تقديم
زياد حافظ
ستعالج هذه الحلقة موضوعين يتعلقان بسورية: الموضوع الأول هو حالة «التغريبة» كما أسماها د. كمال، أي حالة النازحين السوريين والمهاجرين والمهجَّرين. والموضوع الثاني هو موضوع «التصعيد» الذي يتعلق بالمشهد الميداني.
في الجلسة الأولى من هذه الحلقة سيعرض الدكتور كمال خلف الطويل الورقة التي أعدها: «التغريبة السورية»، وسيقدم الدكتور كامل مهنا تعقيباً على الورقة، ثم سنفتح باب المناقشات.
إن أهمية الحلقة تعود أولاً إلى البعد الإنساني الناتج من الحرب في سورية من مآسي القتل والدمار والتشريد، أو التغريب كما سمّاها الدكتور كمال خلف الطويل. ولا يخلو في رأي العديد من المراقبين أن البعد الإنساني ينعكس أيضاً على المعطيات الجيوسياسية؛ ليس فقط في سورية والإقليم بل أيضاً على الصعيد الأوروبي والعالم أجمع؛ حيث أصبحت مشكلةُ المهاجرين المهجّرين مشكلةَ الجميع للذين إما دُفعوا إلى التصعيد خلال السنوات الماضية أو وقفوا لامُبالين لما يحدث، فإذ الأزمة السورية أصبحت في مدن أوروبا وأميركا وكندا وأستراليا.
أما السبب الثاني لأهمية الحلقة فتعود إلى المتغيّر الاستراتيجي الناتج من التدخل العسكري الروسي في سورية. فلهذا التدخّل مفاعيل ليس فقط في سورية بل في الإقليم وفي العالم حيث موازين القوى في الميدان – وبالتالي في العالم – تتغير وتصبح سائلة. هذه السيولة تستدعي قراءة متأنية لتلك الموازين في تقدير الموقف قبل اتخاذه. فورقة «التصعيد» للمشهد السوري كما سمّاها الدكتور كمال خلف الطويل تفتح باب النقاش والاحتمالات المختلفة حيث سوء التقدير للموقف سيؤدّي إلى قرارات كارثية على الجميع. من هنا أهمية الحلقة.
ورقة العمل الأولى
التغريبة(*)
كمال خلف الطويل
لم يسبق منذ انفصال بنغلادش عن باكستان أن واجهت البشرية كارثة رحيل عارم من أرض حربٍ إلى مآوٍ تنوس بين حد العيش اللائق الأدنى وبين ما يتلمّس طرف الآدمية مثلما هي التغريبة السورية، التي عصفت بالمنطقة وما حولها بدءاً من خريف 2011، وأخذت منعطفاً تراجيدياً منذ ربيع 2015 مع ركوب السوريين البحر بأقل الوسائل أماناً وبأفظع الشروط مهانة.
والحال أن الحرب السورية قد أخذت بتلابيب مجتمع من 24 مليوناً بعنف ضارٍ لأكثر من أربع سنوات، وأوصله إلى قنوطٍ لم يعد يعرف معه للأمل سبيلاً، وذلك لسببين: فجيعته بمدى وحشية الصراع وأدواته وخائضيه، ويقينه أن الأمر قد خرج من يده بالكامل ولم تعد أرضه وسماؤه وماؤه إلا مسرح صراع صفري مميت ليس له فيه إلا نصيب القتل والفناء.
وما فاقم من ذينك الشعورين ذهوله المحزون من عدم مقابلة مستقبلي تغريبته في لبنان والأردن لقومية تعامله مع شعبيهما – وسواهما – في محنٍ ضربتهما في سالف وقتٍ بالمثل، كما من تجافي أقطار الخليج عن استقبال ولو شطرٍ من تغريبته وهو الذي بنى وعمّر فيها بمثل ما كان لأشقائه في شمال المشرق العربي وأكثر.
فما إن تراكب مخزون الغضب هذا مع فتح تركيا المتعمد لسدادة الخروج منها وعبرها إلى أوروبا صيف 2015، ناهيك بالنمو السرطاني لمافيا الهجرة عبر المتوسط وغوايتها منكوبي الحرب، أن تعالوا فجنة أوروبا على مرمى حجر، إلا ووجدنا عشرات ألوف السوريين وهم يمتطون قوارب البحر بلا أمان إلى أمانٍ يظنونه هناك.
سعيي هو أن أشرّح ليس دوافع التغريبة فقط بل آلياتها وخلفيات مسالك الجيران نحوها، كما من هم أبعد في أوروبا، الذين يتباينون في تعاملهم وفق مقياس حاجة الاستقبال من عدمها.
هو العنف إذاً جذر الانزياح في داخلٍ وإلى خارج… الذي اضطرد في شدته ما بين نقطة البدء، ربيع 2011، ولتاريخه.
لقد كان طقس العنف المسلح في حوران، منذ 25 نيسان/أبريل من ذلك العام، موطّأ الهجرة إلى شمال الأردن مع صيفه، التي وصلت إلى 2000 لاجئ مع نهاية ذلك العام، لكنها تضاعفت ثماني مراتٍ مع صيف العام التالي – 2012 – على وقع اشتداد المعارك، وهلم جرّاً.
لكن نظرة راجعة لوقائع النصف الأول من العام 2011 تُري الناظر أن عوامل النبذ في الداخل تزاوجت مع عوالم الاجتذاب في الخارج.
وقتها كان النظام الأردني يعيش تحت وطأة احتمالات الربيع العربي المقلقة – حاله حال الباقين – فوجد في الاحتراب السوري ضالته لجهة توفير الدليل لشعبه بأن التغيير مكلف بل وباهظ التكلفة وهاكم هو في الشمال، ثم إن اللجوء سيوفر له تعلّة يبرر فيها تقصيره في تأمين متطلبات المعيشة المرْضية لشعبه، ناهيك بأنه سيكون مورد إمداد مالي من مجتمع الدول يعتاش عليه تحت يافطة العبء الإنساني وحاجاته.
وصل العدد مع العام 2015 إلى 625 ألف لاجئ، انضافوا على 800 ألف مقيم سابق لوقت الأزمة.
أمرٌ مشابهٌ جرى في الشمال، إذ إن خيم اللجوء نُصبت في الجنوب التركي منذ نيسان/أبريل 2011، وقبل أن يشتعل أوار قتالٍ جنوبه.. ربما من باب الوقاية الاستباقية أو من باب العلم بالشيء.
كانت أول موجة لجوء في ذات شهر نصب الخيم – ومن دون سبب ميداني كافٍ – وكأن دعوة القدوم كانت بغرض استحواذ بيئة حاضنة لاستثمار لاحق.
ارتفع العدد إلى 15 ألفاً، صيف العام الأول ليعود وينخفض إلى 8 آلاف فقط في ختامه (بعودة النصف إلى البلاد)، ثم لينكس صعوداً منذ العام 2012 بمعدل 20 ألف لاجئ كل شهر، ولا سيّما منذ 2013، وليلامس العدد حافة 2 مليون لاجئ مع صيف 2015 (1,9 مليون).
أما غرباً، فكان لماجريات الحوادث وسط سورية، ومنذ خريف العام 2011، أكبر الأثر في اتجاه جموع كثيفة نحو لبنان بإيقاع متسارعٍ نظَمه، إضافة إلى الوسط، حال الحوض الدمشقي الذي ولج، منذ صيف العام 2012، إلى لجّة الصراع بزخم لافت للنظر.
هنا كان ترحاب 14 آذار عارماً – وإن فتر مع الأيام تحت وطأة اللجوء – ما بين خريف 2011 وإلى صيف 2014، بينما كانت استرابة 8 آذار بادية ومتصلة، وإن ملتحفة بخفَر عونٍ مضطر.
أما الترحاب فلأن استثماره السياسي ومستتبعاته الميدانية تشرح صدر المرحِّب، بأمل الخلاص من خصم لدود، سواء لنفوذه في الداخل أم لاصطفافه في الإقليم.
أمِل 14 آذار في تظهير الاستثمار على صورة مخيمات منصوبة على الطريقة الأردنية، لكن استرابة 8 آذار كفلت الاقتصار على بضعة منهم في البقاع وعلى تفضيل الانتشار المبثوث، وهو ما انداح من الشمال إلى الجنوب ووصل إلى 1,2 مليون مطلع العام 2015 – وفق احصاءات المفوضية العليا لشؤون اللاجئين – بينما التقديرات الميدانية تشير إلى مليون وثلثي المليون.
لمصر توجه ما مجموعه 130 ألف سوري، فَلَقوا ترحيباً لعامين، ثم ازوراراً منذ عامين، وفي الحالتين الخلفية سياسية. والحال أن المصيدة التي وجدوا أنفسهم فيها، منذ صيف العام 2013، راوحتهم بين أشغال غير رسمية وبين الاستماتة لنيل بطاقة لجوء إلى الغرب.
أما العراق فقد وجد عشرات ألوف الكرد السوريين طريقهم إلى شماله حيث شركاؤهم في الإثنية.
ظاهرةٌ تستوقف المرء رصداً وتحليلاً هي التأذي الشديد لمسيحيي سورية من مناخات الحرب وسياقاتها. ورغم تفاوت التقديرات فإنه يوجد شبه توافق على أن ثلث المسيحيين وجدوا أنفسهم، أمام حائطٍ لا كوَّة فيه إلا الهجرة، أي ما يقدّر بنصف مليون من أصل 1,5 مليون، وكان لبنان هو المقر بدءاً والمعبر ختاماً إلى مستقرٍ في الغرب، كما تناثرت بؤر منهم في الأردن ومصر، منضافة إلى من بقي في لبنان.
والحاصل أن المناخ الطائفي والمذهبي قد أناخ بكلكله فوق ساحة النزال السوري منذ أواخر العام الأول، معبراً عن احتقان محبوس امتد لثلث قرن فصل ما بين حرب أهلية مصغرة، 1979 – 1982، وبين البينونة الكبرى التي نحن في عامها الخامس.
الطامة الكبرى كانت نزوح السوريين داخل وطنهم من أمكنة غير آمنة إلى آخرى أكثر أماناً، إذ لقاء ما مجموعه 4 ملايين لاجئ إلى الخارج، قريبه وبعيده، هناك ما يزيد على 7,5 مليون نازح ينتشرون على الجغرافيا السورية.
عانى السوريون في الداخل ويعانون حزمةَ كوارث تشمل:
- أن 55 بالمئة منهم تحت خط الفقر.
- أن 22 بالمئة منهم لا يستطيعون تأمين حاجاتهم الغذائية، بل إن 10 ملايين يعانون سوء التغذية، مقابل أقل من 2 بالمئة هي نسبة الفقر الغذائي قبل الأزمة.
- أن 54 بالمئة منهم عاطلون من العمل (3,4 مليون) بينهم 2,7 مليون دخلوا خانة البطالة منذ الأزمة.
- أن 93 بالمئة منهم يؤمّنون وسطياً 38 ألف ل. س شهرياً لأسرة من 5 أشخاص، بينما حاجة أسرة كتلك تقتضي دخلاً من 96 ألف ل. س شهرياً.
- أن 2,4 مليون ممن هم في سن التعليم هم خارج المدارس… يوجد هذا العام 4 ملايين طالب، أي بنقصان 300 ألف منذ العام 2014. وبعلم أن هناك 5000 مدرسة مدمرة، ثم إن كمّ التسرُّب المدرسي على مدى سنوات أربع متصلة يودي إلى تجهيل جيل، أي ضياعه.
- أن الأسعار قد تضاعفت عشر مرات مقابلةً بأسعار عشية الأزمة.
- نشوء وضع ديمغرافي جديد يعكس توزعاً إثنياً ومذهبياً مغايراً لما سلف (عرب في مناطق الكرد وسنّة في مناطق العلويين، مثلاً)، وما صاحبه مع تزايد سكان محافظات جاذبة كما في الساحل، وتناقص سكان محافظات طاردة كالرقة.
- موجات نزوح تكاد تصل إلى 80 بالمئة من بعض المدن كدير الزور.
- اختلال التركيب الجندري مع تزايد هجرة الذكور عن الأناث، ولا سيّما بين الشباب.
- وكعادة الحروب الأهلية بخاصّة والحروب بعامّة فمشاكل كالاستغلال الجنسي والجسدي، وتناثر أفراد العائلة الواحدة، وضياع أثر العديد (المفقودون)، سماتٌ واسمة هي لعنات ندبية على مجتمع منكوب، أكان ذلك بين النازحين فيه أم بين اللاجئين خارجه.
- ارتفاع معدلات المرض والوفاة، وانخفاض نسب التلقيح، وخصوصاً من مناطق النزوح.
1 – في لبنان
أشير، في صدد تناول ساحته، إلى باقة ظواهر:
- أن 50 بالمئة من اللاجئين السوريين هم تحت خط الفقر اللبناني.
- أنهم يتوزعون على 1750 بقعة انتشار.
- أن 80 بالمئة منهم نساء وأطفال، بينما أكثر من نصفهم تحت سن البلوغ.
- أن 15 – 30 بالمئة فقط ممن في عمر التعليم (400 ألف) يذهبون للمدارس، والأسباب: نقص الأمكنة، والعمل لتدبر المعيشة، والخوف الأمني، وضعف وسائل الانتقال.
- أن هؤلاء يفوقون أقرانهم اللبنانيين عدداً في المدارس الحكومية، وهم بعدد 80 ألف طالب.
- أنه قد ازدادت نسبة الفقر بنسبة 65 بالمئة بينما تضاعفت نسبة البطالة وتدهور معدل النمو. بل إن تقدير البنك الدولي هو أن خسارة لبنان وصلت إلى 7,5 مليار دولار وأنه يحتاج إلى 2,5 مليار لإزالة آثارها.
- أن هناك أصواتاً تناقض ذلك – مثال غسان ديبة في الجامعة اللبنانية – الأمريكية – وتركز على إيجابيات اللجوء الاقتصادية: زيادة استهلاكٍ ورساميل وافدة وانتاجٌ محليٌ متزايد.
- هناك 42 ألف لاجئ فلسطيني في سورية لجأوا إلى لبنان، وتوزعوا على الـ 12 مخيماً فيه لينضموا إلى 270 ألف لاجئ فيها.
2 – في الأردن
من سمات اللجوء السوري إليه:
- أن 85 بالمئة من لاجئي الأردن يعيشون خارج المخيمات، أي أن هناك 100 ألف يكتظون فيها. وهم متركزون في محافظات عمان وإربد والمفرق، وينتشرون بين الأوساط المحدودة الدخل.
- أن 160 ألف لاجئ يعملون في القطاع غير الرسمي، ولا سيّما في الزراعة والبناء والخدمات (ممنوعون من العمل الشرعي).
- أن لاجئي المخيمات محظورون من التنقل خارجها ويحتاجون إلى كفيل من الخارج.
- أن الرعاية الصحية المجانية لهم قد ألغيت منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2014.
- ومع خريف العام 2014 حُظِر دخول السوريين إلى الأردن وأعيد 60 بالمئة من طالبي اللجوء إلى سورة قبل أن تسنح لهم فرصة التسجيل في مفوضية اللاجئين.
- وأن فلسطينيي سورية هم الفئة الأكثر نبذاً من الأردن وحظراً وإعادة.
ولما كان اللجوء تعلّة القصور الحكومي عن أداء الواجب الحكومي نحو الناس، وبعلم أن المهمشين الأردنيين هم أول من يستشعر اختلال ميزان العمالة غير الرسمية، والتي يشغل معظمها لاجئون، فقد قادهم ذلك لإلقاء اللوم على السبب والعرَض: أي الحكومة واللاجئين معاً، وإن بنسبة أعلى نحو الأول مع تقادم الوقت.
والحاصل أن التهميش هو الآن أسّ سوء الأحوال الراهن في الأردن، وليس الصراع مع الإسلاميين ولا التنابذ مع الفلسطينيين، سيما وسوء الأحوال هذا معطوف على ضعف بنيوي في الخلفية: شح المياه (وسورية كانت مصدراً معيناً في توفيرها قبل الأزمة) ومشاكل البنية التحتية. ما فعله اللجوء هو مفاقمة حالٍ سيئ لا تخليقه، وذات الأمر في لبنان.
لكن اللجوء السوري إلى الأردن حمل في طياته بضع محاسن، منها زيادة العون الخارجي وتوافر فرص عمل متزايدة وارتفاع الاستهلاك.
3 – في تركيا
تشمل قسمات اللجوء السوري إلى تركيا:
- أن 85 بالمئة من اللاجئيين يعيشون خارج المخيمات وينتشرون في الداخل التركي، ولا سيّما الغرب والجنوب… أما الـ 300 ألف لاجئ مخيم فيتوزعون على 27 مخيماً. وجرى السماح بالخروج من المخيمات منذ مطلع العام 2013. و75 بالمئة من اللاجئين هم نساء وأطفال، و53 بالمئة منهم تحت سن البلوغ.
- أن 22 بالمئة ممن هم في سن التعليم يذهبون إلى المدارس، أي 130 ألف من بين 600 ألف.
4 – في أوروبا
ذات صلةٍ الإشارة إلى ضفيرة معطيات بخصوص الهجرة إليها:
- أن 20 بالمئة من لاجئي العالم سوريون.
- أن 25 بالمئة فقط من اللاجئين لأوروبا سوريون، ومعظمهم أتى مباشرة من سورية ولبنان، وجلهم من الطبقة الوسطى… وفي المقابل فإن 75 بالمئة من لاجئي أوروبا هم عراقيون وأفغان وأفارقة.
- أن هناك يسراً في المرور من تركيا عبر بحر إيجة والجزر اليونانية إلى البلقان وشرق أوروبا، ولا سيّما وقد انخفضت تكلفة الانتقال من متوسط 5500 دولار إلى متوسط 2500 دولار.
- أنه، منذ الصيف المنصرم، يوجد قرابة 8000 لاجئ يعبرون شرق أوروبا كل يوم قاصدين غربها وشمالها سعياً إلى إقامة آمنة واعدة. لم تكن تلك الهجرة مفاجأة بالمعنى الفني، لكن المفاجأة كانت في غياب السياسات الأوروبية المرسومة للتعامل معها. من هنا اضطراب سلـــوك الدول الأوروبية وتباينها الصارخ بين شرقيين لديهم من ضعف البنية ما يفضي بشعوبهم ذاتها إلى الهجرة للعمل في دول غرب أوروبا، ناهيك بذاكرتهم الجمعية الدفينة وهي تستحضر حصارات بودابست وبلغراد وفيينا العثمانية، مقابل ترحاب ألماني متماوج تحركه شيخوخة مجتمع محتاجة لقوة عمل فنية ومدربة، ولقاء استكشافٍ متفاوت الإيجابية عند اسكندنافيا وفرنسا وبريطانيا.
صيف العام 2015 بدأت تركيا في غض الطرف عن موجة الهجرة منها وعبرها إلى أوروبا مستهدفة أموراً ثلاثة: الضغط على أوروبا لمنح الأتراك تأشيرة شنغن الأوروبية… استدرار دعم مالي وفير وفق شروطها… واجتذاب دعم أوروبا لمطلب «المنطقة الآمنة» في الشمال السوري.
ألحظ هنا جملة أمور:
- أن تكلفة الوثائق السورية المزورة، لغير السوريين، تصل إلى 5000 دولار.
- أن عوامل الطرد تشمل إضافة إلى العنف المستشري: الإملاق، وضيق فسحة الأمل، وتجنب الخدمة العسكرية، والسعي إلى التعليم والعمل الكريم.
- أن ثلث العاملين في الشركات الخاصة والإدارات الحكومية والمنظمات الدولية هاجروا صيف العام 2015.
- أن هناك مليون طفل سوري هاجر إلى الخارج.. مع ما يحمله ذلك من مضاعفات تحيق بالنشأة والتطور.
- أن الحكومة قد اتبعت سياسة متسامحة تجاه الهجرة عبر إصدار جوازات السفر بالسرعة القصوى، ولا سيّما وهي غير قادرة على إنفاذ منعٍ جدِّي.
طيِّب، بعد هذا العرض… ما هو الأفق؟
قانون السببية يملي أن وقف الحرب هو وصفة وقف التغريبة بل وعكس سيرها في عموم. وإلى حينها، فما ينبغي على لبنان والأردن توفيره هي شرائط الواجب.
ومع أن لبنان والأردن ليسا بلدَي لجوء إلا أنهما تعاملا مع مفوضية اللاجئين كجهةٍ ناظمة لأوضاع اللجوء، بينما تعاملت تركيا مع المسألة مباشرة بوصفها الجهة الراعية.
منطق الأمن القومي العربي والمصلحة العربية العليا، ناهيك بمقتضيات الأمن والمصلحة الوطنيَّين لسورية ولبنان والأردن، بل ولمصر والعراق، هي ليست فقط في السعي لوقف الحرب، فذلك حديث آخر، وإنما في تأمين الرعاية التامة للاجئين خارج سورية، وللنازحين في سورية، عبر الحكومات المعنية، وبعون صندوق دعم خليجي يوفر عينياً ومالياً حاجات الرعاية بشفافية تامة.
وبالرغم من غياب صندوق كهذا حينها فهذا بالضبط ما فعلته سورية، دولة ومجتمعاً، مع مليون ونصف مليون لاجئ عراقي في النصف الثاني من العقد الفائت، وهو ما يتوجب على غرب وجنوب الشام فعله نحو قلبه، وبعون خليجي مستحق، الآن.
ورقة العمل الثانية
التـصــعـيــــــــد
كمال خلف الطويل
إن صحّ وصف بلدٍ بأنه فالقيٌ بامتياز فهو سورية، وإن كان تبيّن ذلك على الأقل بين بنيه، بينما تتموضع قوىً كونيةٌ وإقليمية على حافتي خطه الفالق لاعتباره عندها بلداً فاصل القيمة وفارق الأثر.
هو كذلك لأنه قلب الشام، الذي تحتل إسرائيل جنوبه، ولأنه خرج من تحت خيمة السيطرة الأمريكية منذ العام 1957 ولم يعد، ولأن روسيا في المقابل لا ترى عنه بديلاً، في سعيها للعودة بقوة إلى الساحة العربية على خطى عقدي 1955 – 1975، وبزخم اعتبارات شتى اختلط فيها السلبي بالإيجابي (الرعب من جهادية سلفية تمد البصر إلى روسيا المسلمة ووسط آسيا، مقابل اشتهاء شرق المتوسط طاقةً وموطئاً)، ولأن قوتين: برية في الشرق – إيران – وبحرية في الشمال – تركيا – تريدان الشام حليفاً و/أو مجالاً حيوياً، ولأن ملَكيات الشرق تخشى من شامٍ متلاقٍ مع رافدين ومن ثم فوضع اليد على أحدهما أو كليهما غبّ الطلب، ولأن الاستعمار القديم – وتحديداً فرنسا – لا يزال يحن إلى عودة متنفذة، وإن طال السفر.
والحال أن الأزمة السورية الكبرى هي في جانبٍ رئيسيٍ منها تجلٍّ برهانيٌ على كمْ سورية أساسٌ في الصراع على الشرق، بل وفي ميدانها يُحسَم أو يُسوّى.
والثابت أن للأزمة، قبل أي شيء وبعده، دوافع داخلية لا تفي حقها سطور ولا تقل وزناً عن أي عوامل خارجية، بل هما على شكل حبة فاصولياء، لا انفصام لفلقة منها عن الأخرى… لكن ما يهمنا هنا هو محاولة فهم الصراع فيه وعليه.
مع ولوج العام 2015 كان شبه بادٍ أنه عام تحولات كبرى تعتور مجرى هذا الصراع، في ضوء النجاحات الباهرة لتنظيم الدولة عبر «سوراقيا» من جهة، وعلى خلفية محدودية خيارات الولايات المتحدة، معطوفة على اتساع شهية حلفائها الإقليميين لكسر توازن الميدان لمصلحتهم، وبتأثير واقع أن أكثر من ثلاث سنوات من عمر صراعٍ مستعرٍ تكفلت بإيصال الجيش السوري إلى حالٍ من الدعث أمسى يهدد توازن أوضاعه.
وفعلاً فما إن وصلنا إلى الشهر الخامس – أيار/مايو – من العام إلا وكان سمْت الميدان اضطرامٌ يفتح على مروحة احتمالات، سيماها المشتركة هي الفوضى الدموية:
تمدد متسارع الاتساع لتنظيم الدولة… انحسار للجيش عن مناطق شاسعة إلى مرتكزات تضيق، مصحوباً بتوسع المعارضة المسلحة في الشمال والوسط والساحل، ناهيك بتمطط البيشمركة الكردية من جيبٍ في الشمال الشرقي إلى مستطيلٍ يصلُ اسكندرون بالعراق، وكلها احتمالات تفتح على تقسيم واقعي لسورية، فضلاً عن هجرة أو تهجير مئات ألوفٍ إلى ملايين لينضافوا إلى ملايين سبقت.
الفوضى المتخيّلة تلك أضحت هاجس الغرب والشرق لمدى ما سيصيب الكل من أذىً جسيمٍ، عنفاً ولجوءاً ومخاطر.
في الشهر السادس – حزيران/يونيو – استنتج الكرملين أن الأمور تندفع بشدة في اتجاه الفوضى الشاملة، التي هي البيئة المثلى لمزيدٍ من نمو أصولياتٍ مسلحةٍ، بعضها ذات أجندات كونية – ومنها ما يعج بتُركِ القفقاس ووسط آسيا وسنكيانغ – وأن انتصارات هذه الأصوليات في الشمال والشمال الغربي، ما بين آذار/مارس وحزيران/يونيو، فاتحة نازلةٍ تضرب ليس فقط النظام الحليف ولا مصالح روسيا في غرب آسيا فحسب بل وأمن روسيا الداخلي، في ضوء انتواء تُركِ الأصوليات تلك نقلَ خبرتهم السورية إلى الفناء الروسي – بل والصيني – حالما يظفرون في ميدان الشام.
ولأن خطر «الجهادية» هذا ليس مقصوراً على الأوراسيين بل والأطلسيين معهم، فإن واشنطن تنظر إليه كهمٍ استراتيجي يحتاج تدبراً عاجلاً، يبتغي تطويقه ثم تقويضه.
الحديث هنا بالذات عن تنظيم الدولة، الذي برع في استعداء كل قوى الكون (وهنا نقطة ضعفه وقوته في آن) بحكم قسماته الخطرة الخمس: (1) كسره الحدود. (2) مزجه الديمغرافيا بالجغرافيا. (3) استحضاره نموذج الخلافة، بحمولته التاريخية. (4) إلهامه جموعاً من شباب الغرب المسلم. (5) تهديده الوجودي للملكية السعودية.
والشاهد أن واشنطن، وبعد سنوات ثلاث من إنصاتٍ لحلفائها الإقليميين في أن لا غضاضة من «استعمال» الجهاديين طلباً لإسقاط النظام بجهدهم النوعي، أيقنت خطل إذْنها ذلك ولا سيّما أنهم لم يندثروا، كما حاجج الإقليميون بأن تصادم الجيش والجهادية كفيلٌ بتكسيح الاثنين ومن ثم شق الطريق إلى تخليق بديل ثالث طبْق المقاييس، وبعون جيوشٍ إقليميةٍ جارة(*).
لكن التوافق الأمريكي – الروسي على فداحة خطر «الجهادية» المشترك توازى مع تفارقٍ حول «أي سورية» تكون بعد تقويضه: واشنطن، وحلفاؤها الإقليميون، يريدونها طالقةً من قرانها الإيراني، وطليقةً من حبل سرَّتها الروسي… بينما إيران تدرك أن انتزاعها من غرب آسيا وحبسها برزخياً بين قزوين والخليج يفقدها نصف وزنها الجيوستراتيجي النوعي، وبالأخص لجهة دورها في إدارة الصراع على فلسطين… أما روسيا، التي اعتادت لقرابة نصف قرن سوريةَ صديقةً أو حليفة، تدرك أن غرب آسيا هذا هو موطّأ أوراسيا، وأن أخذَ الشام ونقلها من ضفةٍ إلى أخرى يعني نفي كونية قيمتها ولثم قدْرها في منطقة هي وسط الدنيا وحوض لاهوتها، ثم هي بطن روسيا الرخو.
تشخصن هذا التفارق في نقطة فصالٍ هي الرئيس السوري، الذي بدا مع تطور الصراع وكأن غيابه يعني ذلك الانتقال، ولا سيّما وعنده مفاتيح الجيش والأمن ناهيك بكونه ملاطها اللاحم.
من هنا وجدنا واشنطن، وهي التي شنت 6000 غارة، وما فتئت، على مواقع تنظيم الدولة وبزعم أنها قتلت 20 ألفاً من كوادره، تمتنع عن تزخيم هذا الجهد بصحبةٍ ميدانيةٍ مع الجيش السوري رغم حاجتها إلى قوة أرضية يعوّل عليها، وبعلم أن بيشمركة وحدات حماية الشعب (وحش) لا تفيَ – لا عدداً ولا انتشاراً – بالغرض، على أهميتها في الشمال الشرقي.
تواصل الكرملين، ما بين حزيران/يونيو وأيلول/سبتمبر، مع حلفاء واشنطن الإقليميين بهدف الوصول إلى تسويةٍ سوريةٍ لحمتها وسداها القضاء على «الجهادية» وتقاسم السلطة بصيغة تكفل درء انتقال اصطفاف سورية من مقلب إلى آخر، سواءٌ بسواء.
لاقى التواصل بعض نجاح مع الإمارات والأردن، بحافز رهابهما من الأصوليات – ولا سيّما الأولى – بينما ارتطمت المحاولة بجدارٍ سعوديٍ صلدٍ من رفض تقبل اعتبار الرئيس السوري طرفاً في التسوية، ناهيك برفضٍ تركيٍ مماثل، وإن ألين في التكتيك.
أما واشنطن فقد مضت مع حلفائها الأوروبيين إلى صيغةٍ تراوح بين قبولٍ ببقاءٍ رمزيٍ قصير الأجل للرئيس السوري إلى تقبلٍ عمليٍ لبقاءٍ موقوتٍ له.
صيف العام، بات جلياً أن موسكو موشكةٌ على محاولة فض استعصاء العقدة بصورةٍ ما. أرسلت زيارة قاسم سليماني موسكو أواخر تموز/يوليو إشارةً لا تخطئها عين أن مشترَكاً سورياً ما تحت البحث. فشلُ زيارة علي المملوك الرياض كان إشارةً أخرى أن الاستحكام قَصَوي. معلوماتٌ عن تخطيط تركيا أردوغان لكسر توازن القوى سورياً، عشية انتخاباته البرلمانية، أضاف ضغثاً على إبالة عند الكرملين.
نهاية الصيف كان القرار فيه أن الدخول المباشر على الخط أضحى فعل ضرورة، استباقيةً بدت أم علاجية، وأن قلب المائدة مخاطرةٌ محسوبةٌ ما دام مداها شبه محدود، وأن تعديل موازين القوى لمصلحة النظام مفتاحٌ لتسويةٍ مقبولةٍ تحفظ الاصطفاف وتكفل الحوكمة، معاً وسوياً.
أهم المهم هنا أن موسكو قد اغتنمت لحظة جيوستراتيجية مميزة للولوج إلى الساحة بقوة، سندها افتقار الولايات المتحدة إلى خيارٍ جيدٍ في سورية.
هنا نسأل: ما هي خيارات واشنطن في الأساس؟
1 – التدخل العسكري المباشر بقواتها وقوات حلفائها في الناتو، وبينهم تركيا، هو خيار مستحيل، إذ لم تخرج من أوحال العراق لتأتي لمستنقعات الشام.
لا يعني ذلك بحال من الأحوال أن الولايات المتحدة انسحبت أو تنسحب من «الشرق الأوسط» كما يردد البعض، فهذا الشرق هو، كما أسلفت، بوابة جائزة القرن – أوراسيا – التي عليها يدور الصراع بارداً وفاتراً وساخناً لحسم من تكون القوة المقررة فيه وله.
هي تتخفف من أثقال غرب آسيا فقط لا غير، وتعود إلى ما انتهجت بين العامين 1945 و1990 من نهج «وراء الأفق»، أي عدم التدخل العسكري المباشر إلا في الحالات القصوى وصورة عابرة (مارينز بيروت 1958 مثالاً).
2 – تزويد منتخباتها من المعارضة المسلحة (بيشمركة و، ما يمكن بعد تسميته، «جيش حر») بأسلحة نوعية تهين السلاح الروسي وتتحدى صاحب قراره بمحاولة فلِّ قدرته على تعديل موازين القوى بالقوة.
حساباتها هنا لا تشجِّع للأسباب التالية: أن ذلك سيديم الصراع ويحمّي أواره بما يفضي إلى هجرة وتهجير واسعَين يثقلان أكثر فأكثر على أوروبا.. وسيغضب تركيا، لجهة التسليح الكردي… وسيسرّب الكثير من هذا السلاح إلى أيدي الجهاديات، وهو ما قد يعرّض العسكري والمدني من غربٍ لمخاطر مهولة.. وأخيراً سيدفع موسكو إلى تصعيد مقابل في أماكن تعتبرها واشنطن خارج الميدان.
أستبعد، لذلك كله، هذا الخيار في حده القصَوي.
3 – النأي بالنفس عن الانخراط في تصعيدٍ مضافٍ على تضاعيف الصراع، أي غض الطرف عن كسر روسيا لتوازن القوى لمصلحة معسكرها، بما يعنيه من تسليم لها بالفوز ولو بالنقاط.
عندي أن الخيار هذا مستبعد لفرط إحراجه لهيبة الولايات المتحدة، ناهيك بتعارضه مع الحد الأدنى من مطالبها في الشام.
قراءتي أن واشنطن ستذهب إلى خيار هو الثاني – لايت: فيه تسمح بتعرضٍ منخفض – متوسط الشدة للطيران الروسي يهدف إلى رد الرِجل من جهة وتثبيت توازن القوى من جهة أخرى.
هي عندما أُخطرت، بالواسطة ومباشرةً، بانتواء موسكو العمل المباشر أُفهمت أنه منحصر بشطري القاعدة: تنظيم الدولة وجبهة النصرة، وإذ ببيكار القصف يتسع إلى كل الأصوليات المسلحة، لا يستثني منها أحداً.
حجة واشنطن في السخط على الخديعة الروسية أنها عندما شنت حربها على تنظيم الدولة، في آب/أغسطس 2014، لم تنتهب فرصته لتتعرض للجيش السوري رفقةً، وأنها تلواً، توقعت من روسيا ذات التعامل لمّا دلفت إلى الميدان بحواماتها وقاذفاتها، أي الاقتصار على ضرب الجهادية والامتناع عن إسناد الجيش.
والحاصل أن ما في جعبة موسكو هو مُدخَلٌ قتالي يفضي إلى مُخرَجٍ سياسي: أما في المُدخَل، فجهدها الجوي الكثيف معطوفٌ على تحالفٍ بريٍ يضم الجيش وميليشياته وقوات حزب الله وميليشياته الحليفة وقوات منتخبة من الحرس الثوري الإيراني ومفارز خاصة روسية…. هو كادر العمل.
للمرء هنا أن يتفكر في مدى متانة التفاهم الروسي – الإيراني وديمومته؟
الراجح أن مشتركات الطرفين تفيض عن مفرّقاتهما، وإن كثُر بينها السلبي، وبالتحديد منها مقاصد السياسة الأمريكية نحوهما. ثم إن مصير الميدان السوري محدِّد لمصيرهما… ففي حسبانهما أن فوز أصولية محاربة فيه، أو قطف واشنطن للثمرة السورية في عموم، هما وصمة وبال عليهما.
وأما المُخرَج فـ «سورنة» نسبية للتسوية تحفظ للنظام الحصة الأوزن فيها، مع مرونة عالية في التفاصيل.
طيِّب، ما هي آفاق التصعيد الروسي في الحرب السورية؟
يعتمد ذلك في الأساس على قدرة الجهد البري على أن يتضافر أداءً مع ذلك الجوي: أمرٌ لا يمكن الحكم عليه قبل الأوان.
إن استطاع الجهد ذاك الانتقال بحلفائه من وضع التوازن الدفاعي إلى وضع الرجحان الفائز، متجسداً في استعادة جغرافيا واسعة مهمة، فقد أمّن صيغةً من التسوية كلمته فيها هي العليا، وهذا عز الطلب عنده.
أما إن قَصُر البر عن الجو فالمراوحة في المكان، واستطالة أمد الصراع، هما سمَتا القادم.
في خلاصةٍ أقول إن روسيا مسكونة بحزمة هواجس/نواظم، تضم:
1 – يقينها أن رأسها مطلوبٌ أمريكياً، وتلك شهادة التاريخ بدءاً من حرب التدخل أواخر عشرينيات العشرين ووصولاً إلى اللحظة الراهنة. ولعل شهادة الجنرال دانفورد رئيس هيئة الأركان المشتركة مؤخراً أمام الكونغرس – ومعه شهادات بعض قادة الأسلحة – دالّة تمام الدلالة: روسيا خطرٌ وجوديٌ على الولايات المتحدة.
2 – تلواً، ففكرة إسقاط نظامٍ بالقوة وبدعمٍ أطلسيٍ، أينما كان، يعني روسياً وبالضرورة إرساء سابقةٍ لا تلبث أن تجد لنفسها طريقاً إلى موسكو ذاتها، إن سنُح الظرف.
3 – وأن حصار روسيا بحلف الناتو لم يترك إلا «الخارج القريب» ومن خلفه إيران و«سوراقيا» فضاءً شبه آمن، وما محاولة أخذ الشام إلا استكمالٌ للتطويق ومنصةٌ للوثوب إلى «القريب» والداخل.
4 – وأن العقوبات التي فرضتها واشنطن وحليفاتها، بدعوى الأزمة الأوكرانية، فعلٌ يبتغي تقزيم روسيا، ويتطلب رد فعلٍ يفوقه وزناً ودوياً، مفاده أن روسيا قوة كونية (لا تحت كونية – فوق إقليمية فحسب) يَحسُن بالكل أن يتعامل معها على تلك القاعدة.
5 – أن سورية – ذلك البلد الفالقي – هي مربط الفرس، ومكان أين تُكرم القوى أو تُهان.
تعقيب
لبنان في انتظار تفجر كارثة النزوح
التغريبة السورية: أزمة تاريخية كارثية
ومحنة يتحمل مسؤولية حلها المجتمع الدولي
كامل مهنا
رئيس مؤسسة عامل – لبنان.
حاولت مؤسسة «عامل» الدولية الجمعية المدنية غير الطائفية طوال 36 عاماً في العمل على إيجاد توازن اجتماعي – انساني في غياب العدالة الاجتماعية والشروط الصحية للعيش، وقد كنا على وعي دائم بأن غياب العدالة الاجتماعية والتنمية هما الأرض الخصبة للحروب والنزاعات وكل الآفات الأخرى التي تفتك بالمجتمعات الإنسانية وتفككها، كتلك التي تعانيها سورية اليوم.
ولا شك في أن الحرب السورية المؤلمة التي أحدثت منعطفاً سياسياً واجتماعياً في المنطقة وخصوصاً في لبنان، أثرت بصورة مباشرة في الواقع اللبناني. وفي هذا السياق أعدت مؤسسة «عامل» بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني، خطة طوارئ عام 2012 للاستجابة لهذه الكارثة التي يتحمل لبنان جانباً ضخماً منها، فلم يحدث قط منذ مجزرة رواندا عام 1994 أن اضطر بلد بحجم لبنان وحجم أزماته إلى استضافة هذا العدد الهائل من اللاجئين، في ظل ضعف الدعم الدولي للاجئين وللمجتمع المضيف على حد سواء.
ومن خبرتنا في «عامل» تجاه معالجة الأزمات الاجتماعية التمسنا بالتجربة أنه لا يمكن إيجاد الأدوات الصحيحة لحل أي مشكلة من دون وضع تشخيص صحيح لهذه المشكلة، وهو الأمر الذي يبدو في دراسة الدكتور كمال خلف الطويل الغنية بالمعلومات والتشخيص الدقيق للحالة السورية ونتائج الحرب الطاحنة التي حلت بهذا البلد العربي الشقيق.
فإلى جانب توفير الأرقام الدقيقة وتوزيعها بحسب المناطق والسنوات تبرز الدراسة المذكورة الانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن الأرقام والوقائع المطروحة، وبالتالي فهي تمثّل قاعدة بيانات مهمة للانطلاق منها لوضع حلول وتفادي آفات مستقبلية ناتجة من حجم التغريبة السورية.
كما تمر دراسة الدكتور كمال خلف الطويل، بموضوعية عالية، على الاستثمار السياسي والديمغرافي من جانب الأطراف المحلية والإقليمية لأزمة النزوح السوري، والتقصير العربي في التعامل والاستجابة لهذه الكارثة، وهو ما يدل على ضعف الروحية القومية العربية في هذه المرحلة، هذا إضافة إلى الإضاءة على واقع النزوح السوري الداخلي وصعوبات الوضع الاقتصادي – الاجتماعي في سورية، من دون إهمال وضع اللاجئين الفلسطينيين الذين تعرضوا لتغريبة ثانية ووضع اجتماعي أسوأ.
1 – منطلقات لفهم الأزمة
طرحت الدراسة أزمة حقيقة وجوهرية، وهي أزمة ارتفاع بورصة قراصنة اللجوء وقوارب الموت وعملية تزوير الوثائق الرسمية للسوريين وغير السوريين، إضافة إلى تحليل أزمة بعيدة المدى وهي خروج نسبة كبيرة من الأطفال والشباب السوريين وهجرتهم، وهو ما سينعكس لاحقاً على حركة النهضة والتنمية في سورية بعد الحرب.
وتمثل الوقائع التي عرضت في دراسة الدكتور الطويل مؤشرات ومنطلقات أساسية في فهم مركبات الأزمة السورية وايجاد الحلول التي تتناسب مع هذه الوقائع، وأبرزها أزمة نزوح السوريين داخل وطنهم من أمكنة غير آمنة إلى أخرى أكثر أماناً، إذ لقاء ما مجموعه 4 ملايين لاجئ إلى الخارج، قريبه وبعيده، هناك ما يزيد على 7,5 مليون نازح ينتشرون على الجغرافيا السورية يعانون أزمات كارثية أبرزها أن 55 بالمئة منهم تحت خط الفقر، وأن 22 بالمئة منهم لا يستطيعون تأمين حاجاتهم الغذائية، بل إن 10 ملايين يعانون سوء التغذية، مقابل أقل من 2 بالمئة نسبة الفقر الغذائي قبل الأزمة.
هذا إضافة إلى أن 54 بالمئة منهم عاطلون من العمل (3,4 مليون) بينهم 2,7 مليون دخلوا خانة البطالة منذ الأزمة، والطامة الكبرى التي أضاءت عليها دراسة الدكتور الطويل الغنية بالمعلومات والأوجاع، أن 2,4 مليون ممن هم في سن التعليم هم خارج المدارس في سورية وخارجها، وهناك هذا العام 4 ملايين طالب، أي بنقصان 300 ألف منذ العام 2014، كما أن هناك 5000 مدرسة مدمرة، ثم إن كمّ التسرب المدرسي على مدى سنوات أربع متصلة يودي إلى تجهيل جيل، أي ضياعه.
يقابل ذلك أزمات تحمل مشاكل على المدى البعيد تتمثل بنشوء وضع ديمغرافي جديد يعكس توزعاً إثنياً ومذهبياً مغايراً لما سلف (عرب في مناطق الكرد وسنّة في مناطق العلويين، مثلاً)، وما صاحبه مع تزايد سكان محافظات جاذبة كما في الساحل، وتناقص سكان محافظات طاردة كالرقة، واختلال التركيب الجندري مع تزايد هجرة الذكور عن الأناث، ولا سيّما بين الشباب.
كما بيّنت الدراسة جانباً في غاية الأهمية، حيث أضاءت عموماً على مشاكل نفسية – اجتماعية كمشاكل الاستغلال الجنسي والجسدي، وتناثر أفراد العائلة الواحدة، وضياع أثر الكثير منهم (المفقودون).
ومن الجدير ذكره في هذا الإطار أن تقارير صحافية متعددة أوردت أرقاماً مهولة عن واقع اللاجئين السوريين في لبنان، حيث يتعرض 25 بالمئة لاعتداءات متكررة وبأشكال مختلفة، هذا ما عدا الحالات التي لا يتم الإبلاغ عنها، إلى جانب حالات الاتجار بالنساء واستغلالهن التي لم يتم حتى الآن إعلان الرقم الحقيقي لنسبة تفشي هذه الظاهرة، وأن نحو 4500 لاجئة سورية بين سن 12 و17 سنة تزوجن في لبنان خلال العامين الماضيين بحسب تقرير في جريدة النهار.
كما نضيف إلى ذلك أننا في مؤسسة «عامل» قدمنا حتى الآن مليون خدمة إلى أهلنا السوريين ووضعنا دراسة احصائية حول الواقع الصحي للاجئين بيّنت أن 93,826 مريضاً تمت معاينتهم في مراكزنا الـ 24 وفي العيادات النقالة الست، حيث ظهر أن نسبة الإمراض الجلدية تصل إلى 47 بالمئة بين المرضى، مقابل 27 بالمئة أمراض الجهاز الهضمي والمعوي، و7 بالمئة سوء التغذية لدى الأطفال وغيرها.
وتجدر الإشارة إلى أن الطلب على الخدمات الاستشفائية يرتفع على نحوٍ مضطرد، فوزارة الصحة لم تتلقَ أموالاً لمعالجة النازحين على نفقتها بينما المفوضية السامية للاجئيين متعاقدة مع شركة تأمين خاصة تغطي 75 بالمئة من تكلفة الاستشفاء يستثنى منها حوادث العمل والأمراض المزمنة، ولكن الموافقات للاجئين يتم الحصول عليها بصعوبة بالغة أو يرفض معظمها.
وقد صرحت نقابة المستشفيات في لبنان أن 15 بالمئة من اللاجئين السوريين يحتاجون سنوياً إلى خدمات الاستشفاء بينما بنية المستشفيات اللبنانية غير مؤهلة لاستيعاب هذا الرقم.
ومن الضروري القول هنا إن وضع اللاجئين السوريين في لبنان في ظل كل هذه الصعوبات كارثي ومتفجر، وخصوصاً أن 50 بالمئة من اللاجئين هم تحت خط الفقر اللبناني، ويتوزعون على 1450 بقعة انتشار و1700 مخيم عشوائي. وأن 15 – 30 بالمئة فقط ممن هم في عمر التعليم (500 ألف) يذهبون إلى المدارس، تؤمن المنظمات الدولية بالتعاون مع الأمم المتحدة برامج تعليم لنحو 100 ألف منهم ووعدت بتأمين 100 ألف إضافيين، إلّا أنه مع ذلك وفي حال تغطية الآلاف المئة الإضافيين فإن 200 إلى 300 ألف طفل سيبقون بلا تعليم، وهو ما يهدد مستقبل سورية ولبنان معاً.
ومن المفيد هنا ذكر كلام السفير البابوي في سورية مؤخراً، الذي عبر عن حزنه وأسفه لبلد مثل سورية يفرغ من شبابه في ظل سوق مزدهرة للهجرة الجماعية، وهو ما يتركنا في تشاؤم من مستقبل سورية حيث تراوح أعمار معظم المهاجرين منها بين الـ10 والـ20 عاماً.
2 – من الطوارئ إلى التنمية
وبانتظار الحل السياسي، نقول إنه حان الوقت إلى الانتقال من خطط الطوارئ إلى خطط التنمية، بعد 5 سنوات من أزمة النزوح الخانقة. وكان لـ «عامل» تجربة رائدة في هذا الإطار، فهي انتقلت من مساندة اللاجئات مثلاً في مركزها في عين الرمانة إلى مرحلة تأهيلهن وخرطهن في خط الانتاج الاقتصادي. وقد استفاد من هذا البرنامج حتى الآن نحو 700 امرأة، وذلك بمساندة وتمويل من المفوضية السامية للاجئين التي نأمل أن تعمم هذه التجربة، وخصوصاً أنه من المتوقع أن تدوم أزمة اللاجئين لسنوات خمس مقبلة.
وكان طرح الدكتور كمال خلف الطويل لوضع خطة مساندة عربية للاجئين السوريين في سورية وخارجها عبر الحكومات العربية وبعون صندوق دعم خليجي يوفر عينياً ومالياً حاجات الرعاية بشفافية تامة هو طرح في غاية الأهمية والضرورة ولطالما طرحته مؤسسة عامل وناضلت من أجله في المحافل الدولية.
وقد أطلقنا صرخة في اليوم العالمي الإنساني عام 2014 باسم تجمع الهيئات الأهلية التطوعية في لبنان ولجنة المتابعة لمنظمات المجتمع المدني اللبناني والفلسطيني ومؤسسة عامل الدولية تحت عنوان «كيفية مواجهة أزمة النازحين السوريين: إن الحالة كارثية ومتفجرة فلنساعد لبنان الذي يساعد سورية»، قدمنا من خلال ورقة عمل مجموعة من الدراسات والحقائق عن نتائج الأزمة السورية التي طالبنا وما زلنا نطالب بإيجاد حل سياسي سلمي لها، حيث تشير كل المعطيات في لبنان مثلاً إلى توجه أزمة اللاجئين إلى الانفجار في ظل الوضع الكارثي الذي يعانيه لبنان بحيث خلقت الأزمات في لبنان عملية تنافس مباشرة بين المجتمع المضيف واللاجئين الذين يقدر عددهم بمليون ونصف المليون بحسب الحكومة اللبنانية في ميادين الحياة كافة، من فرص العمل إلى السكن إلى المياه والكهرباء وكل الحاجات الأخرى في غياب الدعم الدولي للمجتمع المضيف الذي يعاني أصلاً ثلثُ سكانه الفقر وعدم الوصول إلى الخدمات الصحية والاجتماعية الكاملة.
هذا إلى جانب انعكاسات أزمة النزوح على البيئة وعلى القطاع التعليمي وعلى أي قطاع حيوي آخر، وخصوصاً اليوم في ظل التوترات السياسية والاجتماعية الجديدة التي طرأت على لبنان من جراء تفاقم أزمة النفايات والفراغ الحاصل في مؤسسات الدولة الرسمية، وقد أتلفت بنية لبنان التحتية من جراء هذه الأزمة، وهو ما كان يتوقع أن يحصل خلال 25 عاماً، الأمر الذي ينذر بكارثة تحل على الشعبين، في حال عدم إيجاد الحلول الصحيحة.
ومن الضروري الإضاءة على خيار الاندماج الذي اتبعه لبنان في التعاطي مع أزمة اللاجئين، بدلاً من خيار عزلتهم الذي اختارته كل من تركيا والأردن، وذلك يعود لسبب أن واقع الوجود السوري في لبنان أكبر وأغنى وأعقد من أن نشمله كله في قضية اللاجئين، فهناك يد عاملة سورية في الميادين كافة، وخصوصاً الزراعية، قبل الأزمة تقدر بـ300 ألف عامل، الأمر الذي سهل عملية الاندماج هذه.
وكنا قد اقترحنا في ورقة العمل التي قدمناها عدداً من الحلول والإجراءات التي نحن في أمسِّ الحاجة إلى تطبيقها في أسرع وقت تفادياً لكارثة متفجرة. تتمثل هذه الحلول بالعمل أولاً على ممارسة كل أشكال الضغوط على المجتمع الدولي من أجل إيجاد حل سياسي للأزمة في سورية لكي يتمكن النازحون من العودة إلى بلدهم. وبانتظار ذلك نقترح فوراً أن تضع الحكومة اللبنانية خطّة طوارئ شاملة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والصحية والتربوية والإغاثية، وبالتعاون مع منظمات المجتمع المدني في لبنان والبلديات كشريك في التخطيط والتنفيذ، وأن يتم التعاون مع المنظمات الدولية وفي المقدّمة المفوضية السامية للاجئين والأمم المتحدة، وأن يعطى دور كبير في هذه العملية للهيئة العليا للإغاثة ولوزارة الصحة والشؤون الاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني اللبناني في تحديد الحاجات وسبل تلبيتها بالتعاون مع المنظمات الدولية.
كما نشدد على المطالبة بأن يكون تنسيق المنظمات غير الحكومية الدولية مع الهيئات الأهلية اللبنانية كشريك ومن موقع الندية، لا أن تعمل على أخذ دورها كما يحصل حالياً في أغلب الأحيان، وهذا ما اسميه الاستعمار الجديد (Neocolonialism)، وإلى صرف المساعدات في معظمها على النازحين لا على الأمور الإدارية واللوجستية والبزنسة والظهور الإعلامي من خلال جمعيات BONGO (Business Oriented Non-governmental Organization) أي Charity Business.
كما نطالب الحكومة بأن توفر الحكومة خطة طوارئ ثانية، في حال تزايد الوضع في سورية سوءاً كحصول معارك في دمشق وريفها التي يقطن فيها نحو ستة ملايين نسمة سيلجأ منهم إلى لبنان مليون نسمة على الأقل، خلال أيام قليلة، وبخاصة إلى منطقة البقاع المتاخمة، وهو ما يعني أن عدد النازحين سيوازي ضعفي سكان لبنان، وهو ما يضاعف من الحالة الكارثية التي نعيشها.
3 – تقاسم الأعباء والمسؤولية
كما نضم صوتنا إلى صوت الدكتور كمال خلف الطويل ونشدد على ضرورة تقاسم الأعباء مع العالم. فلنساعد لبنان الذي يساعد سورية حيث يتحمل المجتمع الدولي مسؤولية تاريخية وسياسية في العمل على إيجاد حل سياسي سريع لمحنة الشعب السوري وخصوصاً أننا نشهد اليوم فضائح على الحدود الأوروبية وموقفاً عنصرياً تجاه اللاجئين، مع أن أوروبا قادرة بسهولة على امتصاص مليون لاجئ ولكنها لم تستقبل حتى الآن إلا بضعة آلاف، في مقابل لبنان الذي يمثل اللاجئون اليوم ثلث سكانه، أي ما يوازي عشرين مليوناً في فرنسا، التي طردت 10 آلاف غجري لم تحتمل وجودهم في البلاد.
وبانتظار رفع منسوب التضامن الدولي والضغط باتجاه حل سياسي، من الضروري تعزيز الدعم من جانب المجتمع الدولي للبنان، ومن الضروري هنا الإشارة إلى أن الدعم الذي توفره المنظمات الدولية للاجئين في لبنان لم يتخطَّ نسبة 19 بالمئة فقط من حجم الدعم الموعود، فمن بين 3 مليارات و400 مليون دولار تم التعهد بتقديمها في مؤتمر المانحين الأخير في الكويت لم يصل منها إلا 20 بالمئة بعد لدعم قضية اللاجئين – على الرغم من أن الرقم الذي طلبته الأمم المتحدة بالأصل هو 8 مليارات و400 مليون دولار.
لذلك، نوجه دعوة إلى المجتمع الدولي للتعاون مع لبنان ومساعدته على مواجهة الآثار الناجمة عن تزايد أعداد اللاجئين، وتحسين شروط وقدرات استيعاب اللاجئين داخل سورية ومطالبة الدول الإيفاء بالالتزامات المالية التي تعهدت بتقديمها في قمة الكويت، وعدم الاكتفاء فقط بتوجيه المساعدات إلى المنظمات الإنسانية المعنية، بل مساعدة الحكومة اللبنانية مباشرة أيضاً، والمنظمات المدنية اللبنانية والفلسطينية، وخصوصاً في مجالي التعليم والصحة، لزهاء مليون ونصف المليون لاجئ سوري و50 ألف فلسطيني مقيم في سورية نزح إلى لبنان و49 ألف لبناني كانوا يقيمون في سورية.
كما نحث المجتمع الدولي على التخلي عن سياسة الكيل بمكيالين وازدواجية المعايير واستعمال شرعة حقوق الإنسان كذريعة لفرض أجندات سياسية في منطقتنا منذ نكبة فلسطين وصولاً إلى الغزو الأمريكي للعراق، والفرنسي والأطلسي لليبيا ومن ثم سورية واليمن! ففي الوقت الذي تباد شعوب وتتعرض لأسوأ الظروف الإنسانية من دون أي مساندة دولية أو سعي لإيجاد حلول، نرى رؤساء دول (مثل أوباما وهولاند) يتضامنون مع نتنياهو الذي ارتكب مجزرة غزة عام 2014، بالتوازي مع إرسال طائرات أمريكية وفرنسية للقصف في أربيل عندما تهددت مصالح شركات النفط. يجب التشديد هنا على أن التغيير يجب أن يتم عبر الشعوب لا عبر التدخل الخارجي، وإننا في مؤسسة عامل، الجمعية المدنية غير الطائفية، إذ نؤمن بضرورة الانتصار لكرامة الإنسان وحقوقه قبل أي شيء، نراهن على الجيل الجديد من الشباب والشابات المزود بقيم العدالة والديمقراطية والحرية على إحداث عملية التغيير الضرورية في منطقتنا، التي تبقى فلسطين بوصلتها وقضيتها المركزية في مواجهة السياسيات الاستعمارية.
وفي ظل خطاب التنمية المستدامة الذي رفعته الأمم المتحدة شعاراً بعد فشلها في حل النزاعات حول العالم، يوم كان عدد الفقراء في العالم 400 مليون مقابل عشرة ملياردير، نجد الآن أن عدد الفقراء في ظل خطاب التنمية والحرية ارتفع إلى 2 مليار فقير مقابل 550 ملياردير حول العالم، أي أن 20 بالمئة من الشعوب يمتلكون 80 بالمئة من ثروات الأرض و1 بالمئة من العالم يمتلكون نصف الكرة الأرضية، في ظل عدم التوزيع العادل للثروات.
وبينما كان عدد اللاجئين عام 1995 بحسب قمة كوبنهاغن الاجتماعية 10 ملايين حول العالم، ارتفع هذا العدد في ظل خطاب «التنمية» إلى 60 مليون لاجئ و173 مليون متضرر عربي ومسلم من جراء الحروب والأزمات.
وفي ظل الواقع المذكور ندعو منظمات المجتمع المدني حول العالم في الشمال والجنوب إلى العمل سوياً وعلى مستوى الندية على النضال والتضامن من أجل تغيير هذا العالم إلى الأفضل، فلا يمكن أن نترك لأولادنا عالماً ظالماً لا يمكن العيش فيه. ففي عالم واحد مستقبل واحد للشعوب.
المناقشات
أولاً: مناقشات الورقة الأولى: التغريبة السورية
1 – كريم بقرادوني
في ما يتعلق بأوضاع المسيحيين العرب، وبغض النظر عما إذا كانت توجد خطة – مؤامرة لتهجيرهم من المنطقة أم لا، فإن الواقع هو أن المسيحيين يرحلون من المنطقة. أما مسيحيو لبنان فما زالت وتيرة الهجرة لديهم على ما كانت عليه سابقاً، لكن القلق بدأ يكبر لديهم. أما المسيحيون العرب، وبخاصة السوريون، الذين مروا في لبنان وتحدثنا معهم، فهم مصرّون على الهجرة. قلنا لهم ابقوا في لبنان ريثما تنتهي الأزمة في سورية، فكان ردهم أن الدور آتٍ على مسيحيي لبنان أيضاً. فلنرحل مباشرة إلى أستراليا أو كندا.
أعتقد أن المسيحيين بحاجة إلى طمأنة كبيرة لست أدري من يستطيع تقديمها. فهل تستطيع روسيا تقديم هذه الطمأنة أو الضمانة؟ يبدو أن الروس اليوم لديهم أولوية في المنطقة هي محاربة الإرهاب.
لكن هذا أمر خطير، ولا يجوز وجود شرق أوسط بلا مسيحيين، وبخاصة أن تراجع الوجود المسيحي في المنطقة سيسهل على إسرائيل وضع اليد على الأماكن المقدسة في فلسطين، فتراجع الحضور المسيحي في هذه الأماكن يعطي الذريعة لإسرائيل للسيطرة عليها.
لكن خطورة هذا الأمر لا تتوقف على المسيحيين وأماكنهم المقدسة بل تصيب العروبة أيضاً. فالمسيحيون هم جزء من هذه العروبة.
2 – أكرم القش
ربما نختلف مع ورقة د. كمال على بعض الأرقام لكن لا نختلف معه على الاتجاه العام للأمور. فالواضح أن الاتجاه يظهر وجود مشكلة كبيرة غير مسبوقة. لكن يجب أن يكون واضحاً أن المأساة التي تمر بها سورية هي ليست مسؤولية النازحين وليست مسؤولية الشعب السوري ولا مسؤولية الحكومة، فقط، بل هي مسؤولية الجميع، بمن فيهم دول الجوار ودول العالم، الصديقة والعدوَّة، فالكل ساهم في زيادة المأساة وفي تفاقمها واستمرارها. ولم يبحث أحد من هذه الأطراف جدياً كيف نحد في هذه المأساة ونسير بحل، وهو ما جعل أزمة النزوح تتفاقم على نحو أكثر تعقيداً، مع تصاعد العوامل الطاردة للسكان في الداخل مقابل تصاعد العوامل الجاذبة في الخارج ولو إعلامياً على الأقل. وهذا ما شجّع الناس، بمن فيهم غير المضطرين إلى النزوح، على التفكير بالهجرة.
من ناحية أخرى نلحظ وجود تهويل بالأرقام وباتجاه واحد هو اتجاه السكان، إذ يجري الحديث عن مئات الألوف أو الملايين لكن لا يتم الحديث عن نزوح الأموال والموارد البشرية بمن فيها الموارد عالية الكفاءة. وفي هذا الصدد يمكن الحديث عن مليارات الدولارات التي خرجت من سورية باتجاه المصارف اللبنانية والتركية؛ وكذلك الأمر بالنسبة إلى رأس المال البشري، وهذا ربما يكون له آثار سلبية مضافة إلى عوامل الطرد السكاني داخل سورية كونه يساهم في فقدان فرص العمل والاستثمار، في حين ربما تكون له آثار إيجابية في البلدان الجاذبة.
يبدو أيضاً أننا نستخدم الأرقام بصورة استنسابية، فالمساعدات الدولية التي أرسلت إلى النازحين لم يصل منها بحسب تقديراتنا إلا 18 بالمئة. فالنازحون السوريون استُغِلوا في البلدان التي لجؤوا إليها بنسبة 82 بالمئة من المخصصات المرسلة إليهم. وهذا أمر يفاقم من سلوكهم الاجتماعي السلبي في البلد المضيف.
الأمر الآخر يخصنا كبلدان عربية، فالتعامل بين الدول العربية يجرى على مستوى سلطات وحكومات، وبالتالي يُبنى الموقف وطريقة التعامل مع النازحين على توجهات حكومة كل بلد. ومع تغير أي حكومة في بلد عربي يمكن أن تتغير طريقة التعامل مع النازحين.
ما أود التركيز عليه أيضاً هو أن رأس المال الاجتماعي في سورية يجري تدميره، إذ أخذ المجتمع السوري يفتقد الثقة والعادات والنسج الاجتماعي، وهذه أمور تستغرق استعادها وقتاً طويلاً. حتى إن النزوح الداخلي بدأ يتخذ طابعاً إثنياً أو طائفياً أو مذهبياً أكثر منه نزوحاً ديمغرافياً عاماً، وهذا أمر يمهد لمشاريع التقسيم والكونفدرالية وغيرها.
أخيراً أود أن أوضح للأستاذ كريم بقرادوني أن أزمة النزوح والهجرة لا تتوقف على الأقليات أو على المسيحيين فقط، بل هي تصيب كل المجتمع السوري. فالمسألة ليست مسألة أقليات بل مسألة مجتمع بكامله.
3 – ريان قطيش ودانيا قطان
ينقسم عمل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) في لبنان إلى أربعة بنود أساسية: البند الأول هو تسجيل اللاجئين والسعي لتوفير حد أدنى من الحماية الحقوقية لهم. البند الثاني هو تنسيق العمل الإنساني لتأمين حاجات اللاجئين والمجتمعات الحاضنة للاجئين. البند الثالث هو العمل على استقطاب الأموال للاستجابة الفعّالة لحاجات اللاجئين. البند الرابع هو المساعدة عبر الاستجابة المباشرة وتمويل برامج الاستجابة الإنسانية.
بحسب أحدث إحصاء (يوم أمس 28 تشرين الأول/أكتوبر) لدينا، بلغ عدد اللاجئين السوريين المسجلين لدينا نحو مليون و 79 ألف لاجئ. في حين أن الرقم مليون و200 ألف الذي ورد في ورقة د. كمال كان صحيحاً في بداية العام 2015. لكن بناءً على سياسة الحكومة اللبنانية للحد من لجوء السوريين انخفضت هذه الأعداد إما بسبب تراجع زحم النزوح وإما بسبب إجراءات مفوضية الأمم المتحدة التي تعمل على التأكد من وثائق النازحين بصورة دورية. فالمفوضية تحذف أسماء النازحين الذين التي تركوا لبنان عن لوائحها.
وبناء على سياسة الحكومة اللبنانية توقف تسجيل النازحين الجدد، رغم وجود بعض حالات النزوح حتى اليوم. لكن يتم تسجيل حالات الولادات الجديدة في أوساط النازحين المسجلين، وهذه الولادات الجديدة بلغت منذ بداية الأزمة نحو 65 ألف ولادة. ويتم تسجيل هذه الولادات لدى المفوضية ولدى الدولة اللبنانية بهدف توفير الجنسية للمواليد الجدد لاحقاً.
من ناحية الاستجابة الإنسانية يوجد عدد كبير من البرامج؛ المفوضية تعمل مع نحو 80 منظمة غير حكومية لبنانية ودولية وبالتنسيق مع الدولة اللبنانية، ووزارتي الداخلية والشؤون الاجتماعية. ومن ناحية التخطيط للمستقبل نحن في صدد إطلاق نداء تمويل جديد وخطة للاستجابة جديدة للبنان بالتنسيق مع الدولة اللبنانية.
على المستوى التربوي، التحدي كبير فعلاً، إذ من الصعب جداً أن تشمل جميع الأطفال السوريين ببرامج تربوية رسمية. فعملنا بوجه عام يحصل من خلال المدارس الرسمية في لبنان بالتعاون مع وزارة التربية. وخلال هذا العام استطعنا تسجيل 150 ألف طالب سوري في البرامج المدرسية الرسمية في لبنان وهذا العدد يمثل نحو 38 بالمئة من اللاجئين السوريين في عمر الدراسة (بين الست سنوات والأربع عشرة سنة)، فنحن بالتعاون مع اليونيسيف نستطيع استيعاب 200 ألف تلميذ هذا العام، وهذا يمثل ضعفي عدد التلاميذ الذين تم استيعابهم عام 2014. لكن مقابل هؤلاء التلاميذ الملتحقين بالمدارس الرسمية يلجأ الكثير من الأطفال غير المسجلين في هذه البرامج إلى العمل.
هناك تحدٍ آخر يتعلق ببرنامج الرعاية الصحية لهذا العدد الكبير من اللاجئين. تقوم استراتيجيتنا على التجنُّب، أي العمل مع مراكز الرعاية الصحية الأولية لتجنُّب الحالات التي تصبح بحاجة إلى استشفاء.
في الاستشفاء نحن نغطي عدداً معيناً من الحالات ونستثني حالات أخرى. يغطي الاستشفاء إجمالاً نحو 75 بالمئة.
بالنسبة إلى المخيمات، في لبنان لا توجد مخيمات رسمية للاجئين، وبالتالي التعاطي مع المخيمات العشوائية التي تتكاثر، يركز أساساً على المأوى والصرف الصحي، مع العلم أن هناك ثغراً كثيرة في تغطية هذه الأمور إما بسبب ضعف التمويل وإما بسبب التحدي اللوجستي. 18 بالمئة فقط من النازحين موجودون في المخيمات العشوائية أما الباقون فموزعون على أماكن سكن مختلفة، كالكاراجات والمستودعات والغرف غير المؤهلة للسكن اللائق. وهي مع الوقت تزداد اكتظاظاً. مع العلم أن 82 بالمئة من النازحين يدفعون بدلات إيجار.
التحديات الكبرى التي نواجهها هي وضع اللاجئين غير القانوني في لبنان، فكثير منهم غير قادر على تجديد أوراق الإقامة في لبنان بسبب ارتفاع تكاليفها بالنسبة إلى اللاجئين (300 ألف ليرة سنوياً). وهذا ما ينعكس سلباً على حرية تنقل هؤلاء وبحثهم عن فرص عمل، فضلاً عن أنهم باتوا عرضة للتوقيف والاحتجاز.
هناك تحدي التمويل أيضاً. ففي عام 2015 كان نداء التمويل لدينا يطالب بـمليار و780 مليون دولار للاستجابة في لبنان. وحتى تاريخه (29/10/2015) وفر هذا النداء نسبة 45 بالمئة من المبلغ فقط. وبالتالي البرامج التي سبق أن خططنا لها وسعينا لتطبيقها لم نستطع توفير حتى نصف ما تحتاج إليه من أموال لتنفيذها. وبالتالي خياراتنا مع شركائنا الآخرين هي خيارات صعبة جداً.
بالنسبة إلى الوضع المعيشي للنازحين، وبناء على دراسة أجريناها منذ شهرين، تبين أن نحو 70 في المئة من النازحين يعيشون تحت خط الفقر، أي يعيشون على 3,84 دولار باليوم للفرد. ويمكن القول إن قدرة اللاجئين على العيش الكريم تتضاءل، وهم يضطرون إلى تعديل نمط معيشتهم المتأقلم مع الواقع الذي يزداد سوءاً.
ونلاحظ أيضاً أن نسبة الدَّين تزداد عند اللاجئين، كما تزداد نسبة تقاسم مكان السكن بين أكثر من أسرة.
4 – زكي محشي
ستنقسم مداخلتي إلى شقين: شق مفاهيمي وشق وقائعي
بالنسبة إلى الشق المفاهيمي كان يمكن لورقة د. كمال أن تكون أكثر شمولاً بدلاً من أن تركز على مخرج واحد من مخرجات الأزمة، وهو مخرج الانزياح السكاني بأقسامه الثلاثة: النزوح الداخلي والنزوح الخارجي والهجرة. لكن كان من المفيد إعطاء صورة عامة عن الجذر الرئيسي للأزمة السورية، وهو أمر كان موجوداً حتى قبل عام 2011. فهناك جذور اقتصادية للأزمة السورية يمكن توضيحها ببعض الأرقام. مثلاً متوسط دخل الفرد في سورية بالأسعار الثابتة لعام 2000 لم يتغير تقريباً منذ منتصف الثمانينيات حتى سنة 2000. كذلك الخدمات المقدمة في القطاعين الصحي والتعليمي لم تعرف تقدماً نوعياً بل كان هناك تطور كمي فقط في هذين القطاعين، وهو ما انعكس على مؤشر التنمية البشرية الذي لم يتحسن في سورية على مدى 20 سنة إلا نسبياً مقارنةً بدول الجوار. وهذا ما أدى إلى حدوث حالة إحباط لدى الشعب السوري، لأن توقعاته للتطور كانت أكثر من الحاصل فعلاً.
الحذر الرئيسي للأزمة هو حذر مؤسسي، إذ كان المجتمع السوري يشهد عملية اختناق مؤسسي، أي عدم قدرة المؤسسات التقليدية (الأسرة والدين…) والحداثية (الدستور والمؤسسات الحكومية…) على مواكبة تطلعات الشعب السوري فحصلت عملية الاختناق: الشعب السوري الطامح إلى التقدم ومواكبة الحداثة في الوقت الذي تعيق هذه المؤسسات تحقيق طموحاته وحراكه التقدمي.
قبل عام 2000 كان يوجد توازن عند الحد الأدنى لناحية تقديم التعليم والصحة مجاناً وتأمين التوظيف اللائق مقابل عدم خوض الناس في المجال السياسي وعدم الخوض في أعمال المؤسسات بصورة واسعة. لكن بعد عام 2000 انكسر هذا التوازن مع بداية تطبيق السياسات النيوليبرالية، كتحرير الأسعار ورفع الدعم ووقف التوظيف وعدم مواجهة الفساد.. فانكسر التوازن من خلال فقدان الناس فرص الصحة والتعليم المجاني وفرص التوظيف مقابل عدم اكتسابهم مزيداً من الحريات في التعبير وفي المجال السياسي. فانتفض الشعب للتعبير عن تطلعاته.
في ما يتعلق بالوقائع والبيانات والأرقام المتداولة، من الضروري تدقيق بعضها؛ فحين نتحدث عن نسبة من هم دون خط الفقر يفترض أن نحدد أي خط فقر: الأعلى أم الأدنى؟ إن نسبة السوريين دون خط الفقر في نهاية العام 2014 كانت بحدود 82 بالمئة. وقدِّرت الخسائر المادية حتى نهاية العام 2014 بـ 200 مليار دولار هي خسائر الناتج المحلي الإجمالي إضافة إلى الخسائر بمخزون رأس المال والخسارة الآتية من الزيادة الاستثنائية في الإنفاق العسكري. المنهجية المعتمدة في هذه التقديرات هي الـحقيقة المغايرة (Counterfactual) أي كم كان سيكون رأس المال في سورية لو لم تحدث الأزمة؟
بالنسبة إلى رأس المال البشري، تشير التقديرات المتعلقة بعدم الالتحاق بالمدارس داخل سورية أنها في حدود 45 بالمئة في مرحلة التعليم الأساسي (حتى العمر 14 سنة). وقد بدأ يظهر ما يسمى التعليم الشرعي. وعلى المستوى الصحي هناك دمار كبير لحق بالبنية الأساسية لهذا القطاع، كذلك على مستوى العمل المتوقع عند الولادة، إذ تشير التقديرات إلى تراجعه 20سنة إذا ما استمرت الأمور على ما هي عليه. لقد نزل العمر المتوقع من 70 سنة إلى 48 سنة.
بالنسبة إلى الانزياحات السكانية، إن المسح الذي أجري في سورية تختلف أرقامه عن أرقام المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وخصوصاً بالنسبة إلى اللاجئين؛ فالرقم كان أقل من تقديرات المفوضية، إذ أخذ المسح في الحسبان ظاهرة الهجرة الطوعية التي لم يلحظها أي تقرير دولي عن السوريين، إذ تشمل هذه الأرقام عدداً كبيراً من المهاجرين. لذا يمكن أن يكون هناك تداخل بين الهجرة والنزوح في التقارير الدولية.
ومن تداعيات الأزمة أيضاً تنامي اقتصادات العنف على نحو واسع. وهناك تنامي ظاهرة الاغتراب أيضاً التي تعكس اتساع المسافة بين الشعب السوري وما يحصل حالياً. فالشعب السوري اليوم يرفض بالمطلق العمليات التي تقوم بها داعش وهو كذلك يرفض العمليات التي تقوم بها القوات المتصارعة الأخرى.
وفي النهاية الخروج من الأزمة لا يمكن أن يتم إلا باتفاق داخلي. والقوى المجتمعية هي التي يجب أن تحدد أولويات المجتمع السوري وهي التي تضع البدائل التنموية لا القوى الدولية المتصارعة.
5 – زياد غصن
رغم التناقض العائد إلى تباين أهداف الجهات المعدة للبيانات ومشاريعها، فإن جميع البيانات والتقديرات الإحصائية تشير إلى أن ظاهرة لجوء السوريين وهجرتهم باتت تمثّل خطراً حقيقياً على مستقبل سورية كوطن ودولة ومجتمع من جهة، وعلى السوريين كأفراد ومؤسسات من جهة ثانية، إذ تظهر البيانات الرسمية غير المنشورة أن عدد المواطنين السوريين الذين غادروا البلاد بصفة غير نظامية منذ العام 2011 ولغاية شهر آب/أغسطس 2015 ولم يعودوا إليها بلغ نحو 3,4 مليون مواطن، في حين لا تتوافر أي بيانات دقيقة عن عدد السوريين الذين خرجوا من البلاد بصفة غير نظامية، سواء عبر المنافذ الحدودية الخارجة عن سيطرة الدولة أو تهريباً.
وترجِّح الهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكان في تقريرها غير المنشور عن التقديرات الأولية لانعكاسات الأزمة على الواقع السكاني، أن يكون معدل صافي الهجرة الاعتيادية (للدراسة أو للعمل أو لأسباب اعتيادية أخرى) قد ارتفع على نحو ملحوظ إلى ما لا يقل بالمتوسط عن 15 بالألف، أي بحدود 250 – 300 ألف مهاجر سنوياً، وبحجم إجمالي يراوح خلال السنوات الأربع الأخيرة ما بين مليون و1,2 مليون مهاجر، ليصبح الحجم التراكمي لصافي الهجرة الكلي لمرحلة الأزمة وما قبلها في حدود 4,3 مليون مهاجر، وهذا لا يشمل حالات اللجوء الاضطرارية، التي تسارعت وتيرتها في العامين 2012 و 2013.
إلا أن إحصاءات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، التي تؤكد أن عدد اللاجئين السوريين المسجلين في قيودها سيصل في نهاية العام 2015 إلى نحو 4,270 مليون لاجئ، توضح أن السوريين الذين خرجوا من بلادهم بصفة غير شرعية هم أيضاً ليسوا بالعدد القليل، ويمكن لاحقاً تبيان عددهم من خلال مطابقة مديرية الهجرة والجوازات لبياناتها بالتعاون مع السفارات والقنصليات التي لا تزال تعمل في الخارج.
تشمل خارطة اللجوء السوري كما نشرتها مفوضية اللاجئين ما يلي:
– 1,173 مليون لاجئ سوري في لبنان.
– 247,7 ألف لاجئ سوري في العراق.
– 629,1 ألف لاجئ سوري في الأردن.
– 132,3 ألف لاجئ في مصر.
– 1,8 مليون لاجئ في تركيا.
– 24 ألف لاجئ في شمال أفريقيا.
– 270 ألف سوري طلبوا اللجوء إلى أوروبا.
النقطة الأخرى التي أود الإشارة إليها أنه من الضروري التمييز بين ظاهرة اللجوء وظاهرة الهجرة عند دراسة هذا المتغير في المشهد السوري، فلكل منهما خصائصها ومشاكلها وأخطارها، ففي الوقت الذي تكاد تنحصر ظاهرة اللجوء إلى الدول المجاورة بأبناء المناطق الساخنة التي تشهد اشتباكات ومعارك بين الجيش السوري والمجموعات المسلحة والتنظيمات التكفيرية، فإن ظاهرة الهجرة، وإن كانت قد استقطبت الكثيرين من اللاجئين المقيمين في الدول المجاورة، فهي أخذت في الانتشار خلال العامين الأخيرين في المناطق «الآمنة» الخاضعة لسيطرة الدولة، وذلك نتيجة عدة أسباب، أبرزها المخاوف الأمنية، والتهرب من الخدمة الإلزامية والاحتياطية، وتراجع الوضع الاقتصادي والاجتماعي.
ويمكننا باختصار شديد الإشارة إلى أبرز الأخطار المتولّدة من جراء تزايد ظاهرتي اللجوء والهجرة كما يلي:
في اللجوء هناك:
– امتهان لكرامة الإنسان السوري وسلب حقوقه.
– انتشار واسع وعميق للتفكك الأسري والاجتماعي.
– انقطاع جيل كامل عن التعليم، وتشتته نتيجة تضارب المناهج الدراسية المعتمدة في مخيمات اللجوء.
– انتشار ظاهرة الاتجار باللاجئين السوريين بأوجه متعددة.
– انخراط كثير من شباب المخيمات بالعنف وماجريات الحرب وتشربهم أفكاراً متطرفة.
– شيوع ظاهرة الحرمان والجوع والمعاناة في توفير الحاجات الأساسية للحياة.
ولا تقل أخطار الهجرة حدة، إذ تكشف يوميات هجرة السوريين ما يلي:
– فقدان كثير من السوريين أرواحهم على طريق الهجرة.
– تعرض كثيرين للسرقة والخطف والمتاجرة بالبشر وسرقة الأعضاء البشرية.
– تشتت العائلات وتوزعها بين عدة دول.
– صعوبة اندماج الإنسان وتأقلمه مع المجتمعات الأوروبية.
– خسارة سورية للكفاءات والخبرات والكوادر الشابة.
– ارتفاع حالات الاعتداء على السوريين المهاجرين وتنامي المشاعر العنصرية ضدهم، وهذا ما سيجعلهم لاحقاً مضطرين إلى الانكفاء والانزواء.
ومن اللافت للنظر في ظاهرة الهجرة أنها باتت تشكل تزيفاً مرعباً للكفاءات والخبرات السورية، الأمر الذي يعني خسارة كبيرة جداً في رأس المال البشري، وتوضيحاً لملامح خطورة هذه الظاهرة نستعين ببعض البيانات الإحصائية التي تقول بهجرة:
– أكثر من 12 ألف طبيب من مختلف الاختصاصات (ذكرت ألمانيا أنها استقبلت منذ بداية الأزمة نحو 5 آلاف طبيب).
– أكثر من 11 ألف كيميائي.
– نحو 8 آلاف مهندس (ألمانيا ذكرت أنها استقبلت منذ بداية الأزمة نحو 5 آلاف مهندس).
– مئات الفنيين والخبراء في مجال المعلومات والتقانة.
– خروج آلاف التجار والصناعيين وأموالهم.
وعموماً فإن المخاطر الكلية لظاهرتي اللجوء والهجرة تتبدى في البنود التالية:
– تغيُّر المؤشرات الديمغرافية على مستوى الجنس والفئات العمرية والتوزع الجغرافي والمستوى التعليمي.
– تغيُّر التركيبة الاجتماعية والثقافية للمجتمع السوري، وذلك نتيجة تشجيع بعض الدول الغربية لمواطنين سوريين من أطياف معينة للهجرة، وتقديم تسهيلات معينة لخروجهم من البلاد.
– خسارة البلاد عقوداً طويلة من الاستثمار في رأس المال البشري، وافتقادها الكفاءات والخبرات والكوادر الشابة التي يعوَّل عليها في إعادة بناء سورية.
– خروج كميات كبيرة من الأموال التي كانت تستثمر سابقاً في القطاعات الاقتصادية والخدمية، وتؤمن بالتالي فرص عمل وحاجات المواطن السوري.
6 – عمر الحلاج
سأحاول الحديث عن مغزى الأرقام. لكن أود أن أبدأ أولاً بطرح بعض المفاهيم الأساسية حول ماذا تغير في داخل سورية. كل هذه الأرقام والتقديرات المتداولة اليوم من جهات مختلفة تتجه إلى القول إن عدد الذين لا يزالون موجودين في داخل سورية لا يزيد على 17 مليون نسمة، وفق تقديرات المنظمات الدولية. أما الإحصاءات غير الرسمية فتقول إن الرقم لا يتجاوز الـ 15 مليوناً. وبغض النظر عن دقة هذه الأرقام فإن عمق المشكلة كبير جداً. الأهم من ذلك هو ماذا تغير في المجتمع السوري في الداخل؟
أولاً، هناك نزوح كبير من الريف إلى المدينة؛ فقبل العام 2010 كان نحو 57 بالمئة من سكان سورية هم من الحضر مقابل 43 بالمئة في الأرياف، واليوم نتكلم على 87 بالمئة من السوريين هم من سكان المدن. لجأ الناس إلى المدن لأنها أكثر أمناً وأكثر توفيراً للخدمات. إذاً هناك تغير جذري في البنية المجتمعية السورية سيحدث على مدى سنوات وهو تغير لا رجعة فيه.
ثانياً، إن أغلب المدن السورية عانت نقصاً شديداً في سكانها الأصليين مقابل زيادة كبيرة في نسبة السكان الوافدين. المدينة السورية الوسطية خسرت نحو 30 – 40 بالمئة من سكانها، لكن هذا لا يعني أنها تحافظ على 70 أو 60 بالمئة من سكانها الأصليين. فالمدينة السورية الوسطية فقدت من سكانها الأصليين في حدود النصف، زاد عليهم وافدون، فبقي فيها في حدود 70 بالمئة من مجمل عدد سكانها. طبعاً هذا لا يعني أن كل المدن متشابهة، فطرطوس والسويداء شهدتا زيادة واضحة في عدد السكان الوافدين، أما حلب وحمص فخسرتا عدداً كبيراً من سكانها. وهذا سيُحدث تغيراً جذرياً في هذه المدن، بمعنى أننا نتحدث عن تغير نحو نصف سكان المدينة، وهذا ما سيُحدث بعض المشكلات في المستقبل، منها المتعلقة بملكية المنازل والمتعلقة بالمتغيرات الديمغرافية الأساسية.
في ما يتعلق بالأرقام المتداولة كالحديث عن 50 مليار دولار في الأصول الثابتة، فهذا الرقم يعني أنه إذا تم الاتفاق السياسي على إنهاء الأزمة في سورية اليوم فسنحتاج إلى 15 – 20 سنة على الأقل لإعادة إعمار سورية إذا كان كل شيء يسير كما يجب. وهذا لن يحدث طبعاً. فالمخزون السكني الذي تدمر والذي احتاجت سورية إلى 15 سنة لبنائه لن يعاد بناؤه خلال 15 سنة بل سيحتاج إلى سنوات أكثر، لأن الإمكانات البشرية (المهندسون) والمادية والطبيعية الإسمنت والماء لم تعد متوافرة في سورية.
من جهة أخرى هناك موضوع اقتصاد الحرب، الذي يمثل اليوم نحو ثلث الناتج المحلي الباقي، الذي يبلغ نحو 23 – 24 مليار دولار، الذي كان قبل الحرب في حدود 57 – 58 ملياراً. فهل يمكن إزاحة اقتصاد الحرب بسهولة؟
نحن الآن أمام اقتصاد ثلثه اقتصاد حرب. وهذا الثلث يزداد مع الوقت، مع العلم أن العقوبات الاقتصادية على سورية تعزز اقتصاد الحرب، فتجاوز العقوبات على سورية هو جزء من اقتصاد الحرب، لأن الناس يدفعون الخوّات لإدخال السلع بطريقة غير شرعية إلى سورية، وهذه الخوات تُدفع لدى كلا الطرفين، النظام والمعارضة.
تنفق داعش في سورية خدمياً في الأرياف التي تديرها ما كان ينفقه النظام تقريباً. فهذه الأرياف متخلفة إجمالاً ولم يكن النظام ينفق فيها أكثر من 200 دولار للفرد سنوياً، وتنفق داعش المعدل نفسه تقريباً أيضاً، في حين تنفق داعش في المدن أقل مما كان ينفقه النظام، ففي الرقة ودير الزور كان معدل الإنفاق على الفرد سنوياً من جانب النظام في حدود 400 دولار سنوياً، في حين أن داعش لا تنفق هذا المبلغ.
إذا حسبنا هذه الأرقام بناء على عدد السكان المقدّر في مناطق داعش وأضفنا إليها الرواتب والأجور التي تقدّر بحدود 600 – 700 دولار للمقاتلين الأجانب و300 دولار للمقاتلين السوريين، إضافة إلى النفقات اللوجستية الأساسية (أو أقل)، تنفق داعش شهرياً في حدود 150 – 160 مليون دولار، في حين أن عائدات النفط السورية كلها، في الوضع الذي هي عليه الآن، لا يمكن أن تدر بأحسن الأحوال على داعش أكثر من 30 مليون دولار شهرياً، والضرائب الرمزية التي تفرضها داعش توفر نحو 20 مليون دولار؛ فهذا يوفر في حدود 50 مليون دولار، فمن أين يأتي الفارق (100 مليون دولار)؟
إذاً هناك أموال ضخمة تأتي من خارج سورية.
وما يحمي الليرة السورية هو أن مناطق المعارضة ما زالت تتعامل بهذه الليرة. حاولت تركيا تحويل التعامل إلى الليرة التركية في الشمال السوري، وقد صدرت فتاوى شرعية في هذا الصدد، لكن الناس رفضوا ذلك وقالوا إن حجم تعاملهم الاقتصادي مع مناطق النظام أكبر من ذلك، وبالتالي فشل مشروع تحويل التعامل إلى الليرة التركية.
في ما يتعلق بالحلول السياسية في المستقبل، الكل يتوقع حلولاً ذهبية، لكن هذه التوقعات غير واقعية وغير ممكنة، إذ بات هناك كيانات سياسية عسكرية موجودة على الأرض. وباتت توجد مصالح فئوية في مناطق المعارضة ومناطق النظام على السواء. وهي مصالح خاصة ببعض الرموز أو الجماعات التي تستفيد من استمرار اقتصاديات الحرب، وهي مصالح لا يمكن إزالتها بين ليلة وضحاها بل يجب إيجاد اقتصاد بديل، وهذا الاقتصاد البديل لا يمكن توفيره إلا بحصول اتفاق وطني يشمل جميع السوريين.
من جهة أخرى، فإن داعش لن تندحر بمجرد قطع الإمداد عنها، بل ستظل موجودة بطريقة ما وستأخذ أشكالاً أخرى، قد تكون أقل ظهوراً، ولكن لن يتم اجتثاث داعش من سورية بالعسكرة فقط، إذ ليس هناك مخزون بشري سوري قادر على مقاتلة داعش. لذلك يجب أن تقاتَل داعش على كل الصعد، الاقتصادية والسياسية والعسكرية والاجتماعية.
7 – صهيب عنجريني
المشكلة الأساسية الآن في ما يخص الهجرة واللجوء هي أنه منذ العام 2012 إلى اليوم يتم تسييس كل شيء في هذا الموضوع. حتى اليوم من الواضح أن الراغبين في إنهاء هذه الحرب هم أقل قوة وعدداً من الراغبين في استمراريتها. هذا سيقودنا إلى السؤال: إلى أي مدى ستكون المنظمات الدولية قادرة على الحصول على التمويل، في حين أن الأطراف المتحاربة قادرة على الحصول على تمويل لحربها؟ لذلك نحن أمام مشكلة تقع على المنظمات الدولية مسؤولية كبيرة تجاهها هي أن هذه المنظمات يجب ألّا يقتصر دورها على ما تقوم به اليوم، فالأمر يتطلب أكثر من مجرد نداءات لتمويل برامج الإغاثة.
المشكلة الآن هي أنه في اللحظة التي يمكن أن نتحدث فيها عن أطراف ستنتج حلاً سياسياً أو اتفاقاً، لن يكون هناك اتفاق على إنهاء الحرب بل على نقل الحرب إلى مرحلة جديدة. فإذا تم التوافق منذ الآن على وضع العملية السياسية على السكة فهذا لا يعني أن الحرب ستتوقف، لأن العملية السياسية ستشمل أطرافاً محددة وأماكن محددة. لذلك يبدو أن الحرب ستستمر لسنوات.
8 – أحمد حلواني
أعتقد أن الحل يكمن في تأمين مظلة سياسية مدعومة دولياً ومتفق عليها. هذا هو الأمر الذي يجري العمل عليه، وهو سيؤمّن إجماع السوريين لأسباب معروفة، منها تعب الأطراف وحاجتها إلى العودة إلى الأمان، وبالأساس طبيعة السوريين؛ فعلى الرغم من حديث البعض عن تغير القيم المجتمعية فإن القيم المجتمعية الأساسية للسوريين في رأيي يمكن أن تعود إلى ما كانت عليه، وبالتالي لا لزوم لمحاربة داعش، أنا أعتقد أنه بتأمين المظلة السياسية المتفق عليها والمدعومة دولياً ستنحسر ظاهرة داعش شيئاً فشيئاً وسيؤول ذلك إلى نهايتها في النتيجة، وأعتقد أن التدخل الخارجي في سورية سينتهي في حال حصول اتفاق دولي على المظلة السياسية.
10 – سعد الدين ميتة
بلدة بر الياس يبلغ عدد سكانها نحو 45000 نسمة، إضافة إلى 5000 لاجئ فلسطيني فضلاً عن الـ 70000 نازح سوري، بحيث يبلغ عدد سكانها اليوم 120 ألف نسمة. وقد أحدث هذا الأمر أزمة في البلدة، ففي البداية كانت البلدية تستوعب كل الصدمات وتتلقف كل المشكلات بين المواطن السوري والمواطن اللبناني، على أمل أن تعوض البلدية الخسائر، بعدما زادت نفقاتها مع مجيء النازحين السوريين. على سبيل المثال، تضاعفت كمية النفايات في البلدة، وكان لدى البلدية سيارة نفايات واحدة واليوم أصبح لدينا 4 سيارات وهي غير كافية لأن نفقات البلدية زادت لناحية عدد السائقين المطلوبين ولناحية الصيانة والوقود… وهذا أمر يندرج على كل المستويات الأخرى بحيث باتت موارد البلدية غير كافية وبتنا غير قادرين على الإيفاء بوعودنا للمواطنين بإنجاز بعض الأعمال التنموية في البلدة. ونحن اليوم نواجه مأزقاً كبيراً، على مختلف مستويات الخدمات والبنى التحتية التي توفرها البلدية (مياه، صرف صحي، نفايات، الكهرباء، التعليم)، إذ أصبحت البلدية في حالة عجز منذ ثلاثة أشهر، الأمر الذي اضطرها إلى رفع معدل الجباية من المواطنين. لكن إذا لم تساعدنا الدولة حالياً فنحن كبلدية لم نعد قادرين على تحميل المواطنين مزيداً من الأعباء عن طريق رفع الجباية. اليوم بدأت أجواء التوتر والتململ تتصاعد في البلدة، وبخاصة بعدما دخل بعض النازحين السوريين في مجال الاستثمار في البلدة على نحو ينافس المستثمر من أبناء البلدة. وبالتالي يبدو أننا مقبلون على مرحلة تدعو إلى القلق.
يدخل مندوبو الأمم المتحدة إلى المدرسة التي تضم طلاباً سوريين وطلاباً لبنانيين، فيعطون ألعاباً للطلاب السوريين فقط. فهل هذا يجوز في عدالة الأطفال؟ ثم إن أهالي الأطفال اللبنانيين يحمّلون البلدية المسؤولية عن ذلك.
على مستوى الملف الأمني، تزايد عدد الحوادث في البلدة، وهو ما خلق حالة تململ لدى أبناء البلدة، فاضطرت البلدية إلى رفع عدد عناصر الشرطة من 3 إلى 20 عنصراً حرصاً على عدم حصول مشاكل، وهذا ما رفع بدوره من الأعباء المالية للبلدية.
مع كل ذلك، طلبنا من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ألّا يتعاملوا مع الملف السوري في البلدة من دون مراجعة البلدية والتنسيق معها، فلم يكترثوا بذلك، لأنهم وفق توجههم هم معنيون فقط بالنازح السوري. فالمفوضية لا تتعاون معنا لناحية تبادل المعلومات والبيانات الإحصائية المتعلقة بالنازحين السوريين في البلدة. وفي ظل هذه الأوضاع المتفاقمة، أرى أن المنظمات والدول المانحة إذا لم تتجاوب مع البلديات التي تحتضن بلداتها نازحين فإن الأمور تسير باتجاه صعب جداً.
ثانياً: مناقشات الورقة الثانية: التصعيد
1 – كريم بقرادوني
لا نستطيع أن نأخذ الموضوع السوري في بعده السوري فقط، أو العربي فقط، أو الإقليمي فقط، أو الدولي فقط. لذا سأتناول الموضوع بكل هذه الأبعاد بسرعة. على المستوى الدولي، هناك دولتان عظميان أساسيتان مع فارق أساسي. هناك دولة حكمت العالم أحادياً منذ بداية التسعينيات حتى اليوم، وما كانت تريده أمريكا كان ينفَّذ. اليوم، تبدو أمريكا أنها تريد الانسحاب من المنطقة رويداً رويداً. وهناك في المقابل دولة تريد الدخول إلى المنطقة «عسكرياً» وبقوة، وبالتالي نحن أمام مشهد إقليمي جديد: دولة تتراجع لأسبابها مقابل دور روسي يكبر في المنطقة وأتصور أنه سوف يكبر.
وإقليمياً، أنا مقتنع بأن هناك دولتين تحددان مصير سورية، هما إيران والسعودية، أضف إليهما دولة ثالثة غير عربية هي تركيا. هذه الدول الثلاث تحدد مصير المنطقة بما فيها سورية. أما السعودية، فبسبب وفاة الملك والخلاف القائم وسط العائلة الحاكمة، وبخاصة حول موضوع ولي العهد، هناك أمر ما غير واضح. في حين أن الدولة التي كانت منشغلة منذ سنوات أصبحت الآن أكثر راحة، الأمر الذي يجعل إيران ذات باع طويل في المنطقة. هذا لا يعني أن إيران بيدها الحل، إذ من دون تركيا والسعودية لا يوجد حل حقيقي.
على المستوى العربي، عندما أنظر إلى العروبة أصدم، بسبب حالتها الآن. ولكن لا شك أن البديل عن العروبة هو الاقتتال بين العرب؛ فرغم ضعف العروبة اليوم ورغم وكل ما يقال عن إخفاقها عدة مرات «فإنه لا خيار لنا إلا «العروبة»، أما البديل فأصبح واضحاً، وهو الاقتتال الديني والمذهبي. لذا يجب أن تبقى العروبة هي المفهوم، لكي لا نترك المجال لمفاهيم أخرى. كنت أظن أن لبنان وحده يحتوي طوائف ومذاهب. ولكن اكتشفت أن البلدان العربية غنية جداً بالتنوع الديني. لم أكن منتبهاً إلى هذا التنوع بسبب النظام الأحادي العربي الذي كان يشكل غطاءً على هذا. وعندما ذهب النظام الأحادي اكتشفنا هذا التعدد والتنوع والاختلاف. وهذا التنوع كيف يمكن جمعه إلا من خلال «العروبة»؟ لهذا أرى أن ذهاب العروبة يعني النهاية.
في البعد السوري، أنا من المقتنعين اقتناعاً تاماً أن لا حل في سورية من دون بشار الأسد. فأي تسوية تكون خارجه لن تحصل، وإن حصلت فلن تتنفذ.
2 – عمر الحلاج
لا شيء اسمه مصلحة كاملة، اليوم حجم التبادل التجاري بين روسيا وتركيا 35 مليار دولار، أي أكبر مرةً ونصف المرة من التبادل مع سورية. أما التبادل التجاري التركي – الإيراني فهو نحو 20 مليار دولار. اليوم لا يمكن النظر إلى المنطقة من منظار مصالح فقط. هناك علاقة ما تقوم بين الأتراك والإيرانيين، لذا لا نستطيع الوصول بالخلاف إلى أبعد من حدود معينة لكي لا تتضرر المصالح في المستقبل. كذلك بالنسبة إلى الروس والإيرانيين فبينهم مصالح على المستوى الجيوستراتيجي في المنطقة، مقابل خلاف جذري على ملف الغاز. كذلك السعودية، لديها تفاهم مع الأتراك حول إزاحة الأسد، وفي الوقت نفسه لديها خلاف جذري معهم على نموذج من يحكم عالم السُّنّة. وداخل كل بلد مراكز قوى مختلفة. أي أن داخل الحكومة التركية لا نستطيع الزعم بأن أردوغان هو الآمر الناهي في كل شيء أو أنه اللاعب الوحيد. الجيش مثلاً لديه اعتبارات وخطوط حمر تختلف عن اعتبارات الاستخبارات أو اعتبارات أردوغان… كذلك الأمر في إيران حيث توجد جهات لديها مصالح مع تركيا، وتدفع باتجاه عدم حصول خلاف معها. كل هؤلاء يلعبون على المستوى الإقليمي اليوم. وهم مرتبطون معاً في إطار ما وليسوا مختلفين بالضرورة كما نظن.
أتفق مع من يرى أن روسيا تشعر بأنها مهددة جذرياً من أمريكا. المعادلة الأساسية بين الروس والأمريكان في سورية ثبّتت في العام 2013 بعد قصة الكيميائي. هذه اللعبة أصبحت واضحة نسبياً.
من جهة أخرى، كيف تتعامل أمريكا مع المنطقة؟ لا أتفق مع من يقول إنهم ينسحبون.. الأمريكان منذ أيام كوندوليزا رايس اشتغلوا في إطار مختلف مع المنطقة. كانوا يحاولون تحميل بعض المهمات للملكيات والدكتاتوريات التي تهمهم في المنطقة والتي تشتري منهم الأسلحة، وفي النتيجة تكون هذه الملكيات والدكتاتوريات مسؤولة عن إدارة المنطقة: «نحن ندعمكم لتكونوا قادرين على إدارة مناطقكم وإن لم تستطيعوا ذلك فلا حاجة إليكم».
3 – صهيب عنجريني
يوجد دائماً لاعبون إقليميون في الأزمة السورية لهم حسابات مختلفة عن اللاعبين الدوليين (الأتراك والإيرانيون والسعوديون والأردنيون والإسرائيليون)، ولكل منهم حساباته الخاصة التي قد تتقاطع أحياناً مع حسابات اللاعب الدولي، مع العلم أن هناك تحالفات بين اللاعبين الدوليين واللاعبين الإقليميين أحياناً. مثلاً السعودية حليفة لأمريكا ولكنها في الوقت نفسه ضد الاتفاق الإيراني – الأمريكي؛ فحسابات اللاعبين الإقليميين لا تتوافق بالضرورة مع حسابات اللاعب الدولي.
الروس والأمريكان بدأت لعبتهم في وقت معين واتفقوا على كثير من التفاصيل؛ فإلى أي مدى سيلتزم اللاعبون الإقليميون بما يتفق عليه اللاعبون الدوليون. هذه نقطة مهمة. ومن المعلوم أنه من دون إغلاق الحدود التركية لا يمكن أن نشهد تراجعاً للمجموعات المسلحة. إذاً من دون رضا تركي على كل ما سيُتَّفق عليه، لا يمكن أن نشهد دخول المجموعات المسلحة على سكة الحل السياسي. أصلاً من سيقود تلك المجموعات نحو الحل السياسي غير الدول التي تدعمها؟
4 – زكي محشي
العلاقات الدولية هي دائماً دينامية وشديدة التغيير وبتسارع كبير لا نستطيع تخيُّله؛ فالتركيز على الوضع الحالي بمتغيراتٍ وعواملَ درجةُ عدمِ التأكد منها عاليةٌ، ربما يؤثر سلباً في التحليل. فنحن متلقون أكثر مما نحن مبادرون لكي نفهم الوضع. بالنسبة إلى العلاقات الخارجية والعلاقات بين الدول تجاه الأزمة السورية، لا نغفل الدور الأكثر عمقاً، وهو دور إسرائيل التي تمثل العدو الوجودي لسورية، وكذلك الدور الإسرائيلي المتداخل مع الدور الأمريكي والمتداخل مع الدور الروسي، الذي هو حليف النظام الذي يوصف بالنظام العروبي الذي يحارب إسرائيل. فهناك تداخلات كبيرة بالمجال الدولي كان يمكن الورقة أن تضيء عليها وبخاصة بالجانب الإسرائيلي.
النقطة الأساسية، وبما أن المتغيرات الخارجية التي لا نستطيع التنبؤ بها كثيراً، أننا يمكننا النظر إلى النتائج التي تُظهر أن سورية مستباحة والحدود مستباحة والاقتصاد مدمر والسوق مدمرة والمجتمع السوري مشتت. فالنتائج واضحة، وأكثر العوامل التي يمكن أن نتكلم عليها هي العوامل الداخلية. والسؤال الذي كان يمكن أن تطرحه الورقة هو لماذا لا يأخذ الرئيس بشار الأسد في سورية خطوات تغيير جذرية تغير المواقف الدولية كافة؟ أي لماذا يتم تعيين حكومات فاشلة في الأزمة؟ وهذا باعتراف الحكومات.. ولماذا لا تؤخذ خطوات جذرية للإصلاح؟ هل هو خوف من التغيير لأن التغيير يمكن أن يؤدي إلى تغيير في رأس الهرم؟
5 – فارس أبي صعب
سوف أنطلق من الجلسة السابقة لكي أبني الموقف حول هذه الجلسة. الجلسة السابقة غرقت بالأرقام إلى حد أنها صوّرت الأمور حول ما يحدث في سورية بطريقة سوداوية إلى حد بعيد. ومنهجياً أرى أنه من الخطأ بناء استنتاجات على مبدأ الأرقام وحدها، لأن البناء على المعطيات الكمية وحدها لا يؤدي بالضرورة إلى المكان الصح. لو أن الأرقام وحدها تقرر الأمور لكان ما وقع خلال الحرب العالمية الثانية من خسائر مادية وبشرية لدى الاتحاد السوفياتي ودول الحلفاء على يد ألمانيا ودول المحور، يجعلنا نتردد، أمام ضخامة الأرقام، في الحديث عن انتصار على النازية والفاشية في تلك الحرب. وكذلك لو أخذنا نموذج الحرب الإسرائيلية ضد لبنان في تموز/يوليو 2006، إذا استندنا إلى الأرقام المتعلقة بموازين القوى العسكرية والتقانية والبشرية والمالية، أو إلى أرقام الخسائر المادية والبشرية للحرب، لكنا خضعنا لمنطق أن لبنان وحزب الله (المقاومة اللبنانية) هزما في تلك الحرب وأن خيار المقاومة خاسر في الأساس في وجه إسرائيل. فالأرقام ليست هي دائماً التي تدل على اتجاه الأمور، وليست عليها فقط تبنى مقاربات القضايا السياسية والاستراتيجية.
أعطي أمثلة مما ورد في كلام الأخ زكي، الذي يقدم الإنفاق العسكري الإضافي من جانب الحكومة السورية كخسائر، لكن لم يقدم صورة عن المشهد الآخر من دون هذا الإنفاق، إنه انتصار داعش في سورية الذي سيمثل كارثة أكبر كثيراً من خسارة عشرة مليارات دولار زادت على ميزانية الجيش كإنفاق عسكري. لذا، ليست الأرقام دائماً توصلنا إلى التقدير الصحيح.
من هنا لا بد من قراءة الأمور على قاعدة التحليل النوعي وانطلاقاً من رؤيتنا لطبيعة التناقضات. في رأيي لا بد من قراءة ما يحدث في سورية اليوم على قاعدة التناقضات الكبرى في المنطقة وعلى قاعدة أن القيمة الاستراتيجية لهزم المشروع الذي تواجهه سورية اليوم لا يمكن مقارنتها بمجموعة أرقام تتعلق بزيادة النفقات العسكرية مقابل تراجع الناتج المحلي في سورية مثلاً. هنا نعود إلى السؤال «لماذا سورية مستهدفة؟» صحيح أن هناك جزءاً من الأزمة له أسباب موضوعية داخلية «اقتصادية واجتماعية وسياسية…». هذا جزء من منحى الصراع ولكنه ليس هو كل ما يحكم الصراع اليوم. هناك تناقضات أكبر إقليمية ودولية هي التي تحكم الصراع في سورية، وتناقضات الداخل باتت موظفة في تناقضات الخارج. فأجندة السعودية وأمريكا وتركيا وقطر لا تتعلق بالديمقراطية في سورية ولا تتعلق بالفساد والنظام الأمني، ولا بتداعيات السياسات النيوليبرالية التي اعتُمدت في سورية لمصلحة هذه الأطراف أصلاً. النظام السوري لو قدم تنازلاً في مسألة تحالفه، ليس مع إيران «الشيعية» كما يقال – إذ إنني أرى أن هذا التوصيف المذهبي لتناقضات المنطقة هو أكذوبة وخدعة كبيرة وتضليل لحقيقة التناقضات – بل تحالفه مع خيار سياسي واستراتيجي في المنطقة هو خيار المقاومة، لو قدم تنازلاً على هذا المستوى، وتنازل عن الجولان، لكان هذا النظام السوري مرتاحاً ولما تعرض لهذه الضغوط ولَحكَم سورية بكل قوته إذا أراد. وما كانت أمريكا والسعودية وغيرهما قد ضغطت عليه كما تفعل اليوم. نعم كلنا نتمنى لسورية أن تكون دولة ديمقراطية وفيها تعددية سياسية ويحكمها نظام شفاف وعادل… إلخ، ولكن هذا حلم لا نتوقعنّ أن نراه يتحقق في سورية قريباً، بمجرد حصول تغيير في رأس هرم النظام، مثل ما حصل مع العراق حيث لم تنتهِ حرب إسقاط رأس الهرم حتى بتدمير البلد، أو كما حصل في ليبيا، وفي اليمن، وحتى في تونس ومصر، التي تغير رأس الهرم فيها كلها، ولم تتحقق ديمقراطية الحلم والعدالة والمساواة والمشاركة السياسية المتخيّلة في أي من هذه التجارب، ولو بنسب متفاوتة بين تجربة وأخرى. لذلك هذا الحلم الذي أغرونا فيه بأننا سنحققه وسنعيش في دولة ديمقراطية عادلة وخالية من الفساد، هو أكذوبة لن نصل إليها. نحن نقتنع بما هو أقل سوءاً في هذه المرحلة.
أنا أتفق مع الأخ صهيب بأن اللاعبين الإقليميين لهم أجندتهم التي لا تنطبق دائماً مع الأجندة الأمريكية أو الروسية. فالسعودية مثلاً ربما لديها أجندة أخطر كثيراً من الأجندة الأمريكية في المنطقة؛ فالمزاوجة بين خدمة المصالح الأمريكية من جهة، والبنية القبلية الرعوية والشخصانية من جهة ثانية، والفكر الوهابي التكفيري من جهة ثالثة، أنتج مركّباً أو خليطاً يحكم سياستها الداخلية والخارجية جعلها خارج السياق التاريخي لتطور النظم السياسية والدول والتحالفات والأطر فوق – القومية في العلاقات الدولية، وهو ما أتاح لها، في ظل توافر الموارد المالية والإعلامية الضخمة لديها، فضلاً عن العسكرية مؤخراً، العبث في المكونات السياسية والمؤسسية والاجتماعية والثقافية والقيمية للآخرين، وبخاصةٍ إذا كانوا خصومها. كل ذلك يحمّل جعبة السياسة الخارجية لديها ما لا يمكن أن تحمله جعبة السياسة الخارجية الأمريكية نفسها.
6 – زياد غصن
إن تدخل روسيا عسكرياً بصورة مباشرة يشبه تماماً المتغير في بداية الأزمة. في البداية كانت فرنسا هي الأكثر تشدداً وكانت أمريكا هي الأقل تشدداً؛ وبعد فترة انقلبت المسألة لتصبح أمريكا الأكثر تشدداً وفرنسا الأقل تشدداً. هذا التدخل الروسي إضافة إلى بعده الإقليمي والدولي، محكوم عليه بعاملين أساسيين. العامل الأول مضمون الاتفاق مع سورية، فما هو مضمون الاتفاق مع الحكومة السورية أو الرئيس لدخول روسيا على الخط في الحملة الجوية؟ والأمر الآخر، وكلنا يعرفه، هو قدرة الاقتصاد الروسي على تحمل تكلفة هذه الحملة وطول مداها الزمني. وأتوقع أن القدرة الاقتصادية على تحمّل التكلفة هي لعدة أشهر. وبعض التقارير تقول إن تكلفة التدخل الروسي في حدود 10 بالمئة من قيمة التدخل العسكري في المنطقة. ولكن قياساً على اقتصاد روسيا سيكون مبلغاً له تأثيره في الاقتصاد الروسي. الفكرة الأخرى التي تطرح دائماً تتعلق بالحل السياسي. لماذا نستبعد الحل السياسي دائماً؟ والمسألة الأخرى هي كيف سينجح الحل السياسي إذا لم يرمَّم الوضع الاقتصادي وإذا لم تُحَل مسألة إعادة الإعمار؟ إذاً الحل السياسي الذي يُطرح إذا كان ذات اتجاه واحد وإذا حُدِّد بنقاط معينة فهو سيكون مجرد تجميد للصراع وليس حلاً، وبالتالي سيكون مهدداً إما بالانهيار وإما بالاستمرارية ولكن من دون فاعلية على الأرض، ما لم يكن له حامل اقتصادي أساسي تلتزم به الدول الإقليمية والدولية قبل الأطراف السورية المتحاربة.
7 – أكرم القش
كان يمكن الإشارة في عنوان الورقة إلى «التحريك» بدلاً من «التصعيد». تحريك الجمود الذي كان سائداً في حقبة سابقة نظراً إلى غياب أي حل وإلى تجميد جنيف 3 وفشل كل الطروحات السابقة. فجاء التدخل الروسي فحرك الأمور من جديد لكن لم يصعِّدها بل على العكس هدأها. الجماعات التي تقف بوجه الدولة، لم تميز موقف روسيا؛ هل هي كانت تقصدها أم لا؟ استهدفت الضربات الروسية حتى الآن 90 بالمئة من هذه الجماعات بهدف الضغط على كل الأطراف، وهذا نوع من دعوة الجميع إلى الاتفاق. قناعاتي هي أن أي جهة سياسية مهما كانت كبيرة أو صغيرة لا تتحرك إلا بناء على مصالحها الخاصة. مصلحتها تحركها لا مصلحة الآخرين.
الفكرة الثانية أن كلاً من روسيا وأمريكا متفقتان على الخطوط العريضة، وهما من رسم لكل واحد دوره ومتى يقوم بدوره وكيف. وبالتالي مصالحنا كشعب عربي تأتي في آخر سلم الأولويات. طبعاً يمكن أن نستفيد بشكل تقاطعي، ولكن ليس من بابٍ الهدفُ منه هو إفادة هذا الشعب. أكيد يهمنا تحريك الأمور وأن تذهب باتجاه المصلحة السورية ولكني أشك في ذلك، سيأتي تحريك آخر من نوع آخر. هذا نوع من استدامة الصراع وخلق بؤر ومجموعات جديدة لم تكن موجودة سابقاً. بدليل أننا لم نكن نعرف داعش ولم تظهر إلا مؤخراً. ظهرت جماعات من نوع معين عام 2012 ومن نوع آخر عام 2013 ونوع آخر عام 2014 ونوع آخر عام 2015؛ وفي كل عام يظهر نوع من الجماعات المتطرفة أكثر وأكثر.
8 – أحمد حلواني
أنا موافق على القول إن التدخل الروسي هو تحريك وليس تصعيداً. النقطة الثانية سبق أن طرحها الأستاذ كريم، وهي بأن أي تسوية يجب أن يكون الرئيس بشار الأسد هو شريك ومشارك رئيسي فيها، بغض النظر عن القوة التي يمثلها ويسيطر عليها. فهو الرئيس الشرعي لسورية. أؤيد الأستاذ أكرم أيضاً في أن المشكلة في سورية هي بسبب هذه التدخلات الخارجية. مثلاً حين أعلنت بثينة شعبان حزمة الإصلاحات باسم الرئيس بشار الأسد والقيادة السورية، في رأيي أنها كانت خطوة ممتازة وجديرة بالقبول. وتحدثت حينها مع المعارضة وطلبت إليهم إعلان الموافقة وقالوا حينها لا توجد مصداقية واعتبروني حينها أداةً للنظام، وقلت لهم على العكس، الآن العالم معكم وإذا قبلتم فسيعلن قبولكم وبالتالي لن يستطيع النظام العودة عنه. وكان الرئيس بشار موافقاً عليه في حينها.
والمؤسف أيضاً أنه كما انتقلت المعارضة من الجانب السلمي إلى الجانب المسلح، كذلك النظام اقتنع بالعرض الروسي.
9 – كمال خلف الطويل (يرد)
حول موضوع إسرائيل قراءتي تقول إن إسرائيل ليست دولة مقررة، لا في المشهد السوري ولا في حالة الإقليم. هي دولة وازنة. وأهميتها لا تكمن فقط في وزنها النوعي كقوة محلية أو إقليمية، وإنما من ارتباطها العضوي بالولايات المتحدة. وإسرائيل خضعت لتحولين في السنوات العشرين الأخيرة، فهي تديّنت وتأمركت في الوقت نفسه، وهناك معضلة محلية إسرائيلية، دولة تعاملت مع المشهد السوري من باب تجريبي (أجرب هنا أو أجرب هناك)، وفق التعامل «يوم بيوم». لا توجد رؤية واضحة لدى إسرائيل، وهي لا تملك القدرة على التصرف بالساحة بالكامل. لم تعد إسرائيل كما هي تظن أو يظن البعض بأنها ما زالت دولة فعالة كما كانت عليه منذ سنوات.
الأمر الآخر هو التصعيد، الذي قصدت فيه أن ما فعله الروس قد يقود إلى ردود فعل ليست سهلة. تقول قراءتي بأن قانون الصراع هو القانون الحاكم. كما قال أ. كريم، أنت قوة تنحسر، وهو قوة يحاول أن يغتنم ذلك الانحسار، وبالتالي يضع الذي أمامه أمام أمر واقع فيخلق واقعاً.. وهذا الواقع يتفاعل من أمامه معه بحسب الظروف وحسب الإمكانات.
10 – عمر الحلاج
أريد التحدث عن بعض البيانات الداخلية، فالأرقام أحياناً تحدد بعض الأمور. نحن كنا في دولة ميزانيتها السنوية 17 مليار دولار كان يصرف منها على الإنفاق المحلي من جانب كل الوزارات المعنية بالإنفاق المحلي، وليس على الإنفاق في الإدارات العامة وفي الوزارات السيادية، 10 مليارات دولار سنوياً. أي أن رزمة الحوكمة الأساسية في سورية تكلفتها 10 مليارات دولار. هذا كان المولّد الأساسي للاقتصاد المحلي. اليوم كلنا يعلم أن الاقتصاد المحلي الخاص في سورية هو اقتصاد طفيلي على رأس مال القطاع العام. واليوم أي عملية سياسية عليها أن تحدد ما هي الرزمة الاقتصادية التي ستواكب هذا الإخراج السياسي. وإذا لم تتوافر لهذا الأمر ما بين 10 و20 مليار دولار سنوياً لن نستطيع الانطلاق في عملية إعادة الإعمار. هذا يعني أن أحداً لن يستطيع العودة إلى دياره. وإذا لم نُعد الناس إلى بلدهم وديارهم لا نستطيع إعادة توليد عجلة اقتصاد حقيقية تسمح لنا بإعادة الإعمار. لنكن واضحين، لا أحد يستطيع إعادة الإعمار في سورية، لا الدولة، ولا روسيا، ولا تركيا… من يستطيع إعادة الإعمار هم الناس والشعب. فالناس يعمرون بيوتهم تدريجاً كما عمروها بالأساس. لكن نحتاج إلى خلق الحافز لتمكين الشعب من إعادة بناء الاقتصاد.
هناك موضوع آخر. إذا لم ننجح في إقناع الناس بالعودة إلى الوطن فلن يعودوا. فهل يعود الناس في إطار إبقاء النظام كما كان عليه على قاعدة عفا الله عمّا مضى؟ بالتأكيد لا. اليوم هناك مئات الآلاف من القتلى، وأربعة أضعاف هذا الرقم هم معطوبون وجرحى حرب. وهناك ثأر شخصي وثأر سياسي، إذا لم يبدأ برنامج حقيقي للمصالحة على أعمق المستويات: داخل الحي الواحد والأسرة الواحدة. وجزء منها سيترتب عليه عدالة انتقالية. ويجب أن تكون واضحة للناس وبالتدريج. وفي الوقت نفسه يجب أن يكون هناك رؤية واضحة للإصلاح.
11 – كريم بقرادوني
هناك ثلاث مسائل أشار إليها الأستاذ، وهي وقف إطلاق النار، والتسوية السياسية، واليوم زدتم أنتم موضوع الاقتصاد. ضعوا هذه في ورقة عمل. طبعاً أول نقطة سوف تكون صعبة (وقف إطلاق النار، وعودة المهجرين، وكشف مصير المفقودين). 18 ألف مفقود وهذا رقم مخيف جداً. لهذا السبب أنا اعتقادي أن تضعوا ورقة بهذه الروحية التي تتكلمون فيها، ورأيي الأجواء أفضل، على الأقل عند الروس.
12 – زكي محشي
تعقيباً على الأستاذ كريم، من المهم أن توضع رؤية وتوضع أهداف، ولكن المهم أن توضع من جانب السوريين أنفسهم وهي الخطوة الأولى، والمهم أيضاً لمن توجَّه هذه الورقة، للأمريكان أم للروس؟ لأن قوة الدفع الأساسية هي للسوريين. إن أغلب أطراف المعارضة والموالاة متفقون على أن الحل الأمثل لسورية هو أن تكون المفاوضات بثقل داخلي. وسيكون رد فعل المجتمع السوري إيجابياً جداً إذا علم أن الأطراف اتفقوا مع بعضهم.
13 – زياد غصن
غياب المشروع لدى المعارضة في السنوات الأربع الماضية وغياب مشروع متكامل لدى النظام أيضاً لإدارة الأزمة هو الذي وسع من الطبقة الرمادية في المجتمع السوري. هذه الطبقة يجب أن تتقلص، إما أن ينتقل الناس إلى المعارضة وإما أن ينتقلوا إلى النظام. اليوم هذه الطبقة هي الأكثر اتساعاً ولم يستطع أحد أن يقدم مشروعاً يقنع هذه الطبقة أن تكون في صفه. لذلك أي حل يلامس مصالح هذه الطبقة سيلاقي أكبر تأييد من الداخل. والداخل السوري مهيأ حالياً تماماً للحل، فهو إما مؤيد وإما محايد مقتنع بالحل السريع.
14 – أكرم القش
الناس سئموا فعلاً هذه الحال، بصرف النظر عن توجهاتهم إن كانوا من المولاة أو من المعارضة. حتى من هم ضمن الدولة وضمن النظام، فهم تعبوا على الرغم من أنهم لم يغيروا قناعاتهم. وبالجانب الآخر على الرغم من أنهم ليسوا مع النظام ولكنهم سئموا. إذا انطلقنا من هذه الفكرة وهي الكفاية من الحرب والدمار. خمس سنوات أصبحت كفاية وبالتالي في هذه الحالة تم شمل كل الناس. الآن وبصرف النظر عن موقفي من الدولة، أرى موضوعياً وعملياً أن النظام هو الأقدر على وضع مشروع متكامل، إذا أجرى بعض التعديلات البسيطة في داخله التي تخلق ثقة لدى الشعب. السبب هو أن المعارضة متعددة وهي ليست طرفاً واحداً يستطيع أن يفرض مشروعاً. أما النظام فيستطيع أن يوحد جماعاته ويضم قوته ولكن بثوب جديد وبُنية جديدة.
عندما يخرج مشروع وطني تقوده الدولة، بوجود أناس يُشهد لهم بالوطنية، يكون الحل أسرع كثيراً من الروس وغيرهم في الحل. ولكن أنا أقول إن أي تدخل جديد يطيل الصراع ويجعله يستمر أكثر وأكثر. الحل الأسرع هو أن يخرج الحل من الداخل، ربما يجد صعوبة في ذلك، لكن هذا ممكن إذا حصل قليل من التغيير في الداخل.
15 – عمر الحلاج
إذا اطلعنا على الحوامل التي تدعم العنف داخل سورية وليس من الخارج، نجد اليوم شبكات من المنتفعين من هذه البيئة الحالية، وهي شبكات عابرة للمناطق والقوى السياسية والعسكرية، وعابرة للتموضع. تأتي البضاعة من المناطق الأقرب وتمر بمناطق داعش وتباع في مناطق النظام، وعلى العكس، شبكات المصالح التي أصبحت منتفعة من الفوضى، ضمن إطار معين، بعضها سيئ وبعضها جيد، لا نفترض أن الجميع سيئ، على العكس، جزء من هذا الشيء هو الذي ترك سورية واحدة. ولكن ركّبت شبكة مصالح تريد للعنف أن يستمر. من هنا علينا أن ننظر إلى الفئات التي تريد الصلح. نعم هناك جزء كبير من الشعب السوري يقف في المنطقة الرمادية. ولكن لا أحد يجرؤ على القول إنه من الفئات الرمادية، لكن حين يتغير خطاب النظام ويقبل بالرمادية، يطمئن الناس أن هناك فعلاً حلاً جذرياً سوف يحصل. أحد أبعاد هذا الحل أن النظام يسمح بالحوامل المدنية، فأي إصلاح آخر لا يسمح بظهور حوامل مدنية وسياسية فلن يكون مقبولاً ولن يكون مقنعاً، وبالتالي لن يكون جامعاً للسوريين لإيجاد الحل.
علينا أن نجد المساحات التي تسمح للناس أن يعودوا إلى القبول بالآخر، وعلينا التفتيش عن مساحات المجتمع المدني الممكنة التي تعيد تغيير الثقافة، نريد أن نبني حوامل، لا نريد خطابات فقط، فأي خطاب لا يُبنى على حوامل سيكون فاشلاً. إذا عدنا إلى حزمة الإصلاحات الأساسية، إن قانون الأحزاب، بالطريقة التي ظهر فيها، هو قانون فاشل. لنُعِدّ إذاً قانون أحزاب حقيقياً. كان لدى النظام نسخة منقحة ومحسنة، لكن في آخر لحظة ظهرت النسخة الناقصة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى قانون الإدارة المحلية. عملياً يجب أن نرفع القانون الأصلي والمنقح ونفرضه على الأرض. النظام بمفرده لا يستطيع فعل ذلك، فهو بحاجة إلى إصلاح من الداخل. أيضاً علينا أن ننظر إلى المشروع الروسي، كيف سيضغط على النظام ليبدأ بالعمل بحزمة إصلاحات حقيقية. إذا أخذنا إطار الإدارة المحلية، فهو واحد من النقاط الأساسية في الإصلاح؛ وإذا أراد النظام إثبات حسن نية فليُقدم على انتخابات نزيهة للإدارة المحلية، لتمثّل خطوة من الخطوات الإصلاحية الحقيقية. سنة 2011 حين أجريت انتخابات الإدارة المحلية كان يوجد 185 إدارة محلية من أصل 1350 أعلنت الحكومة رسمياً بأن النتائج فاشلة فيها. الآن إذا صرحت الحكومة بأنها تعترف بالإدارات الخاضعة للمعارضة تكون قد خطت خطوة إيجابية باتجاه بدء الحل.
16 – زياد حافظ
نظرية المصالح الدائمة مشتقة من «ليس هناك صداقات دائمة ولا عداوات دائمة». حتى المصالح متحركة في إطار عدم توازن للقوى المتصارعة في العالم. اليوم يوجد محوران واحد صاعد وآخر نازل. فالذي يشعر بأنه في حالة صعود يقول لماذا أقدم على اتفاق يكبح صعودي، والمحور المتراجع يقول لماذا أقدم على اتفاق يمنع إمكان تحسين وضعي. وبخاصة أن الغرب في حالة إنكار للتراجع. وتحديداً في الأطر الحاكمة. المشكلة الثانية متمركزة بموضوعين. سقوط الاتحاد السوفياتي وصعود ما يسمى القطبية الأحادية، برهنت أن القطب الواحد ليس بالقوة التي كان يظن نفسه فيها. اليوم لا تستطيع أي دولة أو إقليم أو أي قوة تفرض نفسها بالقوة على الآخرين. وفي سورية لا يستطيع النظام أن يحكم بشكل منفرد.
الآن نحن بحاجة إلى طرح مشروع «حل». أظن أن الظرف السياسي اليوم مواتٍ أكثر من عام 2011 – 2012، فحينها طرحنا الحل ولكن الموازين لم تكن مواتية. أما اليوم أرى أن الكثير من الدول قد كسرت الجمود. والحاجة اليوم هي لضبط هذا الموضوع. أرى أن التفاهم بين بوتين وأوباما حول هذا الأمر يعني التفتيش عن طريق خلاص وعدم الدخول في الحرب، والمخرج الرئيسي هو التوصل إلى حلول من خلال الدبلوماسية، وهذا ما قاد إلى الاتفاق النووي الإيراني.
17 – صهيب عنجريني
الفكرة هي أن مقومات الحل السياسي متوافرة بمعظمها باستثناء الإرادة السياسية، لدى الجميع؛ لدى أطراف الصراع على الأرض ولدى الأطراف الإقليمية والدولية. وكل ما حكي حول آليات وحوامل التغيير يمكن أن يعبّد الطريق إلى الحل. ولكن بنود الحل القادم هي كيف ننظر إلى سورية الجديدة بعد انتهاء الحرب وإقرار الحل السياسي. فبناء سورية الحديثة يجب أن يسبقه قول واحد هو وقف الحرب. لكن نحن أمام تصعيد في السنة القادمة.
18 – أحمد حلواني
سؤالي مرتبط بالسؤال الذي قبله. حوامل حل الصراع، وهنا نأتي على فكرة الإرادة. هل توجد إرادة لدى النظام أو المعارضة لإيجاد حوامل لحل الصراع؟ مثلاً هل النظام قادر أن يترك مساحات لحرية التعبير وحرية الفكر وحرية الرأي وحرية مؤسسات المجتمع المدني بوجه عام للتعبير عن الرأي والطموح في سورية المستقبل.
النقطة الثانية هي أن حوامل حل الصراع على الأغلب تكمن داخل منظمات المجتمع المدني بشكل ممأسس. ولكن هناك مشكلة مع منظمات المجتمع المدني وثقة المجتمع بوجه عام فيها، لأنه غالباً تكون تلك المنظمات مُهيمن عليها من قبل الممولين. من قبل أطراف خارجية أو داخلية. المشكلة إذاً ذات بعدين. البعد الأول أن النظام والأطراف الحاكمة عليها أن تفسح في المجال والمساحة لعمل هذه الحوامل التي هي منظمات المجتمع المدني لكي تعمل. وأيضاً البعد الثاني هو أن مؤسسات المجتمع المدني عليها أن تكون على قدر من الثقة التي أعطاها إياها المجتمع بشكل عام وأن تكون قادرة على تحديد الأولويات بصرف النظر عن الممولين والأطراف التي تساعدها.
19 – عمر الحلاج
إذا نظرنا إلى ما يحدث اليوم، جنيف هو ورقة استُهلكت وانتهت فترة استحقاقها. فنحن بحاجة إلى ورقة ناظمة جديدة. تقود المرحلة المقبلة، نتمنى أن تقودنا بعنف أقل باتجاه بناء الحل. ما يمكن أن ينتج من المشروع الروسي حالياً ليس حلاً، لأن الحوامل التي ستحمل الحل غير موجودة حالياً. ما سينتج منه هو معيار جديد للصراع السوري. يقود إلى إدارة الصراع في السنوات الثلاث أو الأربع المقبلة باتجاه يسمح للوصول إلى حل في مرحلة من المراحل.
ما زال الاتفاق الإقليمي غير جاهز حول سورية، فأن تأتي بالسوريين 11 شهراً لإجراء حوار وطني للوصول إلى مشروع سياسي أمر صعب. ولكن يمكننا يمكننا أن نكون موجودين في الإطار الذي سيقدم عليه الروس، العمل على إيجاد إطار ناظم جديد يقود المرحلة الجديدة بطريقة ما. توقعاتي ليست إيجابية باتجاه حل شامل سريع، ولكن يمكن تنظيم الصراع وتقليل العنف وبناء الحوامل التي يمكن أن يبنى عليها حل سياسي.
المصادر:
تقديم: زياد حافظ- مدير قسم الدراسات في مركز دراسات الوحدة العربية.
كمال خلف الطويل: كاتب وباحث عربي.
نُشرت أعمال هذه الحلقة النقاشية في مجلة المستقبل العربي العدد 442 في كانون الأول/ديسمبر 2015.
مراجع البحث (ورقة العمل الأولى)
الأخبار (بيروت): 5/10/2015، و 8/10/2015.
«Beyond the Crisis: Syrian Refugees in Egypt – Trapped between Dreams and Desperation,» United Nations High Commissioner for Refugees [UNHCR], 2015, <http://data.unhcr.org/syrianrefugees/regional.php>.
Ferris, Elizabeth and Kemal Kirişci, «Not Likely to Go Home: Syrian Refugees and the Challenges to Turkey-and the International Community,» Brookings Paper (September 2015), <http://www.brookings.edu/research/papers/2015/09/syrian-refugee-international-challenges-ferris-kirisci>.
Francisco, Alexandra. «Jordan’s Refugee Crisis,» Carnegie Endowment for International Peace, 21 September 2015. <http://carnegieendowment.org/2015/09/21/jordan-s-refugee-crisis/ihwc>.
IRIN Middle East, 14/10/2015, <http://www.irinnews.org/middle-east>.
Lehne, Stefan [et al.], «The Roots of Europe’s Refugee Crisis,» Carnegie Europe, <http://carnegieeurope.eu/2015/10/01/roots-of-europe-s-refugee-crisis/iie3>.
«The Right to Education for the Syrian Refugees in Lebanon: Between Education Policy and Legal Framework,» United Nations High Commissioner for Refugees [UNHCR], 2015
Stuster, J. Dana. «European Union and Turkey near Deal to Stem Flow of Refugees,» Foreign Policy (16 October 2015), <http://foreignpolicy.com/2015/10/16/european-union-and-turkey-near-deal-to-stem-flow-of-refugees/>.
«Syrian Refugees in Turkey: An Overview,» <http://data.unhcr.org/syrianrefugees/country.php?id=224>.
Tabar, Paul. «The Syrian Refugees in Lebanon: A Political Analysis,» LAU, IMS Director, 24/3/2015.
Ulgen, Sinan. «Turkey Can’t Be Europe’s Gatekeeper,» New York Times, 1/10/2015.
Wehbe, Mouhamad. «The Impact of the Syrian Crisis on Lebanon: Small Advantages, Huge Damage, and Overwhelming Racism,» Alakhbar English, 5/1/2015.
مركز دراسات الوحدة العربية
فكرة تأسيس مركز للدراسات من جانب نخبة واسعة من المثقفين العرب في سبعينيات القرن الماضي كمشروع فكري وبحثي متخصص في قضايا الوحدة العربية

بدعمكم نستمر
إدعم مركز دراسات الوحدة العربية
ينتظر المركز من أصدقائه وقرائه ومحبِّيه في هذه المرحلة الوقوف إلى جانبه من خلال طلب منشوراته وتسديد ثمنها بالعملة الصعبة نقداً، أو حتى تقديم بعض التبرعات النقدية لتعزيز قدرته على الصمود والاستمرار في مسيرته العلمية والبحثية المستقلة والموضوعية والملتزمة بقضايا الأرض والإنسان في مختلف أرجاء الوطن العربي.