تقديم:

إن فاعلية وتأثير البحث العلمي ودوره وحجم الاستفادة منه يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمجموعة من العناصر، منها جودته، وارتباطه بقضايا التنمية، وأشكال مخرجاته أو نتائجه، وطريقة إتاحته. ويعتبر نشر نتائج البحث العلمي (النشر العلمي) سواء على شكل مقالات في مجلات علمية متخصصة، الكتاب العلمي، أو الأوراق البحثية في المؤتمرات العلمية وغير ذلك من أشكال مخرجاته. ولمعرفة جودة وحجم الاستفادة من هذه الأبحاث والدراسات العلمية كان لا بد من منهجيات وأدوات لقياس وتقييم المجلات العلمية والأبحاث المنشورة فيها. من هنا ظهرت طرق أو أوعية علمية لتقييمها وقياسها، منها ما يعرف بمعامل التأثير والاستشهادات المرجعية (Citations and Impact Factor).

وعادة ما تحمل المجلات العلمية مواصفات خاصة، مثل التحكيم، والتخصص، والانتظام في الصدور، وتوافر لجنة تحرير علمية والترقيم الدولي المعياري للدوريات (ردمد) ISSN، وغيرها. وهذه المواصفات يعتبرها البعض ضمن معايير ضبط الجودة والصلاحية العلمية. إن قضية ضبط الجودة والصلاحية ساهمت في تولد الحاجة إلى ما يعرف بمعامل التأثير والاستشهادات المرجعية، وهي طرق قياس الجودة العلمية للمجلات العلمية وحجم تأثيرها والاقتباس منها، كانت هذه الطرق والمعايير وسيلة لتصنيف وترتيب المجلات العلمية ومقارنتها من حيث أثرها والجودة العلمية للمواد للمحتوى المنشور فيها. ومن أهم هذه الطرق معامل سكوبس (Scopus) الذي تملكه شركة «Elsevier» العالمية، ومعامل التأثير العالمي ويب أوف ساينس (Web of Science (WoS)) وهو الأشهر والأعرق، الذي كانت تملكه شركة تومسون رويتر البريطانية (وانتقلت ملكيته إلى شركة «Onex» العالمية في كندا، وشركة «Baring Asia» في منتصف 2016). وكلاهما يصدران باللغة الإنكليزية، ويتبعان المنظومة العلمية الغربية. ولا يشملان المجلات الصادرة باللغة العربية حتى الآن.

إشكالية الدراسة

إن محاولة إصدار معامل تأثير «عربي» هو ليس مجرد أداة أو معيار فني وإنما هو جزء من عملية ثقافية وحضارية. من هنا يسعى هذا البحث إلى تحديد ماهية هذه الرؤية الحضارية النظرية المرتبطة به، وعلاقتها بسياق أو تجربة الواقع في البيئة العربية في بناء معامل تأثير «عربي» للمجلات العربية بوجه عام، وتجربة بناء وتأسيس معامل التأثير والاستشهادات المرجعية العربي ((Arab Citation and Impact Factor للمجلات العلمية والبحثية العربية بوجه خاص، الذي تقوم بتأسيسه وتصميمه قاعدة البيانات العربية الرقمية «معرفة» ومقرّها الأردن، وهذا المشروع الذي يهدف إلى تقييم وترتيب وقياس الصلاحية العلمية للمجلات العلمية الصادرة في الوطن العربي، ومعرفة أثر المقالات العلمية المنشورة فيها، سواء أكانت هذه المجلات صادرة باللغة العربية أو باللغة الإنكليزية، وفي التخصصات الرئيسة، على أن يُراعى في بناء وتصميم هذا المعامل الخصوصية الحضارية العربية كما سنوضح ذلك لاحقاً.

بمعنى آخر، يسعى هذا البحث للإجابة عن السؤال التالي: لماذا الحاجة إلى معامل تأثير «عربي»؟ أليس معامل التأثير العالمي، سواء الذي تصدره ويب أوف ساينس أو سكوبس، كافياً أو مناسباً للمجتمع العلمي أو البحثي العربي؟

إن مشروع بناء وتأسيس معامل تأثير «عربي» ذي مصداقية عالية، يعتبر مشروعاً حضارياً وضرورة علمية على مستوى الوطن العربي. ويعتبر إسهاماً نوعياً على الصعيدين العربي والدولي، وترتبط أهداف هذه الدراسة في تعزيز وخدمة أهداف هذا المشروع التي تتمثل بما يلي:

1 – توفير أداة منهجية علمية ومعيارية علمية لتقييم وقياس الصلاحية العلمية للمجلات العلمية العربية، قائمة على أسس موضوعية وقابلة للقياس الكمي. وتسهم أيضاً في التعرف إلى أكثر المجلات العلمية العربية تأثيراً ونفوذاً في مجال اختصاصها.

2 – بناء أداة قياس علمية عربية في مجال البحث والنشر العلمي ذات صدقية وموثوقية، تشكل مرجعية، أو سلطة معنوية، علمية في تقييم المجلات العلمية العربية. أو في مجال النشر والبحث العلمي العربي.

3 – توثيق الإنتاج الفكري العلمي العربي كإرث واستثمار حضاري عربي وإسلامي، وتعزيز وجوده ضمن مؤشرات الإنتاج الفكري العالمي.

4 – إعادة الاعتبار والأهمية العلمية للإنتاج العلمي العربي وبخاصة المنشور باللغة العربية، والعمل على تخليصه من حالة التهميش والدونية التي يوضع فيها.

5 – تجاوز إشكالية اللغة الإنكليزية أو الأجنبية لدى بعض الباحثين العرب وعدم قدرتهم على استخدامها في إعداد الأبحاث العلمية بهذه اللغات، ونشرها في المجلات العلمية ذات معامل التأثير العالمي الناطقة باللغة الإنكليزية.

المنهجية

لجأ هذا البحث إلى تحليل ودراسة واقع بيانات الدوريات العلمية العربية، التي توفرها قاعدة البيانات العربية الرقمية «معرفة» والتي عملت على جمعها خلال مدة تقارب 8 سنوات. وكان عدد المجلات 2835 مجلة عربية علمية، صادرة في 20 قطراً عربياً. وتشكل هذه البيانات البنية التحتية الضرورية واللازمة لبناء معامل التأثير العربي، وأظهرت عملية تحليل هذه البيانات طبيعة مشكلات الدوريات العربية وتأثيرها في مشروع بناء وتأسيس معامل التأثير والاستشهاد العربي ونوع التحديات التي يمكن أن يواجهها هذا المشروع.

أيضاً، لجأ الباحث إلى الاستفادة من الخبرة العملية التي عايشها في تأسيس قاعدة البيانات العربية الرقمية «معرفة» للدوريات العلمية على مدى 9 سنوات، وكذلك الخبرة العملية التي يعايشها في تأسيس وتطوير معامل التأثير والاستشهاد العربي على مدى 3 سنوات، حيث أدت هذه الخبرات إلى تحديد مشكلات المجلات العربية وواقعها؛ إضافة إلى استفادته من خبرة التعاون والمناقشات مع خبراء ويب أوف ساينس من تومسون رويتر في إنجاز معامل تأثير إقليمي منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2015 وحتى إعداد هذه الدراسة.

أخيراً، لجأت هذه الدراسة إلى مراجعة العديد من الأدبيات العلمية التي تُعنى بدراسة كلا معامَلي التأُثير العالمي، والاستفادة منهما في معرفة أوجه القوة والقصور أو النقد الموجه إليهما وبخاصة في ما يتعلق بدورهما في المجتمع العلمي العربي.

بدأت قاعدة «معرفة» جمع البيانات عن الدوريات العلمية العربية في كانون الثاني/يناير 2008 وهي ما زالت مستمرة حتى اليوم. ولكن بيانات هذه الدراسة تقف عند نهاية تموز/يوليو عام 2015، بغض النظر عن التغطية الزمنية للدوريات أو تاريخ صدورها. ولكن معامل التأثير العربي موضع هذه الدراسة يتعلق بالدوريات العلمية المحكمة المستمرة في الصدور حتى تاريخ إعداد الدراسة عام 2016.

أولاً: مفاهيم الدراسة

معامل التأثير هو عبارة عن مقياس يستخدم للإشارة إلى الأهمية النسبية للمجلات العلمية المحكمة ضمن مجال حقلها العلمي، ويعكس عامل التأثير مدى إشارة الأبحاث الجديدة للأبحاث التي نشرت سابقاً في تلك المجلة والاستشهاد بها في فترة زمنية معينة. بمعنى آخر، فإن معامل التأثير لمجلة أكاديمية هو مقياس يعكس متوسط العدد السنوي من الاستشهادات لمقالات نشرت مؤخراً في مجلة ما. ويوفر معامل التأثير مقارنة بين المجلات العلمية في الحقل المعرفي وسط أقرانها، ومعامل التأثير هو جزء من عملية تحليل الاستشهادات المرجعية التي توضح ما تم الاستفاده منه أو استخدامه من مقالات المجلة العلمية‏[1]. ابتكر معامل التأثير يوجين غارفيلد (Eugene Garfield)، مؤسس معهد المعلومات العلمية ISI. يتم احتساب معامل التأثير سنوياً بدءاً من عام 1975 لتلك المجلات المفهرسة في تقارير دورية.

أما معامل التأثير والاستشهاد «العربي» فيقصد به مفهوم معامل التأثير العالمي وطريقة حسابه نفساهما؛ ولكنه هو معامل إقليمي يخص المجلات العلمية العربية التي تنطبق عليها المعايير المحددة مثل التحكيم وردمد وغيرهما، والصادرة بالوطن العربي سواء باللغة العربية أو الإنكليزية، أو الفرنسية، وترتبط بقضايا ومشكلات المنطقة العربية، وفي مختلف التخصصات الرئيسة. وهو يتم من خلال إدخال الاستشهادات المرجعية لكل مقالة علمية في المجلات العلمية العربية المعتمدة، وربطها بالسجلات الببليوغرافية الخاصة بها، وفق معدلات حسابية معتمدة لدى ويب أوف ساينس. وتقوم قاعدة «معرفة» حالياً بإصدار معامل التأثير بالتعاون مع إحدى الشركات العالمية العريقة في هذا المجال.

وربما من المفيد قبل الدخول في صلب الدراسة توضيح بعض الفروق أو الاختلافات بين سياسات ومعايير معامل تأثير ويب أوف ساينس، ومعامل سكوبس على صعيد التعامل مع المجلات العلمية الصادرة باللغات غير الإنكليزية.

إن ويب أوف ساينس بالرغم من سياسته ومعاييره المهنية المتشددة في اختيار المجلات العلمية فهو لديه سياسة اعتماد وتبني إصدار معامل تأثير إقليمي (Regional Impact Factor) يصدر للمجلات العلمية الصادرة بلغتها غير الإنكليزية، منها على سبيل المثال: معامل التأثير الروسي، ومعامل التأثير الكوري، ومعامل التأثير الصيني، وغيرها. من هنا توجد الفرصة لبناء معامل تأثير «عربي» بالتعاون معها.

في المقابل إن سياسة ومعايير معامل سكوبس ترفض اعتماد وتبني معامل سكوبس إقليمي (Regional Scopus) للمجلات العلمية الصادرة بغير الإنكليزية، ولكن لدى سكوبس معايير مرنة وأكثر انفتاحاً وشمولاً على صعيد معيار اختيار (Selection Criteria) المجلات العلمية، منها أن تكون صادرة باللغة الإنكليزية، أو تحتوي على مقالات بلغات مشتركة بلغة إنكليزية وأجنبية (أو تحتوي على ملخصات باللغة الإنكليزية)، وهو ما أتاح الفرصة لشمول عدد محدود من المجلات العربية في معامل سكوبس كما نوضح ذلك لاحقاً. كما أن سكوبس تغطي أكثر من 40 لغة محلية في العالم كمصدر للاستشهادات المرجعية.

إن المرونة والانفتاح في معايير اختيار المجلات العلمية لدى معامل سكوبس عن معامل ويب أوف ساينس، يعود إلى عدة أسباب منها: سياسات الأعمال، وسياسات الجودة، حيث إن سكوبس تعتمد في معالجة الاستشهادات المرجعية وضبطها في المجلات على نحو حاسوبي، أي يتم معالجة الاستشهادات وضبطها على نحو جماعي وآلي، وبالتالي يسهل ويسرع التعامل معها. بينما تتعامل ويب أوف ساينس مع الاستشهادات المرجعية وضبطها يدوياً أو فردياً بالاعتماد على فريق هائل من الخبرات المتخصصة بحسب طبيعة حقل كل مجلة، وهذه السياسة في جعل معامل ويب أوف ساينس أكثر حرفية في معالجة الاستشهادات وبالتالي تحقيق نتائج أكثر دقة‏[2].

لماذا معامل تأثير «عربي»؟ وما علاقته بالرؤية الثقافية؟ أليس الاعتماد على معامل التأُثير الغربي – العالمي كافياً لنا؟

ترتبط الإجابة عن هذه الأسئلة بمجموعة من العناصر أو الإشكاليات الثقافية والعلمية، تخلق ضرورة إلى بناء معامل تأثير يرتكز على رؤية ثقافية حضارية عربية تشكل جزءاً من الاستقلال المعرفي والعلمي للوطن العربي، وتكوين هذه الرؤية الحضارية يرتبط بمعالجة هذه العناصر والإشكاليات، وتعتبر جزءاً من تعزيز البناء الثقافي والعلمي للأمة العربية. ويرى الباحث أن هناك عنصرين في هذا السياق:

أولاً، رؤية الشخصية العربية من خلال الآخر، «أنا موجود علمياً من خلال ما يقرره الآخر» وتمثل الآخر منظومة مؤسسات غربية تمثلها ويب أوف ساينس، وسكوبس، أي أن الآخر أوجد منظومة قياس تحدد وجود الإنتاج العلمي لنا من عدمه، وفق مقياسه الذي يقرر أو يبرر في ضوئها ما هو الوجود والتطور العلمي الحضاري للآخر، وفق ما يقيسه أو يختاره هو من إنتاج علمي، مع العلم أن هذه المنظومة غير مجهزة أو مستعدة لقياس بيئة ثقافية علمية لا تتوافق وأدواتها وظروفها وخصوصياتها. على سبيل المثال، هناك إشكالية اللغة، فمعامل التأثير العالمي يتجاهل الإنتاج العلمي باللغة العربية حيث لا محل لقياس هذا الإنتاج العلمي العربي، بسبب هيمنة اللغة الإنكليزية بصفة أساسية. ومن هنا فإن بناء معامل التأثير العربي سيعمل على الخروج من هذه الإشكالية وتعزيز وجود الشخصية العلمية العربية.

ثانياً، ارتبطت أو انعكست مع هذه الإشكالية أن منهجيات ومعايير وهيئات الآخر (الغربي خاصة) هي التي تصنف ترتيب (Ranking) المكانة العلمية للمؤسسة العلمية العربية (الجامعات) على المستوى العالمي والإقليمي والوطني، مثل هيئات QS، Webometrics، شنغهاي، التايمز، وغيرها، ومن ضمن معاييره الرئيسية في قياس ترتيب المكانة العلمية للجامعات العربية ارتبط بما قرره الآخر من ضرورة ارتباط النشر العلمي مع معامل التأثير العالمي (ويب أوف ساينس، وسكوبس) الذي صنعه الآخر. وهذا التصنيف للجامعات له تداعيات ثقافية وعلمية عديدة على مجتمعاتنا العلمية العربية، منها حشرنا في المرتبة الدونية علمياً وحضارياً وثقافياً مقابلة بالآخر غير العربي، وبخاصة الغربي، بغض النظر عن سلامة معايير وأدوات ومنهجية القياس.

من جهة ثانية، إن التحكم في تصنيف أو ترتيب الجامعات فرض تحكماً في أولويات وسياسات الجامعات العربية في مجال البحث والنشر العلميين لتكيف وضعها بما يتلاءم مع متطلبات المعايير الغربية، منها النشر في مجلات تخضع لمعامل التأثير العالمي، وهو ما خضعت له معظم الإدارات الجامعية العربية وفرضته على أعضاء هيئة التدريس والباحثين لديها، على حساب الحاجات والمشكلات والقضايا الوطنية والمحلية كأولوية، بما فيها ضعف الاهتمام بالنشر والبحث العلمي باللغة العربية.

وتؤكد عدة دراسات هذا التحكم والهيمنة الغربية من خلال منظومة معامل التأثير العالمي في البيئة الأكاديمية بأشكال مختلفة. على سبيل المثال، أظهر بحث ريغاس أرفانيتيس وفريقه (Arvanitis, Eckert and Jégou, 2012) من خلال دراسة التوزيع الجغرافي للمقالات في المجلات العلمية المحصاة في الويب أوف ساينس أن الدول الغربية ما زالت تهيمن على الإنتاج العلمي «المعترف به» أي «المرئي» منذ 1978 حتى يومنا هذا، مع فارق وحيد هو تمكّن بعض دول النمور الآسيوية من اللحاق بالركب‏[3].

أيضاً، نتيجة لهذا التحكّم أصبحت المنظومة الغربية تمارس دوراً محورياً في تحديد اتجاهات البحث العلمي العربي، حيث هي التي تحدد القضايا والأولويات البحثية العلمية التي تنشر كمخرجات للبحث العلمي في الوطن العربي، ولن يجد الباحثون العرب فرصاً للنشر إلا وفق أجندتها واهتمامها لا وفق الأولويات والقضايا البحثية الوطنية المحلية، وبالتالي أصبحت فرص الباحثين، وبخاصة أعضاء هيئة التدريس في الجامعات العربية، من الترقيات والحوافز، مرتبطة بهذه المنظومة الغربية أساساً. ونتيجة لذلك تُوجه الباحثين إلى الاهتمامات البحثية العالمية بغض النظر عن أولويتها ودورها في معالجة المشكلات والقضايا والحاجات المحلية أو الوطنية أو العربية.

على سبيل المثال، تشير إحدى الدراسات إلى أن «التصنيف الذي يرتكز على المواد المنشورة في المجلات العالمية والتي تعتمد على محكّمين دوليين، يُبعد العمل البحثي عن قضايا ومشاكل تتمتع بأهمية محلية وقومية. وقد ذكرت عضوة في الهيئة التدريسية في قسم التربية في الجامعة الأميركية في بيروت: «أن العديد من المقالات تم تحريفها لتصبح مناسبة للقارئ الدولي، وبذلك فقدت تركيزها وقدرتها على إطلاق نقاش على المستوى الوطني والمناطقي». ويشكو عضو آخر في هيئة التدريس من رفض تقارير المحكمين لمخطوطاتهم لأنها «لا تعني الجمهور الأمريكي»، أو «تخلط العمل الأكاديمي بالدفاع عن فكرة ما»، أو «خالية من استشهادات من الأدب الأمريكي المهم». معنى ذلك أن المحلي الشمالي يصبح عامياً في حين يُهمل المحلي الجنوبي»‏[4].

كما يشير ساري حنفي في هذه الدراسة إلى ظهور ما يسميه «المعرفة غير المرئية» وهي الإنتاج العلمي أو المعرفي المنشور ولكن خارج دائرة أو منظومة أو اعتراف معامل التأثير العالمي – كون النشر داخل منظومته هو «المعرفة المرئية» – لأسباب لا تتعلق بالجودة والمستوى العلمي. وهذه «المعرفة غير المرئية» تكون مرئية للمجتمع الذي يعيش فيه الباحثون، ولعل هذا التوجه (الواعي وغير الواعي) هو الذي يدفع باتجاه فصل المعرفة عن المجتمع العربي والمحلي‏[5].

وفي هذا السياق، ربما تفيد الإشارة إلى بعض البيانات التي تعكس هذه الإشكالية والتهميش للإنتاج العلمي الصادر من الوطن العربي، إذ تشير إحدى الدراسات على سبيل المثال، التي ترصد الإنتاج العلمي العربي، إلى أن عدد البحوث أو الأوراق العربية المنشورة خلال المدة 2010 – 2014، في مجلات لها معامل تأثير في ويب أوف ساينس وفي مجالات العلوم الطبيعية والهندسية والطبية فقط، وهي صادرة باللغة الإنكليزية، بلغ عددها 95255 بحثاً، وهي لا تشمل أي بحوث منشورة باللغة العربية، كما لا تشمل أبحاث التخصصات الإنسانية والاجتماعية الصادرة من العالم العربي‏[6]. أي المتوسط السنوي للبحوث 19045 بحثاً، بمتوسط 866 بحثاً للدولة العربية الواحدة، أيضاً، هذه الأرقام لا تشمل الأبحاث المنشورة في ويب أوف ساينس التي ينشرها الباحثون العرب العاملون في المؤسسات العلمية خارج الوطن العربي، حيث يتم احتساب إنتاجهم البحثي لمصلحة هذه الهيئات العلمية ودولها.

من جانب آخر، إن سياسة ومعايير سكوبس المرنة والانفتاح – في اختيار المجلات العلمية في مختلف دول العالم – كما سبق الإشارة – تظهر على سبيل المثال في تقرير عام 2015 حيث يحوي على معامل لما يقارب 30000 «مجلة من مختلف دول العالم، بينما تقرير ويب أوف ساينس لذاك العام يحتوي على معامل تأثير لما يزيد على 12000 مجلة‏[7]، وهذه المرونة من سكوبس أتاحت المجال لشمول ما يقارب 140 مجلة صادرة في الوطن العربي جميعها في تخصصات العلوم والطب والتكنولوجيا، باستثناء 4 منها فقط من تخصصات العلوم الإنسانية والاجتماعية، وجميعها صادرة باللغة الإنكليزية والفرنسية باستثناء مجلتين صادرتين باللغتين العربية والإنكليزية معاً، (واحدة من الكويت وواحدة من الأردن). والمجلات الـ 140 صادرة من 11 دولة عربية، وتشمل إصدارات دار هنداوي للنشر بمصر ما يزيد على 65 مجلة وجميعها صادرة باللغة الإنكليزية. إن عدد 140 مجلة يشكل نسبة أقل من 7 بالمئة من المجلات العلمية الصادرة في الوطن العربي، ولا شك في أن هذه نسبة متدنية جداً من حجم الدوريات العلمية العربية.

وبالنسبة إلى معامل ويب أوف ساينس فالوضع أكثر سوءاً، حيث إن عدد المجلات العلمية العربية المفهرسة لدى معامل ويب أوف ساينس أقل من نصف عدد المجلات العربية في سكوبس، وهي كذلك في تخصصات العلوم الطبيعية وفي الطبية وفي الهندسية والتكنولوجيا، وجميعها باللغة الإنكليزية‏[8].

إن البيانات السابقة واللاحقة تظهر أن الحجم الهائل والضخم من الإنتاج العلمي العربي، وخاصة في مجالات العلوم الإنسانية والاجتماعية، يقع ضمن الإنتاج العلمي «غير المعترف به» أو «المعرفة غير المرئية» الذي تم تهميشه ولم يدخل في البيانات والأرقام أو الإحصاءات الخاصة بمعامل التأثير في ويب أوف ساينس أو في سكوبس، وذلك نتيجة لعدم شمول الأبحاث المنشورة بالمجلات الصادرة باللغة العربية، خاصة في مجالات العلوم الإنسانية والاجتماعية التي تبلغ نسبتها ما يقارب 48 بالمئة من المجلات الصادرة بالوطن العربي في مختلف التخصصات، ويبلغ عدد المجلات الصادرة باللغة العربية منفردة أو مشتركة مع لغة أخرى ما يزيد على 1600 مجلة‏[9]، من مختلف التخصصات، تضاف إليها مئات الدوريات العربية في مجالات العلوم الطبيعية والهندسية والطبية، غير المصنفة والمفهرسة في ويب أوف ساينس.

إضافة إلى ذلك، إن توافر معامل تأثير «عربي» رصين سيمكنه التعامل مع خصائص وواقع الإنتاج العلمي العربي بشكل شامل، سواء من حيث الثقافة وظروف البيئة العلمية، وطبيعة اللغة، أو القضايا والأولويات التي تخص المنطقة العربية سواء على الصعيد المحلي أو الوطني أو العربي، بينما معامل التأثير «العالمي» يحقق قياسات «جزئية» للإنتاج العلمي العربي التي تنتج باللغة الإنكليزية بشكل أساسي. أخيراً، إن من نتائج هذا التحكم والهيمنة لمنظومة معامل التأثير العالمي، تغييب أو على الأقل تهميش، تصنيف مجالات أساسية ترتبط بالبيئة والثقافة العربية والإسلامية، من تصنيف معامل التأثير العالمي مثل الأدب العربي، والثقافة الإسلامية، والاقتصاد والتمويل الإسلامي وغيرها.

وفي ضوء ما سبق فالمطلوب بناء إرادة علمية عربية، يعكسها بناء معامل تأثير عربي ذي صدقية علمية، تحدد اتجاهات البحث العلمي العربي وتقييمه وفق أولوياته العلمية ورؤاه الثقافية، مع أهمية المشاركة مع هذه المؤسسات العالمية في بناء مؤشرات الجودة والعالمية – الإقليمية العربية، وبما يخدم أيضاً، إعادة الأهمية والاعتبار والقيمة العلمية للإنتاج البحثي العلمي الذي يصدر باللغة العربية أو في الوطن العربي، وبخاصة العلوم الإنسانية والاجتماعية، والتخلص من حالة التهميش والدونية التي يوضع بها معرفياً.

ثانياً: الصعوبات والتحديات

هناك مجموعة من الصعوبات والتحديات تواجه بناء معامل تأثير «عربي» وهي تتعلق بالبعد الحضاري والثقافي والواقع المعرفي والاجتماعي للوطن العربي، سيتم تناولها في هذا المحور، باستثناء الصعوبات والتحديات ذات الطبيعة الفنية. من أهم هذه التحديات:

1 – اعتماد المنظومة التعليمية المتغربة (بشكل خاص على المستوى الجامعي) لدى الكثير من الباحثين العرب أو صنّاع القرار من المشرفين على الإنتاج العلمي أو المعرفي العربي (ويقصد بهم أصحاب منظومة التبعية أو الإلحاق الحضاري للغرب). وهؤلاء لديهم قناعة بعدم أهمية الإنتاج أو النشر العلمي العربي، وأنه لا يحقق النجاح والتميُّز والتطور. وبالتالي الحوافز لا تقدَّم إلى الباحثين العرب إلا في حال النشر ضمن بيئة أو أدوات الإنتاج العلمي الغربي.

2 – تحدي توفير البيانات الشاملة والمنتظمة والدقيقة للإنتاج العلمي للدوريات والمجلات العلمية العربية، بحيث يمكن لمعامل التأثير العربي الاعتماد عليها، وقياس الاستشهادات الخاصة بها على نحو سليم ودقيق. وبالطبع تشكل هذه البيانات جزء أساسي من البنية التحية لبناء معامل التأثير العربي. وهذه المشكلة قد تكون في طريقها للحل نتيجة جهود قاعدة بيانات «معرفة» في إصدار تقرير علمي حول بيانات الدوريات العلمية العربية يغطي 20 دولة عربية.

3 – قضية الواقع الأمني المضطرب وعدم الاستقرار في عدة دول عربية، وبعضها كان ذات أهمية خاصة في مجال الإنتاج والبحث العلمي، وقد انعكس هذا الواقع سلباً – إلى حدٍ كبير – على أولويات الإنتاج والنشر العلمي، وانتظامه على صعيد صدور المجلات العلمية بوجه خاص.

4 – تحدي فك الارتباط القسري بين البحث العلمي والتدريس باللغة الإنكليزية أو الفرنسية في مجال العلوم والتكنولوجيا والطب في معظم البلدان العربية. وهذه الإشكالية ولدت وتولد جيـلاً من الباحثين يفضل استخدام اللغة الإنكليزية أو الفرنسية في النشر والبحث العلمي في هذه المجالات، إما لقدرته على التعامل مع أدبيات هذه العلوم ومصطلحاتها على نحوٍ أسهل وأيسر بسبب دراسته الجامعية لها، أو لعدم وجود بيئة محفزة للباحثين لاستخدام اللغة العربية في تخصصات العلوم والتكنولوجيا. لوجود قناعة ثقافية لديه بأن اللغة الإنكليزية هي لغة العلم والمعرفة، وليس للغة العربية قدرة وإمكانية أن تكون لغة العلوم والبحث العلمي، وهذا الفريق يتداخل أحياناً مع فريق أصحاب التبعية الحضارية الذي أشير إليه سابقاً.

5 – ضعف الدور السياسي العلمي للعرب في التاريخ المعاصر، ويعتقد الباحث أنه لا يمكن أن يحقق الإنتاج العلمي المميز، من حيث النوع والكم والانتشار العالمي، موقعاً فاعـلاً عالمياً، ما لم تتوافر بيئة أو منظومة سياسية ديمقراطية حاضنة وداعمة ومحفزة للبحث العلمي بوجه عام، ولاستخدام اللغة العربية في العلوم والبحث العلمي بوجه خاص. وما زال الوطن العربي يعاني فقراً كبيراً في توفير هذه المنظومة.

6 – الأنماط السلبية للإدارة الجامعية العربية: يمكن تصنيف مواقف وأنماط أو أشكال الإدارة العليا للجامعات في الوطن العربي تجاه معامل التأثير إلى ثلاثة أصناف: الأول، الإدارة الجامعية العاجزة: وهي الإدارة الجامعية الداعمة والراغبة في بناء واعتماد معامل تأثير عربي ومدركة لأهميته الحضارية وضرورته العلمية، ولكن لا تملك القدرة الكافية أو الإمكانات اللازمة لتأسيس هذا المشروع وبالتالي فهو ليس على أولويات مشاريعها العلمية. أما الصنف الثاني، الإدارة الجامعية المتهربة؛ وهي إدارة جامعية تقليدية وليس لديها رؤية أو رسالة حضارية للمجتمع العربي، وهي غير معنية بالمخاطرة والاستثمار في الإبداع والتطوير على صعيد البحث العلمي وقضايا التنمية العربية. وهي ليس لديها الاستعداد لبناء معامل التأثير العربي بالرغم من وجود الإمكانات اللازمة لديها، إما رغبة في تفادي تحديات وصعوبات المشروع وإمكانيات فشله، أو تفضيل الطريق الأسهل لها، وهو الاعتماد على معامل التأثير الدولي الجاهز، الذي يملك سمعة، بغض النظر عن مساوئه الحضارية وآثاره السلبية في البحث والنشر العلمي ومتطلبات التنمية على صعيد الدول الوطنية أو على مستوى الوطن العربي، إضافة إلى ما يشكله اعتماد المعامل الدولي الجاهز من سهولة القرار في اعتماده في نظام الترقيات داخل الجامعة، وفي الوقت نفسه يؤدي دوراً في تعزيز وضعها في ترتيب الجامعات على الصعيدين العالمي والعربي، وهو ما يشكل إضافة كبيرة لسمعتها الإدارية على الصعيد الشخصي، ولدى صناع القرار في الدولة. وأخيراً الصنف الثالث، الإدارة الجامعية المتغربة حضارياً؛ وللأسف هذا النوع من الإدارات العربية لا يؤمن نهائياً بل يقاوم الإنتاج والبحث العلمي باللغة العربية ولا يؤمن بصلاحية اللغة العربية للاستخدام في العلوم والبحث العلمي. وغالباً تتجه هذه الإدارات نحو التبعية الثقافية أو الحضارية للمجتمع الغربي. وهذه الإدارات تتبنى منظومة تعليمية أجنبية سواء من حيث المحتوى، واللغة، أو الكفاءات، وأنظمة الإدارة والترقيات. وهذه الإدارات لا توفر، أو غير معنية بتوفير، أي بيئة محفزة للباحثين العرب الراغبين بالإنتاج والنشر العلمي سواء باللغة العربية أو داخل الوطن العربي.

7 – عجز أو تعاجز الجهات العلمية أو البحثية العربية الرسمية، أو مؤسسات العمل العربي المشترك عن المبادرة لبناء معامل تأثير «عربي» وتوفير الدعم الكافي من الناحية العلمية والمالية، وهو ما يدفع إلى البحث عن دور للقطاع الخاص لإنجاز هذا المشروع وفق رؤية متوازنة ما بين العائد المادي ودعم الإنتاج العلمي العربي ورسالته التنموية والحضارية، وهي تتطلب مخاطرة عالية من القطاع الخاص لمحدودية فرص نجاحها مادياً وعدم توافر الضمانات المالية الكافية لهذا المشروع.

ثالثاً: العلاقة بين اللغة الأم/اللغة القومية والبحث العلمي والتطوير

إن اللغة مكوِّن أساسي في الهوية الحضارية للمجتمعات الإنسانية، وأداة ضرورية لإنتاج ونشر العلم والمعرفة، ويشير أحد علماء الطب إلى «أن التفكير والدراسة بلغتنا الأم يرقي من الإبداع وموهبة الابتكار أكثر من اللغة المتعلمة، وهو أمر ثابت طبياً في علم المخ والأعصاب وعلم السلوك الاجتماعي»‏[10] وفي ضوء دراستنا عن بناء معامل تأثير «عربي» وارتباطه بالبعد الحضاري، كان لا بد لنا من الوقوف على العلاقة بين استخدام اللغة القومية/اللغة الأم والتطوير التكنولوجي والبحث العلمي، حيث يفترض الباحث أن هناك علاقة وثيقة مهمة بين استخدام اللغة الأم، وتحديداً في البحث العلمي والتكنولوجي وإنتاج المعرفة، وبين إحداث التطور العلمي والإبداع المعرفي والتكنولوجي، وتعزيز اقتصاد المعرفة في الدولة – بالطبع لا بد أن يتوافر معها عوامل سياسية وتعليمية واجتماعية وغيرها لا مجال لذكرها ومناقشتها هنا.

لجأ الباحث إلى دراسة بعض البيانات العالمية التي تصدر عن بعض الهيئات والمنظمات الدولية لإثبات هذه العلاقة. على سبيل المثال، تشير مؤشرات البنك الدولي للعام 2015، إلى أن الابتكارات التكنولوجية، التي غالباً ما تقف وراءها الحكومات، هي القوة الدافعة للنمو الصناعي، وهي تساعد على رفع مستويات المعيشة. وتسلط بيانات القاعدة التكنولوجية في البلدان كما يحددها البنك الدولي عدة عناصر، منها البحث والتطوير، والمقالات المنشورة في المجلات العلمية والتقنية، وصادرات التكنولوجيا المتقدمة، ورسوم حقوق الامتياز والترخيص، وبراءات الاختراع والعلامات التجارية‏[11]. تجري هذه الدراسة مقارنة بعض البيانات حول ترتيب الدول عالمياً من حيث صادرات التكنولوجيا المتقدمة (وهي منتجات ذات كثافة عالية) من التطوير والبحوث (وفق ما يحددها تقرير البنك الدولي 2015)، مع علاقتها باللغة المستخدمة للدولة في مجال التعليم والبحوث وتطوير العلوم والتكنولوجيا، بالإضافة إلى مقارنتها بترتيبها عالمياً من حيث طلبات براءات الاختراع التي تحققها الدولة. ويوضح الجدول الرقم (1) هذه المقارنة:

الجدول الرقم (1)

العلاقة بين صادرات التكنولوجيا المتقدمة واعتماد اللغة القومية/اللغة الأم في البحوث وتطوير العلوم والتكنولوجيا

لغة البحوث وتطوير العلوم والتكنولوجياصادرات التكنولوجيا المتقدمة(*) (بالأسعار الجارية للدولار الأمريكي)اسم الدولةترتيب الدولة عالمياً وفق صادرات التكنولوجيا المتقدمة
الصينية   (اللغة الأم)558,605,000,000الصين1
الألمانية   (اللغة الأم)199,826,000,000ألمانيا2
الإنكليزية (اللغة الأم)155,640,000,000الولايات المتحدة3
الإنكليزية137,369,000,000سنغافورة4
الكورية   (اللغة الأم)133,447,000,000جمهورية كوريا5
الفرنسية  (اللغة الأم)114,697,000,000فرنسا6
اليابانية    (اللغة الأم)100,954,000,000اليابان7
الإنكليزية (اللغة الأم)70,652,000,000المملكة المتحدة8
الهولندية  (اللغة الأم)70,308,000,000هولندا9
الإنكليزية/المالاوية63,376,000,000ماليزيا10

المصدر: (*) مؤشرات العلم والتكنولوجيا، تقرير البنك الدولي 2015، <http://data.albankaldawli.org/indicator>.

 

يلاحظ أن هناك علاقة قوية بين استخدام اللغة الأم في البحوث والتطوير في العلوم والتكنولوجيا، حيث إن التكنولوجيا المتقدمة التي تعتمد بصورة مكثفة على البحث والتطوير، ويظهر الجدول الرقم (1) ما يلي:

إن أعلى 10 دول في العالم من حيث صادرات التكنولوجيا المتقدمة:

– 7 دول منها تعتمد لغتها الأم في بحوث وتطوير العلوم والتكنولوجيا.

– 3 دول منها تعتمد اللغة الأم مع الإنكليزية في بحوث وتطوير العلوم والتكنولوجيا.

أما على صعيد العلاقة بين طلبات براءات الاختراع للدولة وترتيبها عالمياً واعتماد اللغة الأم في البحوث وتطوير العلوم والتكنولوجيا، فتشير بيانات الجدول الرقم (2) إلى ما يلي:

الجدول الرقم (2)

العلاقة بين طلبات براءات الاختراع للدولة وترتيبها عالمياً واعتماد اللغة الأم في البحوث وتطوير العلوم والتكنولوجيا

عدد طلبات براءات الاختراع(*)ترتيب الدول عالمياً حسب عدد طلبات براءات الاختراع التي تحققها(*)اللغة الأم في البحوث وتطوير العلوم والتكنولوجيااسم الدولة
928,1771الصينية (اللغة الأم)الصين
578,8022الإنكليزية (اللغة الأم)الولايات المتحدة
325,9893اليابانية (اللغة الأم)اليابان
210,2924الكورية (اللغة الأم)كوريا
65,9655الألمانية (اللغة الأم)ألمانيا
42,8546الإنكليزية/والهنديةالهند
40,3087الروسية (اللغة الأم)روسيا الاتحادية
35,4818الإنكليزية والفرنسية (هما اللغة الأم)كندا
30,3429البرتغالية (اللغة الأم)البرازيل
23,04010الإنكليزية (اللغة الأم)المملكة المتحدة

المصدر: WIPO Report 2015: World Intellectual Property Indicators, pp. 62‑65.

 

ويظهر الجدول الرقم (2) أن أعلى 10 دول عالمياً من حيث تحقيقها عدد طلبات براءات الاختراع في العام 2015 هي:

– 9 دول تعتمد لغتها الأم في التعليم وبحوث العلوم والتكنولوجيا (منها 3 دول أصـلاً لغتها الأم الإنكليزية هي بريطانيا، والولايات المتحدة الأمريكية وكندا).

–  دولة واحدة تعتمد اللغة الإنكليزية/إضافة إلى لغتها الأم.

وهذا الجدول يظهر أن هناك علاقة أساسية وقوية جداً بين اعتماد اللغة القومية/اللغة الأم للدولة في التعليم وبحوث العلوم والتكنولوجيا وبين النمو وزيادة تحقيقها لعدد طلبات براءات الاختراع التي تعتبر واحدة من أهم مخرجات البحث العلمي.

رابعاً: قاعدة بيانات «معرفة» وبناء معامل تأثير «عربي»

ضمن هذه الرؤية الحضارية والثقافية تسعى قاعدة «معرفة» لبناء معامل تأثير «عربي» هو معامل التأثير والاستشهاد العربي – وربما يكون ذلك بالتعاون مع إحدى الشركات العالمية العريقة في هذا المجال. ولا شك أن بناء معامل التأثير يحتاج إلى مرصد/قاعدة بيانات عربية توفر بيانات المجلات العلمية من جميع البلدان العربية، وتعتبر قاعدة «معرفة»، مؤهلة لذلك، بما لديها من خبرة عمل عميقة في واقع المجلات العلمية العربية وظروفها، فضلاً عن الحجم الضخم للبيانات المتوافرة لديها حول الدوريات العلمية العربية، فهي تحتوي على سبيل المثال – حتى منتصف عام 2015 – بيانات 2835 مجلة عربية علمية، صادرة من 20 دولة عربية (ماعدا جيبوتي وجزر القمر) باللغة العربية أو الإنكليزية أو الفرنسية، وصادرة عن أكثر من 300 هيئة علمية عربية، وعدد المجلات المحكّمم منها ما يقارب 2000 دورية. وشملت هذه الدوريات العلمية التخصصات الرئيسة التالية: العلوم الإنسانية؛ العلوم الاجتماعية (بما فيها العلوم الاقتصادية والمالية)؛ العلوم الهندسية وتكنولوجيا المعلومات؛ العلوم الطبية والصحية؛ العلوم الطبيعية والحياتية.

وهي بذلك توفر البنية التحتية الضرورية واللازمة لبناء معامل التأثير العربي، ولذا من الضروري الوقوف وإلقاء الضوء على هذه القاعدة‏[12].

على سبيل المثال عند البحث عن توزيع الدوريات العلمية العربية وفق الدولة وعدد السكان، يظهر الجدول الرقم (3) أن مصر تنتج أعلى عدد من الدوريات وتبلغ 1336 دورية، تليها العراق 265 دورية، ثم الجزائر 212 ثم السعودية 196. ولكن عند مقارنة عدد الدوريات بعدد السكان لكل دولة عربية، تحتل دولة البحرين المرتبة الأولى بنسبة 23.81 دورية لكل مليون نسمة، وتحتفظ مصر بالمرتبة الثانية بنسبة 16.02 دورية لكل مليون نسمة، والأردن في المرتبة الثالثة بنسبة 14.23 دورية لكل مليون نسمة.

وعند دراسة العلاقة بين مؤشرات التوزيع الموضوعي الموسع والتوزيع اللغوي للدوريات العلمية العربية: حيث تم تصنيف تخصصات ومجالات الدوريات إلى خمسة مجالات موضوعية رئيسية تتوافق مع تصنيف الكونغرس، يظهر من الرسم البياني في الشكل الرقم (1) نسبة توزيع تخصصات الدوريات من إجمالي عدد الدوريات الشاملة لجميع هذه التخصصات مع الأخذ في الحسبان تكرار أكثر من دورية في أكثر من تخصص.

الجدول الرقم (3)

عدد الدوريات العلمية العربية لكل دولة مع عدد السكان(*)

الدولةعدد الدورياتعدد السكان للعام 2014 (بالملايين)عدد الدوريات لكل مليون نسمة
الأردن946.60714.23
الإمارات559.4465.82
البحرين321.34423.81
تونس4911.004.45
الجزائر21239.935.3
جزر القمر0.752400
جيبوتي0.886300
السعودية19629.376.67
السودان11038.762.83
سورية6623.302.83
الصومال110.810.09
العراق26534.287.73
عُمان153.9263.83
فلسطين474.29510.94
قطر172.2687.5
الكويت323.4799.2
لبنان554.51012.19
ليبيا286.2534.48
مصر133683.3916.02
مغرب15733.494.69
موريتانيا33.9840.75
اليمن6524.972.6

(*) البنك الدولي 2015، على الموقع التالي: <http://data.albankaldawli.org/region/ARB> (يجب الملاحظة أن عدد سكان سوريا والعراق واليمن وليبيا، ربما تغير بشكل كبير منذ عام 2012 بسبب الحروب وهجرة السكان في هذه الدول).

المصدر: – تقرير البنك الدولي 2015 على الموقع التالي:  <http://data.albankaldawli.org/region/ARB>

– بيانات الدوريات في قاعدة «معرفة»، بالإضافة إلى حسابات الباحث.

الشكل الرقم (1)

التوزيع الموضوعي الموسع

 

تظهر هذه النتائج أن دوريات العلوم الإنسانية تشكل نسبتها 27.20 بالمئة، وهي النسبة الأعلى بين بقية التخصصات، تليها العلوم الطبيعية والحياتية 23.81 بالمئة والعلوم الاجتماعية 20.75 بالمئة (شاملة العلوم الاقتصادية والمالية وإدارة الأعمال)، أي أن إجمالي دوريات العلوم الإنسانية والاجتماعية يمثّل 47.56 بالمئة بينما بقية التخصصات التطبيقية تمثّل 52.05 بالمئة، وإلى حد ما هناك تقارب بين كلا التخصصات النظرية والتطبيقية. ويظهر الجدول الرقم (4) مقارنة هذه النتائج مع التوزيع اللغوي.

الجدول الرقم (4)

التوزيع الموضوعي الموسّع مع التوزيع اللغوي

القاعدةالعددالنسبة المئويةعربيإنكليزيفرنسياللغة المشتركة
العلوم الهندسية وتكنولوجيا المعلومات2919.4835202846
العلوم الإنسانية83527.205448626179
العلوم الاجتماعية63720.753847327153
العلوم الطبيعية والحياتية73123.818250611132
العلوم الطبية والصحية57618.7642505227
المجموع30701001087137274537

المصدر: قاعدة بيانات «معرفة»، بالإضافة الى حسابات الباحث.

 

يلاحَظ في الجدول الرقم (4) أن عدد الدوريات وفق التوزيع الموضوعي هو 3070 دورية وليس 2835 دورية كما ذُكر سابقاً، بسبب تكرار 235 دورية في أكثر من تخصص أو موضوع. وعند فحص العلاقة بين المؤشر الموضوعي والتوزيع اللغوي لهذه الدوريات يُظهر الجدول نفسه أن الدوريات باللغة العربية تهيمن بشكل كبير على العلوم الإنسانية والاجتماعية وعددها 1260 دورية وتمثّل نسبتها 77.59 بالمئة من إجمالي عدد الدوريات الصادرة باللغة العربية منفردة أو مشتركة، معها لغة أخرى والبالغ عددها 1624 دورية، وفي التخصصات النظرية والتطبيقية. في المقابل، تُظهر هذه البيانات أن عدد الدوريات العربية باللغة الإنكليزية تهيمن إلى حدٍ كبير في العلوم الطبيعية والطبية والهندسية والبالغ عددها 1418 دورية ونسبتها 74.28 بالمئة من إجمالي الدوريات العربية الناطقة بالإنكليزية منفردة أو معها لغة مشتركة، والبالغ عددها 190.

خامساً: معايير اختيار المجلات العلمية لمعامل التأثير والاستشهاد العربي

اعتمد هذا المعامل العربي على معايير ويب أوف ساينس الأساسية مع إجراء تعديلات معينة توائم الظروف والخصائص والثقافة العربية، وبالتالي فإن عملية اختيار المجلات العربية لمعامل التأثير والاستشهاد العربي ترتبط بمعايير (يمكن الاطلاع عليها من موقعها الإلكتروني)‏[13]، وسيتم الوقوف على المعايير التي خضعت للتعديلات مع الإشارة إلى طبيعة هذه التعديلات، من دون الوقوف على بقية معايير ويب أوف ساينس، وهذه التعديلات تم تفهمها إيجاباً من طرف فريق خبراء ويب أوف ساينس خلال اجتماع عمل معهم أكثر من مرة‏[14]:

 

1 – الاطلاع على المعايير المعتمدة لنشر المجلة، تمثلت التعديلات في المعيارين التاليين:

  • المعايير الدولية للتحرير، يتم اعتماد الأسس العامة لها في المعامل العربي ومن دون الوقوف على تفاصيلها.
  • معيار توافر المعلومات الببليوغرافية باللغة الإنكليزية، وتم إضافة تعديل ضرورة توافرها باللغة العربية أيضاً.

2 – إذا طابقت المجلات التي سوف يتم اختيارها ضمن معامل التأثير المعايير السابقة، يدرس المحتوى التحريري لها للإجابة عن الاستفسارات التالية:

  • هل هذه المجلة تثري ويب أوف ساينس بمحتوى جديد، تم تجاوز هذا الأمر ولم يتم اعتماد هذا المعيار في معامل التأثير والاستشهاد العربي، حيث إن النشر باللغة العربية وبالتالي المجلات الناطقة باللغة العربية لا تشكل مصدراً لويب أوف ساينس.

3 – التنوع الدولي بين المؤلفين المساهمين في المجلة، الذي يقود للإجابة عن التساؤلات التالية:

  • هل تستهدف هذه المجلة جمهوراً دولياً (وتم إضافة أن تستهدف الجمهور الإقليمي العربي أيضاً سواء أكان التأليف باللغة العربية فقط أو بالإنكليزية أيضاً).
  • هل يمثل المؤلفون، المحررون، وأعضاء المجلس الاستشاري للتحرير مجتمع البحث الدولي، وأصبح له أن يمثل مجتمع البحث الإقليمي العربي فقط، خاصة للمجلات الصادرة باللغة العربية.

4 – تحليل الاقتباس، حيث يؤدي دوراً مهماً في تحديد مدى تأثير هذه المجلة في البيئة المحيطة

  • وتم إضافة تحليل الاقتباسات والاستشهادات من المصادر المنشورة باللغة العربية.

يضاف إلى ما سبق ذكره من معايير اختيار المجلات العلمية، معايير أساسية تقليدية يعتمدها معامل التأثير والاستشهاد العربي في اختيار المجلات العلمية العربية وفي الوقت نفسه تتوافق مع ويب أوف ساينس، أهمها:

  • أن تكون علمية محكمة.
  • أن تكون منتظمة الصدور.
  • أن تكون لديها هيئة تحرير، وذات سمعة علمية ومهنية راقية.
  • أن يكون لديها ردمد ISSN.
  • أن تراعي قواعد النشر وأخلاقياته.
  • أن تكون متخصصة (في حال المجالات ذات التخصص العريض، مثل مجلة علوم إنسانية أو علوم اجتماعية، تشمل عدداً من التخصصات العلمية فيتم التعامل معها على أساس كل بحث حسب اختصاصه).
  • أن تكون صادرة في الوطن العربي، وبإحدى اللغات العربية أو الإنكليزية أو الفرنسية.
  • الحصول على المجلدات والأعداد – للسنوات الثلاث الأخيرة على الأقل، للدوريات التي وقع عليها الاختيار.

ولا شك في أن هذه التعديلات التي أضيفت واعتمدت على هذه المعايير تعكس إضافة نوعية تراعي عاملَي اللغة والثقافة العربية، وكذلك معطيات البيئة والواقع العربي، وتعكس اختراقاً للقيود والهيمنة اللغوية الإنكليزية على النشر العلمي العربي، وفي الوقت نفسه تفتح أفقاً مستقبلياً للتعاون والتعايش الحضاري في مجال المعرفة والنشر العلمي.

خاتمة

إن معطيات وبيانات هذه الدراسة تؤكد وجود ضرورة علمية – حضارية لبناء أكثر من معامل تأثير «عربي» وأهمية ذلك للمجتمع العلمي العربي، وسيسهم هذا المعامل في توجيه جهود الباحثين العرب تجاه قضايا وأولويات التنمية في الوطن العربي.

يرى الباحث أن بناء معامل تأثير «عربي» يرتبط بإرادة عربية علمية – سياسية، أي إرادة عربية جماعية فاعلة سواء على صعيد المؤسسات العلمية الرسمية (الحكومية) – الجامعات خاصة -، أو على صعيد مؤسسات العمل العربي المشترك ذات العلاقة بالتعليم والبحث العلمي والإنتاج الفكري، وفي كلتا الحالتين فإن الواقع العربي، سواء على صعيد وحدة القرار، أو على صعيد التعاون المشترك في توفير البنية التحتية من البيانات حول الإنتاج العلمي العربي، تؤكد عجزها عن تحقيق ذلك.

من جانب آخر، من الصعب بناء معامل تأثير «عربي» من قبل مؤسسات قطر عربي واحد، فذلك لا يوفر صدقية علمية كافية له، حيث ستكون النتائج التي يقدمها هذا المعامل سواء عن مجلات الدولة أو عن المجلات العربية في الأقطار الأخرى، ستكون مجروحة مسبقاً بسبب خضوعها لتأثير الإرادة السياسية – العلمية لهذا القطر العربي، حيث سيرفض نتائجها – إن كانت ضعيفة – عدة أقطار عربية ولن تعتمدها في تقييم الإنتاج العلمي للمجلات العربية. أيضاً، فإن واقع إدارة مؤسسات العمل العربي المشترك ذات العلاقة بهذا المجال تخضع لتناقضات وحساسيات الأقطار الأعضاء فيها، ويضاف إلى ذلك أنها مثقلة بالبيروقراطية العميقة أو المترهلة.

كل ذلك لن يسمح ببناء معامل تأثير «عربي» مستقل يملك صدقية حقيقة، ويقدم نتائج تقييم علمية مهما تعارضت نتائجها مع رغبات الدول الأعضاء، أو الدولة المتبنِّية لإصداره.

إضافة إلى ذلك، إن بناء معامل تأثير «عربي» سيسهم إلى حدٍ كبير في التخلص من سياسات وممارسات «التدمير المعنوي» للإنسان العربي فكراً ووجوداً معرفياً، ولإمكانياته وقدراته العلمية، من خلال إعادة الأهمية والاعتبار والقيمة العلمية للإنتاج البحثي العلمي سواء الذي يصدر باللغة العربية أو في العالم العربي، والتخلص من حالة التهميش والدونية التي يوضع بها البحث أو الإنتاج العلمي العربي.

كذلك، إن بناء معامل تأثير «عربي» سيعزز بقوة دور الباحثين العرب والجامعات العربية في تحديد اتجاهات البحث العلمي وأولوياته، وفي جعلها ترتبط بمتطلبات وحاجات المجتمع العربي والمحلي ورؤاه الثقافية، وبما يخدم معالجة مشكلات وقضايا وحاجات التنمية في الوطن العربي.

أخيراً، في ضوء المعطيات العربية السابقة، يعتقد الباحث أنه لا يمكن انتظار إرادة علمية – رسمية عربية جماعية، لبناء معامل تأثير عربي ذي مصداقية علمية، ومن ثم فإن الخيار العملي لتحقيق ذلك هو تصدر القطاع الخاص لبناء هذا المعامل – ويفضل أن يكون بتعاون وتشاركية مع خبرات مؤسسات عالمية لا تحتكر قرار إدارته وتوجيهه، وإنما تساهم في ضبط الجودة والحرفية المهنية في الإنجاز والصدقية للنتائج – ويقوم هذا القطاع الخاص ببنائه وفق معادلة متوازنة بين تحقيق عائد مالي يحفظ استمرارية المشروع وسد نفقاته وبين تحقيق رسالة حضارية وتنموية للوطن العربي.

 

قد يهمكم أيضاً  التربية الإعلامية والرقمية وتحقيق المجتمع المعرفي

#مركز_دراسات_الوحدة_العربية #دراسات_أكاديمية #النشر_العلمي #البحث_العلمي #المجلات_العربية #المجلات_العلمية #المجلات_المحكمة #معامل_التأثير #معرفة #قاعدة_معرفة #دراسات