مقدمة:
يعدّ ابن المقفع من المخضرمين، إذ إنه شهد سقوط دولة، وقيام أخرى، وعمل في الدولتين؛ وإذا كان قد احتفظ بحياته في الدولة الأموية؛ فإنه لم يتمكن من الاحتفاظ بها في الدولة العباسية. فقد كان عدواً للدولة الجديدة، يعمل مع أعدائها، أو مع الذين يطمعون بالسلطان فيها، كأعمام المنصور مثلاً، الذي ثار أحدهم على المنصور بعد ذلك طالباً الخلافة لنفسه.
كان ابن المقفع مفكراً، وصاحب دعوة اجتماعية. وفي دعوته هذه، وما كان ينشره بين الناس، من رسائل وغيرها، يخالف نهج الدولة الجديدة وسيادتها، التي كانت تقوم على هدر الحريات وإباحة الدماء.
ورسالة الصحابة، التي كتبها ابن المقفع وقتذاك، لها قيمة كبرى، فهي تقرير في نقد نظام الحكم إذّاك ووجوه إصلاحه؛ رفعه إلى أمير المؤمنين ولم يسمعه، والظاهر أنه أبو جعفر المنصور؛ لأنه يذكر دولة بني العباس؛ ويذكر أمير المؤمنين وقد أهلك عدوه، وشفي غليله، ومكّن له في الأرض، وآتاه خزائنها؛ ويذكر العباس (السفاح)، ويترحم عليه. وإذا علمنا أن ابن المقفع قُتل في عهد المنصور، صحَّ لنا أن نستنتج، من ذلك كله، أن الرسالة إنما كتبت للمنصور.
وقد دعا ابن المقفع في رسالته هذه، إلى الإصلاح الشامل بادئاً بالرأس، أي السلطان، ومن ثم صحابة السلطان أو بطانته، والمجتمع، والقضاء والجيش، والشعب. كل ذلك في أسلوب جريء، متمرد، راوح ما بين تلميح وتصريح، مما أثار عليه حفيظة القائمين بالأمر، وبخاصة لما طالب ابن المقفع بإصلاح القضاء، كان كمن يريد تكبيل يدي الخليفة، ومنعه من عقاب من يشاء، وقتل من يشاء دون محاكمة أو سؤال.
نلحظ من هذا كله أن ابن المقفع شكّلَ خطراً على الدولة الجديدة، بصيحاته ودعواته التي ينادي بها في الشعب، فاستحق أن يكون عدواً لدولة بني العباس، وهذه العداوة قد ذهبت بحياته مثلما سنذكر في مقتله.
تكمن أهمية هذه الورقة في أنها تناولت موضوعاً ذا علاقة بالإنسان وما ينتجه من أدب، ومدى علاقة هذا الأدب بالسلطة تصادماً وتصالحاً، كما تحدد بعض السمات التي يتصف بها الأديب تجاه قضايا أمته والتفاعل معها وإيجاد الحلول الناجعة حتى ولو كان ذلك على حساب نفسه.
تهدف الورقة إلى الكشف عن مدى مقارعة السلطة ومجابهتها اللتين يمارسهما بعض الأدباء نصرة لقضايا أمتهم، وعلى ما يجب أن يكون عليه الأديب الملتزم المتفاعل بوجدان وطنه ودوره في معالجة سلبياته، ونوع العلاقة الارتباطية بين الأدب والسلطة والتي من شأنها أن تؤثر في المتلقي، وتثبت يقينه برسالية الأدب.
نقصد بالسلطة (Authority) هنا النفوذ الشرعي الذي يمنحه مالكه عن طريق الأوامر القانونية والعقلانية وبدون تدخل شخصي أو فردي أو تسلط؛ والمالك هو النظام السياسي (الحكومة ـ الدولة) أي أن الدولة هي الممثل الحقيقي، ولكن ما هو حاصل في المجتمع العربي ـ قديماً وحديثاً ـ هو أن الشخص هو الممثل والمالك للسلطة ويستخدم سلطته إما بنمط تقليدي وإما قانوني (قبلي) وإما شخصي (كارزمي)[1].
أما الأدب فهو رياضة النفس بالتعليم والتهذيب على ما ينبغي وجملة ما ينبغي لذي الصناعة أو الفن أن يتمسك به كأدب القاضي وأدب الكاتب والجميل من النظم والنثر وكل ما أنتجه العقل الإنساني من ضروب المعرفة وعلوم الأدب. والأديب وصف من أدب والآخذ بمحاسن الأخلاق والحاذق بالأدب وفنونه ومن الحيوان المروَّض المذلل[2].
وبموجب هذه الصلة، وبفضل ما امتكله الجاحظ من مواهب بلاغية وقدرات معرفية، ظهر بوصفه كاتباً شبه رسمي واجبه إذاعة الأوامر الحكومية أو الأفكار الدينية التي مالت إليها السلطة ونشرها وتفسيرها، ثم الدفاع عن العباسيين وتبرير وجودهم في السلطة. وربما قاده ذلك أيضاً إلى الإسهام في صنع سياسة الدولة وصياغة مقولاتها والمشاركة في توجيهها. وأحيل عليه مرات عديدة وضع الكتب والرسائل في موضوعات أرادتها السلطة أن تذيع وتنتشر بين جمهور الناس. فكفى لها أن اقترنت باسمه ليلتقطها الناس، وهو أمر أدركته السلطة جيداً فأفادت منه[3].
الحق أن هناك إحالة متبادلة بين الإبداع والحرية؛ فالحرية هي إبداع الإنسان لنفسه وتحقيق ذاته الكلية من خلال الفعل، أما الإبداع فهو فعل التحرر ذاته، الذي يتجسد في علاقة بين الإنسان والوسائط التي يفعل من خلالها[4]، والحرية بهذا المعنى شرط أوليّ للإبداع، كما أن الإبداع شرط لكي تصبح أفعالنا ذات طابع حُر. فكيف يستطيع الأديب أن يتوجه بإبداعه للسلطة في غياب الحرية؟
أولاً: ابن المقفع والسلطة
كان المجتمع في عهد ابن المقفع في أمسّ الحاجة إلى أديب ملتزم متسلح بالوعي والمعرفة، ومعوّل على العقل كأداة لكشف الزيف واكتشاف المنهاج السليم الصالح، للسير في دروب الحياة بثقة واطمئنان، في عهد يأخذ بنظام استبدادي يُقهر فيه الإنسان، وتُسلب فيه الأفكار، ويُعتقل إحساسه بأمته وقضاياها، فكان ابن المقفع ذاك الرجل الذي يتصدى لهذا النظام.
إن بناء شخصية ابن المقفع، وتشربها بالثقافة الفارسية والعربية، وجّه كتاباته هذه الوجهة النقدية الإصلاحية، القائمة على منهجية ملائمة تماماً للظروف الثقافية والروحية التي كانت سائدة في ذلك الحين. تقوم هذه المنهجية كما تظهر في كتاب كليلة ودمنة على توجيه النظر المثالي المجرَّد إلى مناحي المجتمع البشري المادي، وزجِّ الفكر في مكابدة ظروفه الواقعية المحيطة، عاملة في الوقت عينه على الارتقاء بهذه الظروف إلى مجال بشري نبيل، تتحقق فيه الشروط الإنسانية الجوهرية، كما أملتها تعاليم الحكماء والأنبياء على مر العصور. فالقيم الفضلى التي يدعو إليها ابن المقفع، غالباً ما ترد في معرض تصويره لأحداث واقعية حية، حميمة الصلة بأشخاص، ينتمون إلى طبقات فكرية واجتماعية مختلفة، ويواجهون ظروفاً طارئة، أو يجدون أنفسهم في أحوال سيئة، فيخيب مسعاهم، أو يعجزون عن تحقيق مآربهم المتمثلة بالحصول على ما يكفيهم من ضرورات العيش، وبتطلعاتهم إلى زيادة حظوظهم من السلطة أو الثروة، أو في جهلهم السياسة المثلى الصالحة للتعامل مع أناس أعلى منهم منزلة، أو أدنى، وبالخروج من مأزق أوقعهم فيه طيشهم، أو جهلهم، أو حظهم العاثر. إن منظومة القيم التي تتخلل تلك الأحداث توظف في خدمة أعراف اجتـماعية محددة، وتهدف إلى تحقيق مكاسب ومنافع مبتغاة، وتستجيب لمتطلبات فردية واضحة.
هذا الفكر الذي ينزع منزعاً علمياً موضوعياً بصورة أو بأخرى، ينطلق من نظرة واقعية، تُعلي من شأن العقل، وتعترف له بالقدرة والقيادة، وتُولي به دوراً أساسياً في إصدار الأحكام على الأشياء، والإجابة عن الأسئلة الملحّة، وتحقيق الأهداف المرسومة، والخلوص إلى نتائج مرضية.
ليس خافياً ما يشكله هذا الفكر العملي المنحاز إلى مصالح الشعب من خطورة على السلطات الاستبدادية المتحكمة، السياسية وغير السياسية. فهو في تجلياته الثقافية والاجتماعية والسياسية، يساعد كثيراً على اكتساب الوعي بالذات، ويبعث الرغبة الملحّة في امتلاك الحرية، والمعرفة، ويزيد القدرة على مواجهة المشكلات، ومكابدة ظروف الواقع اختياراً. وما يزيد من الآثار الخطيرة التي يحدثها في المجتمع، كونه صادراً من أديب أولى بنفسه دوراً أساسياً ـ بالمعنى الاجتماعي الواسـع للكلمة ـ فلم يجد حرجاً في أن يتعالى حتى يسمو على الحاكم نفسه، فيكون له مرشداً، وعليه رقيباً، ولا يتورع عن توجيه النقد والاتهام إليه، إذا ما رأى منه انحرافاً عما يراه حقاً وعدلاً.
إن أعظم الأخطار التي يخافها الحاكم، هي أن يُبتلى بأديب، مثل ابن المقفع، هذا المفكر الذي جهر بآراء جريئة، هي في الحقيقة أهداف جميع الشرائع الدينية، ومنها الدين الإسلامي، الذي اتهم ابن المقفع بالمروق منه ومخالفته، فانتهى إلى أن يكون في عداد المفكرين الذين يقضون تنكيلاً وقتلاً وتمثيلاً؛ لا لشيء، إلا لأنهم استجابوا لما تدعو إليه هذه الشرائع ذاتها من الإيمان بالإنسان، والانتصار لقضاياه الأساسية، وحقوقه المشروعة.
من دعائم الصياغة الفنية لكتاب كليلة ودمنة، جرَيان الأحداث في محيط الطبيعة الزاخر بظواهر ومشاهد تثير العجب والدهشة، لطرافتها وغرابتها، واختيار معظم الشخصيات الصانعة لهذه الأحداث من البهائم والطير، ويجوز لنا ألّا نكتفي بالتعليل الذي يذكره ابن المقفع في المقدمة في قوله إن مبعث هذا الاختيار تعميم الفائدة المرجوّة منه لتشمل المتلقّين بمختلف مستوياتهم الفكرية ومراحل أعمارهم، ولنا أن نرد اختياره لسببين:
أحدهما أنه عمد إلى التعمية والرمز تحرزاً من انتقام الخليفة وأعوانه، لما يقصد إليه في الحقيقة من إصلاح اجتماعي، ومن إدانة السلطة السياسية، لما يعانيه المجتمع من آثار سلبية ناتجة من جورها واستبدادها وبطشها، وفسادها الشامل.
وهذا ما نسبه بالرمز، حيث يراد شيء يخشى عواقبه، ويرمز له بشيء آخر بعيد نوعاً ما من ما يراد حقيقة.
والسبب الآخر فني، فليس ببعيد أن يكون هذا الاختيار الموفق استجابة لمتطلبات أدبية وعاها الكاتب، مدركاً أن التعبير الفني عمّا هو فكري مطلب عسير جداً لا يمكن الوصول إليه إلا بشروط، قد يحققها هذا الشكل الفني الذي يستحوذ على ملكات المتلقي الوجدانية والشعورية جميعاً، ويستدعي بإلحاح مخيلته لتكون على الدوام حاضرة حضوراً فاعلاً في عملية التلقّي، حتى لا تدع للقوى العاقلة أن تنشط إلا بإشرافها وبوحيٍ منها. عندها تتبدل مقاييس الفكر وقوة أبنيته، وتتقلب أحكامه من النقيض إلى النقيض، فما كان من قبل عقلاً، غدا لحظات التلقي وهماً وخيالاً. فثمة عوالم تحمل هذا الشكل الفني المبتكر على خلقها خلافاً لصورتها الأولى، وعلى أن ينوط بها خصائص ليست لها في العادة والطبيعة، إنه تغيير في المفاهيم والتصورات أحدثته معالم الطبيعة، مزدانة بأصباغ وألوان كفيلة بأن تحجب العقل، أو على الأقل تحدّ كثيراً من نشاطه.
فهل للحكمة إلا أن تخضع لهذا المنطق الجديد؟ وتنقل على دواعيها الأولى؟ وتصبح هي الأخرى عنصراً من عناصر البناء الفني، فلا يعود لها أن تدرك إلا عن طريق تتابع المواقف الانفعالية والحالات العاطفية المنبثقة من الحكايات والأمثال، متخلية في الوقت نفسه عن وقارها وهيبتها، مندرجة هي الأخرى في مسالك المتعة والإثارة والدهشة.
فإذا كان للخاصة من المتلقّين أن يصيروا على هذه الحالة من التوهُّم، وينقادوا في هذا السبيل من الإدراك الفني للأدب، فما القول بالعامة والناشئة؟
يقول ابن المقفع إن العامة والأغرار، يكتفون بما يتبدّى في ظاهر الكتاب من اللهو والتسلية، تسجيةً لأوقات الفراغ، ويُقبل الأحداث على قراءته مأخوذين بغرائب حكاياته، وأحداثه الجارية، في عوالم الحيوان. «وأما هو فجمع لهواً وحكمة، فاجتباه الحكماء، والسخفاء لِلَهْوِه، وأما المتعلمون من الأحداث وغيرهم، فنشطوا لعلمه، وخف عليهم حفظه»[5]، أي أن هؤلاء المتلقين يكتفون بما يتسرب إلى وجدانهم من ألوان الأحاسيس والمشاعر الغامضة، فلا يسعفهم الفهم بتدبر ما استبطن في أمثاله، وحكاياته وأحداثه، من أبعاد وموحيات، أو على الأقل من فرائد الحكم والعِبَر والدروس الاجتماعية والأخلاقية، فلا يعلق في وجدانهم من هذا كله، إلا ما يثار فيه من عواطف ومشاعر وانفعالات فطرية كامنة، مثل الشفقة والأسى، أو النغمة واللوم والاحتجاج، أو الرغبة بالفضائل والقيم النبيلة، واستقباح ما يخالفها من رذائل، وقيم سلبية كريهة؛ وذلك حينما يرون إلى ضحية مسكينة، وقعت فريــسة لكائن قوي متجبّر، أو أودى بها جهلها وطيشها، وقلة حيلتها، وتسرّعها في إمضاء أمورها من دون تبصر أو تفكر، أو قادها الهلع والطــمع والغرور إلى حتفها، أو سبقت إلى لسانها، كلمة سوء كان فيها هلاكها.
فكأني بابن المقفع يريد كتاب كليلة ودمنة للعامة، كتاب تهذيب، وتعليم، وإصلاح، كما يريده كتاباً فنياً أدبياً ممتعاً، ويضعه بين أيدي الحكماء، ليكون تذكرة لهم بالحكمة الخالدة، يغوصون في محيطها ما شاء لهم الغوص، وسلوى لقلوبهم تسري عنهم ما يعانونه في واقع حياتهم، من المفارقات الغريبة، والمفاسد والموبقات القاتلة، مثل طغيان السلطة واستبدادها، وظلم الأقوياء، وتفشّي الجهل، وانتشار الفقر والحرمان، والأوبئة، والأمراض، وإعراض الناس في معظمهم عمّا يُدعون إليه من مكارم الأخلاق، وفضائل القيم والمعارف والحكم، ومن التحلّي بالصبر والشجاعة، والجرأة والتمرّد والتصدي.
إن عظمة ابن المقفع تكمن في وعيه المتقدم لدور الأديب الطليعي الإصلاحي، والتزامه القضايا الاجتماعية والأخلاقية، واعتبار الإنسان قيمة كبرى، لا اعتبار لأي نشاط بشري يتجاوز حقوقه، أو يجافي مصالحه المشروعة، ولا صلاح للدنيا إلا بصلاح ظروف الحياة من حوله، فابن المقفع: «أديب كبير… كان لفكره ولأدبه فعلهما الكبير في مجتمع العصر العباسي الأول؛ لأن المسألة الاجتماعية السياسية، تسرّبت إلى فكره وأدبه خلال العلاقة نفسها، التي لم يستطع هذا الكاتب الرائد أن يفلت من حضورها في كتاباته الإبداعية، ولم يستطع كذلك أن يخبئها وراء الرمز في كليلة ودمنة، ولا وراء الكلام النظري والتجريدي في كتابيه: الأدب الكبير والأدب الصغير»[6].
تتجلى خطورة هذا الدور الذي اضطلع به ابن المقفع، في ما يثيره في المجتمع العربي، في الميدان الثقافي تحديداً، لأول مرة على ما نظن، من مسائل أدبية واجتماعية وسياسية، ومنها، الصلة بين الأدب والمجتمع، ومكان الأديب من العمل السياسي، وعلاقته بالسلطة الحاكمة، ومدى التزامه بقضايا الناس الجوهرية. صحيح أن هذه المـسائل لم تُطرح آنذاك بهذا الوضوح، وربما كان من الصواب أيضاً، القول إنها جالت في خاطر ابن المقفع بشكل أو بآخر، فكانت دافعه إلى كتابة كليلة ودمنة، وفي هذا إعلاء من شأن الأدب والأديب، وتنزيه للكلمة من أن تطرح للبيع في بلاط الخلفاء والأمراء والقواد، كما كان يحصل. وما لا شك فيه أن ابن المقفع كان واعـياً لدوره الريادي ذلك، مدركاً بأنه صاحب رسالة يقتضي تبليغها ركوب مركب صعب، ودفعه في محيط زاخر بالأخطار، يتطلب الدخول فيه التحلي بأقصـى ما يمكن من الجرأة، والشجاعة، والتضحية، والتجرد، والوعي؛ فالزمن زمن تصفيات، وقتل، وتعذيب؛ ونظن أن ابن المقفع كان شاعراً بخطورة ما هو فيه، فالسلطان يضيق ذرعاً بالنصيحة، ما دام في بلاطه بطانة أفسدها الطمع، والهلع، وأعْمتها المصالح الشخصية، وشوَّهت طبيعتها ألوان النفاق والمداهنة، حتى لا يشيرون إلا بما يوافق أهواء الحاكم وأغراضه، فيُلبسون الحق باطلاً، والباطل حقاً.
فكيف تظن أن يقول ابن المقفع كلمته، ويدلي برأيه في الحكم، والقضاء، وشؤون الدولة، وفي العلاقة التي يجب أن تكون بين الراعي والرعية، وتشكل الحكم، وكيف السبيل للإفصاح عن ذلك؟ وكيف يصل صوته الداعي إلى الخير والفضيلة، والعمل، وبذل الجهد، والاعتماد على النفس، والتسلح بالوعي، والصبر، والروية، إلى الناس الذين أعجزهم الجهل، وصرفتهم الحاجة عن الإصغاء والفهم، إلا أن يعمد إلى التقية، فيلجأ إلى التلميح بمقاصده، والتلويح بنقده واحتجاجه، مراعياً في ذلك ميلهم الفطري إلى الخرافة والأسطورة، والإيمان بكل غريب عجيب من مثل حيوانات تتكلم، وتحاور، وتنفعل، وتحيك المؤامرات والدسائس، وتتصارع وتتفق، ويكون منها المهزوم والمنتصر، القاتل والمقتول، والضحية؟ وهل يمكن لابن المقفع أن يتوجه بالخطاب إلى الحاكم نفسه، ويكون في مأمن من أذاه وبطـشه، إلا إذا اعترف له بالسمو على سائر البشر، عامداً إلى الرمز، والكناية في التعبير عن آرائه وأفكاره؟ هكذا، فقد أجاد ابن المقفع في اختيار أسلوب الخطاب الرامز، فصاغه بقالب تصويري مؤثر قوامه الحكايات والأمثال النابضة بالحوار المثير، والفعل المتحرك، والحركة الدائبة المشوّقة، ما يجعل منها مسرحيات تقوم على مقدمة تضع المتلقّي في مكان محدد، وتعرض له شخصية أو شخصيات رئيسية، لا تلبث أن تواجه مشكلة تنذر بالخطر، أو تقع في مأزق، حيث العقدة التي يتطلب حلها فعلاً واقعياً، يجري عرضه مفصّلاً من خلال أحداث جزئية، تجري بصورة عفوية منطقية، وتتدرج بيُسْر وسهولة، إلى حلٍ أخلاقي يُرضي نزوع المصلح الحكيم إلى انتصار الحق على الباطل، والخير على الشر، ومنظومة القيم التاريخية الإيجابية النبيلة على ما يعارضها من القيم السلبية.
إن ظهور الفابولات (الخرافات) في الأدب العالمي كان أمراً طبيعياً، كظهور أي فن أدبي آخر، ولا يحتاج النقاد والمؤرخون إلى أن ينسبوه إلى رجل بعينه، أو أمة بعينها، فليس القصص الحيواني أصلاً إلا أداة واحدة من أدوات التعبير الكثير، بل ربما كان أقربها جميعاً إلى طبيعة الإنسان الفطري، فهي تصور الحيوان ينطق، كما ينطق الإنسان، ويفكر كما يفكر، على أن هذه القصة الحيوانية، لا تزال تستخدم في تعليم الصغار وفي محاربة الكبار في أوقات الظلم والاستبداد. ولقد أخذت تتسلل إلى الأدب شارحة الصلات والتبادلات بينها وبين الأدب العالمي، وليس هنالك أدلة تاريخية توضح لنا كيف تم ذلك. وإن كنت أتصور أن مصر والهند واليونان كلها، قد تبادلت الأخذ والعطاء في هذا المجال، وفق ما يقوله الأخوان [يعقوب وفيلهلم] غْرِمّ في صدد رصدهما للتقاليد الشعبية المختلفة[7].
يرى الباحث أن قصص الحيوانات نشأت حين كان الإنسان في طفولته الفكرية يسقط إنسانيته على الوجود، فيعتقد أن الحيوان ـ وهو يسمعه يصدر أصواتاً ـ لا بد من أن تكون له لغة يتفاهم بها بين أفراده، كما يتفاهم الإنسان مع أخيه، فلما تطور العقل الإنساني، أدرك أن ما يمتلكه من قدرات ليس من الضروري أن يمتلكها الحيوان، ولكن الخيال الإنساني احتفظ بما سبق أن حصل عليه من أشكال التفكير، واستغله لتحقيق أغراض منها المتعة الفنية، ومنها الرمز في حالة عدم القدرة على الإفصاح.
أما ما يتخلل جرَيان الأحداث من حكم ومأثورات قولية تحتشد بشكل مقولات وأطروحات مكثفة مركزة، فيقع في مكانه المناسب للحدث، فهو مغزى له، وخلاصة مكثفة لنسيجه من الخبرات والتجارب. فالانسجام القائم بين الأحداث الجارية والحِكَم المستوحاة منها، لم يُعق من عفوية جريانها، أو يبعث الملل عند المتلقي، أو يصرفه ـ شأن الاستطراد النابي ـ عن مماشاة الحكاية بشوق وشغف، ولم يخفف من حدة انفعاله بأحداثها المعجبة. ويُحمد لابن المقفع هذه الإجادة الفنية، في إحكام نسيج الحبكة القصصية، فغايته الأساسية التعليمية، والإصلاحية، والنقدية التي توسّلها في هذا الحشد من الحكَم والمواعظ، لم تطغَ في كثير من الأحيان على الجانب الفني طغياناً يحول بين المتلقي وبين وصوله إلى المتعة الفنية والإثارة الوجدانية.
إن ما تزخر به الحكايات من سيل الحكم والمواعظ والأمثال، غالباً ما يكون مشحوناً بالكثير من الدفقات العاطفية، والظلال الوجدانية، وفيض الأحاسيس والمشاعر، ويعود ذلك أساساً إلى أن المقولة الحكمية الذهنية ترد مُثارةً بحدثٍ جارٍ في محيط عاطفي انفعالي، ومنبعثة من وحدات شخصية، عرف الكاتب كيف يزجّها في موقف انفعالي، لا يمكن عزله وانتزاعه من سياقه، أو تجريده من المنحنى العاطفي المدرج فيه. من هنا كان نجاح الكاتب في المؤالفة بين العقل والعاطفة، وإعمال التوازن بينهما على نحو يُرضي نزوع الحكيم إلى التعبير المجرد المباشر، وصولاً إلى غايته في إقناع العقول وإفادتها بالمعارف والعلوم المجردة، كما أرضى في الوقت نفسه نزوع الفنان إلى التعبير الفني الموحي، وصولاً إلى إثارة العواطف والأحاسيس.
ذلك الحيوان الذي ظهر في باب القرد والغيلم، يمثل الانقلاب على السلطة الحاكمة وفق ما تراه هذه الجماعات. وحتى أرسم له صورة جلية لا بدّ من وصفه في إطار هذه الصورة «وقد زعموا أن جماعة من القردة، كان لها ملك يقال له فاردين، فطال عمره حتى بلغ الهرم. فوثب عليه قرد شاب من أهل بيته، فقال للقردة: قد هرم هذا وليس يقوى على المُلك، ولا يصلح له. ومالأه على ذلك جنده، فنَفوا القرد الهرم، وملّكوا الشاب. فانطلق هارباً، فلحق بساحل البحر، فانتهى إلى شجرة من شجر التين نابتة على شاطئ البحر، فجعل يأكل من تينها، فسقطت منه تينة في الماء، وفيه غيلم، فلما سقطت التينة، أخذها الغيلم فأكلها.
فلما سمع القرد وقع التين في الماء، أعجبه وولع بإلقائه في الماء، وجعل الغيلم يأخذه فيأكله ولا يشك أن القرد، إنما يطرح التين من أجله ـ فخرج الغيلم إلى القرد، فتصافحا وتصادقا، وألِف كل واحد منهما صاحبه، ولبثا زمناً لا ينصرف الغيلم إلى أهله. وتمضي القصة من وقوف زوجة الغيلم على علاقة زوجها بالقرد، وتحاول إفسادها بكل الطرق[8]، فيقدّم ابن المقفع خلال عرضه لهذه المشكلة معالم وغرائب لعالم الأحياء المعقد. ونحن نرى في القصة من الرموز ما يجاوز كليلة ودمنة إلى الواقع الذي نعيشه، هنا وهناك وفي كل زمان، ومن ذلك شيئان بارزان:
أولهما، وثوب القرد الشاب، على الملك الهرم وممالأة الجند للملك الجديد، وهو رمز إلى عنصر قوي من عناصر المجتمع، وهو البقاء للأصلح والأقوى، وما نشاهده في عصرنا إلا مرآة لذلك. فكثيراً ما نسمع بنفي رئيس وعزله وتولي آخر مكانه. والناس جميعاً مع الواقف تؤيد وتتابع.
ثانيهما، صداقة القرد والغيلم من حيث هي ترمز إلى تلاقي المتناقضات، وإلى جمع الشيء إلى ضده، ومثل هذا لا يدوم بحال. إذ لا يلبث أن يعود كل شيء إلى أصله وطبعه.
فابن خلدون يدرس كيف تصل جماعة ما إلى إسقاط نظام ما، ثم ماذا يحدث لها عندما تصل إلى الحكم ويشتد عودها، ثم ماذا يحدث عندما تنهار. وهو في نظريته يؤكد نظرية العصبية القائمة على الدم أو على الدين. فإذا وجدت العصبية؛ فإن تفسيره للظواهر يقوم عليها. وعندما تشتد توصل أصحابها إلى السلطة وعندما تصل بهم إلى السلطة تضعف هذه الرابطة شيئاً فشيئاً، إلى أن ينهار هذا النظام، ويقوم نظام جديد[9].
ولكن ما قد يقال في هذا الخصوص هو إن الحدود ظلت قائمة بين الفكر والعاطفة، فلا يتيسّر الاتصال الحميم بالحكاية إلا عن طريق الفكر، ولا تتم المشاركة الوجدانية بين المتلقّي وأبطالها، إلا في لحظات مضاءة بأنوار العقل، حيث ينكشف الوعي بشكل ملحوظ. هذا الانفعال بين ما هو عقليّ وما هو فنيّ، أي بين الفهم والانفعال؛ فعلى المتلقي أن يفهم أولاً لينفعل، أو عليه أن يعي كل الوعي مبدأً عقلياً ليتيسر له إقامة علاقة، أو الخلوص إلى نتيجة. ولعل السبب في عدم وصوله إلى أن يصهر الفن والفكر في نموذج فني، يصفو فيه التعبير من آثار المنطق الصارخ، أنه كان رائداً في محاولته هذه، فلم تتوافر له تجارب سابقة ينطلق منها، ويسعى إلى تجاوزها والارتقاء بها فنياً؛ أو أن وعي الكاتب لغرضه الأساسي المتمثل بالإصلاح والإرشاد والتوجيه، هو ما عمل على إبقاء الحكمة بمنزلة جوهر عقلي، يثير الانتباه ببريقه ولمعانه، فينــصرف عن ملاحظة ما عداه من الأغراض والأشكال.
عليه، فابن المقفع يمثل في شخصه وسيرة حياته، ونتاجه الأدبي والفكري جميعاً، رمزاً أدبياً وفكرياً لكل أديب يجاهد للارتقاء إلى مستوى النزاهة الفكرية والأدبية، فيصل إلى مشارف الحقيقة، فيشعر بسمو مكانته، وجلال موقعه، وتتبدى له من أعلى قطاعات واسعة من الجماهير، تخوض غمار فواجع ومآسٍ مادية، وأخلاقية، وروحية بفعل ما تتعرض له من صنوف الاستغلال، والتضليل والخداع الثقافي، والاجتماعي، والسياسي، والروحي، فلا يملك إلا أن يكون منحازاً إلى قيم الحق والعدل، مختاراً أن تخلص روحه على أن يَسْلم جسده.
إن فضيلة ابن المقفع العظمى، هي قصده إلى الاشتراك الفاعل في هذا الصراع الدامي بين الخير والشـر، وكل ما يقال عن المستوى الأدبي الذي بلغه يبقى دون ذاك. وقد يُنصفه أن نقول مع رئيف خوري إن ابن المقفع له «فضل جم على الأدب العربي، والعقل العربي، وهو خير مثال للثقافة الواسعة، والفكر الصاحي العميق، والأسلوب العالي الرصين»[10].
فمن غير الجائز أن يمر الباحث، مروراً عابراً على ما يتضمنه كتاب يحظى برواج كبير وانتشار واسع ـ وأعني كتاب كليلة ودمنة ـ من قضايا أساسية خطيرة مثل: إساءة الظن بالطبيعة البشرية، والحكم عليها بالفساد الشامل، وإعلان اليأس من محاولات إصلاح ما شابها من اعوجاج وتشويه وانحراف؛ ومثل النظرة التاريخية الأسطورية الدونية للمرأة، والاحتفاء الشديد بالمال، والتهويل من أثره في حياة الإنسان، واعتباره معياراً وحيداً وأساسياً للحكم عليه، سلباً أو إيجاباً، فيكون ارتقاؤه في المدارج الإنسانية والاجتماعية والسياسية والروحية محكوماً بمقدار ما يمتلك منه، وكما هو الشأن في الانحياز للاتجاه الجبري الذي يجرّد البشر من القدرة على الفعل والتفاعل، والاختيار الحر، ولا يراهم إلا وهم يهومون في الحياة تهويماً تتلاعب بهم رياح الحظوظ والمقادير، ترميهم هنا وهناك، تعلو بهم وتهبط، هكذا من دون أن يفقهوا بتبدل أحوالهم وتغيّرها معنى أو حكمة أو تفسيراً، يقوم على أسس واقعية مفهومة، من حيث الأسباب والنتائج.
يبيّن ابن المقفع في عرض الكتاب منهج التأليف الذي انتهجه في كتاب كليلة ودمنة، ثم جعل الكلام فيه على ألسن البهائم وأسباع الوحش والطير، ليكون في ظاهره لهواً للعوام، وفي باطنه رياضة لعقول الخاصة، وفيه جميع ما يحتاج إليه من أمر الدين والدنيا والآخرة، فصار الحيوان لهواً، وما ينطق به حِكَماً وأمثالاً وأدباً.
مكث كتاب كليلة ودمنة في الهند إلى أن سمع به الملك كسرى أنوشروان، وكان مستأثراً بالكتب والعلم والأدب، والنظر في أخبار الأوائل، فوقع إليه خبر كتاب كليلة ودمنة، فلم يَقرَّ له قرار حتى بعث برزويه الطبيب إلى بلاد الهند، وهذا ما أورده ابن المقفع تحت عنوان: «توجيه كسرى أنوشروان برزويه إلى بلاد الهند»، فاحتال برزويه وتلطّف حتى أخرجه من بلاد الهند فأقرّه في خزائن فارس.
ومما جاء في كتاب كليلة ودمنة قول دمنة: «إن السلطان إنما يؤتى من قبل ست خلال: «الحرمان والفتنة والهوى والفظاظة والزمان والخرق»»[11]، ثم فسر ابن المقفع ذلك على لسان دمنة قائلاً: «فأما الحرمان، فهو أن يفقد الأعوان والنصحاء والساسة من أهل الرأي والنجدة والأمانة، أو يبعد بعض من هو كذلك، وأما الفتنة فهي تحزّب الناس، ووقوع التحارب بينهم، وأما الهوى فهو الإغرام بالنساء، أو الحديث والشرب والصيد وما أشبه ذلك، وأما الفظاظة فالإفراط في الشدة حتى يبتلي اللسان بالشتم، واليد بالبطش والضرب، وأما الزمان فهو ما يصيب الناس من القحط والموت ونقص الثمرات وأشباه ذلك، وأما الخرَق فأعمال الشدة في موضع اللين، والرفق في مكان الغلظة»[12].
الدولة القوية ضمان لأمن مواطنيها، ومبعث سعادتهم، وعامل وحدتهم، ومتى ضعفت الدولة، انقسم مواطنوها إلى مجموعات متفرقة متنابذة، يتنافسون في سلطانها، ويرثون قوتها، ويتصارعون من أجل السلطة فيها، وفي قول شتربة إشارة إلى ما قلناه عن قوة الدولة وضعفها: «إن خير السلطان من أشبه النسور حول الجِيَف، لا من أشبه الجيف حولها النسور»[13].
ألا ترى أن الكاتب ـ ابن المقفع ـ استرسل كغيره ممّن يتحدثون عن الغنى والفقر، في اتجاه وحيد الجانب، فقصد في بعض أحكامه التعميم، والإطلاق والتهويل، وغلب على كلامه الطابع النظري الانفعالي والعاطفي؛ وأكثر ما يبدو ذلك في أساليب الشرط، التي ينقاد فيها إلى إجابات ونتائج سريعة، لا تقوى على الثبات عند التطبيق، ولا يمكن تعميمها إلا في ظروف وأحوال خاصة، وعلى أشخاص بعينهم، مثل قوله: «… من لا إخوان له فلا أهل له، ومن لا ولد له فلا ذكر له، ومن لا عقل له فلا دنيا له ولا آخرة، ومن لا مال له فلا عقل له؛ لأن الرجل إذا أصابه الضر والحاجة رفضه إخوانه، وقطع ذوو قرابته ودّه، وهان عليهم، واضطرته المعيشة، وما يعالج منها لنفسه وعياله إلى التماس الرزق فيما يغرر فيه بنفسه ودينه وهلاك آخرته…»[14].
إنكَ لا تأمنُ أنفة الملوكِ إن أعلمتهم، ولا تأمنُ عقوبتهم إن كتمتهم، ولا تأمنُ غضبتهم إن صدقتهم، ولا تأمن سلوتهم إن حدثتهم. وإنك إن لزمتهم لم تأمن تبرّمهم بكَ، وإن زايلتهم لم تأمن عقابهم، وإن تستأمرهم حملتَ المؤونةَ عليهمِ، وإن قطعتَ الأمرَ دونهم لم تأمن فيهِ مخالفتهم. إنهم إن سخطوا عليكَ أهلكوك. وإن رضوا عنكَ تكلفتَ من رضاهم ما لا تُطيقُ.
فإن كنتَ حافظاً إن بلوكَ، جَلِداً إن قربوك، أميناً إن ائتمنوكَ: تعلّمهم وأنت تريهم أنك تتعلم منهم، وتؤدّبهم وكأنهم يؤدبونكَ: تشكرهم ولا تكلفهمُ الشكر، بصيراً بأهوائهم مؤثراً لمنافعهم، ذليلاً إن ظلموكَ، راضياً إن أسخطوكَ، وإلا فالبعدَ منهم كل البعدِ، والحذر منهم كل الحذرِ[15].
ثانياً: مآل مخالفة السلطة
كيف يعبث الأديب مع السلطان؟ وكيف يتوجه بنصحه مباشرة دون مواراة؟ وما نتائج من يفعل ذلك؟ فلندع صاحب وفيات الأعيان يغوص بنا في ما جاء من ابن المقفع، وكان سبباً في قتله جراء مصادمته للسلطة ومحاولته النيل منها بما خطه بنانه:
وكان ابن المقفع يعبث بسفيان بن معاوية بن يزيد بن المهلب بن أبي صفرة أمير البصرة، وينال من أمه ولا يسميه إلا بابن المغتلمة، وكثر ذلك منه، فقدِم سليمان وعيسى ابنا علي البصرة ـ وهما عمّا المنصور ـ ليكتبا أماناً لأخيهما عبد الله بن علي من المنصور، وكان عبد الله المذكور قد خرج على ابن أخيه المنصور وطلب الخلافة لنفسه، فأرسل إليه المنصور جيشاً بقيادة أبي مسلم الخراساني، فانتصر أبو مسلم عليه. وهرب عبد الله بن علي إلى أخويه سليمان وعيسى، واستتر عندهما خوفاً على نفسه من المنصور، فتوسطا له عند المنصور ليرضى عنه، ولا يؤاخذه بما جرى منه، فقبل شفاعتهما، واتفقوا على أن يُكتب له أمان من المنصور، وهذه الواقعة مشهورة في كتب التواريخ ـ وقد أتيت منها في هذا المكان بما تدعو الحاجة إليه لينبني الكلام بعضه على بعض ـ فلما أتيا البصرة قالا لعبد الله بن المقفع: اكتبه أنت وبالغ في التأكيد كي لا يقتله المنصور ـ وقد ذكرت أن ابن المقفع كان كاتباً لعيسى بن علي ـ فكتب ابن المقفع الأمان وشدد فيه حتى قال في جملة فصوله: «ومتى غدر أمير المؤمنين بعمّه عبد الله بن علي، فنساؤه طوالق، ودوابه حبس، وعبيده أحرار، والمسلمون في حل من بيعته».
ذكر أنه: لما دخل ابن المقفع على سفيان، قال له: أتذكر ما كنت تقول في أمي فقال: أنشدك الله أيها الأمير في نفسي، فقال: أمي مغتلمة إن لم أقتلك قتلة لم يقتل بها أحد، وأمر بتنّور فسجر، ثم أمر بابن المقفع فقطعت أطرافه عضواً عضواً، وهو يلقيها في التنور، وهو ينظر، حتى أتى على جميع جسده، ثم أطبق عليه التنور، وقال: ليس علي في المثلة بك حرَج لأنك زنديق وقد أفسدت الناس.
سأل سليمان وعيسى عنه فقيل: إنه دخل دار سفيان سليماً ولم يخرج منها، فخاصماه إلى المنصور، وأحضراه إليه مقيداً، وحضر الشهود الذين شاهدوه وقد دخل داره ولم يخرج، فأقاموا الشهادة عند المنصور، فقال لهم المنصور: أنا أنظر في هذا الأمر، ثم قال لهم: أرأيتم إن قتلت سفيان به ثم خرج ابن المقفع من هذا البيت ـ وأشار إلى باب خلفه ـ وخاطبكم ما تروني صانعاً بكم أأقتلكم بسفيان! فرجعوا كلهم عن الشهادة، وأضرب عيسى وسليمان عن ذكره، وعلموا أن قتله كان برضا المنصور. ويقال: إنه عاش ستاً وثلاثين سنة.
ذكر الهيثم بن عدي أن ابن المقفع كان يستخفّ بسفيان كثيراً، وكان أنفُ سفيان كبيراً، فكان إذا دخل عليه قال: السلام عليكما، يعني نفسه وأنفه؛ وقال له يوماً: ما تقول في شخص مات وخلف زوجاً وزوجة يسخر به على رؤوس الناس، وقال سفيان يوماً: ما ندمت على سكوت قط، فقال له ابن المقفع: الخرس زين لك فكيف تندم عليه! وكان سفيان يقول: والله لأقطعنه إرباً إرباً وعينه تنظر، وعزم على أن يغتاله، فجاءه كتاب المنصور بقتله فقتله[16].
مما ذُكر في خلاصة تجربة الهند في النفس وشؤون الحكم، ما يمكن أن يعد رسالة يجب أن يعيها كل فرد حاكماً كان أو محكوماً:
قال بعض الهند في كتابه: لا ظفر مع بغي، ولا صحة مع حرص، ولا ثناء مع كبَر، ولا صداقة مع خب، ولا شرف مع سوء الأدب، ولا برّ مع شح، ولا اجتناب محرّم مع حرص، ولا ولاية حكم مع عدم فقه، ولا عذر مع إصرار، ولا سلامة مع غيبة، ولا راحة قلب مع حسد، ولا سؤدد مع انتقام، ولا رياسة مع عجب، ولا صواب مع استبداد، ولا ثبات مع جهل الوزراء[17].
ثالثاً: بين الأديب والسلطة
قديماً قيل: إذا أردت أن تعرف أخلاق رجل فأعطِه سلطة، فالسلطة كاشفة لمعادن الرجال، موضحة لمكنون أنفسهم، فلذلك تظهر أخلاقهم وصفاتهم، وما يمكن أن يفعلوه بعد مآل السلطة لهم:
إن استطعتَ أن تجعل صحبتكَ لمن قد عرفك بصالحِ مروءتكَ وصحة دينكَ وسلامةِ أموركَ قبلَ ولايتهِ فافعل.
فإن الوالي لا علم لهُ بالناسِ إلا ما قد علم قبلَ ولايته. أما إذا ولي فكل الناسِ يلقاهُ بالتزينِ والتصنعِ وكلهم يحتالُ لأن يثني عليه عندهُ بمال ليس فيهِ. غير أن الأنذال والأرذال هم أشدّ لذلكَ تصنّعاً وأشد عليهِ مثابرةً وفيه تمحلاً.
فلا يمتنعُ الوالي، وإن كان بليغَ الرأي والنظرِ، من أن ينزل عندهُ كثيرٌ من الأشرار بمنزلةِ الأخيارِ، وكثيرٌ من الخانةِ بمنزلةِ الأمناءِ، وكثيرٌ من الغدرة بمنزلةِ الأوفياء، ويغطى عليهِ أمرُ كثيرٍ من أهل الفضل الذينَ يصونونَ أنفسهم عنِ التمحلِ والتصنعِ.
إذا عرفتَ نفسك من الوالي بمنزلةِ الثقةِ، فاعزل عنهُ كلامَ الملقِ، ولا تكثرنَ من الدعاء لهُ في كل كلمة، فإنّ ذلك شبيهٌ بالوحشةِ والغربةِ، إلا أن تكلمهُ على رؤوس الناسِ، فلا تأل عما عظمهُ ووقرهُ[18].
ومما لا يصلح مفارقة الملك إياه ولا خلوّه منه الصدق في وعده ووعيده، فإنه إذا كان حليماً متثبتاً لم يعد إلا ما يتيقن قدرته على الوفاء به ولم يتوعد إلا من يستحق أن يتوعده بمثل ما يوجبه جرمه ولم يتهدد أيضاً إلا بما له أن يفعله، فإذا وعد في حقه ووعد في كهنه لزمه أن ينجز ما وعده ولا يخلف ما توعد به. ومن كمال الخلال التي قدمنا حاجة الملك إليها أن يكون عادلاً في نفسه مكتسباً لما حفظ هذه الفضيلة وزاد عليها بجودة البحث وعمّ الصواب كل أحواله واستقامت الخلال المحمودة التي تكون معه وصواب النظر، فإن الملك إذا كان عادلاً شمل الأقساط جميع أفعاله وعم الصواب كل أحواله واستقامت الخلال المحمودة التي تكون معه حتى لا يجري شيء منها على سرف ولا تكثير ولا نقص ولا تقصير والشح من الخلال المذمومة التي لعلها تعرض له حتى يخلو منها أو من أكثرها بمعاتبته نفسه عليها ونهيِه لها عنها وقد يستغني الملك إذا كان عادلاً من أن يكون رحيماً لأن الرحمة إنما هي تركيب في خلق النفس من ود وجزع فإذا عدل الملك حتى لا يضع عقوبته إلا في حقها كانت الرحمة ناقصة منها وعاد ذلك بالضرر في التدبير ومما يحتاج الملك أن يكون متطلباً له وناظراً فيه سير من تقدمه من الملوك ليقبل أفعال من حمدت أفعاله وكانت متّصفة بالسداد أحواله ويتجنب سيرة من ذمّت سيرته ولم يكن ممن ترتضى طريقته ويحتاج الملك أن يخلوا من خلال في كونها معه ضرر عليه في ذات نفسه وفي تدبير رعيته ومصالح مملكته منها اللجاج والمحك فإنهما لا يكونان إلا في الطباع الرديئة ومن الخلائق الدنيئة وهما مع هذا يعوقان مجاري الرأي عن الانبعاث ومنها البذخ فإنه تابع أبداً لصغر الهمّة ومنها التهاون بالأمور فإن اليسير في ذلك ينتج كثيراً من الخطأ وعظيماً من البلاء[19].
ليس للملكِ أن يغضبَ، لأن القدرة من وراء حاجتهِ.
وليس لهُ أن يكذبَ، لأنه لا يقدرُ أحدٌ على استكراههِ على غير ما يريدُ.
وليس له أن يبخل، لأنه أقلُ الناسِ عذراً في تخوّف الفقرِ.
وليس له أن يكون حقوداً، لأن خطرهُ قد عظُمَ عن مجاراةِ كل الناسِ.
وليس لهُ أن يكونَ حلّافاً، لأن أحق الناسِ باتقاء الأيمان الملوكُ، فإنما يحملُ الرجلَ على الحلفِ إحدى هذه الخصال: إما مهانةٌ يجدها في نفسه، وضرعٌ وحاجةٌ إلى تصديقِ الناسِ إياهُ.
وإما عنيٌّ بالكلامِ، فيجعل الأيمان لهُ حشواً ووصْلاً.
وإما تهمةٌ قد عرفها من الناسِ لحديثهِ، فهو ينزلُ نفسهُ منزلةَ من لا يقبلُ قولهُ إلى بعد جهد اليمين.
وإما عبثُ بالقولِ وإرسالٌ للسانِ على غيرِ رويّةٍ ولا حسنِ تقديرٍ، ولا تعويدٍ له قولَ السَّدادِ والتثبتَ[20].
اعلم أن الملك ثلاثةٌ: ملكُ دينٍ، وملكُ حزمٍ، وملكُ هوى.
فأما ملكُ الدينِ فإنهُ إذا أقام للرعيةِ دينهم، وكان دينهم هو الذي يعطيهم الذي لهم ويلحقُ بهم الذي عليهم، أرضاهم ذلك، وأنزل الساخط منهم منزلة الراضي في الإقرار والتسليمِ.
وأما ملكُ الحزمِ فإنهُ يقومُ به الأمرُ ولا يسلمُ من الطعنِ والتسخطِ. ولن يضرّ طعنُ الضعيفِ مع حزمِ القوي.
وأما ملكُ الهوى فلعب ساعةٍ ودمار دهرٍ[21].
إذا ابتُليت بالسلطان تعوّذ بالعلماء واعلم أن من العجبِ أن يبتلى الرجلُ بالسلطان فيريد أن ينتقص من ساعات نصبهِ وعملهِ فيزيدها في ساعاتِ دعتهِ وفراغهِ وشهوته وعبثه ونومه.
وإنما الرأي لهُ وحقُ عليهِ أن يأخذ لعملهِ من جميعِ شغله، فيأخذ لهُ من طعامهِ وشرابهِ ونومهِ وحديثهِ ولهْوهِ ونسائهِ قدر ما يكون به إصلاح جسمه وتقوية له على إتمام عمله.
وإنما تكون الدعةُ بعد الفراغِ.
فإذا تقلدت شيئاً من أمرِ السلطان فكن فيه أحد رجلينِ:
إما رجلاً مغتبطاً به، محافظاً عليهِ مخافة أن يزول عنهُ.
وإما رجلاً كارهاً له مُكرهاً عليهِ. فالكارهُ عاملٌ في سخرةٍ، إما للملوكِ، إن كانوا هم سلّطوهُ، وإما لله تعالى، إن كان ليس فوقهُ غيرهُ.
وقد علمتَ أنه من فرط في سخرةِ الملوكِ أهلكوهُ. فلا تجعل للهلاكِ على نفسكَ سلطاناً ولا سبيلاً.
اعلم أن السلطان يقبلُ من الوزراء التبخيل ويعدهُ منهم شفقةً ونظراً لهُ، ويحمدهمُ عليهِ، فإن كان جواداً وكنت مبخِّلاً، شنتَ صاحبكَ بفسادِ مروءتهِ، وإن كنتَ مسخياً، لم تأمن إضرارَ ذلك بمنزلتكَ عندهُ. فالرأي لك تصحيحُ النصيحةِ على وجهها، والتماس المخلصِ من العيبِ واللائمةِ في ما تتركُ من تبخيلِ صاحبكَ بألّا يعرفَ منكَ في ما تدعوهُ إليهِ ميلاً إلى شيءٍ من هواكَ ولا طلباً لغيرِ ما ترجو أن يزينهُ وينفعهُ[22].
خاتمة
نزعة ابن المقفع الإصلاحية تجاه قضايا أمته كانت تبنى على نزعتين: نزعة فارسية بعرض تراث قومه وأدبهم، ونظرياتهم في السياسة والاجتماع؛ ونزعة مثالية في أن يكون نموذجاً يحتذى به؛ فقد شهد له معاصروه بالعقل والذكاء والفطنة وسعة الثقافة، وأشاد به المحدثون.
فقد رأى ابن المقفع أن الحياة الاجتماعية في عصره تكبر تعقّداً، وكان يزداد فهماً، والتعسف السياسي يزداد تحكماً، ورأى أن الدولة إذا قدّر لها أن تبقى، فسيزداد الأمر سوءاً وتعقيداً بين الراعي والرعية، وودّ لو أن الأمر قيّض له الحاكم الذي يعرف الفضل في أهل الدين والمروءة، في كل كورة وقرية وقبيلة، على ما يقول في الأدب الكبير، فيتخذهم إخواناً وأعواناً، يستشيرهم إذا حزبه أمر، ويطمئن إليهم إذا استنصحهم، فتوجه بكتاباته لنقد السلطة وتقويم مسيرتها تارة بالرمز وأخرى مباشرة؛ ولكنه لا يسلم من بطشِ السلطان، والنيل من إرادته في الإصلاح والتغيير إلى أن يفقد حياته جراء هذا القلم الذي يأبى إلا أن يخطّ ما تتطلع له نفسه في الوفاء والعهد لقضية الإصلاح التي يؤمن بها.
تعددت أنواع أساليب ابن المقفع، واتسم أسلوبه بالسهولة والانسجام والاتساق، ويعدّ أسلوبه من أرفع الأساليب العربية وأنضجها.
المصادر:
(*) نُشرت هذه المقالة في مجلة المستقبل العربي العدد 430.
(**)مجدي عبد المعروف حسين أحمد: أستاذ النقد والأدب المشارك بقسم اللغة العربية، جامعة سنار ـ السودان.
البريد الإلكتروني: magdiah7@hotmail.com
[1] معن خليل عمر، علم المشكلات الاجتماعية (عمّان: دار الشروق للطباعة والنشر والتوزيع، 1998)، ص 70.
[2] إبراهيم مصطفى [وآخرون]، المعجم الوسيط، تحقيق مجمع اللغة العربية، 2 مج (القاهرة: دار الدعوة، 1999)، مج 1، ص 9 ـ 10.
[3] طه الحاجري، الجاحظ: حياته وآثاره (القاهرة: دار المعارف، 1962)، ص 278.
[4] رمضان بسطاويسي، الإبداع.. والحرية (القاهرة: الهيئة العامة لقصور الثقافة، 2002)، ص 344 ـ 345.
[5] عبد الله بن المقفع، كليلة ودمنة، ترجمة وتحقيق عبد الوهاب عزام (بيروت؛ القاهرة: دار الشروق؛ الجزائر: الشـركة الوطنية، 2000)، ص 37.
[6] حسين مروة، دراسات في الفكر والأدب (بيروت: دار الفارابي، 1993)، ص 74.
[7] فان تيجم، الأدب المقارن (بيروت: دار الفكر، 1990)، ص 30، ووندي صالح، فنون الأدب الشعبي (بيروت: دار الفكر، 1956)، ص 19.
[8] ابن المقفع، كليلة ودمنة، ترجمة وتحقيق عبد الوهاب عزام، ص 319 وما بعدها.
[9] نقلاً عن: عبد الله بن المقفع، كليلة ودمنة، شرح حبيب يوسف مغنية (القاهرة: دار ومكتبة هلال، 1997)، ص 22.
[10] موفق سالم نوري، «الجاحظ بين الدعاية السياسية للسلطة ومعتقده الاعتزالي: دراسة نقدية،» مجلة التاريخ العربي (كلية المعلمين ـ جامعة الموصل)، (2004)، ج 1، ص3291.
[11] ابن المقفع، المصدر نفسه، ص 68.
[12] ابن المقفع، كليلة ودمنة، ترجمة وتحقيق عبدالوهاب عزام، ص 98.
[13] المصدر نفسه، ص 116.
[14] المصدر نفسه، ص 172.
[15] عبد الله بن المقفع، الأدب الكبير والأدب الصغير، تحقيق أحمد زكي باشا (بيروت: دار ابن حزم للطباعة والنشر والتوزيع، 2003)، ج 1، ص 42.
[16] أبو العباس أحمد بن محمد بن خلكان، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، تحقيق إحسان عباس، 8 ج (بيروت: دار صادر، 1900)، ج 2، ص 152 وما بعدها.
[17] ابن المقفع، المصدر نفسه، ج 1، ص 28.
[18] علي بن محمد أبو حيان التوحيدي، البصائر والذخائر، تحقيق وداد القاضي، 9 ج في 5 مج، ط 4 (بيروت: دار صادر، 1999)، ج 5، ص 20.
[19] أبو الفرج قدامة بن جعفر، الخراج وصناعة الكتابة، شرح وتحقيق محمد حسين الزبيدي، سلسلة كتب التراث؛ 110 (بغداد: دار الرشيد، 1984)، ص 442 وما بعدها.
[20] ابن المقفع، الأدب الكبير والأدب الصغير، ج 1، ص 24.
[21] المصدر نفسه، ج 1، ص 22.
[22] المصدر نفسه، ج 1، ص 17 وما بعدها.
مجدي عبد المعروف حسين أحمد
أستاذ النقد والأدب المشارك بقسم اللغة العربية، جامعة سنار ـ السودان.
بدعمكم نستمر
إدعم مركز دراسات الوحدة العربية
ينتظر المركز من أصدقائه وقرائه ومحبِّيه في هذه المرحلة الوقوف إلى جانبه من خلال طلب منشوراته وتسديد ثمنها بالعملة الصعبة نقداً، أو حتى تقديم بعض التبرعات النقدية لتعزيز قدرته على الصمود والاستمرار في مسيرته العلمية والبحثية المستقلة والموضوعية والملتزمة بقضايا الأرض والإنسان في مختلف أرجاء الوطن العربي.