مقدمة:

تُعتبر ظاهرة الفقر واحدة من أقدم المشكلات التي شهدتها المجتمعات وتناولتها النظريات الاقتصادية والاجتماعية. ويرتبط التراث التاريخي لهذه الظاهرة عادةً بالفوارق الكبيرة في الدخل والثروة.

والحقيقة أن الفقر من أخطر القضايا وأكثرها تعقيداً. فالعديد من الثورات الاجتماعية والسياسية الكبرى، مثل ثورات الربيع العربي بصفة عامة والثورة المصرية في كانون الثاني/يناير 2011 بصفة خاصة كان الفقر من بين أسبابها الرئيسة، سواءٌ بشكل صريح أو ضمني. وتحضرنا هنا مقولة أرسطو «الفقر هو مولد الثورات والجريمة»، كما نجد المقولة الشهيرة لعلي بن أبي طالب: «لو كان الفقر رجـلاً لقتلته».

وتناولت كثير من الدراسات قضية الفقر في مصر من عدة زوايا مثل طبيعة المشكلة، وتطورها وخصائص الفقراء وتوزيعهم الجغرافي، وسياسات مكافحة الفقر. كما تناولت أحياناً بعض السياسات الحكومية المؤثرة في الظاهرة. إلا أن معظم هذه الدراسات لم تركز تركيزاً كامـلاً على السياسات الحكومية ودورها في استدامة المشكلة أو حتّى تفاقمها. وتُمثل هذه القضية المحور الأساس للدراسة الحالية.

هدف الدراسة: برزت مشكلة الفقر في مصر وضرورة مكافحته منذ عدة عقود مضت. وقد بذلت الحكومات المصرية المتعاقبة عدة محاولات للتعامل مع هذه المشكلة والتخفيف من حدتها. إلا أن المشكلة ما زالت عصيَّة على الحلّ. وتشير الإحصاءات المتاحة بالجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى أن أكثر من ربع سكان مصر فقراء. وهذا الفشل في التعامل مع المشكلة لمدد طويلة ولحكومات مختلفة، يجعل من الأهمية بمكان الربط بين ما تتخذه الحكومات من سياسات اقتصادية واجتماعية، وبين استدامة مشكلة الفقر.

إذاً يصبح هدف البحث ينصب على محاولة الإجابة عن السؤال التالي: إلى أي مدى يمكن اعتبار السياسات الحكومية مسؤولة، سواءٌ بشكل مباشر أو غير مباشر، عن ظاهرة الفقر في مصر واستفحالها؟

طريقة البحث: تتناول الدراسة الفترة منذ بداية تسعينيّات القرن الفائت وحتى الوقت الراهن. ويرجع هذا الاختيار إلى أن تلك الفترة شهدت تحولاً في طبيعة السياسات الاقتصادية والاجتماعية المطبقة في مصر، والانتقال بصفة رسمية إلى تطبيق ما يُطلق عليه مبادئ توافق واشنطن أو برنامج التثبيت والتكيُّف الهيكلي. وتخضع السياسات التي اتُّبعت في هذه الفترة بصفةٍ عامة لنمط واحد، وهي السياسات المنبثقة من اقتصاد السوق.

وتعتمد الدراسة على فرضية أن الفقر ليس ظاهرة مستقلة في حدّ ذاتها، ولكنه نتيجة لطبيعة السياسات الاقتصادية والاجتماعية ونمطها، التي اتخذتها الدولة من أجل تحقيق النمو الاقتصادي. ومن ثمّ فإن مصادر الفقر وجذوره قد تنبع أساساً من هذه السياسات.

وبناءً على هذا سوف يتم التحليل بالنظر إلى مجموعة من السياسات من المعتقد أنها ساهمت بدرجة أو بأخرى في تفاقم مشكلة الفقر واستدامتها. فيبدأ التحليل من النمط العام لسياسات التنمية، ثمّ ينتقل إلى سياسات يمكن اعتبارها ذات صلة وثيقة بقضية الفقر وهي الأجور؛ التوظُّف؛ الإنفاق العام؛ الدعم.

وتتكوّن الدراسة من ثلاثة أقسام بخلاف المقدمة هي: 1 – مفهوم الفقر وطرائق قياسه؛ 2 – الملامح الأساسية لظاهرة الفقر وتطورها في مصر؛ 3 – كيفية تأثير السياسات الحكومية المُتبعة في ظاهرة الفقر في مصر. وتُختتم الدراسة بنظرة حول أهم النتائج والمقترحات للتخفيف من حدة الفقر.

 

أولاً: مفهوم الفقر وطرائق قياسه

1 – مفهوم الفقر

لا يوجد تعريف محدد للفقر، فقد يختلف مفهومه بين فئات البشر، وأيضاً يختلف من بلد إلى آخر ومن وقت إلى آخر. وقد يرجع ذلك إلى أن الفقر هو مفهوم نسبي يشتق هذه الصفة من اختلاف وتباين الأطر الاجتماعية والزمنية، وأدوات القياس والخلفية السياسية لهذه الظاهرة.

وقد وضع البنك الدولي تعريفاً شامـلاً لهذه الظاهرة وهو: «الفقر هو عدم القدرة على تحقيق الحدّ الأدنى من مستوى المعيشة»‏[1] إلا أن هذا التعريف يعتمد بدرجة كبيرة على مفهوم الحدّ الأدنى ومستوى المعيشة، كما يعتمد بدرجة كبيرة على المجتمع الذي تتم فيه حالة التوصيف.

وفي عام 1975 عرَّف مجلس وزراء المجموعة الأوروبية الفقر بأنه «الأفراد والأسر ذات الموارد المادية والثقافية المحدودة، والتي تُبعدهم عن الحدّ الأدنى المقبول للحياة في الدولة التي يعيشون فيها». وفي عام 1994 حدد المجلس الأوروبي الفقراء بأنهم فئة من البشر تخرج من مجالات التمتع بحقوق الإنسان جزئياً أو كلياً‏[2]. وبذلك أدخل الاتّحاد البُعد الثقافي والاجتماعى في تعريف الفقر بجانب البعد المادي المتمثل بمستوى الدخل والمعيشة.

مفهوم فقر القدرة: وفي عام 1999 لفت الاقتصادي الهندي أمارتيا صن (Amartya Sen) الأنظار إلى مفهوم فقر القدرة في كتابه Development as Freedom وعبَّر عن الفقر كمفهوم شامل باعتباره الحرمان من القدرات وليس نقص الدخل فقط، وأن القدرة تتأثر بمجموعة من المتغيرات مثل: عمر الشخص؛ الجنس؛ موقع العمل؛ المناخ الذي تسوده أمراض معدية‏[3].

2 – قياس الفقر

تتعدد مؤشرات القياس ومنها:

أ – مؤشرات قياس مستوى المعيشة

ويمكن قياسها بوساطة: دخل الأسرة؛ الإنفاق الاستهلاكي الإجمالي للأسرة؛ مؤشر حجم الدخل الموجة لاستهلاك الغذاء؛ مؤشر الحاجات الأساسية للأسرة (حصة الفرد من السعرات أو البروتين)[4]. وتُعبر تلك المؤشرات فقط عن البعد الاستهلاكي، علاوة على أنها لم تأخذ في الحسبان درجة الأمان والضمان الاجتماعي وحرية التعبير والاختيار.

ب – مؤشرات خطّ الفقر

يعتبر هذا الأسلوب الأوسع استخداماً والمُعتَمد من البنك الدولي ويصلح لأغراض المقارنات الدولية. ويتضمن خطّ الفقر المدقع، نسبة الفقر، فجوة الفقر‏[5] ويُعتبر خطّ الفقر مؤشر تقريبي للتعرف إلى الظاهرة، لكنه لا يصلح للتعرف إلى خصائص الفقر والفقراء وعمق الظاهرة‏[6].

وتعتمد الدراسة في قياس الفقر على مؤشري نسبة السكان تحت خطّ الفقر المُطلق والمُدقع.

3 – أسباب الفقر

أوضحت الأمم المتحدة أن فشل استراتيجيات التنمية في تحقيق أهدافها وعدم تحقق الإصلاحات الاقتصادية من أهم أسباب الفقر‏[7] ويُعتبر هذا السبب محل اهتمام الدراسة الحالية في تحليل ظاهرة الفقر في مصر.

 

ثانياً: الملامح الأساسية لظاهرة الفقر وتطورها في مصر

يتناول هذا الجزء الملامح الأساسية لظاهرة الفقر في مصر، خلال الفترة من بداية تسعينيّات القرن الفائت وحتّى 2014. حيث شهد عام 1991 توقيع خطاب النوايا مع صندوق النقد الدولي، والذي بدأ بمقتضاه التبني الرسمي لسياسات التكيف الهيكلي والتحرير الاقتصادي. وتشمل هذه السياسات عدة حزم: الخصخصة؛ تحرير الزراعة؛ تحرير التجارة؛ تحرير سعر الصرف. ولا شكّ في أن هذه التحولات والسياسات أدت إلى إحداث تغييرات عميقة وجذرية في المجتمع المصري، فهناك من استفاد من هذه التحولات والسياسات، وهناك من أُضير منها سواءٌ كان ضرراً طفيفاً أو كبيراً‏[8].

1 – تطور نسبة الفقراء في مصر خلال الفترة من 1990 – 2014

شهدت الفترة المعنية تغيرات ملحوظة في معدلات الفقر في مصر، وتشير البيانات الموضحة في الشكل الرقم (1) إلى انخفاض معدلات الفقر في أعوام 1995 و2000 لتُسجل 19,4 بالمئة و16,74 بالمئة على الترتيب، مقارنةً بـ 24,18 بالمئة عند بداية الفترة في 1990. ولكنها عاودت الارتفاع مرة أخرى في الأعوام التالية لتُسجل 26,3 بالمئة في 2014‏[9]. كما يعبر الشكل الرقم (1) عن انخفاض نسبة الفقر المدقع في مصر في 2014 ليصل إلى 4,4 بالمئة مقارنة بـ 6,54 بالمئة في بداية الفترة عام 1990. مع ملاحظة انخفاضه إلى أدنى معدل له خلال فترة الدراسة إلى 2,97 بالمئة في عام 2000.

الشكل الرقم (1)

تطور معدلات الفقر في مصر للفترة من (1990 – 2014)

                                               (نسبة مئوية)

المصدر: الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء: بحث الدخل والإنفاق والاستهلاك، سنوات مختلفة.

 

2 – التوزّع الجغرافي للفقراء في مصر

وبالنسبة إلى التوزّع الجغرافي للفقراء في مصر، فقد تناوله كثير من الدراسات التي توصلت إلى النتائج التالية:

– شهدت فترة التسعينيّات ارتفاع معدلات الفقر بالريف مقارنةً بالحضر، حيثُ إنَّ 63 بالمئة من الفقراء يعيشون في الريف‏[10]. واستمر هذا الوضع خلال الفترة محل اهتمام الدراسة، حيث تُعبِّر مؤشرات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في 2014‏[11] عن انتشار الفقر بين سكان الريف بدرجة كبيرة. وأن 49 بالمئة من سكان ريف الوجه القبلي فقراء، مقارنةً بـ 27 بالمئة فقط بين سكان حضر الوجه القبلي. وتُعتبر أسيوط وقنا وسوهاج أكثر محافظات الوجه القبلي تركزاً للفقر بنسبة 60 بالمئة و58 بالمئة و55 بالمئة على الترتيب. وكذلك تُسجل نسبة الفقراء بريف الوجه البحري 17,4 بالمئة مقارنةً بـ 11,7 بالمئة في حضر الوجه البحري.

3 – خصائص الفقراء في مصر

يتسم الفقراء في مصر بعدة خصائص منها:

أ – التعليم

يرتبط مستوى تعليم عائل الأسرة في مصر سلباً مع مستوى الدخل، وأوضحت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء‏[12] أن أكثر من 61 بالمئة من الفقراء يعيشون في أسرٍ عائلُها أُميٌّ، بالمقارنة بـ 1 بالمئة فقط من الأسر الفقيرة حصل عائلها على التعليم الجامعي. فالأغلبية العظمى من فقراء الحضر والريف إما نالوا قدراً ضئيـلاً من التعليم وإمّا لم يتعلموا إطلاقاً. ويكون ذلك أكثر وضوحاً بين الإناث عن الذكور، حيث تصل نسبة الأمية بين النساء المعيلات 85,3 بالمئة مقابل 48 بالمئة للرجال المعيلين لأسر.

ب – مصادر دخل الفقراء

تُعتبر الأجور هي المصدر الرئيس للدخل بالنسبة إلى الفقراء، وتصل نسبتها إلى 42,9 بالمئة من إجمالي الدخل‏[13].

ج – طبيعة النشاط الاقتصادي

يتركز الفقر في قطاع الزراعة ويعيش أكثر من 80 بالمئة من السكان الذين يعانون الفقر المدقع في المناطق الريفية. وبصورة عامة، يبلغ معدل الفقر في قطاع الزراعة أكثر من الثلث (34.6 بالمئة)، وهو معدل يزيد على معدلات الفقر في القطاعات الأخرى (الشكل الرقم (2)). ويرتبط الفقر في الريف في مصر غالباً بحيازات الأراضي الصغيرة، حيث يمتلك 81 بالمئة من الفلاحين أقل من ثلاثة أفدنة‏[14].

الشكل الرقم (2)

تركُّز الفقر وفقاً للقطاعات الاقتصادية

                                             (نسبة مئوية)


المصدر: البنك الدولي، «مشروع تمويل المناطق الريفية بمصر،» (وثيقة معلومات المشروع، 2014)، ص 4.

ثالثاً: كيفية تأثير السياسات الحكومية المُتبعة
في ظاهرة الفقر في مصر

يتعرض هذا الجزء لدراسة انعكاسات السياسات الحكومية على ظاهرة الفقر في مصر. وذلك من خلال التعرف أولاً إلى العلاقة بين النمو والفقر، ثمّ ننتقل إلى إلقاء نظرة سريعة على النمط العام لسياسات التنمية التي تمّ اتّباعها في الفترة المعنية، ثمّ التعرّض لتحليل مجموعة من السياسات ذات تأثير مباشر في قضية الفقر.

1 – العلاقة بين النمو والفقر

قد يبدو واضحاً أن تحقيق معدلات مرتفعة من النمو ينعكس إيجاباً على أوضاع الفقراء وتخفيض معدلات الفقر. إلا أن بعض الاقتصاديين أشاروا إلى أن تلك العلاقة الإيجابية قد لا تتحقق، بل يمكن أن يؤدي هذا النمو إلى تفاقم أوضاع الفقراء‏[15]. كما أشار آخرون إلى أن تحقيق معدلات مرتفعة من النمو لا بُدَّ من أن يصاحبه اتّخاذ بعض السياسات الأخرى – مثل زيادة الإنفاق الحكومي‏[16] وإعادة توزيع الثروة‏[17] – حتّى يؤدي إلى تحسين أحوال الفقراء وتخفيض معدلات الفقر. وأن نظرية تساقط المنافع (Trickle-down Theory) لا تتحقق دائماً، بل إنه في بعض الأحيان لا يستفيد الفقراء من النمو الاقتصادي على الإطلاق، وتتدفق جميع منافعه لطبقة الأغنياء‏[18]. واعتمدت استيراتيجيات التنمية في مصر خلال الفترة المعنية على تحقيق نظرية تساقط المنافع، وأن معدلات النمو المرتفعة ستنعكس إيجاباً على أوضاع الفقر. ويهدف هذا الجزء إلى دراسة مدى تحقق تلك النظرية على الحالة المصرية.

2 – النمط العام لسياسات التنمية الاقتصادية في مصر للفترة من 1990 – 2014

شهد الاقتصاد المصري خلال فترة الثمانينيّات اختلالات هيكلية، انعكست في انخفاض معدل النمو الاقتصادي وزيادة العجز في ميزان المدفوعات والموازنة العامة، والتي بلغت حوالى 20 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي. وشهدت أيضاً مستويات تضخم مرتفعة تراوحت بين 20 بالمئة و30 بالمئة، بالإضافة إلى تراكم المديونية الخارجية مع ارتفاع عبء خدمة الدين الخارجي. ونتيجة لذلك لجأت الحكومة المصرية مع بداية 1991 إلى توقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء والتعمير لتخفيف حدة تلك الاختلالات. وقد عُرفت تلك الاتفاقات ببرنامج الإصلاح الاقتصادي والتكيف الهيكلي (ERSAP)، وتمثلت أهدافه في تحقيق الإصلاح المالي والنقدي، تحرير التجارة الخارجية، تحفيز الاستثمار المحلي والأجنبي، إصلاح القطاع العام وبدء برنامج الخصخصة‏[19]. وفي هذا الإطار نتعرض لتحليل مجموعة من النتائج المترتبة على بعض تلك السياسات، والتي أثرت في ظاهرة الفقر خلال الفترة المعنية.

3 – تأثير برنامج الخصخصة في تفاقم مشكلة الفقر

تبنت مصر منذ بداية التسعينيّات وفي إطار برنامج ERSAP برنامجاً لخصخصة شركات القطاع العام. وبدأت المرحلة الأوّلى له في أيار/مايو 1991، كما تمّ إصدار القانون الرقم 203 لقطاع الأعمال العام. وتم إحلال الشركات القابضة محل مؤسسات القطاع العام، وأصبحت تحت إشراف وزارة قطاع الأعمال العام‏[20] ونتج من ذلك تفاقم مشكلة الفقر من خلال قناتين رئيستين هما:

أ – تزايد معدلات البطالة

يمكن اعتبار الخصخصة رافداً جديداً ساهم بشكل صريح في تزايد معدلات البطالة نتيجة تسريح العمالة، وتطبيق نظام المعاش المبكر، حيثُ إنَّ أغلبية تلك العمالة لا تتمتع بالخبرة اللازمة لإدارة الأعمال الخاصة. علاوة على قيام الملاك الجدد لشركات القطاع العام بتسريح عدد كبير من العمالة الموظفة بها، والتي بلغت 500 ألف عامل تقريباً‏[21] وفي 2010 تزايدت معدلات البطالة لتُسجل 9 بالمئة تقريباً، كما ساهمت الأحداث التالية لثورة يناير 2011 في زيادة حدة المشكلة لتبلغ معدلاتها 13 بالمئة في 2014‏[22]. ما انعكس على تزايد معدلات الفقر وسوء أوضاع الفقراء بشكل كبير.

ب – تزايد حجم القطاع غير الرسمي

وساهمت كذلك برامج الخصخصة في زيادة حجم القطاع غير الرسمي بشكل كبير، حيث بلغت نسبة العاملين به في 2014 أكثر من 57 بالمئة من إجمالي القوى العاملة‏[23]، مقارنةً بـ 6,7 بالمئة و30 بالمئة في أعوام 1986 و1996 على الترتيب‏[24] وذلك بسبب تسريح عدد كبير من العمالة بمؤسسات القطاع العام بعد تطبيق برنامج الخصخصة، وانضمام عدد كبير منها إلى القطاع غير الرسمي، علاوة على الأحداث التي شهدها الاقتصاد المصري عقب ثورة يناير 2011.

ويمكن اعتبار ذلك مؤشراً على تزايد أوضاع الفقراء سوءاً في مصر، بسبب تردي ظروف العمل في ذلك القطاع. حيث أشارت منظمة العمل الدولية أن 90 بالمئة من الشباب المصري يعمل في القطاع غير الرسمي بدون تأمينات اجتماعية أو صحية‏[25].

4 – تطور نصيب الأجور وعوائد التملك

انعكست كذلك السياسات المُتبعة خلال الفترة المعنية على نصيب الأجور وعوائد التملك الأخرى من الدخل القومي، وتشير بيانات الجدول الرقم (1) إلى استحواذ عوائد التملك على ثلثي الدخل القومي تقريباً مقابل الثلث فقط للأجور خلال الفترة المعنية. ويُعبِّر ذلك عن سوء توزيع الدخل بين الفئات المختلفة، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة نسبة الفقراء وتدهور أوضاعهم المعيشية، حيث يمثل الفقراء نسبة كبيرة من العاملين بأجر‏[26].

الجدول الرقم (1)

تطور نصيب الأجور إلى عوائد التملك الأخرى من الدخل القومي (من 1990 – 2014)

(الأرقام بالنسبة المئوية)

السنواتالأجورعوائد التملك
1989 – 199031.269.8
1994 – 199528.971.1
2000 – 200129.870.2
2004 – 200526.273.8
2009 – 201028,471,6
2013 – 201428.771.3

المصدر: وزارة التخطيط، الحسابات القومية، جدول حسابات نخصيص الدخل الأوّل، سنوات مختلفة.

 

5 – تطور الإنفاق العام

يُعتبر الإنفاق العام من أهم أدوات السياسة المالية التي يُمكن أن تؤثر تأثيراً ملموساً في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. وتُشير بيانات الجدول الرقم (2) إلى حدوث انخفاض ملحوظ في نسبة الإنفاق العام من الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة المعنية، والتي سجلت في 2014 – 2015 حوالى 32,8 بالمئة، مقارنةً بـ 51,3 بالمئة في 1990 – 1991. وقد يرجع ذلك إلى إجراءات تخفيض الإنفاق الحكومي (وبخاصة على الصحة) التي تضمنها ((ERSAP‏[27].

ونعرض في ما يلي التغيرات التي طرأت خلال الفترة المعنية على الإنفاق العام الاجتماعي‏[28] وتأثير ذلك في الفئات الفقيرة‏[29] ويُعبر الجدول الرقم (2) عن ذلك‏[30]:

الجدول الرقم (2)

مؤشرات الإنفاق العام الاجتماعي للفترة من 1990 – 2014

(الأرقام بالنسبة المئوية)

البياننسبة الإنفاق العام/للناتج المحلي الإجمالي (بالأسعار الجارية)نسبة الإنفاق
على التعليم/
الإنفاق العام
نسبة الإنفاق
على الصحة/
الإنفاق العام
نسبة الإنفاق
على الدعم/
الإنفاق العام
1990 – 199151.37.52.720.4
1994 – 199549.610.93.25.5
2000 – 200133.316.76.26
2005 – 200638.2164.518.4
2009 – 201030.111.34.530
2013 – 201436.211.94.5230.4
2014 – 201532.8125.3729.9

 

المصدر: جمهورية مصر العربية، وزارة المالية، الحسابات الختامية للموازنة العامة للدولة، أعداد متفرقة.

أ – الإنفاق العام على الصحة

تشير بيانات الجدول الرقم (2) إلى أن نسبة الإنفاق على قطاع الصحة يعاني انخفاضاً ملحوظاً خلال الفترة المعنية، حيث لم تتعدَّ 6,2 بالمئة من إجمالي الإنفاق العام. كما إنَّ توزيع هذا الإنفاق يوضح استحواذ الأجور على الجانب الأكبر كما يوضحه الشكل الرقم (3)، حيث ارتفعت تلك النسبة إلى ما يقارب 60 بالمئة و62 بالمئة تقريباً في عامي 2013 – 2014، 2014 – 2015 على الترتيب. علاوة على أن جزءاً كبيراً من تلك الأجور يتم توجيهه للأجور المتغيرة وليست الأجور الأساسية، الأمر الذي يؤدي إلى ضآلة المبالغ الموجهة لتحسين جودة الخدمة في هذا القطاع‏[31]، وتشير كذلك بيانات الإنفاق العام إلى انخفاض النسبة المخصصة لشراء السلع والخدمات الطبّية لتصبح 18,86 بالمئة في 2013 – 2014 مقارنةً بـ 22,4 بالمئة في 2013 – 2013، كما انخفض نصيب الاستثمارات بالقطاع ليسجل 15,5 بالمئة في 2013 – 2014‏[32]. وأثر ذلك سلباً في أحوال الفقراء في مصر من خلال انخفاض مستوى كفاءة الخدمة الصحية التي يحصلون عليها من المؤسسات الصحية المملوكة للدولة، حيث بلغ حجم الإنفاق الذاتي للفقراء على تلك الخدمة أكثر من 70 بالمئة من حاجاتهم، نتيجة قصور مستوى الخدمات الحكومية‏[33].

الشكل الرقم (3)

التوزيع النسبي الفرعي (بنود) لميزانية الصحة في مصر لعدة سنوات (من 2005 – 2006 إلى 2013 – 2014)


المصدر: جمهورية مصر العربية، وزارة المالية، الحساب الختامي للموازنة العامة للدولة سنوات متفرقة.

 

ب – الإنفاق العام على التعليم

بدراسة بيانات الجدول الرقم (2) يتضح الانخفاض في نسبة الإنفاق على التعليم من إجمالي الإنفاق العام في مصر، خلال الفترة محل اهتمام الدراسة الحالية، حيث تراوحت بين 7,5 بالمئة و16,7 بالمئة. كما تشير البيانات كذلك إلى أنه برغم الزيادة في تلك النسبة في 2000 – 2001 و2005 – 2006 لتصل إلى 16,7 بالمئة و16 بالمئة على الترتيب إلا أنها انخفضت مرة أخرى في 2014 – 2015 لتُسجل 12 بالمئة فقط. وقد يرجع ذلك إلى إظهار دعم المنتجات البترولية بالموازنة، علاوة على أن الإنفاق على التعليم الأزهري ما قبل الجامعي – والذي يبلغ حوالى 14 بالمئة من مجموع الإنفاق على التعليم العام قبل الجامعي – كان يعتبر في ما سبق من بنود قطاع التعليم إلا أنه بدءاً من العام المالي 2005 – ٢٠٠٦ تمّ تحويله إلى بنود الإنفاق على الشباب والثقافة والشؤون الدينية‏[34].

ويوضح الشكل الرقم (4) استحواذ بند الأجور على ما يقارب 80 بالمئة من جملة الإنفاق المخصص لقطاع التعليم، في حين لا تتعدى نسبة ما يُخصص لبنود شراء السلع والخدمات والاستثمارات 28 بالمئة و17 بالمئة على الترتيب. وذلك نتيجة تضخم الجهاز الإداري بأعداد كبيرة من غير القائمين على العملية التعليمية‏[35].

الشكل الرقم (4)

التوزيع النسبي الفرعي (بنود) لميزانية التعليم في مصر لعدة سنوات للفترة من 2005 – 2006 إلى 2013 – 2014


المصدر: جمهورية مصر العربية، وزارة المالية، الحساب الختامي للموازنة العامة للدولة، سنوات متفرقة.

وانعكس هذا سلباً على الفقراء من خلال:

– التأثير السلبي في جودة العملية التعليمية، الذي ينعكس بدوره على ارتفاع معدلات التسرب من التعليم ومعدلات الأمية، والتي تزيد الوضع سوءاً بالنسبة إلى الطبقة الفقيرة‏[36].

– نتج كذلك من انخفاض الإنفاق العام بصفة عامة، والإنفاق على التعليم بصفةٍ خاصة ارتفاع كبير في تكاليف المعيشة، وارتفاع نفقة الفرصة البديلة للتعليم لدى الفقراء، نتج منه عزوف الفقراء عن العملية التعليمية، وارتفاع معدلات الأمية لتُسجل 26 بالمئة في 2014‏[37].

– ومن ناحية أخرى نتيجة لسياسات الدولة منذ بداية التسعينيّات، ومع التراجع في دور الدولة في النشاط الاقتصادي والتوقف عن تعيين الخريجين، وضعف نمو القطاع الخاص، ضعف الحافز لدى طبقة الفقراء لتعليم أبنائهم. حيثُ إنَّ التعليم بالنسبة إلى تلك الفئات ليس مسألة وجاهة اجتماعية واكتساب علم وثقافة، ولكنه بالدرجة الأولى وسيلة لفتح أبواب سوق العمل ولكسب الرزق. ولذلك انخفض الطلب على التعليم من الفئات الفقيرة نتيجة انتشار معدلات البطالة بين الخريجين‏[38].

ج – الإنفاق العام على الدعم

يعود نظام دعم الفقراء في مصر إلى عام 1941، على النقيض من التصوّر السائد الذي يربطه بثورة تموز/يوليو 1952، حيث ارتفعت أسعار السلع الغذائية بسبب الحرب العالمية الثانية. فاستوردت الحكومة كميات كبيرة من الدقيق والقمح من أستراليا، وقامت ببيعها في منافذ حكومية بأسعار مخفضة. ثمّ توسعت في البرنامج الذي شمل جميع المواطنين، ليشمل السكر والكيروسين والزيت والشاي باستخدام نظام البطاقة التموينية لتوزيع المواد على المستهلكين شهرياً، وبمقدار محدد للشخص الواحد في الأسرة. يستمرّ هذا الوضع في مصر حتّى وقتنا الحالي‏[39].

منذ أن بدأت مصر تطبيق برنامج ERSAP في بداية التسعينيّات، شهد نظام الدعم تغيرات ملحوظة. حيث نصّ البرنامج على ضرورة تخفيض الدعم بسبب تأثيره السلبي المباشر في ميزانية الدولة. وبرغم ذلك تُعبر بيانات الجدول الرقم (2) عن زيادة نسبة الإنفاق على الدعم من الإنفاق العام خلال الفترة محل اهتمام الدراسة، حيث سجلت في أوائل التسعينيّات حوالى 20 بالمئة مقارنة بـ 30 بالمئة تقريباً في نهاية الفترة (وقد يرجع ذلك إلى دعم المواد البترولية كما هو وارد في أكثر من موضع في الدراسة الحالية).

من أبرز بنود ذلك الدعم الغذاء والطاقة والإنتاج. ونتعرض في ما يلي لأهم تلك التغيرات وكيفية تأثيرها في الفقر والفقراء.

(1) دعم الغذاء: يعتبر دعم الغذاء من البنود الأساسية في مصر منذ الأربعينيات، حيث كان يمثل البند الأساسي في تلك الفترة، واستمر ذلك حتّى الثمانينيّات، واستحوذ على 14 بالمئة من النفقات بالموازنة العامة للدولة، ولكنه تقلص إلى 4 بالمئة فقط منذ بداية التسعينيّات وتطبيق مصر لبرنامج (ERSAP) وارتفع بعد ذلك قليـلاً ليسجل 6 بالمئة بحلول عام 2000، واشتمل على خمسة عناصر رئيسة هي: رغيف الخبز، الدقيق البلدي، القمح، السكر، زيت الطعام‏[40]. وبدايةً من 2005 – 2006 تمّت إضافة بنود أخرى للدعم مثل دعم المواد البترولية، والذي استحوذ على نسبة كبيرة من إجمالي الدعم تخطت 60 بالمئة في 2005 – 2006 تقريباً، في حين بلغ نصيب دعم الغذاء 18 بالمئة فقط من الإجمالي خلال الفترة من 2009 – 2010 إلى 2013 – 2014‏[41].

وفي آب/أغسطس 2014 بدأت مصر في تنفيذ إصلاحات جوهرية في منظومة دعم الغذاء بغرض تخفيف عبء المالية العامة الكبير والمتنامي على الميزانية العامة للدولة مع زيادة فاعلية المنظومة. ويمكن تقسيم الإصلاح الأخير في منظومة دعم الغذاء إلى خمسة عناصر – حيث يشير أول عنصرين إلى التغييرات في برنامج الخبز البلدي والعناصر الثلاثة الأخيرة إلى تغييرات في برنامج البطاقات التموينية‏[42].

(2) التغيرات في برنامج الخبز البلدي: في آب/أغسطس 2014، أعلنت وزارة التموين والتجارة الداخلية عن تعديلات في اللوائح المنظمة لإنتاج الخبز البلدي، بهدف الحدّ من التسرب في الدعم المخصص له. حيث تمّ إلغاء حصص المخابز في الدقيق البلدي، وتقوم تلك المخابز بشرائه بأسعار السوق. في حين تقوم الحكومة بتغطية تكاليف الإنتاج كافةً للخبز من طريق ودائع نقدية مباشرة في الحسابات المصرفية للمخابز يومياً. كما تمّ قصر شراء ذلك الخبز على أصحاب بطاقات التموين، ويحقّ لكلّ عضو مسجل في تلك البطاقة الحصول على 150 رغيفاً شهرياً. ويمكن صرف سلع أخرى مدعومة ببرنامج بطاقات التموين دون حدّ أقصى وخلال العشرة أيام الأولى من الشهر التالي عوضاً من حصص الخبز البلدي غير المستخدمة. ويُمثل هذا التغيير خطوة في اتجاه دمج برنامجي الخبز البلدي وبطاقات التموين المنفصلين عادة والسماح للمستفيدين باختيار السلع التي تتوافق بشكل أفضل مع حاجاتهم‏[43].

(3) التغييرات في برنامج البطاقات التموينية: أعلنت وزارة التموين والتجارة الداخلية في أيلول/سبتمبر 2014 أنه مع نهاية عام 2014 ستكتمل عملية التحوّل من بطاقات التموين الورقية إلى البطاقات التموينية الذكية. وبالفعل ابتداءً من كانون الثاني/يناير 2015 تمّ استخدام البطاقات التموينية الذكية ذاتها في شراء السلع المدعومة، بموجب برنامج بطاقات التموين وشراء الخبز البلدي، حيث بلغ عدد المستفيدين من هذا البرنامج حوالى 66.4 مليون مستفيداً (82 بالمئة تقريباً من إجمالي السكان)‏[44].

وبرغم الانتقادات الموجهة نحو منظومة الدعم في مصر، والتي حاولت الحكومات المتتابعة التقليل منها، إلا أنه قلل من زيادة نسبة الفقر في مصر بشكل كبير، والتي من المتوقع لها تخطي نسبة 35 بالمئة في حالة إلغاء دعم الغذاء‏[45]. كما أنه يساعد على توفير الحدّ الأدنى من الحاجات الغذائية للمواطنين لحمايتهم من سوء التغذية، وتحقيق الاستقرار السياسي بالرغم من اتسامه بانخفاض الكفاءة الاقتصادية‏[46].

(4) دعم الطاقة: يستحوذ دعم الطاقة في مصر وحده على أكثر من 70 بالمئة من إجمالي الدعم (كما سبق ذكره)، وزادت قيمته من 42 مليار جنيه في موازنة 2005 – 2006 إلى 120 مليار جنيه و134 مليار جنيه في 2012 – 2013 و2013 – 2014 على الترتيب. ويستحوذ الديزل والبوتان وحدهما على أكثر من 60 بالمئة من هذا الدعم، ونسبة كبيرة من دعم الديزل توجه للمواصلات والسياحة والزراعة، في حين أن نسبة كبيرة من الغاز الطبيعي تُخصص للطاقة والصناعات كثيفة الطاقة‏[47].

وتُعبر بيانات الجدول الرقم (3) عن التوزيع القطاعي لدعم الطاقة وأن نسبة كبيرة من هذا الدعم يتم توجيهها لقطاعات إنتاجية وليس لقطاع العائلات‏[48]. بما يُسهم بشكل أو بآخر في تدهور أوضاع الفقراء، حيث لا يصب دعم الطاقة في مصلحتهم، ويحتاج إلى تعديلات بدأت الحكومة بالفعل في تنفيذها في تموز/يوليو 2014. حيثُ إنَّها خفضت دعم الطاقة بنسبة 30 بالمئة، بما يعادل 2 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي، مع التوجه نحو تخفيض تدريجي لدعم الطاقة من خلال تعديل الأسعار، ليصل إلى 0,5 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي فقط بحلول 2019، مقارنةً بـ 6,9 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2013‏[49].

الجدول الرقم (3)

التوزيع القطاعي لدعم الطاقة في مصر (2006 – 2007)

القطاعالنقلالصناعةالكهرباءالعائلي
توزيع دعم المنتجات البترولية27.120.710.713.3
توزيع دعم الغاز الطبيعي12958.21.8

المصدر: مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، «خريطة دعم استهلاك البترول في العالم: أين تقع مصر؟،» (تقرير رقم 19، 2008).

 

(5) دعم الإنتاج: وبجانب دعم النفط والغذاء يمثل دعم الإنتاج بنداً مهماً من بنود الدعم، والتي بلغت قيمتها أكثر من 7 مليارات جنيه في 2013 – 2014. ويهدف دعمَ عملية الإنتاج بدلاً من توجيهه إلى التخفيف من حدة الضغوط التضخمية التي تواجه المستهلك، أو توفير الخدمات الصحية والتعليمية له بشكل أفضل.

ويتم توجيه الجزء الأكبر من دعم الإنتاج لصندوق دعم الصادرات وفقاً للقانون رقم 155 لسنة 2002، والذي بلغت قيمته في 2008 – 2009 حوالى 4.4 مليار جنيه مقارنةً بـ 1.9 مليار جنيه في 2005 – 2006. إلا إنّه انخفض في 2012 – 2013 ليبلغ 3.1 مليار جنيه.

ومن الجدير بالملاحظة وجود بند تحت مسمّى بنود دعم أخرى تبلغ قيمته من إجمالي الدعم 4.9 مليار جنيه في 2011 – 2012، وارتفعت إلى 13.6 مليار جنيه في 2013 – 2014‏[50].

لذلك فإن الدعم الحكومي يحتاج إلى تعديلات وإصلاحات عديدة، حتّى يصب في مصلحة الفقراء.

د – قانون العمل الرقم 12 لسنة 2003 وتعديلاته في القانون 180 لسنة 2008

من خلال قراءة متأنية لبعض بنود قانون العمل الرقم 12 لعام 2003 وتعديلاته في القانون الرقم 180 لسنة 2008، يتضح أن طبقة العمال في مصر فقدت كثيراً من حقوقها بسبب صدور هذا القانون، الأمر الذي انعكس سلباً على أوضاع طبقة الفقراء، ويتضح ذلك في ما يلي:

– تضمن القانون ولأول مرة نوعين من عقود العمل الدائمة والمؤقتة، حيث سمح لصاحب العمل تحديد مدّة عقود العمل، وتنصّ المادة الرقم 104 على أن عقد العمل محدد المدّة ينتهي بانقضاء مدته حتّى وإن وصلت إلى 5 سنوات. كما تنصّ المادتان ذاتا الرقمين 105 و106 على أن صاحب العمل يمكن أن يقوم بتجديد عقد العمل المؤقت من دون أن يتم تحويله إلى عقد دائم. كما لصاحب العمل أيضاً الحقّ في إنهاء عقد العمل في حالة حدوث أي تغيرات في ظروف العمل توجب ذلك، مثل التعرّض لمشكلات الإنتاج والتعثر‏[51].

وبذلك نجد أنه تمّ استحداث مفهوم العقد محدد المدّة في بلد يتسم بقلة فرص التوظيف وارتفاع معدلات البطالة، ويعني هذا إمكان إعفاء العامل بالفصل في الأحوال التي بينها القانون، وهي كثيرة ومتنوعة وترتبط برغبة صاحب العمل في إغلاق المشروع في أي وقت يشاء، حيثُ إنَّ تلك المواد سالفة الذكر تعطيه هذا الحقّ وفق قواعد هزيلة تسلب حقّ العامل في الاستقرار الوظيفي. كما إنَّ الوزارات والهيئات الحكومية استخدمت هذا النوع من عقود العمل، وإلى حدّ ما أصبح هذا النصّ قيداً على جميع الداخلين إلى سوق العمل وهو الأساس الذي يتم بموجبه التوظيف. ووفقاً لذلك يمكن أن يظل العامل بقية حياته خاضعاً لسلطان هذا العقد، وذلك في حالة تجديد صاحب العمل هذا العقد كلّما انقضت فترته وبفاصل زمني بين كلّ عقدين حتّى لا يعطي صفة الاستمرار. كما يكون معرضاً للفصل في أي وقت، وفي تلك الحالة ينعكس ذلك مباشرة على ارتفاع معدلات البطالة، كما تزداد معدلات الفقر‏[52]. وبرغم صدور حكم القضاء الإداري في 31 كانون الثاني/يناير 2015 بإلزام الحكومة بتثبيت العمالة المؤقتة، إلا أنه لا يزال قيد التنفيذ، كما أنه قابـلٌ للطعن فيه ‏[53].

– كما استحدث القانون تشكيل مجلس أعلى للأجور للبحث في وضع حدّ أدنى للأجر على المستوى القومي بمراعاة نفقات المعيشة، وبإيجاد الوسائل والتدابير التي تكفل تحقيق التوازن بين الأجور والأسعار، كما يختص المجلس بتحديد العلاوات السنوية الدورية‏[54]. وبرغم صدور حكم محكمة القضاء الإداري المنعقدة علناً في 30 آذار/مارس 2010 بتحديد مبلغ 700 جنيه كحد أدنى للأجر إلا أنه لم يتم تنفيذه، كما اعترضت كثير من الجهات النقابية على المبلغ، باعتباره لا يكفل توفير حياة كريمة للعامل. وتلا ذلك أحداث عديدة انتهت بإعلان الحكومة تطبيق الحدّ الأدنى للأجر بمبلغ 1200 جنيه، وتفعيل القرار في كانون الثاني/يناير 2015 على العاملين في الحكومة والقطاع العام‏[55]. وما زال عمال القطاع الخاص يطالبون بتطبيق حدّ أدنى للأجر أسوةً بعمال القطاع العام الذين لا تتعدى نسبتهم 30 بالمئة من إجمالي القوى العاملة‏[56]. ويعني هذا وجود قطاع عريض من العمالة في القطاع الخاص والقطاع غير الرسمي (والذي يستوعب أكثر من 5 ملايين عامل)‏[57]، تعمل عند مستوى أجر منخفض وظروف عمالة غير لائقة، يمكن أن تؤثر سلباً في ظروف معيشتهم وتدهور معدلات الفقر في مصر.

ويمكننا القول إن الحكومات المتعاقبة لم تضع القضاء على الفقر هدفاً رئيساً، ويفسر هذا الزيادة المستمرة في الفقر وليست فقط زيادة التفاوتات. ويشير ذلك أيضاً إلى فشل فكرة تساقط المنافع.

خاتمة

يعاني الاقتصاد المصري مشكلات عديدة، ومن أبرزها الارتفاع المستمر في معدلات الفقر التي بلغت 26.3 بالمئة. وهدفت الحكومات المتعاقبة خلال الفترة منذ أوائل التسعينيّات وحتّى 2014 إلى تحقيق معدلات نمو اقتصادي مرتفعة، باعتبار أن تلك المعدلات المرتفعة ستؤدي بشكل تلقائي إلى رفع مستوى المعيشة وتخفيض معدلات الفقر، إلا أن ذلك لم يحدث. ويرجع ذلك إلى أن السياسات الحكومية ركزت بشكل مباشر على تحقيق معدلات مرتفعة للنمو من دون الاهتمام بالآثار التوزيعية لذلك النمو على الفقراء، ومن دون اعتبار تخفيف حدة الفقر هدفاً استراتيجياً لهذه السياسات، وبذلك يمكن اعتبارها – في ما عدا دعم الغذاء – ساهمت بشكل واضح في تردي أحوال الفقراء في مصر. ويمكن إيجاز أهم تلك السياسات وانعكاساتها على تلك المشكلة في الجدول الرقم (4):

الجدول الرقم (4)

السياسة الاقتصادية وانعكاساتها على مشكلة الفقر

السياسة الاقتصاديةانعكاساتها على مشكلة الفقر
برنامج الخصخصةزيادة حدة الفقر من خلال تزايد معدلات البطالة وتزايد حجم القطاع غير الرسمي، نتيجة لتسريح العاملين بالمؤسسات التي تمّت خصخصتها، وانضمام عدد كبير منها إلى القطاع غير الرسمي الذي يتسم بتردّي ظروف العمل به. والذي أصبح الملجأ كذلك للداخلين الجدد إلى سوق العمل من الشباب.
الإنفاق العام الاجتماعي– الصحة– زيادة معدلات الفقر نتيجة انخفاض نسبة الإنفاق العام على الصحة، وانخفاض مستوى كفاءة الخدمة الصحية التي يحصل عليها الفقراء من المؤسسات الصحية المملوكة للدولة.
– التعليم– التأثير السلبي في جودة العملية التعليمية نتيجة انخفاض نسبة الإنفاق العام على التعليم، الذي ينعكس بدوره على ارتفاع معدلات التسرب من التعليم ومعدلات الأمية، التي تؤدي بدورها إلى زيادة الوضع سوءاً بالنسبة إلى الطبقة الفقيرة بسبب ارتفاع نفقة الفرصة البديلة للتعليم لها.
– الدعم– دعم الغذاء: قلل من زيادة نسبة الفقر في مصر بشكل كبير، والتي من المتوقع لها تخطّي نسبة 35 بالمئة في حالة إلغائه. كما أنه يساعد على توفير الحدّ الأدنى من الحاجات الغذائية للمواطنين لحمايتهم من سوء التغذية، وتحقيق الاستقرار السياسي بالرغم من اتسامة بانخفاض الكفاءة الاقتصادية.

– دعم الطاقة: نسبة كبيرة منه يتم توجيهها لقطاعات إنتاجية وليس لقطاع العائلات ويساهم هذا بشكل أو بآخر في تدهور أوضاع الفقراء، حيث لا يصب في مصلحتهم، ويحتاج إلى تعديلات.

– دعم الإنتاج: لا يصب في التخفيف من حدة مشكلة الفقر حيث يوجه لدعم عملية الإنتاج بدلاً من توجيهه للتخفيف من حدة الضغوط التضخمية التي تواجه المستهلك، أو توفير الخدمات الصحية والتعليمية له بشكل أفضل.

قانون العمل الرقم 12 لسنة 2003 وتعديلاته في القانون 180 لسنة 2008نتج منه تردي أوضاع الفقراء ووجود التفاوت حيث تضمن عقود العمل الدائمة والمؤقتة، وسمح لصاحب العمل تحديد مدّة العقود أو إنهاؤها في حال مواجهة أي مشكلات أو تعثر في الإنتاج. ووفقاً للقانون تمّ تشكيل مجلس أعلى للأجور للبحث في وضع حدّ أدنى للأجر على المستوى القومي بمراعاة نفقات المعيشة، وتم تفعيل القرار في كانون الثاني/يناير 2015 على العاملين في الحكومة والقطاع العام فقط. في حين ظلت العمالة في القطاع الخاص والقطاع غير الرسمي تعمل عند مستوى أجر منخفض وتتعرض لظروف عمالة غير لائقة، يمكن أن تؤثر سلباً في ظروف معيشتهم وتدهور معدلات الفقر.

 

وخرجت الدراسة ببعض المقترحات للتخفيف من حدة مشكلة الفقر في مصر ومنها:

– إصلاح الدعم الحكومي ويمكن أن يتم من خلال دعم المنتج النهائي بدلاً من دعم المدخلات الوسيطة (والذي بدأت الحكومة بالفعل في تطبيقه)، ومراجعة الدعم على الإنتاج وبخاصة الذي يتم توفيره من خلال صناديق غير خاضعة للضرائب، وترشيد الدعم الموجه الطاقة.

– العمل على تطوير برامج الحماية الاجتماعية للتعامل مع الآثار السلبية التي قد تتعرض لها الفئات الفقيرة وغير القادرة. وإعادة ضخّ الوفر المالي المتحقق من إجراءات ترشيد الدعم في تلك البرامج، بالإضافة إلى الاستفادة من الخبرات الدولية في مجال إنشاء ودعم شبكات الحماية الاجتماعية.

– توفير الحاجات الأساسية للمواطن الفقير من خلال وضع مجموعة من أدوات التوزيع مثل الإعانات المتحركة، واتخاذ الإجراءات الصارمة للحدّ من احتكار المواد الغذائية والسلع الأساسية.

– اتجاه الحكومة إلى العمل على تحقيق النمو العادل من خلال القضاء على التشوهات السوقية والقوى الاحتكارية، تعديل قانون (حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية) الرقم 3 لعام 2005، وتحسين القدرة التنافسية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة كمحرك أساسي للنمو الكثيف العمالة، لتحقق توزيعاً عادلاً للنمو المحقق؛ إصلاح قوانين العمل لحماية حقوق العمال؛ إصلاح المؤسسات الحكومية وتحقيق اللامركزية في اتخاذ القرار.

– العمل على إصلاح نظام الأجور والتعويضات من خلال وضع حد أدنى للأجر يكون كافياً لتحقيق حياة كريمة للعامل؛ وضع حدّ أقصى للدخول الشاملة (الأجر الأساسي مضافاً إليه كلّ البدلات والعمولات والحوافز والأرباح والمكافآت) لكلّ العاملين والموظفين في القطاع العام والجهاز الحكومي؛ إنهاء الأبواب الخلفية التي تتضخم عبرها بعض الدخول مثل الصناديق الخاصة.