تمهيد:

كُلفت في آب/أغسطس 2017، بكتابة ورقة بحث عن المشروع الاجتماعي الناصري، من أجل عرضها في الاحتفال بمئوية ميلاد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر. قضيت وقتاً طويـلاً أفكر في نقطة البداية، وبعد قراءة عدد من الدراسات الخاصة بالحقبة الناصرية، وجدت أن الدراسات الوثيقة الصلة بالمشروع الاجتماعي الناصري ركزت على تحليل مقدمات ثورة يوليو وأسبابها، ثم وصف ما حدث خلال الحقبة الناصرية من أحداث وقرارات وقوانين محققة لمبادئ الثورة الستة (القضاء على الاقطاع؛ والاستعمار؛ وسيطرة رأس المال على الحكم؛ إقامة جيش وطني قوي؛ إقامة عدالة اجتماعية). وانتهيت من هذه القراءة إلى ثلاثة استخلاصات:

الأول، أن فهم مشروع ثورة يوليو الاجتماعي يحتاج إلى مقدمة سوسيولوجية تاريخية تبدأ من الحملة الفرنسية على مصر، وليس من ثورة عرابي والاحتلال الإنكليزي. والأمر الثاني، أن جوهر المشروع الاجتماعي الناصري، يتجاوز المبادئ الستة لثورة يوليو، إلى مبدأ سابع هو: استعادة المصريين السيطرة الكاملة على حياتهم الاجتماعية. فالمقارنة بين تأسيس مصر الحديثة، وحالة بلدان أخرى كاليابان مثـلاً، يثبت أن بدايات النهضة المصرية كانت صعبة، وأن أسرة محمد علي وضعت مصر على السكة الخاطئة في كثير من المجالات، فحدث إهدار شديد لطاقة التنمية منذ عصر محمد علي واستمر الإهدار متزايداً من بعده وحتى قيام ثورة 1952.

أما الاستخلاص الثالث فهو أن علم الاجتماع التاريخي غائب عن ساحة البحث العلمي في حقبة محمد علي والأسرة العلوية، ما يؤدي إلى وجود فجوات معرفية لا يمكن أن تسدّها الدراسات التاريخية والاقتصادية والسياسية أو الثقافية. وعلى هدي من الاعتبارات الثلاثة المذكورة، نحاول في هذا المقال الإجابة عن السؤال: هل وضعت أسرة محمد علي الدولة المصرية الحديثة على السكة الصحيحة التي تحقق النهضة والتقدم في المشروع الاجتماعي المصري في بُعديه الاقتصادي والسياسي؟

نقسم المقال إلى شقين: الأول نحاول فيه البحث في أثر التحولات الاقتصادية؛ وفي القسم الثاني نبحث في أثر بعض التحولات السياسية. النطاق الزمني الذي يغطيه المقال، يبدأ مع الحملة الفرنسية على مصر، ويمتد طوال أسرة محمد علي، لكن بتركيز أكبر على عصر محمد علي، وينتهي بقيام ثورة يوليو.

نعرِّف المشروع الاجتماعي في هذا المقال بأنه: إدارة سياسية رشيدة وعادلة لعمليات التغيير الاجتماعي الشامل، تُحْدِث تحولات اقتصادية كبيرة، وتخلق فرص عمل جديدة، وتولد ثروات إضافية للدولة والأفراد، تؤدي إلى تحسين جودة الحياة لمختلف فئات المجتمع، وتحدث تحولاً في خصائصهم الديمغرافية، وتحولاً حضرياً في أماكن معيشتهم.

وفقاً لهذا التعريف، فإن المشروع الاجتماعي، أو النهضة التنموية الشاملة، تحتاج بطبيعة الحال إلى أسس ديمغرافية، اقتصادية، سياسية، ثقافية، وقيمية ملائمة. ومن الصعب الفصل بين هذه الأسس لأنها تشكل كياناً متداخلاً ومتشابكاً. لكن لأغراض التحليل يمكن قياس عدد من المؤشرات لوصف أي مشروع اجتماعي ونقده وتقييمه، من أهمها: (1) زيادة التجمعات الحضرية، وتطوير التجمعات الزراعية، وانكماش في التجمعات البدوية؛ (2) التغير الذي يطرأ على حجم السكان وخصائصهم الصحية والثقافية ودرجة انتشارهم وتوزيعهم؛ (3) أثر التعليم والثقافة في تحسين فرص الحياة الاجتماعية وجودتها؛ (4) الأثر الاجتماعي لمأسسة قطاعات الاقتصاد الحديث وبخاصة الصناعة؛ (5) أسلوب إدارة الدولة من خلال مؤسسات وتنظيمات بيروقراطية رشيدة؛ (6) أسس التركيب الطبقي والعلاقات الطبقية، وأثر السياسات وثيقة الصلة في تحقيق العدل الاجتماعي؛ (7) أسس التركيب الإثني والعلاقات الإثنية، وأثر السياسات وثيقة الصلة في تحقيق المساواة الاجتماعية. وفي ما يلي نحاول البحث – سوسيولوجياً – عن هذه المؤشرات في التاريخ الاقتصادي والسياسي للأسرة العلوية.

أولاً: الأسس الاقتصادية للمشروع الاجتماعي
في أسرة محمد علي

نحاول في هذا الجزء من المقال الإجابة عن الأسئلة: هل كانت التحولات الاقتصادية التي شهدها المجتمع المصري منذ عصر محمد علي، وحتى ثورة يوليو، تمثل عمليات مقصودة للتغيير الاجتماعي وبلورة مشروع اجتماعي حضاري، ينقل المجتمع من الحالة التقليدية إلى الحالة الحديثة؟ وهل تمخض عن هذه التحولات تراكم لثروة المصريين ودولتهم؟ وهل أدت التحولات إلى تحسين جودة الحياة والتنمية الحضرية بصفة عامة؟

1 – الإصلاحات الاقتصادية الفرنسية

يمكن القول إن الحملة الفرنسية على مصر، رغم قصر فترتها، مثَّلت صدمة بين حضارة تقليدية غارقة في تخلفٍ كرّسته الدولة العثمانية، وبين حضارة غربية حديثة تشق طريقها بسرعة نحو تغيير وجه العالم. ومن المعلوم للقارئ أن الحملة الفرنسية كانت لها ثلاثة أهداف رئيسية: ضرب مصالح بريطانيا العظمى؛ واستغلال موارد مصر العظيمة؛ والكشف عن أسرار الحضارة المصرية والتعرف إلى إمكانات ازدهارها في المستقبل.

وقد جاء الفشل في تحقيق الهدف الأول سريعاً وصادماً، بعد أن نجح القائد الإنكليزي هوراشيو نلسون في تدمير الأسطول الفرنسي بالكامل في آب/أغسطس 1798 أي بعد أقل من شهر من دخول بونابرت القاهرة. وبعد أن حوصر الجيش الفرنسي في مصر، لم يتبق عملياً سوى تحقيق الهدفين الثاني والثالث، فاضطرت الحملة إلى التركيز على متطلبات تحديث المجتمع في «محاولة إقناع الشعب المصري بقبول الاحتلال الفرنسي»‏[1].

ومن أجل الاستغلال الأمثل للموارد المصرية، وضع الفرنسيون أول أساس للملكية الفردية الحديثة في مصر، بعد أن كانت الدولة العثمانية والمماليك من قبلهم، قد استحلوا أراضي الفلاحين، فمنحها الفرنسيون لهم مقابل حق الانتفاع فقط مع الالتزام بدفع الضريبة. وجاء قانون 1798 الذي أصدره نابليون، بالنص على إصدار سندات تمكين الفلاحين، والاعتراف بحق التوريث وفق الشريعة. ثم أصدر مينو عام 1801 إعلاناً ينص على أن الفلاحين ملّاك الأراضي ولهم مطلق الحرية في أن يزرعوا أراضيهم كيفما يشاؤون.

كما أن الحملة استطاعت أن توثق علاقاتها بالتجار وأرباب الحرف وتشجعهم على تصدير منتجاتهم إلى أوروبا. وقد نجح الفرنسيون خلال مرحلة وجودهم القصيرة في تطوير صناعات النسيج والجلود والورق والبارود، وصناعة الآلات لرفع المياه، وسك النقود وأدوات الجراحة، مستندين في ذلك إلى التقنيات الحديثة‏[2].

هذا التغير النوعي في مسألة الملكية الخاصة، والاهتمام بأرباب الحرف وإنشاء الصناعات الحديثة، كان من شأنه أن يخلق دوافع جديدة للتوسع في الإنتاج الزراعي والصناعي، وينعش التجارة، ويؤدي إلى تراكم ثروة الأفراد والدولة، ويخلق تنمية زراعية على مستوى القطر المصري، يتبعه نمو حضري في مراكز منتشرة بطول البلاد وعرضها، على معنى إحداث تطور حضري شامل، بدلاً من التمركز في القاهرة والموانئ المصرية الإسكندرية ودمياط ورشيد.

ومع أن التجربة الاستعمارية التاريخية تفيد بأن مثل هذه التحولات الاقتصادية، لا تستهدف بلورة مشروع اجتماعي مستقل، فإننا على يقين بأن الحملة مهدت طريق الحداثة لمحمد علي، فاعتمد على الخبرة الفنية الفرنسية اعتماداً كبيراً في مجالات الزراعة والتجارة والصناعة والمجال العسكري، فهل استثمر محمد علي هذه الفرصة وقدم مشروعاً اجتماعياً حضارياً شامـلاً؟ الإجابة المؤسفة هي النفي القاطع. كيف؟

2 – محمد علي: احتكار طاقة التنمية وإهدارها

تشرّب محمد علي روح العصر (حكم من 1805 إلى 1848) وقرأ المشهد العالمي بذكاء وفطنة. واكتشف سريعاً أن الدولة العثمانية تعاني مرض الموت البطيء، بعد أن يبست أطرافها، وعجزت عن استعادة الهيمنة على هذه الأطراف؛ فراودته في أوج قوته أحلام الجلوس على كرسي السلطنة العثمانية، مهدراً ثروات مصرية طائلة من أجل تحقيق أحلامه. لم يكن تحديث المجتمع المصري هدفاً لدى محمد علي، وإنما بناء القوة القادرة على تحقيق أحلامه التوسعية، هو السبب الرئيسي في ما أنجزه في مختلف المجالات.

لقد وُضِعت مصر على السكة الخاطئة يوم ألغى محمد علي الإصلاحات الفرنسية، وأسس نظام العهدة الإقطاعي، وبموجب ذلك أصبح هو المالك الوحيد للأراضي كافة يمنحها لمن يشاء؛ فوزع الأراضي الزراعية في مصر على خمس فئات اجتماعية توزيعاً ظالماً إلى أبعد مدى. ولم يقتصر على ذلك، بل امتدت سيطرته إلى تحديد نوع المحاصيل، مع احتكار شراء المنتج الزراعي بوصفه التاجر الوحيد داخلياً وخارجياً.

وفق السياسة الاحتكارية نفسها قام محمد علي بتصفية أصحاب الحرف، فأغلق عشرات الورش والمصانع الصغيرة، أما البقية من أصحاب الحرف والصناعات الصغيرة، فقد ساءت أحوالهم بسبب نظام الاحتكار، حتى اضطر كثير منهم إلى ترك الصناعة والاشتغال بالزراعة. وبالمثل ساءت أحوال التجار المصريين بشدة بسبب احتكار محمد علي للتجارة الداخلية والخارجية، ولم يستفد من التجارة في عصر محمد علي سوى الدولة والوسطاء من الإفرنج‏[3]، تفنن محمد علي في فرض الضرائب، واستحداث أنواع جديدة منها، تضاف إلى الأعباء التي يتحملها الفلاحون، فقد فرض الباشا على سبيل المثال في عام 1817، توريد رطل من السمن على كل فدان من الأراضي الزراعية، وفي عام 1819 فرض على الفدان «حِمل بعير من التبن وكيلة قمح وكيلة فول»‏[4] وكانت هذه بمنزلة ضريبة لأنه كان يشتريها من الفلاح بأثمان زهيدة.

لم يكتفِ محمد علي بالاحتكار وفرض الضرائب ولكنه أجاز للأوروبيين التنقيب عن الآثار، وشراء المسلات والتوابيت وحتى تفكيك وشراء أجزاء كاملة من المعابد الفرعونية. تنافس البريطانيون والفرنسيون على شراء أكبر قدر من الآثار في تلك الحقبة، وبحلول عام 1811، كان محمد علي أغنى باشا في الإمبراطورية العثمانية»‏[5].

غير أن هذا المركز المالي القوي لم يستمر طويـلاً، لسببين: ضخامة حجم الإنفاق العسكري، والفشل في إدارة الدواوين المختلفة إدارة بيروقراطية رشيدة، وكلا العاملّين ظلّا يدفعان محمد علي إلى اتخاذ المزيد من الإجراءات للاستيلاء على فائض قيمة العمل الزراعي والصناعي والتجاري، منها:

(1) بخس الأسعار التي يشتري بها المنتجات من الصناع والفلاحين من دون مراعاة آليات العرض والطلب؛ (2) التعسف في تقدير حصة المنتجات المطلوب جمعها من كل منطقة، وغالباً ما يكون التقدير اعتباطياً، يرتبط بنفقات الباشا والتزاماته، ولا يرتبط بظروف الإنتاج؛ (3) في سنوات العجز المالي – معظم سنوات حكم محمد علي بعد 1811 – كان الفلاح يتسلم صكاً بقيمة المنتج، فيضطر إلى بيع الصكوك للسماسرة الأجانب بأثمان تقل عن قيمتها بنحو 25 بالمئة أو أكثر.

لقد كان الفلاح والصانع يتعرضان – من دون مبالغة – لعملية نهب، من جانب أصغر عامل في الإدارة إلى أكبر مدير وناظر ديوان؛ فالكل يريد أن يستقطع حصة من المنافع لنفسه، ويرفع باقي الحصة إلى المستوى الذي يليه. هذا الوضع كان يضع المواطن في أسوأ حال، فهو الذي يقوم بسداد كل هذه الحصص، ولن يلتفت الوالي إلى الظلم الواقع على الفلاحين وأرباب الحرف وصغار التجار، ولن يلتفت إلى الحرمان والعوَز الذي يضرب كبد المصريين من جراء هذا التعسف الذي لا يعود عليهم بأي نفع. عاش المصري في دولة محمد علي إما أجيراً بلا حقوق في الأبعاديات والوسايا، وإما عامـلاً بالسخرة في المشاريع الداخلية، وإما جندياً مجبراً على الانخراط في الحملات العسكرية، وإما مثقـلاً بالتزامات وضرائب فوق طاقته. وقد لخص المسيو فلكس مانجان قنصل عام فرنسا في تلك الحقبة حالة مصر وأهلها بقوله: «إذا صح أنه لا يوجد في العالم بلاد أغنى من مصر في الوجهة الزراعية، فليس ثمة بلاد أخرى أتعس منها سكاناً»‏[6].

وعليه فليس من المستغرب أن يفقد الفلاح المصري، ربما لأول مرة في تاريخه، مشاعر الانتماء ويصاب بحالة من الاغتراب الكامل، فيترك أرضه هارباً إلى الثغور، أو مهاجراً إلى الشام في ظاهرة لم تعرفها مصر من قبل. ومن المعلوم أن محمد علي تصدى لظاهرة هروب الفلاحين بمنتهى القسوة والتعسف؛ إلى درجة أنه تذرع في عام 1831 بهذه الظاهرة، فرتب حملة برية وبحرية إلى سورية لتأديب عبد الله باشا والي عكا لإيوائه 6000 فلاح مصري هاربين من التجنيد والسخرة والضرائب‏[7].

لا ينكر أحد من كان عبقرية محمد علي، في إنشاء مشروعات كبيرة لم تعرفها مصر من قبل، وفي المجالات كافة، وبناء جيش وأسطول قويين. لكن من دون مبالغة، ونعارض في هذه الدراسة ما ذهب إليه عالم الاقتصاد المصري الراحل جلال أمين، من أن عصر محمد يمثل عصر التنمية بلا ديون، وتجربة رائدة في الاعتماد على النفس، مبرراً ذلك بثلاثة أسباب: (1) الاكتفاء الذاتي من الغذاء؛ (2) ازدهار التصدير بعد أن أصبح محمد علي البائع الوحيد للمنتجات المصرية وعلى رأسها القطن؛ (3) عدم التورط في سد عجز الميزانية بالاستدانة، ورحل في عام 1848 من دون أن تكون مصر مدينة لأحد بقرش واحد‏[8].

ونذهب إلى أن الركون إلى هذه المعطيات الاقتصادية الخالية من المضمون الاجتماعي، يؤدي إلى ضياع الحقائق، ويصور عصر محمد علي تصويراً احتفالياً، نكتفي بعرض ببعض الحقائق السوسيولوجية الاقتصادية حولها:

أ – في مسألة الاكتفاء الذاتي من الغذاء

يذكر جلال أمين أن تعداد مصر في بداية عهد محمد علي عام 1805 لم يتجاوز ثلاثة ملايين نسمة، ومساحة الأراضي الزراعية في ذلك الوقت – وفقاً لأقل التقديرات – كانت 2 مليون فدان‏[9]. أي أن كل نسمة يقابلها 2/3 فدان من الأرض الزراعية، وهي مساحة زراعية تقدر بنحو 2800 م2 ما يعني أن الحديث عن الاكتفاء الذاتي حاصل بالفعل قبل حكم محمد علي، لكنه مع ذلك أحدث نهضة زراعية بالمعنى الحقيقي للكلمة، وتمكن من تعظيم الإنتاج الزراعي للمحاصيل التصديرية.

ب – في مسألة ازدهار التصدير

إن الظرف الاقتصادي العالمي والتطور التكنولوجي، هو الذي منح الفرصة لمحمد علي لكي يقدم تجربة تصديرية ناجحة؛ فالتطور الثوري الذي لحق بصناعات الغزل والنسيج في أوروبا، أدى إلى زيادة كبيرة في الطلب على القطن المصري. وترتب على التحضر المصاحب للثورة الصناعية، ونمو المدن، وزيادة حجم القوة العاملة في المصانع، أن أصبحت أوروبا بحاجة إلى المحاصيل الزراعية الأخرى وعلى رأسها القمح والأرز المصري. وبسبب الاحتكار حرم المصريين من عوائد التصدير بعد أن حرموا – بالسخرة – قيمة قوة العمل، فصارت التجربة أشبه ما تكون بعبودية تصب عوائدها بالكامل في خزينة الباشا.

ج – في مسألة عدم التورط في سد عجز الميزانية بالاستدانة

تشير الوثائق التاريخية إلى أن الإدارة المالية في عصر محمد علي كانت مختلة بصورة دائمة، بسبب النفقات التي تفوق إيرادات الدولة التي استنزفتها حروب الباشا في قارات آسيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية – بعض هذه الحروب كان لأغراض توسعية، وبعضها الآخر كان لمجرد إرضاء الباب العالي أو إرضاء إحدى القوى الاستعمارية – ومع ذلك ظلت مطالبه، كما تذهب هيلين آن ريفلين، «أبعد ما تكون عن الواقعية»‏[10]. صحيح أن محمد علي لم يتورط بنفسه في الاستدانة من الخارج، لكنه سدد العجز من أقوات العمال والفلاحين، وعند تزايد فجوة العجز لم يكن يتورع في اتخاذ تدابير تعسفية باختراع أنماط جديدة من الضرائب كما ذكرنا، أو الترخيص للأجانب بشراء الآثار الفرعونية، أو اللجوء إلى إصدار سندات على الخزانة لشراء المحاصيل من الفلاحين، وبدورهم يبيعونها إلى التجار والسماسرة الأوروبيين بأثمان بخسة، وفي الوقت نفسه يتمسك محمد علي بأن يدفع الفلاح الضريبة نقداً وعيناً.

3 – المشروع الاجتماعي لدولة محمد علي

بناءً على ما سبق، نستطيع إعادة التفكير في نتائج هذه النهضة المتعثرة وأثرها في المشروع الاجتماعي وفق المسلّمات التالية:

(1) إن محمد علي نجح في استغلال طاقة عمل هائلة، وفرها الباشا بتسخير الفلاحين في مشروعات الزراعة، والتجنيد العسكري، والتجنيد الصناعي. وبالتالي فإن الأغلبية العظمى من السكان جرى استغلالها خلال فترة حكمه أسوأ استغلال من دون أن يعود عليها نفع حقيقي.

(2) أدّت المشروعات الزراعية إلى إحداث طفرة كمية ونوعية في الإنتاج الزراعي، فقد زادت المساحة الزراعية، وتغيرت الخريطة لمصلحة إنتاج المحاصيل النقدية كالقطن والقمح والأرز.

(3) باحتكار محمد علي التجارة، فإن الثروة المتراكمة من التصدير، آلت إلى الدولة ممثلة بشخص الباشا، وكبار الملّاك من أفراد أسرته والنخبة التركية وكبار موظفيه من الأوروبيين والسماسرة والتجار. هذا الوضع أبقى التركيب الطبقي المصري، كما سنرى بعد قليل، تركيباً ثنائياً شبه إقطاعي حتى عهد الخديوي إسماعيل.

(4) استغل محمد علي حصيلة التصدير، وأنفق ثروة طائلة في بناء الجيش والأسطول، وتجهيز الحملات العسكرية، تارة لمصلحة الدولة العثمانية وتارة ضدها، وتارة لمصلحة الدول الاستعمارية وتارة ضدها. وكما هو معروف فإن طموحاته الهادرة انكسرت على صخرة الدول الاستعمارية في معاهدة لندن عام 1840.

بعبارة أخرى، لقد أنفق محمد علي عوائد النهضة على حلم لم يتحقق، وخسرت مصر ثروات طائلة من دون مقابل، فلو أن هذه الثروة سارت في السكة الصحيحة، لكانت مصر في مصاف الدول المتقدمة الآن، مثلما نجحت اليابان في القرن التاسع عشر بالنأي بنفسها عن الصراعات الخارجية، ما أدى إلى تراكم ثروات محلية وبلورة شرائح جديدة من التجار والحرفيين والبرجوازية الصغيرة الذين تحالفوا مع صغار الساموراي، وكوّنوا قوة اجتماعية جديدة كان لها دور كبير في النهضة اليابانية التي أطلقها لاحقاً الإمبراطور مايجي‏[11].

ومع ذلك، فإن التحولات الاقتصادية في عصر محمد علي تركت أثرها في تحضُر المجتمع المصري، لكنه كان تحضراً احتكارياً على شاكلة سياسة محمد علي الاحتكارية يتسم بخاصيتين: الأولى، أن التحولات لم تُحدث تجمعات حضرية جديدة، وإنما أحدثت توسعاً حضرياً في كل من القاهرة والإسكندرية. فالقاهرة رغم تدهور مركزها التجاري في عصر محمد علي، فهي كانت عاصمة البلاد، ومقر الحكم وسكن النخبة التركية والشركسية، وكبار العلماء، وفيها وحولها أنشئت بعض الصناعات الجديدة، وبنيت بعض المدارس الحديثة. أما الإسكندرية فشهدت ذروة النشاط العسكري والصناعي والتجاري في عصر محمد علي، فكانت ميناء التصدير الأول ومقر بعض الصناعات والترسانة البحرية. أما الخاصية الثانية لهذه التحولات، فكانت تجميد التوسع الحضري الأفقي نتيجة البطء الشديد في نمو المراكز الحضرية في الدلتا والوادي. وحدث تدهور لبعض الحواضر القديمة كدمياط ورشيد.

وبعد معاهدة لندن عام 1840، وفرمانات الباب العالي الصادرة في 1841، فَـقَدَ محمد علي الرغبة في العمل والتطوير، وهاجمته الأمراض النفسية والعضوية، ونتيجة ذلك انهار كثير من الصناعات، «وارتد العمال إلى القرى والكفور للعمل في الفلاحة، والصناع المهرة منهم ارتدوا إلى مزاولة نشاطهم في إطار ما بقي لهم من تنظيم طوائف الصناع والحرف»‏[12].

4 – المشروع الاجتماعي لخلفاء محمد علي

بعد عصر محمد علي، لم يحدث تحول لافت في عهد عباس حلمي الأول (حكم من 1848 إلى 1854)، أو في عهد سعيد (حكم من 1854 إلى 1863) بل على العكس حدث تدهور، واستنزاف أكبر لثروة الدولة، واستشراء لنفوذ الجالية الأوروبية، وتورطت مصر في عهد سعيد في إبرام عقد امتياز حفر قناة السويس، بشروط كارثية‏[13]، ودخلت الدولة المصرية نفق الديون المظلم، بعد أن بلغت مديونية مصر عند موت سعيد 11 مليون جنيه.

وجاء عصر إسماعيل (حكم من 1863 إلى 1879)، الذي اتسم بالاختلاف والتناقض والغرابة إلى درجة حيّرت الباحثين، رغم اتفاقهم على أن إسماعيل نفذ مشروعات كبيرة ومهمة في مجال التنمية الزراعية؛ فزادت الأراضي الزراعية في عصره نحو مليون فدان دفعة واحدة. واهتم على نحو مثير للإعجاب بالتعليم ونشره على مستوى القطر المصري، إضافة إلى إنشاء المستشفيات الكبيرة في الدلتا والوادي. وهو صاحب مشروع تحويل القاهرة والإسكندرية إلى مدن أوروبية حديثة. وأصبحت القاهرة مدينة مليونية في عصره.

حرص إسماعيل على استكمال مشروع قناة السويس، لكن بعد تعديل شروط الامتياز، وأنفق أموالاً طائلة لرشوة الباب العالي والمسؤولين في إنكلترا وفرنسا من أجل هذا التعديل، وفي النهاية ارتضى بتحكيم إمبراطور فرنسا نابليون الثالث، والتزم بدفع تعويضات للشركة مقابل تعديل بعض الشروط، تقدر بأربعة ملايين جنيه، بخلاف تحمّل نفقات الحفل الأسطوري بمناسبة افتتاح القناة، والذي تكلف ملايين الجنيهات ودعي إليه 6000 ضيف من خارج مصر وعلى نفقتها.

ويبدو أن المستشارين الأوروبيين من حوله والعملاء والسماسرة، قد أغروه بتجهيز الجيش والتوسع في أفريقيا، كأن الإمبريالية العالمية أرادت أن يقوم إسماعيل بدلاً منها بتمهيد طريقهم للهيمنة على الفص الأيمن من القارة الأفريقية، وبعد أن ينتهي دوره يكون قد تورَّط في الديون أكثر فيغرق فيها ويتم التخلص منه بسهولة، تماماً كما سمحوا لمحمد علي التوسع في الشام ثم في الأناضول لتفكيك الدولة العثمانية وإضعافها، ثم انقضوا على محمد علي وجُرِدَ من كل المكاسب. الفارق أن محمد علي كان يملك القوة والثروة، وغُلِب بالتهديد العسكري، بينما غُلِبَ إسماعيل بالدين الذي بلغ 126 مليون جنيه. ونخلص إلى أن إسماعيل هو الوحيد دون أسرة محمد علي، الذي امتلك رؤية لتحقيق مشروع اجتماعي، وسار خطوات صحيحة في هذا الاتجاه، في مجالات التعليم والصحة والزراعة والصناعة. لكنه لم يستطع فهم روح العصر، ولم يستطع استيعاب ميزان القوى العالمي، فاستسلم لطموحاته، ثم خُدِع وأُجْهِضَت تجربته. ولكنها تركت أثراً بنى عليه من جاءوا من بعده.

تولى توفيق عرش مصر (حكم من عام 1879 حتى 1792) مستهـلاً عهده المشؤوم، ببيع حصة مصر في الأرباح السنوية لشركة قناة السويس (15 بالمئة) لإنكلترا، وكان إسماعيل من قبله قد باع حصة مصر في الأسهم (177642 سهماً)، وفرض الأجانب سيطرتهم على الاقتصاد الرسمي وغير الرسمي، إذ لم تعد في مصر سيولة مالية إلا مع الأجانب. ومع زيادة الأعباء الضريبية على الفلاح زادت مديونات الفلاحين وصغار التجار وأرباب الحرف، وانتزعت ممتلكاتهم المرهونة أمام المحاكم المختلطة لمصلحة هؤلاء المرابين فاستحوذوا على الأراضي والورش والمحال التجارية. باختصار هيمن الأجانب على الاقتصاد وسيطروا على الاستيراد والتصدير بالكامل. وتوقفت المشروعات والحياة، وهام صغار الفلاحين وأرباب الحِرف وصغار التجار على وجوههم في الأرض هرباً من الديانة.

في الوقت الذي كانت تنعم الأرستقراطية التركية بالرياسة والحكم، كانت البرجوازية الأوروبية تنعم بالثروة المعفية من الضرائب كافة بحكم الامتيازات الأجنبية، وبهذه الطريقة جرى نهب ثروات مصر. هذا الوضع المأسوي هو الذي خلق الحركة الوطنية التي تزعمها أحمد عرابي، وتم احتلال بريطانيا لمصر، الذي لم يحدث بسبب الثورة العرابية كما يتبجح بعض الساسة البريطانيين، بل حدث بتخطيط متأنٍ وبتشجيع من أوروبا‏[14].

بعد توفيق، تولى عباس حلمي الثاني (حكم من 1892 إلى 1914)، الذي تميّز بكراهيته للإنكليز، وحبه للعنصر المصري العربي، إلى درجة أن اللورد كرومر أرسل خطاباً إلى اللورد سالسبري، بعد قليل من تولي عباس الحكم جاء فيه: إن الخديوي عباس على وشك أن يصبح مصرياً خالصاً‏[15] فكان عصره فرصة ثمينة لتطور الحركة الوطنية، فتآمر عليه الإنكليز إلى أن نجحوا في خلعه وتعيين السلطان حسين كامل بدلاً منه في 1914 حتى تشرين الأول/أكتوبر 1917. وقد لُقب بالسلطان تأكيداً من بريطانيا على وضع مصر تحت الحماية. وأن بريطانيا العظمى لم تعد بحاجة إلى استصدار فرمانات من السلطان العثماني.

خلال حقبة حكم الثلاثة (توفيق، عباس الثاني، حسين كامل)، لم تحدث تحولات اقتصادية كبيرة، فالدولة تحت الحماية البريطانية، واقتصادها تحت هيمنة المراقبة المالية الأجنبية، حتى يتم تسديد ديون عصري سعيد وإسماعيل. لكن حدث تغير حضري كبير ساعدت عليه البنية الأساسية التي شيدت في عصر إسماعيل. كيف ذلك؟

ارتبط هذا التغير الحضري بعاملين أساسيين، الأول: التطور التكنولوجي الذي عرفته مصر في بواكير القرن العشرين (الكهرباء، خدمات التليفون، الصرف الصحي، الطرق المعبدة، وسائل النقل الجديدة، وسائل الترفيه… إلخ). هذه التطورات دفعت أعداداً متزايدة من الأعيان المصريين إلى الإقامة في المدن سعياً إلى المشاركة السياسية وتعليم أبنائها، ورغبة في الاستفادة من الرغد الذي توفره الحياة الحضرية الجديدة‏[16].

أما العامل الثاني فيرتبط بالحرب العالمية الأولى، وانهيار الدولة العثمانية، وهذا ما أدى إلى اندماج عدد كبير من الجوالي الأوروبية والأتراك في المجتمع، فالأوروبي أصبح ينشد الاستقرار في مصر، بعد خراب أوروبا، والتركي أصبح بلا ظهير بعد سقوط السلطنة العثمانية. وفي هذه الظروف أصبح الانتساب إلى الجماعة المصرية أمراً مطلوباً، فقبلت الجماعتان المنغلقتان بالاندماج في المجتمع المصري، من طريق الزواج المختلط مع الأعيان المصريين، فتأسست بذلك شريحة اجتماعية جديدة، وعلاقات اجتماعية جديدة تصب في خانة الاستقرار الاقتصادي.

خلال حقبة حكم كل من فؤاد وفاروق (1917 – 1952) شهدت مصر انتعاشاً اقتصادياً في أكثر من مجال، ولأسباب مختلفة، من أهمها: (1) استمرار الرقابة المالية الثنائية (إنكلترا وفرنسا)؛ (2) تأسيس بنك مصر استغلالاً لحالة التوحد الوطني بعد ثورة 1919، وقد استطاع طلعت حرب في وقت قياسي أن يحول البنك إلى شركة قابضة عملاقة، تنفذ برنامجاً طموحاً لدعم الصناعات، إضافة إلى دوره في تطوير مشاريع حلج القطن وغزله ونسجه، ودوره في مشروعات ذات أصالة وجدة، مثل إنشاء شركة مصر للطيران، وصناعة السينما؛ (3) كما تحسن وضع الدولة الاقتصادي بفضل الطلب على السلع المصرية خلال الحربين؛ (4) ودخول لائحة التعريفة الجمركية التي أصدرتها الحكومة المصرية حيز التنفيذ في عام 1930، الأمر الذي أدى إلى اجتذاب رؤوس الأموال، للعمل في مجال الصناعة بعد أن أصبحت السوق محمية، حيث شهدت الحقبة من 1930 إلى 1950، طفرة في تأسيس الشركات المساهمة الجديدة؛ (5) توقيع معاهدة مونترو عام 1937، وإلغاء الامتيازات الأجنبية (تمتع بهذه الامتيازات 11 دولة أوروبية إضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية).

وبحلول عام 1952 أصبح حجم الطبقة العليا المصرية الجديدة، يمثل 5,6 بالمئة من جملة السكان، قسمت على ست شرائح (1) المنظمون الصناعيون؛ (2) كبار التجار؛ (3) الوسطاء والمقاولون؛ (4) أعضاء المهن الحرة؛ (5) كبار البيروقراطيين والضباط؛ (6) المؤجرون أرباب الريع‏[17].

أما أغلب المصريين فلم يستفيدوا من هذا الانتعاش، ولم ينعكس عليهم فيغير أحوال التعليم أو الصحة ومختلف الخدمات، بل على العكس جرى استغلال الفلاحين من قبل الاحتلال البريطاني في الحربين، فأجبرت سلطات الاحتلال آلاف المصريين على المشاركة في هذه الحروب، وكانوا يسخرون في فيالق العمال التي تتولى أقذر أعمال الحرب وأكثرها خطورة (حفر الخنادق، بناء التحصينات، مد أنابيب المياه، حمل الأثقال ونقل المعدات). وبعد ذلك كله يتقدمون الصفوف في أوقات القتال‏[18]. لا يوجد إحصاء دقيق بمن ماتوا في خلال الحربين، لكن الثابت أن التعويضات التي التزمت بريطانيا بدفعها لمن شارك من المصريين، لم تدفعها بريطانيا مطلقاً، ولم تطالب بها مصر.

ثانياً: الأسس السياسية للمشروع الاجتماعي في أسرة محمد علي

ذكرنا في بداية المقال أن أسس المشروع الاجتماعي متداخلة ومتشابكة، نفصل بينها لأغراض التحليل فقط، وعليه فإننا سنركز في هذا القسم على التحولات السياسية المؤثرة في المشروع الاجتماعي من خلال الكشف عن: (1) أسلوب إدارة الدولة من خلال مؤسسات وتنظيمات بيروقراطية رشيدة؛ (2) السياسات والقيم الحاكمة للعلاقة بين الطبقات والجماعات الاثنية (الدينية أو العرقية) خلال فترة حكم الأسرة العلوية.

1 – التحول المؤسسي ونشأة التنظيم البيروقراطي الحديث

يتحقق المشروع الاجتماعي الحداثي، من خلال تنظيمات مؤسسية، تفرض القواعد المنظمة للسلوك في جميع مجالات الحياة الاجتماعية، وتحدد للأفراد المعايير الخاصة بممارسة الأدوار والعلاقات والتفاعلات في لحظة تاريخية محددة. تنقسم هذه المؤسسات إلى رئيسية، أهمها: مؤسسات التنشئة الاجتماعية، مؤسستا الثقافة والتعليم، المؤسسة الدينية، المؤسسة السياسية، والمؤسسة الاقتصادية. ويتبع كل مؤسسة رئيسية عدد من المؤسسات الفرعية بحسب درجة التعقيد والتطور التي يبلغها المجتمع في زمان ومكان محددين. علماً بأن نظام الحكم هو المسؤول الأول عن تطوير هذه المؤسسات الاجتماعية تطويراً شامـلاً متكامـلاً من أجل النهوض بالمشروع الاجتماعي.

تشترك كل المؤسسات الاجتماعية الرئيسية والفرعية في خصائص محددة: أبنية رسمية، تضم مشاركين، لها أهداف، تعتمد على وسائل مادية وتكنولوجية لتحقيق أغراضها، تتوزع السلطة داخلها في نظام هرمي، لديها تقسيم واضح للعمل وقواعد ولوائح رسمية، وتوجد حدود واضحة بين الفضاء العام والخاص… إلخ.

وعليه، فإن المؤسسات الاجتماعية، يمكن أن يصيبها الضعف، بسبب خلل في أحد الخصائص المذكورة أو بعضها، كأن تعجز عن التطور واستيعاب التكنولوجيا، أو يستبد القابضون على السلطة داخل المؤسسة، فلا تلبي طموحات المشاركين فيها؛ وأحياناً، وهذا الأخطر، ينشأ بناء غير رسمي داخل المؤسسة، يعتمد على معايير غير رسمية وعلاقات شخصية، ويحقق أهداف البعض من دون بقية أفراد المؤسسة. ومن المعلوم أن نجاح المشروع الاجتماعي يعتمد على علاقة التكامل التي تربط بين المؤسسات الرئيسية، فإذا انتشر الخلل في أكثر من مؤسسة رئيسة ينهار المشروع الاجتماعي ويصبح كيان الدولة نفسه معرضاً للفناء.

الآن نعود إلى التاريخ، فنجد أن المؤسسات الرئيسية في المجتمع المصري، كانت تسير في العصر العثماني على منهاج تنظيمات العصور الوسطى، تحقق أهداف الطبقة الحاكمة داخل مصر، والطبقة الحاكمة في الأستانة، ولا يوجد ارتباط واضح بين هذه المؤسسات، وبالتالي لا توجد ملامح لأي مشروع اجتماعي في ذلك الوقت، وإنما تغيرات عشوائية أو تلقائية لا يربط بينها رابط قبل الحملة الفرنسية. لكن الوقائع التاريخية تشير إلى أن الحملة الفرنسية رغم قصر مدتها إلا أنها تركت بصمة قوية في انتشال المؤسسات التقليدية من حالة التخلف، ووضعت هذه المؤسسات على عتبة الحداثة.

فمن المؤثرات التي أحدثها الفرنسيون ما وضعه بونابرت لحكم مصر وسياسة أهلها من نظم وقواعد خاصة، أشرك فيها كبار علمائهم ومشايخهم في حكم البلاد…، وذلك من خلال تشكيل الدواوين في تموز/يوليو 1798، في القاهرة والمديريات، وكذلك الديوان العام الذي يفترض فيه أن يمثل السلطة التشريعية والذي ضم ممثلين من القاهرة وسائر المديريات ولكنه لم يجتمع الا مرة واحدة في عهد الحملة‏[19].

ومن المعروف أن محمد علي كان مفتوناً بالنظام الفرنسي الحديث في إدارة شؤون الدولة، ولكنه وضع بصمته الخاصة على هذا التنظيم. وارتكب خطأً قاتـلاً بمنح الأوروبيين سلطة إدارة هذه المؤسسات. كان يمكن أن يتجنب ذلك بعدة طرق. لكنه أصر على ذلك، إلى درجة أنه كان يصف السلطان العثماني «بأنه متعصب ودمية في أيدي العلماء، وأن تعصُّبه يمنعه من استعمال الفرنجة في مواقع السلطة»‏[20].

يعتمد التحول المؤسسي كما ذكرنا، على تحديد أهداف لكل مؤسسة، ورفع مستوى المشاركين فيها بالتعليم والتدريب، والاستعانة بالتكنولوجيا الوثيقة الصلة، واعتماد البيروقراطية الرشيدة لتنظيم العمل. وتكمن الخطورة القاتلة في الأهداف المؤسسية، على معنى أنه إذا اختلفت أهداف المنظمين – الأوروبيين – داخل مؤسسات دولة محمد علي وخلفائه، عن أهداف السلطة الحاكمة تحدث الكوارث. وفي ذلك العصر كان من السهل أن تُقَرِّب الدول القوية – إنكلترا وفرنسا – من حكام مصر خبراء، ظاهرهم المصلحة وباطنهم الخراب، فيعمل هؤلاء الخبراء على تشويه أهداف التطوير المؤسسي وتغيير مساره، أو بناء تنظيم غير رسمي مواز يعمل على إعاقة هذه المؤسسة عن تحقيق أهدافها. ومن السهل أيضاً استدراج الكثير من هؤلاء المنظمين الأوروبيين من جانب أي طرف بطرق الفساد التقليدية، لتحقيق المآرب السياسية والاقتصادية المختلفة.

والآن لا بد من تقرير بعض الحقائق، بالنسبة إلى وضع الأوروبيين في دولة محمد علي وأسرته، وأوضاع الأتراك والشراكسة، لأن هؤلاء هم من تولوا المناصب القيادية في مؤسسات الدولة. فالأرستقراطية التركية والشركسية أنتجت قيادات خاملة، تقليدية غير متطورة ومتغطرسة، تعتمد على مكانتها الموروثة والمفروضة من الباب العالي، كون مصر ظلت حتى الحرب العالمية الأولى ولاية عثمانية بصورة أو بأخرى، رغم وضعها الاستثنائي المكتسب بعد معاهدة لندن 1840. واحتكر هؤلاء المناصب العليا في المؤسسة العسكرية، والأمن الداخلي، وشؤون المديريات والمراكز والأقسام الادارية.

بينما الجماعة الأوروبية في دولة محمد علي وأسرته من بعده، احتكرت المناصب في قطاعات الزراعة والصناعة والتجارة والتعليم، وزاحمت الجماعة التركية على المناصب داخل المؤسسة العسكرية. وتبلورت قوتهم داخل المؤسسات في مصر، نتيجة عدة عوامل نفصلها في ما يلي:

(1) كانت الجماعة الأوروبية في مصر تتمتع فعلياً بالامتيازات التي منحتها لها الدولة العثمانية، والتي تستثني هذه الجماعة من الخضوع للمحاكم والقضاء المحلي، أو دفع ضرائب إلا بعد أخذ موافقة الحكومات التابعين لها. وقد استفاد من هذه الامتيازات رعايا اثنتي عشرة دولة (فرنسا، إنكلترا، اليونان، الولايات المتحدة الأمريكية، إسبانيا، البرتغال، إيطاليا، بلجيكا، الدنمارك، النرويج، هولندا، السويد). وقد استغلت هذه الامتيازات كذريعة في توجيه السياسات المصرية أسوأ استغلال، ولم يتم إلغاؤها إلا بتصديق هذه الدول على معاهدة منترو عام 1937.

(2) إن محمد علي ومعظم حكام الأسرة العلوية (ما عدا عباس الأول، وعباس الثاني)، كانوا ينطلقون من تصور أن هذه الجوالي الأوروبية هي الأكثر ذكاء ومهارة وقدرة على التجديد، وأنها الأجدر بالثقة من المصريين العرب. فتمتع الأوروبيون في مراحل كثيرة بامتيازات تفوق الامتيازات العثمانية، وفضلهم بعض الحكام (محمد علي، وإسماعيل) على الأتراك أنفسهم.

(3) أن الأوروبيين استغلوا تصورات هؤلاء الحكام وثقتهم أسوأ استغلال، فكانت مصر منذ عهد محمد علي مقصداً لكل الأفاكين والنصابين، وبتواطؤ من القنصليات الأوروبية نهبت كثير من الأموال المصرية وأهدرت في مشاريع وهمية وتعويضات اضطرت الدولة المصرية إلى مكابدتها بحكم قوانين الامتيازات المعمول بها.

2 – أثر العلاقات الطبقية والإثنية في المشروع الاجتماعي

أ – العلاقات الطبقية

الطبقة الاجتماعية ما هي إلا وعاء حضاري، تشغله فئات اجتماعية في حالة سيولة، بمعنى أن الطبقة دائماً ما تكون في استقبال أفراد ووداع آخرين. وقليل من الأفراد من يكتب عليه البقاء في وعاء طبقي واحد إلى الأبد، مثل من هم في أدنى التركيب الطبقي، كبعض الفئات الكادحة والمهمشة – الموصومة اجتماعياً – التي لا تستطيع الفكاك من أسر أوضاعها الطبقية. أما الأغلبية العظمى من أفراد المجتمع، فإنهم في حراك دائم صعوداً أو هبوطاً. هذا هو الوضع الطبقي الطبيعي، لكن في الحالة المصرية، كتب على أغلبية المصريين في عصر الأسرة العلوية البقاء في وعاء طبقي واحد تقريباً. كيف؟

عموماً، إن البناء الاقتصادي – السياسي الذي أسس له محمد علي، وسار عليه خلفاؤه إلى أن جاء إسماعيل، هو بناء لا ينتج فرصاً للحراك الطبقي الحديث. فالنظام الاقطاعي – الاحتكاري الذي طبّقه محمد علي، لا يمكن أن يترتب عليه ميلاد طبقة وسطى مصرية حديثة، كما تذهب بعض الكتابات‏[21]، ويظل الوضع الطبقي الإقطاعي ثنائي التركيب مع وجود طبقة برجوازية صغيرة تعمل في خدمة مصالح النظام.

تشير الوقائع التاريخية إلى أن الطبقة الوسطى الحديثة التي تشكلت في عصر محمد علي تكوَّن أغلب أفرادها من المهندسين والأطباء والفنيين والعسكريين والسماسرة والصيارفة الأوروبيين الذين استقدمهم محمد علي للخدمة في الجيش والمصانع والدواوين وبورصة الإسكندرية. وظلت هذه الفئة تتمتع بمميزات أكيدة داخل المجتمع المصري، وقد منحها محمد علي أراضي الرزقة، وظلت ظهير الدولة العلوية حتى قيام ثورة تموز/يوليو 1952.

ومع ذلك، فإننا لا ننكر اهتمام محمد علي بالتعليم، وأثره في الحراك الطبقي لشريحة من المصريين، إلا أنها تبقى في كل الأحوال، شريحة صغيرة قياساً بحجم السكان في ذلك الوقت، ويمكن إدراجهم ضمن النخبة الاجتماعية، وأصبحت لهم أوضاع اقتصادية وسياسية بعد ذلك، فقد ضمن لهم محمد علي مصادر لتراكم الثروة بمنحهم مساحات كبيرة من أراضي الرزقة.

أما الطبقة الوسطى المصرية العربية الخالصة، فإن قاعدة تأسيسها حركة التوسع في التعليم الحديث الذي قاده الخديوي إسماعيل. وقد ذكرنا في هذه الورقة وفي أكثر من موضع، أن الجماعة المصرية بشرائحها كافة، كانت مهمشة تهميشاً متعمداً طوال عصر الأسرة العلوية. ولم يشفع للمصريين العرب تفوقهم الملحوظ في المجالات كافة. وبقيت الجماعتان التركية والأوروبية حائزتين المنافع السياسية والاقتصادية حتى الحرب العالمية الأولى، وسقوط الخلافة، فحدث اندماج وتحالف بين أعيان الريف من المصريين، والجماعتان التركية والأوروبية، وهو التحالف الذي أوجد الطبقة العليا صبيحة ثورة يوليو 1952.

ب – العلاقات الإثنية

من دون تردد، نذهب إلى أن مشكلة الأسرة العلوية، ظلت في انحيازها العرقي وليس الديني، فقد قسموا الناس إلى: عرب (مصريين)، أتراك، شراكسة، أوروبيين، وهكذا. لكن هؤلاء الحكام – على اختلاف ميولهم العرقية – لم يكونوا متحيزين إلى دين أو مذهب ضد آخر.

فمن الثابت تاريخياً إلى أن محمد علي هو الذي قضى مبدئياً على التفرقة بين الأقباط والمسلمين، وزاد الوالي سعيد باشا بإزالة معظم العقبات التي تحول دون الاندماج الكامل للأقباط في صلب الأمة، بقراراته غير المسبوقة بقبول الأقباط في الجيش، وإلغاء الجزية المفروضة على الذميين بالفرمان الصادر عام 1855. وفي عصر الخديوي إسماعيل نال الأقباط حقوقهم السياسية والاعتبارية بموجب قانون إنشاء مجلس الشورى عام 1866، الذي منحهم الحق في عضوية المجلس أسوة بالمسلمين، إضافة إلى تعيين قضاة من الأقباط في المحاكم، فضـلاً عن أن إسماعيل هو أول حاكم يمنح لقب الباشوية لواحد من الأقباط‏[22].

خاتمة

نستخلص مما سبق أن التحولات الاقتصادية والسياسية التي شهدتها مصر منذ عهد محمد علي لم تستهدف بلورة مشروع اجتماعي شامل، باستثناء تجربة إسماعيل التي انتهت نهاية مأساوية، ومع ذلك بقيت إصلاحاته الحضرية شاهدة حتى الآن. غير ذلك فإن أغلب السكان في مصر من الفلاحين والتجار وأرباب الحرف والصنائع، لم يستفيدوا تاريخياً من أسرة محمد علي. وحُرموا من الثروة التي تولدت من قوة عملهم وبدمائهم وبسخرتهم داخل البلاد، وفي الحملات العسكرية خارج البلاد.

لقد تبددت ثروة مصر في أوهام التوسع بلا نتائج (محمد علي وإسماعيل) أو أُهدرت في البذخ ودفع الرشا للباب العالي من أجل تعديل فرمان أو استصدار فرمان (سعيد، وإسماعيل). أما ثروات الأفراد فقد تركزت في أيدي جماعتين منغلقتين (الأوروبية، والتركية)، منذ عهد محمد علي وحتى نشوب الحرب العالمية الأولى، ثم نشأ تحالف اجتماعي – اقتصادي جديد يدمج الأعيان المصريين والأوروبيين والأتراك في جماعة واحدة. هيمنت على الصناعة والتجارة والخدمات الإنتاجية إلى جانب هيمنتها على القطاع الزراعي إلى أن قامت ثورة يوليو 1952، فاستردّ المصريون السيطرة على حياتهم الاجتماعية مرة أخرى.

 

إطّلعوا أيضاً على  ثورة يوليو : شعلة في واقع عربي مظلم

المصادر:

(*) نُشرت هذه الدراسة في مجلة المستقبل العربي العدد 486 في آب/أغسطس 2019.

(**) أحمد موسى بدوي: باحث سوسيولوجي حر – مصر.

[1] هيلين آن ريفلين، الاقتصاد والإدارة في مصر في مستهل القرن التاسع عشر، ترجمة أحمد عبد الرحيم مصطفى ومصطفى الحسيني (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2016)، ص 27.

[2] مجموعة من المؤلفين، المرجع في تاريخ مصر الحديث والمعاصر، قدّم له وراجعه يونان لبيب رزق (القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة، 2009)، ص 116.

[3] عبد الرحمن الرافعي، عصر محمد علي، ط 4 (القاهرة: دار المعارف، 1989)، ص 551.

[4] أحمد أحمد الحتة، دراسات في تاريخ مصر الاقتصادي والسياسي في القرن التاسع عشر (القاهرة: دار الكتب والوثائق القومية، 2012)، ص 24.

[5] فيليب مانسيل، ثلاث مدن مشرقية – سواحل البحر الأبيض المتوسط بين التألق والهاوية (الجزء الأول)، ترجمة مصطفى قاسم، عالم المعرفة؛ 454 (الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 2017)، ص 113.

[6] الرافعي، عصر محمد علي، ص 550.

[7] مجموعة من المؤلفين، المرجع في تاريخ مصر الحديث والمعاصر، ص 142.

[8] جلال أمين، قصة الاقتصاد المصري: من عهد محمد علي إلى عهد حسني مبارك (القاهرة: دار الشروق، 2012)، ص 13 وما بعدها.

[9] مجموعة من المؤلفين، المصدر نفسه، ص 147.

[10] ريفلين، الاقتصاد والإدارة في مصر في مستهل القرن التاسع عشر، ص 174.

[11] مسعود ضاهر، النهضة العربية والنهضة اليابانية: تشابه المقدمات واختلاف النتائج، عالم المعرفة؛ 252 (الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 1999)، ص 75.

[12] صلاح أحمد هريدي، الحرف والصناعات في عهد محمد علي (القاهرة: دار المعارف، 1985)، ص 276 – 280.

[13] منح سعيد صديقه الأفاق، فردينان دي لسبس، امتياز حفر قناة السويس، فيه تساهل معيب وخطير، وكان في إمكانه أن يعرض المشروع في مناقصة عالمية ويحصل لمصر على أفضل العروض، لكنه تصرف، كما يذهب مصطفى الحفناوي، في مصير أجيال متلاحقة من المصريين على نحو مهين. انظر: مصطفى الحفناوي، قناة السويس ومشكلاتها المعاصرة (الجزء الأول) (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2015)، ص 137. فالشركة بموجب هذا الامتياز أصبحت تملك الأراضي الواقعة على ضفتي القناة وبعمق كيلومترين. والدولة ملتزمة بتوفير أربعة أخماس القوة العاملة. وبعد كل ذلك تتمتع الشركة بملكية وحق استغلال القناة لمدة 99 عاماً من تاريخ افتتاحها للملاحة. وأخيراً فإن الدولة تحصل على 15 بالمئة فقط من صافي الأرباح السنوية. انظر: مجموعة من المؤلفين، المرجع في تاريخ مصر الحديث والمعاصر، ص 229، وتأسست الشركة في 1858، وأصدرت 400 ألف سهم، اشترى سعيد 45 بالمئة منها أي نحو 177642 سهم.

[14] مانسيل، ثلاث مدن مشرقية – سواحل البحر الأبيض المتوسط بين التألق والهاوية (الجزء الأول)، ص 196.

[15] ريمون فلاور، مصر من قدوم نابليون حتى رحيل عبد الناصر، ترجمة سيد أحمد على الناصري (القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة، 2002)، ص 211.

[16] ماجدة بركة، الطبقة العليا المصرية بين ثورتين (1919 – 1952)، ترجمة محمود ماجد (القاهرة: المركز القومي للترجمة، وزارة الثقافة، 2009)، ص 41 – 43.

[17] المصدر نفسه، ص 48.

[18] مجموعة من المؤلفين، المرجع في تاريخ مصر الحديث والمعاصر، ص 408.

[19] المصدر نفسه، ص 115.

[20] مانسيل، ثلاث مدن مشرقية – سواحل البحر الأبيض المتوسط بين التألق والهاوية (الجزء الأول)، ص 137.

[21] لا نتفق مع ما ذهب إليه علي ليلة في أن «المشروع التحديثي لمحمد علي قد عمل في اتجاه توسيع نطاق وفاعلية الطبقة الوسطى بجناحيها التقليدي والحديث […] وأن هذه الطبقة منذ بداية ظهورها وتبلورها وهي تؤدي دوراً نضالياً، فهي التي ساندت [من خلال قطاعها التقليدي] محمد علي باشا وأوصلته إلى سدة الحكم والسيطرة فى مواجهة القوة العثمانية المسيطرة والفرنسية الغازية، ثم هي التي أدّت دوراً أساسياً في تجسيد المشروع الاجتماعي لمحمد علي لتحديث مصر». انظر: محمد السعيد إدريس، محرر، ثورة 23 يوليو 1952: دراسات في الحقبة الناصرية (القاهرة: مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، 2003)، ص 90 وما بعدها. والصحيح أن النخبة الدينية والتجارية – وليس الطبقة الوسطى – هي التي أوصلت محمد علي إلى سدة الحكم، وقد تنكر لهذه النخبة بعد ذلك، بعد إقالة عمر مكرم من رئاسة نقابة الأشراف، ونفيه إلى دمياط في عام 1809.

[22] جاك تاجر، أقباط ومسلمون منذ الفتح العربي إلى عام 1922 (القاهرة: كراسات التاريخ المصري، 1951)، ص 231 وما بعدها.


أحمد موسى بدوي

باحث سوسيولوجي حر- مصر.

مقالات الكاتب
بدعمكم نستمر

إدعم مركز دراسات الوحدة العربية

ينتظر المركز من أصدقائه وقرائه ومحبِّيه في هذه المرحلة الوقوف إلى جانبه من خلال طلب منشوراته وتسديد ثمنها بالعملة الصعبة نقداً، أو حتى تقديم بعض التبرعات النقدية لتعزيز قدرته على الصمود والاستمرار في مسيرته العلمية والبحثية المستقلة والموضوعية والملتزمة بقضايا الأرض والإنسان في مختلف أرجاء الوطن العربي.

إدعم المركز

Privacy Preference Center