منذ اندلاع انتفاضة الأقصى في العام 2000 بدأت ظاهرة الهجرة من المجتمع الفلسطيني إلى الخارج بالتفاقم، شاملة شرائح مختلفة من المواطنين؛ بعضهم للبحث عن عمل، وبعضهم للهروب من الواقع المأساوي الذي سببه الاحتلال الإسرائيلي.

وقد ظهرت هذه الحالة جلية عام 2006 حيث باتت الهجرة إلى الخارج حلم كثير من الشباب الذين يحملون الشهادات العليا والأكاديميين، بسبب الوضع الاقتصادي والحصار المشدد على الأراضي الفلسطينية، الذي أدى إلى إغلاق الكثير من المصانع والشركات وإلى هجرة أصحاب رؤوس الأموال والمستثمرين، وإلى تشوش الصورة وبالتالي إلى تصاعد الوضع المأساوي الصعب الذي يعيشه الفلسطيني..

وهنا تقع على عاتق السلطة الوطنية الفلسطينية والمؤسسات والجمعيات الخيرية الفلسطينية مسؤولية العمل على مواجهة ظاهرة الهجرة إلى الخارج، بالوسائل الممكنة كافة، لتثبيت الوجود الفلسطيني على أرضه. فـ”الأوضاع الاقتصادية والأمنية المتفاقمة تدفع الفلسطينيين إلى الهجرة بوصفها نجاة وخلاصاً. كما أن البطالة وعدم توفير فرص عمل تدفع الفلسطينيين على ترك وطنهم وأرضهم بحثاً عن الاستقرار والأمان الاقتصادي والسياسي في بلد آخر، إذ بلغ معدل البطالة خلال الربع الأخير لعام 2014 نحو 26.5 بالمئة[1]. ورغم المخاطر الجسام التي تنطوي على الهجرة إلى الخارج، فإن الفكرة لا تزال تسيطر على أغلبية الشباب الفلسطينيين الذين قاموا باللجوء إلى الدول الأوروبية للحصول على تأشيرات للهجرة إلى أمريكا وكندا والنرويج أملاً في إيجاد ملاذ آمن يضمن لهم حياة هادئة ومستقرة بعيداً من الحصار والإغلاق والدمار والخراب الذي يطاردهم باستمرار حتى في أحلامهم.[2]

بدأت الهجرة القسرية لأبناء الشعب الفلسطيني إلى الخارج كحركة محدودة مع الانتداب، ثم اتخذت أبعاداً واسعة وتواصلت مع الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية بما فيها القدس وقطاع غزة عام 1967، وارتفعت معدلاتها عاماً بعد عام في ظل هذا الاحتلال، ثم اتخذت منحىً خطيراً في السنوات العشر الماضية للأسباب التالية:

أولاً: سياسة الاحتلال قامت في الجوهر على إضعاف تطور القطاعات الاقتصادية الإنتاجية في الصناعة والزراعة وفي قطاع الخدمات الأخرى؛ فقطاع الصناعة مثلاً لم يتطور، إذ بقي صناعة بسيطة وصناعات حرفية يتركز عملها في إطار العمل من الباطن لمصلحة المشاريع الإسرائيلية، وقطاع الزراعة جرى توجيه ضربات قاسية له من خلال مصادرة الأراضي وتجريفها، إضافة إلى الأنشطة الاستيطانية، ومؤخراً أعمال بناء جدار الفصل العنصري، من خلال السيطرة الواسعة على مصادر المياه السطحية والجوفية الفلسطينية.

ثانياً: فتحت سلطة الاحتلال أبواب العمل في المشاريع الإسرائيلية، فترتب على ذلك تغير جوهري ليس في هيكل الإنتاج وهيكل العمالة فقط، بل أصبح يعتمد مع مطلع تسعينيات القرن الماضي على عوائد الدخل من الخارج.

ثالثاً: ترتب على هذا كله فجوة اقتصادية واسعة بين الإنتاج الوطني والاستهلاك المحلي، وجاء اتفاق باريس الاقتصادي عام 1994 ليكرس تبعية الاقتصاد الوطني الفلسطيني للاقتصاد الإسرائيلي والأسواق الإسرائيلية[3].

أولاً: تزايد نسبة هجرة الشباب إلى الخارج

أخذت الهجرة الفلسطينية تتفاقم في السنوات الأخيرة، سواء من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 أو من مخيمات اللجوء، وبخاصة في لبنان.. فحرمان اللاجئين الفلسطينيين في لبنان الكثير من الحقوق المدنية، بما فيها الحق في مزاولة العمل، يزيد معاناتهم ويدفعهم إلى الهجرة، التي تشكل النسبة العظمى بين سكان المخيمات في بلدان الجوار العربي.

في الأعوام 2000-2003 كانت معدلات الهجرة في أراضي الـ 67 عادية، ولكنها أخذت تتصاعد مع شدة الإجراءات والعقوبات الجماعية التي تفرضها إسرائيل على الضفة والقطاع، حتى بلغ عدد المتقدمين بطلبات للهجرة أمام القنصليات والممثليات الأجنبية، وبخاصة للولايات المتحدة وكندا وأستراليا والبلدان الاسكندينافية عام 2006 نحو 50 ألف طلب هجرة، قُبل منها 10 آلاف طلب[4].  والملاحظ هنا أن هذه القنصليات والممثليات تعطي الأولوية في قبول طلبات الهجرة لحملة الشهادات الجامعية، الأمر الذي يؤشر إلى استنزاف واضح للكفاءات، ويؤثر في دور هذه الكفاءات في النهوض بأوضاع المجتمع الفلسطيني تحت الاحتلال.

ثانياً: أسباب هجرة الشباب من أصحاب الأدمغة والعقول إلى الخارج

أسباب هذه الهجرة واسعة وخطيرة، وهي لا تقتصر على الأسباب السياسية والاجتماعية، بل تشمل مختلف جوانب الحياة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وبخاصة أنها تشمل هجرة الكفاءات من حملة الشهادات الجامعية العملية واليد العاملة، بمن فيها الفنية والماهرة.

تشجع إسرائيل هذه الهجرة بالطبع، فهي أحد مفاعيل سياسة الحصار والإغلاق والخنق الاقتصادي وسياسة مصادرة الأراضي والأنشطة الاستيطانية وتدمير البنى التحتية في القطاعين العام والخاص وسياسة بناء جدار الفصل العنصري ومحاصرة الفلسطينيين ودفعهم نحو هجرة تبدو في ظاهرها طوعية، ولكنها في حقيقتها وجوهرها هجرة قسرية[5].

تطرقت بيانات مسح الهجرة الأول لجهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية عام 2010 إلى توضيح الأسباب التي دفعت الفلسطينيين إلى الهجرة للإقامة خارج الأراضي الفلسطينية بالنسب والأرقام وبشيء من التفصيل، فأشارت إلى أن 39 بالمئة من المهاجرين كان دافعهم الأساسي، للهجرة والإقامة خارج الأراضي الفلسطينية، هو تحسين ظروف عيشهم، وبخاصة في السنوات الأخيرة التي عمّ فيها الفقر والبطالة بسبب الحصار.

في حين أوضح 15 بالمئة آخرون، أنهم عمدوا إلى الهجرة لعدم توافر فرص العمل، و19 بالمئة فقط من المهاجرين، كانت أسباب هجرتهم الدراسة وتلقي العلم. كما بيّنت نتائج المسح أن رغبة الفلسطينيين في الهجرة منخفضة، وأن الظروف التي يواجهونها هي التي تدفعهم إلى التفكير بها، وسلوك سبيلها، حيث أشار 13 بالمئة فقط من إجمالي الأفراد الذين تبلغ أعمارهم بين 15و59 عاماً إلى أنهم يرغبون في الهجرة، بواقع 14 بالمئة في الضفة الغربية، و12 بالمئة في قطاع غزة، وهو ما يشير إلى تقارب النسب على الرغم من اختلاف الظروف المعيشية والسياسية بين القطاع والضفة، ويعود انخفاض مستوى الرغبة في الهجرة لدى الفلسطينيين، وفقاً لبيانات المسح، إلى الشعور بالراحة كون الأراضي الفلسطينية أرضاً مباركة، حيث بينت النتائج أن أكثر من ثلاثة أرباع الأفراد (15-59 سنة) يشعرون بالراحة كون الأراضي الفلسطينية أرضاً مباركة، وهذا من أسباب عدم رغبتهم في الهجرة[6].

لا نخفي هنا بالطبع هجرة قطاعات واسعة من جيل الشباب لعوامل داخلية تتصل بالفقر، أي الفقر في عرض فرص العمل وفي توفير الخدمات الأساسية وفي حجز فرص الحراك الاجتماعي والتهميش الاجتماعي وغياب الأمن وعدم الاستقرار وارتفاع معدلات البطالة، ولكنها عوامل يصعب عزلها أو البحث عن معالجات فعلية لأسبابها بمعزل عن دور الاحتلال وممارساته الإرهابية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وبمعزل عن الأوضاع التي يعيشها اللاجئون في بعض البلدان العربية.

 

ثالثاً: الدور الإسرائيلي في هجرة الشباب الفلسطيني

أكدت مصادر إسرائيلية في تشرين الثاني/نوفمبر عام 2013، أن حكومة الاحتلال خصصت نحو مليار دولار لاستخدامها في تشجيع الفلسطينيين على الهجرة من الضفة الغربية المحتلة، استغلالاً لأوضاع الفلسطينيين الاقتصادية الصعبة ورغبة بعضهم في الهرب من الإذلال والقهر الذي يعيشونه يومياً جراء ممارسات الاحتلال والتنكيل بهم على الحواجز العسكرية وتقييد حركتهم.

كما أن هناك تقريراً نشرته صحيفة القدس العربي، عام 2013، يتحدث عن 2 مليون و800 ألف فلسطيني يعيشون في الضفة المحتلة، ضمن أسر تتكون من 6 أفراد بالمعدل العام، مقترحاً البدء بتجربة التهجير بالإغراء المالي لـ30 ألف أسرة كل سنة، من خلال منح كل أسرة تهاجر نحو 27 ألف دولار، الأمر الذي يتطلب من “إسرائيل” أن توفر نحو مليار دولار لتهجير أهالي الضفة المحتلة، وذلك إلى جانب تشجيع الاحتلال لدول المهجر أن توافق على استقبال وتجنيس المهاجرين العرب من فلسطين.

ووفقاً للصحيفة، لا تدعو الخطة إلى تهجير جميع الفلسطينيين من الضفة المحتلة، وإنما فقط تهجير جزء منهم ليتحول من تبقى منهم إلى مجرد أقلية ديمغرافية يمكن “إسرائيل” لاحقاً أن تمنحهم الجنسية الإسرائيلية، من دون أي خوف على معدل تمثيلهم في الكنيست الإسرائيلي. ويتساءل التقرير: “لماذا لا تتبنى حكومات إسرائيل خطة تهجير علنية للسكان الفلسطينيين؟ ولماذا لا تدعو إليها؟ ولماذا لا يدعو أي حزب صهيوني إلى ذلك؟”

وهناك إحصائيات إعلامية عربية وفلسطينية وفق صحيفة القدس العربي تشير إلى أن 30- 40 بالمئة من سكان الضفة يفكرون في الهجرة بسبب عدم قدرتهم على العمل والعيش الكريم.

وهنا يذكر حنا عيسى رئيس الجمعية الإسلامية- المسيحية، وبحسب معطيات مركز الإحصاء في بيان وزع في (شهر شباط/ فبراير 2015)، أن مسح القوى العاملة أظهر أن عدد العاطلين من العمل، بحسب تعريف منظمة العمل الدولية في فلسطين، بلغ 336,900 شخص في الربع الرابع 2014 مقابل 359,400 شخص في الربع الثالث 2014، بواقع 194,700 شخص في قطاع غزة، و142,200 شخص في الضفة الغربية، وهو الأمر الذي يدفع الشباب الفلسطيني إلى الهجرة للعمل في دول أخرى بحثاً عن وضع اقتصادي أفضل وحياة أفضل[7].

ورغم أهمية العامل الاقتصادي، فإن الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية، يعدّ من أهم العوامل المؤثرة والدافعة إلى الهجرة، وتعتبر هجرة الفلسطينيين إلى خارج ديارهم وممتلكاتهم وأراضيهم، حلماً إسرائيلياً كبيراً جداً، تسعى إسرائيل بشتى الوسائل، إلى إنجاحه وتفعيله بكل السبل التي أمامها، كي تخفض عدد الفلسطينيين[8].

في المقابل، تعمل إسرائيل على تهجير اليهود الصهاينة، من كل بلدان العالم، والدفع بهم إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، رغم أوضاعهم المعيشية المريحة جداً في أماكن وجودهم، وتعبئتهم فكرياً ودينياً، بأفكار ومعتقدات كهنوتية ودينية خاطئة، كما تهيئ لهم ظروف سكن وعمل مناسبة ومريحة ومشجعة جداً، داخل الأراضي الفلسطينية، وتقدم إليهم المغريات الاقتصادية والاجتماعية، على نحوٍ مثير كي يستوطنوا أراضي الفلسطينيين، ويستولوا على ممتلكاتهم وثرواتهم الطبيعية، من مياه وثروات معدنية أخرى. ومن الإغراءات التي قدمتها إليهم:

– منحُ المهاجرِ قرضاً بحدود 37 ألف إلى 40 ألف دولار، لشراء شقة له، يسدده خلال مدة 30 سنة.

– الحكومة الإسرائيلية ملزمة بإيجاد عمل لهؤلاء المهجرين.

– يُمنح المهاجر جواز سفر بعد مضي سنة على قدومه.

– يتمتع المهاجر بكل الحقوق والواجبات التي يتمتع بها المواطن الإسرائيلي فور وصوله إليها.

– يُعفى المهاجر من كل الرسوم الضريبية والجمارك على كل ما يحضره معه من أجهزة كهربائية، كما يحق له شراء سيارة معفاة من الرسوم الجمركية، ويمنح مبلغ 6 آلاف شيقل بدل الإعفاءات الجمركية.

– يُمنح المهاجر مبلغ 500 شيقل زيادة على أجرته، إذا عمل في أحد القطاعات الزراعية أو قطاع البناء أو في قطاع الصناعة.

– كل مهاجر يسكن بالإيجار، يدفع له مبلغ 730 شيقل بدل سكن.

وهناك امتيازات أخرى يتمتع بها المهاجر إذا ما رغب في السكن في المستوطنات المقامة على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، منها:

أ – يمنح من يسكن في الأراضي الفلسطينية المحتلة مبلغ يراوح من 10 آلاف إلى 21 ألف دولار، بحسب عدد أفراد الأسرة.

ب- من يرغب منهم في بناء سكن، يمنح قطعة أرض يدفع 5 بالمئة من قيمتها فقط، أما في المدن، فيمنح الأرض ويدفع ما قيمة 16-50 بالمئة من قيمتها.

ج- تقدم الرهونات من دون فوائد، بما يعادل 65 بالمئة من قيمة الأرض.

د- تدفع الحكومة الإسرائيلية قيمة ربط الكهرباء والماء والمجاري والخدمات الأخرى للمهاجر الذي يسكن المستوطنات المقامة على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة.

هـ- تقدم المعونات لكل طالب في مدارس المستوطنات، كما تقدم لهم مصاريف النقل إذا كانوا يدرسون داخل إسرائيل.

لكن، في المقابل، ماذا يقدم إلى أبنائنا من الجمعيات الفلسطينية حتى نخلق هجرة معاكسة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة من أبناء وكوادر شعبنا العظيم؟

إن مؤسساتنا وجمعياتنا وأحزابنا لا تعطي موضوع الهجرة الفلسطينية أهمية خاصة في برامجهم وآليات عملهم. كما لا يُطرح هذا الموضوع على جدول أعمالهم، وهو لا يحوز على اهتماماتهم بصورة كبيرة وواضحة، مع أن السياسة الإسرائيلية تعطي موضوع هجرة اليهود الصهاينة كل جهودها واهتماماتها، وترصد له ميزانيات خاصة وكبيرة. كما تعمل كل الحكومات الإسرائيلية على تفريغ الأراضي الفلسطينية من السكان، وعلى تضييق الخناق عليهم كي يهاجروا، حتى تقول إن أرض فلسطين، أرض بلا شعب، وحتى تضعف العامل الديمغرافي الفلسطيني، الذي يقلقها كثيراً ويؤثر سلباً في كيانها الصهيوني[9].

لذا، تأتي هجرة الفلسطينيين إلى خارج الأراضي الفلسطينية؛ سواء لطلب العلم أو للعمل وخلافه، ليصب في خدمة ومصلحة الاحتلال الصهيوني، وتفريغ الأراضي الفلسطينية من السكان والكفاءات، وبالتالي ليضعف الوضع الفلسطيني الداخلي اقتصادياً وسياسياً أيضاً.

من المفترض أن تعمل السلطة الفلسطينية، وكل المؤسسات الفلسطينية الأخرى والجمعيات الخيرية، على عدم تشجيع هجرة أي فلسطيني إلى خارج أراضي السلطة الفلسطينية، مهما كان مستواه العلمي، بكل الوسائل الممكنة، وتعمل على تثبيت وجوده في منزله وقريته ومدينته، وتساعده على توفير فرصة عمل مناسبة له، يعتاش من خلالها على نحو مناسب. كما عليها من جانب آخر أيضاً، حث الإخوة الفلسطينيين المقيمين في الدول المجاورة، ومن يملكون الهويات المدنية خاصة، على العودة إلى قراهم ومدنهم، كي يعيشوا بين أهلهم وأسرهم وأراضيهم وممتلكاتهم، ومساعدتهم على توفير لقمة العيش الشريفة لهم، من خلال بناء مشاريع استثمارية كبيرة في كل المجالات الصناعية والزراعية والصحية والإسكانية والتعليمية وخلافه. وبذلك يحافظون على أراضيهم وممتلكاتهم من الضياع والإهمال، ويساهمون في خدمة شعبهم وأهلهم، ويعملون على تنمية وتكبير حجم القنبلة الديمغرافية السكانية الفلسطينية على المدى القصير والمتوسط والبعيد أيضاً[10]. إن هجرة الأدمغة الفلسطينية مؤشر منبه لهجرة الأدمغة العربية أيضاً إلى دول أخرى.

بوجه عام يكون نتيجة الحث على هجرة الأدمغة من قبل الفلسطينيين، الآتي:

أولاً: الاحتلال الاسرائيلي وممارساته المؤثرة في الشباب، الذي يعمل على طمس هوية الفلسطينيين وإجبارهم على الهجرة حيث يعاني الشباب الفلسطيني مع شعبه الآلام والهموم بصفة يومية، إذ رأى الصهاينة أنه لا بد من تحقيق التفريغ للأراضي المحتلة من سكانها، وذلك من خلال عدة إجراءات منها:

1- رفض الاعتراف بوجود الشعب الفلسطيني كشعب له خصائصه الاجتماعية والاقتصادية وإمكان تمتعه بالحقوق السياسية، وعلى رأسها حق تقرير المصير، وأن الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني يعني القضاء على إسرائيل.

2- التشجيع على نزوح السكان بكل الوسائل، وقد حققت إسرائيل ذلك من طريق زرع الخوف في نفوس السكان وقتلهم والاعتداء عليهم للسكان وتهديم قراهم ومنازلهم.

3- التهجير المباشر وإبعاد السكان العرب خارج ديارهم، فقد لجأت السلطات الإسرائيلية فور الاحتلال الإسرائيلي عام 1967 إلى عدة وسائل لحمل السكان على الهجرة، منها التهديد وفرض الضرائب والغلاء.

4- تفريغ الضفة من الكفاءات الفنية والنخبة السياسية.

5- قمع سكان المناطق المحتلة وممارسة التمييز العنصري ضدهم وتعذيبهم واغتيالهم.

6- أخذ الطبقة العاملة في المشاريع الإسرائيلية ودفع البقية إلى الهجرة والعمل بالبلدان العربية.

7- تشتيت التجمعات السكانية الفلسطينية في المناطق المحتلة والعمل على عزل بعضها عن بعض من خلال عزل القدس عن الضفة.

8- طمس الهوية الوطنية لسكان المناطق المحتلة، بخاصة في القدس[11].

 

ثانياً: الأسباب الأكاديمية: إن الحديث عن هجرة أصحاب العقول، أو عن رحيل أصحاب الكفاءات العالية من أوطانهم، وعن أسباب تلك الهجرة، لا بد من أن يتضمن الإشارة إلى الأسباب العلمية أو الأكاديمية التي تجعلهم يقررون الهجرة، فإن لم يكن هناك ظروف علمية وأكاديمية تتيح للعلماء أن يبحثوا وينتجوا ويعملوا… فهذا يجعلهم يفكرون في الهجرة إلى الخارج. ومن أهم الأسباب الأكاديمية:

– نظام التعليم: فالنظام التعليمي القائم في بلدان العالم الثالث؛ سواء داخل هذه البلدان أو خارجها، يعمل كأداة فاعلة لإدماج الأجيال الناشئة في السوق الدولية للكفاءات، ويغرس فيهم الانتماء ثقافياً إلى مراكز النظام الرأسمالي العالمي. ويتعين ملاحظة أن هذا الانتماء يتعاظم مع زيادة كفاءة الاتصال على صعيد العالم.

– التعمق الزائد في بعض التخصصات الطموحة لنقل النمط الحضاري السائد في تلك البلاد المتقدمة إلى بلادهم، وهم بذلك يتناسون الإطار العام لتقدم المجتمع، ولدرجة التي يمكن أن يتقبل بها التغير، ولكنهم يتفاجأون عندما تنتهي بعثات أبنائهم، بأنهم لا يعودون أصلاً من بعثاتهم ويفضلون البقاء بالخارج، أو بعض من يعودون لا يجدون أعمالاً في أوطانهم تتمشى مع التخصصات الدقيقة التي دربوا عليها، وتكون النتيجة هروبهم إلى الخارج مرة أخرى .

– العمل في الخارج بقصد اكتساب الخبرة: إن الكثير من الطلبة الفلسطينيين يبقون في الخارج بعد انتهائهم من الحصول على درجاتهم العلمية للعمل فترات محددة بقصد اكتساب الخبرة العلمية في مجالات تخصصهم، ولكن بمرور الوقت واندماجهم في العمل، يبتعدون بالتدريج من التفكير في العودة إلى أوطانهم الأصلية.

ثالثاً: غياب الاستقرار السياسي منذ اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000، وهو ما فاقم من ظاهرة الهجرة إلى الخارج، من جانب الشرائح المختلفة من المواطنين، بعضهم بحثاً عن عمل، وبعضهم هروباً من الوضع المأساوي الذي سببه الاحتلال الإسرائيلي، إذ إن المعاناة التي يكابدها المواطنون باتت لا تحتمل، وقد ظهر جلياً عام 2006 أن الهجرة إلى الخارج، باتت تتخذ منحىً خطيراً، حيث إن الشريحة أو الفئة التي بدأت تتجه إلى الهجرة إلى خارج البلاد هي شريحة الأكاديميين وذوي الشهادات العليا، وذلك من جراء الوضع الاقتصادي الخانق والوضع السياسي المتأزم في البلاد نتيجة الحصار الدولي والإسرائيلي المفروض على الشعب الفلسطيني والذي يحرم الفلسطينيين من أدنى حقوق العيش الكريم ، وصاحب هجرة العقول الفلسطينية هجرة أصحاب رؤوس المال والمستثمرين، حيث إن الاحتلال الإسرائيلي يمنع دخول حملة الجوازات الأجنبية من الفلسطينيين، وكبد هذا الإجراء الكثيرين خسائر فادحة مما جعلهم يتجهون إلى تصفية أعمالهم ومشاريعهم داخل فلسطين والعودة إلى البلاد التي أقاموا فيها سابقاً، وتصب كل هذه الإجراءات التعسفية التي يقوم بها الاحتلال في خانة التضييق على الشعب الفلسطيني لفرض الأجندات السياسية التي تناسب إسرائيل ومصالحها من دون النظر بجدية إلى اتفاقيات سلام يتم الحديث عنها من قبل الحكومة الإسرائيلية عبر وسائل الإعلام العالمية والتي تضلل الرأي العام العالمي.

رابعاً: ظاهرة التمييز المنتشرة جداً، في مجتمعاتنا العربية وبخاصة الفلسطينية، مما يجعل العالِم الشاب الموهوب الذي يعتمد على مواهبه فقط، يهرب إلى العالم الواسع، حيث التعامل هو مع الكفاءات بدون اعتبار للانتماءات القومية والدينية.

خامساً: طول مدة الدراسة في الخارج تزيد من احتمالية عدم عودة الدارس إلى وطنه الأصلي[12].

ولعلاج هذه الظاهرة يتوجب عمل الآتي:

– احترام الحريات الأكاديمية والعلمية، وإعطاء أعضاء الهيئات العلمية والأكاديمية حرية التعبير وتوفير الإمكانيات اللازمة للوصول إلى مختلف علوم المعرفة والعلوم.

– فصل التعليم عن السياسة واحترام حقوق الإنسان وخضوع الدولة والأفراد للقانون.

– رفع القيود والحواجز عن الدراسات والأفكار والبحوث والنتائج وتأليف المحاضرات واستعمال مختلف وسائل التطور الحديثة.

– منح أصحاب الكفاءات أجورا وحوافز مالية تليق بمقامهم وعقولهم.

– تشجيع وتسهيل المساعدات التي تضمن توفير السكن المناسب وتقديم الخدمات اللازمة لقيامهم بأعمالهم بصورة منظمة وفاعلة.

– تعاون المنظمات الدولية والإقليمية مثل منظمة اليونسكو لإقامة مشروعات ومراكز أكاديمية وعلمية لجذب المعنيين للأشراف على مثل هذه المراكز والإسهام في أعمال وأنشطة هذه المراكز.

– دعم البحث العلمي بما يتناسب مع النهوض به وبالمهتمين في هذا المجال، وتوضيح رأي الدين بالهجرة من الوطن إلى الخارج[13].

ونتيجة عدم الاستقرار السياسي وانعدام فرص العمل وتدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية وغياب أجواء الأمن والأمان المستقبلي، وبخاصة بعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والذي ألقى بظلاله على المواطنين وأوضاعهم المعيشية، إضافة إلى حالة التشرذم والانقسام الداخلي والتي أثرت سلباً على الكل الفلسطيني أصبحت المناخات مهيأة للشباب الفلسطيني للهجرة في ظل توافر أسباب وعوامل مقنعة ومشجعة على الهجرة ولا تقتصر الهجرة على الكوادر البشرية المعدة والمدربة بل تتعداها إلى الإبداعات الشابة التي لا تجد فرص عمل في فلسطين. إن ما يقارب 30 بالمئة من أبرز المبدعين الذين تقوم المؤسسة برعايتهم، يهاجرون للخارج بعد أن تقدم لهم عروضاً مغرية من شركات عالمية. ومن هنا يتبين لنا أن العقول المبدعة الشابة تجد نفسها أمام خيارين أحلاهما مر:

الأول، هو المكوث في الوطن عاطلين من العمل بسبب عدم تبني المؤسسات المحلية هذه الكفاءات.

والثاني، وهو القبول بعروض مغرية من الخارج. ويؤكد الحسيني أن الطاقات المبدعة غالباً ما تفضل الخيار الثاني، لأنها تجد فيه مصلحتها ومستقبلها، على الرغم من أن ذلك يعتبر خسارة كبيرة للوطن[14].

هجرة أم تهجير

على الرغم من المخاطر الجسام التي تنطوي على الهجرة إلى الخارج، فإن الفكرة لا تزال تسيطر على أغلبية الشباب الذين لجأوا إلى الدول الأوروبية للحصول على تأشيرات للهجرة إلى أمريكا وكندا والنرويج أملاً في إيجاد ملاذ آمن، يضمن لهم حياة هادئةً ومستقرةً بعيداً من الحصار والإغلاق والدمار والخراب الذي يطاردهم باستمرار حتى في أحلامهم.

فالمشكلة الرئيسية والكبرى تكمن في سياسة الاحتلال وما يساهم به في خلق نزعة لدى الشباب الفلسطيني بالهجرة وحالة الانقسام والفرقة الداخلية، وهي بالتأكيد العنصر الأساس في تفكير الشباب بالهجرة والهروب من الواقع الذي يعيشونه.

إنها بكل أسف ليست هجرة أجساد كما يظن بعضهم؛ إنها هجرة العقول الفلسطينية ممن يحملون المؤهلات الأكاديمية العليا إلى البلدان الاسكندينافية، مثل السويد والنرويج، ونجدها في مثل الهجرة إلى كندا وأستراليا[15].

لقد تفاقمت مشكلة هجرة العقول بعد انقطاع رواتب الموظفين الحكوميين بسبب الحصار المالي الذي فرض على الشعب الفلسطيني بعد فوز حماس بأغلبية المجلس التشريعي في شهر آذار/ مارس 2006. وقد أدى هذا الحصار وإضراب موظفي القطاع العام بسبب عدم تقاضيهم رواتبهم، إلى تراجع في الناتج القومي الفلسطيني بنسبة كبيرة.

إن ما أريد أن أقوله هو أن نتوقف قليلاً لنسأل أنفسنا عن الدوافع الحقيقة لا “الدعائية” التي دفعت كثيرين من الأكاديميين في الشرق الأوسط، ولا سيّما الفلسطينيين منهم، إلى الهجرة بكفاءاتهم إلى القارة الأمريكية، وحرمان وطنهم كفاءاتهم وخبرتهم التي يحتاج إليها مجتمعهم والوطن العربي بخاصة.

إن المهتم بتقصي الأسباب الحقيقة وراء هجرة الكثيرين، سيظهر له أن العامل الحاسم هو العامل النفسي الذي يتجسد في الإحباط المتواصل الذي يشعر به الأكاديمي الجيد أو الباحث الجيد في المؤسسات والمعاهد العلمية في الشرق الأوسط بعامة. طبعاً لا نريد أن نقلل من أهمية الواقع السياسي والاقتصادي[16].

إن ما تقوم به سلطات الاحتلال الإسرائيلي من اجتياح وتدمير واستيطان واحتلال أراض وتهجير وبناء الجدار العنصري ووجود الحواجز بين المدن، إضافة إلى عمليات القتل والاغتيالات والاعتقالات ضد الشعب الفلسطيني، ساهمت بصورة مباشرة في تقليص فرص العمل والانجاز والتطوير على أرض فلسطين، وهو ما أوجد عنصراً طارداً والبحث عن طرائق أخرى تؤمن لهم الحياة الكريمة وبخاصة أننا نعيش في أزمة داخلية فلسطينية (حالة الانفلات الأمني وانعدام سلطة القضاء والقانون واحترام الحقوق المدنية للإنسان الفلسطيني)[17].

 

رابعاً: النتائج المترتبة عن هجرة الشباب والأدمغة الفلسطينية

كثيرة هي الدراسات التي أجريت للكشف عن أبعاد مشكلة الهجرة على الوطن الفلسطيني؛ وقد أجرى صلاح عبد العاطي، مؤخراً، مدير مركز الحرية للتدريب والاستشارات القانونية، دراسة ميدانية عن هجرة الشباب الفلسطيني إلى الخارج. وعنها يحدثنا قائلاً، إن مسألة الهجرة من أهم القضايا التي يجب أن يهتم بها المسؤولون الفلسطينيون؛ ذلك بأنها تخدم الطموح الصهيوني في الاستيلاء على أرض بلا شعب تقيم على أنقاضه وطنها المزعوم، مؤكداً أن ما تنتهجه السلطات الصهيونية من سياسات إغلاق وحصار للأراضي الفلسطينية هو ضمن مخطط إجبار الشباب الفلسطيني على الهجرة ليرى مستقبلاً آمناً غير الذي يحياه في الأراضي الفلسطينية التي تنزف دماءً ودماراً وخراباً…

وأفاد عبد العاطي أن قوات الاحتلال نجحت إلى حد كبير في تهجير عدد كبير من الشباب الفلسطيني من خلال سياستها في قمع التنمية والتطوير داخل الأراضي الفلسطينية إضافة إلى محاربة الاقتصاد الفلسطيني بشتى الطرق والوسائل مما جعل أعداداً كبيرة من الأسر الفلسطينية تعاني الفقر والفاقة، مشيراً إلى التسهيلات والمغريات التي تقوم قوات الاحتلال بتقديمها للشباب المهاجر من جهة وللدول الغربية من أجل استيعاب أولئك المهاجرين وضمهم كأفراد جدد في شعبهم.

وذهب عبد العاطي إلى القول إن المجتمع الفلسطيني أيضاً أسهم في تزايد نسبة المهاجرين الشباب من خلال سوء الأوضاع السياسية التي نتج منها تحطم في المستوى الاقتصادي. ناهيك باقتصار الوظائف الحكومية على من يملكون الوساطة دون غيرهم من الخريجين الأكفاء، ليس ذلك فحسب وإنما غياب الوحدة الوطنية وعدم وجود برنامج وطني فلسطيني مرحلي واستراتيجي لرعاية الشباب الخريجين وانتشار البطالة أدى بصورة  أو بأخرى إلى تفاقم الظاهرة.

وفي السياق ذاته، عرض عبد العاطي نتائج الدراسة التي أجراها مؤخراً حول الهجرة خارج فلسطين للحصول على فرصة أفضل، حيث كانت النسبة موافقة بنسبة 80 بالمئة بينما أشارت الأرقام إلى أن 20 بالمئة من الشباب الفلسطيني يسعون فعلياً إلى الهجرة خارج فلسطين، وأشار إلى أن جمهور الشباب الموافق لم يكترث إذا ما كانت الهجرة ستوفر لهم فرصة أفضل أم لا، أو أنها ستحتوي على ضمانات للعيش وفرص عمل أم لا. كان الهم الأكبر هو الخروج من دائرة الصراع السياسي والاقتصادي الذي يعيشه الشاب الفلسطيني، وهذا يمثل خطراً كبيراً يجب أن تأخذه السلطة والقيادة الفلسطينية الجديدة في الحسبان حتى لا تجد المجتمع الفلسطيني خالياً من الشباب الذين هم عنوان المرحلة المقبلة، وأمل الدولة المزمع اجتثاثها من أيدي من اغتصبوها قديماً منذ عام 1948. وفي نهاية الدراسة، قدم عبد العاطي بعضاً من الحلول للحد من ظاهرة الهجرة الفلسطينية إلى الخارج مطالباً السلطة الفلسطينية وكل المسؤولين والأحزاب السياسية في المجتمع الفلسطيني بالاهتمام بشريحة الشباب والنظر لهم على أنهم كنز يستغل وليس مشكلة، إضافة إلى وجود وحدة وطنية وقرار فلسطيني مشترك لحماية هؤلاء الشباب، ناهيك عن تخصيص موازنات مالية لاستثمار جهود الشباب الفلسطيني ودعم إبداعاتهم المتنوعة[18].

وعليه، تتباين الآراء حول طبيعة نتائج هجرة الكفاءات، فهناك من يرى أن دول الأصل تجني ثماراً إيجابية نتيجة هجرة كفاءاتها لعدة اعتبارات، منها أن الكفاءات المهاجرة تنتقل إلى مجتمع أكثر تقدماً يوفر لها ظروف عمل ومعيشة أفضل، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع إنتاجها ويساهم في تطوير المعرفة والتقدم البشري. وترتيباً على ذلك، فإن وجود العلماء العرب في الخارج يعد مكسباً، كونه يفتح قنوات للأمة العربية كي تتقدم من الناحية العلمية والتقنية. ويبرر أصحاب النتائج الإيجابية ذلك بأن الهجرة هي أولاً حق إنساني للعالم والباحث وللعلم أيضاً؛ وهي تعني ثانياً المشاركة في إنتاج المعرفة الإنسانية الواحدة وتطويرها، حيث إن العلم لا وطن له؛ كما تعني ثالثاً بقاء الجسور مشدودة بالوطن الأم بقصد الاستفادة من خبرات العلماء المهاجرين. وفي مقابل هذه الرؤية المتفائلة ينهض أنصار الجناح المعارض لهجرة الكفاءات – وهم كثر- مدافعين عن الرأي القائل إن هجرة العقول ليست سوى عملية استنزاف لمورد رئيس من موارد التنمية تنتج منها آثار سلبية صافية[19].

خامساً: الحد من هجرة الخبرات الأكاديمية

لا يمكن عقد مقارنة عادلة بين الحالة الفلسطينية والحالة الإسرائيلية في هذا الخصوص. الحالة الإسرائيلية تمنح فعلاً حوافز كبيرة للمهاجرين اليهود إلى إسرائيل بدءاً بتسهيلات الدخول إلى إسرائيل، وانتهاء بتوفير المسكن وفرص التعليم وفرص العمل، بما في ذلك توفير المسكن في المستعمرات التي تبنيها إسرائيل في الضفة الغربية بما فيها مدينة القدس. الوضع مختلف تماماً على الجانب الفلسطيني، لأن قدرته على تقديم الحوافز محدودة جداً، حيث تسيطر إسرائيل سيطرة تامة على حركة المعابر والحدود الفلسطينية مع كل من مصر والأردن وتفرض قيوداً واسعة ومشددة على دخول الفلسطينيين إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967.

ليس من السهل على المهاجر أو المغترب الفلسطيني أن يدخل الأراضي الفلسطينية حتى لمجرد الزيارة من دون أن يمر بإجراءات ويخضع لقيود واسعة تفرضها إسرائيل على حركته وحتى إقامته، وليس للسلطة الفلسطينية هنا غير دور هامشي جداً. وحتى إذا رغبت السلطة في عقد مؤتمر اقتصادي، فإن حكومة الاحتلال تضع القيود على ذلك ولا تمنح لهؤلاء الإقامة إلا لفترة قصيرة، وهذا لا يشجع هؤلاء المهاجرين والمغتربين على التفكير بالاستقرار والمشاركة في الحياة الاقتصادية الفلسطينية، ولهذا نعود من جديد إلى تأكيد الربط بين الهجرة الفلسطينية ودوافعها وأسبابها وبين الاحتلال القائم على الأرض الفلسطينية[20].

إذاً، بسبب الأوضاع الأمنية المتدهورة وبسبب الأزمات المالية المتكررة التي أصبحت تعصف بالجامعات الفلسطينية، إضافة إلى الكثير من العوائق داخل مؤسسات التعليم العالي، برزت ظاهرة هجرة العقول والكفاءات من الوطن إلى الخارج. من جهة ثانية، لا تساعد أنظمة الجامعات وقوانينها ونظم رواتبها على استقطاب العقول والكفاءات الفلسطينية من الخارج. هذا على الرغم من كون الشعب الفلسطيني يمتلك أكبر رصيد من الكفاءات العلمية في المنطقة. لذلك، لا بد من تدارك الوضع القائم حالياً من خلال العمل على تنفيذ الاستراتيجيات التالية:

– وضع سلم رواتب معقول يفي بحاجات قطاع العاملين في التعليم الجامعي، فيحافظ على الكفاءات من الهجرة ويجتذب المزيد منهم من الخارج.

– توفير الدعم المادي المناسب للراغبين والقادرين منهم على الإبداع في مجال البحث العلمي أو النشر والتأليف.

– توفير مختبرات بحث حديثة ومتطورة تناسب العصر لتمكينهم من أداء أبحاثهم بصورة مرضية.

– إيجاد نظام واضح وعادل لحصولهم على إجازات التفرغ والبحث العلمي والترقية.

– تخفيف العبء التدريسي للعاملين في الأبحاث منهم.

– إيجاد ميزانيات لدعم مشاركتهم في المؤتمرات وورش العمل في الخارج.

– إيجاد نظام مرن يسمح لهم بالحصول على إجازات من دون راتب لقضائها في جامعات ومراكز أبحاث داخل الوطن وخارجه.

– تشجيع ودعم إنشاء ملتقيات ونوادٍ وأماكن ترفيه لهم ولعائلاتهم.

– تحسين الخدمات والمرافق التي يحتاجون إليها لأداء مهماتهم، مثل المكتبات الحديثة، وأجهزة الحاسوب الشخصية، وخدمات الإنترنت والاتصالات وغيرها.

– ضمان وصيانة الحرية الأكاديمية والفكرية البعيدة من تدخل إدارة الجامعة والدولة  وغيرهما.

– إيجاد نظام تأمين صحي وضمان اجتماعي للعاملين في التعليم العالي[21].

أرقام ومعطيات حول المهاجرين إلى الخارج

هاجر نحو 22  ألف فرد الخارج الأراضي الفلسطينية خلال المدة 2007-2009، علماً أن هذا العدد لا يشمل الأسر بالكامل. كما أشارت نتائج المسح أن 6.7 بالمئة من الأسر الفلسطينية لديها مهاجر واحد على الأقل إلى الخارج، بواقع 3.4  بالمئة من الأسر لديها مهاجر واحد فقط في المهاجرين إلى الخارج، و 1.1 بالمئة من الأسر الفلسطينية لديها مهاجران  اثنان إلى الخارج، في حين بلغت نسبة الأسر التي لديها 5 مهاجرين فأكثر في الخارج 1.2  بالمئة من إجمالي الأسر في الأراضي الفلسطينية

وعند توزيع المهاجرين بحسب سنة الهجرة، أظهرت النتائج أن 51.2 بالمئة من المهاجرين إلى الخارج هاجروا قبل عام 2000، في حين أن 28.4 بالمئة من المهاجرين قد هاجروا بعد عام 2005 .

وعند دراسة المهاجرين إلى الخارج بحسب العلاقة برب الأسرة وفق نتائج هذا المسح أظهرت النتائج أن 36.5 بالمئة من المهاجرين صنفوا كأبناء لرب الأسرة الفلسطينية، ونحو 23.7 بالمئة صنفوا كزوجة ابن أو زوج ابنة لرب الأسرة، وعلى مستوى الجنس كان 43.1 بالمئة من المهاجرين الذكور، هم أبناء أرباب الأسر، في حين كانت هذه النسبة للإناث المهاجرات26.1  بالمئة.

وحول الدول التي هاجر إليها الفلسطينيون، أشارت النتائج إلى أن 23.5 بالمئة من المهاجرين إلى الخارج هاجروا إلى الأردن و 20.4 بالمئة هاجروا إلى دول الخليج العربي، وأكثر من خمس المهاجرين (21.6 بالمئة) هاجروا إلى أمريكا. وحول أسباب الهجرة إلى الخارج، أشارت النتائج إلى أن الأسباب أو الدوافع الرئيسية للهجرة إلى الخارج كانت التعليم والدراسة بواقع 34.4 بالمئة من إجمالي المهاجرين إلأى الخارج، في حين كان الدافع الرئيسي لنحو 14.6 بالمئة من المهاجرين هو لتحسين مستوى المعيشة 13.7 بالمئة من المهاجرين هاجروا لعدم توافر فرص العمل في الأراضي الفلسطينية.

أشارت النتائج إلى أن أكثر من ثلث المهاجرين من حملة الشهادات العليا والجامعات؛ إذ بلغت نسبة المهاجرين إلى الخارج وتحصيلهم العلمي بكالوريوس فأعلى نحو 35.7 بالمئة من إجمالي المهاجرين للخارج، وبلغت نسبة المهاجرين من حملة الشهادة الثانوية العامة 35.7 بالمئة. في حين لم تتجاوز نسبة المهاجرين إلى الخارج ممن لا يحملون أي مؤهل علمي 1.3 بالمئة.

المصدر: مركز الإحصاء الفلسطيني، التقرير الرئيسي للهجرة للعام 20110, رام الله آذار 2011

 

أرقام ومعطيات حول المهاجرين إلى الخارج

هاجر نحو 22 ألف فرد الخارج الأراضي الفلسطينية خلال المدة 2007-2009، علماً أن هذا العدد لا يشمل الأسر بالكامل. كما أشارت نتائج المسح أن 6.7 بالمئة من الأسر الفلسطينية لديها مهاجر واحد على الأقل إلى الخارج، بواقع 3.4  بالمئة من الأسر لديها مهاجر واحد فقط في المهاجرين إلى الخارج، و 1.1 بالمئة من الأسر الفلسطينية لديها مهاجران  اثنان إلى الخارج، في حين بلغت نسبة الأسر التي لديها 5 مهاجرين فأكثر في الخارج 1.2  بالمئة من إجمالي الأسر في الأراضي الفلسطينية

وعند توزيع المهاجرين بحسب سنة الهجرة، أظهرت النتائج أن 51.2 بالمئة من المهاجرين إلى الخارج هاجروا قبل عام 2000، في حين أن 28.4 بالمئة من المهاجرين قد هاجروا بعد عام 2005 .

وعند دراسة المهاجرين إلى الخارج بحسب العلاقة برب الأسرة وفق نتائج هذا المسح أظهرت النتائج أن 36.5 بالمئة من المهاجرين صنفوا كأبناء لرب الأسرة الفلسطينية، ونحو 23.7 بالمئة صنفوا كزوجة ابن أو زوج ابنة لرب الأسرة، وعلى مستوى الجنس كان 43.1 بالمئة من المهاجرين الذكور، هم أبناء أرباب الأسر، في حين كانت هذه النسبة للإناث المهاجرات26.1  بالمئة.

وحول الدول التي هاجر إليها الفلسطينيون، أشارت النتائج إلى أن 23.5 بالمئة من المهاجرين إلى الخارج هاجروا إلى الأردن و20.4 بالمئة هاجروا إلى دول الخليج العربي، وأكثر من خمس المهاجرين (21.6 بالمئة) هاجروا إلى أمريكا. وحول أسباب الهجرة إلى الخارج، أشارت النتائج إلى أن الأسباب أو الدوافع الرئيسية للهجرة إلى الخارج كانت التعليم والدراسة بواقع 34.4 بالمئة من إجمالي المهاجرين إلى الخارج، في حين كان الدافع الرئيسي لنحو 14.6 بالمئة من المهاجرين هو لتحسين مستوى المعيشة 13.7 بالمئة من المهاجرين هاجروا لعدم توافر فرص العمل في الأراضي الفلسطينية.

أشارت النتائج إلى أن أكثر من ثلث المهاجرين من حملة الشهادات العليا والجامعات؛ إذ بلغت نسبة المهاجرين إلى الخارج وتحصيلهم العلمي بكالوريوس فأعلى نحو 35.7 بالمئة من إجمالي المهاجرين للخارج، وبلغت نسبة المهاجرين من حملة الشهادة الثانوية العامة 35.7 بالمئة. في حين لم تتجاوز نسبة المهاجرين إلى الخارج ممن لا يحملون أي مؤهل علمي 1.3 بالمئة[22].

 

خاتمة

هكذا أصبح لدي قناعة بأن معظم المهاجرين للعمل قد استنفدوا الحلول المطروحة أمامهم، لا أحد يترك أرضه وهو سعيد (طبعاً عدا الفاسدين)… ولا أحد يغادر أرضه إلا وقد ملّ ويئس من الحصول على وظيفة في أرضه، مع أن الصهاينة يسرّهم هجرة الكفاءات من أرض فلسطين، بل هجرة شاملة، وهم يعملون ليل نهار على ذلك ولديهم استراتيجيات وخطط كالحصار المفروض حالياً، إلا أنه ليس بالضرورة أن يكون كل ما يحدث من هجرة سببه الاحتلال، لندرس حالة البلدان العربية، ليس هناك احتلال. لكن على الرغم من ذلك، هناك تسرب كبير للكفاءات والعقول إلى الخارج وتفضيل العمل خارج الوطن، وبخاصة في الغرب.

إن كل المؤشرات تدل على أن أعداداً مرتفعة من العقول الفلسطينية، بدأت تغادر البلاد بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية والأمنية في فلسطين وانعدام الأفق المستقبلي في وقت تقدم فيه عروض مغرية لهؤلاء في الخارج. حلول كثيرة قد تساهم في وضع حد لنزيف الهجرة من أرض الوطن، لكنها تحتاج إلى جهود صادقة لترجمتها على أرض الواقع من قبل الجميع.