مقدمة:

يمثّل تعليم اللاّجئين تحدّياً للعديد من بلدان الإقامة؛ إذ تبيّن أن إيجاد توازن بين الحاجة إلى إدماج اللاّجئين والحفاظ، في آنٍ معاً، على ثقافتهم الخاصّة وهويّتهم ولغتهم مَهَمَّة عسيرة غالباً. هنالك مقاربتان لتعليم اللّاجئين، تركّز الأولى منهما على إدماجهم الاجتماعيّ والسّياسيّ والاقتصاديّ في حين تعتبرهم ثانيتُهما ضُيوفاً موقّتي الإقامة، حالتُهم طارئة؛ إذ لا يلبثون أن يعودوا إلى مَواطنهم الأصلية. في الحالة الثانية تُؤمِّن برامج تربية اللاّجئين على الأغلب تعليماً يعتمد مُقرّر موطنهم الدراسي.

يمثّل اللاجئون الفلسطينيون في لبنان حالة خاصة بالنّسبة إلى معظم الحالات الأخرى، نظراً إلى «درجة الإقصاء السّياسيّ والاقتصاديّ والاجتماعيّ الفريدة» التي يشهدونها منذ أكثر من خمسة وستين عاماً عاشوا فيها «موقتاً» وضعَ اللاّجئين المحرومين من حقوقهم الأساسية؛ إذ عليهم أن يتعلّموا المقرّر الدّراسي اللّبناني ولكن لا حقّ لهم في النّفاذ إلى المهن الوظيفية[1].

ترمي هذه الدراسة إلى إبراز المفارقة التي تواجه اللاجئين الفلسطينيين في لبنان مُتَجَلّيةً في إدماجهم قسراً عبر تلقّي المقرر الدراسي اللبناني مع اضطرارهم في الوقت ذاته إلى البقاء على هامش المجتمع اللبناني نتيجة للقوانين والترتيبات اللبنانية التمييزية. بغية استقصاء ذلك؛ فحصتِ هذه الدراسة، نوعية التربية المتوافرة للفلسطينيين الدارسين في مدارس الأنروا (وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين) ووَقْع التضييقات القانونية اللبنانية على حافزهم التعليمي وتطلعاتهم التربوية. يتوزّع محتوى الورقة على قسمين اثنين يعرض الأوّل منهما تقويماً عامّاً للظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتعليمية التي يعيشها اللاجئون الفلسطينيون في لبنان وما وُصف بأنه «حالة استثناء»[2]، بينما يقدّم القسم الثاني نتائج هذه الدراسة ويناقشها.

أولاً: منهجية الدراسة

شملت منهجية الدراسة مقاربات كمية وكيفية. أجري تحقيق كمّي على 404 من التلاميذ و48 من المدرسين في خمس مدارس ثانوية تابعة للأنروا، وخيضت دراسة حالة لمدرسة ابتدائية وأخرى إعدادية من مدارسها. وشمل ذلك مقابلات جماعية مركزة ضمت تلاميذ ومدرسين وأولياء، وانتهت بمقابلات رأسٍ لرأس مع ستة من المسؤولين. وبما أن التحقيق الكمّي لم يشمل إلا المدارس الثانوية فقد كان الهدف الرئيسي من إقامة دراسة حالة لمدرسة ابتدائية وأخرى إعدادية فحص التطلّعات الدراسية لدى التلاميذ اليافعين الذين يحتمل ألا يتقدموا دراسياً بحيث يلتحقوا بالمدرسة الثانوية.

غطت الدّراسة ـ على الإجمال ـ ست مدارس تابعة للأنروا، خمس منها ثانوية وواحدة ابتدائية في بيروت وصيدا وصور وطرابلس وبعلبك. وكانت الخاصية الرئيسية التي على أساسها تم انتخاب المدارس هي تمثيل المقاطعات المختلفة التي توجد فيها مخيمات اللاجئين الإثني عشر. اختلفت ظروف المخيمات اختلافاً بيّناً، إذ إنه، في حين يُعتبر برج البراجنة مخيماً مفتوحاً تقريباً، فلا يمكن الدّخول إلى مخيم عين الحلوة في صيدا إلا عبر نقطة تفتيش يديرها الجيش اللبناني. واعتمد تحليل النتائج الكمية دراسة مماثلة أقيمت سنة 2005 على طلاب المدارس العمومية اللبنانيين[3]، بنيّة مقارنة تجربة التعلّم لدى جمهور لبناني بمدارس الأنروا.

ثانياً: الدراسات السابقة

1 ـ اللاجئون الفلسطينيون في لبنان: سياقٌ قامعٌ قاهر

عَقِب الحرب العربية ـ الإسرائيلية الأولى وإقامة دولة إسرائيل سنة 1948، نزح مئات ألوف الفلسطينيين من موطنهم وبحث أغلبهم عن اللّجوء في بلدان الجوار: الأردن وسورية ولبنان. إن عدد اللاجئين الفلسطينيين الحالي وتوزّعهم ليس معروفاً على وجه الدقّة، إذ يوجد الآن 425.640 لاجئاً فلسطينياً مسجلين على قوائم الأنروا في لبنان[4]. ولكن، استناداً إلى البيانات المتوافرة من طريق تحقيقات الجامعة الأميركية في بيروت والأنروا (AUB-UNRWA)، يُقدّر أن ما يراوح بين 260 ألفاً و280 ألفاً فحسب، يقيمون بالبلد مع اعتبار هامش خطأ يقدّر بخمسة بالمئة تزيد أو تنقص. ويعيش ما يناهز اثنين وستين بالمئة من اللاجئين في اثني عشر مخيّماً موزّعة على امتداد لبنان ويعيش الثمانية والثلاثون بالمئة الباقون في سبعة وعشرين جماعة تعرف بـ «التجمّعات» أغلبها في جوار تلك المخيمات. ويفيد هذا الرّقم أن الفلسطينيين يمثّلون ما يناهز الستة إلى سبعة بالمئة من سكّان لبنان.

شهد اللاجئون الفلسطينيون في لبنان أوقاتاً عصيبة ميّزها عدم الاستقرار السياسي وشحّ الفرص الاجتماعية الاقتصادية وتدهور الظروف البيئية في المخيمات. فبخلاف بلدان إقامة أخرى مثل سورية ومصر والأردن؛ لم ترغب الدولة اللبنانية في إقامة مؤسسات خاصة باللاجئين أو في التكفّل بإدماجهم في المجتمع اللبناني وتحت مظلّة نظامها الرعائي. موضوعياً؛ ثمّة تمسّك مُعلن بتمكين الفلسطينيين من ممارسة «حقهم في العودة»[5]، ولكن الوضع في الحقيقة مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالسياسات اللبنانية الداخلية. ففي لبنان ديمقراطية طائفية توافقية تتوزّع فيها السّلطة السّياسية على المذاهب الدّينية بحصص تناسب نسبة كل منها من السكّان حسب صيغة محدّدة قانوناً[6]. وبما أن أغلبية الفلسطينيين من المسلمين السُّنّة فإن سيرورة توطينهم قد تؤدّي إلى انقلاب في التوازن الديمغرافي على حساب مسيحيي البلد[7]. فضلاً عن ذلك، ثمّة شعور عدائيّ تجاه الفلسطينيين تنامى لدى العديد من الشرائح السكانية اللبنانية[8] بسبب التصوّرات الماثلة عن الدّور الذي اضطلعوا به في الحرب الأهلية المريرة والمدمّرة.

دفعت كل هذه العوامل مجتمعةً الدولة اللبنانية إلى اتخاذ موقف تمييزي ضد اللاجئين الفلسطينيين وحافظت السلطات على مراعاتها موقفيْن منهم بحيث تعاملهم تارة على أنهم لاجئون ولكنهم خاضعون لترتيبات تمنع عنهم التمتع بحقوقهم الأساسية مثل حقّيْ العمل والتملك، وطوراً على أنّهم أجانب حتى ولو كانوا من مواليد لبنان.

باتت المخيمات المكتظة مواقع يمارس عليها الجيش اللبناني الرقابة والسيطرة وقلّصت حواجز التفتيش التي يقيمها على مداخلها حِراكَ الناس. وتجدر الإشارة إلى أن العلاقات اللبنانية ـ الفلسطينية شهدت عقب واقعة اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري تحوّلات تمخضت عن: (أ) تركيز هيئة حكومية جديدة هي لجنة الحوار اللبناني ـ الفلسطيني (ل ح ل ف) أواخر 2005 تعمل تحت نظر رئيس الوزراء الأسبق فؤاد السنيورة وذلك من أجل تطوير وضع الفلسطينيين و(ب) في أيار/مايو 2006، إعادة فتح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان الذي كان مغلقاً منذ 1982.

2 ـ الكفاح التعليمي للاّجئين الفلسطينيين في لبنان

لا يتمتّع أبناء اللاجئين الفلسطينيين إلا بنفاذ محدود إلى النظام التربوي اللبناني الأهلي. وتُؤمن الأنروا التي أُسِّسَت سنة 1949 برامج إغاثة مباشرة والخدمات التربوية للاجئين الفلسطينيين منذ 1950. وهي تدير راهناً أكثر من 68 مؤسسة على امتداد البلاد تؤمّن تعليماً ابتدائياً بست سنوات وتعليمين إعدادياً وثانوياً بثلاث سنوات لكل منهما. ولبنان هو البلد الوحيد الذي تؤمّن فيه الأنروا تعليماً ثانوياً مُديرة في نطاقه ثماني مدارس على امتداد البلاد بعد أن اقتصرت على تأمين التعليم الابتدائي حتى 2005 سنة إطلاقها تعليماً ثانوياً. وتتبع المدارس كلا البنية التعليمية والبرامج الدراسية اللبنانية. ولكن، وعلى الرغم من إجبارية الانتظام ما قبل المدرسي للأطفال اللبنانيين فإن الأنروا لا تؤمّن الخدمات ما قبل المدرسية للاجئين الفلسطينيين[9].

يعادل الرقم الرسمي للمنتظمين في مدارس الأنروا 32213 تلميذاً[10]؛ ولئن سجلت هذه البيانات ازدياداً طفيفاً مقارنة ببيانات العام السابق لها فإن الرقم العام للمنتسبين يسجّل على العموم تراجعاً منذ 2001 حين كان قد بلغ 42259 تلميذاً‏[11]. ويتوجب اعتبار هذه البيانات الموثِّقَةِ لتراجع الانتساب المدرسي لدى اللاجئين في علاقة بالرقم الجملي للاّجئين المسجلين في لبنان والذي شهد ارتفاعاً مطرداً في الفترة نفسها.

يقارب انتساب اللاّجئين الفلسطينيين إلى مدارس الأنروا نسبة الانتساب المدرسي العالمية ولكنه على المستوى ما قبل المدرسي ذو نسبة طفيفة (بسبب عدم تأمينه من قبل الأنروا)، في حين يشمل القطاع الابتدائي أكثر من ستين بالمئة من التّلاميذ بالتوازي مع ثمانية وعشرين بالمئة في القطاع الإعدادي وما لا يتجاوز عشرة بالمئة للمستوى الثانوي. وفي حين تعادل نسبة انتساب ذوي السبع سنوات 98.6 بالمئة تنحدر نسبة ذوي الإحدى عشرة سنة إلى 93.4 بالمئة. وتقدر نسبة استكمال التعليم الابتدائي بـ 37 بالمئة وبما يتضمّن عدداً مرتفعاً من حالات الرسوب والإعادة بين صفوف السّاكنة اللاجئة.

تكشف البيانات السابقة أن مستويات التعليم تدنت أكثر فأكثر خلال السنوات القليلة الماضية وهو ما تؤكده كذلك نسبة اجتياز امتحانات الشهادة الرسمية «البروفيه» (تخوّل الدخول إلى المستوى الثانوي) والتي لم تتجاوز في بعض مدارس الأنروا، حسب ما تدل عليه نتائجها هي ذاتها، 13.6 بالمئة على الرغم من بلوغها في عموم مدارسها 43 بالمئة للسنة الدراسية 2009 ـ 2010. وقد تم تسجيل تناقص التحصيل الدراسي هذا على الرغم من سعي الأنروا إلى بناء مدارس جديدة في أغلب المخيمات الفلسطينية وعملها بحزم على إلغاء «الاستخدام المضاعف» للأيام الدراسية، على أن أغلب مدارسها تعاني تدنّي مستوى التدريس ونقص الموارد والمختبرات الأساسية التي يمكنها أن تدفع بالتعلّم الملتزم والنشط والتفكير النقديّ في صفوف التلاميذ.

عُزِيَ هذا النّزيف التعليمي المسجّل في صفوف صغار الفلسطينيين إلى عدد من العوامل من قبيل تدهور ظروف اللاجئين الفلسطينيين الاجتماعية والاقتصادية وتعاظم خيبة الأمل من الدراسة ومن الفوائد التي تعود بها. كما يعاني التلاميذ الفلسطينيون من التثاقف الدّراسي إذ يجدون أنفسهم مجبرين على تلقّي المقررات اللبنانية ـ دون غيرها ـ دون التمكن من النفاذ إلى نظامهم التعليمي الخاص. ويفحص القسم التالي هذه التحديات الثلاثة الرئيسية:

3 ـ خلفية التلاميذ الاجتماعية الاقتصادية: الإقصاء

تتسبّب العوامل الاجتماعية والسياسية التي تؤثر في الأسر الفلسطينية وظروف الحياة البالغة العسر التي تكابدها الكثير من العائلات الفلسطينية (وبخاصة منها ذات العائل الوحيد مثلاً) في تحصيل التلاميذ نتائج هزيلة كما تشجّع التسرّب المدرسي. أغلب منازل المخيمات مكتظة وتعاني الإضاءة غير الملائمة وضعف التدفئة ورداءة كل من التهوئة والصرف الصحي[12].

أظهر تحقيق حديث حول أُسَر اللاجئين الفلسطينيين أنجزته الجامعة الأميركية في بيروت أن ثلثي اللاجئين فقراء وأن معدّل الفقر المدقع في المخيمات يبلغ 7.9 بالمئة. كما بَنَتْ الدراسة سلم قياس للحرمان اشتملت مؤشراته على مكونات تحيل على الرفاهة الاجتماعية مثل الصحّة الجيّدة والأمن الغذائي والتعليم المناسب وأخرى تتعلق بالتمكّن من الشغل القار والسكن اللائق وامتلاك التجهيزات المنزلية الأساسية. وأظهر سلم قياس الحرمان أن 40 بالمئة من لاجئي لبنان الفلسطينيين محرومون؛ كما ورد في الدراسة أن 56 بالمئة منهم عاطلون من العمل وأن 37 بالمئة فقط من السكّان في عمر النشاط يعملون. ليس من المفاجئ، والحال هذه، أن تشجّع مثل هذه الوضعية الاجتماعية والاقتصادية التلاميذ على مغادرة المدرسة من أجل الحصول على عمل مأجور.

وأبرزت الدراسة من ناحية ثانية الدور المهمّ الذي تضطلع به الدراسة في الحصول على عمل، إذ «تكون حظوظ لاجئ مؤهّل أو حاصل على شهادة جامعية في الحصول على شغل أوفر من حامل الشهادة الثانوية أو ما دونها، بل إن حاملي الشهادات الجامعية يمارسون، وبنسبة 70 بالمئة، مهناً مختصة أو شبه مختصة (وإن كان العديد منهم خارقاً للقانون) في حين يعمل حاملو الشهادات الثانوية أو ما دونها في مهن يدوية ووظائف بسيطة[13].

4 ـ حافز التعلّم

يتأثر الحافز الدافع لاستكمال التعليم سلباً بالاعتقاد في محدودية فرص متابعة دراسات أكثر تقدماً. إن فرص نفاذ اللاجئين الفلسطينيين إلى الجامعة اللبنانية الرسمية محدود بفعل وضعهم بصفتهم أجانب، في حين يتدنى نفاذهم إلى الجامعات الخاصة بفعل انعدام الموارد التي تمكّنهم من دفع رسوم التسجيل[14]. ولئن كانت بعض المنح الجامعية متوافرة للحاصلين على نتائج مدرسية مرموقة فإنها لا تفي بالحاجة إلى الاستجابة إلى الطّلبات[15].

تمثل ندرة فرص تشغيل اللاجئين الفلسطينيين عاملاً مهماً آخر في تقليص حافز التعلّم لدى التلاميذ[16]؛ وتشير الدلائل إلى أن مثل هذا الشعور يلقي بظلال من الشك على إيمانهم بقيمة التعليم[17]. كما أنّ ضعف احتمالات التشغيل المرتقبة يعتبر واحداً[18] من العوامل الرئيسية التي تفعل فعلها في ارتفاع معدّلات التسرّب بالغ الوضوح في صفوف أبناء اللاجئين الفلسطينيين. ولئن كانت البيانات المتعلقة بمعدّلات التسرب متباينة بين الدراسات المختلفة بالنظر إلى التعريفات وطرائق الاحتساب المستخدمة فإن الإجماع حاصل في الأدبيات على أن معدّلات تسرّب اللاجئين الفلسطينيين في لبنان أعلى، وعلى كل مستويات التعليم، من المعدلات المسجلة لدى الجماعات الفلسطينية اللاجئة في سورية والأردن والأراضي المحتلة عام 1967‏[19]، وأعلى بكثير من معدلات تسرب أبناء المدارس اللبنانيين المنتمين إلى المجموعات العُمُرِيّة نفسها[20]. وتتوافر دلائل على أن المتسرّبين من الذكور يغادرون لينخرطوا في عمالة الأطفال، كما تجد معدلات التسرب بعض تفسيرها الآخر في عموم عدم الرضا حيال طبيعة التدريس ومستواه وفي عوامل اجتماعية من قبيل الزواج والإنجاب المبكرين، وفي صفوف الإناث على وجه الخصوص.

ثالثاً: التثاقف المدرسي: الإدماج المزيّف

على امتداد أرجاء العالم، تتمثل الأهداف الرئيسية من التربية بإعداد الأفراد للالتحاق بسوق العمل وفي بناء فهم موحّد للهوية «الوطنية» أو، على حد ما نقتبسه من عبارة بينيدكت أندرسون، اكتساب نظرة موحّدة للأمة بوصفها جماعة سياسيّة مُتَخَيَّلَةً[21].

إن الوضع التعليمي للفلسطينيين في لبنان يتجاهل كلا الهدفين. فعلى أساس اتفاق تمّ بين الأنروا واليونسكو وبلدان الإقامة سنة 1954 يتلقّى تلاميذ مدارس الأنروا وجوباً مقرّر بلد الإقامة الدّراسيّ، وقد تمّ ذلك بنيّة تيسير نفاذ اللاجئين إلى مدارس بلد الإقامة الثانوية وتعليمه الجامعي. ولكن بفعل محدودية تمكن التلاميذ الفلسطينيين اللاجئين من الحق في تقلد الوظائف في لبنان، فهم يجدون أنفسهم، وبصرف النظر عما يحرزونه من نتائج مدرسية، عاجزين عن بناء مسار مهني في لبنان. كما يُحظر على الفلسطينيين تخيّل أنفسهم أعضاء في جماعة سياسية واقتصادية واجتماعية ومدنية؛ ونتيجة لذلك هم لا يعانون الإقصاء الاقتصادي والسياسي والمدني فحسب؛ بل، أكثر من ذلك، إن إجبار أطفال المخيمات الفلسطينيين على متابعة المقررات الدراسية اللبنانية بما فيها تاريخ لبنان والتربية المدنية بينما لا يتاح لهم المشاركة في المجتمع المدني والسياسي أن يساهم في إيجاد سيرورة «تثاقف» (Acculturation)‏[22].

يكفّ «التثاقف» عن أن يكون مفهوماً حميداً على العموم ليصير قضية إشكالية كلما كان مرفوقاً بإقصاء اجتماعي واقتصادي، ويزيد تثاقف الفلسطينيين سوءاً بالتركيز المبالغ فيه على تصوّر قومي ضيق للانتماء الوطني في المقرّر الدّراسي اللبناني وبخاصة عقب نهاية الحرب الأهلية اللبنانية سنة 1989. حدّد المقرر الجديد هدفيْه الأكثر أهمية في بناء شخصية الأفراد وتأكيد الانتماء الوطني اللبناني[23]. ويُظهر تحليل لمحتوى المقرّر الجديد وُضِعَ سنة 1997 أن ترسيخ الانتماء الوطني كان على أعلى الأولويات، بل إن الكتب المدرسية لمواد الدراسات المدنية والاجتماعية لا تتناول مطلقاً قضايا اللاجئين الفلسطينيين أو حتى حقوق اللاّجئين[24].

وعلى العكس من ذلك؛ تركّز كتب التربية المدنية على الانتماء الوطني اللبناني. يساهم تدريس المقرر اللبناني المبنيّ على فكرة مخصوصة للهوية اللبنانية وللانتماء الوطني، مقابل التغاضي عن هوية اللاجئين، وحقوقهم في إعادة إنتاج منطق تمييزي تجاه «الآخرين» وهم اللاّجئون الفلسطينيون.

رابعاً: نتائج الدراسة: نوعية التعليم في مدارس الأنروا في لبنان

1 ـ التدريس والتعلّم: سُبُلٌ وَعِرَةٌ

تدعم النتائج التي توصلت إليها هذه الدراسة تأكيد الكتابات التي تعتبر أن التدريس في مدارس الأنروا يتميّز بكونه تلقينياً وسلبياً، وقليلةٌ فرص تبنّيه مقاربات بيداغوجية أخرى. تبرز الطبيعة التلقينية للدروس من خلال تأكيد أكثر من 68 بالمئة من التلاميذ المستجوَبين أنهم يتابعون شروح الأستاذ من دون مشاركة ولا تعليق دائماً (انظر الجدول الرقم (1)).

ويوافق أقل من 49 بالمئة من التلاميذ على أنهم يناقشون الغرض من الدرس مع أساتذتهم دائماً في حين يوافق أقل من 36 بالمئة منهم على أنهم يخوضون مناقشات داخل الفصل الدراسي حول المواضيع التي تتناولها الدروس دائماً. ويشهد أكثر من 48 بالمئة بقليل منهم أن عليهم دائماً أن يخزّنوا محتويات الدرس في ذاكراتهم مع بلوغ نسبة من يؤكدون أنهم يقومون بذلك بصفة منتظمة 34.5 بالمئة.

كما تظهر هيمنة طريقة التلقين على التعلّم في تأكيد 64 بالمئة من التلاميذ أنّهم لا يقدمون عروضاً أبداً، كما تتأكّد ندرة فرص التعلّم التعاوني بما أن أقلّ من 29 بالمئة من التلاميذ يؤكدّون قيامهم بأعمال جماعية. كما يتأكد أن التعلم الذاتي محدود في مدارس الأنروا التي شملها التحقيق بما أن أقل من 23 بالمئة من التلاميذ يصرحون بأنهم يقومون ببحوث خارج المدرسة تتعلق بدراساتهم. وأخيراً يوافق أقل من 15 بالمئة من التلاميذ بشدة على أن مدرستهم تشجع على التفكير النقدي بالتوازي مع ما يقارب 50 بالمئة يعترضون بشدة على أنها تفعل ذلك.

الجدول الرقم (1)

نظرة الطلاب إلى التعلُّم والتدريس داخل الفصل الدراسي

(الأرقام بالنسبة المئوية)

غير موافق بالمرةأحياناًموافق كلياًالمتغيرات
17.030.052.9الأساتذة يشجعوننا على العمل ضمن مجموعات
31.642.026.4أتابع شروح الأستاذ من دون مشاركة ولا تعليق
14.142.942.9أحلل المعلومات والنظريات التي أتعلمها في الفصل
17.348.034.6أطبق المعلومات التي أتعلمها في الفصل
64.023.612.3أقوم بعروض
56.428.914.7أشارك في الأنشطة الجماعية التي تنظمها المدرسة
60.822.616.6لي أنشطة خارج المدرسة
39.737.622.7أقوم ببحوث خارج المدرسة
14.735.614.7مدرستي تشجع التفكير النقدي

 

عندما تقارن النتائج السابق عرضها بتلك التي وقفت عليها دراسة مماثلة أجريت على تلاميذ لبنانيين في خمس مدارس عمومية سنة 2005 نسجّل أن التدريس والتعلم أكثر تلقينية في مدارس الأنروا مقارنة بالمدارس الرسمية اللبنانية. فقد أقر ما يقارب ثلثي التلاميذ اللبنانيين أنهم كثيراً ما يقدّمون عروضاً في حين صرح 81 بالمئة منهم أنهم يقومون بأعمال جماعية داخل الفصل الدراسي. ويمكن أن يُعزى انخفاض نسبة اتّباع طرائق التعلّم النشطة والتفاعلية والتعاونية التي وقفت عليها الدراسة لدى التلاميذ الفلسطينيين جزئياً على الاكتظاظ الشديد المسجّل في الفصول الدراسية مقارنة بتلك التي تحويها المدارس العمومية. تشير الإحصاءات إلى أنّ أقلّ من نصف فصول المدارس العمومية قليلاً تَعُدُّ 15 تلميذاً في كل واحد منها بينما تُعتبر 20 بالمئة منها مكتظّة بِعِدَاد 26 إلى 35 تلميذاً في كل واحد منها. على أن معدل عدد تلاميذ الفصل الواحد في مدارس الأنروا هو 30 في كل واحد منها وهو ما يجعل منها الفصول الدراسية الأكثر اكتظاظاً في لبنان.

وتؤكّد المعطيات التي تم تجميعها لدى مُدَرِّسي مدارس الأنروا ما أورده التلاميذ الفلسطينيون المشمولون بالتحقيق حول اعتماد المعلمين أساليب تعليم تلقينية، ذلك أن 71 بالمئة من المعلمين الذين شملتهم الدراسة يؤكدون أن «التلاميذ يحضرون إلى المدرسة لتعلّم ما يَعْلَمُهُ المدرّس»، كما أكّدت أغلبية المُدرّسين الذين شاركوا في المقابلة الجماعية المركزة أنّهم يشددون على المعلومة التي على التلاميذ تخزينها في ذاكراتهم وأن تقدير مَرْدُودهُم يكون أوّلاً حسب نجاحهم في استعراضها عن ظهر قلب.

2 ـ البيئة المدرسية: فرصة وعَقَبَةٌ

تشير الأدبيات إلى أنّ للعلاقة الضعيفة القائمة بين التلاميذ والمدرّسين، في بعض الحالات، أثراً مُضرّاً بتقدّم التلاميذ الدراسي وبما يحرزونه من تحصيل. إذ تشير نتائج الدراسة إلى أنّ علاقة التلاميذ بالمدرّسين ضعيفة على العموم وفي ما يتبنّاه عنها الأوّلون من تصوّر على الأقل. ومثلما يجسّده الجدول الرقم (2) يوافق ما يقارب الخُمُسَ من التلاميذ بشدة على أنهم يشعرون بالخوف كلما كانوا على مقربة من المُدَرّسين، مع بلوغ نسبة من يؤكّدون أو يؤكّدون بشدّة أن علاقاتهم بمدرسّيهم سيئة ما يقلّ قليلاً عن 13 بالمئة. ولا يوافق أو يوافق بشدة إلا ما يتجاوز الخمسين بالمئة بقليل (56 بالمئة) من التلاميذ على أنهم يحبّون أغلبية مدرّسيهم. على أن تحليل نتائج أخرى يشير إلى أن هذه العلاقة يمكن أن تكون محدودة وسطحية، إذ يوافق أقل من 27 بالمئة من التلاميذ بشدة أو من دونها على أن مدرسيهم يتفهمون حاجاتهم في حين يؤكّد 30 بالمئة، أو يؤكدون بشدة، أن بإمكانهم التحدث مع مدرسيهم حول مشاكلهم الشخصية. ويؤكّد ثلاثة أثمان (37.5) بالمئة منهم، أو يؤكدون بشدة، أن مدرسيهم يعيرون اهتماماً لما يكونون عليه من الضجر أو الفرح أو الحزن في حين يؤكد 42 منهم، أو يؤكدون بشدة، أن مدرسيهم يعيرون اهتماماً لآرائهم وتعاليقهم واقتراحاتهم.

الجدول الرقم (2)

علاقات المدرّسين بالطلاب

(الأرقام بالنسبة المئوية)

المتغيرغير موافق بالمرةأحياناًموافق كلياً
لا تُعيرني المدرسة اهتماماً إلا عند تسبّبي في مشاكل37.418.943.7
يمكنني التحدث مع مُدَرِّسِيَّ حول مشاكلي الشخصية29.327.243.5
أحب أغلب مُدَرّسيّ56.926.316.8
يعير مدرّسيّ اهتماماً لضجري أو فرحي أو حزني36.935.627.5
أمكث أوقاتاً طويلة مع أغلب مدرّسيّ56.330.213.6
يعير مدرّسيّ اهتماماً لآرائي وتعاليقي واقتراحاتي41.737.420.9
يقبل مدرّسيّ بتعبيرنا عن عدم موافقتنا على بعض الأشياء38.936.624.6
يتفهم مدرّسيّ حاجاتي26.639.134.3
أشعر بالخوف عندما يكون أحد المدرّسين بجواري19.221.759.1
يُظْهِرُ لي مدرّسيّ التعاطف والاحترام58.824.816.4
أحب ارتياد المدرسة50.929.219.8

 

تتعزّز قلة دعم المدرسين للتلاميذ كما يدركها هؤلاء بفعل تصوّر الأوّلين الأكاديمي لدورهم، وبالفعل تعتقد نسبة معتبرة من المدرسين (44 بالمئة) أن الهمّ الأول للمدرسة هو الترقّي في السلم الأكاديمي، ويفسر 58 بالمئة منهم أن الوظيفة الرئيسية للمدرسة هي تنمية القدرات الفكرية للتلاميذ. وقد ترافق ضعف علاقة المدرسين بالطلاب مع مصاعب في بعض الاختصاصات. ويظهر الجدول الرقم (3) أنّ ما يقارب 50 بالمئة من التلاميذ طُردوا من الفصل بينما طُرد 28 بالمئة منهم من المدرسة من بينهم 11 بالمئة تعرّضوا للطرد أكثر من مرّة.

الجدول الرقم (3)

إفادات الطلاب عن الإجراءات التأديبية التي تعرضوا لها في مدارسهم

(الأرقام بالنسبة المئوية)

المتغيراتأبداًمرّة واحدةمرّتانثلاث مرّات أو أكثر
دُعِيتَ إلى مكاتب الإدارة لتلقي التوبيخ56.625.710.97.4
دُعِيَ أولياؤك إلى المدرسة بسبب خرقك لتراتيب المدرسة68.621.16.14.2
طردت من الفصل الدراسي من قِبَلِ المُدرّس52.528.810.78.0
طردت من المدرسة من قِبَل الإدارة72.416.36.35.0

 

وتشير الأدبيات إلى أن بعض التوتر في علاقات المدرّسين بالتلاميذ ينبع من الطرائق المتّبعة في فرض الانضباط، التي يستمرّ فيها الاعتماد على العقاب البدني على الرغم من منعه قانوناً. اشتكى المدرسون من عدم السماح لهم بأن يتّبعوا ما يَرَوْنَ من أجل فرض الانضباط على التلاميذ من ضمنها التعنيف الجسدي، كما أن الأغلبية (63 بالمئة) صرّحت بأن التّلاميذ عموماً لا يحترمون مدرّسيهم.

فضلاً عن ذلك، اعتبر 35 بالمئة من المدرّسين أن المدرسة لا تشرح بوضوح سياستها التأديبية للتلاميذ. خلال إحدى الزيارات التي أدّيناها لمدرسة وبينما كنا نستجوب المسؤول لاحظَت الباحثة عصاً غليظة على مكتبه وعند سؤاله عن ذلك أقرّ بأنه، وعلى الرغم من حظر الأنروا للعقاب البدني، لا يزال يستخدمه معتبراً إياه طريقة تأديبية فائقة الفعالية. وفي أثر الاستجواب رأت الباحثة المدير يعاقب بعض التلاميذ مستخدماً العصا الغليظة. لم يلاحَظ العقاب البدني إلا في واحدة من المدارس الخمسة وأُنْكِرَ وجوده في واحدة. وعلى نحو غير مفاجئ إذاً، لا تشعر نسبة مئوية معتبرة من التلاميذ أن الأنظمة العقابية المستخدمة في مدارسهم مُحِقَّةٌ، وهو ما يؤكّده الجدول الرقم (4)، وإذ لا يوافق، أو يوافق بشدة، إلا ما بين 16 و35 بالمئة من التلاميذ على أنّ أنظمة مدارسهم عادلة مع تجاوز نسبة التلاميذ ممّن يوافقون، أو يوافقون بشدة، على أن العقوبات التي تنالهم بالغة الشدة ومُجحفة 34 بالمئة.

الجدول الرقم (4)

نظرة الطلبة إلى السياسات العقابية وطرائق إدارة الفصل الدراسي

(الأرقام بالنسبة المئوية)

المتغيرأوافق وأوافق بشدةأحياناًلا أوافق ولا أوافق بالمرة
للمدرسة الكثير من القواعد49.129.821.1
يعرف أغلب مدرّسيّ كيفية إدارة فصل دراسي ومعالجة ما يطرأ من مشاكل52.332.515.2

 

وقد أبرزت المقابلة المركزة مع التلاميذ أنّ البعض من المدرّسين يعنّفونهم، وقالت واحدة من مديري المدارس إنّها وجهت تقريراً حول ما يمارسه مُدَرّس بانتظام من تعنيف وتجاوزات لفظية تجاه تلاميذه إلى مسؤولي الأنروا الذين تولّوا التحقيق في الأمر ولكنّهم لم يتّخذوا أيّ إجراء ضدّه، وأنه واصل تدريس تلاميذه في المدرسة نفسها. وما يثير الانتباه أن كلا الأولياء والمدرسين المستجوَبين نادوا بعودة العقاب البدني بوصفه طريقة يمكن لها أن تحسن مردود الأطفال الدراسي وتعلقهم بالتعلّم.

على أن الأمر، وعلى ما يمكن أن يُتَوَقَّعَ، مختلف بالنسبة إلى التلاميذ الذين يعتبر ما يقارب نصفهم أن النّظام المدرسي المتشدد ترافقه كذلك نُدرةٌ في الفرص التي يمكن أن تتوافر لهم للتعبير عن رؤاهم وللمشاركة في القرارات المدرسية. ومثلما يُظهر الجدول الرقم (5)، يتبنى هذه النظرة 41.4 بالمئة من التلاميذ هذه النظرة.

الجدول الرقم (5)

نظرة الطلاب للصوت المعبِّر عنهم

(الأرقام بالنسبة المئوية)

المتغيرأوافق وأوافق بشدةأحياناًلا أوافق ولا أوافق بالمرة
تتوافر للتلاميذ فرص التعبير عن آرائهم حول أنظمة المدرسة ونشاطاتها30.628.041.4
مدرستي تعير اهتماماً لرأيي25.540.833.8

 

لم تتم الإشارة إلى ندرة المشاركة والتشاور من قِبَلِ التلاميذ فحسب، بل إنّ المدرسين يشعرون هم كذلك بأن لا فرص تتوافر لهم للانخراط في سيرورة اتخاذ القرار داخل المدرسة، حيث اعتبر ما يقارب 80 بالمئة منهم أنه لا تكاد توجد مناقشة منتظمة بين أعضاء هيئة التدريس حول الكيفية التي يمكن أن تُدْرَكَ بها غايات المدرسة وأهدافها على الرغم من إقرار كل المسؤولين المُسْتَجْوَبين أنّ لمدارسهم مخططات خماسية السنوات.

وقد كان أسلوب الإدارة والقيادة التقني والهرمي المطبّق في المدرسة، المتمحور حول المسؤول، بادي الوضوح في المدارس الخمس التي شملها التحقيق، كما كان ملْمحاً من ملامح المدارس العمومية اللبنانية التي تمّت دراستها سنة 2005.

شرعت مديرة إحدى المدارس الابتدائية منذ فترة وجيزة في تشريك كلا المدرّسين والطلاب في إدارة المدرسة، حيث أُسْنِدَت إلى التلاميذ مسؤولية الإشراف على الانضباط والتشاور مع زملائهم حول حاجاتهم؛ واستناداً إلى التلاميذ المستجوبين، ساهم ذلك في تناقص المشاكل السلوكية في صفوفهم.

3 ـ آفاق مستقبلية: آمال في قلب الغيتوات

ترى أغلبية التلاميذ قيمةَ المدرسة مُجَسَّدَةً في آفاق إيجاد فرص عمل في المستقبل. ومثلما يبرزه الجدول الرقم (6)، يرى ثلثا التلاميذ أنّ النّجاح في الدراسة مهمّ بالنسبة إلى آفاق نجاحهم اللاحق في الحياة.

ويوافق، أو يوافق بشدة، أقل قليلاً من 60 بالمئة منهم على أن حظوظهم في الحصول على عمل جيد في المستقبل مرتهن بنجاحهم في المدرسة بالتوازي مع ما لا يزيد على 8.5 بالمئة منهم لا يوافقون، أو لا يوافقون بشدة، على ذلك.

الجدول الرقم (6)

تصورات المستقبل ما بعد الدراسي

(الأرقام بالنسبة المئوية)

المتغيراتأوافق وأوافق بشدةأحياناًلا أوافق ولا أوافق بالمرة
الالتحاق بالجامعة والحصول على شهادة مضيعة للوقت19.114.366.6
حظوظي في الحصول على عمل حسن مرتهن بنجاحي الدراسي59.731.88.5
أنا بحاجة إلى إنهاء تعليمي الجامعي للتمكن من بلوغ مبتغاي في الحياة65.219.914.9

 

النتائج الخاصة بالتعليم العالي مماثلة ولكن بما يتجاوز قليلاً 65 بالمئة ممن يؤكدّون، أو يؤكدّون بشدة، حاجتهم إلى إنهاء التعليم الجامعي للتمكن من بلوغ مبتغاهم في الحياة وما يقارب 15 بالمئة ممن لا يوافقون ولا يوافقون بشدة. وعليه، وعلى الرغم من محدودية فرص خوض مسارات مهنية في لبنان، لا تزال نسبة مئوية عالية من التلاميذ الفلسطينيين متحمّسة لمواصلة دراساتها. ولكن من المهم التأكيد أنّ هذه النّسب المرتفعة يمكن أن تُعزى إلى أن هذه الدراسة استكشفت نظرة تلاميذ المستوى الثاني عشر الذين يحتمل أن يواصلوا التمسّك بتقديرهم الإيجابي لقيمة التربية في حين يكون من لا يقدّرونها إيجابيّاً قد غادروا مقاعد الدراسة. كما يمكن أن يكون التطلع إلى مغادرة لبنان والعمل خارجه بشهاداتهم سبباً آخر.

وبينما تشير الأدبيات إلى أن الآفاق محدودة بالنسبة إلى أغلبية أطفال المدارس الفلسطينيين في ما يتعلق بفرص الحصول إلى التعليم ما بعد المدرسي والعثور على عمل، ترى الدراسة أن تصوّرات التلاميذ لآفاقهم متداخلة إلى حدّ ما. يوافق أكثر من 85 بالمئة، أو يوافقون بشدة، على أن لهم الكثير من الفرص لتحقيق أحلامهم وغاياتهم، ويوافق ما يناهز 67 بالمئة، أو يوافقون بشدة، على أنهم متفائلون حيال مستقبلهم ويمكن قراءة هذه النتائج في ضوء القدرة على التغلب على الصعاب التي تميّز الفلسطينيين والتي أشرنا إليها آنفاً.

لا يوافق، ولا يوافق بشدة، من ناحية أخرى، إلا 42 بالمئة على أن فرصة حسنة تتوافر لهم لتحقيق أهدافهم إذا ما ظلوا في لبنان، بينما لا يوافق الثلث على ذلك، أو لا يوافق بشدة. وينقسم الطلاب بتعادل تقريباً بين من يوافقون ومن يوافقون بشدة على أن التفكير في ما يتوافر لهم من الفرص عندما يغادرون المدرسة يجعلهم يشعرون بالإحباط وبين الذين يوافقون بتردد على ذلك وبين أولئك الذين لا يوافقون عليه ولا يوافقون بشدة.

واعتباراً لهذه المناظير المتداخلة حول قيمة التربية وحول تصورات التلاميذ لآفاقهم يبدو من المثير للاهتمام تفحص الأسباب التي يذكرونها لاستمرارهم في متابعة تعليمهم. تشير الأدبيات إلى أن معدّلات التسرّب مُرتفعة في صفوف التلاميذ اللاجئين الفلسطينيين في لبنان بسبب عدد من العوامل من بينها: تدني الحافز للتعلم بسبب آفاق التشغيل الضئيلة؛ تفضيل الحصول على شغل مأجور على الاستمرار في الدراسة وذلك لمواجهة الظروف الاقتصادية العسيرة التي تواجهها أسر العديد من التلاميذ، والعوامل الاجتماعية مثل الزواج والإنجاب المبكرين. وعلى هذا الأساس يبرزُ السؤال حول السبب الذي يجعل هؤلاء يتابعون الدراسة. على خلاف ما يمكن أن يُتوقّع، وباعتبار تأكيد الأدبيات على عدم تقدير التلاميذ لقيمة التربية المدرسية بسبب تدني آفاق التشغيل، يوافق ما يقارب 78 بالمئة منهم ويوافقون بشدة على مواصلة ارتياد المدرسة من أجل الحصول على المزيد من المؤهلات (الجدول الرقم (7)). يحتل الحصول على المزيد من المؤهلات المرتبة الأولى من بين مراتب الأسباب التي ذكرها التلاميذ لبقائهم في المدرسة متبوعاً بإصرار أولياء الطلاب على بقائهم فيها (بما يناهز 62 بالمئة ممّن يوافقون، ويوافقون بشدة، على ذلك).

الجدول الرقم (7)

سبب ارتياد المدرسة

(الأرقام بالنسبة المئوية)

المتغيراتأوافق وأوافق بشدةأحياناًلا أوافق ولا أوافق بالمرة
للحصول على مؤهلات أفضل77.512.89.6
لم أتمكن من العثور على عمل21.915.163.9
أصرّ وَالِدَايَ على أن أظلّ في المدرسة61.615.922.4
أحتاج إلى المزيد من الوقت للتفكير في ما أنوي فعله في المستقبل58.919.421.8

 

بالنسبة إلى الآفاق المستقبلية، وعلى الرغم من الظروف العسيرة التي تحاصر اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، يشعر أغلب التلاميذ (66 بالمئة منهم) بالتفاؤل حيال مستقبلهم بوجه عام في حين لا يعتقد إلا 42 بالمئة في توافر فرص حسنة لهم في لبنان، كما بدا أن الشك الذي يحوم حول المستقبل ما بعد الدراسي شعور معتاد في صفوف الطلاب (39 بالمئة) (انظر الجدول الرقم (8)).

الجدول الرقم (8)

الآفاق المستقبلية

(الأرقام بالنسبة المئوية)

المتغيراتأوافق وأوافق بشدةأحياناًلا أوافق ولا أوافق بالمرة
تتوافر لي الكثير من الفرص لتحقيق أحلامي وغاياتي58.227.913.9
أشعر بالتفاؤل حيال مستقبلي65.623.610.8
تتوافر لي فرصة حسنة لتحقيق أهدافي إذا ما

بقيت في لبنان

41.925.133.0
تتوافر لي فرصة حسنة لتحقيق أهدافي إذا ما غادرت لبنان56.021.722.3
أشعر بالإحباط كلما فكرت في الفرص التي تتوافر لي إذا ما غادرت المدرسة38.529.831.7

 

أظهرت المقابلة الجماعية المركزة مع التلاميذ والمدرّسين في مدرسة ابتدائية أن محدودية آفاق الحصول على عمل مستقبلاً في لبنان كان من العوامل الأبرز في تثبيط الحافز للتعلم. أورد التلاميذ العديد من الأمثلة عن الحاصلين على شهادات جامعية يعملون سائقي سيارات أجرة. على أن للأولياء الحاصلين على مستوى دراسي عال توقعات أعلى بما يهم مستقبل التلاميذ، وهم يواظبون على متابعة تقدمهم أكثر مما يفعل الحاصلون على درجة تعليمية أقل. تسعة من عشرة تلاميذ مستجوَبين قالوا إن طموحهم هو الحصول على الشهادة التي تسمح لهم بالنفاذ إلى التعليم المهني، وواحد منهم فقط رغب في مواصلة تعليمه العالي مثل أختيه. وعندما سئلوا عمّا يمكن أن يحفزهم لذلك لم يجدوا جواباً. قالوا إنهم يرون أن التدريس عامة مضجر واعتبروا أن المقرَّر غير مناسب لحاجاتهم، واشتكوا من كونهم لا يتعلمون شيئاً يخص تاريخهم وأنهم مجبرون على تلقي مقررات التربية المدنية في حين لا تخول لهم ممارسة الحقوق التي تتحدث عنها.

وأظهرت المقابلة الجماعية المركزة مع الأولياء أن قليلاً من الفرص تتاح لصغارهم لمواصلة تعليمهم في حين يرغب أغلبهم في ذلك ويتمنونه. لا يتابع أغلبهم أعمال أبنائهم الدراسية المنزلية ولا يدعمونهم في دراساتهم، واشتكت الأغلبية العظمى منهم من عدم قدرتهم على مراقبة سلوك أبنائهم.

ومن الجدير ذكره أن لكل واحد من التلاميذ الذين تم استجوابهم صديق غادر المدرسة وبعضهم فعل ذلك فيما لم يتجاوز الصف الثالث، وعندما سئلوا إن كانوا فكروا في مغادرة المدرسة لم يقل إلا واحد منهم أنه أراد ذلك ولكن والديه لم يسمحوا له بذلك. في المدرسة الابتدائية الإعدادية شدّد المسؤول على القول «لقد حقّقنا في البعض من هذه الحالات ووجدنا فيها أنّ التلميذ والوالدين ينبذون التعلم برمته قائلين انتهى الأمر»… غير راغبين في المزيد من الدراسة. «لا حيلة لنا حيال ذلك…»، وأفاد كل المدرسين المستجوبين أن التلاميذ كثيراً ما يعبّرون عن خيبة آمالهم حيال الفرص التي يمكن أن تتاح لهم إذا ما واصلوا ارتياد المدرسة، ولاحظ أحدهم أن «جيلنا (السابق) كان مختلفاً، في ذلك الوقت كان ينظر إلى الدراسة على أنها الطريق الوحيد للخروج من المعاناة والحصول على معيشة أفضل، ولكن هذا الجيل (الجديد) يرى في التربية إمكانية تقودهم إلى المزيد من المعاناة بفعل التضييقات على التشغيل في لبنان وفي الوطن العربي».

تُظهر نتائج الدراسة أنّ السياق اللبناني المُثْقل بالقيود يؤثّر في الكيفية التي ينظر بها الفلسطينيون إلى آفاق مستقبلهم. 38 بالمئة من التلاميذ يشعرون بالإحباط لدى تفكيرهم في مستقبلهم و56 بالمئة يعتبرون الهجرة ملاذاً. والحقيقة أن «التعبير عن التمييز صارخ في لبنان إلى الحدّ الذي يجعل الكثيرين ينتابهم اليأس ويرون في الهجرة الخيار الوحيد تقريباً لتحسين مستواهم المعيشي»[25].

على أن قيود السياق اللبناني ليست السبب الوحيد في ارتباك تصوّرات التلاميذ للقطاع التعليمي ولمستقبلهم: ثمة حاجة إلى تطوير دور الأنروا من مجرد «الإغاثة» لتستثمر وتختص أكثر في التعليم بوصفه استراتيجية أبعد مدًى. وكما تشير روزنفيلد: «تقودنا قراءة نقدية لتاريخ الأنروا إلى استنتاج مفاده أن قدرة هذه المنظمة على ممارسة أثر ذي معنى بعيد المدى في وضع اللاجئين الفلسطينيين مرهون بتخصصها في خدمات الرعاية والتعليم بصفة أولية وبـ «كف يدها» عن الاضطلاع بالإغاثة»[26].

خاتمة

«الفلسطينيون هم أكثر الشعوب العربية تعليماً»؛ ذلك هو القول السائد في الوطن العربي عاكساً الأهمية الكبيرة التي أولاها الفلسطينيون للتعليم كأداة لتحسين وضعهم ودعم قضيتهم. لقد أصبح هذا القول أسطورة في أيامنا هذه. تُظهر هذه المقالة المأزق المتنامي الذي وقعت فيه التربية في صفوف الشباب الفلسطيني في لبنان؛ إذ إنه في الوقت الذي يعيش الفلسطينيون حالة استثناء وإقصاء نتيجة لكل التضييقات القانونية التي يتعرضون لها، منها إجبارهم على تلقي المقرر الدراسي اللبناني، فإنهم يقصون عن سوق العمل. وقد أدى كل ذلك إلى تثاقف دراسي أصاب التلاميذ الفلسطينيين مرفوقاً بإقصاء اجتماعي واقتصادي.

ليس من المفاجئ، والحال تلك، ألا يكون لدى الفلسطينيين إلا حافز متضائل للأخذ بدراستهم على محمل الجد. هم ينحدرون من خلفيات محرومة مفتقرين إلى سَنَدِ وَالِدِيهم ومن محيط محلّي لا قدرة لديه على بثّ الإلهام؛ بل يزرع اليأس بفعل التمييز القانوني المطبّق عليهم في لبنان. يعيش اللاجئون الفلسطينيون «حالة استثناء»، وسيرورة من اختزال حياتهم على أجساد تتغذى وتُسْتَرُ لا غيْرَ، من دون الإشارة إلى حقوقهم الاجتماعية والاقتصادية. ومثلما أوضح ذلك حنفي، ليس للاجئين الفلسطينيين في لبنان «الحق في الدفاع عن حقوقهم بوصفهم أقلية أو الحق في أن تكون لهم حقوق»[27]. ويسهم كل ذلك في التقليل من تحفزهم لمواصلة التعليم في سياق يواجهون فيه تضييقات على إمكان نفاذهم إلى سوق العمل.

ولئن أكّدت الأنروا تأمينها فرصاً متساوية للاجئين الفلسطينيين للحصول على التعليم، فإن التحدي الأكبر يكمن في تطوير نوعية التعليم في غياب العدالة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تتسبب في تدني التحصيل الدراسي الذي يحرزه التلاميذ. يمكن لأساليب التربية التقليدية المتبعة والتدريس التلقيني والمقرر الدراسي الذي يتجاهل خلفية ووضع الطلاب الفلسطينيين أن تسهم في تدني المتعة المدرسية والحافز للتعلم. ويبدو أن الأنروا فشلت في تأمين الاحترام المتساوي لكل اللاجئين الفلسطينيين وعلى الخصوص عبر إنكار هويتهم من خلال انتقاء منهجي ومن خلال تبني أشكال تسلطية من العلاقات البيداغوجية تضع المتعلمين في وضع المتلقي السلبي للمعرفة.

لا تبدي الظروف القانونية لفلسطينيي لبنان علامات تغيّر، وهو ما يدفع بإلحاح أكبر الأنروا إلى مراجعة أسس التربية التي توفّرها الآن في لبنان وإلا تفاقمت أزمة التعليم للفلسطينيين في لبنان.

 

قد يهمكم أيضاً  أدب الطفل العربي : المفهوم وتاريخه وسمات النوع

#مركز_دراسات_الوحدة_العربية #التعليم_في_المخيمات #اللاجئين_الفلسطينيين #اللاجئين_في_لبنان #الأونروا #تعليم_اللاجئين_الفلسطينيين #الطلاب_الفلسطينيين #دراسات