بدأ حراك الطلاب في الجامعات الأمريكية منذ بداية الأحداث بعد السابع من أكتوبر. لكن كثافة الحراك وكيف أصبح محطَّ اهتمام الإعلام الغربي والعالمي بدأ بعد تدخُّل قوات الحرس الوطني في جامعة كولومبيا. نظرًا إلى كثافة الحراك وانتشاره في الكثير من الجامعات التي تُعرف تاريخيًا بأنها محرِّكة للكثير من النضالات في عدد من القضايا، جاء الاهتمام بالحراك وإدراك مدى تأثير الجامعات. وأهم تلك القضايا – التي كان أداء الحراك فيها طلابيًّا أساسًا – هي: أولًا، الحقوق المدنية المرتبطة بحقوق السود وإنهاء الممارسات العنصرية ضدهم في المؤسسات والعمل وغيرها؛ ثانيًا، تلك المرتبطة بالحراك ضد إرسال الجنود الأمريكيين في حرب فيتنام في الستينيات والسبعينيات وإنهاء الحرب بوصفها حربًا غير عادلة؛ ثالثًا كان دور الحراك الطلابي في الثمانينيات لوقف الاستثمارات ومقاطعة حكومة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا. وكانت هناك عدة احتجاجات أخرى، لكنها لم تكن بكثافة الجامعات واستمراريتها كما هي الحال اليوم والسابق في القضايا التي ذكرت، فهناك تظاهرات تحصل من وقت إلى آخر من طرف الطلاب تدور حول العدالة الجندرية، والعنصرية في مواجهة الأعراق المختلفة، وحماية البيئة كقضايا أخلاقية يندد الطلاب بتورط الولايات المتحدة فيها، إلى أن جاءت الاعتصامات والتظاهرات المستمرة منذ بداية الحرب على غزة بعد السابع من أكتوبر. ولكن الكثافة والتصعيد والأساليب اختلفت ارتباطًا بجامعة كولومبيا في نيويورك، ثم تبعتها عدة جامعات أمريكية أخرى، ثم انتشر حراك موسع بالأساليب نفسها في عدد كبير من الجامعات في العواصم العالمية.

عليه، تهدف المقالة إلى إلقاء الضوء على الحراك الطلابي في الولايات المتحدة حول:

  • تأثير كرة الثلج في تصعيد الحراك الطلابي المساند للفلسطينيين.
  • الحراك الطلابي في الولايات المتحدة بداية من كولومبيا.
  • الحراك الذي تبعه لمساندة زملائهم في الولايات الأخرى، ثم توسع الحراك حول العالم.
  • عرض مطالب الطلاب التي يدور حولها الحراك.
  • رد فعل التعامل مع تلك التظاهرات في الجامعات المختلفة.

إن “تأثير كرة الثلج، وفقًا لقاموس كامبريدج، هو حدث يؤدي إلى زيادة حجم الحدث وأهميته بمعدل أسرع بصورة كبيرة عما قبل”، والحدث الذي أدى إلى تسارع الأحداث هو استجواب عميدة جامعة كولومبيا “نعمت شفيق” في مجلس النواب يوم الأربعاء؛ تبعه طلب تدخل قوات الحرس الوطني للولاية ضد حراك الطلاب يوم الخميس وفك الاعتصام في الجامعة، وهو ما انتشر حول العالم وتصدّر الأخبار بكل أنواعها، ثم كثافة حراك الجامعات وكثافة ردود قوات الحرس الوطني لكل ولاية أيضًا، ثم الانتشار في الجامعات الأوروبية بكثافة وبأساليب مختلفة عمّا قبل منذ بداية الأحداث حيث انتشر الحراك في أكثر من 145 جامعة في بداية شهر أيار/مايو في 45 ولاية تقريبًا من أصل 50 ولاية في الولايات المتحدة وحدها.

بدأت الأحداث في جامعة كولومبيا، والتي لها رمزية لارتباطها بأحداث تاريخية كونها الجامعة التي أثرت في تظاهرات حرب فيتنام عام 1968. ويتم الربط بين دور الجامعة في تلك الأيام مع اختلاف القضايا، والجامعات الخاصة الكبرى التي تكوّن رابطة اللبلاب Ivy League (وهي 8 جامعات خاصة كبرى أمريكية تتمركز في الشمال: هارفارد، ييل، براون، كولومبيا، بين، برينستون، كورونيل، دارموث). فبعد كولومبيا التي اعتُقل فيها في البداية 100 متظاهر، جاءت جامعة نيويورك، ثم هارفارد ثم ييل ثم جامعة كاليفورنيا وجورج واشنطن، يندد الطلاب بالاعتداء على زملائهم واعتقالهم واختراق الحقوق الأساسية المتمثلة بحرية التعبير. بدأت التظاهرات بداية في الساحل الشمالي في كولومبيا ثم توالت التظاهرات في الولايات المتحدة في الساحل الشرقي في معهد ماشوستس للتكنولوجيا في كامبريدج، وجامعة هارفارد ثم ساحة جامعة بوستون، وجامعة الساحل الشرقي وجورج واشنطن، ثم في الساحل وسط الغربي حيث جامعات ميشغن وأوهايو وإنديانا وتكساس وكولورادو وجامعة الساحل الغربي. توسع حراك الجامعات في ولايات أخرى في جامعات حكومية، وهنا المفارقة، كون الخاصة قد تعبّر عمّن يديرها ولو بشكل رسمي، لكن الحكومية فهي تمثل الحكومة الأمريكية كما هي حال جامعة ولاية تكساس التي اعتُقل فيها نحو 600 طالب، وجامعة ولاية أوهايو وجامعة ولاية فلوريدا الحكومية.

جاء الرد من الجامعات إما بدعوة الشرطة للتدخل وفضّ الاعتصامات مثلما جرى في جامعات كثيرة في الولايات المختلفة في الولايات المتحدة، ثم قمعها في فرنسا وفي ألمانيا وغيرهما، وإما الاعتقال حيث في بداية الأحداث فقط وفي أول الجامعات مع كولومبيا اعتُقل أكثر من 100 طالب، ثم ييل 60 طالبًا، وفي جامعة نيويورك (في كلية الأعمال) اعتُقل زهاء 133 طالبًا، لتتصاعد الأعداد عالميًا وبخاصة في الولايات المتحدة كرد فعل على ممارسات الشرطة ضد الطلاب في أكثر من 145 جامعة أمريكية في مختلف الولايات، أو اتهام الطلاب بمعاداة السامية من جانب الطلاب اليهود أو إدارة الجامعة أو المؤسسات الحكومية، أو اتهامهم لاحقًا بأنهم شباب أرعن قد تعرّض لغسل المخ، وقد وصفوا بهذا خاصة في الإعلام الاسرائيلي وبعض الإعلام الأمريكي. أكثر من ذلك، قرأت مقالة في موقع أمريكي الأصل يتهم المتظاهرين بأنهم يتلقون تمويلًا من دولة بعينها لنشر عقيدة الإسلام في جامعات الولايات المتحدة، وقد فُصل عدد من الطلاب وأساتذة الجامعات، ونُقل التعليم والامتحانات ليصبحا من بعد، وأُجلت حفلات التخرج أو أُلغيت.

تمحورت طلبات تظاهرات الطلاب حول وقف تمويل Divesting movement وقطع العلاقات مع إسرائيل واتهمو الجامعات بأنها تموِّل – على نحو غير مباشر – المجازر ضد الفلسطينيين، وطالبوا بإنهاء التعاون مع الجامعات الاسرائيلية، أو قطع العلاقات مع الشركات التي تساهم بصورة ما في صنع السلاح الاسرائيلي، والإفراج عن زملائهم الذين اعتُقلوا إبان التظاهرات وتخطى عددهم الثلاثة آلاف تقريبًا في الولايات المتحدة وحدها، وكان الطلب الأول هو هو وقف الحرب على قطاع غزة وقتل المدنيين الذي يتزايد عددهم يومًا بعد يوم.

تعددت أشكال التظاهر ما بين الاعتصامات في الجامعات، وإضراب عن الطعام، والتظاهرات أمام مقار الحكومات حول العالم، أو السيطرة على مبانٍ، كما هي حال البداية التي أشعلت شرارة الموقف، وهو مبنى هاميلتون هول الأكاديمي الشهير في جامعة كولومبيا وتغيير اسمه ليصبح قاعة هند (اسم طفلة فلسطينية قتلت في المجازر).

بدأت التظاهرات في الجامعة بصورة اعتصام، وقد يكون رد الفعل وقتها هو الذي أدى إلى التصعيد لاحقًا، حيث أسلوب تعامل الشرطة وطلب تدخُّل الحرس الوطني من قبل رئيسة الجامعة في كولومبيا – نعمة شفيق – في نيسان/أبريل الماضي واعتقال أكثر من ١٠٠ طالب أول مرة، وتحت تأثير مساندة رفقائهم كونهم وصفوا الحركة اللاحقة بأنها تأكيد لطلبات زملاء (Mutual Global support) طلاب جامعات الولايات الأخرى والتأكيد على الحق في المطالب وحرية التعبير. انتشرت بعد ذلك مشاهد الاعتقال عالميًا، فضلًا عن جامعات الولايات المتحدة حيث اندلعت التظاهرات في أكثر من 140 حرمًا جامعيًّا. امتدت التحركات الطلابية إلى جامعات المملكة المتحدة (أكثر من 14 جامعة في البداية)، وفي فرنسا في جامعة  science  Po التي توصف بأن لها درجة دراسة مزدوجة مع جامعة كولومبيا إذ شعر الطلاب بالحاجة إلى التضامن مع زملائهم, والسوربون، وفي  McGillفي مونتريال في كندا، وفي جامعة سيدني في أستراليا، وفي ألمانيا وأيرلندا وفي المكسيك وإسبانيا، وفي الهند، وفي لبنان والعراق والأردن.

تتميز هذه التظاهرات بعدم حصول مثلها منذ نصف قرن تقريبًا حيث لم تقم تظاهرات بهذه الكثافة والتكتيكات التي كانت عليه في تلك الأحداث. ويعدُّ دعم الطلاب بعضهم بعضًا نتيجة إيمانهم بالحق في التعبير عن رأيهم وبعدالة قضيتهم ووصْفُ المطالبة بوقف الحرب بأنه مطلب أخلاقي مثل غيره من مطالب التظاهرات التي اندلعت سابقًا. أما الحدث الذي كان بمنزلة تدحرُج كرة الثلج فهو الاعتداء على الطلاب في جامعة كولومبيا ثم في سائر الجامعات في الولايات المتحدة الأمريكية.

كتب ذات صلة:

دور عائلة روتشيلد في إنشاء دولة “إسرائيل”

تخيُّل الأرض المقدسة: كيف تمت عبرنة الخريطة الفلسطينية؟