مقدمة:

إنَّ نجاح المؤسسات واكتسابها ميزة تنافسية لم يعد يقتصر فقط على أكفأ الطرق التي تستخدمها لتحويل المدخلات إلى سلع وخدمات بل كذلك يستدعي قدرتها على تنفيذ استراتيجيات تسويقية قادرة على معالجة القضايا البيئية والاجتماعية من خلال خلق بيئة عمل مناسبة وعادلة للعاملين والاهتمام بالقضايا التي تهم المستهلك والبيئة التي يعيش فيها؛ فالتسويق الأخضر أصبح مطلباً ملحاً وأمراً ضرورياً في الوقت الراهن للمؤسسات في ظل التزاماتها الأخلاقية والمسؤولية تجاه مصالح البيئة والمجتمع؛ فقد فتح التسويق الأخضر آفاقاً جديدة وفرصاً سوقية مغرية أمام العديد من المؤسسات وأدت إلى تحسين صورتها وسمعتها لدى المستهلك، وبخاصة إذا كانت المؤسسات مهتمة بالقيام ببرامج لها نتائج ملموسة على المستهلك، ما يؤدي إلى إقبال المستهلك على شراء منتجات صديقة للبيئة أكثر وكسب ولائه؛ فالعمل على تطبيق التسويق الأخضر يقود المؤسسة إلى الرخاء والازدهار.

يعدّ التسويق الأخضر من المفاهيم الحديثة التي دخلت علم الاقتصاد، وما زال هناك غموض حول هذا المصطلح لدى العديد من المؤسسات حديثة النشأة ولدى الباحثين والقراء، لذا نسعى من خلال هذه الدراسة إلى تقديم إطار نظري يحدد مفهوم التسويق الأخضر وخلفية تطوره وتوضيح السياسات العامة والأدوات التي يمكن أن تدعم الانتقال إلى التسويق الأخضر مع الوقوف عند أحسن الأساليب التسويقية التي اعتمدتها بعض الشركات العالمية لتخضير التسويق، وهذا يستدعي طرح مجموعة من التساؤلات التي من خلالها يتم الإلمام بمختلف جوانب هذا المصطلح:

  • ما المقصود بالتسويق الأخضر؟
  • ماذا تمثل البيئة من منظور التسويق الأخضر؟ كيف يسهم التسويق الأخضر في تعزيز الأمن البيئي؟
  • هل يمكن أن يتيح الانتقال نحو التسويق الأخضر فرصة للاستجابة للتحديات التي يواجهها قطاع الأعمال؟

أولاً: الإطار المفاهيمي للتسويق الأخضر

لقد شهد العالم في السنوات الأخيرة الماضية تزايداً معتبراً بالوعي البيئي، هذا الأخير الذي لم يقتصر على مجال أو قطاع معين بل اشتمل كل الأصعدة، وإنَّ زيادة الوعي البيئي كان ناتجاً من زيادة التلوث البيئي بمختلف أنواعه، وما سببه من عدة ظواهر كالاحتباس الحراري والأمطار الحمضية وغيرها بالإضافة إلى الاستغلال الاستنزافي للموارد الطبيعية وخصوصاً ذات الرصيد غير المتجدد منها.

إنَّ الاهتمام بالبيئية والمحافظة عليها لم يتوقف على الهيئات والمنظمات الدولية الإقليمية والوطنية؛ بل شمل كذلك قطاع الأعمال حيث أصبحت المؤسسات باختلاف أنواعها وأحجامها ومجالات نشاطاتها ملزمة باعتبار الجانب البيئي في ممارساتها الإنتاجية والتسويقية حيث أصبحت مسؤولة بيئياً.

أولى بوادر ظهور القضايا البيئية في تاريخ التسويق يرجع إلى الثمانينيات عندما بدأ استعمال مواد التعبئة والتغليف القابلة لإعادة التدوير، مواد التنظيف منعدمة الفوسفات، سيارات ذات استهلاك منخفض للبنزين وغيرها، حتى تم الجمع ما بين البيئة والتسويق والذي تطور وأصبح يسمى الغسل الأخضر (Greenwashing)(*).

إلا أنّ ذلك لم يكن كافياً حيث تعرض ذلك للانتقاد ورأى الكثير أنَّ هذه التغييرات تخدم الأغراض التسويقية أكثر منها الأغراض البيئية وفي أواخر التسعينيات ومع ما شاهدته هذه الفترة من أزمات مثل أزمة الأمن الغذائي، أسعار الطاقة وصرامة التشريعات البيئية ليصبح ما يعرف بالتسويق الإيكولوجي (Ecologie Marketing) ليسمى في ما بعد التسويق الأخضر (Green Marketing)‏[1].

إذاً فإنَّ ما يؤكد جدوى التوجه نحو التسويق الأخضر هو تزايد وعي الناس نحو: التهديدات الموجودة في البيئة التسويقية؛ تناقص المواد الأولية في الطبيعة وبخاصة غير القابلة للتجديد؛ الارتفاع المستمر في تكاليف الطاقة وقرب انتهاء العمر الافتراضي لمصادر الطاقة الحالية، مع الحاجة إلى البحث عن مصادر بديلة؛ تزايد معدلات التلوث البيئي؛ تغير دور الحكومات وزيادة وعيها البيئي، والمتمثل بسن القوانين والتشريعات لحماية البيئة؛ وتزايد الأصوات التي تنادي بالمحافظة على البيئة لجعلها مكاناً آمناً للعيش لنا وللأجيال القادمة‏[2].

وإن كان هناك العديد ممن يعتبر أنَّ كـلاً من التسويق البيئي والتسويق الإيكولوجي والتسويق الأخضر مصطلحات تشترك في مفهوم واحد، وقد عرَّفت جمعية التسويق الأمريكية التسويق الأخضر (American Marketing Association) على أنّه: «عبارة عن مختلف الجهود المبذولة من المؤسسة لإنتاج، تغليف وتسعير وترويج المنتجات بطريقة تستجيب للمتطلبات البيئية وتحافظ عليها»‏[3]، أي أنَّه تسويق المنتجات التي يفترض أن تكون آمنة بيئياً حيث إنَّ مختلف العمليات التي يتضمنها التسويق الأخضر تتم بطريقة أقل ضرراً بالبيئة؛ فغالباً كلٌّ من المسوِّقين والمستهلكين أصبحوا بحاجة إلى التحول إلى المنتجات والخدمات الخضراء والتي من المفترض أن تكون مكلفة على المدى القصير.

وقد تم إصدار أول كتاب عن التسويق الأخضر بعنوان التسويق البيئي سنة 1975 من قبل «هينيوم وكينر» (Heniom and Kinner)، ومنذ ذلك الوقت تم نشر العديد من الكتب الأخرى حول هذا الموضوع (Charter 1992 وCoddington 1993 وOttman 1993)[4].‏ ومن أهم التعاريف الرائجة عن التسويق الأخضر نجد ما يلي‏[5]:

  • التسويق الأخضر على أنّه جهود المؤسسة كافة من تصميم وترويج وتوزيع المنتجات التي لا تضر بالبيئة.
  • مختلف الأنشطة المصممة لتوليد وتسهيل أي تبادل يهدف إلى تلبية احتياجات الإنسان مع الحد الأدنى من تأثير ضار في البيئة الطبيعية.
  • يمثل الإدارة الشاملة والمسؤولية على تحديد وتلبية متطلبات المستهلكين بطريقة مريحة ومستدامة.
  • عملية نظامية متكاملة تهدف إلى التأثير في تفضيلات الزبائن بصورة تدفعهم نحو التوجه إلى طلب منتجات غير ضارة بالبيئة وتعديل عاداتهم الاستهلالية بما ينسجم مع ذلك والعمل على تقديم منتجات ترضي هذا التوجه بحيث تكون المحصِّلة النهائية هي الحفاظ على البيئة، وحماية المستهلكين وتحقيق هدف الربحية للشركة.‏[6]

 

فالتسويق الأخضر يتضمن التزام منظمات الأعمال بالتعامل بالسلع الصديقة للبيئة (السلع غير الضارة بالمجتمع والبيئة الطبيعية) والقيام بالأنشطة التسويقية في إطار الالتزام القوي بالمسؤولية البيئية وضمن ضوابط محددة لضمان المحافظة على البيئة الطبيعية وعدم إلحاق الضرر بها. ومن الواضح أنَّ كل هذه التعاريف تنسجم بعضها مع بعض في تركيزها على القيام بالأنشطة التسويقية ضمن التزام بيئي قوي وتوجه نحو تقديم سلع صديقة للبيئة، والتأثير في سلوكيات المستهلكين وعاداتهم الاستهلاكية بما ينسجم مع هذا التوجه، وبما لا يتعارض أيضاً مع الأهداف الربحية للمنظمة‏[7].

وهناك العديد ممن يعتقد أنَّ التسويق الأخضر ماهو إلا الترويج للمنتجات ذات الخصائص البيئية إلا أنَّ مفهوم التسويق الأخضر أوسع من ذلك بكثير فهو يتضمن جميع الأنشطة التي تهدف إلى تلبية احتياجات المستهلكين مع عدم الإضرار بالبيئة. ومن هذه الأنشطة: تعديل المنتج؛ تغيير في عمليات الإنتاج؛ التغيير في التعبئة والتغليف؛ التعديل في عمليات الترويج والتوزيع وغيرها. فالتسويق الأخضر ليس بالمهمة السهلة.

وقد وضع عثمان (Ottman) مجموعة من القواعد للاقتصاد الأخضر أو ما أسماها «القواعد الخمس» والتي تنص على نشر الوعي البيئي لدى المستهلك، جعل المستهلك يشعر بالفرق عند استخدام المنتج الأخضر، كسب ثقة المستهلك، جعل المستهلك يقتنع بأنَّ المنتج الأخضر أفضل كثيراً مقارنة بالبدائل غير الخضراء والمستهلك يتحمل أي تكاليف مقابل الحصول على المنتج الأخضر‏[8].

يلخص عثمان التسويق الأخضر من خلال الزعم بأنَّ المؤسسة إذا كانت تتبع القواعد الخمس فإنَّ ذلك قد يؤدي إلى تحسين المنتجات التي يمكن أن تحسِّن التسويق وتعزيز الأداء الكلي ويمكن أن يصبح مصدراً محتمـلاً للابتكار. والتسويق الأخضر ذو معنى واسع حيث يتضمن تحليل دورة حياة المنتج، تدفقات الموارد، الكفاءة الاستخدامية للموارد، الكفاءة الإيكولوجية، الاستدامة البيئية.

إنَّ انتهاج التسويق الأخضر من شأنه أن يحقق تصميم منتجات آمنة ومناسبة أكثر من الناحية البيئية مع تقليل الضياع والهدر في المواد الأولية والطاقة، وهذا ما يخفض التكاليف الإنتاجية عبر أسس الابداع البيئي مما يؤدي بطبيعة الحال إلى تمييز المنتج المقدم من قبل الشركة عن منتجات المنافسين وخلق سمعة بيئية طيبة للشركة وتقديمها كعضو نافع في المجتمع‏[9].

ويتطلب تبني التسويق الأخضر من المؤسسة ما يلي‏[10]:

1 – دراسة واسعة للمسائل البيئية؛

2 – إيجاد نظام لقياس ومراقبة الآثار البيئية الناجمة عن أداء المؤسسة؛

3 – وضع سياسة بيئية واضحة؛

4 – مراقبة تطوير برامج التسويق الأخضر في ظل القوانين والتشريعات المتغيرة؛

5 – القيام بالأبحاث العلمية لمعالجة المشاكل البيئية والتكنولوجية المستخدمة؛

6 – تطوير البرامج التعليمية لتثقيف المستهلكين ورفع درجة وعيهم بالمسؤولية البيئية؛

7 – استخدام الوسائل المناسبة التي تضمن التوجه البيئي الفعال للمؤسسة؛

8 – دعم البرامج والجهود البيئية على كل المستويات؛

9 – المشاركة في دعم وتأسيس المنظمات الاجتماعية التي تعنى بشؤون البيئة والمجتمع.

ثانياً: المزيج التسويقي الأخضر

يرتكز التسويق الأخضر على أربعة عناصر أساسية مثل التسويق التقليدي كما يلي:

1 – المنتج

يمكن تعريف المنتج الأخضر على أنَّه: «أي منتج مصمَّم ومصنَّع وفقاً لمجموعة من المعايير التي تهدف إلى حماية البيئة وتقليل استنزاف الموارد الطبيعية مع المحافظة على خصائص الأداء الأصلية»‏[11]. وقبل الشروع في عملية إنتاج المنتج الأخضر لا بد من تحديد الاحتياجات البيئية للمستهلك وتطوير المنتجات وفقاً لهذه الاحتياجات، وليس ضرورياً أن يكون المنتج الأخضر منتجاً جديداً كلياً بحيث يمكن أن تجرى مجموعة من التعديلات على المنتج القديم مما يجعله منتجاً صديقاً للبيئة حيث تتمثل هذه التعديلات في أسلوب التعبئة والتغليف أو تغيير نسب بعض المكونات وإعادة استعمال بعض المواد عبر إعادة التدوير أو استبدال بعض المكونات الأخرى أقل تأثيراً من الناحية البيئية وأن لا ينتج من استخدامها نفايات مضرة بالبيئة وإنَّ عمليات إنتاج هذه المنتجات ترتكز على الكفاءة الاستخدامية للمواد الأولية وبخاصة غير المتجددة منها.

ولقد أظهرت دراسة قامت بها شركة فيليبس (Phillips) للإلكترونيات أنَّ ربط الإسهامات البيئية للإنتاج يؤدي إلى زيادة طلب الزبائن على المنتجات الخضراء البيئية؛ فالمنتج له أهمية كبيرة في التسويق الأخضر لأنَّ أغلب الجهود الداعية إلى التوجه البيئي تتركز على المنتج، ما يستدعي وجود التعاون المستمر ما بين قسمي الإنتاج والتسويق، حيث يكون هذا الأخير دائماً مستعداً لتقديم المعلومات اللازمة حول المستهلكين الخضر بينما يكون على قسم الإنتاج أن يوفق بين المعايير البيئية المطلوبة مع المعايير التقنية المتوافرة بحيث يمكن التوصل إلى أفضل صيغة لإنتاج وتقديم هذه المنتجات وهذا ما يعرف بالتصميم الصديق للبيئة. فعند تصميم المنتج الأخضر لا بد من الأخذ بعين الاعتبار ما يلي‏[12]:

أ – دراسة تأثير التصميم من عدة جوانب سواء الاقتصادية الاجتماعية بعد إجراء التغييرات البيئية اللازمة؛

ب – عند تصميم المنتج الأخضر يجب الأخذ بعين الاعتبار مجموعة من القضايا البيئية وذلك من أجل تقليل الآثار البيئية للمنتج في مختلف مراحل العملية الإنتاجية؛

ج – دراسة مدى ملاءمة المنتج المصمم لاحتياجات الزبائن ومدى توافقه مع رغباتهم ومع ما يتطلعون لاقتنائه.

كما اقترح براكاش (Prakash) ست طرائق تصف كيف يمكن جعل المنتجات أكثر اخضراراً، فالمنتجات ستكون أكثر ملاءمة للبيئة وذلك باتباع ما يلي‏[13]:

(1) إصلاح المنتج: إطالة عمر المنتج من طريق جعله قابـلاً للإصلاح؛

(2) المنتج قابل لإعادة التصنيع: حيث يكون المنتج الجديد امتداداً للمنتج القديم؛

(3) قابل لإعادة الاستخدام: أي المنتج قابل للاستعمال عدة مرات؛

(4) إعادة التدوير: يمكن إعادة تصميم المنتجات وتحويلها إلى مادة خام يتم استخدامها في إنتاج منتج آخر أو حتى المنتج نفسه؛

(5) أن يكون المنتج يستخدم أقل مواد خاماً وأقل نفايات في عملية الإنتاج.

وقد ظهر العديد من المنتجات في السوق التي تدعم التنمية المستدامة والتي تشتمل على ما يلي‏[14]:

(أ) المنتجات التي يمكن إعادة تدويرها؛

(ب) المنتجات الفعّالة والتي توفر المياه، الطاقة والبنزين والمال والحد من التأثير البيئي؛

(ج) المنتجات التي يتم تعبئتها وتغليفها بمواد مسؤولة بيئياً؛

(د) المنتجات العضوية؛ فالمستهلك يكون دائماً مستعداً لدفع المزيد مقابل الحصول على منتجات عضوية وصحية ذات جودة عالية؛

(هـ) المنتجات المعقدة والتي تلتزم بالمعايير البيئية.

2 – التسعير

يعتبر السعر أحد العناصر الهامة للمزيج التسويقي، ويستمد أهميته من أنه يمثل الواجهة المعبرة عن مواصفات وجودة المنتج في شكل رقمي، حيث دائماً ما يقارن المستهلكون بين مستوى جودة المنتج ومستوى السعر المعروض به. وكلما كان هناك توافق بينهما كلما أدى ذلك إلى زيادة ثقة العملاء بالمنظمة ومنتجاتها بصفة عامة. أيضاً يستمد السعر أهميته من أنه العنصر الذي يعوّل عليه في تحقيق معدلات العائد على الأموال المستثمرة الذي ترغب فيه المنظمة‏[15].

ويكون المستهلك على استعداد دائم لدفع ثمن المنتج إذا كان هذا الأخير يلبي احتياجاته، وإنَّ قيمة المنتج عادة ما تتمثل بقيمة الأداء والوظيفة والتصميم وغيرها، حيث يمكن تحسين قيمة المنتج من خلال إضافة الطابع البيئي حيث عادة ما تكون ميزة إضافية للمنتج وغالباً ما يكون العامل الحاسم بين منتجات متساوية القيمة والخدمة.

إنَّ المنتجات البيئية غالباً ما تكون أقل تكلفة لو أخذنا بعين الاعتبار تكاليف دورة حياة المنتج بين كفاءة في استهلاك الوقود، الكفاءة في استهلاك المياه، كفاءة استخدام المواد غير المتجددة وغيرها‏[16].

أحياناً تقوم الشركات بتخفيض أسعار المنتجات البيئية من أجل تشجيع المستهلك على شرائها، حيث إنَّ تخفيض الأسعار يعتبر استراتيجية أكثر نجاحاً للشركة ويمكن استخدام المنفعة البيئية كميزة تنافسية للمنتج لتبرير سعر المنتج في حالة ارتفاعها. وقد تم إجراء مسح على 520 مستهلكاً أخضر أمريكياً في حزيران/يونيو 2009. ووفقاً لهذه الدراسة فإنَّ المستهلكين الذين لا يشترون المنتجات الخضر يبررون ذلك لاعتبارها منتجات مكلفة للغاية، فالسعر يبقى المحدد الرئيسي لإقبال المستهلك على شراء المنتج الأخضر من عدمه‏[17].

3 – التوزيع

تعد قرارات قنوات التسويق من أهم القرارات الحيوية التي تواجه إدارة التسويق، فهي من ناحية تؤدي دوراً كبيراً في تسهيل مهمة المستهلك في الحصول على المنتج، ومن ناحية أخرى تؤثر بصورة واضحة في جميع القرارات التسويقية الأخرى؛ فقرارات تخطيط وتطوير المنتجات لا يمكن أن تتخذ بمنأى عن الاعتبارات المتعلقة بقنوات التسويق الحالية أو المحتملة. كما تعتمد قرارات التسعير على نوعية وقدرات الموزعين الذين ستعتمد عليهم المؤسسة. كذلك تعتمد قرارات القوة البيعية في المؤسسة على حجم العمل البيعي والتدريب الذي سيحتاجه الموزعون؛ هذا علاوة على العلاقة الواضحة بين قنوات التسويق والترويج من حيث ضرورة تحديد مدى مساهمة كل حلقة من حلقات التوزيع في مجهودات الإعلان وترويج منتجات المؤسسة، وإنَّ اختيار المكان والزمان المناسبين لجعل المنتج متوفراً لديه تأثير كبير في جذب المستهلك؛ فمعظم المستهلكين ليسوا على استعداد للسفر لشراء المنتجات الخضراء بل يجب على المسوقين تقديم منتجاتهم الجديدة إلى المستهلكين بنجاح كتوزيع هذه المنتجات على العديد من نقاط البيع حتى وإن اضطرت الشركة إلى إنشاء أسواق خضراء صغيرة خصيصاً لمنتجاتها الخضراء فقط. وحتى قنوات التوزيع التي تستخدمها الشركة لا بد من أن تكون مستدامة وصديقة للبيئة‏[18].

4 – الترويج

يمثل الترويج كل الأنشطة التي تهدف من خلال المؤسسة إلى إظهار منتجاتها بصورة مقنعة لدى المستهلك بغية خلق وتنمية الطلب على المنتج. فالترويج في سياق التسويق الأخضر يشمل مختلف الأنشطة الترويجية ضمن التوجه البيئي مع التركيز على الناحية الإرشادية للمستهلكين من خلال الملصقات البيئية والمعلومات الإرشادية بخصوص الاستخدام الأمثل للمنتجات الخضراء. ويهدف الترويج الأخضر إلى إبراز أهمية البيئة الصحية للمستهلك وإقناع المستهلكين بشراء واستخدام المنتجات الخضراء فضـلاً عن الالتزام بالخصائص التقليدية للترويج مثل وضوح الفكرة، المصداقية، الشفافية، الصراحة والنزاهة‏[19].

ترتكز طرائق الترويج المتبعة في الاقتصاد الأخضر على تعزيز مصداقية البيئة للمنتج الأخضر. ويعتبر الترويج بالأساليب الإلكترونية من أحدث وسائل التسويق وأسرعها وأكفئها مقارنة بوسائل الترويج التقليدية. وهناك من الشركات من تعتمد على ترويج منتجاتها على الجمعيات البيئية (المدافعة عن البيئة) بالإضافة إلى قيام الشركة بحملات تطوعية من أجل نشر الوعي البيئي ووضع برامج تدعم البيئة، وغيرها من أساليب الترويج الأخرى‏[20]، وهناك ثلاثة أنواع من الترويج الأخضر‏[21]:

أ – التركيز على العلاقة بين المنتج/الخدمة والبيئة؛

ب – العمل على تقديم صورة الشركة من خلال مسؤوليتها البيئية؛

ج – الترويج لنمط الحياة الخضراء من خلال تسليط الضوء على المنتج/الخدمة.

ثالثاً: التوجه العالمي نحو التسويق الأخضر

شهد التسويق الأخضر إقبالاً كبيراً في مختلف دول العالم وقد أولت العديد من المنظمات العالمية التي لها ارتباط بقطاع الأعمال أهمية كبيرة بالبعد البيئي، وعلى رأس هذه المنظمات المنظمة العالمية للتقييس (International Organization for Standardization)(*) والتي وضعت سلسلة من المعايير البيئية والمعروفة بسلسلة نظم الإدارة البيئية 14000 (Environmental Management Systems) والتي بدأ العمل بها سنة 1993 واكتمل الإصدار النهائي لها مع نهاية سنة 1996 حيث تتكون هذه السلسلة من عدد من المواصفات التي تتمحور حول كل واحدة منها مجموعة من البنود والمتطلبات ذات الطابع الفني والإداري، الغاية منها تشجيع وتنمية إدارة بيئية أكثر كفاءة وفاعلية في المنظمات المختلفة باتجاه تطوير البيئة وتقديم وسائل مفيدة وعملية. وهي بذلك تعبر عن التزام الشركة الصناعية بأداء دور فاعل في تفحص عملياتها بشكل شامل مع دمجها مع الاعتبارات البيئية، والبحث عن وسائل لزيادة فاعلية العمليات وإقامة الدراسات الكفيلة بالحد من إنتاج النفايات في مرحلة مبكرة من مراحل الإنتاج والبحث عن فرصة لتحويل منتجاتها الثانوية غير المطلوبة إلى مواد يمكن إعادة استخدامها وبما يقدم للزبائن والمساهمين فيها والجهات ذات العلاقة بالقضايا البيئية ضمانات تعزز الثقة بها وبمنتجاتها‏[22].

ويعد معيار إيزو 14001 من أهم المعايير في سلسلة إيزو 14000، ومن أهم المعايير التي يمكن الاعتماد عليها لمعرفة مدى التوجه الدولي نحو التسويق الأخضر، وهو مقياس يشير إلى المتطلبات العامة لنظام الادارة البيئية ويصلح للتطبيق على أي مؤسسة مهما كان نوعها وحجمها وطبيعة نشاطها. وإن الحصول على شهادة الإيزو 14001 يمكن المؤسسة من تحسين العلاقة مع المجتمع وكسب رضا العملاء نظراً لزيادة ثقته بأن المؤسسة تحترم البيئة التي يعيش فيها وتحافظ عليها ما يؤدي إلى تحسين صورة المؤسسة وحصصها السوقية.

ووفقاً للإحصاءات الصادرة عن منظمة الإيزو فقد بلغ عدد المنظمات التي تحصلت على شهادة الإيزو لمعيار 14001 خلال سنة 2010 حوالى 251548 شهادة ليرتفع هذا الرقم إلى حوالى 267457 شهادة وذلك خلال سنة 2011 أي ارتفاع قدر بنسبة 6 بالمئة‏[23]. وأنَّ أغلب المؤسسات المتحصلة على هذه الشهادة تقع في الدول المتقدمة. وتعتبر كل من الصين، بريطانيا وإيطاليا وإسبانيا من الدول التي فاق فيها عدد الشهادات 10000 شهادة والخاصة بإيزو 14001 خلال سنة 2013 لتليها كل من الولايات المتحدة الأمريكية، كندا، أستراليا وبعض الدول الأوروبية بعدد شهادات يتراوح ما بين 1000 و10000 شهادة ودول غرب آسيا والدول الأفريقية وبعض الدول الأوروبية وأمريكا الجنوبية فقد تراوح فيها عدد الشهادات ما بين 10 إلى 1000 شهادة كما هو موضح في الشكل الرقم (1).

وخلال الفترة 1999 – 2013 ارتفع عدد شهادات الإيزو 14001 الممنوحة حيث بلغت ما يفوق 300 ألف شهادة بينما بلغت سنة 1999 حوالى 139 ألف شهادة. وتعتبر كل من أوروبا وشرق آسيا والمحيط الهادئ من أكثر الاقاليم حصولاً على شهادة الإيزو 14001 حيث فاقت في هذه الدول 100 ألف وذلك خلال سنة 2013 لتنخفض عن ذلك في كل من أفريقيا، الأمريكيتين والشرق الأوسط ووسط وجنوب آسيا.

الشكل الرقم (1)

التوزيع العالمي لإيزو 14001 خلال سنة 2013

المصدر: «Evolution des certificats ISO 14001 en Afrique du Sud,» ISO, <http://www.iso.org/iso/fr/home/stan​dards/certification/iso-survey.htm?certificate=ISO%2014001&countrycode=ZA#countrypick>, (Visitée en 15/7/2015).

 

الشكل الرقم (2)

تطور عدد شهادات الإيزو 14001 خلال الفترة 1999 – 2013

المصدر: «Evolution des certificats ISO 14001 en Afghanistan,» ISO, <http://www.iso.org/iso/fr/home/stand​ards/certification/iso-survey.htm?certificate=ISO%2014001&countrycode=AF#standardpick>, (Visitée en 16/7/2015).

احتلت الصين المرتبة الأولى عالمياً بما يفوق 104 آلاف شهادة إيزو 14001 خلال سنة 2013 لتليها كل من إيطاليا واليابان بـ 24 و23 ألف شهادة على التوالي. أما الولايات المتحدة الامريكية فاحتلت المرتبة التاسعة عالمياً بما يفوق ستة آلاف شهادة لتليها الهند بما يفوق خمسة آلاف شهادة خلال سنة 2013.

 

الشكل الرقم (3)

ترتيب الدول المتحصلة على شهادات الإيزو 14001 خلال سنة 2013 (10 دول)

المصدر: المصدر نفسه.

 

ففي ألمانيا على سيبل المثال لا الحصر انخفض استخدام مواد التعبئة والتغليف في الصناعة الألمانية بنسبة 10 بالمئة بعد سن القانون الذي ألزم الشركات بجمعها من المستهلكين وإعادة تصنيعها أو معالجتها؛ أي أنَّ الشركة تتحمل مسؤولية المنتج ابتداءً من معالجة المواد الخام مروراً بتوزيعها للمستهلك وحتى عودته أو عودة بقاياه إليها بعد استخدامه. كما انخفض حجم استهلاك العبوات الورقية والبلاستيكية والزجاجية من 13 مليون طن إلى 11.7 مليون طن في ألمانيا بعد صدور قانون مواد التعبئة سنة 1991. وقد نص القانون الألماني على أنّه من 60 إلى 70 بالمئة من المواد يجب أن تتم معالجتها باستثناء تلك القابلة للاحتراق أو الاستخدام كأسمدة أو إعادة استخدامها من جديد. وانخفض حجم استهلاك مواد التعبئة والتغليف في المنازل والمشاريع الصغيرة من 9 ملايين طن إلى 6.7 مليون طن في الفترة من 1991 إلى 1997، وقد تم جمع أكثر من 5 ملايين طن من مواد التعبئة والتغليف في حاويات خاصة في تلك الفترة. في سنة 2002 تم معالجة أكثر من 82 بالمئة من الزجاج بالمقارنة مع 62 بالمئة سنة1993، 90 بالمئة من الورق والكرتون بالمقارنة مع 55 بالمئة سنة عام 1993، 70 بالمئة من الألمنيوم بالمقارنة مع 7 بالمئة سنة 1993‏[24].

هذا بالإضافة إلى أنَّ هناك العديد من الشركات العالمية قد تبنت التسويق الأخضر، في كتابهما «Green to Gold»، كل من دانيال إستي (Daniel Esty) وأندرو ونستون (Andrew Winston) قدما العشرات من الأمثلة حول الشركات التي تبنت فعلياً التسويق الأخضر، وهذه بعض الأمثلة المختارة والتي يمكن إيجازها في ما يلي‏[25]:

  •  شركة IKEA: وتعد من أكبر الشركات المتخصصة بإنتاج الأثاث على المستوى العالمي، وقد قامت هذه الشركة بخفض تكاليف سلسلتها اللوجستية والتكاليف المالية المرتبطة بتوزيع منتجاتها لمعالجة الآثار البيئية، حيث قامت الشركة بترويج منتجاتها في علب مسطحة والتي من خلالها تشغل مساحات صغيرة مثلى في كل علبة. هذا سمح للشركة شحن الشاحنات والقطارات بطريقة متماسكة ومعدل الشحن ارتفع إلى 50 بالمئة. ونتيجة ذلك: تعزيز قدرة وسائل النقل على الشحن والمساهمة في خفض استهلاك الوقود إلى 15 بالمئة.
  •  شركة Hewlett−Packard: وهي شركة أمريكية متخصصة في مجال الحاسوب. وقد قامت هذه الشركة بإعادة معالجة الخراطيش المستعملة وبيعها، ما سمح لها إنشاء سوق مربحة لها ومنافسة للشركات المختصة في إنتاج خراطيش الحبر. وقد أطلقت الشركة برنامج «Planet Partners» والذي من خلاله يتم تدوير ما يقارب 11 مليوناً من الخراطيش كل سنة أي بقيمة 100 مليون دولار بهامش ربح مرتفع.
  •  شركة General Electric: شركة صناعية وتكنولوجية أمريكية ضخمة متعددة الجنسيات وهي ثاني أكبر شركات العالم، وفي إطار البرنامج الريادي (الإبداع البيئي) الذي وضعته هذه الشركة قدمت GE من خلاله أهدافاً طموحة من بينها: خفض الانبعاث الغازية الدفيئة؛ زيادة الاستثمار في مجال البحث والتطوير في مجال التقنيات البيئية. كما أطلقت 17 منتجاً بيئياً لها بدءاً من المحركات النفاثة إلى الألواح الشمسية وهي الأكثر ملاءمة لتحسين الأداء البيئي.
  •  شركة Citigroup: أحد أكبر شركات الخدمات المالية الأمريكية، وفي سنة 2004 قامت هذه الشركة باختبار بسيط لمكاتبها، واستعملت 30 بالمئة من الورق المعاد تصنيعه ونسخت على الوجهين. وقد سمح لها هذا الاختبار البسيط بتقليص استهلاك الورق بما يقارب 10 أطنان أي حوالى 100 ألف دولار، وقد أسهم هذا بخفض كبير في انبعاث الغازات الدفيئة بـ 82 طناً بالنسبة إلى منتجي الورق. إذاً هذه المبادرة البسيطة جلبت انتباه العديد من المؤسسات.

خاتمة

إنَّ تبني المؤسسات باختلاف أنواعها وأحجامها ومجالات نشاطها أصبح يشكل فرصة تسويقية تكسب المؤسسة ميزة تنافسية سواء في الأسواق المحلية أو الأجنبية؛ فالمؤسسات التي تراعي التوجه البيئي في استراتيجياتها التسويقية أصبحت تحظى بالدعم من قبل الهيئات الرسمية وغير الرسمية المهتمة بالبيئة بالدعم والمساعدة المجانية وخصوصاً في ما يتعلق بعمليات الترويج، ويشهد التسويق الأخضر إقبالاً كبيراً سواء من قبل الحكومات من خلال سن المزيد من التشريعات البيئية الصارمة وخصوصاً في ما يتعلق بقطاع الأعمال أو من قبل المؤسسات نفسها لما له من أهمية كبيرة. فالعديد من المؤسسات التي تبنت التسويق الأخضر تمكنت بالفعل من تعزيز مسؤوليتها البيئية، مما ساهم وبشكل كبير في انخفاض عدد الدعاوي القضائية الموجهة إليها من قبل الأطراف الناشطة في المجال البيئي، تحسين سمعة المنظمة وزيادة مبيعاتها، بالإضافة إلى تعزيز الحقوق الأساسية (الصحة، التعليم وحقوق العاملين)، علاوة على ذلك تحقيق مزايا للدولة منها خفض الأعباء التي تتحملها الدولة في سبيل أداء مهماتها وخدماتها الصحية والتعليمية والثقافية والاجتماعية.

 

قد يهمكم أيضاً  التدهور البيئي في الوطن العربي: التحدِّي لاستدامة الحياة