يستمر مركز دراسات الوحدة العربية منذ عام 2003، بالاتفاق مع معهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي – سيبري، وبدعم من المعهد السويدي بالإسكندرية للعام الثاني على التوالي، في إصدار الطبعة العربية من كتاب سيبري السنوي حول التسلُّح ونزح السلاح والأمن الدولي. وهو كتاب مرجعي يغطي كعادته أبرز التطورات على الساحة العالمية في ما يخص قضايا التسلُّح والنزاعات المسلحة وعوامل التوتر وفقدان الأمن، فضـلاً عن عمليات السلام واتفاقات الحد من التسلُّح في العالم. تكمن أهمية إصدار هذا الكتاب السنوي، في ما يحتويه من معلومات ورصد للوقائع والتحولات، والصراعات العسكرية والأمنية والاستراتيجية، ومن عرض لتطور حركة التسلُّح وتجارة السلاح أو الحد من التسلُّح، وتطور التقانات العسكرية والأمنية والمخاطر التي تواجه العالم على هذا الصعيد… فيقدم الكتاب بذلك مادة مرجعية تهم كل العاملين والمهتمين بالشؤون العسكرية والأمنية وشؤون التسلُّح والنزاعات، من باحثين وخبراء ودبلوماسيين وقادة وصناع قرار.
يغطي الكتاب، من جملة ما يغطيه من تطورات عالمية وإقليمية على هذه الصعد، تطورات التسلُّح والنزاعات المسلَّحة في منطقة «الشرق الأوسط وشمال أفريقيا»، أي المنطقة العربية وجوارها، نظراً إلى ما تحتله هذه المنطقة من مكانة محورية على صعيد التسلُّح والإنفاق العسكري والحروب والنزاعات المسلحة والإرهاب، وهشاشة الأمن، وانكشاف الدول والمجتمعات فيها على التدخل الخارجي الإقليمي والدولي، وعلى التغيرات البيئية والمناخية وما تتركه من آثار في الأمن المائي والغذائي وبالتالي في مستوى التنمية في أماكن مختلفة من هذه المنطقة. وهي كلها ملفات عرف عام 2017 تطورات فيها ولو باتجاهات مختلفة؛ ففي الوقت الذي حققت الحرب على الإرهاب، وبخاصة في سورية والعراق، إنجازات جذرية في طريق القضاء على مشروع «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش)، وتم تحرير أراضٍ واسعة في كلا البلدين من قبضة داعش وغيرها من التنظيمات الإرهابية، وهو ما خفّف من منسوب الأعمال الحربية والتهديد الأمني والعنف في كلا البلدين، شهدت ملفات أخرى مزيداً من التصعيد الأمني والعسكري، وبخاصة الحرب في اليمن والاشتباكات المسلحة في ليبيا، والاستمرار في عقد صفقات تسلح ضخمة من جانب بعض دول المنطقة، فضـلاً عن استمرار حدة التوتر والاستقطاب بين السعودية وإيران أو استمرار الأزمة بين قطر والسعودية، ومن معها من دول خليجية وعربية أخرى. تترافق هذه التوترات مع ارتفاع حجم الإنفاق العسكري في بعض دول المنطقة، وبخاصة السعودية، التي تحولت إلى ثاني أكبر مستورد للأسلحة في العالم خلال المرحلة 2013 – 2017، محتلةً المرتبة الثالثة من ناحية الإنفاق العسكري الأعلى في العالم بعد الولايات المتحدة والصين.
تساعد المتابعة الدورية لكتب سيبري السنوية، على رصد الاتجاهات التي تتخذها حركة التسلُّح والإنفاق على الأسلحة في المنطقة وعلاقتهما بتطور مستوى التوتر والنزاعات فيها. ونحن إذ نقف على مشارف نهاية عام 2018، نلحظ كيف أكملت مؤشرات التسلُّح والنزاعات في عام 2017 التي رصدها هذا الكتاب، اتجاهها في الفصول الثلاثة الأولى من عام 2018، سواء على مستوى تطور الأحداث في سورية والعراق التي أخذت ظاهرة داعش وأخواتها فيها منحى تراجعياً استكمل المنحى الذي اتخذته الأحداث عام 2017، أم على مستوى حرب اليمن التي شهدت مزيداً من التصعيد هذا العام، المترافق مع مزيد من الإنفاق العسكري لدى دول التحالف الذي تقوده السعودية، مقابل مزيد من الدمار والكوارث الاجتماعية والجوع والمرض والحرمان في اليمن، وبالتالي مزيد من الأصوات التي تخرج في الغرب داعية إلى الكف عن تزويد دول التحالف بالأسلحة التي تستخدمها في حرب اليمن. وهذا الاتجاه في المواقف التي تظهر في الغرب ضد تسليح دول التحالف مرشح للتصاعد في العام المقبل، مع وصول الحل العسكري في اليمن إلى طريق مسدود مقابل تصاعد وتعمق الأزمة الإنسانية الكارثية التي تحل بالمجتمع اليمني. لكن على الرغم من ذلك، أظهر تطوّر بعض المواقف الغربية تجاه صفقات التسلُّح في المنطقة، بسبب النتائج الكارثية لحرب اليمن، عجزَ الموقف الرسمي الغربي عن اتخاذ قرار لإيقاف تلك الصفقات حرصاً على المصالح الاقتصادية للدول الغربية، أو حتى للشركات الغربية المؤثرة في صنع القرار في تلك الدول، بغض النظر عن كل شعارات حقوق الإنسان والقيم الديمقراطية التي تدعي الدول الغربية أن سياستها الخارجية تقوم عليها. وهذا ما ينطبق أيضاً، ولو لأسباب مغايرة، على علاقة التسلّح بين الغرب و«إسرائيل»، على الرغم من استمرار «إسرائيل» في انتهاك القوانين الدولية وشِرع حقوق الإنسان في فلسطين والمنطقة.
النزاع الآخر الذي اتخذ منحى دراماتيكياً مغايراً في المنطقة منذ عام 2017 هو الصراع العربي – الإسرائيلي، الذي طالما مثل ّ الأزمة الأكبر والأقدم والأعمق في الشرق الأوسط منذ نحو سبعة عقود على الأقل – وهو سيظل يمثل الخلفية الحاكمة لكثير من النزاعات والتوترات والحروب وعمليات التسلُّح والإنفاق على السلاح في عدد من دول المنطقة – ، إذ يتعرض هذا الصراع لمحاولات إنهاء قسري تتخطى ما يسمى «قرارات الشرعية الدولية» وكل معايير حقوق الإنسان التي كان يمكن أن يحفظ حل الصراع وفقها ولو جزءاً من الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. فقد جاءت زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسعودية في أيار/مايو 2017 لتكشف عن بوادر صفقة تقدمها الإدارة الأمريكية للصراع العربي – الإسرائيلي، كشف عام 2018 عن بعض ملامحها التي عُبِّر عنها بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس اعترافاً بالقدس عاصمة لدولة «إسرائيل»، مقابل دفع الولايات المتحدة وتحريضها دول المنطقة على تصعيد مواقفها ضد إيران ودعوتها إلى تأسيس حلف ناتو عربي جديد لمواجهة إيران ودورها في المنطقة، وهو ما ينذر في السنوات المقبلة بأخذ المنطقة إلى دوامة جديدة متصاعدة من التوتر والنزاع والانقسام، تزيد من وتيرة التسلُّح والصراعات والحروب التي يصعب تقدير نتائجها من اليوم. وهذا سيناريو بدأت الولايات المتحدة بتطبيقه فعـلاً عبر انسحابها من الاتفاق النووي مع إيران.
كل ذلك يحدث في ظل تعمق حدة المواجهة بين الولايات المتحدة وروسيا، وإلى حد ما مع الصين، والانسحاب الأمريكي من معاهدة الأسلحة النووية المتوسطة المدى مع روسيا، المترافق مع تزايد الدعوات في الإدارة الأمريكية إلى ضرورة تحديث الترسانة العسكرية الأمريكية، بما فيه النووية، في مواجهة القفزة التحديثية التي يشهدها التصنيع العسكري الروسي، وهو ما ينذر بالتالي بدخول العالم في أجواء حرب باردة وسباق تسلح جديدين.
للحصول على الكتاب إليكم الرابط:
المصادر:
هذا النص هو مقدمة الطبعة العربية من كتاب التسلح ونزع السلاح والأمن الدولي: الكتاب السنوي 2018 الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية.
ودأب المركز منذ العام 2003 وبالتعاون مع معهد ستوكهولم لأبحاث السلام في إصدار النسخة العربية من الكتاب السنوي التسلح ونزع السلاح والأمن الدولي.
مركز دراسات الوحدة العربية
فكرة تأسيس مركز للدراسات من جانب نخبة واسعة من المثقفين العرب في سبعينيات القرن الماضي كمشروع فكري وبحثي متخصص في قضايا الوحدة العربية
بدعمكم نستمر
إدعم مركز دراسات الوحدة العربية
ينتظر المركز من أصدقائه وقرائه ومحبِّيه في هذه المرحلة الوقوف إلى جانبه من خلال طلب منشوراته وتسديد ثمنها بالعملة الصعبة نقداً، أو حتى تقديم بعض التبرعات النقدية لتعزيز قدرته على الصمود والاستمرار في مسيرته العلمية والبحثية المستقلة والموضوعية والملتزمة بقضايا الأرض والإنسان في مختلف أرجاء الوطن العربي.