مقدمة:

شكّلت حرب عام 2006 بين لبنان وإسرائيل نقطة تحول في الصراع العربي ـ الإسرائيلي، إذ لم يكتف حزب الله بإعلان نصره على عدّوه فحسب، بشهادة تحقيق إسرائيلي رسمي، خلُص إلى أنّ إسرائيل «فشلت في تحقيق الفوز»[1]، بل رُوّج، على لسان أمينه العام حسن نصر الله في أحد خطاباته، لنهاية أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر. واتّصفت هذه الحرب التي استمرت 34 يوماً بالعديد من الخصائص الفريدة، حيث طغت على الأخبار العالمية[2]، ومثّلت حالة تاريخية نادرة من الحروب غير المتكافئة، حيث قاومت «وحدات قتالية صغرى» (Guerilla Groups)، وبشكل فعّال، هجمة جيش نظامي قوي في معارك ضارية تشبه الحرب النظاميّة، في ظل تغطية إعلامية أدت مع البروباغندا والحرب النفسية دوراً مهمّاً في تحديد نتائجها[3].

إن الدور الكبير الذي أدته وسائل الإعلام والمحطات التلفزيونية العالمية في تكوين الرأي العام تجاه طرفي النزاع، أثّر في الجهود الدبلوماسية ونتائج الحرب بشكل عام[4]. وقد ذهب البعض إلى حدّ الادّعاء بأنّ الإعلام في هذه الحرب غدا «من أسلحة الحرب الحديثة»[5]، فيما اتّهم آخرون الإعلام بالانحياز في تغطيتها، كما هو الحال مع كل صراع عربي ـ إسرائيلي[6]. من ناحية أخرى، رأى بعض المحلّلين أنّ التغطية الإخبارية كانت تختلف جذرياً من منطقة إلى أخرى، وتحديداً في الولايات المتّحدة الأمريكية، حيث شاهد الجمهور «حرباً مختلفة»[7].

ومع ذلك، فإنّ عدداً قليلاً من الدراسات الأكاديمية اهتمّت بتحليل التغطية الإعلامية تحليلاً منهجيّاً، ولا سيّما من زاوية مقارنة تغطية وسائل الإعلام العالمية. وحتّى هذه الدراسات القليلة لم تكن في مأمن من اتّهامها بالانحياز[8]، كما عانى العديد منها مشاكل بحثية مهمّة. لذا، تحاول هذه الدراسة سدّ الفجوة في الأدبيات ذات الصلة من خلال تحليل مقارن لمحتوى التغطية الإخبارية التلفزيونية لحرب عام 2006 على المستوى العالمي، اذ تقوم على التحليل الكمّي لـ 963 تقريراً إخباريّاً تم اختيارها عشوائياً من 11 محطة تلفزيونية، اثنتان منها عربيّتان، وأربع لبنانيّة، وواحدة إسرائيليّة، وأربع أمريكية.

تترتب على المنهج المقارن لتحليل تأطير الأخبار تبعات نظرية مهمّة، بحيث يشير نموذج هيرمان وتشومسكي للبروباغاندا[9] إلى أنّ التغطية الإعلامية في الولايات المتحدة الأمريكية تنحاز إلى إسرائيل (حليف الولايات المتحدة الأمريكية) عموماً، ما يطرح عدة أسئلة: هل يمنع ذلك وجود أية اختلافات بسيطة حول قضايا محدّدة، وخاصة خلال تغطية أحداث مهمّة كـ «مجزرة» قانا؟ أو هل ينحاز الإعلام الأمريكي دائماً إلى إسرائيل[10]، حتّى عندما تبدأ بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية نفسها في طرح الأسئلة النقدية الحرجة؟ من ناحية أخرى، يميل الكثير من الباحثين والأكاديميين، خاصة الغربيين، إلى جمع وسائل الإعلام العربية في بوتقة واحدة. يتجاهل هذا التصوّر في كثير من الأحيان النزاعات بين البلدان العربية التي تمتلك المحطات التلفزيونية الأساسية، ناهيك من الصراع بين القوى السياسية التي تتحكّم في المحطات التلفزيونية اللبنانية. على خط متصل، ركّزت الدراسات الحديثة حول وسائل الإعلام العربية على محطة «الجزيرة» بشكل مكثّف، كما لو أنّها تمثّل جميع وسائل الإعلام العربية، وكما لو أنّ الجمهور العربي لا يتابع أيّة وسيلة إعلامية أخرى[11]. تشكّك هذه الدراسة في تجانس الإنتاج الإعلامي العربي، وتقارن ليس فقط بين الاختلافات في التغطيتين الأمريكية والإسرائيلية، بل تطال المقارنات أيضاً الاختلافات بين وسائل الإعلام العربية في ما بينها، ووسائل الإعلام الأمريكية أيضاً.

أولاً: الإطار النظري

1 ـ التأطير الإخباري للحرب

يشكّل تحليل التأطير الإخباري إطاراً نظرياً ملائماً للمقارنة بين التغطية الإخبارية عبر البلدان وداخلها. يعرّف غوفمان[12] الأطر بأنها «مبادئ تنظيميّة تتحكّم في الأحداث… وبتفاعلنا الذاتي (Subjective) معها». ففي حين تصف الدراسة مفهوم التأطير على أنّه عملية تبنٍّ غير واعية للمعنى، يعتبر علماء معاصرون التأطير «بناءً متعمّداً للواقع، أو على الأقل بناءً يتأثّر بالبنى والعمليّات السائدة»[13]. وفقاً لإنتمان[14]، ينطوي التأطير على اختيار جوانب معيّنة من واقع ملموس ونقلها، الأمر الذي يقدّم تفسيراً محدداً لحدث ما ويربطه بمنطق أخلاقي معيّن، مقترحاً وجود حلّ له. ويظهر ذلك بشكل واضح في مجال إنتاج الأخبار، حيث تؤثّر عمليات غرفة الأخبار والمعايير المهنية وعوامل اجتماعية وسياسية عديدة في بناء التقارير الإخبارية، وتؤدي بالتالي إلى تأطير الواقع لعدد كبير من المشاهدين.
في السياق ذاته، تشير دراسة غامسون وموديغلياني[15] إلى أنّ الإطار هو «فكرة مركزية منظّمة لإنتاج معنى من أحداث متّصلة وتحديد ماهية المسألة»[16]. وتزداد أهمية الفكرة المركزية المنظِّمة حين يتعلّق الأمر بالأحداث المشوّشة، مثل الصراعات الدولية، ولا سيّما بالنسبة إلى الجماهير البعيدة من النزاع، وذلك لانطواء جزء كبير من أي نزاع على صراع حول تأطير القضايا للتأثير في السياسة العامة والرأي العام[17]. وتعتبر مسألة اختيار الإطار في غاية الأهميّة، لأنّ التأطير هو في جوهره وسيلة لـ «تنظيم قطع مجزّأة من المعلومات حول موضوع معيّن، تسهّل جمع الأخبار، وإنتاجها … وفهم الجمهور»[18].
وفي مجال الشؤون الدولية، على وجه الخصوص، يصيغ التأطير أجندة الإعلام من خلال تصوير أحداث معينة لمسائل دولية، وتجاهل أحداث أخرى. ويقوم بتوضيح الحجج والمسائل من خلال تحديد مصدر المشكلة وشرحه وتحديد المذنب، ويقيّم الوضع من خلال التوصية بحلولٍ معيّنة[19]. زد على ذلك، فإن «الأطر نادراً ما تكون محايدة أو معدومة القيمة، إذ لا يتمّ اختيارها عن طريق الصدفة. وهي بذلك تفتح الطريق أمام التلاعب بالخبر من قبل جهات معيّنة»[20]. لذا، فإنّ للتأطير تأثيرات كثيرة في الرأي العام والسياسة العامة، وبالتالي في تطوّر الصراعات الدولية ونتائجها، مثل حرب عام 2006.

2 ـ الدراسات السابقة

تناولت دراسات عديدة موضوع التغطية الإخبارية للحرب. وقد ركّز البعض منها حصراً على الصحافة الإسرائيلية أو الأمريكية أو البريطانية، في حين قارن بعضها الآخر التغطية الإخبارية عالمياً.

أ ـ وسائل الإعلام الإسرائيلية: جذبت حرب عام 2006 اهتمام الباحثين الإسرائيليين الذين ـ على عكس نظرائهم اللبنانيين والعرب ـ أصدروا مجموعة كبيرة من البحوث والمطبوعات نقدت جوانب عديدة من أداء وسائل الإعلام الإسرائيلية، وخاصة دعمها المطلق للحرب.

قامت مؤسسة كيشيف في عام 2007 بتحليل آلاف المقاطع من نشرات الأخبار التلفزيونية والصحف الإسرائيلية، فوجدت أنّ وسائل الإعلام الإسرائيلية دعمت الحرب بشكل كلّي، وقدّمت تغطية غير ناقدة. كما تنبّهت إلى أنّ وسائل الإعلام الإسرائيلية تجاهلت تغطية العيوب والتناقضات التي شابت أهداف إسرائيل المزعومة ومبرّراتها لخوض الحرب، وقدّمت صورة مزيّفة عن قوّة القادة الإسرائيليين، متجاهلة الاختلاف في آرائهم، ومتغاضية عن الفشل في حماية السكان في الشمال. كما «فصلت فصلاً شبه تامّ» بين الأعمال العسكرية الإسرائيلية والتدمير والقتل الواسع النطاق في لبنان، ومعاناة سكانه المدنيين نتيجة القصف الإسرائيلي، ورفعت اللوم عن إسرائيل في ما يتعلق بارتكاب مجزرة قانا. والانتقادات النادرة التي ظهرت، بحسب الدراسة، دعت إلى «العمل بشكل أشدّ وأكثر فعالية» للانتقام، و«إلحاق ضرر أكبر بلبنان»[21].

على خط متصل، وجدت دراسة نايغر وزاندبرغ ومايرز[22] أنّ وسائل الإعلام الإسرائيلية وجّهت القليل من الانتقادات خلال الحرب في أقل من 12 بالمئة من أنبائها. لكن النقد تغيّر مع مرور الوقت، وتمّ تصنيف أقلّ من ربعه كـ «انتقادات فيها تحدٍّ»، في حين أنّ البقية كانت «انتقادات فيها تأكيد»، أو نقد «داعم لجهود الحرب، وأحياناً مشجّع على الأعمال العدائية»[23]. في بداية الحرب، تركّز النقد على الحكومة والجيش لفشلهما في تجنّب اختطاف الجنديّين الإسرائيليين. وفي وقت لاحق، تركّزت الانتقادات على القضايا التكتيكية القتالية، إذ لم يبلغ النقد حدّ معارضة الحرب وإدارتها الاستراتيجيّة إلا عندما شارفت على انتهائها.

وركّزت دراسة بالاس وغافريلي ـ نوري[24] على تأطير الخسائر الإسرائيلية، العسكرية منها والمدنية. ووجدت أنّ التلفزيون الإسرائيلي استخدم «التأطير المبطل» (Annihilating Framing) في تغطيته للجنود الجرحى، الذي اتّسق مع إطار «رمز البطل» الذي صوّر الحرب والإصابات كتجارب إيجابية، وطمس جوانبها الأكثر قسوة، واستثنى المعاناة، مركّزاً بدلاً من ذلك على عمليّات الإنقاذ الناجحة. في المقابل، فإنّ تغطية المدنيين الجرحى خضعت لإطار «الضحية»، حيث واجه الشخص البريء المصاب واقعاً قاسياً مفاجئاً، فُرض عليه من الخارج. وهكذا، ساهم هذا التأطير في الحفاظ على صورة الإسرائيلي الذكر الذي لا يقهر، وإبراز المواطنين الإسرائيليين بهذه الطريقة كضحايا لشرعنة استخدام القوة العسكرية وتبرير الحرب.

من ناحيتها، استخلصت دراسة غافريلي ـ نوري[25] استنتاجات مماثلة، إذ وجدت أنّ الإعلام الإسرائيلي استخدم «الإبطال المجازي» وأربع استعارات مهيمنة لتطبيع الحرب، وأخفت هذه الاستعارات العواقب الوخيمة للحرب، وقامت بتطبيعها كما لو كانت فعلاً مألوفاً وجزءاً من الحياة اليومية.

ب ـ وسائل الإعلام الأمريكية: تناولت حفنة من الدراسات التغطية الإخبارية الأمريكية حصراً، واستنتجت جميعها أنّ التغطية كانت منحازة بشكل عام إلى إسرائيل، فيما كانت متوازنة أحياناً.

حقّقت دراسة باهادور[26] في ما إذا كان «تأثير الـ (CNN Effect) CNN» حصل خلال الحرب، وخاصة في عقب مأساة مجزرة قانا. فقامت بتحليل أخبار محطات التلفزيون الأمريكية والبيانات الصحافية الصادرة عن الحكومة الأمريكية قبل المجزرة وفي خلالها وبعدها، ووجدت أنه في حين كانت الأطر السلبية والإيجابية لجهة إسرائيل متوازنة نسبياً قبل وبعد المجزرة، ازدادت الأطر السلبية بشكل كبير يوم الهجوم. في ذلك اليوم، ازداد حجم التغطية، تلاه زيادة في ضخ البيانات الصادرة عن الحكومة مع تغيّر قصير المدى في اللهجة تجاه إسرائيل، التي تحوّلت من مؤاتية وداعمة إلى نقدية، ما وفر بعض الأدلّة على «تأثير الـ CNN».

وفي موضوع تغطية الأخبار من خلال الصور الفوتوغرافية، تناولت دراسة ماسكاغني[27] الصور الفوتوغرافية وعناوينها التي نشرتها المجلات الإخبارية الأمريكية. واعتبرت أنّ التصوير الصحافي الأمريكي الناقل للحرب أعاد تقديم الصور النمطية عن المسلمين، ما أثار الخوف والمعاناة، وقدّم السردية الغربية (Western Narrative) التي تبحث عن ضحيّة، وتدعو إلى تدخّل الولايات المتحدة كجهة منقذة في المنطقة. وقد أيّدت الصور المنشورة دعم السياسة الخارجية الأمريكية لإسرائيل، وأظهرت حزب الله كمجموعة إرهابية. وقد ألمحت الصور إلى وجود تساوٍ نسبي في الضحايا لدى كلا الجانبين، وهو أمر كذبته حصيلة القتلى.

وقارنت دراسة كافاري وغاباي[28] بين تغطية المحطات المحلّية الأمريكية (Local Stations) وتغطية الشبكات الإخبارية الأمريكية الكبرى (Networks). فوجدت أنّ كلتا الوسيلتين غطّتا الحرب بشكل كبير، غير أنّ الشبكات خصّصت وقتاً أطول للتغطية وقدمتها في أطرٍ متنوعة. فالقنوات المحليّة كانت، بشكل ملحوظ، أكثر دعماً لإسرائيل، وأظهرت في كثير من الأحيان حزب الله بصورة المعتدي والجماعة الإرهابية. في المقابل، وجّهت الشبكات بعض الانتقادات إلى إسرائيل، وأطلقت على حزب الله مسمّى ميليشيا بشكل أساسي. «وبينما كانت تغطية شبكات الأخبار متوازنة نسبيّاً، مع التركيز أكثر على مسؤوليّة الأفعال الإسرائيلية عن الصراع، اعتبرت معظم التقارير الإخبارية المحليّة أنّ حزب الله هو المسبب الرئيسي للحرب»[29].

ج ـ وسائل الإعلام البريطانية: ركّزت دراستان فقط على وسائل الإعلام البريطانية، وتحققت كلتاهما من مسألة الموضوعية في التغطية، وخلصتا إلى أنّها كانت متوازنة إلى حدّ كبير، ما خلا ميل طفيف إلى صالح إسرائيل.

حقّقت دراسة غابر وسيمور وتوماس[30] في صحة اتهام جماعات الضغط الإسرائيلية لهيئة الإذاعة البريطانية الـ BBC بقيامها بتغطيةٍ منحازةٍ ضدّ إسرائيل. وقارنت الدراسة 228 تقريراً للـ BBC والـ ITV، ووجدت أنّه على الرغم من بعض الجوانب الإشكالية في التغطية، قدمّت المحطتان تقارير محايدة نسبيّاً، «وإذا كان هناك من تحيّز فقد كان لإسرائيل وليس ضدّها»[31]. وخصّصت الشبكتان وقتاً أكثر للأصوات الموالية لإسرائيل منه لتلك الموالية للبنان وحزب الله. ومع ذلك، فقد حققت الـ BBC شبه مساواة بين إسرائيل ولبنان (حزب الله) من ناحية وجهات النظر في تقاريرها الإخبارية، في حين انحازت الـ ITV ضد إسرائيل.

أما الدراسة الثانية لباري[32]، فقد خلصت إلى استنتاج مماثل حين قارنت تأطير الصور الصحافية في صحيفتي الغارديان والتايمز البريطانيتين. ووجدت أنّ الصور المنشورة في الصحيفتين كانت في المقام الأول للمدنيين، وركّزت على الخسائر البشرية والإصابات، ولا سيّما في صفوف المدنيين اللبنانيين. ومع ذلك، فقد صوّرت الصحيفتان عموماً حزب الله كـ «وحدات قتالية صغرى» (Guerilla Groups) متطرّفة وغامضة، بينما تركّزت الصور العسكرية في الغالب على لقطاتٍ للجنود الإسرائيليين والعتاد الإسرائيلي. ووجدت الدراسة أن صور الغارديان كانت أكثر واقعيّة، وأظهرت تعاطفاً أكبر تجاه المدنيين اللبنانيين، واستخدمت في أكثر الأحيان إطاراً يحمّل إسرائيل مسؤوليّة الموت والدمار. في المقابل، حقّقت التايمز توازناً بين صور الضحايا المدنيين الداعمة لإسرائيل والصور الداعمة للبنان، مع ميلها أكثر إلى نشر صور تظهر «بطولة أو تعاطف الجنود الإسرائيليين» و«عدائية حزب الله»[33]. وعلى الرغم من توازن التايمز في نشر صور المدنيين من الإسرائيليين واللبنانيين، إلا أنّ التساوي في تصوير الضحايا المدنيين من كلا الجانبين يكذب أرقام الصحيفة نفسها في ما خصّ محصّلة الموت والدمار التي كانت أعلى كثيراً في الجانب اللبناني.

د ـ وسائل الإعلام العربية: بحث عدد قليل من الدراسات العربية في دور وأداء الإعلام خلال الحرب.

قارنت كامل[34] تغطية صحيفتي المصري اليوم، والأهرام للحرب، وخلصت إلى تباين في موقف الصحيفتين من الموقف الرسمي المصري من الحرب، ومن عملية «الوعد الصادق» التي قام بها حزب الله ضد إسرائيل، ففي حين انتقدت الأولى الموقف الرسمي المصري وأبدت تفهّماً لدوافع العملية، انتقدت الثانية حزب الله وتبنّت الموقف الرسمي المصري. غير أنّ الصحيفتين اتفقتا في انتقاد الموقفين العربي والأمريكي من الحرب كما انتقدتا استخدام إسرائيل القوة في التعامل مع الموقف.

وقامت أبو العينين[35] بتحليل الخطاب الإعلامي للحرب بشقّيه اللبناني والإسرائيلي، مركّزة على مجموعة من الخطب والمقالات، من خطب الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله ومقالات في صحف لبنانية وعربية (السفير اللبنانية، الديار اللبنانية، أخبار الخليج البحرينية، السياسة الكويتية، الأهرام المصرية، البيان الإماراتية، الوطن الكويتية)، وخطب رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، ومقالات من صحف إسرائيليّة (هآرتس، يديعوت أحرونوت، معاريف). ومن نتائج التحليل وجود وفرة في الألفاظ الانفعالية في الخطاب الإعلامي، التي بينما وُظّفت في خطابات نصر الله لإظهار بشاعة العدوان الإسرائيلي وإظهار ضعف العدو، في مقابل شجاعة رجال المقاومة واستمالة شعبه إلى جانبه، وُظّفت في خطابات أولمرت لاستمالة شعبه عن طريق مواساتهم في قتلاهم وتشويه صورة حزب الله. أمّا المقالات اللبنانية المؤيّدة للحرب، فاستخدمت لهجة انفعالية للتنديد بإسرائيل وأمريكا وذمّ موقف العرب المتخاذلين عن لبنان والسخرية والتهكّم، واتفّقت معها المقالات الإسرائيلية المعارضة للحرب في الغرضين الأول والأخير. أما المقالات اللبنانية المُعارضة للحرب، والمقالات الإسرائيلية المُؤيِّدة للحرب، فقد وُظّفت الألفاظ الانفعالية فيها للتعريض بحسن نصر الله وحزب الله.

أمّا العبد الله[36]، فقدّمت تحليلاً لاستخدام الصورة في تغطية الحرب. اختارت نماذج من صور الحرب المتكرّرة في الإعلام، واستقت عيّنة من كتاب يوميّات الحرب الإسرائيلية على لبنان. وأظهر التحليل أنّه من حيث الموضوع، تركّزت الصور على «القصف الإسرائيلي والمجازر الإنسانية … والمآسي والانهزام الإسرائيلي والتخاذل في صفوف الجنود والعودة إلى الجنوب والانتصار». غير أنّ منهجية هذه الورقة لم تكن واضحة.

وفي سياق غير أكاديمي، كتب رئيس مكتب قناة «الجزيرة» في فلسطين وليد العمري[37] عن موقف وسائل الإعلام الإسرائيلية خلال الحرب، مقدّماً تحليلاً شخصيّاً مناقشاً أنّ وسائل الإعلام الإسرائيلية كانت جزءاً من الجيش، تبث الرسائل العسكرية وتؤدي دور المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي والحكومة الإسرائيلية، وهدفت إلى تضليل الرأي العام واستبعاد «الآخر». إلا أنّه أشار إلى أنّه بحلول نهاية الحرب، بدأت وسائل الإعلام إظهار «الصورة الحقيقية»، وركّزت على إخفاقات الحرب.

هـ ـ مقارنات على المستوى العالمي: أجريت الدراسات التي قارنت التغطية الإعلامية العالمية للحرب في نطاق بحثي ضيّق، وقد تعرّضت مصداقيّة نتائجها للتشكيك. وسنعرض لها في ما يلي:

تُعد دراسة كالب وسايفتز[38] واحدة من أولى الدراسات وأكثرها إثارة للجدل عن الحرب. ومع أنّها قامت على تحليل نوعي لمجموعة هائلة من نشرات الأخبار من جميع أنحاء العالم، إلا أنّها لم تتّبع تقنية انتقاء واضحة للعيّنات، وبدت في بعض الأحيان وكأنّها تبحث عن أدلّة لإثبات استنتاجات مفترضة مسبقاً. عموماً، وجدت الدراسة أنّ الإعلام العربي انحاز إلى حزب الله، بينما حاولت الـ BBC والإعلام الأمريكي التزام التوازن، لكنّهم كانوا بوجه عام ضد إسرائيل. واستخلصت أنه «بينما انحازت محطة «فوكس» (Fox) الإخبارية إلى إسرائيل، حاولت الـ CNN أن تلتزم التوازن، فيما كانت نشرات الأخبار المسائية الثلاث الرئيسية على الـ ABC والـ CBS والـ NBC أكثر نقداً لإسرائيل منها لحزب الله»[39].

استندت دراسة كالب وسايفتز إلى دراسة تجارية لشاتز وكولمر[40] استقصت برامج إخبارية عُرضت بين 21 تمّوز/يوليو و3 آب/أغسطس على محطّتين اثنتين من محطات التلفزيون الرسمية الألمانية، ووجدت أنّها لم تغطِّ الحرب بموضوعية. فقد افتقرت النشرات إلى التنوّع في وجهات النظر، حيث بدأت معظم التقارير من لبنان، وصوّرت إسرائيل كمرتكبٍ للعنف المفرط وغير المتكافئ، والمدنيين اللبنانيين كضحايا لهذا العنف. ونادراً ما أظهرت التغطية مقاتلي حزب الله وهجماتهم والضحايا الإسرائيليين. فضلاً عن أن النشرات الإخبارية قدّمت مبرّرات محدودة لأعمال إسرائيل التي كان قد تمّ تصويرها بشكل سلبي.

أما دراسة ياغوبي[41]، فحللت الأيديولوجيات الكامنة في خطاب كلّ من مجلة نيوزويك (Newsweek) الأمريكية وكايهان إنترناشونال (Kayhan International) الإيرانية تحليلاً نقدياً. ووجدت أن المجلّتين بنتا نظامين متعارضين من المعتقدات يعكسان سياسة كلّ من البلدين. فقد أظهرت كايهان إنترناشونال «الصهاينة» بمظهر المعتدين ومرتكبي العنف، وحزب الله بمظهر الضحية. في حين صوّرت نيوزويك حزب الله كمعتدٍ ودافعت عن إسرائيل. كذلك وجدت دراسة ياغوبي أنّ المجلّتين استخدمتا صيغة المجهول في الكتابة، بحيث لا يتمّ تعريف الفاعل، وصيغة تحويل الأفعال والصفات إلى أسماء لإخفاء الفاعل والهدف من الفعل.

خلاصة: سلّط هذا المبحث الضوء على أبرز الدراسات المتعلقة بالتغطية الإعلامية لحرب عام 2006. وأظهر أنّ الإعلام الإسرائيلي كان داعماً للحكومة الإسرائيلية، وأن تغطية الإعلام الأمريكي للحرب كان غير نقدي لجهة ما قامت به إسرائيل، لا بل كان داعماً بشكل عام لها. أمّا بالنسبة إلى وسائل الإعلام العالمية، فقد افتقرت تغطيتها إلى الموضوعية، في حين انحاز بعضها إلى إسرائيل واتجهوا إلى تصوير حزب الله كجماعةٍ إرهابية. وبحسب دراسات أخرى، انحاز الآخرون ضد إسرائيل، إضافة إلى أنهم دعموا حزب الله والطرف اللبناني، في حين صوّروا إسرائيل بطريقة سلبيّة. غير أنّ أكثرية هذه الدراسات عانت ثغرات كبيرة، فبعضها لم يبرّر أو يوضح كيفية اختيارها عيّناتها، والبعض الآخر لم يشِر إلى حجم العيّنة، إضافة إلى أن بعض الدراسات لم توصّف متغيّرات الترميز، وأطلقت افتراضات واستنتاجات متسرّعة. بناء على ما تقدم، ستجيب هذه الدراسة عن الأسئلة البحثية التالية:

السؤال البحثي الأول: ما هي الأطر الإخبارية التي طغت على تغطية أخبار المحطات المختارة؟

السؤال البحثي الثاني: ما هي اللهجة التي طغت على التغطية الإخبارية تجاه إسرائيل وحزب الله؟

السؤال البحثي الثالث: ما هي دلالات اختيار مصادر الأخبار والمقاطع الصوتية في التغطية الإخبارية؟

السؤال البحثي الرابع: من صوّرته التغطية الإخبارية على أنه الجهة المسبّبة بالحرب؟

السؤال البحثي الخامس: من صوّرته التغطية الإخبارية على أنّه الفائز أو الخاسر في الحرب؟

ثانياً: المنهجيّة

استخدمت الدراسة تحليل المضمون الكميّ للإجابة عن الأسئلة البحثية الآنفة الذكر. وتعتبر منهجية تحليل المضمون (Content Analysis) مثالية «للتحقيق في مشكلة يكون فيها مضمون التواصل أساساً للاستدلال»[42]. قامت هذه الدراسة بتحليل 963 تقريراً إخباريّاً تم اختيارها عشوائياً من نشرات أخبار مسائية لـ 11 محطة تلفزيونية: محطتان فضائيّتان عربيّتان («الجزيرة» و«العربية»)، وأربع محطات لبنانية: «المنار» (60 تقريراً)، و«الجديد» (88)، و«المؤسسة اللبنانية للإرسال» (93)، و«المستقبل» (78)، أربع محطات أمريكية: ABC (92)، وNBC (100)، وCBS (85)، وCNN (113)، وقناة إسرائيليّة واحدة (القناة الإسرائيلية الثانية (115)). وقد اعتمدت الدراسة التقرير الإخباري (أو المقطع الذي يبدأ بمقدّمة مذيع الأخبار وينتهي بختام المراسل أو مذيع الأخبار) كوحدةٍ للتحليل. جُمعت كل التقارير الإخبارية المتاحة المتعلّقة بالحرب، والتي بُثت ما بين 12 تموّز/يوليو و15 آب/أغسطس من عام 2006. ثم تمّ أخذ عيّنات عشوائية لتشمل تقريراً واحداً إلى ثلاثة تقارير يوميّاً من كلّ نشرة إخبارية.

تألف جدول الرموز من 32 متغيراً (Variables)، تناول عدة جوانب من التغطية: تغطية الضحايا والقادة السياسيين، وتأطير الحرب لكل من الطرفين، ومدى التوازن في المصادر التي تمت مقابلتها، ومدى تركيز التقارير على حزب الله أو إسرائيل، ومدى سلبية أو إيجابية لهجتها تجاه كل طرف، ومدى التركيز على الجوانب السياسية أو العسكرية أو على أية مظاهر أخرى للصراع. ولضمان المصداقية الداخلية (Internal Validity)، استند جدول الرموز إلى نظام هاياكاوا ـ لوري (Hayakawa-Lowry) للفئات، وذلك لقياس انحياز أو موضوعية الأخبار.

ولضمان الدقة الداخليّة والخارجيّة (Intrnal and External Reliability) أيضاً، تمّ تدريب المحللين الذين عملوا على جدول الرموز بدقة حتى تمكنوا من الوصول إلى نسبة 0.8 على مقياس دقة المحللين (Inter-coder Reliability)، ونسبة 0.67 على مقياس كريبندورف ألفا (Krippendorff’s Alpha) للاستدلال على مدى دقة المتغيرات. ولقد حلّل شخصان على الأقلّ كلّ تقرير إخباري، وكانت نسبة 0.8 الحد الأدنى لكي يتم إدراج التقرير في مجموعة البيانات، بحسب ريف[43]. وتمّت الاستعانة بمحلل ثالث لترميز التقارير التي حصلت على نسبة 0.79 أو أقلّ. كما تمّت الاستعانة بمحللين يجيدون العربية أو الإنكليزية أو العبرية، وأجري التحليل على مدى 18 شهراً. وقد تراوح معدّل المصداقيّة لجميع المتغيرات بين 0.86 و0.97.

ثالثاً: النتائج

1 ـ الأطر الإخبارية الطاغية

يقيس السؤال البحثي الأول الأطر الإخبارية الطاغية في التقارير الإخبارية، ويبحث عن وجهة النظر المهيمنة. أما الأطر التي تتبّعها الدراسة، فهي الأطر التي تتمحور حول لبنان، وأخرى حول إسرائيل، وغيرها حول الصعيد الدولي، وأخيراً تلك التي تتمحور حول بلدان أخرى (كريبندورف ألفا = 0.82).

أظهرت النتائج اتّجاهات تأطيرية قوية، كما يبين الجدول الرقم (1). فقد كانت «القناة الإسرائيلية الثانية» الأقل تقديماً للأطر المتمحورة حول لبنان، تليها المحطات الأمريكية، فيما كانت المحطات العربية، وبخاصة محطة «المنار» (التابعة لحزب الله) ومحطة «الجديد»، الأكثر تقديماً لهذه الأطر. في المقابل، كانت «القناة الإسرائيلية الثانية» الأكثر تقديماً للأطر المتمحورة حول إسرائيل، تليها المحطات الأمريكية، بينما كانت المحطات العربية الأقل تقديماً لهذه الأطر. خلاصة القول، تماهت المحطات الأمريكية في تغطيتها إلى حد كبير مع القناة الإسرائيلية الثانية (CH2)، في حين تماهت المحطات العربية بتغطيتها مع محطة «المنار».

الجدول الرقم (1)

الأطر الإخبارية الطاغية في التقارير (بحسب كل تقرير)

لبنان

إسرائيلدولي

غيره

المحطة

Nالنسبة المئويةNالنسبة المئويةNالنسبة المئويةNالنسبة المئوية

المحطات الأمريكية

11730116433497319
القناة الاسرائيلية 2151397842211

المنار

50831017000

0

الجديد

768667670

0

LBC

5357131422245

5

المستقبل

56727911143

5

العربية

396011177118

12

الجزيرة

43582027348

11

p = 0.0

2 ـ الّلهجة تجاه إسرائيل وحزب الله

يقيس السؤال البحثي الثاني اللهجة الجلية (Explicit Tone) والمهيمنة في التغطية الإخبارية تجاه إسرائيل (كريبندورف ألفا = 0.72) وحزب الله (كريبندورف ألفا = 0.71). هنا أيضاً تُظهر النتائج اتجاهات تأطير قوية بحسب الجدول الرقم (2). قدّمت «القناة الإسرائيلية الثانية» التغطية الأكثر تعاطفاً مع إسرائيل، في حين غاب كلياً ذلك عن تغطية «المنار» و«الجديد». وقد فاقت نسبة التقارير المتعاطفة مع إسرائيل التي قدمتها المحطات الأمريكية نسبة تلك التي قدمتها المحطات العربية، والتي كانت نادرة. وفي سياق منفصل، قدّمت «المنار» التغطية الأكثر نقديّة تجاه إسرائيل، في حين عرضت «القناة الإسرائيلية الثانية» التغطية الأقلّ نقدية. وقدّمت المحطات العربية نسبة تغطية نقديّة لإسرائيل أعلى من النسبة التي قدمتها تغطية المحطات الأمريكية، مع أن محطة «العربية» كادت تعادل المحطات الأمريكية في هذا المجال.

الجدول الرقم (2)

اللهجة تجاه إسرائيل

متعاطفة

لا متعاطفة ولا نقديّة

نقديّة

التقرير

Nالنسبة المئويةNالنسبة المئويةN

النسبة المئوية

المحطات الأمريكية

86231845098

27

القناة الاسرائيلية 2

6560323011

10

المنار

0061052

90

الجديد

00141768

83

LBC

68324239

51

المستقبل

23192848

70

العربية

59315322

38

الجزيرة

23274137

56

p=0.0

ظهرت اتجاهات تأطير مماثلة عند مقارنة اللهجة تجاه حزب الله، كما يبين الجدول الرقم (3). فقد أبرزت تغطية كل من «المنار» و«الجديد» تعاطفاً أكبر تجاه حزب الله، في حين أن جميع المحطات الأخرى، باستثناء «الجزيرة»، لم تقدم إلا نسبة قليلة جدّاً من التقارير المتعاطفة مع حزب الله. ومع أنّ المحطات الأمريكية عرضت نسبة أقل من التقارير المتعاطفة مقارنة بنسبة التقارير التي قدّمتها المحطات العربية، إلا أنّ اتجاهين مثيرين للاهتمام ظهرا: أولاً، تفاوتت تغطية نشرات الأخبار العربية بشكل ملحوظ، إذ قدّمت «العربية» و«المستقبل» و«المؤسّسة اللبنانية للإرسال» نسبة من التقارير المتعاطفة مع حزب الله بصورة أقلّ من تلك التي بثتها «الجزيرة» و«الجديد» و«المنار». ثانياً، عرضت نشرات الأخبار الأمريكية نسبة أقلّ من التقارير المتعاطفة مع حزب الله قياساً بالتي عرضتها «القناة الإسرائيلية الثانية». في المقابل، لم تقدّم «المنار» أيّة تقارير نقديّة لحزب الله، بينما كانت «القناة الإسرائيلية الثانية» الأكثر تقديماً لها. هذا، وقدّمت نشرات الأخبار الأمريكية و«القناة الإسرائيلية الثانية» المستوى ذاته تقريباً من التغطية الصحافية النقديّة. كذلك عرضت نشرات الأخبار العربية تقارير نقديّة أقلّ، على الرغم من أنّ «المؤسّسة اللبنانية للإرسال» و«المستقبل» و«العربية» عرضت تقارير نقديّة أكثر من «الجزيرة» و«الجديد».

الجدول الرقم (3)

اللهجة تجاه حزب الله

متعاطفةلا متعاطفة ولا نقديّة

نقديّة

التقرير

Nالنسبة المئويةNالنسبة المئويةNالنسبة المئوية

المحطات الأمريكية

11318053146

43

القناة الإسرائيلية 2

45364049

55

المنار326418360

0

الجديد

406916282

3

LBC

815356511

20

المستقبل

51329745

13

العربية

3832824

10

الجزيرة

132535674

8

p=0.0

3 ـ مصادر ولهجات المقاطع الصوتية

يتعقّب السؤال البحثي الثالث المصادر الإخبارية الإسرائيلية واللبنانية ومصادر حزب الله في المقاطع الصوتية الثلاثة الأولى من كل تقرير (كريبندورف ألفا = 0.94).

كشفت مقارنة التقارير في الجدول الرقم (4) عن اتجاهات تأطير قوية. أتت الغالبية العظمى من المقاطع الصوتية في «تقارير القناة الإسرائيلية الثانية» من مصادر إسرائيلية. واستخدمت المحطات الأمريكية في تقاريرها مصادر إسرائيلية أكثر من المحطات العربية. في المقابل، اعتمدت المحطات العربية بوجه عام على مصادر لبنانية في تقاريرها أكثر من المحطات الأمريكية، بينما كانت «القناة الإسرائيلية الثانية» الأقلّ اعتماداً للمصادر اللبنانية ومصادر حزب الله. أمّا «المنار» فاستخدمت أكبر نسبة من مصادر حزب الله، بينما انقسمت المحطات العربية من ناحية استخدامها لمصادر حزب الله، إذ استخدمت «الجديد» و«الجزيرة» مصادر حزب الله بنسبة أكبر من «المستقبل» و«العربية» و«المؤسّسة اللبنانية للإرسال»، التي استخدمت هذه المصادر بنسبة مساوية أو حتى أقلّ من المحطات الأمريكية.

الجدول الرقم (4)

مصادر المقاطع الصوتية الثلاثة الأولى

إسرائيللبنان(*)

حزب الله

التقرير

Nالنسبة المئويةNالنسبة المئويةN

النسبة المئوية

المحطات الأمريكية

229501944331

7

القناة الإسرائيلية 2

1848723115

2

المنار

31019667

24

الجديد

62116576

21

LBC

122926624

10

المستقبل

1255952

3

العربية

3927842

6

الجزيرة

113316496

18

p=0.0

(*) باستثناء مصادر حزب الله.

4 ـ إلقاء اللوم بالتسبّب بالحرب

يستقصي السؤال البحثي الرابع عن الجهة التي اتُهمت جلياً وجهراً بالتسبب بالحرب (كريبندورف ألفا = 0.74). وقد أبرز الجدول الرقم (5) النتائج التالية: لم يَظهر في تقارير محطتي «المنار» و«الجديد» أيّ لوم لحزب الله، فيما لامته نسبة قليلة من تقارير «الجزيرة». وقد ألقت تقارير المحطات الأمريكية وبالأغلبية الساحقة اللوم على حزب الله، بل وأكثر مما فعلت «القناة الإسرائيلية الثانية». أما بالنسبة إلى المحطات العربية، فقد تفاوتت التغطية وتحميل المسؤولية، حيث قدّمت ثلاث محطات («المؤسّسة اللبنانية للإرسال»، و«العربية»، و«المستقبل») تقارير تلقي فيها باللوم على حزب الله أكثر مما فعلت المحطات العربية الأخرى. في الجهة المقابلة، اتهمت جميع تقارير «المنار» و«الجديد» ومعظم تقارير «الجزيرة» إسرائيل بالتسبب بالحرب، في حين أن المحطات العربية الثلاث الأخرى اختلفت في الموقف إلى حدّ ما، ولكنها مع ذلك ألقت باللوم على إسرائيل. ما يثير الاهتمام هو عدم توجيه أي تقرير من تقارير المحطات الأمريكية الاتهام إلى إسرائيل وتحميلها مسؤولية الحرب، على الرغم من أن ربع تقارير «القناة الإسرائيلية الثانية» نفسها فعلت ذلك.

الجدول الرقم (5)

الطرف الملام بالتسبب بالحرب

حزب اللهالطرفينإسرائيل

التقرير

Nالنسبة المئويةNالنسبة المئويةN

النسبة المئوية

المحطات الأمريكية

578113190

0

القناة الإسرائيلية 2

2469269

26

المنار

00006

100

الجديد

00008

100

LBC

650185

42

المستقبل

429179

64

العربية

343004

57

الجزيرة

180012

92

p=0.0

5 ـ عن «الغالب والمغلوب»

ينظر السؤال البحثي الخامس في ما إذا صوّرت التقارير الإخبارية إسرائيل أو حزب الله كجهة غالبة أو مغلوبة (كريبندورف ألفا = 0.78). هنا ظهرت بضعة اتجاهات تأطير فقط يبيّنها الجدول الرقم (6). صوّرت كل تقارير «المنار» و«الجديد»، والغالبية العظمى من تقارير «الجزيرة»، حزب الله على أنّه الغالب. كما صوّرت معظم تقارير «المستقبل» و«العربية» و«المؤسّسة اللبنانية للإرسال» حزب الله على أنّه الغالب أيضاً، ولكن بنسب أقل كثيراً من المحطات الثلاث الآنفة الذكر. وعلى الرغم من أنّ نسبة تقارير المحطات الأمريكية التي صورّت حزب الله على أنّه الغالب، كانت أقل من تلك التي عرضتها المحطات العربية، إلا أنّها فاقت نسبة تلك التقارير التي قدّمتها «القناة الإسرائيلية الثانية» التي، كما هو متوقّع، عرضت أقلّ نسبة من تلك التقارير. بالإضافة إلى ذلك، عرضت هذه الأخيرة و«المؤسسة اللبنانية للإرسال» النسبة الأكبر من التقارير التي صوّرت إسرائيل بصورة الغالبة، تليها المحطات الأمريكية. وباستثناء «المؤسّسة اللبنانية للإرسال»، بثت المحطات العربية تقارير قليلة جداً تظهر إسرائيل بمظهر الغالبة، فيما لم تعرض «المنار» ولا «الجديد» أيّاً من ذلك. ما يثير الاهتمام، تصوير ربع التقارير الأمريكية لكلا الجانبين بالغالبين، بينما صوّرت أكثر من ثلث تقارير «القناة الإسرائيلية الثانية» كلا الطرفين بصورة المغلوبين.

الجدول الرقم (6)

الطرف المصوّر على أنّه الغالب/المغلوب

حزب الله غالب

إسرائيل غالبةالطرفان مغلوبان

الطرفان غالبان

التقرير

Nالنسبة المئويةNالنسبة المئويةNالنسبة المئويةN

النسبة المئوية

القنوات الأمريكية

8385243145

24

القناة الإسرائيلية 2

825123811341

3

المنار

3910000000

0

الجديد

3010000000

0

LBC

563338000

0

المستقبل

46711711700

العربية

3501172330

0

الجزيرة

98219190

0

p=0.0

خاتمة

كشف التحليل عن اتّجاهات تأطير إخبارية قوية، إذ جاء تأطير «القناة الإسرائيلية الثانية»، كما هو متوقع، متماهياً بشدّة مع المصالح الإسرائيلية، حيث تركّزت معظم أطرها على إسرائيل، وأظهرت معظم تقاريرها تعاطفاً معها وانتقاداً تجاه حزب الله، كما استقت معظم المقاطع الصوتية لتقاريرها من مصادر إسرائيلية. وقد ألقت باللوم على حزب الله بشكل رئيسي بالتسبب بالحرب، وصوّرت إسرائيل على أنّها الجهة الغالبة. وكما هو متوقع أيضاً، تماهى تأطير محطة «المنار» مع مصالح حزب الله، فتمحورت أطرها بشكل كبير على لبنان، وجاءت معظم تقاريرها متعاطفة مع حزب الله ونقديّة تجاه إسرائيل.

إلى ذلك، تناسق تأطير المحطات الأمريكية بشكل شبه تام مع «القناة الإسرائيلية الثانية»، متخطّياً حتّى في بعض الأحيان الأخيرة التأطير الإيجابي لإسرائيل. وقد كان ذلك واضحاً في توجيه اللوم إلى حزب الله، ففي حين عرضت «القناة الإسرائيلية الثانية» بعض التقارير التي تلقي بالمسؤولية على إسرائيل في الحرب، لم يحمّل أي تقرير من تقارير المحطات الأمريكية إسرائيل المسؤولية. في الواقع، اتجّهت تغطية المحطات الأمريكية إلى إلقاء اللوم على حزب الله بالتسبب بالحرب أكثر مما فعلت القناة الإسرائيلية نفسها. هذا، وعرضت المحطات الأمريكية تقارير متعاطفة مع حزب الله أقلّ من تلك التي عرضتها القناة الإسرائيلية. الناحية الوحيدة التي خالفت فيها الأولى تجاه استخدام أطر مؤاتية لإسرائيل، كان في تصويرها للجهة الغالبة، إذ مالت أكثر من «القناة الإسرائيلية الثانية» إلى استخدام أطر تصور حزب الله على أنّه الغالب.

وقد انقسمت المحطات العربية إلى معسكرين، إذ اتفق تأطير «الجديد» و«الجزيرة» مع تأطير «المنار»، وتفوّقت «الجديد» على «المنار» في بعض الأحيان في تقديم تقارير متعاطفة مع الحزب. يقابل ذلك، بروز تباين في تغطية «العربية» و«المؤسّسة اللبنانية للإرسال» و«المستقبل» عن تغطية المحطات العربية الأخرى. وعلى الرغم من أنّ تغطية المحطات المذكورة اختلفت بوجه عام عن تغطية المحطات الإسرائيلية والأمريكية، وكانت أقرب قليلاً إلى «المنار» و«الجديد» و«الجزيرة»، إلا أنّها كانت أقلّ تأييداً لحزب الله، وأحياناً مؤيدة بشكل طفيف لإسرائيل. فقد قدّمت، على سبيل المثال، نسبة أقل من المقاطع الصوتية الصادرة عن حزب الله وتقارير أكثر تُصوّر إسرائيل على أنّها الغالبة مما عرضت حتى بعض المحطات الأمريكية. وبالمقارنة بأقرانها العرب، بثت هذه المحطات أيضاً نسبة أقلّ من التقارير المتعاطفة مع حزب الله، ونسبة أكبر من التقارير التي تحمّله المسؤولية عن وقوع الحرب، واستخدمت بشكل أقلّ الإطار الذي يصوّره على أنّه الغالب.

بالمحصّلة، تتفق هذه النتائج مع الدراسات التي تناولت وسائل الإعلام الإسرائيلية، والتي وجدت أنّ تغطيتها تدعم بشكل قاطع وكليّ إسرائيل. وتتفق النتائج أيضاً إلى حدٍّ ما مع الدراسات التي تناولت وسائل الإعلام الأمريكية، وخاصة دراسة ماسكاغني التي وجدت أنّ التغطية الأمريكية تعزز دعم السياسة الخارجية للولايات المتحدة تجاه إسرائيل، وتتخذ موقفاً سلبياً جداً من حزب الله، بالمقارنة بنتائج أكثر تواضعاً لدراسة كافاري، وغاباي، وباهادور، التي وجدت أن التغطية متوازنة نسبياً مع انحياز طفيف لمصلحة إسرائيل. غير أنّ هذه الدراسة تتناقض إلى حدّ كبير مع دراسة كالب وسايفتز، التي خلصت إلى أن الـ «CNN» حاولت أن تكون متوازنة، وأنّ الـ «ABC» والـ «CBS» والـ «NBC» كانت «أكثر نقديّة تجاه إسرائيل منها تجاه حزب الله»[44].

إنّ التطابق بين تأطير المحطات الإسرائيلية والأمريكية ليس مستغرباً. فلطالما ربطت الدراسات بين السياسة الخارجية وتأطير الأخبار، ولا سيّما في الولايات المتحدة الأمريكية[45]. ولكن، ما يثير الاهتمام تفوق المحطات الأمريكية في بعض الأحيان على وسائل الإعلام الإسرائيلية في دعمها لإسرائيل، وخاصة في ما يتعلّق بإلقاء اللوم بالتسبب بالحرب، وهو أمر مرتبط بتبرير أفعال إسرائيل، التي لطالما دعمتها السياسة الخارجية الأمريكية والإعلام الأمريكي لعقود.

ما يثير الاهتمام أيضاً هو الانقسام القائم بين المحطات العربية، وهو ما يعكس اصطفافاتها الجيوسياسية واقتصاداتها وانتماءاتها الطائفية. مثلاً، قطر التي تمتلك محطة «الجزيرة» دعمت حزب الله في تلك الحرب، وتبرعت بسخاء في ما بعد لإعادة إعمار لبنان. وكانت المحطة منذ انطلاقها ناقدة للسياسات الإسرائيلية في فلسطين. في المقابل، تمتلك العربية السعودية محطة «العربية»، والمملكة كانت في صراع سياسي مع قطر آنذاك. والأهم من ذلك، دعمت الأولى تحالف «14 آذار» السياسي اللبناني المعارض لحزب الله وتحالف «8 آذار» المدعوم من سورية وإيران والمعارض لنفوذ السعودية والولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة. أما بالنسبة إلى المحطات اللبنانية، فقد عكست تغطيتها تداخل العوامل المحلية (الاصطفافات السياسية والطائفية) بالتحالفات السياسية الإقليمية والدولية. فقد قادت عائلة الحريري المدعومة من السعودية، ومالكة محطة «المستقبل»، أقوى تجمّع سياسي سنّي في لبنان (تيار المستقبل)، وكانت أبرز عضو في تحالف «14 آذار»، ودخلت في تنافس مستمر مع حزب الله الشيعي منذ عام 2005. أما «المؤسّسة اللبنانية للإرسال» فقد كانت تاريخياً خاضعة لسيطرة مجموعة مسيحية يمينية (القوات اللبنانية)، ولكن بعد عام 1992، قطعت العلاقات مع الحزب المحظور آنذاك، وغيّرت تحالفاتها عدة مرات لضمان استمرارها. وقد تمتعت المحطة، التي خضعت منذ ذلك الوقت لقيادة وسيطرة العضو السابق في «القوات اللبنانية» ورجل الأعمال بيار الضاهر، بالحماية المؤقتة من قبل مستثمرين سعوديين، وخاصة الأمير السعودي وقطب الإعلام الوليد بن طلال، وأيّدت منذ عام 2005 تحالف «14 آذار». وأما محطة «الجديد»، التي أنشأها الحزب الشيوعي اللبناني وباعها في وقت لاحق إلى رجل الأعمال اليساري الهوى تحسين الخياط، انتقدت على نحو دائم إسرائيل، ولكنها لم تبتعد أيضاً عن انتقاد حزب الله في بعض الأحيان، وكأنها تحاول بذلك تحقيق التوازن بين اصطفافها الحذر مع تحالف «8 آذار» وعلاقاتها مع قطر، أحد مموّليها الرئيسيين.

التفاعل بين العوامل السياسية والاقتصادية والثقافية وتأطير أخبار هذه المحطات يعيد تأكيد الاختلافات الكبيرة بين وسائل الإعلام العربية. إن تأطير هذه المحطات المتباين، وخاصة في ما يتعلّق بما يسمّى العدو المشترك (إسرائيل)، يدل على «تجليّات وتبعات السلطة» المختلفة، وعلى «شبكة أو شبكات الثقافة» المختلفة[46] التي تتباين من بلد عربي إلى آخر، وحتى داخل بعض البلدان العربية التعددية مثل لبنان. وخلافاً لسياسات الإعلام العربي المتباينة، هيمنت على وسائل الإعلام الأمريكية، إلى حد كبير، هيكليات متقاربة، أو كما يصفها هيرمان وتشومسكي[47]، بنظام بروباغندا يتميّز بمجموعة من عوامل تصفية الأخبار التي تضمن أنّ «المال والسلطة قادران على تصفية الخبر كي يصلح للنشر، وتهميش المعارضة، والسماح للحكومة والمصالح الخاصة المسيطرة بإيصال رسائلهما إلى العامّة»[48]. وهذا ينطبق خاصة عند تأطير أخبار قضايا السياسة الخارجية، التي نادراً ما تواجه أي انقسام أو معارضة في صفوف النخبة السياسية[49]، ولا سيّما قضية دعم إسرائيل. وقد أثبتت الدراسات وجود علاقة قوية بين تأطير الأخبار وتأطير النخبة في شؤون السياسة الخارجية، «وخصوصاً في سياقات تنطوي على رهانات كبيرة من حرب ونزاعات دولية»[50]. ومع ذلك، تستلزم تغطية أخبار الحرب أطراً وزوايا متعددة، مثل تبرير الحرب، وتصوير الذي فاز فيها، وتحديد أولوية المصادر الإخبارية، وما إلى ذلك. وكما بيّنت هذه الدراسة، فإن تأطير اللوم والتبرير، وتحديد الجاني، ينطوي على فرق كبير، ولا سيّما بالنسبة إلى وسائل الإعلام الأمريكية. من ناحية أخرى، اختلف تأطير وسائل الإعلام الأمريكية كثيراً عن تأطير الحكومة في تحديد الجهة المنتصرة في الحرب. فخسارة إسرائيل غير المتوقعة أربك أرباب السياسة الأمريكية، وأضعف قوتهم على فرض تأطير يلازم مسار السياسة الخارجية الأمريكية، وفتح الباب على مصراعيه لفترة وجيزة أمام الإعلاميين لتأطير الأخبار بشكل مستقلّ إلى حدّ ما.

أخيراً، إذا اندلعت الحرب اليوم بين الطرفين، فإنّهما سيواجهان مناخاً إعلامياً مختلفاً. سيحصل حزب الله على الأرجح على تغطية أكثر نقديّة من قبل وسائل الإعلام العربية المهيمنة كـ «العربية» و«الجزيرة»، بسبب تغطية هذه الأخيرة النقدية كثيراً تجاه حزب الله وسورية وإيران منذ بدء الثورات في الوطن العربي، وتغيّر السياسة الخارجية لدولة قطر. وسيكون مثيراً للاهتمام متابعة ما إذا كانت وسائل إعلام عربية أخرى ستحتلّ الواجهة، كما هو الحال في معظم الحروب الأخيرة. وقد يرغب المراقبون في معاينة تلفزيون «الميادين»، وهو محطة عربية جديدة أنشأها مراسل سابق لـ «الجزيرة» كرد فعل على تغيير قناة «الجزيرة» لهجتها تجاه حزب الله وسورية. على الجبهة اللبنانية، قد يواجه حزب الله تأطيراً أكثر نقديّة من قبل مناوئيه، تلفزيون «المستقبل»، و«المؤسّسة اللبنانية للإرسال» LBC)) على وجه الخصوص، نظراً إلى حالة الفوضى في لبنان، وضعف الحكومة المركزية في سورية، وأجواء إعلامية سادت في الآونة الأخيرة أكثر قبولاً للتعرّض لأمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله. إضافة إلى ذلك، قد يتلقّى حزب الله تغطية أقل تعاطفاً من قبل قناة «الجديد»، إلا إذا حيّدت هذه الأخيرة نفسها عن دولة قطر، التي تقدم لها الدعم الماليّ. وتقدّم قناة «الجديد» فرصةً لإجراء دراسة حالة ممتازة نظراً إلى استقلالها النسبي عن القوى السياسية والطائفية المهيمنة، بالمقارنة بوسائل الإعلام اللبنانية الأخرى. من ناحية أخرى، فمن المرجّح أن تستمر إسرائيل بالحصول على تغطية داعمة بقوة من قبل وسائل الإعلام الأمريكية.

علاوة على ذلك، وبالنظر إلى الدراسات الكثيرة التي قام بها باحثون إسرائيليون عن وسائل الإعلام الإسرائيلية خلال حرب عام 2006، ربما استخلصت القيادة الإسرائيلية بعض الدروس لتجنّب تكرار أخطاء عام 2006، بما في ذلك الدعاية واستراتيجية الحرب النفسية التي طبّقتها. إضافة إلى ذلك، فقد تتمكّن وسائل الإعلام الإسرائيلية من استخدام أصوات عربية أكثر لمصلحة إسرائيل، وهو اتّجاه أخير بدأ مع ظهور ثوّار سوريين على وسائل الإعلام الإسرائيلية ومهاجمتهم حزب الله (مع تعريفه بالجماعة الإرهابية) والحكومة السورية. ومع ذلك، فإن إسرائيل وحزب الله سيواجهان مجال إعلام إلكتروني وتدويني وصحافة المواطن (Citizen Journalism) مختلف وأكثر حيوية وتنوّعاً. وهذا يعني أنّ أيّة أكاذيب أو مبالغات، أو حتى أسرار، سوف يتمّ كشفها على الفور ومراقبتها عن كثب. وإذا كانت تغطية تفجيرات بوسطن الأخيرة من قبل المدوّنين ومستخدمي «تويتر» و«صحافة المواطن» قد دلّت على شيء، فهي تدلّ على أن الشائعات ستنتشر أكثر من أي وقت مضى وبسرعة وشراسة، وأن المزيد من المشاهدين سيتابعونها ويصدّقونها، وستؤثّر في عدد أكبر من الناس. قد يتسبب هذا بكارثة في مناخ حرب خطير، ولكنّه أيضاً قد ينقذ أرواحاً إذا كان المواطنون الصحفيون مسؤولين. بغضّ النظر عن ذلك كلّه، يبقى مؤكّداً أنّ كلاًّ من حزب الله وإسرائيل سيضطران إلى استخدام موارد كبيرة، وبذل جهود حثيثة، في محاولة لكسب رضا فضاء وسائل الإعلام الإلكتروني الفوضوي.

 

قد يهمكم أيضاً  مأزق “الدولة اليهودية” والصراع العربي ـ الإسرائيلي