى جميع أسرى الحرب الآخرين، فإن الوضع القانوني للأطفال المقاتلين، باعتبارهم أسرى الحرب، لا يحول دون إصدار أحكام جنائية ضدهم عن المخالفات الجسيمة التي يرتكبونها أثناء القتال، خاصة جرائم الحرب، أو المخالفات التي تخل بالقانون الوطني للدولة الحاجزة.

ومما يجدر بنا الإشارة إليه هنا؛ هو أنه في هذه الحالات يجب تقدير مسؤولياتهم بحسب أعمارهم، وكقاعدة عامة تتخذ في حقهم إجراءات تربوية. ومن الممكن أن يحكم عليهم بعقوبات جنائية وفقاً لضمانات قضائية محددة، تعطي الأولوية لمصالح الطفل الفضلى، إلى جانب ضمانة أساسية، وهي «أن الحكم بالإعدام يجب ألا يصدر في حق شخص دون الثامنة عشرة عند ارتكابه للمخالفة، ويجب ألا ينفذ»[70].

وبالنسبة إلى عودة الأطفال المقاتلين أسرى الحرب إلى الوطن، والتي تختلف بطبيعة الحال تبعاً لما إذا كان ذلك قد حصل أثناء الأعمال العدائية، أو عند انتهائها، فعودة الأطفال الأسرى في ظل الأعمال العدائية لم ينص عليها صراحة، لكن نظراً إلى صغر سن هؤلاء الأطفال فإنه من الممكن السعي إلى حمل أطراف النزاع على عقد اتفاقيات تقضي بإعادتهم إلى الوطن بصورة مسبقة، وذلك قياساً على القواعد التي تنطبق على الأشخاص المصابين بأمراض أو بجروح خطيرة، وعلى أسرى الحرب الذين يشكل اعتقالهم خطراً جسيماً على قدرتهم العقلية والبدنية. أما بخصوص عودة الأطفال بعد أن تضع الحرب أوزارها، فإنه يجب أن يعاد الأطفال المقاتلون أسرى الحرب فوراً، شأنهم في ذلك شأن جميع الأسرى[71]. في ما عدا إذا صدرت ضدهم أحكام عن جرائم جنائية[72].

وفي ما يلي أمثلة تطبيقية على إطلاق سراح الأطفال الجنود، ففي جمهورية الكونغو الديمقراطية أسفرت الجهود التي يبذلها قسم حماية الطفولة في بعثة منظمة الأمم المتحدة في جمهورية الكونغو واليونيسيف مع اللجنة المختلطة للسلام والأمن، التي أنشئت لهذا الغرض، إلى عقد اجتماع أقر الاتفاق على عملية لتقديم المساعدات وتيسير إطلاق سراح الأطفال المقاتلين من الجماعات المسلحة، في محافظتي «كيفو الشمالية» و«كيفو الجنوبية». وقد أوفدت ثلاث بعثات مشتركة إلى «كيفو الشمالية»، وأسفرت هذه الجهود عن إطلاق سراح 66 طفلاً مقاتلاً، منهم 12 طفلاً من قوات «المايي» (مايي الكاسديين)، فضلاً عن طفلة واحدة، و44 طفلاً من قوات «المايي» (المايي المنغولية)، وطفل واحد من ائتلاف المقاومة الوطنية الكونغولية، و9 أطفال من قوات «المؤتمر الوطني للدفاع عن الشعب». كما أسفرت جهود بعثتين مشتركتين أوفدتا إلى «كيفو الجنوبية» عن إطلاق سراح أقل من عشرة أطفال مقاتلين[73].

وفي السودان أيضاً، صدر مرسوم رئاسي بالعفو عن الأطفال المقاتلين الذين شاركوا مع حركة العدل والمساواة في الهجوم على أم درمان في أيار/مايو 2008، والذين أسرتهم القوات المسلحة السودانية، وكان عددهم حوالى 89 طفلاً مقاتلاً تتراوح أعمارهم بين الحادية عشرة والسابعة عشرة، حيث أطلق سراحهم وجمع شملهم مع أسرهم جميعاً[74].

كانت هذه بعض النماذج، على سبيل المثال لا الحصر، التي جسّدت التفعيل الفوري لصكوك القانون الدولي الإنساني التي تقضي بإطلاق سراح الأطفال الجنود فور انتهاء الأعمال العدائية، ومن ثم إعادتهم إلى أوطانهم وذويهم بصورة نهائية من دون إبطاء بعد توقف الأعمال العدائية، إذ يعتبر عدم إطلاق السراح في هذه الحالة انتهاكاً لأحكام القانون الدولي الإنساني، وهو يندرج ضمن جرائم الحرب.

خاتمة

من خلال ما سبق، يتضح بجلاء أن القانون الدولي الإنساني يحظر مشاركة الأطفال في النزاعات المسلحة، ويعتبر مشاركة هؤلاء القصّر في الأعمال العدائية انتهاكاً لقواعده ومبادئه.

وعلى الرغم من ذلك، فإنه توقع أن بعض الدول أو الجماعات المسلحة قد تعمد إلى تجنيد الأطفال، فأضفى عليهم في هذه الحالة حماية خاصة إذا ما تم أسرهم. ونشير هنا أساساً إلى الدعم القوي الذي جاء به نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية بخصوص هذا الطرح – أي طرح الحماية الخاصة للأطفال – فقد وصف نظام روما عملية التجنيد الإلزامي أو الطوعي للأطفال دون الخامسة عشرة أو استخدامهم للاشتراك في الأعمال الحربية، بكونه جريمة حرب، سواء في النزاعات المسلحة الدولية أو غير الدولية[75]. وفي هذه الحالة، نظراً إلى وضع الأطفال، نعتقد أنه من أهم الخطوات الواجب اتخاذها في هذا الشأن هي ضرورة تكاثف كل الجهود الدولية بهدف تعزيز الحماية المقررة للأطفال من خلال:

– إحداث آلية دولية تشرف على تسريح وإعادة إدماج كل الأطفال المجنّدين.

– تفعيل سن التجنيد المتمثل بـ 18 سنة كما أكده البروتوكول الاختياري لسنة 2000 الملحق باتفاقية حقوق الطفل لسنة 1989 عوض سن 15 سنة، كما جاء في مواثيق القانون الدولي الإنساني.

– العمل على الحدّ من الأسباب المساهمة في انتشار ظاهرة الأطفال الجنود، من خلال النهوض بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية التي تدفع هؤلاء الأطفال إلى المشاركة في النزاعات المسلحة.

 

قد يهمكم أيضاً  الاستقرار الدولي والأمن الإنساني في عام 2017

#مركز_دراسات_الوحدة_العربية #الأطفال_الجنود #الأطفال_المقاتلين #تجنيد_الأطفال #القانون_الدولي #الطفولة #النزاعات #الأطفال_في_الحروب #القانون_الدولي_وحماية_الأطفال #النزاعات_المسلحة_والأطفال #الأطفال_الأسرى #دراسات