يُعد تحليل السياسات الخارجية للدول الكبرى والقِوى العظمى، من أبرز الموضوعات التي لقيت اهتماماً واسعاً بالدراسة والبحث من جانب خبراء العلاقات الدولية، منذ ظهور «علم العلاقات الدولية» كحقل معرفي قائم بذاته أواخر عشرينيات القرن الماضي، بتأسيس «دائرة الدراسات الدولية» في جامعة «آبريستويث» (Aberystwyth) ببريطانيا سنة 1919؛ نظراً إلى عِظم تأثيرها في تحديد طبيعة التفاعلات القائمة على مستوى المسرح السياسي – الأمني والاقتصادي الدولي من جهة، والطبيعة المتفردة لعمليات صنع القرار فيها وتنوع الفواعل الرسمية وغير الرسمية المشاركة في تحديد توجهاتها من جهة أخرى. وتعد السياسة الخارجية لكلٍّ من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي والصين الشعبية، أبرز النماذج التي خُصت بهذا الاهتمام في مرحلة الحرب الباردة.

غير أن نهاية الصراع الأيديولوجي «الدوغمائي» بين المعسكرين؛ الغربي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية والشرقي بزعامة الاتحاد السوفياتي بانهيار «جدار برلين» في 9/11/1989، حَصر هذا الاهتمام في السياسة الخارجية الأمريكية – بوصفها الطرف المنتصر في الصراع -، من خلال تركيز التحليل على ثنائية الأهداف والأدوات (الوسائل)، والعلاقة القائمة بينهما، إذ يجد المستقري لواقع السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية في هذه الفترة، بغض النظر عن اختلاف التوجهات الفكرية والانتماءات الحزبية للإدارات المتوالية على سدة الحكم في البيت الأبيض؛ أن أدوات (وسائل) تنفيذها لا تنفك أن تتحدد وفق اعتبارين اثنين، هما: مدى أهمية، وأولوية أهداف السياسة الخارجية المحددة بالنسبة إلى الأمن الوطني الأمريكي. ودرجة تأثير القضايا الداخلية والخارجية في التوجهات الفكرية للإدارة الحاكمة، وتقديرها لأيٍّ من الأدوات المتاحة لديها، هي الكفيلة بتحقيق هذه الأهداف. ما يتجلى بوضوح في فترتي حكم كلٍّ من بيل كلينتون وجورج بوش الابن.

تأكيداً لمنطق سيادة قيم وأيديولوجية المنتصر في فترة ما بعد الحرب، عمدت إدارة الرئيس كلينتون منذ استلامها مقاليد السلطة عام 1992 – بعد إدارة الرئيس جورج بوش الأب -، إلى نشر المبادئ والقيم السياسية والاقتصادية الغربية الليبرالية – الأمريكية بالأساس – في العالم. خاصة في المناطق التي كانت تُعد معقـلاً للشيوعية إبان الحرب الباردة (كأوروبا الشرقية، الشرق الأوسط، وأمريكا اللاتينية)، كواقع عملي لضمان تحقيق أمنها الوطني المرتبط بالأمن العالمي؛ من منطلق الأطروحة الليبرالية التي تقضي: أن الليبراليات (الدول الليبرالية) لا يحارب بعضها الآخر؛ والمستمدة من أفكار الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط في كتابه: مشروع للسلام الدائم التي ضمنها عن اجتهادات فيلسوف عصر النهضة الإيطالي دانتي أليغيري القائل: «إن السلام بين الدول، لا يتحقق إلا من خلال نشر الديمقراطية القائمة على مبدأ الاحترام المتبادل لأفكار واعتقادات وتصورات الأفراد بعضهم تجاه الآخر».

كان الاعتماد على أساليب «القوة الناعمة» بمختلف أشكالها (الدبلوماسية، والدعائية…)، الأرضية التي انطلقت منها إدارة الرئيس كلينتون لتجسيد هذه الأهداف على أرض الواقع؛ وإن تخللها في بعض الأحيان توظيف «القوة العسكرية» (التدخل العسكري في الصومال سنة 1992، والتدخل الديمقراطي في هايتي عام 1994، وقيادة الحملة الجوية الدولية على كوسوفو في آذار/مارس 1999)، كخيار مفروض لتعزيز الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان وفق المنظور الأمريكي. فمنطق عولمة مبادئ وقيم الديمقراطية الليبرالية – الأمريكية القائمة على محورية حقوق الإنسان والحرية الفردية؛ فرض على إدارة الرئيس بيل كلينتون إيلاء الأهمية لأساليب «القوة اللينة/الناعمة» على أساليب «القوة الصلبة»، رغم حجم القوة العسكرية التي تمتعت بها الولايات المتحدة الأمريكية في هذه الفترة مقارنة بالدول الكبرى الأخرى؛ كروسيا الاتحادية والصين الشعبية، والقوة الإقليمية الأوروبية المتمثلة بالاتحاد الأوروبي.

إلا أن «القوة الصلبة» بمختلف أشكالها (العسكرية، والاقتصادية… إلخ)، وجدت لها سبيـلاً للتطبيق العملي في السياسة الخارجية الأمريكية مع وصول جورج بوش الابن إلى الحكم عام 2000، مدعماً بإدارة ينتمي أغلب أعضائها إلى «تيار المحافظين الجدد» الذي تبدو عليه سِماءُ التدخلية، وتغلب عليه نزعة تكريس سياسة القبضة الحديدية واستخدام التفوق العسكري لحماية المصالح العليا للولايات المتحدة، التي تتمشى ونشر قيمها الحضارية – الاجتماعية، وتُحققها. وقد تعززت هذه النظرة مع أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001 وما تركته من تصور سلبي لدى صنّاع القرار الأمريكي عن الخسائر وحجم الدمار الذي يمكن أن يُخلفه الإرهاب الدولي «كمهدد جديد لامتماثل» (As a new asymmetric threat) على الأمن الوطني الأمريكي. فأحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001، تركت لدى الإدارة الجمهورية الحاكمة انطباعاً مضمونه أن السبيل الأمثل والكفيل بتحقيق أهداف الولايات المتحدة في الخارج، والمرتبطة أساساً بأمنها الوطني، كنشر قيم ومبادئ النموذج الحضاري الغربي الأمريكي في العالم، وتأمين إمدادات النفط الذي يعتبر مورداً مهماً في تحريك عجلة الاقتصاد الأمريكي والسيطرة على مصادره؛ لا يتأتى إلا من خلال توظيف «القوة الصلبة» في شكلها العسكري، على المستوى الدولي.

كما أن انتشار ظاهرة الإرهاب الدولي وما يشكله من تهديد للأمن الوطني الأمريكي، فرض على صنّاع القرار بالولايات المتحدة الأمريكية مراجعة عقيدتها العسكرية في مستوييها الدفاعي والهجومي، وهذا مقتضاه أن التحول في طبيعة التهديد يفرض تغيير أسلوب المواجهة؛ بإقرار الانتقال من «استراتيجية الردع» – التي ميزت سياسة الولايات المتحدة الأمريكية الخارجية إبان الحرب الباردة – إلى «استراتيجية الاستباق» (Preemption Strategy) لمواجهة المخاطر المتولدة أو التي يمكن أن تتولد عن انتشار ظاهرة الإرهاب الدولي من جهة؛ والانتقال من «احتواء» إلى «تغيير الأنظمة» من جهة أخرى. الأمر الذي فسح المجال لإعادة تأسيس علاقات الولايات المتحدة الأمريكية مع دول العالم وفق معيار «مع أو ضد» الولايات المتحدة الأمريكية في حربها العالمية على الإرهاب الدولي.

بيد أن وصول باراك حسين أوباما إلى الحكم مُمَثـلاً للديمقراطيين سنة 2008؛ أثار العديد من النقاشات والجدال حول أهداف واستراتيجية السياسة الخارجية الأمريكية لفترة ما بعد فترة بوش الابن؛ وبخاصة بعدما طبع التغيير خطابه السياسي طوال حملته الانتخابية. وقد بدأت حدة هذه النقاشات والجدال تخفُت مع اتضاح معالم استراتيجية إدارة الرئيس أوباما في عامها الأول؛ ففي جلسة التنصيب التي عُقدت في 13 كانون الثاني/يناير 2009 أمام «لجنة الشؤون الخارجية» التابعة لمجلس الشيوخ بالكونغرس الأمريكي، أكدت كاتبة الدولة للشؤون الخارجية هيلاري رودام كلينتون «أن سياسة الولايات المتحدة الأمريكية الخارجية في فترة حكم الرئيس أوباما ستكون «قوة ذكية»: حيث «سنعمل» على الجمع بين أدوات «القوة الصلبة» و«الناعمة» على نحو يمكننا من التعاطي مع مختلف القضايا المطروحة على الساحة الدولية [والتي لها ارتباط مباشر بالأمن الوطني الأمريكي]، بالأداة المناسبة لتفادي أسوأ النتائج». وهذا ما أكده الرئيس باراك أوباما نفسه، في عدة مناسباتٍ.

استمر العمل بمضمون هذه الاستراتيجية، بعد سنة من تولي ترامب الحكم، في أجزاء كثيرة منها؛ فالولايات المتحدة الأمريكية ما زالت تُصنف الإرهاب الدولي والصعود الصيني والروسي المتسارع الوتيرة، وانتشار أسلحة الدمار الشامل، ضمن المُهددات الأمنية المركزية التي تمس بأمنها واستقرارها الداخلي؛ لذلك، صُنفت كأولويات سياستها الخارجية لفترة 2018/2020. وقد أكدت «استراتيجية الأمن القومي الأمريكي» التي طرحتها الإدارة الجديدة في كانون الأول/ديسمبر 2017، أن سُبل مواجهة تلك المهددات لن يكون إلا من خلال التعامل الذَّكي مع كل حالة على حدة، وتوظيف الأدوات التي تتناسب وطبيعة كل تهديد.

أولاً: مفهوم القوة الذكية في العلاقات الدولية المعاصرة: مقاربة إيتيمو – نظرية

يُعد مصطلح «القوة الذكية»، من أحدث المصطلحات التي أُدخلت قاموس «العلاقات الدولية المعاصرة» خلال السنوات القليلة الماضية، بعد مصطلح «القوة الناعمة». ويرجع هذا المصطلح في أصله، إلى الإسهامات النظرية التي قدمها المنظر الأمريكي جوزيف ناي الابن في مراجعاته لمفهوم «القوة» في العلاقات الدولية من منظور ليبرالي، عبر كتابه الموسوم بعنوان: القوة الناعمة: وسائل النجاح في السياسة الدولية عام 2004، وفي كتابه الآخر الذي يحمل عنوان: مستقبل القوة عام 2011، ثم الأعمال البحثية الأخرى التي جاءت فيما بعد للتأصيل للمصطلح؛ نحو تلك التي طرحها تيد غيلن كاربنتر وزبيغنيو بريجينسكي، ومفكرون آخرون.

يرى ناي أن أكثر الاستراتيجيات فعالية لممارسة التأثير في سلوك الدول في عالم اليوم، تتطلب الدمج بين مختلف أساليب القوة الصلبة والقوة الناعمة على حدٍ سواء؛ فاعتماد الولايات المتحدة على قوتها الناعمة للتأثير في سلوك الدول الأخرى على النحو الذي يكفل لها تحقيق مصالحها في البيئة الدولية، بدلاً من أساليب «القوة الصلبة» (في شكليها: العسكري والاقتصادي) أمر مهم، لكنها لا تكف لوحدها في ظل وجود مهددات أمنية صلبة – يصعب التعامل معها عن طريق القوة الصلبة – تمس بشكل مباشر أمنها الوطني، وهذا ما يفرض عليها بالضرورة العمل على دمج أساليب «القوة الناعمة» و«الصلبة» معاً في «استراتيجية واحدة» تكون أكثر فعاليةً في التعاطي مع جميع الحالات والقضايا القائمة في الواقع أو المتوقعة مستقبـلاً، بذكاء، إذ يقول: «[إن] القوة الذكية تعني أن نتعلم بشكل أفضل كيف نجمع/ندمج بين قوتنا الصلبة والناعمة [في مواجهة التهديدات الدولية القائمة والأخطار المتوقعة أو المحتملة]»‏[1].

فالقوة الناعمة أداةٌ فعالة لتحقيق مصالح الدول في عصر المعلوماتية بدلاً من القوة الصَّلبة، إلا أن هذا لا يعني استغناء الدول الكلي عن توظيف القوة الصلبة، فالحروب كما يقول ناي: ستستمر، واللجوء إلى القوة الصلبة ضرورة حتمية تفرضها الأوضاع الدولية القائمة في جميع الأوقات. عليه؛ فإن «القوة الذكية» كمصطلح جديد في العلاقات الدولية المعاصرة والفكر الاستراتيجي الأمريكي المعاصر؛ تعني إمكانية الجمع/الدمج المزدوج بين مختلف أساليب «القوة الصلبة» من جهة و«الناعمة» من جهة أخرى، في «استراتيجية مربحة» – على حد تعبير ناي، تكفل للدول الأسلوب الأمثل في التعامل مع مختلف القضايا الدولية التي باتت تواجهها، والتي يصعب عليها التعامل معها ﺒ: «القوة العسكرية» أو «الناعمة» فقط لطبيعتها الفريدة‏[2]؛ فهي تتضمن الاعتماد على التخطيط الاستراتيجي للسياسة الخارجية، القائم على الفهم الدقيق للواقع الدولي وطبيعة تفاعلاته، وتحديد الأهداف ثم ترتيب الأولويات، وحسن اختيار الأدوات المناسبة للتعامل مع كل قضية من القضايا الدولية القائمة، واتجاهات ارتباطها بأهداف وأولويات السياسة الخارجية للدولة. إذ يقول: «قصة قوة ذكية للقرن الحادي والعشرين هي ليست عن تعظيم القوة أو الحفاظ على الهيمنة. إنها حول إيجاد الطرق لخلط الموارد باستراتيجيات ناجحة في سياق جديد لانتشار القوة وصعود البقية»[3].

عرف المصطلح رواجاً كبيراً بين الأوساط الأكاديمية ومراكز الأبحاث والدراسات الغربية، على رأسها تلك الموجودة بالولايات المتحدة الأمريكية، بعد المقال الذي نشرته نائبة سفير الولايات المتحدة الأمريكية بهيئة الأمم المتحدة أثناء ولاية الرئيس السابق كلينتون الأولى، سوزان نوسل في الفصلية الأمريكية فورين أفيرز أن: «القوة الذكية: استعادة الأممية الليبرالية» (عام 2004). وقد كان المقال في فحواه، نظرة تحليلية نقدية للسياسة الخارجية الأمريكية في ظل حكم إدارة الرئيس بوش الابن، لتفريطها في استعمال «القوة الصلبة» في حربها على الإرهاب الدولي، ما من شأنه – في نظر «نوسل» – أن يدفع إلى نسف مشروع «الأممية الليبرالية» الذي أسسه الرئيس كلينتون، والذي هدف من خلاله إلى تأسيس نظام عالمي ديمقراطي جديد، عبر نشر مبادئ وقيم الديمقراطية الغربية بالطرائق الدبلوماسية، وتفعيل دور القيادة الأمريكية على العالم عبر آلية الشراكة لا الهيمنة، والتفرد بالقرارات الدولية‏[4]. إضافةً إلى الكتاب الرائد الذي نشره مدير معهد كيتو للدراسات الأمنية والسياسة الخارجية بالولايات المتحدة سابقاً، تاد غيلن كاربنتر عام 2008، الذي حمل عنوان: القوة الذكية: نحو سياسة خارجية أكثر حكمةً لأمريكا‏[5] ومن بعده كتاب جوزيف ناي الابن بعنوان: مستقبل القوة عام 2011.

ثانياً: إسهامات مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية
في تدويل استعمال المصطلح

يُعد «مشروع القوة الذكية» الذي الذي أشرف عليه مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) بدعم من مؤسسة ستار (STER) سنة 2008 بقيادة كل من جوزيف ناي الابن وريتشارد أرميتاج – مساعد وزير الخارجية الأمريكي سنة 2001، ورئيس «مركز أرميتاج الدولي»، والمعني بتنمية التجارة الدولية والتخطيط الاستراتيجي وحل المشكلات – أبرز الإسهامات التي ساعدت على بلورة مفهوم «القوة الذكية» بمدلوله الحالي. فقد نظم المركز‏[6] عِدة حلقات نقاش ضمت أعضاء من إدارة المحافظين الجُدد، وأعضاء من الجيش، من جمهوريين وديمقراطيين في الكونغرس الأمريكي، وسفراء سابقين، وضباطاً عسكريين متقاعدين، أكاديميين، إضافةً إلى أفراد من القطاع الخاص؛ لمناقشة تراجع النفوذ الدولي للولايات المتحدة الأمريكية، في ظل الإعتماد المفرط على القوة العسكرية، والعمل على طرح البدائل التي يمكن الأخذ بها في هذا الإطار‏[7].

خلصت اللجنة في تقريرها الذي أصدرته في نفس السنة بعنوان: «التوقع العالمي لتحديات الأمن العليا لعام 2008»، إلى نتيجةٍ مفادها أن صورة ونفوذ الولايات المتحدة الأمريكية قد عرفا انحداراً كبيراً خلال السنوات الست الأولى من حكم إدارة بوش الابن، ومفروض على الإدارة التي ستتولى الحكم بعدها – إذا أرادت الحفاظ على الريادة الأمريكية – التحول من تصدير الخوف إلى بث التفاؤل والأمل؛ بانتهاج سياسات وتبني استراتيجيات أكثر فاعليةً، بحيث تتعامل مع كل قضية من القضايا المطروحة على الساحة الدولية، والمرتطبة بأمنها، بالأساليب التي تتناسب معها؛ وأن القوة العسكرية وحدها غير قادرة على الدفاع عن المصالح الأمريكية في أنحاء العالم كافة.

من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن مفهوم «القوة الذكية»، رغم كونه حديث الظهور والاستعمال في السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن سياسات الجمع/الدمج المزدوج بين مختلف أساليب القوة الصلبة من جهة والقوة الناعمة من جهة أخرى، في استراتيجيات عملية للسياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية؛ يرجع تاريخها إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى؛ تحديداً إلى فترة حكم الرئيس تيودور روزفلت عام 1901؛ في أحد تصريحاته حينما قال: «تكلم بهدوء واحمل عصا غليظة». في إشارة منه إلى الأسلوب الذي ينبغي أن تقوم عليه السياسة الخارجية الأمريكية في تعاملها مع الدول الأخرى على المستوى الدولي الإقليمي والعالمي. كما تمكَّنت الولايات المتحدة الأمريكية في عدة مرات، من الدمج بين القوتين في سياساتها الخارجية خلال الحرب العالمية الثانية؛ حيث اعتمدت على القوة الصلبة بشقيها العسكري والاقتصادي في حروبها ضد دول المحور، فضـلاً عن القوة الناعمة لإعادة بناء وإعمار اليابان ودول من القارة الأوروبية (اليونان وتركيا) عن طريق مشروعي «مارشال» و«أيزنهاور» التنمويين – سلطة الأفكار – إضافةً إلى بناء المؤسسات الدولية ونشر القيم الليبراليّة الغربية التي كانت الأسس التي أقيم عليها النظام الدولي بعد تلك الحرب‏[8].

ثالثاً: تبني إدارة الرئيس أوباما لمشروع «القوة الذكية»

خلال عهدتيه الأولى والثانية، تبنت إدارة الرئيس باراك أوباما مفهوم «القوة الذكية» الذي أوصى به مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية. فقد أشارت هيلاري كلينتون في كلمتها في 13 كانون الثاني/يناير 2009، أمام «لجنة العلاقات الخارجية» في مجلس الشيوخ الأمريكي – على مَعرَض الاجتماع الذي عُقد للمصادقة على توليها منصب «كاتبة الدولة للشؤون الخارجية» – أن إدارة الرئيس «أوباما» يتعين عليها أن تستخدم ما يسمى: «القوة الذكية» ومختلف الأدوات المتاحة لها، كالدبلوماسية والاقتصادية، والعسكرية، والسياسية، والقانونية، والثقافية، في سياستها الخارجية؛ وأن تختار الأداة أو الأدوات المناسبة لكل موقف من المواقف الدولية التي تواجهها.

حيث قالت: «أؤمن أن الزعامة الأمريكية كانت دائماً مطلوبة، وهي مطلوبة أيضاً، يجب علينا أن نستخدم ما يسمى القوة الذكية وكل الأدوات التي تتوافر لنا – الدبلوماسية، والاقتصادية، العسكرية، والسياسية، والقانونية والثقافية – ثم نعمل على انتقاء الأداة المناسبة أو مجموعة من الأدوات التي تتناسب مع كل وضع [من الأوضاع الدولية القائمة التي تواجهها الولايات المتحدة، أو المحتملة]. وباعتمادها على القوة الذكية، ستصبح الدبلوماسية في طليعة أدوات السياسة الخارجية [الأمريكية]»‏[9].

في المنحى نفسه الذي اتخذه الرئيس أوباما من خلال محتوى المقال الذي نشره في فصلية فورين أفيرز تحت عنوان: «تجديد القيادة الأمريكية» قُبيلَ أشهرٍ قليلةٍ فقط من توليه منصب الرئاسة. فقد أكد فيه أن التحديات التي استجدت على مستوى البيئة الأمنية الدولية بعد الحرب الباردة، على مختلف الصعد؛ تفرض على الولايات المتحدة الأمريكية ضرورة مراجعة حساباتها في ما يتعلق بالسياسة الخارجية، بتبني سياسات أكثر حكمةً عن تلك التي تميزت بها في فترة حكم الرئيس جورج بوش الابن؛ عبر تشجيع العمل على التحول من منطق «الحاجة إلى المعرفة»، إلى منطق «الحاجة إلى مشاركة الآخرين في المعرفة». ومنه، الاعتراف بعدم قدرة الولايات المتحدة الأمريكية على مواجهة مهددات الأمن القائمة والتحديات المحتملة على نحو متفرد؛ ما يستدعي بالضرورة بناء تعاون مشترك وتفاهم مع الآخرين والاعتماد على قدراتهم، وتنسيق العمل معهم لحماية وضمان أمنها الوطني‏[10].

تَأَكَّد هذا النهج، من خلال ما جاء في مضمون الوثائق الاستراتيجية التي طرحتها المؤسسات الحكومية الأمريكية المختلفة (وزارة الدفاع، ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية بمختلف أجهزتها، المجلس الاستخباراتي… إلخ)، بعد تولي باراك أوباما لمنصبه بأشهر؛ إضافةً إلى وثيقة «استراتيجية الأمن القومي» لأعوام 2010 و2012 و2015 على التوالي . الوثائق التي تمحورت كلها حول ضرورة إعادة النظر في الأسس التي بنيت عليها السياسة الخارجية الأمريكية في فترة حكم الرئيس بوش الابن، عبر تفعيل سياسات أخرى أكثر ملاءمة في التعامل مع البيئة الأمنية الجديدة التي عرفتها الساحة الدولية بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001‏[11].

وبوجه عام، يمكن القول: إن «استراتيجية القوة الذكية» التي أنتهجتها إدارة الرئيس باراك أوباما ابتداءً من سنة 2010 في السياسة الخارجية، والتي حددتها هذه الوثائق؛ تقوم على خطوط عريضة تضم‏[12]:

  • ضرورة العمل على الحد من سياسات الهيمنة المطلقة، والجنوح المفرط نحو التدخل العسكري في مختلف مناطق العلم، والعمل على إحياء وبعث دور التحالفات، والشراكات التقليدية، مع إيجاد صيغ الإجماع العالمي لتنمية التقنيات الإبداعية اللازمة في التعامل مع القضايا الدولية ذات التهديد المشترك؛ كالتغيرات المناخية وانتشار أسلحة الدمار الشامل، وانتشار الجريمة المنظمة العابرة للحدود، إضافة إلى الإرهاب الدولي.
  • إعلاء دور التنمية الاقتصادية لمساعدة الولايات المتحدة على التوفيق بين مصالحها ومصالح الشعوب الأخرى، في جميع أنحاء العالم.
  • الاستثمار في الدبلوماسية العمومية (الشعبية) التي تركز بصورة أقل على الأضواء الإعلامية وتهتم بالاتصالات المباشرة، والتعليم، وأشكال التبادل المختلفة مع الشعوب الأخرى، والتي تضم المجتمع المدني وتستهدفه.
  • مقاومة الجنوح غير المحدود إلى فرض إجراءات الحماية ودعم المشاركة المستمرة لمعالجة مشكلات الاقتصاد العالمي، وهو الأمر الذي يمثل أهمية كبرى للنمو والرخاء بالنسبة إلى الولايات المتحدة، مع الحرص على إشراك الآخرين في ذلك.
  • النأي بالقوات العسكرية الأمريكية عن أي تدخلات أو حروب فردية مباشرة قصيرة أو طويلة الأمد في أي منطقة بالعالم، والاستعاضة عن ذلك بالتدخلات الدولية القائمة على التحالاف الثنائية أو المتعددة، والحروب بالوكالة، فضـلاً عن توظيف الطائرات الجوية في استهداف مصادر التهديد الحربية: كالجماعات الإرهابيَّة… إلخ، عن الهجوم الميداني؛ أو ما يعرف في الاصطلاح المعاصر بأساليب «الحروب الذكية»‏[13].

 

يُجمع المراقبون الدوليون المختصون بالشؤون الأمريكية بوجه خاص والعلاقات الدولية بوجه عام؛ أن «القوة الذكية» التي تبنتها إدارة الرئيس أوباما، قائمةٌ أساساً على ما يعرف ﺒ «الدبلوماسية الشعبية» (العمومية) المؤطرة بقضايا التنمية، والمدعمة بالقوة في بعدها العسكري (مع عدم استبعاد اللجوء إلى استعمالها في حال اقتضت الضرورة إلى ذلك)؛ كترجمة عملية لنهج التغيير الذي أسس عليه أوباما خطاب حملته الانتخابية، لتترجم فيما عرف بعد ذلك ﺑ «استراتيجية القوة الذكية في السياسة الخارجية الأمريكية». من هذا المنطلق؛ أضحت «الدبلوماسية العامة»‏[14] آلية مركزية في مسعى استعادة المكانة الدولية التي كانت تتبوأها الولايات المتحدة؛ لهذا تعتبر «الدبلوماسية العامة» الأمريكية أكثر كفاءةً لعرض «الرؤية الاستراتيجية» لإدارة الرئيس أوباما في ما يتعلق بالتعاطي مع القضايا الدولية التي ترتبط بالأمن الوطني الأمريكي بصورة مباشرة، مثل ظاهرة الإرهاب الدولي، وانتشار أسلحة الدمار الشامل، وحتى بروز كل من الصين وروسيا كتهديد استراتيجي محتمل، مستقبـلاً‏[15].

رابعاً: تطبيقات عملية لاستراتيجية القوة الذكية في السياسة الخارجية الأمريكية (2008 – 2016)

تتجلى التطبيقات العملية ﻟ «استراتيجية القوة الذكية» الأمريكية في عدة قضايا وعدة مناطق من العالم خلال الفترة الممتدة بين 2009 و2018؛ منها السياسات التي تبنتها الولايات المتحدة لاحتواء كل من الصين والهند وروسيا الاتحادية الآخذة في الصعود في منطقتي جنوب شرق آسيا وأوراسيا؛ وتلك المعتمدة لمواجهة مهددات الأمن اللامتماثلة: كالإرهاب الدولي والتغيرات المناخية والمشكلات الاقتصادية الدولية، والعمل على منع انتشار ثم القضاء تدريجيّاً على أسلحة الدمار الشامل.

بعد أشهر قليلة، فقط، من صدور استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الأولى في فترة حكم أوباما سنة 2010، ثم الثانية عام 2012، فالثالثة عام 2015؛ قامت الإدارة الأمريكية بإجلاء ما يقارب 70 ألف جندي من جنود البحرية المتواجدين بالعراق وأفغانستان، لصالح تعزيز قواتها العسكرية فيها بالطائرات الحربية المتوسطة والخفيفة الوزن والطائرات الحربية من دون طيار، كترجمة عملية لمضمون الاستراتيجية في بعدها العملياتي، الخاص بتغيير أسلوب المواجهة التقليدي بآخر مستحدث، قائم على استعمال «الحروب الذكية» (Smart Wars) عن المواجهات العسكرية الميدانية المفتوحة التي دأبت إدارة الرئيس بوش الابن على توظيفها لمكافحة الإرهاب الدَّولي، المكلفة بشرياً ومالياً، والتي تستغرق مدة أطول من الزمن؛ مع الإبقاء على التهديد الإرهابي على رأس أولويات أجندة السياسة الخارجية الأمريكية بالشرق الأوسط، كونه المهدد الرئيس لمصالحها بالمنطقة‏[16].

ناهيك بتبني خَيار الاستغناء عن «سياسات التدخل العسكري أحادي الجانب» التي سارت عليها إدارة الرئيس بوش الابن لصالح الحملات العسكرية الدولية المشتركة، كما حدث في الحملة العسكرية الدولية التي قادتها الولايات المتحدة ضد تنظيم «دولة الخلافة» في 12 أيلول/سبتمبر 2014 في العراق ثم في سورية. مقارنة بحملة احتلال العراق التي شاركت فيها الولايات المتحدة الأمريكية إلى جانب عدد محدود من الدول (المملكة المتحدة، كوريا الجنوبية، أستراليا، الدنمارك، بولندا) في آذار/مارس 2003، فإن الحملة الدولية التي قادتها ضد تنظيم «دولة الخلافة» في العراق والشام، بلغ عدد الدول المشاركة فيها فعلياً 75 دولة من مختلف قارات العالم، بأسطول جوي بلغ 74 طائرة حربية، ساهمت فيه الولايات المتحدة ﺑ 21 طائرة؛ إلى جانب 5200 جندي موزعين بين العراق (3000) والكويت (2300)؛ مقابل 250 ألف جندي من مشاة البحرية، والعدد القليل من الطائرات الحربية التي استعملتها في حملة احتلال العراق سنة 2003‏[17]. وفي حالات أخرى، تركت فيها الولايات المتحدة الأمريكية مهمَّة قيادة الحملات العسكرية لحلفائها، كما حدث في حملة حلف شمال الأطلسي على ليبيا للإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي؛ التي أوكلتها لفرنسا؛ لتَكتَفِي في الأزمة السورية بالتحرك على مستوى المحافل الدولية ودعم المعارضة السورية بالأسلحة، ورفض الانخراط في أي عمل عسكري ميداني غير مسحوب المخاطر والتداعيات؛ فالتكلفة المالية والبشرية التي كابدتها إدارة الرئيس جورج بوش الابن في حربَي العراق وأفغانستان، فرضت على إدارة الرئيس باراك أوباما العدول عن أي تدخل عسكري محدود أو موسع كأسلوب استجابة للأزمات الأمنية المنتشرة عبر العالم، وبخاصة منها تلك التي تعرفها منطقة الشرق الأوسط، وانتهاج «سياسة التفاعل الحذر» في تعاطي إدارة الرئيس أوباما مع الانتفاضات الشعبية التي عرفتها عدة دول في المنطقة العربية منذ 2011، والوقوف إلى جانب الشعوب باستعمال «الدبلوماسية العمومية» على تفضيل الأنظمة السياسية، رغم أن الأحداث مست دولاً لطالما صُنفت أنظمتها ضمن قائمة الحلفاء التقليديين للولايات المتَّحدة الأمريكية، كمصر‏[18].

لا يزال العمل بمضمون الاستراتيجية قائماً في السياسة الخارجية الأمريكية بعد نحو عامين من تولّي إدارة الرئيس دونالد ترامب الحكم، وإن لم يكن الالتزام بمضمونها بنفس الحدّة والصرامة التي عرفت بها خلال فترة حكم باراك أوباما. فالعمل على احتواء الصين والهند وروسيا الاتحادية الصاعدة، بعقود تحالف واتفاقيات الأمن والدفاع المشترك مع الدول المتصلة بها جغرافياً، كإندونيسا والفيتنام، والفيليبين… إلخ، من ناحية، والعمل على تعزيز علاقاتها السياسية والاقتصاديَّة مع حلفائها التقليديين في منطقة جنوب شرق آسيا من ناحية أخرى، يمثل أولويَّة أولويات الإدارة الجديدة، بالسير على نفس الطريق الذي رسمته استراتيجيات الأمن القومي لأعوام: 2010 و2012 و2015‏[19]. ولا تختلف عنها تلك السياسات التي اعتمدتها إدارة الرئيس ترامب تجاه ملف أسلحة الدمار الشامل؛ فبعدما تمكنت إدارة أوباما من توقيع الاتفاق النووي مع إيران عبر مفاوضات دولية متعددة الشركاء في 2 نيسان/أبريل 2015، تضمنت السماح لإيران بمواصلة العمل في برنامجها النووي وتخصيب اليورانيوم لأغراض سلمية مدنية وفق شروط دوليَّة؛ سعت إدارة الرئيس ترامب إلى إنشاء تحالف دولي (أمريكي، ألماني، فرنسي) لمباشرة المفاوضات بين الكوريتين حول الموضوع؛ ما تجسد عملياً في لقاء «قمة الكوريتين» التي عقدت بتاريخ 27 نيسان/أبريل 2018، كثالث لقاء جمع رئيسَي كوريا الجنوبية والشمالية بعد لقاء سنتي 2000، 2007‏[20].

ﺑ «استراتيجية القوة الذكية»؛ تكون الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس باراك أوباما قد رسمت منعطفاً للسياسة الخارجية عن تلك التي اعتمدت من طرف إدارة «المحافظين الجُدد» خلال عامي 2000 و2008، بإعلان القطيعة مع «القوة الصلبة» والانفرادية التي ميزت السياسة الخارجية الأمريكية في فترة حكم الرئيس بوش الابن، مع التشديد على أن الولايات المتحدة الأمريكية لا يمكن بحال من الأحوال أن تحُل أزمات العالم منفردة وبالاستعمال المفرط للقوة في شكلها الصلب، كما لا يمكن أن تحُل دول العالم تلك الأزمات من دون دور الولايات المتحدة الأمريكية، أو على الأقل الاستعانة بها.

خامساً: «القوة الذكية»: تحول انتقائي
في الفكر الاستراتيجي الأمريكي

يعكس التغير في برنامجية السياسة الخارجية الأمريكية (أدوات تنفيذها) بعد تولي إدارة الرئيس باراك أوباما الحكم سنة 2009 إلى غاية انقضاء نحو عامين من فترة حكم دونالد ترامب؛ تغير تصورات وإدراكات صنّاع القرار بالولايات المتحدة الأمريكية، لطبيعة وخطورة تهديدات البيئة الأمنية الخارجية لفترة ما بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001 على الأمن الوطني الأمريكي – التحول المرتقب في بُنية النسق الدولي، وظهور ما يعرف بالمهددات الأمنية اللامتماثلة؛ كالإرهاب الدولي والجريمة المنظمة الدولية والمهددات البيئية… إلخ؛ التي يصعب على الدول الاعتماد على أساليب القوة التقليدية «الصلبة» أو الحديثة «الناعمة» لوحدها في مواجهتها -. ما يفرض بالضرورة على صناع القرار تعديل مسار السياسة الخارجية، بتبني استراتيجيات جديدة، تختلف ولو نسبياً عن تلك التي ميزتها خلال فترة حكم «بوش الابن»، كمسعى أولي – على الأقل – نحو حماية الأمن الوطني الأمريكي‏[21].

كما يعكس «تغير مفهوم القوة في السياسة الخارجية الأمريكية»، من «القوة الصلبة» التي تقوم على الاستعمال المفرط للأدوات العسكرية (الحروب بشكل أساس) إلى «القوة الذكية»، التحول الذي عُرف على مستوى الفكر الاستراتيجي الأمريكي؛ بتلاشي تأثير فكر تيار المحافظين الجُدد الذي سيطر على سياستها الخارجية طيلة ثماني سنوات متتالية، لتنتقل بعدها السيطرة إلى إدارة الرئيس باراك أوباما مُمَثلة بتوجهات وأفكار «المدرسة الليبرالية المثالية»، مع تطوير انتقائي لها، بدافع الاضطرار لا الرغبة والاختيار. فتغيُّر التوجهات الفكرية للإدارة الحاكمة أدى إلى تغير إدراك ورؤية الإدارة الجديدة لطبيعة المهددات التي تمثل خطراً على الأمن الوطني الأمريكي، ومنه تغير إدراكها للأدوات الكفيلة بمواجهة هذه الأخطار‏[22].

المتعارف عليه بين الاستراتيجيين والمهتمين بالفكر السياسي والاستراتيجي الأمريكي؛ أن المدارس التي سيطرت على الفكر الاستراتيجي الأمريكي بعد نهاية الحرب الباردة، كانت ثلاثاً: الأولى توسم ﺑ «المدرسة التدخلية المتدرجة»/«التدخلية الانتقائية بالشراكة»، التي يمكن تسميتها أيضاً ﺑ «المدرسة الليبرالية المثالية». ويعتبر عالم السياسة الأمريكي جوزيف ناي أبرز مفكري هذه المدرسة، التي تقوم على أفكار محورية مستمدة من الفكر الليبرالي الاقتصادي. تنادي هذه المدرسة بمحورية وأهمية التحالفات الدولية، في بناء إجماع استراتيجي دولي حول القضايا المشتركة بين الولايات المتحدة والدول الأخرى؛ وبضرورة تفعيل دور القيادة الأمريكية لهذه التحالفات، التي يجب أن تكون مستمدة من قناعة الآخرين الطوعية بضرورتها. كما ينادي منظرو المدرسة بأهمية استخدام «القوة الناعمة» عبر «الدبلوماسية العمومية» في السياسة الخارجية الأمريكية، وأن الخطر الأساس الذي يهدد أمن الولايات المتحدة الأمريكية في الفترة المنظورة، يتمثل بقوس الأزمات أو الفوضى الجنوبيّة، بالإضافة إلى الإرهاب الدولي العابر للحدود، أو ما بات يعرف ﺑ «المهددات الأمنية اللامتماثلة»؛ كالتغير المناخي، وانتشار أسلحة الدمار الشامل، والجريمة المنظمة وانتشار المخدرات، الإرهاب الدولي، والمهددات المرتبطة بالفضاء المعلوماتي/السيبراني.

في حين تتمثل المدرسة الثانية بـ «المدرسة التقليدية المحافظة»؛ أو ما يعرف ﺑ «البراغماتية الليبرالية»، التي تتمحور أفكارها حول أطروحات كل من وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر وأفكار ريتشارد ناثان هاس مسؤول التخطيط السياسي بوزارة الخارجية الأمريكية في فترة حكم بوش الابن، وصاحب مقولة عالم بلا أقطاب، إلى جانب الاستراتيجي الأمريكي والخبير في السياسة الخارجية زبيغنيو بريجينسكي‏[23]. يشترك كل من هؤلاء في نظرة واقعية للسياسة الخارجية؛ مفادها أن الخطر الأساس الذي تواجهه الولايات المتحدة الأمريكية هو عدم استقرار وتوازن العلاقات بين القِوى الرئيسة في العالم، ويعتبرون أن دور التحالفات والشراكة أساسي بينها. كما يركز هاس على ضرورة تبني خطط وتطوير شراكات عالمية متعددة بين الولايات المتحدة وأوروبا والصين إلى جانب روسيا الاتحادية، إضافةً إلى اليابان والهند، بصورة تكفل لها التعاون في تحقيق مصالحها. كما يتوجب على الإدارة الأمريكية – في نظر «هاس» – اعتماد القوة العسكرية والدبلوماسية معاً في السياسة الخارجية، والسعي إلى إقامة نظام دولي متوازن ومستقر‏[24]. في حين تتلخص مقاربة كيسنجر حول السياسة الخارجية الأمريكية، في نقاط هي:

– ضرورة الحفاظ على التفوق العسكري الأمريكي خلال الألفية الجديدة.

– موازنة أدوات التأثير في السياسة الخارجية الأمريكية بين التفوق العسكري ونشر الديمقراطية، حيث أكد في كتابه هل تحتاج الولايات المتحدة لسياسة خارجية: «يكمن التحدي الحقيقي في دمج الإثنين معاً [التفوق العسكري والديمقراطية الأمريكية]، إذ لا يمكن لصانع السياسة الخارجية الأمريكية الجاد أن يغفل عن تقاليد التفوق الاستثنائي التي كرمت الديمقراطية الأمريكية نفسها بها. لكن لا يستطيع صانع السياسة الخارجية أيضاً تجاهل الظروف التي يجب أن تطبق فيها»‏[25].

– إمكانية تفعيل دور الشراكة مع الآخرين (الصين، روسيا، إيران… إلخ) في سبيل تحقيق المصالح الأمريكية، وحماية أمنها القومي‏[26].

المدرسة الثالثة التي ميزت فكر الإدارة الأمريكية في فترة حكم الرئيس بوش الابن، تتمثل بـ «المدرسة التدخلية الحازمة» (Assertive Interventionists). تتقاطع نظرة هذه المدرسة مع نظرة المدرسة الأولى (الليبرالية المثالية/التدخلية المتدرجة)؛ في تحديد الخطر المهدد لأمن الولايات المتحدة، بوصفه قوس الأزمات والفوضى الجنوبي، بالإضافة إلى الإرهاب العابر للأوطان، لكنها تختلف معها في سبل وأدوات المواجهة (الجنوح المفرط إلى اعتماد أساليب القوة الصلبة فقط)‏[27]. يمثل فكر «المحافظين الجُدد» الأساس الذي تقوم عليها أفكار وطروحات «المدرسة التدخلية الحازمة»، التي تتمثل بأنهم:

– لا يعلقون أهمية (كبيرة) على دور التحالفات والشراكات الدولية (كما تفعل المدرسة الليبرالية المثالية ذلك) في تأمين الولايات المتحدة الأمريكية وتحقيق مصالحها الحيوية.

– يؤمنون وينادون بأحقية التدخل العسكري المنفرد للولايات المتحدة – حسب رغبتها – في جميع مناطق العالم.

– لا يقيمون وزناً فعلياً لدور هيئة الأمم المتحدة، أو ﻠحلف شمال الأطلسي إذا لم يتفقا مع ما يعتبرونه المصالح الأمريكية الخاصة.

– يرون أن استخدام القوة العسكرية الأمريكية والعقوبات الاقتصادية وسائل مشروعة دائماً في السياسة الخارجية‏[28].

تعد إدارة الرئيس أوباما أقرب في صياغتها استراتيجية السياسة الخارجية إلى توجهات وأفكار «المدرسة الليبرالية المثالية»، مع تعديل انتقائي لها بدافع الاضطرار لا الرغبة والاختيار، في قالب تنظيري جديد أطلق عليه جوزيف ناي تسمية «المدرسة الليبرالية الواقعية»؛ إذ تنحو – في تعاملها مع القضايا الدولية – إلى اعتماد استراتيجية «توفيقية» تدمج بين جوانب من المدرسة الثانية – التدخلية الحازمة – التي تعلي من قيمة فرض السياسات الفوقية أحادية الجانب، والمدرسة الأولى – التدخلية الانتقائية – التي تنادي بضرورة تفعيل خَيار الشراكة القائم على القيادة لا على المغامرة بتبني سياسات غير مدروسة، والتي قد تنعكس آثارها سلباً على الأمن الوطني الأمريكي. فمدرسة إدارة الرئيس «باراك أوباما» بهذا المفهوم (القوة الذكية)؛ تتقاطع مع «المدرسة التدخلية الأحادية الجانب» في تعريفها وتحديدها لطبيعة الأخطار التي تواجهها الولايات المتحدة الأمريكية في الفترة الراهنة – المنافسة من جانب الدول الأخرى على القيادة الدولية، وانتشار المهددات الأمنية اللامتماثلة -، غير أنها تختلف عنها في وسائل وآليات المواجهة، باعتمادها الجمع/الدمج المزدوج بين مختلف أساليب «القوة الناعمة» و«الصلبة» معاً، في استراتيجية واحدة‏[29].

خاتمة

تعد «استراتيجية القوة الذكية» التي اعتمدتها الولايات المتحدة الأمريكية في سياستها الخارجية بعد وصول الرئيس باراك أوباما إلى سدة الحكم سنة 2008، دمجاً مزدوجاً بين أساليب «القوة الناعمة» من جهة و«القوة الصلبة» في جهة أخرى. فالطبيعة المركبة واللامتماثلة للمهددات الأمنية التي عرفتها البيئة الأمنية الدولية بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001 من جهة، وعدم قدرة إدارة الرئيس بوش الابن على مواجهة هذه المهددات، وبخاصة منها التٍّي تمس بالأمن الوطني الأمريكي بشكل مباشر، باستعمال أساليب «القوة الصلبة» بشكل متفرد، فرض على الإدارة الأمريكية الجديدة استحداث استراتيجية توفيقية تدمج في طياتها أساليب النوعين التقليدي والحديث للقوة في طرح واحد، يمكنها من تحقيق مصالحها بنجاح، والتعامل مع كل مهدد من المهددات التي تواجهها بأساليب القوة الكفيل بمواجهته.

يتجلى من خلال هذه الاستراتيجية؛ الدور الكبير الذي يؤديه المنظرون و«مراكز الدراسات والأبحاث» (Think Tanks) بالولايات المتحدة الأمريكية في صياغة السياسات والاستراتيجيات العامة للدولة، إذ كانت تلك الاستراتيجية في الأساس اجتهادات نظرية قدمها المنظر الليبرالي جوزيف ناي الابن في أعماله المختلفة، تحديداً منها كتابه الشهير مستقبل القوة، التي طوِّرت في ما بعد على شكل مقترح استراتيجي من طرف مركز «الدراسات الاستراتيجية والدولية».

ما يؤكد ما ذهب إليه سابقاً ريتشارد ناثان هاس، مسؤول التخطيط السياسي على مستوى وزارة الشؤون الخارجية الأمريكية في ظل حكم إدارة الرئيس بوش الابن، من طرح، عندما قال: إن أدوار المفكرين ومراكز الأبحاث والدراسات بالولايات المتحدة الأمريكية، لا يستهان بها في عمليات رسم وصنع السياسات العامة، وبخاصة الخارجية منها، لاعتبار مرتبط بالانخراط الكبير للولايات المتحدة الأمريكية في الشأن الدولي، وما يفرضه ذلك عليها من ضرورة الاستعانة بخبرة الخبراء الذين توفرهم لها هذه المؤسسات من ناحية، وللطبيعة المتفتحة للنظام السياسي الأمريكي الذي يفسح المجال للمؤسسات المجتمعية غير الرسمية للمشاركة في عمليات رسم وصنع السياسات العامة؛ في مستوييها الداخلي والخارجي. وبالقوة الذكية تكون الإدارة الأمريكية في عهد باراك أوباما، قد رسمت منعطفاً للسياسة الخارجية عن سياسة إدارة المحافظين الجُدد، بإعلان القطيعة مع القوة الصلبة والانفرادية التي ميزت السياسة الخارجية الأمريكية في فترة حكم الرئيس بوش الابن.

 

للمزيد من المقالات حول السياسات الاميركية اليكم  رئاسة دونالد طرمب: الخلفيات والدلالات ومستقبل السياسة الأمريكية

المصادر:

(*) نُشرت هذه الدراسة في مجلة المستقبل العربي العدد 483 في أيار/مايو 2019.

(**) بن ضيف الله بلقاسم: باحث في الشؤون الاستراتيجية والأمنية الدولية؛ المدرسة الوطنية العليا للعلوم السياسية – الجزائر.

[1] Joseph S. Nye, Jr., Soft Power: The Means to Success in World Politics (New York: Public Affairs, 2004), p. 32.

[2] مايكل كوكس، «القوة الذكية: بديل لثنائية الصلبة والناعمة،» آفاق المستقبل، العدد 4 (آذار/مارس – نيسان/أبريل 2010)، ص 50 – 55.

[3]  Joseph S. Nye, Jr., The Future of Power (New York: Public Affairs, 2011), pp. 207‑208.

[4] Suzanne Nossel, «Smart Power: Reclaiming Liberal Internationalism,» Foreign Affairs, no. 83 (March-April 2004), pp. 131‑142.

[5] Carpenter Ted Galen, Smart Power: Toward A Prudent Foreign Policy for America (Washington, DC: Cato Institute Press, 2008), pp. 14‑30

[6] تمثل الجامعات ومراكز البحث والتفكير (Think Tanks) بالولايات المتحدة الأمريكية أحد الروافد الرئيسية المساعدة على صياغة الكثير من سياسات الولايات المتحدة الخارجية والداخلية، من خلال التفاعل بين هذه المؤسسات والحكومات المتعاقبة على البيت الأبيض على اختلاف انتماءاتها الحزبية (ديمقراطية، جمهورية)، فكثير من السياسات والاستراتيجيات الأمريكية السابقة كانت نتاج اجتهادات المنتسبين إلى تلك المؤسسات الأكاديمية والبحثية، وهذا ما رسخ منطق النفعية في السياسة الأمريكية وجعلها تقليداً سياسياً وأمراً مقبولاً لدى الرأي العام الأمريكي، كون التحولات في سياساتها إن حصلت فإنما هي نتيجة دراسات وبحوث ونقاشات مؤسسية وموضوعية، وليست نتاج اجتهادات فردية فقط.

[7] Joseph Nye and Richard Armitage, CSIS Commission on Smart Power: A Smarter, More Secure America (Washington, DC: Center for Strategic and International Studies, 2007), pp. 27‑57, <https://www.belfercenter.org/publication/csis-commission-smart-power-smarter-more-secure-america>.

[8] Wikipidia, The Free Encyclopedia, «Smart Power,» <http://www.en.wikipedia.org/wiki/smart_ power> (accessed on 12 December 2017).

[9] U. S. Department of State, «Nomination Hearing to be Secretary of State,» <http://www.state.gov/secretary/ar/2009a/01/115196.htm> (accessed on 25 December 2017).

[10] Obama Barack, «Renewing American Leadership,» Foreign Affairs, vol. 5, no. 4 (July- August 2008), pp. 1‑6.

[11] The White House, National Security Strategy (Washington, DC: The White House, 2010), pp. 7‑15.

وهي النقاط نفسها التي تماثل – تقريباً – المقترحات التي طرحها كل من ناي وأرميتاج، في مقال مشترك نشر لهما حيث أكدا أن على الإدارة الأمريكية الجديدة التركيز على ثلاث موضوعات أساسية في سبيل استعادة محورية الدور الأمريكي على المستوى الدولي، هي:

– إعادة تقوية التحالفات والشراكات والمنظمات التي تتيح لواشنطن مواجهة مصادر الخطر المتعددة (الصلبة واللينة على السواء).

– إعادة استثمار الدبلوماسية الشعبية، وإنشاء مؤسسات لا تسعي إلى الربح في الخارج؛ لخلق روابط بين مواطني الدول الأخرى والأمريكيين انظر: Richard L. Armitage and Joseph S. Nye Jr., «Stop Getting Mad, America. Get Smart,» Washington Post, 9/12/2008, <http://www.washingtonpost.com/wp-dyn/content/article/2007/12/05/AR2007120502254.html>.

[12] Joseph S. Nye, Jr., «Get Smart: Combining Hard and Soft Power,» Foreign Affairs, vol. 88, no. 4 (July-August 2009), pp.160‑163

[13] The White House, «National Security Strategy of the United States of America,» (December 2017), pp. 1‑15.

[14] Wilson Ernest III, «Hard Power, Soft Power, Smart Power,» Annals of the American Academy of Political and Social Science, vol. 616, no. 1 (March 2008), pp. 110‑124.

[15] عرّف هانس توش (Hans Tuch) «الدبلوماسية العامة» في كتابه: الاتصال بالعالم: الدبلوماسية العامة للولايات المتحدة الأمريكية فيما وراء البحار؛ بأنها: «عملية حكومية للاتصال بالعامة من الدول الأجنبية في محاولة لإيجاد فهم واضح لأفكار ومعتقدات ومؤسسات وثقافة [الدولة الممارسة للتأثير]، بل والأهداف الوطنية والسياسات الحالية».

[16] Pierre Guerlain, «Obama’s Foreign Policy: «Smart Power», Realism and Cynicim,» The Society Journal, vol. 51, no. 5 (Octobre 2014), pp. 482‑491.

[17] Ben Connable, Natasha Lander and Kimberly Jackson, Beating the Islamic State: Selecting A New Strategy of Iraq and Syria (Santa Monica, CA: Rand Corporation, 2017), pp. 14‑185

[18] Dennis B. Ross and James F. Jeffrey, «Obama II and the Middle East: Strategic Objectives for Us Policy,» Washington Institute for Near East Policy, Strategic Report; 12 (March 2013), pp. 13‑16, ­<https://​www.​washington​institute.​org/​policy​-​analysis​/​view​/​obama​-​ii​-​and​-​the​-​mid​dle​-​east​-​strate​g​ic-object​ives-​for​-​u.s.​-​policy>.

[19] The White House Office of the Press Security, Statement by President Trump on Syria, 13 April 2018, <https://www.defense.gov/portals/1/Features/2018/0418_Syria/Img/Statement-By-President-Trump-On-Syria.Pdf>.

[20] «قمة الكوريتين التاريخية «دشنت عصراً جديداً للمصالحة الوطنية والوحدة»،» بي بي سي عربي، 28 نيسان/أبريل 2018،       <http://www.bbc.com/arabic/world-43932379> (accessed on 26 June 2018).

[21]  Nye, Jr., «Get Smart: Combining Hard and Soft Power,» pp. 22‑35.

[22] David Milne, «Pragmatism or What? The Future of Us Foreign Policy,» International Affairs, vol. 88, no. 5 (September 2012), pp. 935‑951.

[23] هنري كيسنجر، هل تحتاج أمريكا إلى سياسة خارجية: نحو دبلوماسية للقرن الحادي والعشرين؟، ترجمة عمر الأيوبي، ط 5 (بيروت: دار الكتاب العربي، 1999)، ص 10.

[24] محمد شفيق علام، «سياسات أوباما الخارجية.. «تدخلية جازمة» أم «تدخلية انتقائية»؟،»
<http://www.ar.qawim.net/index.dhp?option=com-content& task=view&id=5357&itemid=1312>.

[25] هادي قبيسي، السياسة الخارجية الأمريكية بين مدرستين: المحافظية الجديدة والواقعية (بيروت: الدار العربية للعلوم – ناشرون، 2008)، ص 71 – 80.

[26] المصدر نفسه، ص 73 – 79.

[27] Joseph Nye Jr., «The Twenty-First Century Will Not Be a «Post-American»,» World, Inter­national Studies Quarterly, vol. 56, no. 1 (March 2012), pp. 215–217.

[28] شاهر إسماعيل الشاهر، أولويات السياسة الخارجية الأمريكية بعد أحداث 11 أيلول 2001 (دمشق: منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب، 2009)، ص 19 – 26.

[29] William Kristol and Robert Kagan, «Toward a Neo-Reaganite Foreign Policy,» Foreign Affairs (July-August 1996), pp. 54‑122.


بن ضيف الله بلقاسم

باحث في الشؤون الاستراتيجية والأمنية الدولية، المدرسة الوطنية العليا للعلوم السياسية- الجزائر.

مقالات الكاتب
بدعمكم نستمر

إدعم مركز دراسات الوحدة العربية

ينتظر المركز من أصدقائه وقرائه ومحبِّيه في هذه المرحلة الوقوف إلى جانبه من خلال طلب منشوراته وتسديد ثمنها بالعملة الصعبة نقداً، أو حتى تقديم بعض التبرعات النقدية لتعزيز قدرته على الصمود والاستمرار في مسيرته العلمية والبحثية المستقلة والموضوعية والملتزمة بقضايا الأرض والإنسان في مختلف أرجاء الوطن العربي.

إدعم المركز