مدخل:

استناداً إلى العلاقة التي تربط الدولار بالنفط يُطرح السؤال: هل تغيُّر سعر صرف الدولار هو السبب الرئيسي لتغير عوائد البترول أم أن هناك عوامل أخرى متشابكة أسهمت في تقلب أسعار النفط؟ ولماذا يتحرك الذهب الأسود والعملاق الأخضر في اتجاهين متعاكسين؟ وبما أن الدولار عملة كباقي العملات تخضع لتغيرات سعر الصرف فما هو مستقبل سعر النفط وهل يستطيع أحد أن يجزم باستقرار أسعار البترول مستقبـلاً أو حتى عودتها إلى الارتفاع كما في السابق؟ والسؤال الذي يثير النقاش والجدل هو: هل أن الدولار سيبقى كعملة أساسية في تسعير النفط؟ وهل يمكن استعمال الذهب في تسعير النفط باعتباره يملك قيمة حقيقية ولا يمكن طباعته كالدولار؟ وخصوصاً أن أكبر الدول تسعى إلى يومنا هذا لشراء وإنتاج الذهب بكميات هائلة! أم أن هناك عملات أخرى مؤهلة كاحتياطي عالمي؟

أولاً: لمحة تاريخية عن تطورات الدولار كعملة عالمية

في سنة 1945 أنشئت اتفاقية بريتون وودز حيث جعلت الدولار الأمريكي العملة الاحتياطية في العالم والتي تعني تقييم السلع الدولية بالدولار الأمريكي. كما جعلت هذه الاتفاقية من الدولار كعملة مرجعية لباقي العملات والتي تقر مشروع هنري وايت مع قابلية تحويل الدولار إلى الذهب، مع العلم أن الولايات المتحدة الأمريكية وعدت بعدم طبع الكثير من الدولارات؛ هذا على المستوى الظاهري فقط لأن الاحتياطي الفدرالي رفض السماح لأي مراجعة أو الإشراف على المطابع، وفي المقابل تم رفض مشروع كينز الذي يقر بإنشاء عملة دولية تسمى البانكور تقضي على مشاكل ومخاطر سعر الصرف.

وفي السنوات التي سبقت 1970 جعلت نفقات حرب الفيتنام الصورة واضحة للكثير من البلدان، وهي أن الولايات المتحدة كانت تطبع أكثر كثيراً من قيمة الذهب الذي تملكه، وهذا بالطبع أدى إلى مجموعة من الانخفاضات السريعة في قيمة الدولار. ولكن الوضع تأزم عندما طلبت فرنسا سحب رصيدها من الذهب فرفض نيكسون. ففي 15 آب/أغسطس أعلن نيكسون عن عدم إمكانية تحويل الدولار إلى ذهب مؤقتاً لحمايته من المضاربين إلا في المبالغ والشروط المصممة على أن تكون في مصلحة الاستقرار النقدي وفي مصلحة الولايات المتحدة. ومن الواضح أن هذا ليس تعليقاً مؤقتاً على حد زعمه وإنما هو إجراء دائم، أما بالنسبة لبقية العالم والدعوة إلى تسليم ذهبهم للولايات المتحدة الأمريكية فإنها سرقة صريحة.

ومنذ عام 1971 والحديث يدور حول تغيرات سعر صرف الدولار أو بالأحرى استقرار أسعار الصرف ونمو المبادلات الدولية، حيث حل الدولار محل الذهب كعملة أساس يرتكز عليها النظام النقدي الدولي. وبذلك أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية مع مرور الزمن بنك العالم والمصدر الرئيسي للسيولة الدولية بما يتوافق مع متطلبات نمو الطلب الفعال والإنتاج على الصعيد العالمي خلال الخمسينيات والستينيات، وبخاصة بعد زيادة طاقته الإنتاجية خلال فترة الحرب بشقيها المدني والعسكري، وفي مثل هذه الظروف كان من الطبيعي أن ينشأ طلب عالمي على الإنتاج الأمريكي لإعادة بناء وإعمار الدول التي تحطمت اقتصاداتها إبان الحرب، وكذلك الطلب على السلع الاستهلاكية الضرورية، ومنه القبول الدولي العام للدولار الأمريكي، الأمر الذي فتح الطريق أمام الدولار الأمريكي ليصبح العملة الدولية الأولى‏[1].

وفي عام 1973 طلب الرئيس نيكسون من الملك فيصل قبول الدولار الأمريكي فقط كعملة وحيدة لشراء النفط ولاستثمار أي أرباح فائضة في سندات الخزانة الأمريكية، وفي المقابل قدم الرئيس الأمريكي نيكسون الحماية العسكرية لحقول النفط السعودية. ثم تم عرض الطلب نفسه على كل الدول المنتجة للنفط في العالم. وبحلول عام 1975 وافق كل عضو من أعضاء الأوبك على بيع نفطهم بالدولار الأمريكي فقط. ومن أجل الحصول على النقود الورقية سيكون عليهم إرسال البضائع الحقيقية إلى أمريكا؛ وهذا هو ميلاد العلاقة الدائمة بين النفط والبترول وكنتيجة طبيعية أصبحت الولايات المتحدة غنية جداً‏[2].

ثانياً: بواعث الطلب على الدولار

للطلب على الدولار في العادة باعثان أساسيان:

باعث المعاملات: أي شراء السلع والخدمات المستوردة، وباعث الاحتياطي، وهو بدوره طلب مشتق من قوة قيمة الدولار في أسواق الصرف الخارجي. ويبقى باعث المضاربة، وهو له دور هام في أوقات الأزمات الاقتصادية للاستفادة من فروق أسعار العملة عند توقع المزيد من الرواج أو توقع انتكاس الأوضاع الاقتصادية العالمية، ونتيجة لحالة عدم الاستقرار في الأوضاع الاقتصادية العالمية بسبب تعويم العملات أصبح باعث المضاربة مساوياً للباعثَين الأخيرَين في الأهمية‏[3].

وقد أدت المضاربة في السنوات الأخيرة إلى جعل السوق النفطية ملاذاً آمناً لجني أرباح طائلة من خلال تعظيم الهواجس الأمنية في السوق، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع سعر البرميل إلى مستويات غير مسبوقة.

كما تؤدي المصارف الاستثمارية – ولا سيّما الأمريكية منها – دوراً فاعـلاً إلى جانب صناديق التحوُّط ومؤسسات ومصارف أوروبية عملاقة في هذه العملية، بالرغم من أن المصارف كانت متكيفة في السابق بتجارة العقود، إلا أنها بدأت مؤخراً تمتلك كميات فعلية وتشتري إنتاج الحقول بأكملها ولفترة محددة، فعلى سبيل المثال قام بنك مورغان ستانلي الأمريكي بإبرام عقد تعاون مع بنك دويتشه الألماني لشراء نحو 36 مليون برميل نفط من شركات بحر الشمال وضعت في تصرفها في الفترة 2007 – 2010، كما يمتلك بنك مورغان ستانلي نحو 10 ملايين برميل نفط تمكنه من التدخل في السوق في أي لحظة يراها مناسبة‏[4].

ثالثاً: سياسة الإدارة الأمريكية في خفض قيمة الدولار

إن خفض قيمة الدولار وسيلة فعالة لاستعادة القدرة التنافسية لصادرات الولايات المتحدة والحد من وارداتها إزاء رفض حليفها المشاكس – اليابان – اتخاذ الإجراءات الكفيلة بوقف تدفق السلع اليابانية على الأسواق الأمريكية، وحالياً المنافس الجديد الصين. وهذا التدفق يهدد العمالة في عدد من الصناعات الرئيسية دفعت الكونغرس الأمريكي‏[5] إلى توجيه تحذيرات للحكومة بضرورة حماية هذه الصناعات؛ حتى إذا وصل الأمر إلى حد انتهاك قواعد حرية التجارة العالمية. ومن ناحية أخرى ترى الولايات المتحدة أن الدول الغربية سوف تستفيد أيضاً من انخفاض قيمة الدولار؛ فهذا يعني أن اليابان والدول الأوروبية سوف تخصص قدراً أقل من مواردها لتغطية نفقات وارداتها البترولية طالما أن دول الأوبك تتخذ من الدولار أساساً لحساب أسعار النفط‏[6].

ويعتبر الضعف النسبي لسعر صرف الدولار مقابل اليورو أحد العوامل وراء ارتفاع أسعار النفط أوائل 2013‏[7]، وانخفاض قيمة الدولار يزيد الطلب على النفط ويخفض من إنتاجه، الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع سعر النفط‏[8]. كما أن انخفاض قيمة الدولار يعني أن النفط يصبح أكثر جاذبية للمشتري من أوروبا أو الصين مثـلاً لأنه يحتاج إلى كمية أقل من اليورو أو اليوان لشراء برميل من النفط مقوم بالدولار، وهذا ما قد يرفع الطلب على النفط ويزيد من سعره. كما أن ارتفاع أسعار الخام يؤدي إلى زيادة فاتورة واردات البترول المستوردة والتي طالما كانت الـولايات المتحدة على رأسها وبالتالي تؤدي إلى تفاقم عجز الميزان التجاري وعجز ميزانية الولايات المتحدة الأمريكية، ما يضع ضغطاً على العملة المحلية، حيث تجاوز عجز الميزانية الفدرالية للولايات المتحدة 500 مليار دولار أمريكي كما يبينه الجدول الرقم (1):

الجدول الرقم (1)

عجز ميزانية الولايات المتحدة الأمريكية

السنة

2002

20042007200820142016
العجز (مليار دولار)159413162483500600
المصدر: <http//www.newyorkfed.org/research/current_issues/ci14_4pdf>.

ما يسجل على هذا الجدول أن أكبر عجز سجلته الولايات المتحدة كان سنة 2008 حين وصلت أسعار النفط إلى مستويات قياسية مرتفعة عند 147 دولاراً للبرميل، في حين سجلت العملة الأمريكية أدنى مستوياتها أمام اليورو عند 1.6 دولار. وكانت واردات الولايات المتحدة الأمريكية الصافية من النفط ومشتقاته حينها تبلغ 12 مليون برميل نفط يومياً. وتواصل العجز حتى تجاوز 600 مليار دولار سنة 2016 وأصبح الدين العام على الولايات المتحدة 19 تريليون دولار. وما يلاحظ على إحصاءات الجدول الرقم (1) أن عجز الميزانية يتزايد من سنة إلى أخرى رغم انخفاض أسعار البترول وتراجع واردات الولايات المتحدة من النفط، لأنها قادرة على شراء وارداتها بالعملة التي تستطيع طباعتها؛ لذا فهي تنفق أكثر من دخلها وتلجأ في كل مرة إلى بيع السندات المالية لسد عجزها والحصول على الدولارات التي صدّرتها سابقاً لشراء المزيد من الصادرات. ولن تستطيع الولايات المتحدة تسديد ما عليها من ديون لأن أسعار الفائدة على السندات المالية تتراكم من سنة إلى أخرى. وفي كل مرة تلجأ الخزينة إلى طلب دولارات جديدة من البنك الفدرالي الذي يعدّ بنكاً خاصاً وما يتبعها من فوائد. وبذلك تبقى في دائرة مفرغة تجعل قيمة الدولار ينخفض بطبع المزيد من الدولارات وفي الوقت نفسه يرتفع سعر البترول بسبب عمليات المضاربة كما أشرنا سابقاً.

لكن الارتفاع الكبير الذي يبدو في الأسعار الاسمية لسلة الأوبك لم يكن حقيقياً؛ فارتفاع معدلات التضخم وانخفاض أسعار الدولار أمام العملات الرئيسية الأخرى أسهمَ إلى حد بعيد في اتساع الهوة بين قيمته الحقيقية وقيمته الاسمية حيث لم تتجاوز ذروة المعدل السنوي للأسعار الحقيقية 75.2 دولار للبرميل المسجلة عام 2008، كما أن مقدار الزيادة في الأسعار الحقيقية كان أكثر تباطؤاً عنه في قيمتها الاسمية. وعند مقارنة الأسعار الفورية لسلة خامات الأوبك بقيمتها الاسمية بالعملات الرئيسية يتضح جلياً أثر انخفاض أسعار صرف الدولار الأمريكي في تضخيم حدة الارتفاع في أسعار النفط، إذ تجاوزت معدلات الزيادة في أسعار النفط ما بين 2000 و2008 بالدولار الأمريكي نحو ضعفي مثيلاتها باليورو. فلقد بلغت معدلات الزيادة في الأسعار الفورية لسلة خامات الأوبك ما بين عامي 2000 و2008 بالدولار الأمريكي حوالى 241 بالمئة، بينما لم تتجاوز معدلات الزيادة خلال نفس الفترة 115 بالمئة وبذلك لم تتجاوز المعدل السنوي لسعر برميل النفط ذروته في عام 2008 مقوماً بعملات دولية أخرى 64.3 يورو للبرميل و51.3 جنيه إسترليني للبرميل وذلك عندما بلغ 94.1 دولار للبرميل‏[9].

رابعاً: ارتفاع قيمة الدولار وتراجع الطلب على النفط

أدى ارتفاع قيمة الدولار الأمريكي مقابل العملات إلى حد ما إلى تراجع الطلب على النفط بالأسواق العالمية، بالإضافة إلى العوامل الأخرى مثل انخفاض النمو الاقتصادي بدول الاتحاد الأوروبي ودول آسيا. فقد شهد الدولار الأمريكي ارتفاعاً مقابل اليورو بنسبة 10 بالمئة وسجّل 1.31 متوسط عام 2014 مقارنة بـحوالى 1.461 متوسط عام 2013 وارتفع أيضاً مقابل الين الياباني بنسبة 8.5 بالمئة وسجل 97.9 متوسط عام 2014 مقابل 105.9 خلال عام 2013‏[10] ويبين الجدول الرقم (2) مقدار التغير في الأسعار بعد ارتفاع قيمة الدولار.

بعد ارتفاع قيمة الدولار في السنوات الأخيرة نلاحظ انخفاض أسعار البترول؛ والسبب الرئيسي في ذلك هو مصادر الطاقة البديلة التي أتيحت للولايات المتحدة الأمريكية حيث لم تعد تستورد الكميات التي كانت من قبل، وبالتالي أصبحت الدولارات الأمريكية لا تهاجر إلى دول أخرى، وهو ما أسهم في زيادة سعر صرف الدولار. كما أن سياسة التصدير والاكتفاء الذاتي أسهمت في إعادة الدولار داخل الحدود السياسية للولايات المتحدة الأمريكية، حيث بلغ صافي الواردات الأمريكية من البترول ومشتقاته في عام 2014 نحو 5 ملايين برميل نفط يومياً مقارنة بـ 12 مليوناً في السابق، ما يمثّل 27 بالمئة فقط من البترول ومشتقاته المستهلكة في الولايات المتحدة الأمريكية‏[11].

الشكل الرقم (1)

الواردات الأمريكية من النفط الخام

 

المصدر: وكالة الطاقة الأمريكية.

ورغم انخفاض واردات الولايات المتحدة بسبب زيادة كميات إنتاج النفط بداية من سنة 2014 فإنه يهمها كقوة عظمى أن تستمر علاقاتها البترولية مع دول الخليج لأن الولايات المتحدة تبني علاقاتها الاستراتيجية على أساس المصالح الجيوسياسية وليس على أساس شراء وبيع البترول فقط، وخصوصاً أن هاته العلاقات ظلت تبنيها الولايات المتحدة لأكثر من 50 عاماً، وأن الشركات الأمريكية العملاقة تسهم برؤوس أموال ضخمة لإدارة وتسويق نفط الخليج، لذا يهمها إلى حد كبير حماية اقتصادات هذه الدول، وهي لن تسمح بخروج هذه الدول عن دائرة نفوذها وتحقيق مصالحها العليا، ولن تسمح الولايات المتحدة بزحزحة علاقاتها مع دول الخليج العربية حتى بعد أن تحولت من دولة مستوردة إلى دولة مصدرة. ويبقى الحديث عن استغناء الولايات المتحدة عن نفط الخليج كلاماً سياسياً فقط، حيث تستورد أمريكا يومياً ما بين 8 و9 ملايين برميل‏[12]، إضافة إلى أن نوع النفط الأمريكي لا يتماشى مع نوع المصافي هناك؛ لذلك تصدر الولايات المتحدة النفط المحلي وتستمر في استيراد نفط الخليج.

خامساً: العلاقة بين النفط والدولار

هل يمكننا التسليم مطلقاً بالعلاقة العكسية بين أسعار النفط وسعر صرف الدولار؟ فإذا كانت الولايات المتحدة قلقة بشأن ارتفاع أسعار النفط فترفع من قيمة صرف الدولار لتتمكن من الحصول على نفط رخيص، أما إذا كانت قلقة بشأن أمن الطاقة فعليها تبني سياسة دولار قوي لأن ذلك يحد من نمو الطلب العالمي على النفط‏[13]. لكن قد تحدث استثناءات يتوافق فيها انخفاض الدولار مع انخفاض أسعار النفط، كما أن ارتفاع الدولار قد يسهم في رفع أسعار النفط. ويحدث هذا عندما تتضافر مجموعة من العوامل تؤثر في آلية العلاقة العكسية بين سعر صرف الدولار وأسعار النفط.

العامل الأول: بسبب حرب الخليج ارتفع متوسط أسعار النفط إلى 35 دولاراً سنة 1981 ثم إلى 37 دولاراً سنة 1981 وكانت هذه هي أعلى قيمة يصل إليها برميل النفط حتى ذلك التاريخ، لكن في السنوات الموالية انخفضت أسعار النفط بصورة كبيرة والسبب في ذلك كان سوء إدارة أوبك للسوق وطمع وجشع الدول الأعضاء التي عملت المستحيل لإبقاء أسعار النفط عالية، لكن بقاء أسعار النفط عالية هو ما تسبب في تدمير الطلب على النفط واتجاه العالم نحو ترشيد الطاقة واستخدام البدائل. كما أسهم في زيادة الإنتاج من خارج الأوبك، وبخاصة بحر الشمال الذي كان قاصمة ظهر الأوبك، حيث انخفضت الأسعار إلى 28 دولاراً سنة 1984 ثم إلى 26 دولاراً سنة 1985 قبل أن تنهار في عام 1986 وتصل إلى 14 دولاراً‏[14]، ففي هذا الوقت اجتمعت الدول الصناعية الخمس في بلازا وقررت تخفيض قيمة الدولار للخروج من حالة الركود الاقتصادي نتيجة تبني الولايات المتحدة سياسة نقدية انكماشية لمواجهة التضخم.

العامل الثاني: كما توافق ارتفاع سعر صرف الدولار مع ارتفاع أسعار النفط، وقد حدث ذلك عام 2001 عندما سجل الدولار أعلى ارتفاع له مقابل عملات الدول الصناعية الكبرى، وبخاصة أمام اليورو حيث لم يمنع ذلك من ارتفاع أسعار النفط بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001 نتيجة المضاربة والخوف من انقطاع الإمدادات النفطية رغم أن هذا التوافق كان لفترة قصيرة، إلا أن أسعار النفط والدولار سجلت ارتفاعاً مشتركاً‏[15].

بعد كل هذا نستنتج أن هناك عوامل متشابكة ومترابطة تسهم في تغير سعر النفط وسعر صرف الدولار، فما هي أهم الأزمات التي أسهمت في تغير سعر النفط؟

سادساً: تطورات أسعار النفط والأزمات الرئيسية

التي شهدتها أسواق النفط

شهدت أسواق النفط العالمية في المدة 2002 – 2008 تصاعداً مستمراً في أسعار النفط الخام لتصل إلى مستويات قياسية غير مسبوقة بلغ خلالها مقدار التغير في المعدل السنوي لسعر سلة خامات الأوبك ما بين عامي 2001 و2008 حوالى 71.3 دولار للبرميل. لقد تضاعفت الأسعار أكثر من أربعة أضعاف ليصل المعدل السنوي لسعر خامات الأوبك إلى مستوى 94.5 دولار للبرميل في عام 2008، وهو أعلى معدل سنوي تصله سلة خامات الأوبك منذ بدأ العمل بها في عام 1987‏[16].

وبعد هذا الارتفاع تراجعت أسعار النفط بشكل حاد في شهر آب/أغسطس من عام 2008 عندما عصفت الأزمة المالية العالمية بمؤسسات المال والمصارف وأسواق الأسهم والمال العالمية، ثم تبعتها مباشرة أزمة الديون وكانت الحصيلة هبوط المعدل السنوي لسعر سلة خامات الأوبك عام 2009 بحوالى 33.4 دولار للبرميل مقارنة بمستوياته لعام 2008 ليبلغ حوالى 61.6 دولار للبرميل‏[17].

وعاودت أسعار النفط انتعاشها مع عودة تعافي الاقتصاد العالمي بحلول عام 2010 لتتجاوز حاجز 100 دولار للبرميل خلال عام 2011 ويبلغ المعدل السنوي لسلة خامات الأوبك ذروته عام 2012 عندما وصل إلى 109.5 دولار للبرميل مسجـلاً بذلك نسبة ارتفاع بلغت 79.3 بالمئة مقارنة بالمستويات عام 2009.

لكن خلال النصف الثاني من عام 2014 بدأت الأسعار بالانخفاض المفاجئ وتزايدت حدته بعد قرار منظمة الأوبك بشأن الإبقاء على سقف الإنتاج لدولها الأعضاء عند مستوى 30 مليون برميل في اليوم، ليبلغ معدل سلة خامات الأوبك خلال النصف الأول من سنة 2015 حوالى 51.9 دولار للبرميل، مسجـلاً بذلك أدنى مستوياته منذ أكثر من خمس سنوات وهو 44.4 دولار للبرميل خلال شهر كانون الثاني/يناير 2015.

وهكذا نجد أن النفط يشهد ارتفاعاً وانخفاضاً من فترة إلى أخرى، كما يوضحه الجدول الرقم (3).

الجدول الرقم (3)

الأزمات الرئيسية التي شهدت خلالها أسعار النفط تراجعات حادة خلال العقود الأربعة الماضية

الفترةانخفاض الأسعار (نسبة مئوية)الأسباب الرئيسية
1985/198666تراجع طلب الدول الصناعية والزيادة في الإمدادات من خارج الأوبك (آلاسكا وبحر الشمال)
1990/199145أحداث منطقة الخليج والسحب من مخزونات الدول الصناعية
1997/199948الأزمة المالية الآسيوية
2008/200968الأزمة المالية العالمية
2014/201557الزيادة في إمدادات خارج الأوبك «النفط الصخري» من الـولايات المتحدة وتباطؤ معدل النمو العالمي على النفط
المصدر: منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول، «التطورات في أسعار النفط العالمية والانعكاسات المحتملة على اقتصادات الدول الأعضاء،» (تشرين الثاني/نوفمبر 2015)، ص 8.

ما يسجل من هذا الجدول هو أن أكبر انخفاض كان سنة 2008، لكن هذا الانخفاض مؤقت لم يتجاوز مدة 7 أشهر في حين أن الانخفاض الذي أثر بشكل واضح على الدول المصدرة للنفط هو الخاص بسنة 2014 الذي ما زال يتواصل إلى يومنا هذا وبذلك تجاوز مدة سنتين ونصف السنة، والجدير بالذكر هو تشابه الأسباب الأساسية للأزمة الحالية مع أزمة الثمانينيات من حيث الزيادة في إمدادات خارج الأوبك المتزامنة مع تباطؤ في نمو الطلب، مع الاختلاف في الفترة التي لم تتجاوز 8 أشهر خلال الثمانينيات. فالزيادة في إمدادات خارج الأوبك جاءت خلال هذه الأزمة من عدة مصادر أهمها النفط الصخري من الولايات المتحدة الأمريكية‏[18]، ورمال القار من كندا، ونفط المياه العميقة جداً من البرازيل. وقد أسهمت الأسعار المرتفعة خلال السنوات السابقة والتطورات التكنولوجية في توسع الإنتاج في تلك المصادر وبالتزامن مع تباطؤ في نمو الطلب العالمي على النفط نتيجة استمرار المشاكل الاقتصادية في بعض الدول المستهلكة الرئيسية في أوروبا واليابان وانخفاض النمو عما كان متوقعاً له في العديد من الدول الناشئة، كالصين والهند والبرازيل. في المقابل شهدت أسواق النفط العالمية إبان أزمة الثمانينيات تزايداً مضطرداً للإمدادات من خارج الأوبك وبخاصة آلاسكا والمكسيك والإنتاج البحري لمنطقة بحر الشمال، التي أصبح إنتاجها أكثر جدوى في ظل الأسعار المرتفعة للنفط التي سادت منذ بداية السبعينيات، والتي حفزت على تراجع الطلب على النفط من مجموعة الدول الصناعية بسبب توجه الدول الصناعية نحو تنويع مصادر الإمدادات ونحو تحقيق أمن الطاقة، حيث باشرت الدول المستهلكة باتخاذ سلسلة من الإجراءات لترشيد الاستهلاك وزيادة كفاءة استخدام النفط وتشجيع إنتاج مصادر بديلة.

لكن أليس انخفاض أسعار النفط مع بقاء تكاليف إخراجه ثابتة يعني انخفاض عوائد الدول المنتجة؟ إذاً لماذا رفضت دول أوبك خفض إنتاجها من النفط في اجتماعاتها الأخيرة؟ السبب الأول والرئيسي هو أن النفط يشكل العائد الأساسي لهذه الدول، فدول الخليج تعتمد اعتماداً أساسياً على ما تنتجه من النفط لتمويل نفقاتها، لذلك فإن خفض الإنتاج يعني خفضاً في العوائد مما يحتم على الدولة خفض نفقاتها ومصروفاتها العامة. والسبب الثاني، أن لكل دولة سياستها وأهدافها الخاصة حيث إنهم غالباً لا يتفقون على رأي واحد، فإن كانت دولة تريد رفع أسعار النفط فإن دولة أخرى قد ترفض ذلك وتزيد من إنتاجها حفاظاً على سعر منخفض إرضاء للدول المستهلكة؛ حتى إن بعض الدول المنتجة للنفط (كالسعودية والكويت والعراق) أعطت خصومات رغم انخفاض سعره للدول المستوردة (كدول آسيا وأمريكا) وذلك حفاظاً على حصتها من السوق العالمية‏[19].

سابعاً: العوامل المؤثرة في أسعار النفط

خلال الفترة 1985 – 2015

العرض والطلب هما المحددان الرئيسيان لسعر النفط وليس تغيرات سعر صرف الدولار فقط، حيث أسهمت العوامل الأخرى في التأثير في أسعار النفط من طريق إسهامها في التأثير في الطلب والعرض من النفط؛ فبينما يسهم النمو الاقتصادي ومعدلات النمو السكاني ومستويات الدخل في التأثير في حجم الطلب على النفط، فإن مستويات الطاقة الإنتاجية الفائضة لدى الدول الأعضاء بمنظمة أوبك وحجم الاستثمارات في توسيع الطاقة الإنتاجية العالمية والأزمات الجيوسياسية والكوارث الطبيعية تسهم في التأثير في حجم العرض.

كما أدى ارتفاع قيمة الدولار الأمريكي مقابل جميع العملات إلى حد ما إلى تراجع الطلب على النفط بالأسواق العالمية بالإضافة إلى عوامل أخرى، مثل انخفاض النمو الاقتصادي بدول الاتحاد الأوروبي ودول آسيا. فقد شهد الدولار الأمريكي ارتفاعاً مقابل اليورو بنسبة 10 بالمئة وسجّل 1.31 متوسط عام 2014 مقارنة بحوالى 1.461 متوسط عام 2013 وارتفع أيضاً مقابل الين الياباني بنسبة 8.5 بالمئة وسجل 97.9 متوسط عام 2014 مقابل 105.9 عام 2013 ‏[20]. ويبين الجدول الرقم (4) تغيرات سعر الصرف وأسعار النفط.

الجدول الرقم (4)

تغيرات سعر الصرف وأسعار الفائدة

الفترة2013201420152016
سعر الصرف1.461.311.091.10
تغير أسعار الفائدة الأمريكية (نقطة)0.250.250.250.5
المصدر:  <http//www.newyorkfed.org/research/current_issues/ci14_4pdf>.

كما أن تطور مصادر الطاقة البديلة اسهم في تراجع طلب الولايات المتحدة الأمريكية وقلة تدفق الدولار إلى الدول المصدرة والمنتجة للنفط، ما قلل من حجم الدولارات وارتفاع سعر صرف الدولار مقابل العملات الأخرى. لذا فإن التغير في قيمة الدولار لا تعتبر العامل الوحيد الذي أثر في أسعار النفط بل هناك عوامل أخرى مثل الاقتصاد الصيني؛ فقد مثل الاقتصاد الصيني قاطرة النمو للاقتصاد العالمي وبالتالي الزيادة على الطلب العالمي للنفط منذ مطلع الألفية الجديدة، إلا أن الحكومة الصينية اتخذت خلال السنوات الأخيرة توجهاً جديداً نحو تعزيز انتقال الصين إلى اقتصاد مدعوم بالاستهلاك المحلي بدلاً من قطاع التصدير الذي عجز عن تحقيق النمو المستدام المنشود في ثاني أكبر اقتصاد عالمي، وقد انعكس هذا التحول في التوقعات التي تشير إلى تباطؤ في نمو الاقتصاد الصيني عن معدلاته السابقة خلال الفترة الممتدة حتى 2020، وهو ما يتوقع أن يلقي ظلاله على الآفاق المستقبلية للطلب على النفط على المدى البعيد‏[21].

ومن الأسباب أيضاً الظروف الأمنية المحيطة والعوامل الجيوسياسية وكذلك زيادة إيران لإنتاجها النفطي أدى إلى زيادة في الإنتاج العالمي بعد رفع العقوبات الدولية عنها بعد توقيع الاتفاق النووي الإيراني في 14 تموز/يوليو عام 2015.

ومن بين الظروف الطبيعية التي أثرت في أسعار النفط إعصار إيفان الذي اجتاح خليج المكسيك عام 2004 وإعصار كاترينا الذي ضرب مصافي النفط في الولايات المتحدة سنة 2005 حيث تعرضت الولايات المتحدة الأمريكية (المستهلك الأول للنفط) لعواصف بحرية أوقفت إنتاجها لكميات لا بأس بها من النفط وثلث قدرة بعض مصافيها النفطية في خليج المكسيك على إنتاج مشتقاته‏[22].

وفي الأخير، ورغم تشابك هذه العوامل، إلا أن أمريكا قادرة على استيراد النفط بسعر بخس جداً، وذلك بعد رفع الدولار مقابل العملات الأخرى، بينما تعاني الدول الأخرى ارتفاع سعر النفط بسبب انخفاض عملتها مقابل الدولار، فحين رفع الاحتياطي الفدرالي (البنك المركزي الأمريكي) أسعار الفائدة بـ 0.25 نقطة مئوية في نهاية كانون الأول/ديسمبر 2015 وذلك في أول زيادة من نوعها منذ سنة 2006، زاد الطلب على الدولار فأدى إلى ارتفاع قيمته أمام العملات الأخرى الأمر الذي سمح للولايات المتحدة بالحصول على النفط وغيره من السلع الأخرى مقابل دولارات أقل لكن ليس على المدى البعيد؛ إذ إن ارتفاع الدولار يعني انخفاض صادرات الولايات المتحدة إلى الخارج‏[23].

ثامناً: الآفاق المستقبلية لأسواق النفط

تشير التوقعات المستقبلية إلى أن أسعار النفط من المتوقع أن تعود إلى التعافي، إلا أنها ستظل دون مستوى 100 دولار للبرميل حتى عام 2020، لأن التقنيات المستخدمة حالياً في استخراج النفط والغاز الصخريين مكلفة وغير مربحة عند مستويات الأسعار التي تقل عن 85 دولاراً أمريكياً للبرميل، حيث يعتبر النفط الأحفوري المستخرج من الأراضي اليابسة المنتشرة بكميات كبيرة في الشرق الأوسط وروسيا الأرخص عالمياً من حيث تكلفة الإنتاج والنقل، حيث يقدر متوسط تكلفة إنتاجه حوالى 11 دولاراً أمريكياً للبرميل بينما يقدر متوسط تكلفة إنتاج النفط الصخري والرملي حوالى 82 دولاراً أمريكياً للبرميل ويكون الفرق بينهما 71 دولاراً أمريكياً للبرميل‏[24]. والجدول الرقم (5) يبين توقعات سعر الخام برنت:

الجدول الرقم (5)

سعر خام برنت

السنوات202020252035
دولار89.7112.2141.6
المصدر: جمال قاسم حسن، «النفط والغاز الصخريين وأثرهما على أسواق النفط العالمية،» صندوق النقد العربي (تموز/يوليو 2015)، ص 11.

كما أن التقديرات تؤكد أن الإنتاج العالمي من النفط الصخري يقدر بحوالى 5.6 مليون برميل يومياً، أي ما يعادل 7.1 بالمئة من إجمالي الإمدادات العالمية من النفط الخام الأحفوري وغير الأحفوري عام 2015، ويتوقع أن يرتفع الإنتاج بنحو 3.3 بالمئة سنوياً ليصل إلى 9.2 مليون برميل يومياً عام 2030، يبيّن الجدول الرقم (6) توقعاً إجمالي الطلب والعرض العالمي للنفط الخام.

الجدول الرقم (6)

تقديرات الطلب والعرض العالمي على النفط الخام 2020 – 2030

 (مليون برميل يومياً)

البيان202020252030
إجمالي الطلب العالمي على النفط98.4102.9108.8
إجمالي العرض العالمي من النفط الخام82.285.289.8
المصدر: المصدر نفسه، ص 10.

يتبيّن لنا من الجدول الرقم (5) أن أسعار النفط ستعود للارتفاع من جديد إذا كانت التوقعات صحيحة، ويعزى ذلك إلى ارتفاع الطلب على الطاقة بمعدل يفوق المعروض من النفط الخام الأحفوري والصخري، وتتوقع منظمة الدول المصدرة للبترول (OPEC) استقرار القيمة الاسمية لسلة خامات الأوبك المرجعية عند متوسط 110 دولارات للبرميل حتى عام 2020 ثم يرتفع ليصل إلى 160 دولاراً للبرميل بحلول عام 2035‏[25] ويعكس هذا الافتراض العوامل التالية:

  • ارتفاع تكاليف استخراج وإنتاج برميل النفط حيث لا يزال ارتفاع هذه التكاليف أحد العوامل الرئيسية المؤثرة في وضع افتراضات أسعار النفط على المدى المتوسط والبعيد، فقد شهدت هذه التكاليف ارتفاعاً بأكثر من الضعف خلال الفترة (2004 – 2008) أعقب ذلك انخفاض مؤقت في التكاليف نتيجة الأزمة الاقتصادية العالمية، ولكن مع بداية 2010 بدأت هذه التكاليف في الارتفاع مرة أخرى وإن كان بوتيرة أبطأ.
  • كما تتوقع منظمة أوبك أنه بحلول عام 2035 ستملك الصين اقتصاداً أكبر من دول الأمريكتين الصناعية وضعفي اقتصاد دول أوروبا الصناعية.
  • تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى ارتفاع عدد سكان العالم لتصل إلى 8.6 مليار نسمة عام 2035 حيث يتوقع حدوث الارتفاع بشكل رئيسي في الدول النامية، وبحلول 2021 سيكون للهند أكبر عدد من السكان مقارنة بالصين وذلك للمرة الأولى لتصبح الدولة الأكثر سكاناً في العالم.
  • من المتوقع أن تبلغ المناطق الحضرية 63 بالمئة على مستوى العالم بحلول عام 2035.
  • إن دول الخليج لا تبيع نفطها للولايات المتحدة فقط بل هناك دول أخرى في شرق آسيا تنتظر دورها لزيادة الطلب على بترول دول الخليج العربية وبالذات الصين وكوريا الجنوبية.

لكن ما يثير المخاوف على أسعار النفط هي الإمدادات من خارج الأوبك كما يبين الجدول الرقم (7):

الجدول الرقم (7)

الإنتاج العالمي من النفط الخام الأحفوري وغير الأحفوري

(مليون برميل يومياً)

البيان202020252030
إمدادات النفط الخام من الأوبك31.933.536.6
إمدادات النفط الخام من خارج الأوبك50.351.753.2
إجمالي الإنتاج العالمي82.285.289.8
المصدر: المصدر نفسه، ص 11.

وتتوقع منظمة أوبك ارتفاع الطلب العالمي على النفط على المدى البعيد، أي حتى عام 2035 بحوالى 800 ألف برميل/يوم، ليصل إلى 108.5 مليون برميل/يوم بحلول عام 2035‏[26].

هذا ويتوقع أن تشهد الدول النامية الآسيوية أكبر ارتفاع في الطلب على النفط على المدى البعيد، أي حتى عام 2035 بحوالى 748 ألف برميل/يوم سنوياً، أي ما يعادل 88 بالمئة من الزيادة المتوقعة في الطلب العالمي على النفط خلال الفترة نفسها ليصل إلى 37.8 مليون برميل/يوم بحلول عام 2035.

الجدول الرقم (8)

تطور الطلب العالمي على النفط الخام في الدول النامية الآسيوية

(مليون برميل يومياً)

الفترةالصينالهندباقي الدول النامية الآسيوية
202012.75.08.6
203517.59.311.0
المصدر: ماجد إبراهيم عامر، «الواقع والآفاق المستقبلية للطلب على النفط الخام والغاز الطبيعي في الدول الصناعية والانعكاسات على الدول الأعضاء،» مجلة النفط والتعاون العربي، السنة 40، العدد 149 (2014)، ص 95.

كما حذرت الوكالة الدولية للطاقة المستهلكين من ألا يشعروا بالأمان بسبب التراجع الحاد في أسعار النفط، إذ ستعاود الارتفاع بشكل حاد بحلول عام 2021، وهي تتوقع تعافي أسعار النفط في سنة 2017، وأن التعافي سيتبعه صعود حاد نتيجة المعروض من النفط بسبب تراجع استثمارات المنتجين في هذا القطاع الذين يعانون هبوط الأسعار في الوقت الحالي؛ حيث يتوقع خبراء الوكالة الدولية للطاقة أن يبلغ المعروض من النفط في الأسواق العالمية 4.1 مليون برميل في اليوم الواحد في الفترة الممتدة من 2017 و2021، وهو ما يشير إلى التراجع مقارنة بالمعروض العالمي الذي ارتفع إلى 11 مليون برميل يومياً في الفترة من 2009 إلى 2015. وكان تباطؤ اقتصاد الصين من العوامل التي أحدثت آثاراً سلبية انعكست على الطلب العالمي على النفط.

تاسعاً: مستقبل البترودولار

لقد فقد الدولار منذ إنشائه سنة 1913 حوالى 98 بالمئة من قدرته الشرائية. وتقدر الدولارات الموجودة خارج الولايات المتحدة من فئة المئة بـ 70 بالمئة، وهو ما قد يتسبب في إحداث تضخم جامح ويصبح الدولار بلا قيمة، وحينها ستبدأ الدولارات بالرجوع إلى أمريكا وسيرجع لأمريكا التضخم المالي الذي صدرته إلى دول العالم، وبخاصة أن الكثير من السندات المالية الأمريكية‏[27] تملكها دول أجنبية مثل الصين وروسيا وغيرها من الدول التي ليست صديقة لأمريكا.

الجدول الرقم (9)

أكبر الدول المالكة لسندات الخزينة الأمريكية

(مليار دولار)

الصيناليابانالبرازيلسويسرابلجيكاروسيا
1237112325523713797
المصدر:  <http//www.newyorkfed.org/research/current_issues/ci14_4pdf>.

وبإمكان هاته الدول أن تقوم ببيع كثيف لتلك السندات متى سمحت الفرصة لذلك؛ وهذا ما حدث الآن حيث انخفضت نسبة امتلاك الدول الأجنبية للسندات الأمريكية، كما قامت روسيا ببيع كثيف للسندات المالية الأمريكية كل شهر وكان ذلك إشارة كبيرة على أن روسيا تعد لبدء حرب مالية ضد أمريكا، فعندما بدأت روسيا ببيع السندات المالية بدأت أيضاً الصين ببيعها، وإذا لم يشترِ أحد هذه السندات فسترتفع أسعار الفائدة وذلك سيؤدي إلى انهيار سوق البورصة وانهيار سوق الإسكان. والارتفاع في أسعار الفائدة سيؤدي أيضاً إلى تكبد الحكومة ديناً، وحينها سيبدأ الانهيار الاقتصادي الذي لا مفر منه. لذا توجهت معظم الدول إلى اكتناز الذهب وهي العملة التي لا يمكن طباعتها كالدولار، فارتفاع سعر الذهب أو انخفاضه يعني انخفاض أو ارتفاع القوة الشرائية للدولار إذ إن ارتفاع أسعار الذهب المستمر هو مؤشر حقيقي وصادق على فقدان الثقة بالدولار وتوجه المستثمرين إلى الذهب وبيعهم للدولار.

وتعتبر الولايات المتحدة المالك الأكبر للذهب والمستفيد الأول من تزايد شراء الذهب المباع بالدولار كما يوضح ذلك الجدول الرقم (10):

الجدول الرقم (10)

الدول المالكة لأكبر احتياطيات الذهب في العالم

(بالأطنان)

أمريكاألمانياإيطاليافرنساالصينروسياسويسرااليابانهولنداالهند
813300338300245100243500165800127500104000765006120055700
المصدر: صندوق النقد الدولي على الموقع:       <http://www.imf.org>.

ودول الخليج اليوم هم المشترون الرئيسيون للذهب في العالم خاصة بعد أزمة الديون في منطقة اليورو وبعدما تأثرت العائدات النفطية لمجموعة الدول الأعضاء في منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول بشكل ملحوظ من جراء تراجع إجمالي العائدات النفطية السنوية من صادرات النفط الخام للدول الأعضاء بحوالى 132 مليار دولار عام 2014 مقارنة بمستوياتها لعام 2012 أي بنسبة 18.8 بالمئة لتبلغ حوالى 571 مليار دولار عام 2014 وستواصل تراجعها بحوالى 245 مليار دولار عام 2015 أي بنسبة 43 بالمئة مقارنة بنظيرتها لعام 2014 لتبلغ حوالى 326 مليار دولار خلال عام 2015 وهو مستوى منخفض بحوالى 53.6 بالمئة مقارنة بمثيلتها لعام 2012.

بهذا فإن العملة الرئيسة للمعاملات الدولية هي الذهب، وسيأتي يوم تغير فيه الدول احتياطياتها من ورق أخضر إلى ذهب أصفر، لكن حالياً يبقى الدولار هو العملة المسيطرة لأنها دولة قوية عسكرياً وتملك أسلحة الدمار الشامل وكل دولة تريد المساس بالدولار سوف ينهار نظامها السياسي والاقتصادي بالحملات الدعائية العلنية وفي الأخير بقوة السلاح والدمار.

عاشراً: استنتاجات

  •  على الدول الراغبة في الحصول على النفط أن تحصل أولاً على الدولارات اللازمة لتسديد قيمة النفط.
  •  تشترط بعض الدول أن تستلم عائداتها باليورو وهذا ليس معناه أبداً تسعير النفط باليورو، ولا يوجد نفط في العالم الآن يسعر باليورو.
  •  معظم دول العالم تستلم عائدات النفط بالدولار الأمريكي.
  •  العلاقة بين سعر صرف الدولار وأسعار النفط الخام هي علاقة عكسية بالدرجة الأولى.
  •  يعتبر الارتباط بين النفط والدولار من المسلمات في الاقتصاد العالمي وهذا ما يعبر عنه بالبترودولار.
  •  نظام البترودولار يمكن الولايات المتحدة من إنفاق عما يزيد عن دخلها. وتمويل العجز بسهولة.
  •  تشتري الصين السندات الأمريكية لكسب فائدة وتسترجع أمريكا الدولارات لشراء المزيد من الصادرات.
  •  انخفاض سعر النفط أو سعر صرف الدولار يعني انخفاض عوائد الدول المصدرة له.
  •  مع انخفاض الدولار ترتفع قيمة العملات الأخرى، وهذا يعني أن الدول النفطية تحتاج إلى دولارات أكثر لشراء الكمية نفسها من السلع والخدمات من أوروبا وآسيا، وهذه هي حالة انخفاض القوة الشرائية لصادرات النفط.
  •  لقد خسر الدولار الأمريكي منذ إنشائه 98 بالمئة من القوة الشرائية.
  •  كل دولة تفكر في تسعير النفط بغير الدولار سوف تتعرض لتهديدات وهجومات عسكرية مباشرة أو غير مباشرة من الولايات المتحدة الأمريكية، فهي تعلن الحرب لتبقى مسيطرة على النظام المالي العالمي والحفاظ على قيمة الورقة النقدية (الدولار الأخضر).

اقتراحات وحلول

  •  يتوجب على الدول التي تحتفظ بالدولار كعملة احتياطية رئيسية وعلى رأسها مجموعة الدول المصدرة للنفط، أن تقوم بالتدابير اللازمة لحماية مصالحها في مواجهة الخفض التدريجي لقيمة الدولار واحتمال تقلص دوره المستقبلي كعملة ارتكاز رئيسية في النظام النقدي الدولي.
  •  فك العلاقة بين النفط والدولار يتطلب حلَّين جذريَّين بعيدَين من الواقع أحدهما تسعير النفط بغير الدولار، إن لم يكن ممكناً فإن انخفاض اعتماد الولايات المتحدة على النفط سيخفف من هذه العلاقة بشكل ملحوظ.
  •  قد تلجأ روسيا إلى بيع البترول بعملة أخرى أو بالذهب خاصة بعدما أعلنت حرباً مالية على الولايات المتحدة الأمريكية ببيع أكبر حصة من السندات المالية الأمريكية كل سنة.
  •  ليس من مصلحة الصين شراء البترول بغير الدولار لأن الولايات المتحدة تعتبر أكبر سوق لمنتجاتها.
  •  في المستقبل القريب ستفكر أغلب الدول في استعمال الذهب كعملة دولية بدلاً من الدولار لأن له قيمة حقيقية ولا يطبع كالدولار.