يسترجع هذا الكتاب الانتفاضات الشعبية العربية التي اندلعت أواخر 2010 وبداية 2011، متناولاً رؤية الناس للتحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في ثلاث دول بعد الانتفاضات، هي: تونس ومصر – حيث أسقطت الانتفاضات نظامَي الرئيسين زين العابدين بن علي وحسني مبارك على التوالي؛ والأردن حيث تم استيعاب الاحتجاجات. ويستند الكتاب إلى بيانات مسح تستكشف مواقف المواطنين العاديين من السياسة والأمن، والاقتصاد، والجندرة، والفساد، في الفترة 2010 – 2011، ليستنتج أن أسباب الاحتجاجات لم تكن ناجمة عن تهميش سياسي وقمع من قبل الأنظمة فحسب، وإنما أيضاً عن حرمان المواطن من حقوقه الاجتماعية والاقتصادية وغياب العدالة الاجتماعية. وتظهر بيانات المسح أيضاً أن هذه القضايا لا تزال بلا حل، وأن السكان لديهم ثقة ضئيلة في ما ستقدمه حكوماتهم لمعالجة هذه القضايا. وهذه الحكومات صورة عن أنظمة ما بعد الانتفاضات وهي أنظمة غير مستقرة، وهشة وهجينة لكنها شرسة وربما لا تقدم على التحول الديمقراطي أو تتخلى عن النهج الاستبدادي الذي كان سائداً قبل انتفاضات «الربيع العربي».

في الواقع، تتداخل هذه الاستنتاجات مع الآراء التي تعتبر أن انتفاضات «الربيع العربي» لم تكن لتتمكن من إسقاط الأنظمة الاستبدادية لولا وقوف المؤسسة العسكرية التي كانت تدعم هذه الأنظمة على الحياد، أو لولا تدخل القوى الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة التي تعاملت بانتقائية مع هذه الانتفاضات – بحسب مصالحها – فغضت الطرف عن قمع الاحتجاجات في عدد من البلدان العربية، ولا سيَّما تلك التي تعتبرها صديقة، فيما شاركت ولا تزال بكل الوسائل المتاحة في العمل على إسقاط الأنظمة التي تعتبرها «معادية» أو «غير صديقة». ولا يخفى أن عوامل اقتصادية وجيوسياسية كانت وراء أهداف التدخلات الخارجية في الدرجة الأولى، وإن غُلفت بشعارات الترويج للديمقراطية والإصلاح الاقتصادي والاجتماعي ومكافحة الإرهاب في المنطقة. كما لا يخفى أن «ازدواجية المعايير» في تعاطي المجتمع الدولي – وبخاصة الولايات المتحدة – مع الانتفاضات الشعبية العربية أفرغتها من مضمونها.