مقدمة

تهدف المقالة إلى استعادة التاريخ الكفاحي الذي أوصل حماس وقيادتها العسكرية والسياسية الحالية إلى طوفان الأقصى، وتحاول أن تُظهر تغيُّر هيكل الفرص السياسية أمام حماس التي اتخذت قرارًا بخوض معركة طوفان الأقصى، وكيف اتخذت القيادة العسكرية وقيادة القطاع قرار خوض هذه المعركة. تحاجج المقالة في أن حركة حماس وصلت إلى طريق مسدود بعقد صفقة جديدة مع إسرائيل للإفراج عن الأسرى المؤبدات، فعملت على «قاعدة زيادة الغلة»، أولًا من خلال بناء قوة عسكرية، وثانيًا اعتمادها على منظومة حماية المقاومة في القطاع. بينما استمرت إسرائيل في حصار القطاع واستهدافه منذ سنة 2008 وحتى سنة 2023، والتعامل مع القضية الفلسطينية كأنها منتهية ومهمشة، وتحويل الصراع السياسي «الاحتلال» إلى «السلام الاقتصادي».

أولًا: مراحل وصول حركة حماس إلى الكفاح المسلح

هذا يقودنا لتناول أهم المراحل التي سارت بها الحركة للوصول إلى مرحلة الإعداد وتنفيذ معركة الطوفان التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا في المراحل الزمنية التي رافقت عمر الحركة.

1 – المراحل الأساسية التي مرت بها حركة حماس

المرحلة الأولى: بدأت بعد هزيمة 1967 واستمرت حتى 1976، حيث بدأ الإخوان في القطاع بقيادة الشيخ أحمد ياسين بناء القاعدة الاجتماعية والمؤسسية للحركة‏[1]. وسميت هذه المرحلة أيضًا مرحلة المساجد، إذ مثلت المساجد خلال هذه المرحلة مركزًا لاستقطاب الشبان وتجنيدهم من خلال الحلقات والدروس الدينية التي كانت تعقد فيها، وهو ما ساعد الحركة على التغلغل في المجتمع الفلسطيني‏[2].

المرحلة الثانية: امتازت في الامتداد الجغرافي وقامت الحركة خلالها في المشاركة في النقابات المهنية في كل من الضفة والقطاع، وامتدت المرحلة بين أعوام 1976 و1981. ويلاحظ أن الحركة لم تشارك في الأعمال الجهادية قبل انطلاقتها في الجهاد، حتى لا يتم استهدافها من جانب الاحتلال.

المرحلة الثالثة: امتدت من عام 1981 وحتى عام 1987، وأطلق عليها مرحلة استكمال بناء المؤسسات والإعداد والتحضير للمقاومة‏[3]. فقد هدد ظهور حركة الجهاد الإسلامي، وأسلوبها الجامع بين البندقية والإسلام المشروع الإخواني، وهو ما دفع الإخوان إلى البدء بالتجهيز للعمل العسكري المسلح‏[4]، حيث قام الشيخ ياسين بشراء السلاح وتخزينه‏[5].

أما وجهة النظر الإسرائيلية فتدعّي أن الحركة بدأت العمل العسكري عندما اتضح لها أن منظمة التحرير أوشكت على الانهيار، وذلك بناء على إخراجها من بيروت، حيث رأت الحركة نفسها بديلًا للنهج الثوري الذي اتبعته المنظمة‏[6].

المرحلة الرابعة: وهي المرحلة الأهم في تاريخ الحركة حيث تم الإعلان عن تشكيل حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، عبر بيانها التأسيسي، في الرابع عشر من كانون الأول/ديسمبر 1987 الذي رسم السياسات العامة للحركة‏[7]؛ فقرار تأسيس حماس كان استجابة لمطالب القيادة الشابة للانخراط في العمل المقاوم، وللفرص الخارجية مع اندلاع الانتفاضة الأولى.

بدأت الحركة بالانخراط في أحداث الانتفاضة لكن من دون الاحتكاك المباشر مع الاحتلال وذلك من خلال ترديد الشعارات، والاعتصام، والدعوة إلى الصوم. ومن ثم انتقلت إلى العمل المسلح مستخدمة أساليب متعددة مثل قتل وخطف جنود واغتيال العملاء وزرع العبوات الناسفة وإلقاء الزجاجات الحارقة‏[8].

بدأ العمل العسكري للحركة بالتطور، فاستطاعت أسر جنود عام 1989. كما كانت أول من استخدم حرب السكاكين عام 1990، وهو ما مهد الطريق لتأسيس الجناح العسكري‏[9]. وفي كانون الأول/ديسمبر 1992 أسرت جنديًا إسرائيليًا، وفي عام 1994 كرد فعل على مذبحة المسجد الإبراهيمي أعلنت الحركة أن عملها العسكري سيشمل كل إسرائيلي يستوطن في فلسطين‏[10].

المرحلة الخامسة: مرحلة دخول النظام السياسي الفلسطيني وتغيّر موقفها من عدم المشاركة في الانتخابات التشريعية الأولى عام 1996، إلى المشاركة في الانتخابات التشريعية الثانية عام 2006، وتأليف الحكومة العاشرة برئاسة إسماعيل هنية.

المرحلة السادسة: مرحلة الانقسام الفلسطيني – الفلسطيني وسيطرة حماس على الحكم في القطاع عام 2007، وإقامة الحكومة الحمساوية في القطاع وحكومة فتح في الضفة الغربية، وزيادة حدة التنازع على الصلاحيات الذي أدى إلى فشل المصالحة الفلسطينية وإطباق الحصار على القطاع الذي ما زال مستمرًا منذ سنة 2006.

المرحلة السابعة: وهي المرحلة الأبرز بتاريخ الحركة الكفاحي التي عرفت بمرحلة التحرير «طوفان الأقصى»، وهي نقلة نوعية في الأداء الكفاحي للحركة وهذا ما نحن بصدد مناقشته بالتفصيل في هذه الدراسة.

2 – الجناح العسكري

يتكوَّن الجناح العسكري للحركة من جهازين رئيسيين، هما جهاز الأمن وكتائب عز الدين القسام‏[11]، إلا أن الرواية الإسرائيلية بينت أنه يتكون من ثلاثة أجهزة، هي الاستخبارات ومهمتها جمع المعلومات عن العملاء، وجهاز مسؤول عن المنتهكين للتعاليم الإسلامية، وكتائب القسام‏[12]. أسس الشيخ ياسين الجهاز الأمني للحركة عام 1986، وأطلق عليه منظمة الجهاد والدعوة «مجد»‏[13]. ومن ثم تحول عام 1989 إلى جهاز استخباراتي‏[14]، ومن أبرز المهمات التي يقوم بها تحصين الحركة من الاختراق، ومواجهة الاحتلال، والتحقيق مع العملاء وتأديبهم أو تصفيتهم‏[15].

أما كتائب القسام فقد أُنشئت عام 1991 ولها قيادة وبنية تحتية مستقلة، إلا أنها تنفذ سياسات قادة الحركة سياساتها الخاصة‏[16]. عدد عناصر الكتائب غير معروف إلا من جانب قادة الكتائب الذين يعتمدون على مبدأ السرية في التنظيم والتجنيد‏[17].

3 – بدايات العمل المسلح

لم تمثل حماس أي تهديد لإسرائيل حتى عام 1994، لأنها كانت حينها تمثل معارضة لمنظمة التحرير وحركة فتح، ولكن في عام 1994 كان هناك تحوُّل كبير في عمل حماس العسكري، حيث استخدمت الحركة أسلوب العمليات الاستشهادية‏[18]. وتوالت العمليات الاستشهادية للحركة، إدراكًا منها بأن المزيد من العمليات سيؤدي لزيادة الدعم الشعبي لها، فحماس تعتمد على الدعم الشعبي من أجل استمرار وجودها‏[19].

بعد توقيع أوسلو، رفضت حماس الالتزام ببنوده، واستمرت بعملياتها العسكرية والاستشهادية، فأصبحت مستهدفة من جانب أجهزة السلطة الأمنية، فكان يتم اعتقال مؤيدي وأنصار الحركة بعد أي عملية تتبناها الحركة، ومحاصرتها ومحاولة إجبارها على التخلي عن سلاحها‏[20]. وهو ما دفع الحركة لوقف عملياتها الاستشهادية تجنُّبًا للصدام مع السلطة. ولكن بعد إقدام إسرائيل على اغتيال المهندس يحيى عياش سنة 1996 نفذت حماس الكثير من العمليات الاستشهادية التي هزت إسرائيل، فرأت السلطة أن هذه العمليات تنصلًا من اتفاق الخرطوم، فقامت بمطاردة واعتقال أعضاء من الحركة، وبناءً عليه قررت الحركة أن تستمر بعملياتها العسكرية لكن من دون تبنيها حتى لا تدخل في مواجهة مع السلطة‏[21].

منذ عام 1994 وحتى نهاية عام 1997 ازداد عدد العمليات الاستشهادية التي قامت بها الحركة، وصاحَبَ ذلك ارتفاع في مستوى الأداء لهذه العمليات، ومع اندلاع انتفاضة الأقصى ضاعفت عملها العسكري، وهو ما أدى إلى زيادة استهدافها من جانب الاحتلال‏[22]. وبالرغم من حجم الاستهداف الإسرائيلي للكتائب، واعتقال واستشهاد عدد كبير من قادة الحركة فهي استمرت بالعمليات الاستشهادية والعسكرية حتى عام 2005‏[23]، عندما انسحبت إسرائيل من القطاع، ولكنها لم تتوقف نهائيًا عن عملها المقاوم. وهذا يؤكد أن هناك بديلًا لمسار المفاوضات الذي تتبناه السلطة والذي فشل في إقامة الدولة الفلسطينية، ألا وهو العمل المقاوم.

يصرح مشعل في هذا السياق أن «الحركة عانت في بناء المقاومة بالتركيز على بناء الإنسان المقاوم إيمانيًا، وتربويًا، ونفسيًا، وفكريًا، واضعين بالحسبان الانضباط التنظيمي والسلوكي، والالتزام بالضوابط الشرعية والأخلاقية للمقاومة»، ويضيف لقد «جرى اعتماد البناء الذاتي للمقاومة المسلحة في الداخل – تجنيدًا، تدريبًا، تسليحًا، مناورةً – وبذل كل الجهود لتحصيل الدعم المالي والفني، والتسليح من الخارج بقدر الإمكان»‏[24].

4 – عوامل حفزت حماس على نهج المقاومة

أ – عزز انتصار الثورة الإيرانية بين عامي 1978 و1979 التي أسقطت نظام الشاه الموالي للإدارة الأمريكية، وظهور حزب الله خلال الثمانينيات، هيكل الفرص السياسية لحماس‏[25]. فقد بين تقرير إسرائيلي بأن إيران وحزب الله هم أقوى حليفين لحماس، فقد تم تدريب عناصر كتائب عز الدين القسام في سورية على يد خبراء إيرانيين وخبراء من حزب الله‏[26].

ب – الانتفاضة الأولى عام 1987: يعد هذا العامل من أبرز العوامل التي زادت من فرص الحركة السياسية، فحماس كانت من أكثر التنظيمات المستفيدة من اندلاعها‏[27].

ج – انتفاضة الأقصى عام 2000، حيث قامت إسرائيل خلال الانتفاضة بتدمير مقار السلطة وحصار الرئيس، وهو ما فتح المجال للحركة لإثبات موقفها السياسي من المفاوضات، فالاتفاقيات الموقعة بين السلطة وإسرائيل تداعت وانهارت‏[28].

د – انسحاب الاحتلال من غزة عام 2005، وهو يعَدّ من أهم عوامل زيادة شعبية حماس، الذي أثبت أن لغة المقاومة التي تبنتها حماس هي اللغة الوحيدة التي يفهمها العدو الإسرائيلي‏[29]. وهذا ما يبيّنه تصريح يوسي بيلين بأن انسحاب إسرائيل كان لمصلحة حماس، حيث عزز قوتها وكان دليلًا على أن حماس وحدها تستطيع تحرير المناطق‏[30].

هـ – السيطرة على القطاع وتأليف حكومة حماس. وهنا وتجدر الإشارة إلى أن إقامة الحكم الحمساوي في القطاع فتح نافذة الفرص لكتائب القسام لبناء قواعدها العسكرية المتينة من دون أي تدخل أو إعاقة لعملهم.

و – الخطاب الديني، الذي أدّى دورًا مهمًا في زيادة المناصرين للحركة حتى من غير المنتمين إليها سياسيًا. فحماس حركة إسلامية، وتستمد أفكارها من الدين الإسلامي، وتحتكم إليه.

ز – أخطاء الخصوم (إسرائيل والسلطة الفلسطينية)، إذ يكشف صعود حماس أنها استفادت من أخطاء السلطة وضعفها، وأخطاء إسرائيل وغبائها. ففي كل حرب من جانب إسرائيل ظهرت حماس منهكة، بسبب العمليات الأمنية الإسرائيلية التي تركتها ضعيفةً تنظيميًا في الضفة ومحاصرة في القطاع، ومثلت بأنها تريد المحافظة على الهدوء وعدم مواجهة إسرائيل وأنها معنية في تدبير إدارة القطاع، كل ذلك صب في خداع إسرائيل، ولكنها من خلال معركة الطوفان أكدت قوتها.

ح – استشهاد الرئيس ياسر عرفات وتولي محمود عباس الرئاسة، فاستشهاد الرئيس عرفات والخلافات الداخلية في حركة فتح، أتاحت لحماس فرصةً للتفكير بالمشاركة في الانتخابات التشريعية، إضافة إلى ضعف الرئيس عباس واعتماده على الأسلوب الوحيد المتمثل بالمقاومة السلمية والمفاوضات بالتعامل مع إسرائيل، التي سحبت صلاحيات السلطة، وحصرت دورها بالدور الأمني والمدني المحدود، وهو ما دفع حركة حماس إلى استغلال ممارسات إسرائيل وانسداد الأفق السياسي وضعف الرئيس عباس وعدم رغبته وقدرته على مواجهة إسرائيل. واستنادًا إلى ما سبق، قامت حماس بخلق واقتناص الفرص السياسية من خلال تطوير عملها المسلح وصولًا إلى المعركة التي زعزعت من خلالها الأمن الإسرائيلي وأدت إلى ارتفاع شعبية الحركة.

5 – التطور التنظيمي لكتائب القسام

بدأت الكتائب باستخدام أسلحة بدائية مثل الحجر والسكين، ومن ثم بدأت باستخدام العبوات الناسفة وتلاها العمليات الاستشهادية وصنعت الأحزمة الناسفة، والصواريخ بأنواعها المختلفة، ومنها الصواريخ الموجهة المضادة للدروع مثل كورنيت وكونكورسوفوتيكس وساغر وصواريخ مضادة للطائرات مثل سام. كما قامت بتطوير الصواريخ لتصل إلى جميع مناطق الداخل المحتل، وهي استطاعت تصنيع طائرة من دون طيار «أبابيل» في 14 تموز/يوليو 2014. أما لجهة تجنيد عناصر الكتائب، فتتنوع الأساليب وتتغير وفقًا للظروف، ولشخصية الجندي المراد تجنيده والمهمات المطلوبة منه. تعتمد الكتائب عددًا من الاستراتيجيات القتالية، منها ضرب العدو في نقاط ضعفه، والمقاومة والحرب غير التقليدية، والإعداد، والاستراتيجية الإعلامية، واستراتيجية الاستخبارات الحربية، وأهمها حرب الأنفاق‏[31].

تعتمد الكتائب على عدد من الاستراتيجيات القتالية، ومنها الصواريخ البعيدة المدى، التي يبلغ مداها ما بين 75 و160 كم، والقصيرة المدى مثل صواريخ الكاتيوشا، وصواريخ القسام، وقذائف الهاون، وفرقة الضفادع البشرية، والإعلام العسكري، والفرق البرية والطائرات المسيرة وهي استطلاعية وهجومية وانتحارية، والطائرات الشراعية وفرقة التصنيع. وتستخدم الكتائب عددًا من الأساليب القتالية مثل سرعة المناورة والتخفي والتمويه، ونصب الكمائن المحكمة، واستخدام الأسلحة بأنواعها المختلفة وتحديدًا القنص المتكرر، وعمليات الإنزال خلف خطوط العدو، والاعتماد على حرب العصابات‏[32].

في هذا السياق لا بد من تسليط الضوء على قدرات المقاومة المشارِكة في المعركة‏[33]:

1 – خمسة ألوية تابعة لكتائب الشهيد عز الدين القسام؛ لواء الشمال، لواء شمال غزة، لواء الوسطى، لواء خان يونس، لواء رفح، بواقع 25 كتيبة مناطقية، مع تشكيلات الدعم القتالي المكونة أساسًا من مجاميع هندسية، ومضادات للدروع، وسلاح المدفعية.

2 – تشكيل قتالي يتبع حركة الجهاد الإسلامي، والتي تملك عددًا مقاتلًا من مختلف الاختصاصات؛ مشاة، مدفعية، هندسة، وغيرها.

3 – فصائل المقاومة الوطنية في قطاع غزة بما في ذلك الجبهة الشعبية، حركة الأحرار، ألوية الناصر صلاح الدين.

وهذا الأمر يرجّح معه أن يكون استعداد فصائل المقاومة المشتبكة مع العدو في كامل مسرح عمليات قطاع غزة، لا يتجاوز الـ 10 آلاف مقاتل في أحسن حالاته، على اعتبار صعوبة تشغيل كامل قدرات المقاومة البشرية التي كان يعلن عنها سابقًا، في مثل ظروف الحرب هذه.

ثانيًا: الحروب الإسرائيلية على القطاع (2008 – 2023)

يزيد عدد سكان القطاع على مليوني فلسطيني، حيث يعَدّ من أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم، وقد تعرض القطاع لعدد من الحروب التي شنها الاحتلال؛ فبعد انسحاب قوات الاحتلال من القطاع عام 2005، تقوم إسرائيل بعمليات عسكرية من وقت إلى آخر، بعضها تحول إلى حروب ارتقى فيها آلاف الشهداء. وعندما قامت الحركة بالسيطرة العسكرية على القطاع، أعلنت إسرائيل القطاع «كيانًا معاديًا»، وقامت بحصاره في تشرين الأول/أكتوبر 2007، وشنت إسرائيل عددًا من الحروب على القطاع منذ عام 2007 أبرزها‏[34]:

الحرب الأولى: في 27 كانون الأول/ديسمبر 2008، سمَّتها إسرائيل عملية الرصاص المصبوب، وردّت عليها المقاومة بعملية أطلقت عليها معركة الفرقان، هدفت إسرائيل من هذه الحرب إلى إنهاء حكم حماس، والقضاء على المقاومة، وتحرير جلعاد شاليط. استمر العدوان الإٍسرائيلي 23 يومًا، أدت إلى استشهاد أكثر من 1430 فلسطينيًا، إضافة إلى جرح أكثر من 5400. وقتل 13 إسرائيليًا، وأصيب 300 آخرين.

الحرب الثانية: أطلقت عليها إسرائيل عمود السحاب، وسمتها المقاومة حجارة السجيل، حيث بدأت هذه الحرب في 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2012، واستمرت 8 أيام، كان الهدف منها تدمير مواقع تخزين الصواريخ، وبدأت باغتيال أحمد الجعبري، قائد كتائب القسام، واستشهد في هذه المعركة نحو 180 فلسطينيًا، وجرح 1300 آخرين، في المقابل قتل 20 إسرائيليًا وأصيب 625 آخرون.

الحرب الثالثة: بدأت في السابع من تموز/يوليو 2014 وأطلق عليها الاحتلال الجرف الصامد، وسمّتها المقاومة معركة العصف المأكول، واستمرت الحرب 51 يومًا، واندلعت الحرب بعد أن اغتالت إسرائيل 6 من قادة كتائب القسام ادعت أنهم اختطفوا وقتلوا ثلاثة مستوطنين في الضفة، وهو ما أنكرته حماس، ومن الأسباب أيضًا اختطاف الطفل محمد أبو خضير من قبل مستوطنين حيث قاموا بحرقه، هدفت الحرب إلى تدمير أنفاق المقاومة، ونتج منها استشهاد 2322 وجرح 11 ألفًا. في المقابل قتل 68 جنديًا إسرائيليًا، و5 مدنيين، وجرح 2522 إسرائيليًا، وتم خطف الجندي الإسرائيلي شاؤول آرون من قبل حماس.

الحرب الرابعة: في 12 تشرين الثاني/نوفمبر 2019 حيث استهدف الاحتلال قائد الذراع العسكري لحركة الجهاد الإسلامي بهاء أبو العطا، وردت سرايا القدس على عملية الاغتيال بمعركة صيحة الفجر، وفي حين لم تعترف إسرائيل بخسائرها، فإن العملية أدت إلى استشهاد 34، وجرح أكثر من 100 فلسطيني.

الحرب الخامسة: اندلعت معركة سيف القدس في 10 أيار/مايو 2021، أطلق عليها الاحتلال حارس الأسوار، في إثر قيام مستوطنين بالسيطرة على بيوت مقدسيين في حي الشيخ جراح، واقتحام المسجد الأقصى. أدت الحرب إلى مقتل 12 إسرائيليًا وإصابة نحو 330 آخرين، كما أسفرت عن استشهاد 250 وجرح أكثر من 5 آلاف فلسطيني، استمرت المعركة حتى 21 أيار/مايو 2021، وقد أوقف إطلاق النار بعد وساطات وضغط دولي.

الحرب السادسة: في 5 آب/أغسطس 2022 اغتالت إسرائيل قائد المنطقة الشمالية لسرايا القدس، وأطلقت إسرائيل عليها الفجر الصادق، وردت حركة الجهاد الإسلامي بعملية أطلقت عليها وحدة الساحات، حيث قامت حركة الجهاد باطلاق مئات الصواريخ على بلدات ومدن إسرائيلية، وقد بلغ عدد الشهداء 24، في حين أصيب 203 بجروح.

الحرب السابعة: في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 شنت المقاومة في القطاع هجومًا بريًا وبحريًا وجويًا على مستوطنات غلاف غزة، وأطلقت المقاومة على عمليتها طوفان الأقصى بسبب الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة على المسجد الأقصى، وتعَدّ هذه العملية الأولى في نوعها منذ نشأة الكيان، حيث أدت إلى خسائر مادية وبشرية فادحة، وردت إسرائيل على العملية بحرب أسمتها السيوف الحديدية.

وفقًا لدراسات إحصائية، منذ سنة 2000 وحتى أيلول/سبتمبر 2023 (قبيل 7 أكتوبر) قام الاحتلال بقتل 11,299 فلسطينيًا وجرح ما يقارب من 156,768 آخرين، أغلبيتهم من المدنيين‏[35]، لقد فاق عدد الشهداء والجرحى خلال الأيام الـ 100 الأولى من الحرب أعداد الشهداء والجرحى في كل الحروب السابقة مجتمعة.

1 – الحصار على القطاع

يعدّ الحصار البحري أحد العناصر الحاسمة في الحصار الإجرامي الذي تفرضه إسرائيل، وقد تم تشديده بشكل مطرد منذ سنة 2000، بواسطة الزوارق الحربية الإسرائيلية‏[36]. ومنذ تسلم حماس الحكم، قامت إسرائيل والمجتمع الدولي بفرض حصار شامل على السلطة‏[37]، وعليه لم تستطع حكومة حماس دفع رواتب الموظفين على نحوٍ منتظم الأمر الذي حدا بالموظفين للإضراب عن العمل‏[38]. وبعد شهرين من تسلم حماس الحكم اختطفت كتائب عز الدين القسام جنديًا إسرائيليًا، وفي إثر العملية استهدف الاحتلال مقار السلطة ومقار الحركة في القطاع، وشدد الحصار على القطاع، وهو ما أدى إلى تأزم العلاقة بين الرئيس عباس والحكومة، فقد كان الرئيس معنيًا بإنهاء ملف شاليط سريعًا بسبب توتر العلاقة مع إسرائيل وتوقف المفاوضات‏[39].

لم تستطع الحكومة التي ألَّفتها حماس الصمود بسبب الخلافات السياسية، وهو ما أدى إلى إقالتها بعد قيام حماس بالحسم العسكري في القطاع في حزيران/يونيو عام 2007‏[40]. وفي عام 2008، شدد الجيش الإسرائيلي حصاره على غزة.

2 – انقلاب حركة حماس في القطاع

لقد توالى إصدار المراسيم الرئاسية للتعيينات ولإلغاء قرارات حكومة حماس لسحب وتقييد صلاحياتها، وهو ما ولد قناعة لديها بأن الشراكة مع فتح مستحيلة، فقامت بالانقلاب في القطاع‏[41]، حيث سيطرت الحركة على القطاع بالقوة العسكرية، وشكلت بنيتها العسكرية

ادعت حماس أن السبب وراء قيامها بانقلاب عسكري في القطاع هو أن حركة فتح تخطط للانقلاب عليها، إلا أنه عند مهاجمة كتائب القسام لمقار المؤسسات الأمنية لم يكن هناك مواجهة من قبل أجهزة السلطة الأمنية، وهذا يؤكد أن حركة فتح ليس لديها خطة لمهاجمة مؤسسات حماس، ونتيجة لذلك سيطرت حماس على القطاع بسهولة وفي وقت قصير. وقد فرض الرئيس عباس الكثير من العقوبات المالية والإدارية على القطاع في نيسان/أبريل شملت تقليص دعم الكهرباء، وخفض رواتب الموظفين، وغيرها‏[42] .

3 – الأسرى محور الحروب

تعد قضية الأسرى من القضايا الرئيسية عند الشعب الفلسطيني، فالأسرى قدموا حريتهم وأرواحهم من أجل القضية. فقد ارتقى 245 شهيدًا منذ سنة 1967 وحتى 12 شباط/ فبراير 2024 داخل سجون الاحتلال، ومنذ السابع من أكتوبر تم إعدام 8 معتقلين من جراء التعذيب والضرب ارتقوا شهداء داخل السجون. وقد بلغ عدد الأسرى المحكومين أحكام فلكية تقريبًا 600 أسير، منهم من هو رهن الاعتقال منذ أكثر من ثلاثة عقود.

على هذا المنوال، اتخذت الحكومة الإسرائيلية ضد الأسرى عددًا كبيرًا من القرارات والتشريعات، بهدف النَّيل منهم ومن معنوياتهم والتضييق عليهم ومحاصرتهم في زنازينهم. فالهدف من هذه القرارات إفراغ الأسرى من قيمهم الوطنية وزرع الشك في قناعاتهم في مقاومة الاحتلال وصبغ الانتهاكات والجرائم الإسرائيلية بالصبغة القانونية. ومنها، قانون إعدام الأسرى، ومشروع قانون يقضي بحظر الإفراج عن الأسرى، مقابل جثث الجنود الإسرائيليين المحتجزين لدى فصائل المقاومة، وقانون خصم مخصصات الأسرى والشهداء من مستحقات السلطة.

لقد أجري الكثير من صفقات التبادل التي أُطلق بناء عليها سراح آلاف الأسرى، إلا أنها تمت بناء على شروط الاحتلال، ومنها عدم إطلاق سراح من شاركوا في عمليات قتل، واشتراط إبعاد بعض الأسرى إلى خارج الوطن أو إلى القطاع.

لكن تجربة أسر شاليط ألزمت الاحتلال بإطلاق سراح أكثر من ألف أسير فلسطيني مقابل الإفراج عنه. ومن أجل إنقاذ الأسرى قامت حماس بتطوير عملها المسلح وصولًا إلى معركة طوفان الأقصى. فقد مارس الكثير من القادة الأسرى، منهم حسن سلامة وعبد الله البرغوثي وإبراهيم حامد وعبد الناصر عيسى وغيرهم، ضغطًا على الحركة من خلال رسائلهم الناقدة للحركة من أجل العمل على تحريرهم.

ثالثًا: طوفان الأقصى والفرص السياسية والعسكرية للحركة

نفذت حماس عملية الطوفان نتيجة لفشل مسار المفاوضات وممارسات إسرائيل تجاه الأقصى والاعتداءات المستمرة على الأسرى في السجون، وزيادة وتيرة الاستيطان في الضفة الغربية، إضافة إلى الحصار المطبق على القطاع. حيث صرح السنوار قبل عام تقريبًا من بدء المعركة «سوف نأتي إليكم إن شاء الله في طوفان هادر، سوف نأتي إليكم بصواريخ لا نهاية لها، سوف نأتي إليكم في طوفان لا نهاية له من الجنود، سوف نأتي إليكم بالملايين من أبناء شعبنا، مدًا بعد مد»‏[43]. لقد تبيَّن لاحقًا بأن السنوار كان يعني حرفيًا ما صرح به، أي أن معركة طوفان الأقصى لم تكن وليدة المصادفة وإنما تم الإعداد لها بسرية وحنكة. ويرى فراس ياغي أن حماس لم تقم بخطوة السابع من أكتوبر من دون أن تضع كل سيناريوهات الرد‏[44].

تختلف معركة طوفان الأقصى عن سابقاتها من الحروب في عدة نقاط، أبرزها: الأسلوب المستخدم من جانب المقاومة في مواجهة الاحتلال؛ حيث استُخدم عنصر المفاجأة والمواجهة المباشرة، فقد تم اقتحام المستوطنات، وأسر المئات من المستوطنين والجنود. إضافة إلى اعتراف إسرائيل بفشلها في التنبؤ بهذا الهجوم. كما تم دعوة قادة الفصائل الفلسطينية إلى جميع القوى السياسية في الداخل والخارج للانضمام إلى المعركة من أجل توسيع دائرة المواجهة مع إسرائيل، التي بدورها ردت ردًا انتقاميا تقليديًا، من دون التفكير في مسار سياسي جديد‏[45]. ولأول مرة منذ 75 سنة من الاحتلال تكابد إسرائيل هذا العدد من الخسائر البشرية والمادية على أيدي المقاومة الفلسطينية.

من أهم نتائج المعركة على المستوى العالمي هو تغيُّر صورة إسرائيل وفضح جرائمها بحق الفلسطينيين، حيث عرّت ديمقراطيتها المزيفة وظهرت بمظهر المجرم قاتل الأطفال والنساء، وانهارت تحت ضربات المقاومة صورة الجيش الذي لا يقهر، حيث اقتصرت أهدافها على المدنيين والمباني من مدارس ومستشفيات ومساجد وكنائس وأماكن لجوء، من دون قدرتها على تحقيق أي هدف من أهدافها التي تتمثل بالقضاء على المقاومة وتحرير الرهائن.

يمكن تلخيص أهم أسباب الفشل الإسرائيلي خلال معركة طوفان الأقصى، بإخفاق الاستخبارات العسكرية والاستخبارات العامة الإسرائيلية في توقّع العملية، وهشاشة الجدار الأمني الذي بنته إسرائيل حول غزة وأقامت عليه أبراجَ مراقبة، وراهنت على قدرته في منع المقاومة من اختراقه، إضافة إلى فشل الجيش الإسرائيلي في حماية قاعدته العسكرية في شمال القطاع، وفي توفير الحماية للنقاط العسكرية الكثيرة وأبراج المراقبة الممتدة على طول حدود القطاع، ولمستوطنات غلاف القطاع، كما أخفق الجيش وأجهزة أمنه المختلفة في حماية الحفل الترفيهي الذي شارك فيه بضعة آلاف من المستوطنين‏[46].

وقد نقلت جيروزاليم بوست في منتصف كانون الأول/ديسمبر2023، عن مصدر أمني، أن «حماس خدعت بصورة مثالية إسرائيل قبل هجوم الـسابع من أكتوبر، إذ إن الجيش كان أعمى وفشل»، وأضاف المصدر أن «السنوار والضيف كان لديهما علم بالمراقبة الاستخبارية، وأوصلا الرسائل عبر أساليب سرية»، مشيرًا إلى أن بعض أدوات التجسس الإسرائيلية، التي زرعت في غزة سنة 2018، وقعت في يد حماس‏[47].

لقد وضعت إسرائيل عددًا من الأهداف لعمليتها العسكرية على القطاع، من أبرزها إسقاط حكومة حماس وتدمير قدراتها العسكرية، والقضاء على التهديد الصادر من قطاع غزة ضد إسرائيل وحماية حدودها، وتحرير الرهائن‏[48]. إلا أن الجنرالات الإسرائيليين المتقاعدين، والصحافيين الذين لا تلزمهم السياسة الحكومية بموقفها، قد صرحوا بأن هذا الهدف يستحيل تحقيقه‏[49].

في المقابل يمكن تلخيص أهداف المقاومة من المعركة بالقيام بامتصاص ضربات العدو، ومنعه من تدمير أصولها البشرية والمادية وحمايتها من استهدافه، وإيقاع أكبر خسائر بشرية ومادية في قوات العدو، مع الاحتفاظ بالقدرة على تشغيل قدرات نارية تهدد غلاف غزة، والعمق الفلسطيني المحتل، عند الحاجة إلى ذلك، إضافة إلى منع العدو من تحرير رهائنه، ومنعه من تهجير سكان قطاع غزة إلى خارجه‏[50].

إلا أن صمود المقاومة ضد الضربات الإسرائيلية وضعت الحكومة الإسرائيلية في زاوية التناقض، فالمعارك البرية لم تحقق كل الأهداف المحددة لها، بل على النقيض كبدت إسرائيل خسائر بشرية ومادية لا تتجرأ إسرائيل عن الإعلان عنها، وأججت الرأي العام العالمي على همجية المجازر التي تقوم بها ضد المدنيين العُزل، وعليه إذا أوقفت إسرائيل الحرب من دون تحقيق أي هدف من أهدافها سيعد هزيمة ثانية لها وانتصارًا لحماس وللشعب الغزي في القطاع، فإسرائيل الآن بحاجة إلى إنجاز ولو بسيط حتى تتغنى به من أجل ترميم صورتها، واستعادة ثقة الشارع الإسرائيلي بالجيش والحكومة‏[51].

وخلال الحرب تم الاتفاق على هدنة إنسانية بدأت في 24 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، واستمرت ستة أيام وتم خلالها تبادل للأسرى ما بين كتائب القسام التي أطلقت سراح الرهائن المدنيين الإسرائيليين والجنسيات المختلفة مقابل إطلاق إسرائيل للأسيرات والأشبال الفلسطينيين. وكانت معادلة التبادل واحد مقابل ثلاثة، وإدخال المساعدات الإنسانية، وقد انتهت الهدنة الإنسانية لرفض إسرائيل التفاوض على شريحة جديدة وإصرارها على الإفراج على نفس شروط الشريحة الأولى، فانتهت الهدنة في الأول من كانون الأول/ديسمبر 2023 وعادت إسرائيل إلى حرب الإبادة للشعب الفلسطيني في غزة، وفي اليوم الثاني من الشهر نفسه أعلن نائب رئيس المكتب السياسي للحركة العاروري، عن موقف الحركة بأنه «لا تبادل للأسرى إلّا بعد وقف الحرب نهائيًا». إن صفقة تبادل الأسرى التي عقدت بين حماس والاحتلال بوساطة قطرية مصرية، تعَد نصرًا للمقاومة تضاف إلى نصر السابع من أكتوبر، على الرغم من حجم الدمار والخسائر الفلسطينية‏[52].

فشلت إسرائيل على مدار أكثر من ثلاثة أشهر فشلًا ذريعًا في إعادة الرهائن من خلال عملياتها العسكرية، ولم تحقق أيًا من أهدافها المعلنة، وأخفقت في القضاء على المقاومة وتصفية قادتها‏[53]. وكشفت الحرب نقاط الضعف عند الجيش الإسرائيلي ومن أبرزها الروح المعنوية المنخفضة لدى الجنود، وتفاقم الخلافات السياسية بين مكونات المجتمع الإسرائيلي، إضافة إلى الخلاف بين المستويين العسكري والسياسي في ما يتعلق بإدارة الحرب، وضعف الجبهة الداخلية وعدم قدرتها على تحمل الضغط والخسائر البشرية والمادية‏[54].

على الرغم من الضعف الإسرائيلي الذي تبدّى خلال الحرب، فإن الإدارة الأمريكية لن تسمح بانتصار حماس، فبعد أن كانت الإدارة الأمريكية تسعى إلى انتصار إسرائيل باتت تعمل لمنع انتصار حماس، إلا أن دروس الحرب قبل الهدنة كشفت استحالة هزيمة المقاومة. كما أصبح الشعب الإسرائيلي قلقًا على مصيره ومصير دولته ومستقبلها في المنطقة، وتحديدًا بعد أن عادت القضية الفلسطينية القضية المحورية على مستوى العالم، بعد أن كانت قبل السابع من أكتوبر مغيّبة‏[55].

كما كشفت الحرب أن إسرائيل من دون الدعم الأمريكي المطلق مهزومة، وبناء على نتيجة الحرب سيتم تحديد معالم الشرق الأوسط الجديد، وسيتحدد من سيحكم القطاع‏[56]. لقد أثبتت هذه الحرب أن الخلاص من الاحتلال ممكن، فعلى الصعيد الفلسطيني، أعادت الحرب للفلسطيني ولمناصريه الثقة بأنفسهم وبقدرتهم على الانتصار ودحر الاحتلال. وعلى الصعيد الإسرائيلي، أفقدت هذه الحرب المجتمع الإسرائيلي الثقة في نفسه، وفي قيادته العسكرية والسياسية مما سيكون له آثار كبيرة على المديين القريب والبعيد‏[57].

كما أثبتت الحرب أن التطبيع والعلاقات الاقتصادية مع إسرائيل لن يجلب السلام، وأن الخيار الوحيد من أجل ضمان الاستقرار والأمن هو الاعتراف بالحقوق الفلسطينية وإنهاء الاحتلال. وهذا يثبت للدول المطبّعة مع إسرائيل بأنها غير قادرة على تحقيق الأمن لنفسها فكيف يمكن أن تشكل سندًا لأي من دول المنطقة‏[58].

لقد أبدعت المقاومة الفلسطينية خلال حرب طوفان الأقصى باستخدام الأنفاق، وهذا باعتراف القيادات السياسية والعسكرية الإسرائيلية، حيث نقلت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية عن مسؤول إسرائيلي قوله إن تدمير الأنفاق هو محض خيال، على الرغم مما تخصصه إسرائيل من ميزانية لتدميرها، وكشف المسؤول أن الولايات المتحدة قدمت إلى إسرائيل مبلغًا قدره 320 مليون دولار من أجل تدمير الأنفاق لكن دون فائدة، واصفًا أنفاق القطاع بمدن تحت الأرض‏[59].

لقد أسفرت الحرب حتى السادس من شباط/فبراير 2024، عن ارتقاء ما لا يقل عن 2750 ألف شهيد، وفقدان أثر ما لا يقل عن 8 آلاف شخص، أما عن الجرحى فقد ناهز عددهم الـ 67 ألف جريح؛ معظمهم من النساء والأطفال، وتم تهجير 85 بالمئة من سكان غزة قسرًا‏[60]. أما عن خسائر العدو بحسب إحصاءاته؛ فقد بلغ عدد من قُتل من جنود العدو ومستوطنيه في اليوم الأول للهجوم ما يقارب 1,200 قتيل، وتم أسر 240 رهينة من جانب المقاومة الفلسطينية، وقتل منهم نتيجة القصف الإسرائيلي للقطاع 32 رهينة‏[61]، أما عن قتلى العدو منذ بدء حملته البرية على غزة، فقد بلغ بحسب اعترافه ما يقارب الـ 234 جنديًا، وجرح 2665، ويقدر عدد القتلى من الضباط والجنود 563 قتيلًا، منذ السابع من أكتوبر‏[62]، هذه الأرقام بحسب الإحصاءات الإسرائيلية إلا أن أعداد القتلى والجرحى يرجح أنها أكثر كثيرًا من الأرقام المعلنة.

ومن نتائج طوفان الأقصى أنها أثبتت أن المقاومة هي الطريق الذي يجمع عليه الشعب الفلسطيني من أجل نيل حقوقه، وغير ذلك، هو مثل الحديث عن عملية سلام من دون سقف زمني ومن دون الإقرار المسبق بحدود الدولة الفلسطينية ومن دون تحكيم دولي، سيمكّن دولة الاحتلال من تحقيق برنامجها في ضم مناطق جيم إلى إسرائيل وحسم الصراع على القدس والإبقاء على الفلسطينيين في معازل تمهيدًا للخلاص منهم، إما بالترحيل أو الإلحاق لدول الجوار العربي، كما ستؤسس الحرب إلى ظهور جيل جديد أكثر إيمانًا بالمقاومة وأكثر استعدادًا للتضحية فعمليات التطهير العرقي التي شاهدها هذا الجيل للشعب الفلسطيني في غزة لن تُمح من ذاكرته‏[63].

خاتمة

لقد أسقطت حرب طوفان الأقصى نظرية الجيش الذي لا يُهزم، حيث أثبتت فشل إسرائيل الأمني والاستخباراتي والعسكري. إضافة إلى ضعف جميع الاحتياطيات والتحصينات والجدران والتكنولوجيا التي استخدمتها إسرائيل للحفاظ على أمنها. كل ذلك قامت به حركة مقاومة محاصرة منذ ما يزيد على عقد ونصف العقد، حيث أثبتت لإسرائيل أنه ليس في إمكانها الاستمرار باحتلال الأرض من دون دفع الثمن، ومهما ارتكبت من جرائم ومجازر بحق الشعب الفلسطيني لن يرفع الراية البيضاء، وسيواصل مقاومته حتى نيل حقوقه المشروعة وتحرير الأسرى. كما أعادت معركة طوفان الأقصى القضية الفلسطينية إلى الواجهة العالمية وعرّت ممارسات الاحتلال بحق المدنيين الفلسطينيين أمام المجتمع الدولي وهو ما أثر سلبًا في دولة إسرائيل. كما أكدت المعركة للعالم بأسره تمسك الشعب الفلسطيني وعدم تخليه عن ثوابته وعدم قبوله بأي اتفاق قد يحرمه من إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس.

كتب ذات صلة:

غزة: بحث في استشهادها

حركة حماس وممارستها السياسية والديمقراطية 1992-2012

أزمة المشروع الوطني الفلسطيني: من “فتح” إلى “حماس”

في معنى المكان: وحي من دروس المقاومة المقدسية