القاهرة في 14 تشرين الأول/أكتوبر 2021

 

تأسس مركز دراسات الوحدة العربية فى بيروت فى منتصف سبعينيات القرن الماضى على يد نفر من خيرة مثقفى الأمة العربية فى زخم انتصارات حرب أكتوبر المجيدة ودلالاتها التاريخية على معنى التضامن العربى وما أدى إليه من صعود فى المكانة العربية من ناحية، والحرص من ناحية أخرى على اتخاذ هذا الإنجاز نقطة انطلاق لإحياء المشروع العربى وحلمه الوحدوى بعد أن ظهرت مؤشرات مقلقة على احتمالات تراجع دوره عن أهدافه، ولم يجد مؤسسو المركز دفاعا عن هذا المشروع أفضل من احتضان فكرته العروبية ورعايتها وتعزيزها ومدها بكل أسباب الانطلاق، والأهم من ذلك اعتماد العلم سبيلا وحيدا فى المركز لتحقيق أهدافهم اتساقا مع الشعار الذى رفعه المفكر القومى الكبير ساطع الحصرى وهو العروبة والعلم أى أن الإيمان بالعروبة حتى وإن كان عاطفياً إلا أنه معزز بالعلم بمعنى أن ثمة اعتبارات موضوعية كثيرة تجعل الرابطة العربية مفيدة للمنضوين تحت لوائها كما ترصد الأدبيات الكثيرة عن التكامل العربى، وهكذا انطلق المركز فور بدايته فى نشاط علمى لا يهدأ تناول كافة أبعاد الفكرة العربية وما تفضى إليه من رابطة بين الشعوب العربية والصعوبات التى تعترض تجسيد هذه الرابطة والتحديات الداخلية والخارجية التى تواجهها الأمة العربية فى ترتيب أوضاعها الداخلية ومواجهة أعدائها الخارجيين، وكأن مؤسسى المركز كانوا يستشرفون الأهوال التى كانت فى سبيلها لاعتراض الأمة العربية وتعويق مسيرتها فكاد تأسيس المركز أن يتزامن مع اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية التى دامت خمس عشرة سنة وتداعياتها الكارثية، وسرعان ما أعقبت اندلاعها زيارة الرئيس السادات للقدس وما أفضت إليه من تداعيات على العلاقات المصرية-العربية، وفي1980 اندلعت الحرب العراقية-الإيرانية التى دامت ثمانى سنوات وما كادت تنتهى في1988 بعد أن بلغ الخراب الذى أحدثته مبلغه حتى غزا صدام حسين الكويت في1990، وما كادت الأمة العربية تتعافى من تداعيات هذا الغزو بالمصالحة العراقية-الكويتية فى قمة بيروت2002 حتى وقع الغزو الأمريكى للعراق في2003 الذى لم تقتصر آثاره الكارثية على العراق فحسب بل ضربت فى أساس النظام العربى بتعزيزها الطائفية والفتن فى دوله، ثم أضاف مآل الانتفاضات الشعبية فى بلدان عربية عديدة وما أدت إليه من صراعات داخلية مستعرة وتدخلات خارجية فجة إلى الأوجاع العربية ما أضافه بتهديد كيانات العديد من الدول العربية والطفرة النوعية فى الإرهاب التى تمثلت فى إعلانه دولة للمرة الأولى فى تاريخ العرب المعاصر على جزء يعتد به من إقليمى العراق وسوريا في2014، وفى كل هذه التحديات والمعارك السابقة صمد المركز ببوصلته العربية الأصيلة فى وجه كل من حاول النيل من الفكرة العربية مدافعا عنها وكاشفا للحلول السليمة التى تقدمها للخروج من المآزق المتتالية التى تعرض لها الوطن العربى متسلحا باستقلاليته المبنية على عدم تبعيته لأى جهة رسمية بسبب تجربته الفريدة فى التمويل الذاتى، ذلك أن المركز اعتمد على نحو كامل على تبرعات أنصاره المؤمنين بالفكرة العربية ودخله من مبيعات إصداراته، ولم يتلق أى دعم مشروط من جهة عربية أوغير عربية، ولم تكن دوائر رسمية عديدة فى الوطن العربى سعيدة بهذه الاستقلالية، لكن المركز بالمقابل اكتسب احترام قطاعات واسعة من المثقفين العرب شكلت خير حاضنة له. غير أن الظروف السياسية والاقتصادية فى السنوات الأخيرة فى الوطن العربى أدت إلى تعرض المركز لمشكلات مالية جسيمة سواء نتيجة تردى الأوضاع الاقتصادية العربية بصفة عامة أو التضييق على مصادر الدعم المالية للمركز، وساهمت سياسات خاطئة فى تفاقم أزمته المالية، غير أن إجراءات تصحيحية جادة تم اتخاذها، ووضعت إدارته الشابة الجديدة سياسات فعالة استطاعت إخراج المركز من أزمته بسلام علماً بأنه لم يتوقف عن أداء رسالته يوما، غير أن تطور الأوضاع فى لبنان أعاد المركز إلى المربع رقم1، فنتيجة للأوضاع الاقتصادية المتردية والأزمة المالية الخانقة بدأت المصارف اللبنانية تتبع سياسات تفوق الخيال أدت إلى أن تصبح ودائع عملاء هذه المصارف «ورقية» بمعنى أنها موجودة على الورق لا يستطيع أصحابها إلا سحب جزء يسير منها وفق جدول زمنى معين، وهكذا بات من غير الممكن للمركز التصرف حتى بودائعه بالعملة اللبنانية التى فقدت أصلاً90% من قيمتها، أما الودائع الدولارية فلا يُصْرَف إلا النزر اليسير منها وبعد اقتطاع 80% من قيمتها! وفى ظل هكذا وضع بات المركز غير قادر على تأمين الرواتب الشهرية لموظفيه أو حتى تكاليف طباعة الكتب والنفقات الضرورية لسير العمل عموما، خاصة وأن كل مقدمى الخدمات باتوا يطلبون سداد ثمنها نقداً بالدولار وهو غير متاح أصلا، وأمام هكذا وضع أصبح الحصول على الدولار من خارج لبنان عن طريق المشاركة فى معارض الكتب العربية ومناشدة الأنصار تكثيف تبرعاتهم فى هذه الظروف يمثلان الوسيلة الوحيدة حاليا لمواجهة هذا التحدى المصيري.

وقد كنت أتحاور مع مديرة المركز القديرة التى تمسك بدفة المركز بيد واثقة وتخوض مع جهاز المركز المخلص الكفء أشرس المعارك من أجل كفالة استمرار المركز فتحدثت عن حلم متواضع لكنه كفيل بإخراج المركز من أزمته: ماذا لو أن ألفا من أنصار المركز وأصدقائه -وهم يُعدون بعشرات الألوف- قد تبرع كل منهم بمائة دولار فتُضَخ إلى المركز مائة ألف دولار كفيلة بإخراجه من أزمته، يستحق مركز دراسات الوحدة العربية بالتأكيد من كل المؤمنين بالفكرة العربية والحالمين بمستقبل عربى أفضل التفكير فى أنسب السبل وأكثرها فاعلية لدعم المركز فى محنته الحالية التى تواجهها أسرة العاملين فيه بشجاعة وشرف.

 

بقلم الدكتور أحمد يوسف أحمد