منذ عدة عقود كثر الحديث عن علوم اجتماع إسلامية بهدف توطين هذه العلوم التي وصفها بعض الباحثين أنها غربية الهوى. وقد أخذ ذلك شكل الكتب والمقالات وأطروحات الدكتوراه التي بدأت تزدهر منذ بداية التسعينيات. وقد اختلفت ردود الأفعال بين التفاعل إيجابياً من قلة أو سلبياً من الكثير من الباحثين من الجماعة العلمية السوسيولوجية.

كباحث في علم الاجتماع ليس لدي حساسية من استخدام تعبير علم اجتماع إسلامي أو عربي أو لبناني أو جزائري، ومن أن يستوحي هذا العلم بعض مفاهيمه من التراث وأن تُطبع وتلوَّن نظرياته من وحي واقع المجتمعات. ولكن، تبين لي من خلال تحليل مضمون أكثر من 52 مقالة‏[1] و17 كتاباً وثلاث أطروحات تتبنى هذا الاتجاه ومقابلات مع بعض المنادين باتجاه الأسلمة أو التأصيل الإسلامي للمعرفة أن إضافة توصيف جغرافي أو ديني لعلم الاجتماع يطرح إشكاليات حقيقية.

تقترح هذه الورقة توصيف هذه الأدبيات‏[2] وتحليل بعض هذه الإشكاليات التي أهمها الاختزالية الشديدة لفهم ما هو علم اجتماع أو علوم اجتماعية. فهذا العلم الذي يشتمل على عدة عناصر وأبعاد، نجده في علم الاجتماع الإسلامي يقتصر على البحث بالفلسفة الاجتماعية الإسلامية بينما يهمل العناصر والأبعاد الأخرى. وغالباً ما تأسس وكأنه نسق مغلق في مواجهة علم اجتماع «غربي».

أولاً: ماهية العلوم الاجتماعية

العلوم الاجتماعية هي نتاج خمسة عناصر: أولاً، فلسفة اجتماعية ومفاهيم أنطولوجية؛ ثانياً، أدوات منهجيه؛ ثالثاً، معلومات بنيوية (حول بنى اجتماعية موضوعية)؛ رابعاً، معلومات إدراكية وانطباعية للفرد والجماعة (Perception)؛ وأخيراً، تقديم حلول وتدخل اجتماعي ونفسي، بشكل يأخذ بعين الاعتبار الإمكانات المادية والمصلحة التي تغلِّب فئة اجتماعية ما على فئات أخرى، والوعي الفردي والجمعي، والمفارقات والمعضلات المرتبطة بقياس المنافع والمضار والحكم بين ما يشكل أخف الضررين. إذاً إنها حلول لا تعتمد على الخير والشر المطلقين أو الحلال والحرام المطلقين، وإنما على معادلات معقدة، بقدر تعقُّد الظاهرة الاجتماعية وتغيُّرها.

عندما يتم التحدث عن علم اجتماع غالباً ما يفكَّر بالعنصر الأول والعنصر الأخير وهما العنصران الأكثر معيارية مقارنة بالعناصر الأخرى (الأكثر وضعية).

لا يوجد معنى للتحدث عن علم اجتماع غربي؛ فما بين المدرسة الماركسية ذات الاهتمام بالطبقات الاجتماعية كمحرك لديناميات المجتمع وبين المدرسة الوظيفية التي تعتمد على أنساق مجتمعية مختلفة ولكن متوائمة، هوة لا يمكن اختزالها بالقول إن هاتين المدرستين تنتميان إلى الغرب. وفي الوقت نفسه لا يمكن القول إن هناك علم اجتماع إسلامياً إلا بالمعنى الضيِّق للكلمة. ربما هناك فلسفة اجتماعية إسلامية تتناول العنصر الأول، ولكن غير ذات معنى بالنسبة إلى العناصر الأخرى. إذاً، لا يمكن تناول العلوم الاجتماعية على أنها تمثل نسقاً مغلقاً.

ثانياً: تطور مشاريع الربط بين الإسلام والمعرفة

بدأ التفكير في البحث عن وجهة نظر إسلامية حول العلوم الاجتماعية من قبل مفكرين أتوا من العلوم الاجتماعية وأغلبهم ليسوا عرباً. أذكر على سبيل المثال، الباكستاني أكبر أحمد‏[3]، والإيرانيين علي شريعتي‏[4] والشيخ مرتضى مطهّري‏[5]، والبريطانية الولشميريل واين دايفيس‏[6]. كلهم نشأوا فكرياً (ما عدا مطهّري) في الغرب وطوروا الأفكار في هذا السياق. فمثـلاً نادى أكبر أحمد بالأنثروبولوجيا الإسلامية باعتبارها تخصصاً يُعنى بدراسة «الجماعات الإسلامية من قبل باحثين ملتزمين بمبادئ عالمية للإسلام (الإنسانية والمعرفة والتسامح)، بحيث يتم ربط دراسات القبائل والقرى الصغيرة على وجه الخصوص بالأطر الكبيرة التاريخية والأيديولوجية للإسلام. ومفهوم الإسلام هنا ليس كلاهوت ولكن كعلم اجتماع. فالتعريف بالتالي لا يمنع تضمين غير المسلمين»‏[7]. ومن ثم كانت هناك محاولات عربية وربما أهمها جاءت من الشيخ محمد باقر الصدر وبخاصة من خلال كتابه التفسير الموضوعي للقرآن‏[8].

يمكن اعتبار تأسيس جمعية العلماء الاجتماعيين المسلمين من قبل اتحاد الطلبة المسلمين بالولايات المتحدة وكندا في عام 1972، كحدث هام للتفكير في ربط العلوم الاجتماعية بالقيم الإسلامية. وقد بادرت هذه الجمعية إلى عقد مؤتمرات وملتقيات انتهت بإنشاء المعهد العالمي للفكر الإسلامي (International Institute of Islamic Thought) في واشنطن في عام 1981 الذي أخذ على عاتقه مشروع أسلمة المعرفة، وقد قاد هذا المشروع إسماعيل الفاروقي الذي عرَّف العملية على أنها «إعادة صياغة المعرفة على أساس من علاقة الإسلام بها، أي إعادة تحديد وترتيب المعلومات، وإعادة النظر في استنتاجات هذه المعلومات وترابطها، وإعادة تقويم النتائج، وإعادة تصور الأهداف، وأن يتم ذلك بطريقة تمكن من إغناء وخدمة قضية الإسلام»‏[9]. وقد وضع أهداف خطة العمل التي تتمثل بما يلي: أولاً، إتقان العلوم الحديثة؛ ثانياً، التمكن من التراث الإسلامي؛ ثالثاً، إقامة العلاقة المناسبة بين التصور الإسلامي وبين كل مجال من مجالات المعرفة الحديثة؛ رابعاً، الربط الخلّاق بين التراث الإسلامي والمعرفة الحديثة؛ وأخيراً، الانطلاق بالفكر الإسلامي في المسار الذي يقوده إلى تحقيق سنن الله على أرضه.

من هذه الانطلاقة، تبنى مجموعة من المفكرين الإسلاميين المعاصرين، أغلبهم أساتذة جامعيون يدرسون العلوم الإنسانية والاجتماعية، أفكاراً من وحي هذا المشروع. وينتمي هؤلاء المفكرون إلى أربع مجموعات: المجموعة الأولى دارت حول المعهد العالمي للفكر الإسلامي (عماد الدين خليل، جابر العلواني، الحاج حمد أبو القاسم… إلخ) والمجموعة الثانية المرتبطة بالجامعة العالمية الإسلامية في ماليزيا (سيد محمد نقيب العطاس) (التي نادت بأسلمة المعرفة الإنسانية وليس كل المعرفة) أو المجموعة المرتبطة بالجامعات السعودية وبخاصة جامعة محمد ابن سعود، وأخيراً المجموعة المصرية (محمد عمارة، وعبد الوهاب المسيري) ومن ثم انتشرت المحاولات الفكرية (التي أخذت في الغالب شكل الدراسات غير البحثية) إلى كل أنحاء البلدان العربية (عند محمود الذوادي في تونس، بلقاسم الغالي وعليان بوزيان في الجزائر… إلخ).

وقد تطورت الأدبيات الناتجة من مشروع المعهد العالمي للفكر الإسلامي بفضل اللقاءات الأكاديمية التي تم عقدها لمناقشة موضوع الأسلمة بشكل عام أو موضوعات مرتبطة بها ولكن متخصصة لاختصاص علمي محدد (انظر الجدول الرقم (1)).

الجدول الرقم (1)

المؤتمرات والأحداث المتعلقة بموضوعة أسلمة المعرفة

المؤتمر/الحدثالمنظمسنة الانعقاد
تأسيس جمعية العلماء الاجتماعيين المسلميناتحاد الطلبة المسلمين بالولايات المتحدة وكندا1972
المؤتمر العالمي للاقتصاد الإسلاميجامعة الملك عبد العزيز1974
ندوة علم النفس والإسلامكلية التربية بجامعة الملك سعود في مدينة الرياض1978
المؤتمر العالمي الأول للتربية الإسلاميةفي مكة المكرمة (بدعوة من جامعة الملك عبد العزيز بجدة)1977
الندوة العالمية الأولى للفكر الإسلامي(*)لوغانو، سويسرا1977
إنشاء المعهد العالمي للفكر الإسلاميفي الولايات المتحدة الأمريكية1981
ندوة إسلامية المعرفةفي إسلام آباد (باكستان)1982
إنشاء الجمعية الإسلامية العالمية للصحة النفسيةلاهور في باكستان1983
ندوة التأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعيةمركز البحوث بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية (الرياض)1987
ملتقى الفكر الإسلامي حول الإسلام والعلوم الاجتماعيةسطيف – الجزائر
التوجيه الإسلامي للعلومجامعة الأزهر بمصر مع رابطة الجامعات الإسلامية1993
علم الاجتماع من منظور إسلاميمركز الدراسات المعرفية، القاهرة2007
منهجية تكامل المعرفةالمعهد العالمي للفكر الإسلامي وكلية الشريعة في الجامعة الأردنية2012
الأزمة الاقتصادية العالمية من منظور إسلاميالمعهد العالمي للفكر الإسلامي وجامعة العلوم الإسلامية العالمية – عمان2010

(*) حيث انتهت إلى الدعوة إلى إنشاء «المعهد العالمي للفكر الإسلامي» لقيادة جهود «إسلامية المعرفة».

هذا وقد تفرعت الأدبيات الناتجة من المشروع لتأخذ عدة مناحي وردود فعل إيجابية وسلبية. قام البعض برفض العلوم الاجتماعية قاطبة على أنها مؤسسة على نظريات غير صالحة للتطبيق على أي دراسة أو مشكلة تحصل في مجتمع إسلامي. ويتزعم هذا الاتجاه أحمد إبراهيم خضر حيث تبين الأدبيات التي ينتجها عداءه لمشروع أسلمة المعرفة من خلال عناوين برّاقة مثل «هل تحتاج بلادنا إلى علماء اجتماع؟»‏[10]؛ أو «اعترافات علماء الاجتماع: عقم النظرية وقصور المنهج في علم الاجتماع»‏[11]؛ أو أن «القرآن قد قدم حلولاً لكل المشاكل البشرية»‏[12]. وهذا الاتجاه السلفي قد ردده بعض أئمة المساجد في لبنان‏[13].

أما الاتجاه الآخر فهو يريد الاكتفاء بالتأصيل الإسلامي بدل أسلمة المعرفة وذلك لأن هذه الأخيرة تحمل دلالات دينية أكثر منها معرفية مما يوقع اللبس في تناولها‏[14]. وقد تم صوغ مصطلح التأصيل في عدة جامعات، وخصوصاً في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالسعودية – التي شارك في وضع خطة كلياتها للعلوم الاجتماعية ممثلون لكل من جمعية علماء الاجتماعيات المسلمين والمعهد العالمي للفكر الإسلامي بطلب من الجامعة. نجد اقتراحات معينة للتأصيل. فمثـلاً يقترح بلقاسم الغالي الخطوات التالية للتأصيل‏[15]: وضع القضية الاجتماعية في الإطار الإسلامي؛ استجلاء الموقف من خلال كتب التراث؛ مؤلفات إسلامية ذات طابع اجتماعي؛ الاستقاء من ابن خلدون‏[16]؛ التقاء أو تكامل بين علم الأصول وعلم الاجتماع. وقد ذهب آخرون مثل فواد أبو حطب إلى مصطلح التوجيه الإسلامي للمعرفة ومفهوم الوجهة عنده مرادف للمصطلح الإنكليزي (Paradigm) أو التفسير الإسلامي للمعرفة‏[17]. والبعض الآخر يهتم ببساطة بالمنظورات الإسلامية لعلم ما.

تأتي هذه المشاريع في سياق أوسع من تأثير المعهد الإسلامي، فهناك عدة أعمال هدفت إلى الربط بين العلم والخصوصية الثقافية للعرب أو المسلمين، وهي يغلب عليها التوفيقية، كما نرى عند محمود أمين العالم ومحمد جابر الأنصاري ومحمود الذوادي الذين دعوا إلى إقامة جسر بين ثنائيات الحداثة الأوروبية والهوية العربية الإسلامية، أو التراث والحداثة، أو الأصالة والمعاصرة، أو النقل والعقل، أو الروح الرمزية والجسد. وقد انتقد سمير أبو زيد هذه التوفيقية ليقترح معالجة شقي القضية عن طريق صياغة ماهية العلم الذي يأمل في تأسيسه في المجتمع من جانب، وصياغة ماهية النظرة إلى العالم التي يمتلكها المجتمع وإنشاء علاقة بين هاتين الصياغتين من جانب آخر. والكلمة المفتاحية التي يستخدمها أبو زيد هي مفهوم «الاتساق» (Consistency) باعتباره المفهوم الجوهري في «النظرة إلى العالم». فإذا كان لكل إنسان نظرة إلى العالم، فإن السمة الأساسية التي تميز هذه النظرة هي أن تكون متسقة مع ذاتها ومع العالم الواقعي، وهذا بنظره سر نجاح الحضارة العربية الإسلامية القديمة‏[18].

في هذه المقالة سأكتفي بتقديم محاولات أسلمة المعرفة وتأصيلها، وهي كثيرة، فهي في تأصيل علم النفس تصل إلى 170 بحثاً وكتاباً حسب قاعدة بيانات دار المنظومة. سأتناول ثلاثة أنماط من هذه المحاولات.

ثالثاً: محاولات أسلمة المعرفة وتأصيلها

 

1 – الفلسفة الاجتماعية

هناك كثير من التنظير حول الحاجة إلى وجود علم اجتماع إسلامي، أو علم نفس الإسلامي، أو علم سياسة إسلامي. وبالتدقيق في كثير من هذه المجالات وجدنا أننا لا تتجاوز كونها فلسفة اجتماعية أو نفسية أو سياسية إسلامية. فهناك الحديث عن أهمية الجماعة مقابل الفرد وضرورة استبدال «العقلانية الأداتية أو الوسائلية؟ بترشيد معياري يأخذ بعين الاعتبار الأخلاق. وهناك مفاهيم انبعثت من مفكرين مسلمين لا بد من إعادة الاعتبار لهم كمفهوم العصبية عند ابن خلدون أو مفاهيم الاستلاب والقابلية للاستعمار عند مالك بن نبي. وبشكل عام شدد كثير من هؤلاء الباحثين على ضرورة الاستفادة من أدبيات إسلامية ومفكرين إسلاميين في الماضي للعلوم الاجتماعية‏[19].

كما تم التشديد على ضرورة إصلاح المنهج العلمي للبحث في العلوم الاجتماعية بإضافة الوحي مصدراً للمعرفة، بما يستكمل ويتوِّج عمل الحواس والعقل التي أسرفت النظرات الوضعية والإمبيريقية المتطرفة وغالت في الاعتماد عليها وحدها‏[20].

رغم أهمية الفلسفة الاجتماعية الإسلامية، إلا أنها أهملت الأطياف المختلفة لفهم الشريعة من قبل جغرافيا ومجتمعات إسلامية مختلفة واختبأت وراء مثاليات مستوحاة من مفاهيم قرآنية اعتبر فهمها وتطبيقها ثابتاً عبر العصور. فمثـلاً هل مفاهيم العصبية أو التسامح أو الإنسانية هي نفسها في المجتمع القبلي والمجتمعات الحديثة التي بناها التمدن والدولة الوطنية؟

2 – محاولات جدية لتوطين المعرفة

هناك محاولات جديدة ولكنها نادرة لدراسة كل عناصر العلم الاجتماعي وتوطينه أو تبيئته محلياً. وأنا أفضل استخدام مفهومَي التوطين والتبيئة كونهما يشيران إلى منظومة قيمية أو ثقافية إسلامية ولكن أيضاً إلى عوامل حاسمة أخرى كالثقافة الوطنية والمحلية وطبيعة العمران في إدخال تلوينات على العلوم الاجتماعية، وهذا أقرب إلى تخصصات يمكن تسميتها علم اجتماع في بلد عربي أو إسلامي منه أن يكون علم اجتماع إسلامياً. وأعتبر عملية التوطين جدية في حال توافرت العناصر الأربعة التالية:

– الاعتراف أن جزءاً كبيراً من العلم الاجتماعي (وبخاصة جانبه الوضعي) يتطور بفضل التراكم المعرفي العالمي. وبالتالي لا بد من الاستفادة من الأدبيات التي ينتجها البحث في العالم إن كان في الغرب أو في مكان آخر.

– كون العلوم الاجتماعية مطبَّعة بثقافة محلية، بما فيها الثقافة الإسلامية، فلا بد من الأخذ بعين الاعتبار في دور هذه الثقافة في فهم الفاعلين الاجتماعيين لأي ظاهرة اجتماعية وهذا ما علمتنا إياه مدرسة البنائية الاجتماعية لـ «بيتر بيرغر» و«توماس لوكمان»‏[21]، أي أن أنظمة المعرفة ليست إلا تركيبات ذهنية تسهم فيها مؤثرات وقيود كثيرة تفرضها القيم الدينية والأيديولوجيات السائدة في المجتمع وسياسة الحكم والخلقية التي يحملها أفراد يصنعون المعارف. فلا يكفي التوصيف الكيميائي للقات لاعتباره أحد أنواع المخدرات ولكن كيف يفهم اليمنيون القات بوصفه جزءاً من الطقوس الاجتماعية الضرورية للُّحْمة الاجتماعية في اليمن.

– لا تكتمل الدورة الكاملة للمعرفة (على الأقل تلك التي تهم المجتمع المحلي) إلا باحتكاكها بالجمهور المعني بها والجدل المجتمعي الناتج من استقبالها من الجمهور وبتحولها (أو تحول جزء منها) إلى سياسات لصانعي القرارات لتختبر في تطبيقها على الواقع. من هنا أهمية أن يقتدي الباحثون بزملائهم في نفس الحقل الثقافي أو المنطقة الجغرافية، حيث ستشكل جدلاً في المجال العام الذي هو جزء لا يتجزأ من عملية البحث الاجتماعي.

– ينبغي التواصل بين العلم الاجتماعي (أو جزء منه) مع العلوم الدينية (أصول الدين والفقه) من أجل إيجاد «فقه الواقع» أو فقه المقاصد وهما منهجان مفتاحيان لكل المدارس التجديدية الإسلامية في واقعنا المعاصر.

سأتناول هنا مثالين لهذه المحاولات الجادة:

المثال الأول، في مجال الاقتصاد الإسلامي، هناك الكثير من البحث العلمي حول هذا المجال، حسب ما يظهر من البحث البيبليومتري. وقد بدأ البحث بالتركيز على الجوانب المعيارية كالتنظير للوفاء بالاحتياجات من أجل الوصول إلى الرفاهية (Wellbeing) بدلاً من تلبية الرغبات الغريزية، واستبدال الربا بالمرابحة، والتشديد على التوازن بدل التحسين الأقصى (Optimizing) إلخ. ومن ثم قدمت دراسات وضعية على تحليل السلوك الاقتصادي، وإن قلّت مقارنة بالكم الغزير للدراسات المعيارية. التقييم الذي أقوم به هنا هو بحجم الإنتاج المعرفي وليس في ما إذا استطاع فعـلاً عمل خرق معرفي. فهذه الأدبيات عادة ما تتبنى البراديغم النيو – ليبرالي متأثراً بالوضع في الخليج العربي ولم يهتم كثيراً بالعدالة الاجتماعية والتوزيع المنصف للثروة.

المثال الثاني، العمل الرائد الذي قامت به هدى محمد حسن هلال، التي نشرت كتاباً بعنوان نظرية الأهلية: دراسة تحليلية مقارنة بين الفقه وعلم النفس‏[22]. هلال هي خريجة الجامعة الإسلامية العالمية في كوالا لامبور في الفقه وعلم أصول الفقه ويبدو أن لها دراية علمية ثاقبة في علم النفس. وتنبع أهمية هذا الكتاب من طرح الكثير من القضايا الشائكة المطروحة للبحث والنقاش، مثل أهلية المرأة للقضاء والحكم والشهادة في بعض القضايا، والتمييز بين البلوغ الفسيولوجي والرشد العقلي، وموضوع الاضطرابات النفسية والعقلية التي قد تسقط الأهلية بصفة دائمة أو مؤقتة. وقد غيّرت الإشكالية من التمييز الفج والقاطع بين الرجل والمرأة إلى تمييزيات مربوطة بموضوعة الرشد، بحيث يمكن للرجل كما للمرأة أن يتمتع بالأهلية أو يفقدها. وتدحض ما ذهب به البعض إلى أن انتقاص أهلية المرأة له علاقة بحيضها ونفاسها والتغيرات البيولوجية الأخرى. وتخلص الباحثة إلى أن هناك حاجة إلى نظرية معاصرة للأهلية واضحة المعالم تجمع بين الفقه وعلم النفس والعلوم المعاصرة، لإيجاد حلول للإشكاليات والخلافات القديمة والحديثة، التي من أهمها: وجوب تفعيل مقاصد الشريعة في حقوق الجنين من خلال علم الأجنة وعلم النفس، من أجل تقرير حقوق إضافية للجنين على الحقوق المنصوص عليها سابقاً.

3 – المحاولات الترقيعية

إذا كانت المحاولات الجدية قليلة، فالمحاولات التنظيرية الترقيعية هي مع كل أسف كثيرة. فهي غالباً مبنية على الخواطر من دون إعمال الأدوات المنهجية للحصول على الجانب الوضعي (معلومات بنيويه أو إدراكية وانطباعية للفرد والجماعة) القادرة على فهم الواقع. والبعض يلبس العلوم الاجتماعية ثوباً دينياً بتزيين النصوص بالآيات والأحاديث. وآخرين يضفون الصفة الإسلامية على أخلاقيات أشبه ما تكون بكونية أو دينية مسيحية أو يهودية… ونجد ذلك في بعض الأدبيات المتعلقة بموضوع البيئة.

فأنا أفهم أن يستوحي المفكرون من الثقافة الإسلامية السائدة أو المرجى لها لحث المسلمين على احترام البيئة، ولكنْ هناك كلام عن خصوصيات ليست فعـلاً خاصة. فمثـلاً عندما يذكرنا عودة‏[23] أن مبادئ الفكر الإسلامي تتمثل بالعدل والإحسان وصلة الرحم والحد من الفساد وهذه المبادئ مناقضه للمبادئ الغربية؛ تصبح المقارنة إشكالية. فهذه مبادئ عامة يرتجي تمثلها كل الشعوب. وكونه يتابع القول بأن هناك آثاراً سلبية لنمط غربي يسعى «نحو السعادة من خلال الاستهلاك المفرط وتحويل الكماليات» إلى ضرورات ما هي إلا نمط رأسمالي نجده في الغرب والشرق وبخاصة في دول الخليج العربي. كثير من الأدبيات حول البيئة والإسلام‏[24] ما هي إلا أدبيات أخلاقية تفتقر إلى الحد الأدنى من البحث العلمي لتحديد مواطن المشكلة وتقديم حلول تتجاوز التفكير التمنياتي (Wishful Thinking). ورغم أهمية التأصيل الشرعي لحفظ التوازن البيئي‏[25] إلا أن اختزال موضوعة البيئة على ذلك غير كافٍ.

يمكن أن استحضر مثـلاً آخر على محاولات غير مكتملة؛ يمكن تناول دراسة جاسر بعنوان «توظيف مقاصد الشريعة في ترشيد سياسات الاقتصاد المعرفي»‏[26]. تبدأ هذه الدراسة بتقديم عرض بديع حول مفهوم اقتصاد المعرفة الذي روّجه البنك الدولي، وتقدم بعد ذلك نقداً للمؤشرات التي تدل عليها. أرى أن هذا النقد محدود جداً ويقتصر على الجانب الأخلاقي، رغم أهميته. فنقاش براءات الاختراع مثـلاً كمؤشر لا يمكن أن يكون من دون دراسة تبعات ذلك على قطاعات معيّنة علمية واقتصادية. ومشكلة بعض المؤشرات كنسبة استخدام التلفونات والموبايلات ليس فقط هل هناك إسراف أم لا ولكن إذا كان هذا فعـلاً مؤشراً لاقتصادات صناعية وزراعية عربية اتسمت بكونها تحتاج إلى نمط من المعرفة لا يعكسه مثل هذا المؤشر. كما يذكرنا أندريه تريمبلي‏[27]، أنه نادراً ما طورت الصناعة في البلدان العربية صناعات اقتصادات المعرفة الكلاسكية، مثل إنتاج أو تجميع المكونات الإلكترونية، والتكنولوجيا الحيوية أو صناعة الأدوية. يذهب الاقتصادي علي القادري إلى أبعد من ذلك واصفاً السياسات الاقتصادية العربية بأنها اقتصادات اللاصناعة والتجارة التي تذهب بها المعرفة سدى‏[28].

إذاً، لا تتناسب المؤشرات المستخدمة في مجتمع ما بعد الصناعي مع واقع العديد من البلدان العربية‏[29]. كل ذلك كان غائباً في نقاشات جاسر عودة. وهذا يحيلنا إلى أهمية أن تتم مناقشة مثل هذه المواضيع في مجامع متعددة التخصص بما في ذلك وجود الفقيه والباحث جنباً إلى جنب.

وأفضل تحليل لأزمة أدبيات المنظورات الإسلامية هو دراسة قدمها أحمد بلوافي وعبد الرزاق بلعباس‏[30] مبنية على تحليل مضمون 33 بحثاً نشرت حول الأزمة المالية والاقتصادية العالمية من منظور اقتصادي إسلامي ليخرجا بنتائج خطيرة حول مضمون أغلب هذه البحوث، التي وصفها الباحثان بأنها يغلب عليها كونها تسجيل خواطر وإبداء ملاحظات وترقيع وتجميل للرأسمالية وغياب البعد الاستراتيجي والتخطيط المنهجي، ليخلصا إلى مقولة عدم جاهزية الاقتصاد الإسلامي لتقديم بدائل.

 

رابعاً: الإشكاليات

أجرت الباحثة السوسيولوجية المصرية منى أباظة في كتابها الهام مناظرات عن الإسلام والمعرفة في ماليزيا ومصر: عوالم متحولة‏[31]، دراسة لمشاريع أسلمة المعرفة وقد ركزت على السياق السياسي لها (صراعات نفوذ فكري واقتصادي بين ماليزيا والسعودية) أو سياق السياسات ما بعد الكولونيالية والخطاب الأفرو – أمريكي الذي تأثر به إسماعيل الفاروقي. ومهما كانت أهمية هذه التأثيرات، فالباحثة قد أهملت دراسة تحليل مضمون الأدبيات الناتجة من هذه المشاريع. سأركز هنا على بعض الإشكاليات الناتجة ليس فقط من بعض المفاهيم السائدة في هذه المشاريع ولكن الناتجة من غياب التطبيق الجيد لها. ومع ذلك فأنا لا أنكر أن هناك أبعاد سياسية لأسلمة المعرفة. فقد اهتمت السلطات الإيرانية بذلك بعد أن اعتبر بعض المحافظين أن الانتفاضة الخضراء جاءت نتيجة «المفهوم الخاطئ لمفهوم الحرية» الناتجة من العلم الاجتماعي «الغربي»، حيث نادى بعض المتطرفين بإغلاق كليات العلوم الاجتماعية، فرد عليهم الإمام السيد علي خامنئي بتوجه يمثله هذا الاستشهاد منه:

«يجب العثور على أصل وركيزة وأساس العلوم الإنسانية في القرآن الكريم. هذا أحد الأقسام المهمة من البحوث القرآنية. يجب أن يعتنى بالنكات والدقائق القرآنية في مختلف المجالات، ويجب التفتيش عن مباني العلوم الإنسانية في القرآن الكريم والعثور عليها. هذا عمل أساسي ومهم جداً. إذا حصل هذا الأمر، سيتمكّن المفكرون والباحثون وأصحاب الرأي في العلوم الإنسانية المختلفة، من تشييد الأبنية الرفيعة على هذا الأساس (القرآن) وهذه الركيزة. طبعاً في تلك الحالة يمكنهم أن يستفيدوا من إنجازات الآخرين من الغربيين وأصحاب السبق في العلوم الإنسانية، ولكن المبنى يجب أن يكون مبنىً قرآنيّاً».

لقد قصد الإمام خامنئي بالعلوم الإنسانية العلوم الاجتماعية أيضاً، إلا أن هناك فرقاً بين الاثنين. تبيِّن سارة شريعتي أن حوزات مدينة قم قد أبقت على الفلسفة بينما حذفت علوم الاجتماع والنفس والسياسة من مناهجها حتى عام 2013 عندما فتح فرع جديد سمي علم الاجتماع الإسلامي‏[32]. وقد رأت السلطات المصرية في عام 2014 بدرس وحوار الثلاثاء لأستاذة علم السياسة في جامعة القاهرة هبة رؤوف عزت في مسجد ومدرسة السلطان حسن بتدارس كتاب مقدمة ابن خلدون أنه خطر على هذه السلطة، مع أنني اعتبر أن نشر المعرفة الاجتماعية في الجامع لهو أهم طريقة لتوطين المعرفة الاجتماعية‏[33]. فهبة عزت هي باحثة في المعهد العالمي للفكر الإسلامي – فرع القاهرة وقد فهمت رسالته كذلك. إذا هناك رهانات تتجاوز المعرفي تطرحها مشاريع الأسلمة والتأصيل.

سنركز هنا على ست إشكاليات بعضها مربوط بتحليل مضمون الخطاب وبعضها بشروط إنتاجه الاجتماعية – الاقتصادية.

1 – الاختزالية

يرد بعض أصحاب مشاريع أسلمة المعرفة ضد المركزية الأوروبية باستخدام مركزية – إسلامية‏[34]، ليصبح العلم الإسلامي لتفسير الظواهر في المجتمعات الإسلامية والعلم الغربي للغرب. هناك اختزال للغرب على منظومته القيمية المستوحاة من الثقافة المسيحية – اليهودية. وغالباً ما يستخدم هذا الاختزال لتبرير ضرورة وجود علم اجتماعي إسلامي. وهكذا تصبح الأزمة المالية الغربية في عام 2007 بحاجة إلى بديل يقدمه الاقتصاد الإسلامي. ويخفي هذا الاختزال الديني – الثقافوي الطبيعة الرأسمالية والنيو – ليبرالية للغرب المسؤولتين أساساً عن الأزمة المالية. وغالباً ما يكون هذا الاختزال باتجاه واحد. أي أننا لا نقول إن مشاكلنا في العالم الإسلامي هي وجود ثقافة دينية، وكأن سبب تخلفنا هو التراث الاستعماري والنيو – كولونيالي والمؤامرة الإمبريالية. ويشترك في هذا الخطاب كثير من الإسلاميين ولكن أيضاً جزء من اليسار العربي ذات التوجه اللاديمقراطي.

تأخذ الاختزالية أشكالاً مختلفة أخرى منها الاختزالية المقارنة (Comparative Reductionism)، بحسب تعبير غبريال مارانوشي‏[35]، أي أننا نعتبر أن الفكر الإسلامي هو نتيجة القرآن ولا تأثير للجغرافيا والتاريخ والمجتمع. ولذا يؤمن البعض بوحدانية الحقيقة، وبالطبع هم الوحيدون الذين يملكونها.

2 – فصل تعسفي بين المعياري والوضعي

هناك فصل تعسفي بين المعياري والوضعي بحيث يستسهل كثير من المنادين بأسلمة المعرفة أو التأصيل الإسلامي لها بالاكتفاء بتقديم وصفات أخلاقية، كيف ينبغي أن تكون مثـلاً الأسرة المسلمة والشاب المسلم، من دون أن يعملوا الجانب الوضعي وهو البحوث الميدانية القادرة على تقديم فهم ما لطبيعة الأسرة في القرن الحادي والعشرين في بلد ما. كما أن الدراسات الوضعية هي التي تبين كيف تؤثر التقاليد الروحية والدينية في تصرفات الأفراد والجماعات في المجتمع والأسرة والسوق.

والمعياري ليس له معنى لوحده من دون عناء البحث الوضعي. إذا كان ابن رشد، قد وعد بأن الفلسفة والعلوم الشرعية سوف يلتقيان في النهاية، فأنا أؤكد لكم أنه سيكون هناك توتر وقلق ومعضلات ومفارقات بين ما سوف يعتبره البعض أنه ثابت في الشرع وبين نتائج العلوم الاجتماعية. فمثـلاً يمكن أن يظهر بحث اجتماعي أن تعدد الزوجات أو الطلاق لهما تبعات غير حميدة على الأطفال. وهنا ينشأ التوتر في كيف يمكن أن يترجم ذلك إلى أحكام معيارية وسياسات وحملات توعية؟ ومن يقوم في ذلك السلطات الزمنية أم المجتهدون والفقهاء؟ أم كلاهما؟

3 – الثابت والمتحول

هناك رؤية أننا أمام فكر وفقه إسلاميين ثابتين بمعياريتهما وقيمهما الأخلاقية ويجب تطويع العلوم «الوضعية» لهما. إذا آمنّا بمنهج مقاصد الشريعة فمعنى ذلك أن الأحكام الظاهرية (ما عدا الكليات والأصول) قد تتغير بتغير الواقع. إذاً ليست المعرفة العلمية فقط هي التي تتغير بتغير الواقع. وقد ركز أجري وكزلكايا‏[36] على أنه تم إهمال المعاني الدينية الإكليروسية (Ecclesiastical) والعرفية (Customary) وتم الاكتفاء بالمعاني المعجمية (Lexical) المعاصرة وهذا إهمال لمقاصد الشريعة.

بوجه عام، هناك ادعاء أن فقه الواقع وفقه التوقع وتحديث وتحيين الأحكام القديمة تستخدم العلوم الاجتماعية. ولكن ما لاحظناه هو غياب الأدوات المنهجية والمعلومات البنيوية، والمعلومات الإدراكية والانطباعية القادرة على فهم الواقع من أجل تقديم حلول قائمة على فهم الكتاب والسنّة والشريعة. فلإدراك الواقع على الفقيه أن يستحضر الأسئلة المفاتيح: ماذا ولماذا وأين ومتى وكيف‏[37]؟ والواقع لا يعني فقط الحاضر ولكن الماضي. ومع أن الواقع معولم ويتجاوز الجماعة المحلية (إن كانت مؤلفة من أسرة أو قبيلة أو حي) فهل المطلوب تغيير الواقع قبل تأصيل فقه الواقع؟ وبهذه الحالة من يغيره؟ الحاكم؟ الفرد؟ داعش؟ (انظر إلى مناقشات مؤتمر الكويت)‏[38].

هذه المواضيع كانت في صلب الفقه المقاصدي الذي تم إهماله من قبل الاتجاه الفقهي السائد. يدعو عليان بوزيان‏[39] الباحثين المقاصديين «إلى الانتقال بالبحوث المقارنة بين الشريعة والقانون من مجرد المقارنة بقصد المقابلة، لإظهار التميز والتشديد على سمو الشريعة ومقاصدها في تحصيل المصالح الإنسانية، إلى مرحلة المقارنة بقصد المقاربة المقاصدية المثمرة… التي من خلالها يتم تجاوز أزمة الفكر؛ فأسلمة المعرفة القانونية تمثل نقطة الانعطاف في إعادة بعث الجانب التشريعي من الشريعة، من طريق تفعيل أدوات الفكر المقاصدي، واستثمارها في تحديد فلسفة التشريع الوضعي من خلال بحوث رصينة تنطلق من الدور الجوهري للمقاصد في فهم النصوص ومراعاة سياقها ومآلاتها عند التنزيل، ولا سيَّما أثناء التقعيد القانوني لأحكام التشريعات في ظل الهاجس الإصلاحي والهم النهضوي الذي يمر به الفقه الإسلامي المعاصر، وبعد التقنين الوحيد لتطبيق الفقه الإسلامي، وإخراجه من حيز النظريات والتجريدات إلى حيز العمليات والتطبيقات»‏[40].

4 – فقه الشريعة مقابل فقه تطبيق الشريعة

يقدم الشيخ السعودي عبد الله المالكي فتحاً معرفياً هاماً، في كتابه الهام سيادة الأمة قبل تطبيق الشريعة، على أهمية التفريق بين فقه الشريعة وفقه تطبيق الشريعة. فهو يتجاوز فلسفة فقه الواقع ليفرِّق بين فقه الشريعة الذي يحمل في طياته الكثير من الثوابت وبين إمكانية التطبيق وتدرِّجه: «الشريعة: عبارة عن معطى إلهي منزل مستمد من الوحي، ومتمثل في المحكمات والقطعيات والكليات الشرعية، وأما (التطبيق) فهو فعل بشري اجتهادي تاريخي لذلك المعطى الإلهي. فالتطبيق ليس ديناً بالضرورة بل قد يكون مخالفاً للدين، وقد يكون مفسداً لغايات التشريع ومناقضاً لمقاصده»‏[41]. وقد صرح كمال الحيدري (أستاذ الفلسفة الإسلامية في الحوزة العلمية بقم) عن تعقيدات تجربة التغيير في إيران، فقال: «عندما جئنا إلى الحكم الإسلامي وواجهنا مشاكل يجب أن نجيب عليها، وجدنا ذلك الفقه الموجود بين أيدينا، لا أقول لا يستطيع مطلقًا، لكنه في كثير من الموارد لا يستطيع الإجابة على هذه المسائل»‏[42].

بالنسبة إلى المالكي هناك ضرورة إلى أن يكون هناك سيادة للأمة من طريق اعتراف شعبي بها أي قبول ديمقراطي بالحاكم، والتي ستقوم بنقل مبدأ إلزامية الشريعة من المستوى الفردي إلى المستوى الجماعي من طريق سن القوانين والدساتير، قبل تطبيق الشريعة. ويرد المالكي بشكل بارع على من يقول السيادة في الإسلام للشريعة فقط، وليس للفرد ولا للشعب:

«إن هذا القائل لديه إشكالية في فهم طبيعة الشريعة، فهو لا ينظر إلى الشريعة على أنها عبارة عن منظومة من القيم والمبادئ والأحكام، وإنما ينظر إليها كأنها أشبه بالكائن الحي الذي يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ويجلس على أريكته ويفرض قيمه وإراداته على الناس. هكذا يتصور البعض! ولا أقول هذا مجرد تصوير (كاريكاتوري)! بل البعض فعـلاً يشعرك بأن الشريعة هكذا في تصوّره، ولهذا فهو دائماً يقابل بين سيادة الأمة وسيادة الشريعة، فيقدّم سيادة الشريعة على سيادة الأمة، وكأن قيم الشريعة كائنات حية تملك الإرادة والقدرة».

من هنا تصبح أهمية العلوم السياسية والاجتماعية في دراسة هذه السيادة والسلطة والديمقراطية التي هي مقدمات لتطبيق الشريعة. ويصبح التمكن من هذه العلوم شرطاً للدعاة المهتمين بنشر الشريعة. ولعل أحرى بالحركات الإسلامية رفع شعار «سيادة الأمة هي الحل» بدلاً من «الإسلام هو الحل»‏[43].

5 – الترقيعية

إن المحاولات الترقيعية هي غالباً ما تكون نتاج ضعف التكوين العلمي لدى الباحثين العرب. نرى أن ضعف العلوم الاجتماعية (التي تدعي أنها إسلامية أو لا) ناتج من الشروط الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والبيئات المؤسسية التي تواجه الباحثين في دول الجنوب، أكثر منه إشكالاً إيبيستمولوجياً ناتجاً من تدويل العلوم الاجتماعية (أي عدم توافق للمفاهيم الغربية التي ولدت في حضن سياقات محددة للدول القومية الأوروبية). فمثـلاً لقد ابتليت المجتمعات العربية بدكتاتوريات شرسة قد حدت من إمكانيات الفكر النقدي‏[44].

لقد أدت بعض النظرات الإيبيستمولوجية إلى الترقيع، حيث يحلو للكثير من الكتّاب في أسلمة المعرفة والتأصيل الإسلامي للعلوم أن يبدأ كلامهم بأزمة علم ما من العلوم الاجتماعية في الغرب ومن ثم عند العرب وينتهي بتقديم حلول في جلها معرفية، مقترحين التأصيل الإسلامي كمخرج‏[45].

ينتقد سمير أبو زيد الفكر التوفيقي الذي يدعو إلى إقامة جسر بين ثنائيات الحداثة الأوروبية والهوية العربية الإسلامية الذي اتسم في بعض الأحيان بالترقيعية، ويتبنى التأسيس للمعرفة معتمداً على نموذج من التراث، وهو نموذج اللغوي الفارسي الشيخ عبد القاهر الجرجاني القائم على ثلاث خطوات أساسية: إنشاء القضية الدينية والقضية العلمية، كل في مجالها، بشكل كامل، ومن ثم الفصل بين القضيتين، كل في مجالها، وأخيراً إنشاء علاقة رابط بين القضيتين، وهي علاقة التدرج في القدرة اللغوية، بلا حدود. لقد تمكن عبد القاهر باستخدام هذا المنهج من أن يعالج قضية دينية عقلية مشتركة هي قضية الإعجاز اللغوي في القرآن الكريم، وفي نفس الوقت إنتاج نظرية في اللغة هي نظرية التنظيم التي تمتلك كل المقومات الخاصة بأي نظرية في العلوم الإنسانية بالمعنى المعاصر. هذا المنهج قادر على إنتاج نظرية علمية تلتزم بشروطها العلمية والعلاقات السببية شبه الحتمية في اتساق كامل مع الفكر الديني الإسلامي. وبذلك لا يشكل الفكر التوفيقي، حسب أبو زيد، نموذجاً لتحقيق الاتساق بين النظرة العربية الإسلامية والعلم المعاصر. ويخلص أبو زيد إلى أن المنهج الذي يستوحيه من الجرجاني يشكل محاولة جديدة بعد فشل المحاولات الحديثة الكثيرة في التأسيس العلمي، وبخاصة فشل دعاة العلم الإسلامي في تحقيق الاتساق بين العلم «الإسلامي» والعلم الإنساني «المعاصر». وبالتالي عدم الاتساق بين هذا الفكر والواقع‏[46].

وقد تبنى بعض الباحثين هذا النهج. ففي كتاب الأيديولوجيا وعلم الاجتماع: جدلية الاتصال والانفصال تتبنى مؤلفته الباحثة الجزائرية وسيلة خزار أن الأصل هو الفصل، إذ إن الأصل في «النظرية العلمية، وبالتالي السوسيولوجية، هو أن تنطلق من الواقع المحسوس والمشاهد، ومن خلال الدراسة الإمبيريقية، حيث يحاول علم الاجتماع صياغة المفاهيم، وربطها في شكل قضايا، ثم اختبار صحة هذه القضايا لتتخذ شكل قوانين ونظريات. البداية، إذاً، ينبغي أن تكون من الواقع في اتجاه بناء النظرية وليس العكس، ثم بعد ذلك يكون الاعتماد على النظرية في دراسة أجزاء أخرى من الواقع، مثل هذه الدراسة التي تعد أساساً لاختبار صدقية النظرية، ومدى صلاحيتها للاسترشاد بها في تفسير الظواهر الاجتماعية. إذاً، عندما يذهب الاتجاه الإسلامي إلى أن الاتجاهين الماركسي والبنائي الوظيفي يتضمنان مقدمات أيديولوجية تعبر عن اجتهادات بشرية قاصرة، ويقترح في مقابل ذلك مقدمات أيديولوجية مختلفة تنطلق أساساً من الدين الإسلامي، فإن هذا الطرح بالنسبة إلينا يتنافى مع أسس العلم والموضوعية، لأن الانطلاقة أساساً في بناء النظرية السوسيولوجية لا بد أن تكون من الواقع، وليس من أية مقدمات أيديولوجية مهما كانت طبيعة هذه المقدمات فلسفية أو دينية، عقلية أو نقلية»‏[47]. وعلى هذا المنوال، يؤكد جمال عطية أن علم أصول الفقه قد وُضع أصلاً لضبط التكاليف واستنباط الأحكام وليس لتفسير الظواهر الاجتماعية والعلاقات السببية بها، وهذا موضوع العلوم الاجتماعية‏[48].

6 – تدويل العلم

هناك افتراض حتى الآن أن هناك علوماً اجتماعية إسلامية للمسلمين، وعلوماً اجتماعية بوذية للبوذيين، وعلوماً اجتماعية يهودية لليهود. إن هذا الافتراض يتنافى مع مفهوم عالمية الإسلام وأن فيه خيراً لكل الناس. وهنا لا بد من التأكيد أن كل العلوم فيها ما هو شمولي وعالمي (Universalist) وفيها ما هو مرتبط بثقافة وحاجات مجموعة سكانية ما. المطلوب صيغة «الحوار الجدلي» بين الثقافات والمجتمعات الذي يستفيد من التجارب المختلفة وتراكم المعرفة.

هناك قضايا كتغير المناخ، والكائنات المعدلة وراثياً [GMOs]، وحقوق الملكية الدولية، والمفاوضات على العقاقير الطبية، والتنوع البيولوجي، وما شابه ذلك قد أصبحت مسائل علمية عالمية. أصبح العلماء، من الاختصاصات الطبيعية والاجتماعية، معتادين التفكير في هذه القضايا على المستوى العالمي. في المقارنة بين الاختصاصات، يمكن القول إن هذه الظاهرة ربما تحدث أكثر في الاختصاصات العلمية الطبيعية. وهكذا فالموضوعات والفرق المتخصصة أصبحت عالمية، وكذلك تدريب المتخصصين، لتصبح وسيلة لتغذية التوزيع الدولي للكفاءات، وهو ما يجعل كل طالب دكتوراه جديد مشروع مهاجر في المستقبل. لقد دافعت كارولين فاغنر‏[49]، من بين العديد من الكتاب الآخرين، ببراعة عن فكرة الشبكات العلمية الدولية المؤلفة أساساً من الأفراد الذين يسعون إلى التعاون مع نظرائهم ذوي المصالح المتبادلة والمهارات المتكاملة في جميع أنحاء العالم. في هذا العالم المعولم، يعمل التعاون الدولي وكأنه نظام ذاتي للتنظيم العالمي من خلال الفعل الجماعي على مستوى الباحثين أنفسهم‏[50].

في عصر العولمة هذا، وفقاً لوجهة النظر هذه، يصبح الباحث بطل التعاون الدولي، من خلال اتخاذ القرارات حيث مصالح الأفراد (بما فيها حسهم الثقافي) ستكون المحرك الرئيسي. ويستند تفسير ذلك إلى فكرة أن الفرد يتعرف إلى المتعاونين ذوي الاهتمامات المشتركة وأنه قادر على تقييم واستغلال النتائج المتوقعة من التعاون المخطط لها. لن ندخل الآن في مجال نقد الكثير من العيوب في هذا المنطق‏[51]. ونحن نعتقد أن الرأي بأن هناك نوعاً من الشبكة العالمية العملاقة من العلماء حيث الكفاءات والموارد تدور بسهولة لا يتطابق مع الواقع. يحتاج فرادى العلماء، حتى خيرتهم، إلى أن يكونوا قادرين موضوعياً على «اختيار» تعاونهم، وهو الحكم الذي يتعلق بانخراطهم في بيئتهم المحلية، مؤسسياً وسياسياً واقتصادياً. إن وجود الجماعة العلمية المحلية وكذلك إضفاء الطابع المؤسسي على النشاط العلمي، يؤديان دورين هامين جداً هنا. ومن خلال المشاركة في التدريب المحلي والفرق العلمية المحلية يمكن للشاب الباحث الفردي أن ينخرط بصورة متزايدة في التعاون الدولي، وبالتالي، المشاركة في المشهد العالمي للبحث. القرارات الشخصية مهمة، ولكن قد تؤثر في الخيارات أيضاً عوامل أخرى تتجاوز عادة الاستعداد إلى القبول بالتعاون عند افتراض أن البحوث (والتعاون العلمي الدولي) مفيدة. سنصر على هذا الجانب، لأن التعاون الدولي هو أهم محركات البحث العلمي الضروري حتى لفهم الواقع المحلي وتوطين المعرفة.

استنتاجات

بعيداً من تحنّط الكثير من نماذج القراءتين السوسيولوجية والدينية، أردت من هذا المقال أن أؤكد أن تحقيق التكامل بين العلوم الشرعية والعلوم الاجتماعية، وغيرها من العلوم، وردم الهوة ومد الجسور بين هذه العلوم هو موضوع هام للغاية إن كنا معنيين بإعادة الشرعية للعلوم الاجتماعية لكي تؤدي دورها الرائد في حل المشاكل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية العويصة، وخلق تصورات ورؤى جديدة تفتح آفاقاً لاجتهادات كثيرة وعميقة، تثري الدين والعلم في مختلف المجالات. إن عملية التكامل وتوطين المعرفة لا تعني تبنّي سياق نظري محلي كلي مقابل نظريات «مادية غربية»، بل تعني الاستفادة من التراث العالمي والمحلي بآن واحد والغربلة لتشكيل إطار نظري يصلح لدراسة موضوع ما تحت البحث. فمثـلاً، إذا كنا ندرس استقلالية التعليم العالي والجامعات في بلادنا العربية فالإشكالية مرتبطة بهيمنة الدولة الدكتاتورية العربية على الجامعة، بينما تكون الإشكالية في الغرب وفي جنوب شرق آسيا مرتبطة بسلعنة المعرفة ودور الخصخصة في هذه الاستقلالية. وإذا كنا نريد دراسة الفقر في بلادنا فإن دور الخصخصة هو العامل الحاسم مقابل إشكالية التماسك الاجتماعي في بعض دول الغرب. إذاً لا تعني عملية التكامل وتوطين المعرفة موقفاً مبدئياً معادياً من الأطر النظرية الغربية التي سنوسمها بالمادية، بالتجريبية البحتة، أو بالفردانية… إلخ. ولا تعني الأطر الإسلامية أنها تلك التي تجسد المثالية والروحانيات والجماعة. وإذا كانت الجماعة هي فوق الفرد فأي طبقة أو فئة اجتماعية نتحدث عنها أو نريد الانتصار لها.

بكلام آخر، إنه من السهل التفكير بتحديد سلبي لما هي معرفة مؤصلة إسلامياً (مثـلاً الاقتصاد الإسلامي هو ليس نيوليبرالياً) ولكن من الصعب أن تكون محدداتها إيجابية (مثلا ما هو الشيء الخاص بإندونيسيا الذي لا ينطبق على ماليزيا؟).

لقد وضع منظر أسلمة المعرفة إسماعيل الفاروقي في عام 1981 خطة العمل لمشروعه داعياً الجميع إلى التمثل بأهدافه، وها نحن بعد ثلث قرن نجد أن هذا المشروع لم يسفر عن نتائج ذات قيمة معرفية إلّا القليل. ولعله أنتج علمنة (من العلم) الثقافة الإسلامية أكثر منه أسلمة العلم. ولكن هذا لا يعني أنه لن تكون هناك قيمة في المستقبل. وما حاولت إظهاره أن هناك مشاكل معرفية نشأت عن بعض مفاهيم أسلمة المعرفة. هناك بذرات طيبة ولكن في أرض ما زالت مقفرة وهي بحاجة إلى رعاية وتشذيب وتهذيب قبل أن تأتي أكلها.

نحن نقيِّم العلم الاجتماعي الجيد أنه علم ذات كمونية تغيُّرية (حتى تدميرية subversive) والذي يطرح أسئلة محرجة حول المصالح السياسية والاقتصادية والأبعاد الذاتية للأيديولوجيات القوية على كل مستويات المجتمع. إنه العلم الذي يبين كيف تم بناء الأيديولوجيات وكيف تم التلاعب بالنظم الرمزية وأولها اللغة‏[52]. فهل ترقى الأطياف المختلفة لأسلمة المعرفة إلى توصيفها بالعلم الجيد؟

لعلّي أرى اختزالية مفرطة في كثير من هذه المشاريع المُؤَسِّسَة للاتساق أو التوافق أو الأسلمة التي تنزع لأن تكون مناهج معرفية بحتة. إن هناك مبالغة في أهمية القيم على حساب المصالح والغرائز. يبدو في القرن الحادي والعشرين أن القيم الكونية قد تبددت تماماً على مذبح السياسة، وأن ما صدّرته البيانات جميعاً في مقدماتها تبخَّر مع نهاياتها عندما تغوص في وحول السياسة ورمالها المتحركة. ينتقد خالد الحروب‏[53] تشدد الخطاب العربي والإسلامي الراهن في مسألة الخصوصية الثقافية يبتعد عن واقع مجتمعاته وعن التجربة التاريخية. كما يرى أن هذه الهواجس الوهمية تحول الخصوصية الثقافية إلى صيغة تبرير لإخفاقات المجتمعات العربية وتضر بفرص تطورها ولحاقها بركب الدول العلمية. من الضروري نقد المركزية – الأوروبية للعلوم الاجتماعية، ولكن يجب أن لا نتخبأ وراء إصبعنا. الأزمة الأساسية هي في انكفاء الكثير من الباحثين على أنفسهم داخل منهجيات اقتباسية واجترارية وفقر نظري. بكلام آخر يجب أن لا نقع في أسطورة فرادة الوطن العربي أو ثقافته العربيّة – الإسلامية.

من هنا، أنا أُفضل المناهج الاجتماعية – المعرفية لفهم أزمة العلوم الاجتماعية، كمنهج رشدي راشد الذي استخدم مفهوم «توطين العلم»‏[54] باعتباره طريقة للتأسيس العلمي في المجتمعات العربية المعاصرة. وحسب راشد فإن توطين العلم يرتكز على عنصرين أساسين، الأول هو ضرورة أن يرتكز على معرفة صحيحة للعلاقة بين العلم العربي – الإسلامي القديم والعلم الحديث، وضرورة اعاده الاعتبار لدوره الرائد في صيرورة هذا الأخير. والثاني على ضرورة اشتراك كل من السلطتين السياسية والاقتصادية من عملية التوفيق، وذلك لتحقيق البنية التحتية اللازمة لإنتاج العلم. وربما كان كتابي الأخير البحث العربي ومجتمع المعرفة: نظرة نقدية جديدة (مع ريغاس أرفانيتس) دعوة صريحة لأهمية العلم والبحث الوطني والظروف الاجتماعية والاقتصادية الضرورية لتحقيقه‏[55].

 

قد يهمكم أيضاً سؤال الدولة والدين عند مكيافيلي وابن خلدون

#مركز_دراسات_الوحدة_العربية #علوم_الاجتماع #العلوم_الاجتماعية #أسلمة_العلوم #أسلمة_المعرفة #المعرفة #الاقتصاد_الإسلامي #الإسلام_والمعرفة #أسلمة_العلوم_الاجتماعية تأصيل_العلوم_الاجتماعية #دراسات