أولًا: مدخل لفهم التغير

[1]لم تكن عمليات التغير في أرجاء منطقة الخليج العربي تسير بوتيرة واحدة، في أي عملية من عمليات التغيُّر، أو تأتي بنتائج أو مصاحبات متماثلة ومتساوية. وهي – أي عملية التغير – رغم محاولات تنميطها وتحديد مساراتها، فإن نتاجاتها تختلف من مجتمع إلى آخر، وهي في داخل هذه المجتمعات تختلف درجة التحولات فيها من إقليم إلى آخر ومن جماعة اجتماعية إلى أخرى. وتفرز عمليات التغير في الغالب قدرًا من الردود والممانعات المجتمعية غير المحسوبة، وهي تراجعات تحدث لأي عملية تغير، لكون عمليات التغير لا يمكن حساب نتائجها حسابًا دقيقًا، وبالتالي التنبؤ بنتائجها بصورة دقيقة تقارب دقة التنبؤ في العلوم الطبيعية. من ناحية أخرى، فإن النتائج المنظورة أو المتوخاة من عملية التغيير غالبًا ما تحمل معها – ولو بعد حين – نتائج غير منظورة أو غير متوقعة قد تكون أشد وقعًا من كل توقعاتنا أو أنها قد تأتي بنتائج على عكس ما نبتغي. ما نريد الإشارة إليه، بل والتشديد عليه، أن التحكم في نتاجات عمليات التغير في جانبها البشري لا يبدو ممكنًا في مجتمعاتنا الشرقية، بل إنه بدا فعلًا غير ممكن في مجتمعاتنا العربية الإسلامية التي مرت بها عمليات التغير بردود تلو الردود، وهي تراجعات يقف الباحث أمام بعضها متسائلًا، وفي بعض حالاتها عاجزًا عن إعطاء تفسير دقيق لها. هل هي كما يقول البعض ذات علاقة بالموقف من الحداثة ونتاجاتها، أم أنها ذات علاقة بمكونات هوياتية تقاوم التماهي مع هويات عالمية مُتسيدة. أم أن بعض المكونات الثقافية في بعض المجتمعات النامية تحمل بطبيعتها مكونات محلية تقاوم التماهي مع بعض المكونات الثقافية الوافدة.

تقدم حركة الاحتجاجات التي اجتاحت الولايات المتحدة الأمريكية، في إثر مقتل أمريكي من أصول أفريقية خنقًا على يد أحد رجال الشرطة البيض، في حزيران/ يونيو 2020 التي انخرطت فيها الأجيال الأمريكية وكل الجماعات الإثنية الأخرى كالبيض والهسبانك (ذوي الأصول اللاتينية) حقيقة أن ردود الفعل البشرية رغم كل ما يقال عن القدرة على التحكم في سلوك الناس وتوجهاتهم، إلا أن الغضب البشري قد ينفجر في لحظة غير محسوبة في الزمن.

فالثورات والاحتجاجات والعصيان المدني والفوضى وغيرها، التي تحدث في كثير من المجتمعات، هي ليست وليدة لحظة حدوثها إنما هي تعبير عن تفاعلات قائمة في المجتمع لسنين طويلة. وهي تعبير عن مشكلات اجتماعية عميقة وممارسات سياسية واجتماعية تُركت بلا حل أو مع بعض الحل. وهي قد تحدُث نتيجة لحوادث بسيطة قد نستصغرها، وإذا بها تشعل المجتمع ككل، وربما تطيح الدولة والمجتمع أو أحدهما. وقد تتفاعل مع لحظتها متغيرات اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية أو تكنولوجية قد تأتي مصاحبة لها، أو متغيرات مساهمة في تعبئة العامة وشحن الفئة المستهدفة. فقبل مقتل جورج فلويد كان هناك الكثير من الحوادث التي راح ضحيتها عدد من السود الأمريكيين على أيدي أفراد من البيض أو الشرطة الأمريكية، إلا أنها لم تشعل المجتمع كما أشعلها حادث مقتل جورج فلويد على يد شرطة ولاية مانيابلس الأمريكية، وجعلها حركة احتجاجية قابلة للاتساع لتشمل كل الولايات الأمريكية؛ بل إن مواجهتها بالعنف، قد جعلت من بعض فلولها المنفلتة مبررًا للجنوح إلى العنف والفوضى، وهو عنف قد يقوض الكثير من إمكانات الجهات المعنية في ضبط أمن الناس والمجتمع. لا بل إن سلسلة الاحتجاجات الداعمة للاحتجاجات الأمريكية امتدت لتشمل أهم الدول الغربية كبريطانيا وفرنسا وألمانيا، وأن تطرح المشكلة نفسها على واقعها المحلي، وأن تطيح كل رموز وتماثيل حقبة تجارة العبيد في بريطانيا وفرنسا. كلها ردود فعل تعكس كما أشرنا أن ردود الفعل الشعبية مهما بدت ساكنة أو مستكينة قد تحمل في عمقها لحظة تفجرها كنتيجة لكل عمليات القهر الاجتماعي وانعدام العدالة الاجتماعية واللامساواة.

بمعنى آخر، قد يكون ممكنًا التحكم في التغيير من حيث هياكله المادية، ولربما تحديد مساراته الاقتصادية، إلا أنه لا يمكن فعل ذلك بالقدر نفسه في تحديد نتاجاته الاجتماعية أو مصاحباته السياسية والثقافية. كما أن اتجاهات البشر، وإن تغيرت، لا يمكن التحكم في مساراتها بصورة مطلقة. بل إن المتغيرات الجديدة والمتسارعة في وسائط الاتصال وتوظيفاتها المختلفة، إضافة إلى التغيرات التكنولوجية الكبرى التي باتت تمثل حقيقة العصر، تجعل منها هي الأخرى متغيرًا ذا تأثير مفتوح لا يمكن حساب نتائجه التي قد تأتي في غير ما هُدف إليه أو رُغب فيه. وهي – كما متغيرات التغير الأخرى – ليست أحادية الجانب أو حيادية التفاعل بقدر ما أن تفاعلاتها مع متغيرات الداخل العقائدية والإثنية والقبلية – أو العرقية والجيوسياسية حتى – تعطي نتائج متباينة من مجتمع إلى آخر. فطبيعة التغيرات التي حصلت في مجتمعات شرق آسيا في الصين وكوريا الجنوبية وماليزيا وغيرها تختلف عن تلك التي حصلت في الهند، وهي تختلف عن تلك التي تمّت في الباكستان. وهي لذلك، أي الباكستان، تُقدَّم في الكثير من الدراسات كأحد نماذج الدول الفاشلة رغم قدراتها العسكرية والنووية الكبيرة، كما أنها تختلف عن تلك التي حصلت في أمريكا اللاتينية أو أفريقيا. وهي حداثة لم تأتِ بالتغيرات نفسها ولا بالدرجة نفسها في منطقتنا العربية التي جاءت عملياتها تحمل الكثير من الارتدادات الاجتماعية والثقافية والسياسية والقليل من الانجاز. إلى ذلك، تواجه التغيرات في المنطقة العربية الكثير من العوائق والممانعات، من هنا أخذت عمليات التحول الشكل المتذبذب قليلًا من الصعود وربما كثيرًا من الهبوط.

ثانيًا: تغيرات الخليج

إن التغيرات في منطقة الخليج لم تأتِ في أقاليمها المختلفة بالدرجة نفسها، كما أن نتائجها لم تكن هي الأخرى متماثلة ومتسقة في نتائجها رغم وقوع دولها في الإقليم الجغرافي الواحد نفسه. فالسياقات الاجتماعية لمجتمعاتها المختلفة بدت مؤثرة في حجم هذه التغيرات وطبيعتها. بل إنها مُشكلة للأفراد الذين يقع عليهم فعل التغيير وتتجسد فيهم متغيراته. فمنطقة الخليج قد تكون حققت تطورًا مهمًا في بناءاتها الأساسية وفي بعض – إن لم يكن جل – خدماتها الاجتماعية المختلفة، إلا أنها ربما تكون قد تلكأت عن إحداث قدر مهم من التغيرات الاجتماعية والثقافية والسياسية. وهي تغيرات مهمة لتعزيز القدرة التكيفية في المجتمع وبالتالي إحداث قدر مهم من التوازن بين أنساقه وعمليات تغيره. إن بعضًا من هذه «الممانعات الاجتماعية» قد يعود إلى عجز الأنظمة التعليمية في إحداث قدر مهم من القبول والتعاطي الإيجابي مع التحولات العالمية المهمة في مجالاتها الاجتماعية والسياسية وفي الافتقار إلى ثقافة التراكم في العمل الاقتصادي والثقافي، ولربما قبل هذا وذاك، الدور الذي يمكن أن تؤديه بعض المتغيرات أو الأنساق أو التضامنيات، ولربما القوى الاجتماعية في تعطيل التغير أو منع حدوثه.

وما نود التشديد عليه أن مجتمعات الخليج العربي رغم أنها في عمومها خضعت للتغيرات الهيكلية نفسها في البنى الأساسية: شوارع وجسور وطرق سريعة موصلة إلى المناطق النائية والبعيدة ومبانٍ حديثة لمؤسسات الدولة والقطاع الخاص ومطارات حديثة ومجمعات تجارية يتبارى بعضها مع البعض الآخر على مستوى الدول والإقليم، إضافة إلى تغيرات بدت واسعة وكبيرة في أنماط الحياة وإنشاء مدن حديثة يختلط فيها الليل بالنهار، وهي أنماط من الحياة لم تكن قائمة حتى عقود ثلاثة أو أربعة ماضية. إلا أن وقع كل ذلك على الأفراد والجماعات في مجتمعات الخليج لم يكن واحدًا. فنزعة المحافظة بدت مؤثرة في سلوك ونمط علاقات الأفراد التي تأخذ أحيانًا أطرًا عائلية وأخرى قبلية وأخرى مذهبية. وكحصيلة لذلك فإن هويات الأفراد ظلت محتفظة بجزء كبير من خصوصياتها الجهوية (المناطقية) والإثنية. بل إن انكشاف الهويات بعضها على بعض بفعل عوامل العولمة والعمل الإقليمي المشترك لم يدفع نحو حالة من التماهي فيما بينها لكن بدت الهويات الأصغر ولربما الأضعف تدافع عن سماتها في مقابل اجتياح الهويات الأقوى أو الأكبر أو المتسيدة[2].

ثالثًا: تحديات التغير في مجتمعات الخليج العربي

وقبل الدخول في طرح ما سوف نناقشه دعونا نتعرف إلى ما يشير إليه التعريف الاصطلاحي للتحديات: التحديات ومفردها «تحدٍّ» يصف أي متغيرات أو ممانعات طارئة أو كامنة، وهي متغيرات أو أسباب قد تكون كامنة مستترة أو بارزة تحرف عمليات التغير عن تحقيق أهدافها أو أنها قد تعطل مسارها. وهي تحديات تجاوزها يتطلب جهدًا وعملًا جادًا وإرادة قوية وعمل مؤسسي، كما أنها قد تمثل اختبارًا لقدرات المجتمع على التكيف مع التحولات الجديدة أو اختبارًا لقدرات الأفراد على تجاوز المشكلات والصعاب. نحن هنا لسنا معنيين بالتحديات الخارجية التي يأتي على رأسها التحدي الأمني، وتحدي افتقار المنطقة إلى ترتيبات داعمة لقيام منظومة أمنية إقليمية.  فوق هذا وذاك هناك خلافات الأقطار الخليجية في مجلس التعاون الخليجي بعضها مع بعضها الآخر. وهي خلافات يتداخل فيها الشخصي مع السياسي وربما المنافسة غير السليمة. كما أنها خلافات لا تحلها التسويات أو الاتفاقات، إذ ما بقي في النفس يبقى كذلك، لغياب الفعل المؤسسي وغلبة الفعل الفردي، مع تغييب واضح فيها للبعد الشعبي. ولربما يمثل الخلاف الخليجي الأخير بين ثلاث من دول الخليج وهي السعودية والإمارات والبحرين في مقابل قطر، وما جاء به من آثار ومصاحبات سياسية واجتماعية واقتصادية مؤلمة للدول كما هي على الشعوب. هناك أيضًا تحديات تواجه المنطقة في تعزيز التعاون بين دوله والقدرة على حل خلافاتها، بعيدًا من الحساسيات الشخصية للدول بعضها نحو بعض، وهو خلاف يتعقد مع الوقت ويزداد الألم ألمًا مع استمراره، وشُل في أثره الكثير من العمل الإقليمي المشترك. بل إن آثار هذا الخلاف على الناس والعائلات بات كبيرًا. وهو خلاف قد تجاوزت بعض إجراءاته التعاون المتعارف عليه بين دول المنطقة، والأهم، أنه قد أثار مخاوف الدول الصغيرة في جسم مجلس التعاون الخليجي من أن أي خلاف بين أطرافه[3].

فما هي إذًا هذه التحديات الداخلية التي تحاول هذه الورقة طرحها، وكيف لها أن تعمل وما مدى فاعليتها في تعطيل عمليات التغيير؟

أولًا، هذه التحديات جاءت من عمليات التغيير ذاتها أو من آلياتها، أو من القوى القائمة عليها، أو القوى التي كان منوطًا بها إدارة عمليات التحول. بمعنى أن عمليات التغير – وخصوصًا السريعة منها – تتطلب قدرات تكيّفية لا يبدو أنها حاضرة دائمًا عند كل الفئات أو الجماعات الاجتماعية في بعض المجتمعات الخليجية. أو أن بعض آلياتها الموظفة ربما لا تكون مناسبة، أو أنها قد تأتي بغير ما ترجو منه عمليات التغيير. إلا أن الأهم من كل ذلك بات يتمثل بحقيقة أن الأفراد أو القوى التي كان لها الصدارة أو القائمة عليها، ونتيجة لغياب الشفافية والرقابة في العمل المؤسسي، فإن ذلك قد مَثل متغيرات عطلت نتائج بعض عمليات التغير أو ساهمت في تفشي ظاهرة الفساد والاحتكار والتأسيس للمحسوبيات في العمل والإدارة.

بمعنى آخر، إن عمليات التغير قد تأتي بقوى اقتصادية أو اجتماعية تستأثر بثمار التغير أو أن توظفه بالطريقة التي لا يجلب لمنافعها أو حصصها فيه أي ضرر أو تعديل. وهي إدارة نزعت في بعض حالاتها لحصر ثمار ومنافع التغير في جماعاتها القرابية أو العصبوية الصغيرة أو الكبيرة[4]. مع مرور الوقت أنشأ هؤلاء جماعة/جماعات النخب الجديدة التجارية والسياسية. وهي بحكم قرب بعضها من أصحاب القرار أصبحت تمتلك ثروات ونفوذًا وقوة مؤثرة في الدولة والمجتمع. وهي في بعضها، ومن خلال مواقعها، دفعت نحو اتجاهات أكثر تضييقًا على أصحاب الرأي والكتّاب والمغرّدين الناقدين لممارساتها.

ثانيًا، تنتاب مجتمعاتنا حمّى محاولات التنميط الاجتماعي، التي لأسباب متعلقة بنزعات اجتماعية أو سياسية، توظف فيه آليات ومؤسسات، وربما يكون من أهمها نظامنا التعليمي. فالتعليم الذي أصبح فيما بعد إحدى آليات التغيير، كان قد وُظف لتحقيق قدر من النمطية الاجتماعية والاتساق السياسي، وهو فعل يتعارض مع طبيعة النظام التعليمي بوجه عام والقائم على تأكيد التعددية الثقافية والفكرية والسياسية. كما أنه فعل تستمد فاعليته من سياقاتنا التقليدية القائمة على تأكيد التماثل أو التطابق بين الأفراد والجماعات. من هنا نُظر دائمًا إلى الاختلاف الثقافي أو الفكري أو السياسي على أنه خروج عن ثوابت المجتمع وتوافقاته المجتمعية[5].

إضافة إلى ذلك، فإن امتلاك الدولة لوسائط الإعلام المختلفة من تلفزيون وإذاعة وصحف ومجلات، ودخولها مؤخرًا في مجال وسائط الاتصال الاجتماعي، قد مكنها من أن تحدث اختراقًا مهمًا في توجهات الأفراد، مُشكّلة بالتالي وجهات نظر قطاعات كبيرة من الناس على مستوى المواطنين والوافدين. وهي اختراقات تهدف إلى إيجاد آراء ومواقف متسقة مع مواقف النظام على مستوى الداخل والخارج، وخلق كتلة بشرية داخلية كبيرة تمثل الحزام الأمني للنظام في مواجهة تهديدات الداخل أو الخارج.

من ناحية أخرى، فإن انتشار وسائط الاتصال الاجتماعي بأشكالها المختلفة قد جعل منها فضاءً مهمًا للنقد وكسر احتكار الخبر والمعلومة. وهو نقد، وبفعل طبيعة الوسيط، بات يشمل النظام كما الأفراد والجماعات، وبعضها قد يحمل دقة في بياناته أقرب إلى التجني، ولربما التعبئة والحشد الاجتماعي ضد المختلف الإثني كما هو القبلي والمذهبي. فقد تحول هذا الفضاء في المرحلة الأخيرة إلى ساحة معارك شخصية وطائفية تنشر الكراهية هنا أو هناك. وهو ما دفع بالنظام – كما الأفراد – إلى المطالبة بتحجيم استخداماته، وهي دعوة أعقبتها مجموعة من الإجراءات القانونية المنظمة والمُحددة لاستخدام هذا الفضاء، وهو إجراء أعقبه تقديم الكثير من مستخدميه إلى القضاء لأسباب متعددة[6].

ثالثًا، وإلحاقًا بالسابق، فإن التعليم رغم أنه في بعض حالاته يعَدّ إحدى أهم آليات ما يسمى «الاتساق القيمي»، أي أن يكون قادرًا على بناء قدر من التوافق على القيم الأساسية بين أفراد المجتمع وجماعاته، التي تقوم في المجتمعات الغربية مثلًا على احترام الحريات المدنية والاجتماعية واستقلالية الدولة وحياديتها عن الفضاء العام؛ إلا أنه في حالتنا، ونتيجة لطبيعة نظامنا التعليمي ومضامينه الاجتماعية والثقافية، أو انحيازاته المجتمعية أو العصبوية، يخضع لتأثير الأنساق الأكثر قوة في المجتمع من حيث تشكيله أو تشكيل مخرجاته. وهي حالة قادت إلى قدر من الثنائية الثقافية التي بات نظامنا التعليمي قائمًا عليها، وهي ثنائية تضادية. فهناك تعليم الذكور مقابل تعليم الإناث، وهناك ثنائية التعليم الديني مقابل التعليم العام، وثنائية التعليم الحكومي مقابل التعليم الخاص، وفي بعض حالاته ثنائية تعليم النخبة مقابل تعليم العامة؛ بل إن هناك انقطاعًا أحيانًا وتضادًّا بين معارف التعليم أو ما يتلقاه الفرد من علوم حديثة وبين ما ينقضه أو ينفيه أحيانًا من معارف وأنماط تفكير يتعرض لها الطالب/الفرد في الأسرة والشارع أو بعض المؤسسات الدينية في المساجد والحسينيات وجلسات الوعظ أحيانًا، أو ما يتعرض له الطالب من معارف ميتافيزيقية على يد نفر من المعلمين.

إنها ثنائيات مؤثرة في قدرته كنظام على بناء قدر أكبر من الاتساق القيمي بين أفراده وبالتالي جماعات المجتمع. من هنا فإن موقف جماعات الداخل باختلافاتها الإثنية والقبلية والجهوية من مسألة الحداثة والتحديث يتسم بالثنائية أو التردد: بين مجموعة ترى فيها، أي الحداثة، تحديًا يجب ولوجه، وبين أخرى ترى أنه يتعارض مع خصوصياتنا الدينية والثقافية. إنها حالة تجعل من عملية التحديث ذاتها عملًا انتقائيًا تتغلب فيه جوانب أكثر قبولًا على الأخرى الأقل قبولًا. وهي في حالتنا يأتي التحديث الاقتصادي على حساب عمليات التحديث الثقافي وربما السياسي، وهو ما يخلق قدرًا من «الممانعات الاجتماعية» في الموقف من عمليات التحديث والتغيير كعملية شاملة، أي أننا ننتقي الجوانب التي نعتقد أنها لن تصيب، أو تغيّر، حصص الأفراد والجماعات في مركب القوة القائم[7].

رابعًا، يتحدث بعض من كتّابنا أو ساستنا أحيانًا عن الحاجة إلى الاتجاه شرقًا، بل ويتحدث البعض بإعجاب عن تجارب الصعود الاقتصادي لمجتمعات شرق آسيا الجديدة في سنغافورة وكوريا الجنوبية وماليزيا… وغيرها؛ وهو نهوض كان قوامه الشفافية والانتظام والانضباط، وفوق هذا وذاك إرساء أسس مجتمع جديد قائم على الديمقراطية وقيم المواطَنة والتساوي بين أفراد المجتمع في الحقوق والواجبات. وهو تساوٍ قد يعني في ما يعنيه الأخذ بمبدأ «الميروتوقراطية» كأساس للحكم على الناس في المجتمع. أي الأخذ بمبدأ أن قيمة الأفراد تتمثل بما يمتلكه الأفراد من قدرات فكرية وعلمية ومهارات عملية يقدمونها للمجتمع لا في ما يأتي معهم عند الولادة. إنه تحدٍّ يتطلب قدرًا من التمكين الاجتماعي للأفراد والمجتمعات المحلية، وأن يكون لهم رأي في المسارات التي تدخل فيها مجتمعاتهم.

خامسًا، القدرة على إحداث تحولات مؤسساتية مهمة ينتقل فيها القرار من كونه قرارًا فرديًا إلى قرار مؤسساتي. وهو انتقال قد يتطلب تحولات مهمة في الرؤى والتوجهات ولربما قبل ذلك تصويب الممارسات وإخضاعها لقدر أكبر من الشفافية والمساءلة. وهي مساءلة تتطلب تدرجًا وتخصصًا في صناعة القرار وتسند عملية صنعه إلى مؤسسات لا إلى أفراد.

سادسًا، رغم أن بلدان الخليج العربي تتسم بدرجة كبيرة من الاستقرار السياسي عندما تقارن بالكثير من البلدان العربية في الشام والمغرب العربي، إلا أنها تحتاج إلى جهد لترتيب وتنظيم بيت الحكم.  فصراعات القوة بين أجنحته المختلفة لا تهدد استقرار العائلة فحسب، وإنما يهدد كذلك المجتمع والدولة بوجه عام. وهي صراعات قلّما يتم الحديث عنها، إلا أن أخبارها غالبًا ما تكون متداولة على ألسِنة الناس ومن خلال وسائط الاتصال الاجتماعي. وهي صراعات غالبًا ما تقوم على حصص القوة: كالمال والأرض فيما بينها أو على ولاية العهد بين فروعها أو بين الأخوة والأبناء. إلا أن ثبات تقاليد انتقال الحكم، التي بدت محددة في عائلة الحكم رغم بعض مشكلاتها قد أضفى قدرًا كبيرًا من الاستقرار على أنظمة الحكم في المنطقة. ويعتقد البعض أن هذه القدرة على الاستمرار، بخلاف الأنظمة الجمهورية في المنطقة العربية، إنما تعود لحقيقة أنها أكثر قدرة على إدارة تحدي انتقال السلطة لكونها أنظمة تعتمد في إدارتها للدولة وعلاقاتها بالمجتمع على التقاليد القبلية وحكم العائلة[8]. ولا تستطيع أي قوة خارج العائلة الحاكمة أن تقرر من سيكون حاكمًا. أي أنها عملية لا تتم إلا في داخل العائلة وفي إطارها[9]. من الناحية الأخرى فإنه باستثناء البحرين التي ينظم الدستور فيها، ولاية العهد لأكبر أبناء الحاكم سنًا والذي حُدد في نسل المغفور له الشيخ عيسى بن علي آل خليفة، من خلال انتقالها من رئيس الدولة الحاكم إلى أكبر أبنائه سنًا أو من يختاره. إنه تقليد بدأته منذ أن تولى الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة الحكم عام 1923. إذ ينص الباب الأول المادة 1 ب من دستور البحرين على التالي: «حكم مملكة البحرين ملكي دستوري وراثي، وقد تم انتــقاله مـن المغفـور لــه الشـيخ عيسى بن سلمان آل خليفة إلى ابنـه الأكبـر الشـيخ حــمد بـن عيسـى آل خليفـة ملـك البلاد، وينتـقل من بعده إلى أكبر أبنائه، وهكذا طبقة بعـد طبقـة، إلا إذا عـين الملـك قيد حياتـه خلفًـا لــه ابنًا آخـر مـن أبنائـه غيـر الابـن الأكبـر…»[10].

أما دول الخليج الأخرى، فإن انتقال السلطة في بعضها قد لا تنظمه نصوص دستورية واضحة بقدر ما يحدده أحيانًا أعراف غير مكتوبة وتوازنات داخل العائلة ذاتها؛ من خلال مجلس العائلة أو هيئة البيعة أو مجلس الوصاية، أو أن يحددها من هو في مركز الحكم الذي في يده أن ينقلها إلى أحد أبنائه أو إخوته أو إلى أحد من أبناء عمومته أو إلى الفرع الآخر من العائلة الذين يشاركونهم في حكم الإمارة[11].

سابعًا، تحتضن مجتمعات الخليج أكبر تجمع سكاني وافد، إذ يقدرهم البعض بما يقترب من 25 مليون نسمة، وهو ما يمثل نحو57 بالمئة من إجمالي السكان. أدناها في السعودية (38 بالمئة)، وسلطنة عمان (44 بالمئة)، وأعلاها في قطر (87 بالمئة)، والإمارات (88 بالمئة)؛ وهو تجمع سكاني يمثل أساس النشاط الاقتصادي والاجتماعي في جل مجتمعات المنطقة. إذ تمثل العمالة الأجنبية نحو 60 بالمئة من قوة العمل في بعضها ويرتفع إلى 90 بالمئة في بعضها الآخر، أي أننا في نزوعنا نحو بناء دولة الرفاه قد استوردنا قطاعًا كبيرًا من السكان متنوعًا عرقيًا وإثنيًا ومهنيًا دخل في كل مفاصل النشاط الاجتماعي والاقتصادي ولربما الثقافي والفكري. وأصبح هذا القطاع جزءًا أساسيًا من أنماط الانتاج والتنمية من دون أن تكون لنا رؤية أو سياسة سكانية واضحة تجاهه. فأجياله الجديدة التي دخل بعضها في جيله الثالث، رغم كونه جزءًا من نسيج هذه المجتمعات ربما أصبح يعاني مشكلات لا بد من مواجهتها وحلها[12]. أضف إلى هؤلاء قطاعًا بات متسعًا ممن يسمون «البدون» أو عديمي الجنسية الذين دخل بعضهم في جيله الثالث أو الرابع، يعاني مجموعة من المشكلات المعيشية والاجتماعية وتتعقد حياتهم جيلًا بعد جيل[13].

بتعبير آخر، إن المنطقة لا يمكنها الاستمرار في استيراد المعارف والبشر كمدخلات أساسية في نهوضها الاقتصادي ورفاهها الاجتماعي. فالأمم التي كان لها سبق النهوض، أو فعل النهوض في أي من أقاليم العالم المختلفة، قد تحقق صعودها عبر فعل توطين المعارف وإنتاجها وعبر خلق قوة عمل محلية تتسم بالكفاءة والإنتاجية العالية والانضباط. وقد خلقت حالة الوفرة للعمالة الأجنبية بمستوياتها المختلفة بطالة قطاع واسع من المواطنين وتحديدًا في ثلاثة أو أربعة من مجتمعاته، وهي السعودية والبحرين وسلطنة عمان. وهي في بعضها ذات معدلات مرتفعة نسبيًا قد تتجاوز 15 بالمئة أو أدنى من ذلك في بعضه الآخر. وهي بطالة في بعضها هيكلية وفي بعضها الآخر ذات معطى متعلق بعدم قدرة القطاع الحكومي على استيعاب المزيد من العمالة أو أحيانًا الانتقائية التي تتم معها عملية التوظيف في هذا القطاع أو في القدرة على فرض سياسات الإحلال على القطاع الخاص الذي نشأ ونما في ظل سيطرة كاملة للعمالة الأجنبية. وهو تحدٍّ يتطلب تحولات أساسية في السياسات التعليمية في بعض – إن لم يكن جل – أقطار المنطقة، وفي سياسات الاستقدام والتوظيف… وهي مشكلة ذات مصاحبات اجتماعية وسياسية خطيرة.

وقد كشفت جائحة كورونا الحجم الذي عليه مشكلة العمالة الاجنبية في المنطقة، وتحديدًا في مستوياتها الدنيا والاستغلال الذي تخضع له هذه العمالة على أيدي أصحاب الشركات الحقيقية والوهمية وتجار الإقامات. وتدنت أوضاع هذه العمالة الاقتصادية والصحية بحيث رفع في أوساطها معدلات الإصابة بفيروس كوفيد 19 (كورونا). وبروزها كمشكلة لا تهدد فقط مجتمعهم الاثني، وإنما باتت في عمومها تهدد مجتمعات الاستقبال بوجه عام (مجتمع المواطنين) نتيجة لارتباطهم بتشغيل مجموعة من الخدمات يعتمد عليها قطاع واسع من المواطنين: كعمال المطاعم والنظافة والمواصلات وخدم المنازل… وغير ذلك. وقد كشفت جائحة كورونا عن خلل أمني مثلتها هذه العمالة، ليس من حيث عدم انضباطها في تنفيذ إرشادات السلامة وفي مقاومة بعض رجالات الأمن لكسر نظام العزل الصحي وحظر التجول، وإنما في حقيقة أن بعض قطاعات العمالة الأجنبية في مستوياتها الدنيا من العاملين في الورش وشركات البناء.. لم تستلم أجورها لأشهر خلت، وهو الأمر الذي عقّد كثيرًا من أوضاعها المعيشية بما رفع من معدلات الانتحار في أوساطها نتيجة للعزل القسري الذي تعيشه وامتناع المشغلين لهم من دفع أجورهم[14]، كما أن ذلك قد دفع بالبعض منهم إلى التظاهر والاعتصام وجعل بعض قطاعاتها في مواجهة رجال الشرطة في عدد من بلدان الخليج العربي، وهو ما جعل منهم، في نظر البعض، ليس مشكلة اجتماعية–ثقافية فحسب، وإنما تمثل مشكلة سياسية وأمنية جادة. كما أنها كشفت عن خلل في منظومة سوق العمل وقواعد العرض والطلب فضلًا عن خلل واضح في السياق القانوني المنظم لأسواق العمل في المنطقة ومتطلبات الإقامة والعمل. فقطاع كبير من عمالة المستويات الدنيا من العمل وهي في جلها آسيوية وبعضها من العمالة المصرية، ليس فقط عمالة تعمل في أطر غير قانونية ورسمية وإنما هي، في بعضها، مقيمة في هذه الدول بصورة غير شرعية، وقد مضى على بعضهم سنوات، فيسهل استغلالهم وتسوء معها ظروف معيشتهم[15].

ثامنًا، تمثل العائدات النفطية نحو 80 إلى 90 بالمئة من موازنات دول المنطقة. أي أن اقتصاديات المنطقة تعتمد على العائدات النفطية، وأن محاولات هذه الدول على مدى العقود الماضية لتنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط لم تكلل جلها بالنجاح. فما زالت تقلبات أسعار الطاقة والبحث عن البدائل الجديدة للطاقة التكنولوجية والبيئية من جانب الدول المستوردة تؤثر في موازنات هذه الدول. وجاءت جائحة كورونا والتوقف النسبي للاقتصاد العالمي لتؤثر في حجم الطلب على النفط وبالتالي أسعاره التي هبطت في بعض المراحل إلى 20 دولارً أو أدنى من ذلك قليلًا، لتخلق حالة من العجز المالي اتجهت هذه الدول لتغطيته بالاقتراض الداخلي أو الخارجي. وهي حالة بدت شديدة على موازنات هذه الدول وإن كانت متفاوتة بين دولة وأخرى.

وتطرح إخفاقات هذه الدول في تنويع اقتصادياتها والخروج من دائرة الاعتماد الكلي على النفط والغاز تساؤلات حول كفاءة الإدارة الاقتصادية، بعدما أحدث تدهور أسعار الطاقة عجزًا في موازناتها فاضطرت إلى تبني مجموعة من الضرائب السريعة المباشرة وغير المباشرة، ووقف دعم بعض الخدمات الاجتماعية كالكهرباء والماء، وفي بعضها وقف دعم التعليم والصحة على الأجانب أو تقليصها وخفض بند الرواتب، أو عمدت إلى تسريح عدد كبير من العاملين الأجانب والمواطنين في بعض القطاعات الحكومية والشركات، أو تشجيع المواطنين من العاملين في القطاع الحكومي على التقاعد المبكر ضمن إغراءات وحوافز مادية بدت كبيرة، وهو ما خلق، في بعض هذه القطاعات كالتعليم و الصحة، نقصًا حادًا في بعض قطاعاته، أو عمدت إلى خفض أو إلغاء بعض الامتيازات المادية التي كانت تعطى لبعض موظفي الدرجات العليا في الحكومة والقطاع الخاص.

ربما يكون تجاوز مرحلة مرتفعة من الإنفاق الذي عاشته المنطقة في الحقبة الممتدة من 2008 إلى 2014، شابهُ قدر كبير من الهدر والفساد وسوء إدارة للمال العام، وربما كاد الإنفاق على التسلح أن يكون الأعلى في العالم، يحتاج إلى فسحة زمنية قد تطول كما أنه يحتاج إلى ضبط نزعاتها ورغباتها، وقبل كل هذا وذاك يحتاج إلى قدر من الرقابة على المال العام، وهي رقابة لا تتم إلا من خلال أدواتها التشريعية والمؤسساتية، والتي إما أنها غير قائمة أو أنها غير مكتملة الصلاحية[16].

تاسعًا، ارتباطًا بالسابق، دخلت المنطقة بفعل اعتمادها شبه الكلي على النفط كمصدر أساسي للدخل بفعل تقلبات السوق وانخفاض أسعار النفط، وبفعل الوهن الذي أصاب الكثير من اقتصاديات الدول وتوقف عجلة الاقتصاد العالمي نتيجة لجائحة كورونا، في مرحلة اقتصادية صعبة عانت ميزانيتها العجز الذي كانت أحد حلوله الأخذ بالتوجهات النيوليبرالية للمؤسسات المالية الدولية وبسياسات تقشفية تأثرت بفعل بعضها الخدمات الاجتماعية وقطاعات واسعة من السكان، كما تم إدخال ضمن هذه الحزمة ضريبة المشتريات وارتفعت كنتيجة لذلك مجموعة الرسوم المفروضة على بعض الخدمات المقدمة من الدولة، في بعضها أكثر من 250 بالمئة، بل إن بعض الرسوم المفروضة على بعض الخدمات الصحية في بعض دول المنطقة قد تجاوزت 500 بالمئة[17]، من دون أن يتبع ذلك رؤى جديدة ذات ارتباط علائقي بفلسفة الضرائب بوجه عام. فالضرائب تقوم على فلسفة اجتماعية وسياسية تتبعها أو تنبثق منها تحولات مهمة في علاقة الدولة بالمجتمع قبل أن يكون ذلك مصدرًا لسد بعض العجز في موازنات الدول[18].

عاشرًا، نحن كعلماء اجتماع وعاملين في حقل العلوم الاجتماعية تحدثنا كثيرًا خلال العقود القليلة الماضية عن فجوة الأجيال أو الفجوة بين الأجيال. وهي حالة لم تعد تقارب ما أحدثه التطور الكبير في تكنولوجيا الاتصال والتوظيف الكبير لوسائط الاتصال الاجتماعي في حياتنا العملية والاجتماعية. وهو توظيف عمّق من حالة الفجوة السابقة. واستطاعت هذه الوسائط كسر كثير من تابوهاتنا وضوابطنا الاجتماعية التقليدية، وفقدت هذه الضوابط بفعل ذلك في عالمنا الرقمي الجديد ليس القدرة على ضبط أجيالنا الجديدة فحسب، بل إنها حالة جديدة من التحول أصبحنا فيها غير قادرين على ضبط إيقاعاتها أو الولوج إليها وبالتالي توظيف آلياتها، وهو عالم جاءت بعض اثاره لتعمق من حالة اللامعيارية التي جاءت مع عمليات التغير. وهو تحدٍ، كما التحديات الأخرى، لا نستطيع مواجهته أو حله دون إعمال حقيقي لمنطق العصر الذي بات العقل يمثل قدرًا كبيرًا من عملياته في أشكاله وتجلياته المختلفة.

خلاصة

خلاصة القول، إن التحولات التي أصابت المنطقة خلال العقود الخمسة الماضية هي من الضخامة والعمق ما يفرض مجموعة من التحديات والضغوط على البنية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية تجعل من عمليات التغيير والتحديث عمليات غير مكتملة أو قابلة للارتداد وتتطلب تحولات مهمة موازية في الأنساق الاجتماعية والثقافية والسياسية، من دونها تواجه عمليات التغيير قدرًا من «التلكؤات الاجتماعية» في منطقة عربية عُرفت دائمًا بممانعاتها أو عجزها عن تحقيق الاختراق الحضاري المنشود في مقابل أقاليم أخرى في العالم استطاعت أن تحقق اختراقات اقتصادية وفكرية مهمة على الصعيد العالمي. بل إن هذه الأقاليم استطاعت أن تقلص أو تحل بصورة كبيرة جل صراعاتها وخلافاتها السياسية عبر تبني آليات سياسية ومداخل اقتصادية، بل والعمل ضمن أطر إقليمية تخدم أطرافها المختلفة، رغم بعض الانسحابات التي جاءت على بعضها في الفترة الأخيرة كانسحاب بريطانيا من السوق الأوربية المشتركة (بركزتس). ولطالما أكدتُ في مواقع أخرى من كتاباتي أن للحداثة شروطًا ثقافية ومدنية وسياسية قبل أن تكون اقتصادية، وهي شروط نتيجة لممانعات كثيرة من الداخل والخارج قد أصبحت ممتنعة أو متلكئة النشوء في شبكة علاقات المجتمع غير الاقتصادية[19].

 

قد يهمكم أيضاً  التحديات والواقع الاجتماعي وتحولاته ومشكلاته في الخليج العربي

#مركز_دراسات_الوحدة_العربية #الخليج_العربي #التغيرات_الاجتماعية_في_الخليج_العربي مجتمعات_الخليج_العربي #المجتمع_الخليجي #البنية_الاجتماعية_في_الخليج #التغيير #التطور #الحداثة #التمدن