[wonderplugin_carousel id=”9″]
عقد مركز دراسات الوحدة العربية حواراً فكرياً تحت عنوان “العرب… أي مستقبل؟” في فندق الكراون بلازا في بيروت مساء الثلاثاء 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2018. وشارك في الندوة، التي ترأستها المديرة العامة للمركز لونا أبوسويرح، ما يقرب من مئة شخص من نخبة المثقفين والباحثين والأكاديميين. وقد حاضر فيها كل من الباحث والمفكر الدكتور جورج قرم والدبلوماسي والمفكر الدكتور ناصيف حتي. وأدار الحوار على مدى ساعتين ونيف الكاتب والمحلل السياسي سركيس أبو زيد.
استهلت المديرة العامة أبوسويرح الندوة بالترحيب بالحضور مقدمةً لموضوع النقاش؛ فرأت أن الأمة العربية لم تحقق النهضة ببعدها الثقافي والسياسي، لا بل وصلت إلى مرحلة التدمير الذاتي ودخلت في نفق مظلم منذ احتلال فلسطين. وتساءلت أبوسويرح “هل من أفق للعرب في هذا القرن؟” وما مدى قابلية المستقبل العربي للصمود من أجل تحقيق أهداف الأمة في التكامل والتنمية والنهوض الحضاري والحرية.
وسلّمت أبوسويرح الكلام للأستاذ أبو زيد الذي وصّف الواقع العربي اليوم بأنه مهدد بوجوده بفعل انقساماته وحروبه. كما رأى أن مركز دراسات الوحدة العربية من الجهات القليلة التي “تعي أهمية هذه الموضوعات”. وأخيراً، طرح أبو زيد تساؤلاً عن آلية العمل المفترضة ليحفظ العرب مكاناً لهم في المستقبل، قبل أن يعطي الكلام لضيوف الندوة.
استفاض الدكتور جورج قرم على مدى عشرين دقيقة بالحديث عن الأسباب التي آلت بالواقع العربي إلى ما هو عليه، مشدداً على عدد من النقاط المشتركة والجامعة بين الشعوب العربية. ورأى قرم أنه لا بد من التفريق بين الحكام العرب من جهة والشعوب العربية من جهة أخرى. وفي مجال استعراض الهوة الكبيرة بينهم، أوضح كيف يحاول بعض الحكام تصفية القضية الفلسطينية بينما ترد عليهم الشعوب العربية يومياً بالمزيد من المقاومة ورفض الاحتلال الصهيوني والمقاومة في فلسطين ولبنان. كما شدد على أن الشعوب العربية حيّة وبمنأى من تأثير الإمبريالية الأمريكية التي تؤثر في الحكام.
وركز قرم على عدد من النقاط المضيئة التي يمكن البناء عليها لتغيير الواقع الحالي، أبرزها صلابة الوعي الثقافي الجماعي العربي “الذي لا يمكن كسره” على حد قوله، مشدداً على ضرورة التركيز على ما يجمعنا كعرب، كالرابط الثقافي الشعري والموسيقي واللغوي بين الشعوب العربية. واختتم كلامه قائلاً إن النهضة تكون بالعودة إلى مناخات تسمح بالإبداع ولا يمكن التخطيط لها، مشيراً إلى أنه لا بد من التركيز على التنمية والعلم من أجل النهوض.
أما الدكتور ناصيف حتي فقد استفاض في الحديث عن المشاكل التي تحول قيام النهضة العربية، رافضاً المنطق السائد لدى العرب الذي يلقي اللوم على غيرهم ويحملهم مسؤولية واقعهم المتردي، رافضاً في المقابل منطق جلد الذات. مشيراً إلى أن تفتت مؤسسات الدولة يؤدي الى تشريع الأبواب أمام التدخلات الخارجية. كما شدّد على حقنا بنظام “دولتي طبيعي” وعلى الحاجة إلى عقد اجتماعي جديد يقوم على المواطنة.
ورأى حتي أن الفشل الكبير لأطر التعاون الإقليمي العربي في أبسط المجالات يحول دون النهضة، مشيراً إلى أن الحلّ يكمن في العمل على تعاون مؤسسي بين الدول العربية بعيداً من المزاجية بالتعاطي. ودعا حتي إلى ضرورة سيادة منطق الدولة؛ فالدول يمكن أن تتعاون في مجالات دون أخرى وليس لزاماً أن يكون لها موقف واحد من كل القضايا حتى تتعاون مع بعضها. ولعل “توسيع طريق بين عاصمتين عربيتين أهم من ألف بيان قومي” على حد قوله، معتبراً أن البدء بتعاون عربي بقضايا زراعية أو اقتصادية أو صناعية بسيطة هو أحد الحلول.
وقد أثار موضوع الندوة نقاشاً كبيراً بين الحضور وحثّ الكثيرين على المشاركة وإبداء الآراء واقتراح الحلول. وفي حين شدد البعض، كالوزير السابق والنائب عبد الرحيم مراد على أهمية تعزيز دور المواطنة، آثر آخرون، كالعميد أمين حطيط، الإضاءة على النقاط الجامعة التي يمكن التأسيس عليها كاللغة الواحدة والشعور بالانتماء العربي. ومن ضمن الاقتراحات، في محاولة للوصول لخلاصة للندوة، وحتى لا يبقى الحوار من أجل الحوار فقط، اقترح الدكتور ناصيف نصّار على المركز القيام بدراسات سوسيولوجية الطابع حول الشعوب العربية لفهم أعمق للعروبة واشتراطات النهوض.
كما حمّل البعض مسؤولية التردي العربي إلى تقاعس النخب العربية عن تأدية دورها كما يجب، فضلاً عن تقاعس مؤسات العمل الجماهيري والنقابات والأحزاب المسؤولة عن تعبئة الجماهير وتوجيه الحراك الشعبي العربي.
وقد أكدت أبوسويرح، في نهاية اللقاء، أنه على الرغم من كل ما يحيط بواقعنا من مؤشرات سلبية فإن الأمل يبقى في الأجيال التي ما زالت تقاوم الاحتلال وتحارب من أجل التحرر والديمقراطية والاستقلال الوطني.
واختتمت الحوار بالترحيب بعدد من الاقتراحات كضرورة قيام المركز بمراجعة المشروع النهضوي العربي لتطويره في ظل الواقع العربي الحالي وتحديات النهوض، معتبرةً أن الوحدة تبدأ “بالتكامل والتعاون العربي”.
ومن الجدير بالذكر بأن مركز دراسات الوحدة العربية، ومقره في بيروت، يعتبر من أعرق مراكز الأبحاث العربية وقد تأسس عام 1975 كمركز متخصص في قضايا الوحدة العربية يساهم في تعميق الوعي وتراكم المعرفة في قضايا الأمة العربية والتحديات التاريخية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، الداخلية والخارجية، التي تواجهها المنطقة العربية وتحول دون نهضتها.
مركز دراسات الوحدة العربية
فكرة تأسيس مركز للدراسات من جانب نخبة واسعة من المثقفين العرب في سبعينيات القرن الماضي كمشروع فكري وبحثي متخصص في قضايا الوحدة العربية
بدعمكم نستمر
إدعم مركز دراسات الوحدة العربية
ينتظر المركز من أصدقائه وقرائه ومحبِّيه في هذه المرحلة الوقوف إلى جانبه من خلال طلب منشوراته وتسديد ثمنها بالعملة الصعبة نقداً، أو حتى تقديم بعض التبرعات النقدية لتعزيز قدرته على الصمود والاستمرار في مسيرته العلمية والبحثية المستقلة والموضوعية والملتزمة بقضايا الأرض والإنسان في مختلف أرجاء الوطن العربي.