مقدمة:

إن للحروب آثارا سيئة لما قد تسببه من أضرار كبيرة تشمل جميع المنشآت المدنية والعسكرية وحياة البشرية، وهي أمور بديهية لعامة الناس، وقد تكون فداحة الأضرار الناتجة منها غير محددة وواضحة، إلا أن أضرارها على البيئة وتلوثها بالغ الخطورة وبخاصة على الإنسان.

ففي حرب الخليج الثالثة مثلًا، حيث هاجمت القوات الأمريكية والبريطانية العراق ليلة 19 على 20/03/2003 واستولت عليه واستعملت فيه أعظم الأسلحة برًا وبحرًا؛ أدت إلى دمار هائل في المنشآت المدنية والعسكرية وتسببت بقتل آلاف الناس، وإصابة أربعة آبار نفط في الموصل وكركوك وقرب البصرة، وقد بقيت مشتعلة أكثر من شهر حتى تم إطفاؤها؛ إلا أن الأضرار الناتجة من تصاعد الدخان الذي سبب تلوث الأجواء، وتسبب بضيق التنفس لدى الجنود والناس القريبين من أماكن اشتعال الآبار، وانتشر التلوث في تلك الأماكن مصيبًا المزروعات والمياه، إلا أن آثارها كانت محدودة لأن فترة الحرب كانت قصيرة والمعالجات فورية.

أما انتهاك البيئة العراقية الأخطر فتمثل بجانبين: الجانب الأول، استخدام قوات الاحتلال أسلحة محرمة دوليًا تركت آثارا بيئية آنية ولفترة زمنية طويلة جدًا؛ والجانب الثاني، عدم اتخاذ الإجراءات اللازمة لتخفيف أو منع انتشار هذه الآثار، بعد انتهاء العمليات العسكرية، وضرب المنشآت بسلاح أدى إلى تسرب مواد مشعة وضارة بالحياة العامة، سواء كانت حياة الإنسان أم الحيوان أم النبات، وعدم الاكتراث بالحيلولة دون تسرب تلك المواد المشعة من تلك المواقع العسكرية، هذه الممارسات تتعارض مع نص المادة (22) من الدستور العراقي النافذ (أولًا: للفرد حق العيش في ظروف بيئية سليمة؛ ثانيًا: تكفل الدولة حماية البيئة والتنوع الإحيائي والحفاظ عليهما). وبذلك نطرح الإشكالية التالية: كيف ساهمت هذه الانتهاكات ضد البيئة العراقية في تغيير الطابع الايكولوجي والتوازن البيئي في العراق؟

ينقسم هذا الموضوع الى محورين: أولًا: التزامات سلطة الاحتلال اتجاه البيئة؛ ثانيًا: انتهاكات سلطات الاحتلال للبيئة العراقية.

أولًا: التزامات سلطات الاحتلال تجاه البيئة

التوازن الإيكولوجي شرط أساس للصحة والحياة، إلا أن هذا التوازن قد يخل ويتفاقم زمن النزاعات المسلحة في ضوء التطور الفني الهائل في فنون التسليح وأساليب القتال، مما يجعل حياة سكان الأرض وغيرها من الكائنات الحية في البر والبحر عرضة للخطر، إذا كان إلحاق أضرار بالبيئة في وقت النزاع المسلح أمرًا لا مفر منه، إلا أن وجود تنظيم دولي لحماية البيئة، سوف يقلل من هذه الأخطاء إلى أقل قدر يمكن أن يحتمل[1].

تنص اللائحة المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية (لاهاي، لعام 1907)، على أن ليس للمتحاربين حق مطلق في اختيار وسائل إلحاق الضرر بالعدو، لذلك يحظر استخدام وسائل أو أساليب في القتال يقصد بها، أو قد يتوقع منها أن تلحق أضرارًا بالغة وواسعة الانتشار وطويلة الأمد بالبيئة الطبيعية، كذلك جاء في ديباجة الاتفاقية الدولية لقمع أعمال الإرهاب النووي لعام 2005. “…إن الدول الأطراف في هذه الاتفاقية، إذ تضع في اعتبارها مقاصد ومبادئ الأمم المتحدة المتعلقة بحفظ السلام والأمن الدوليين، وتعزيز حسن الجوار والعلاقات الودية والتعاون بين الدول…”، “وإذ تلاحظ أن أنشطة القوات العسكرية للدول، تنظمها قواعد للقانون الدولي تخرج عن إطار هذه الاتفاقية، وأن استثناء أعمال معينة من النطاق الذي تشمله هذه الاتفاقية لا يعني التغاضي عن أعمال غير مشروعة، من جهة أخرى، أو يجعل منها أعمالًا مشروعة، أو يستبعد ملاحقة مرتكبيها قضائيًا بموجب قوانين أخرى”، وبمقتضى المادة 2 فقرة 1/ب ( أ– يرتكب جريمة بمفهوم هذه الاتفاقية كل من يقوم بصورة غير مشروعة وعن عمد… ب– استخدام أية مادة مشعة، أو جهاز مشع بأية طريقة، أو استخدام مرفق نووي، أو إحداث أضرار به بطريقة تؤدي إلى إطلاق مادة مشعة أو تهديد بانطلاقها:

– بقصد إزهاق الأرواح أو التسبب في أذى بدني جسيم، أو،

– بقصد إلحاق ضرر ذي شأن بالممتلكات أو البيئية،

– بقصد إكراه شخص طبيعي أو اعتباري، أو منظمة دولية أو دولة على القيام بعمل ما أو الامتناع عن القيام به، لذلك تم تحريم استخدام الأسلحة الآتية:

1- الأسلحة المحرّمة

وعادة ما يصطلح على تسمية هذه الأسلحة البيوكيميائية (Biochemical)، أو اختصارا “CBWS”[2]، عادة ما يتم الجمع بين الأسلحة الكيماوية والبيولوجية بوصفهما من أقدم أنواع الأسلحة التقليدية من جهة، ومن جهة أخرى فإن معظم الاتفاقيات المبرمة بشأن تلك الأسلحة كانت تنص على الأسلحة الكيمياوية والبيولوجية معًا، مثل ما حصل في بروتوكول جنيف لعام 1925 حيث تضمن كلا النوعين بوصفهما أسلحة حديثة العهد وأكثر الأسلحة تطورًا وخطورة[3].

2- الأسلحة البيولوجية

نصت اتفاقية لاهاي على حظر استخدام السم، أو الوسائل القتالية السامة كسلاح، كذلك بروتوكول جنيف لعام 1925 حظر استخدام الغاز السام ثم اتسع هذا الحظر بعد تبني الدول هذا البروتوكول ليشمل حرمة الأسلحة الجرثومية[4]. كذلك حرمت الاتفاقية الخاصة بالأسلحة البيولوجية لعام 1982 في مقدمتها “تطوير الأسلحة البيولوجية وإنتاجها وتخزينها والاحتفاظ بها ونقلها، كل هذا الحظر نتيجة تصنيف الأسلحة البيولوجية من الأسلحة الخطرة ذات التدمير الشامل، والتي يؤدي استخدام كمية صغيرة منها، إلى هلاك أعداد كبيرة من البشر والكائنات الحية من النباتات والحيوانات إذا ما استخدمت السيطرة على نتائجها، لأنها لا تفرق بين المقاتلين والمدنيين، حيث يمكن أن يؤدي كذلك فإن قرارات الأمم المتحدة 1966 وصفت الأسلحة البيولوجية عمومًا وأسلحة اليورانيوم المنصَّب خصوصًا بأنها “غير متوائمة” بموجب القانون الإنساني القائم وحقوق الإنسان، وفي 32 آذار/مارس 2008 صوتت اللجنة النيابية للدفاع الوطني في بلجيكا، وبالإجماع، لمصلحة حظر استخدام اليورانيوم المنصّب وصفائحه التدريعية، وفي 1 تشرين الثاني/نوفمبر 2007، أقرت لجنة تابعة لأمم المتحدة قرارا بأغلبية ساحقة، مسلطة الضوء على المخاوف بشأن استخدام اليورانيوم في المجالات العسكرية، أقر البرلمان الأوروبي أيضا في 22 أيار/مايو 2007 قراره الرابع ضد استخدام أسلحـــة اليورانيوم، ودعا أعضاء البرلمان إلى تعليق الاستخدام على مستوى الاتحاد الأوروبي وإلى حظره على المستوى العالمي.

3- الأسلحة الكيميائية

عقدت فرنسا وألمانيا في ستراسبورغ عام 1675 أول اتفاق في العالم، يحظر استعمال الرصاص السام في الحرب، وفي عام 1874 عقدت “اتفاقية بروكسل” بشأن قانون الحرب وأعرافها، وحظرت هذه الاتفاقية استعمال السموم والأسلحة السامة، أو الأسلحة والمقذوفات والمواد الأخرى التي تسبب معاناة لا مبرر لها. وفي عام 1899 عقد في لاهاي مؤتمر معني بالسلام الدولي تمخض عنه توقيع اتفاق حظر بمقتضاه استعمال القذائف المعبأة بالغازات السامة. وفي عام 1925 تم توقيع بروتوكول جنيف الذي حظر استعمال الغازات الخانقة أو السامة أو غيرها من الغازات ووسائل الحرب الجرثومية. لكن هذا البروتوكول لم يحظر استحداث أو إنتاج أو امتلاك الأسلحة الكيميائية. ولإكمال هذا النقص تمكن “مؤتمر نزع السلاح” عام 1981 من عقد “اتفاقية الأسلحة البيولوجية” التي حظرت استحداث وإنتاج وتخزين الأسلحة الجرثومية” البيولوجية والأسلحة التكسينية، عرفت بـــ “إتفاقية حظر استحداث وإنتاج وتخزين الأسلحة البكتريولوجية “البيولوجية”، وتدمير تلك الأسلحة”، غير أنه حين جاءت “اتفاقية الأسلحة الكيميائية” لعام 1997 لتكمل هذا النقص، فوضعت آليات للتقيد بهذا الحظر[5].

4- الأسلحة النووية

ويمكن تقسيم هذه الأسلحة إلى قسمين، الأسلحة الانشطارية والأسلحة المدارية الحرارية[6](**). ثم حظر هذه الأسلحة دوليًا للأسباب الآتية:

أ- لا يمكن احتواء القوة التدميرية للأسلحة النووية، لا من حيث الحيز ولا من حيث الزمن، حيث إن القدرة على تدمير الحضارة والنظام البيئي بالكامل على كوكب الأرض. ب- الشعاع المنطلق من التفجير النووي، يؤثر وبمساحات بالغة الاتساع في الصحة والزراعة، والمواد الطبيعية والديمغرافيا، ويمثل خطرًا شديدًا على الأجيال القادمة، ويؤدي إلى الإضرار المستقبلي بالبيئة والغذاء والنظام البيئي البحري، وإحداث عيوب وراثية وأمراض في الأجيال القادمة. ج- إنها أسلحة سامة. د- إنها أسلحة تنتهك الحق في الحياة، الذي قرته المادة “6” من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

5- الأسلحة التقليدية  

في 10 تشرين، الثاني 1980، عقدت في جنيف اتفاقية حظر أو تقييد استخدام أسلحة تقليدية معينة، يمكن عدّها مفرطة في الضرر أو عشوائية في الأثر لكنها لم تنشر إلى تحريم أسلحة معينة، بل تركت الأمر إلى الدول لتحددها، وثم تحديدها في (بروتوكولات) لاحقة، وشمل هذا التحريم أسلحة عديدة منها الشظايا التي لا يمكن الكشف عنها بالأشعة السينية، التي تحدث جراحًا في جسم الإنسان، والأسلحة المحرقة، المصممة لإشعال الأشياء، أو تسبب حروقًا للأشخاص بفعل اللهب أو الحرارة، أو مزيجًا من اللهب أو الحرارة المتولدين نتيجة تفاعل كيماوي لمادة تطلق على الهدف، والأسلحة الليزرية المصممة لإحداث عمى دائم يذهب الرؤية بالعين المجرد، أو بالعين المجهزة بأجهزة مصححة للنظر، والألغام الأرضية المضادة للأفراد، لأنها لا تميز بين مدنيين أو عسكريين، لأن آثارها طويلة الأمد ولفترات ما بعد النزاع، إضافة إلى الآثار السلبية للألغام الأرضية على المستويات الصحية والاجتماعية والبيئية والاقتصادية، وغاليًا ما يكون المدنيون ضحاياها خلال قيامهم بأعمالهم اليومية كالراعي والزراعة وغيرها[7].

6- تقنيات التغيير في البيئة لأغراض عسكرية

يقصد بعبارة “تقنيات التغيير في البيئة”، أية تقنية تستخدم لإحداث تغيير من طريق التأثير المتعمد في العمليات الطبيعية، في دينامية الكرة الأرضية أو تركيبها أو تشكيلها، بما في ذلك مجموعات أحياؤها محلية “البيوتا” وغلافها الصخري وغلافها المائي وغلافها الجوي، أو في دينامية الفضاء الخارجي أو تركيبه أو تشكيله، حيث إن استخدام هذه التقنيات لأغراض عسكرية أو عدائية قد تكون له آثار بالغة الضرر على رفاهية الإنسان، وقد تعهدت الدول الأطراف باتخاذ التدابير اللازمة، وفقًا لإجراءاتها الدستورية، لحظر أي نشاط ينتهك أحكام هذه الاتفاقية في أي مكان يخضع لولايتها أو لسيطرتها[8]. فحماية البيئة أثناء النزاعات المسلحة أصبح غاية تنشدها كل الدول مما سمح لها بإصدار قوانين دستورية خاصة بحماية المدنيين[9].

مما تقدم نخلص إلى أن العراق قد انتُهكت سيادته في 20 آذار/مارس 2003، وشُرعت حرب لا علاقة لها بالشرعية الدولية، ولا بالمواثيق والاتفاقيات الدولية وانتقال العراق من حرب إلى احتلال، ولم تصمد بغداد التي تم احتُلت في 09 نيسان/أبريل 2003، لتدخل مرحلة الاحتلال الأمريكي والاستعمار بكل أوجهه العنصرية ضاربة عرض الحائط بجل الاتفاقيات والمواثيق الدولية متناسية قرارات مجلس الأمن الدولي الذي أثقل كاهل العراق بقراراته بدءًا بالعقوبات ثم الحصار ثم قرار الحرب الجائر، ومن ثم القرار 1483 الذي شرعن الاحتلال ووصف قوات التحالف على أنها قوات احتلال وحلت سلطة الائتلاف محل حكومة الدولة ومؤسساتها. احتلال جاء بالسوء على الشعب العراقي الأعزل الذي مورست ضده جميع الانتهاكات المحرمة دوليًا واستُعملت ضده جميع الأسلحة المحرمة دوليًا، ضمن ترسانة أسلحة الدمار الشامل التي بحث عنها كثيرًا، ولم يجدوها هناك (أي في العراق). فكان من واجب قوات التحالف في العراق كسلطة احتلال بذل عنايتها في المحافظة على المدنيين من خلال ضمان حقوق المدنيين والأسرى والمعتقلين وكذلك كان من واجبها حماية الأعيان والممتلكات المدنية والثقافية.

ثانياً: انتهاكات سلطات الاحتلال للبيئة العراقية

 

1- الأسلحة المستخدمة

جدير بالإشارة أنه في حرب الخليج الثانية (حرب تحرير الكويت) بلغت نسبة الأسلحة الذكية المستخدمة من الجيش الأمريكي والبريطاني إلى الأسلحة التقليدية 10 بالمئة بينما في حرب احتلال العراق وصلت نسبة الأسلحة الذكية إلى الأسلحة التقليدية 90 بالمئة. وهذا يظهر القفزات السريعة في مجال التطوير الذي طرأ في السلاح الأمريكي في الفترة ما بين حربَي الخليج الثانية والثالثة[10]. ولعل الولايات المتحدة الأمريكية هي السباقة في ما يتعلق بإنتاج الأسلحة النووية ووجود مفهوم عسكري جديد يسمى الذرع النووية وبالفعل طبقت الولايات المتحدة الأمريكية هذا المفهوم الجديد في 1945 ضد اليابان من أجل الإبلاغ في إنهاء الحرب العالمية الثانية لمصلحتها حيث قامت بإسقاط قنبلة ذرية على كل من مدينتي هيروشيما وناكازاكي، اليابانيتين فأُرغمت اليابان على الاستسلام الفوري، حيث ألقيت القنبلة الأولى على هيروشيما في 6 آب/أغسطس 1945 أما الثانية فقد ألقيت بعد 3 أيام على ناكازاكي وهي تبعد نحو 300 كيلومتر على هيروشيما[11]. استخدمت قوات الاحتلال في العراق، وخاصة أمريكا وبريطانيا أسلحتها استخدامًا عشوائيًا مؤذيًا جدًا يحظرها القانون الدولي وجميع الاتفاقيات الدولية، وتعد غير مقبولة وغير إنسانية، ومن هذه الأسلحة المحرمة التي استخدمتها قوات الاحتلال: حيث انفردت الحرب الأمريكية – العراقية في 20 آذار/مارس إلى 10 نيسان/أبريل 2003 باستخدام الأساليب القتالية المبتكرة إذ استعملت قوات التحالف الامريكية- البريطانية الأسلحة الذكية (Smart Weapons) والتي يطلق عليها اسم: أسلحة الدقة العالية (Fineness Weapons)[12].

1- القنابل العنقودية(***)

ألقت قوات الاحتلال الأمريكي والبريطاني في الحملة الجوية لغزو العراق عام 2003 آلاف القنابل العنقودية، في مناطق عديدة مأهولة بالسكان في أنحاء العراق كلها، ومنها (بغداد، والبصرة، والحلة، وكركوك، والموصل والناصرية، ومدن وقرى أخرى)، مخلفة آلاف القتلى والجرحى جلهم من المدنيين، حيث ألقت قوات الاحتلال الأمريكي نحو (10,872) قنبلة عنقودية وقوات الاحتلال البريطاني نحو (2200) قنبلة عنقودية، وذلك في أواخر آذار/مارس وأوائل نيسان/أبريل عام 2003،  ووصل عدد القنابل العنقودية المستخدمة في حرب احتلال العراق ما يقرب من مليوني قنبلة عنقودية، استهدف أغلبها الأحياء السكنية.

2- اليورانيوم المنضـب

استخدمت قوات الاحتلال الغازية خلال المعارك التالية للغزو مباشرة، ما بين 1000 و2000 طن من اليورانيوم المنضب المضاد للدبابات، وقد أكد هذه الإحصائية برنامج بيئي للأمم المتحدة، حيث استعملت القوات الغازية أسلحة اليورانيوم المخصب في مناطق محددة ضد الجيش العراقي، وبخاصة محيط مطار العراق الدولي (مطار بغداد) فأوقعت ضحايا عديدة من العسكريين بين الطرفين الأمريكي والعراقي، ورغم الجهود الكبيرة التي بذلتها القوات الأمريكية والبريطانية والإسبانية لتنظيف المطار ومحيطه من التلوث الإشعاعي والذي دام أكثر من ستة أشهر، فقد منعت القوات الأمريكية الاقتراب من المطار ومحيطه، كما منعت وسائل الإعلام من الاقتراب منه لتبقى أضرار التلوث طي الكتمان، ولم تزل الأوبئة تنتشر في مدينة بغداد بسبب تراكم النفايات وتلوث المياه الحلوة، وآثار الذخائر التي أطلقتها قوات التحالف من صواريخ وقنابل محرمة دوليًا، أدت إلى انتشار مرض الكوليرا. وقد عالج الأمريكيون 11 إصابة عراقية و104 إصابات بمرض السارس، وأعلن البنتاغون عن وفاة 16 إصابة من جنود في العراق، وحذرت القوات الأمريكية من الاقتراب من تجمعات التراب الملوث في بغداد، وأقرت وزيرة البيئة العراقية في 23 تموز/يوليو 2006 في القاهــــــرة بأن 350 موقعًا على الأقل ملوثة باليورانيوم المنضب، وأضافت أن البلد يواجه عددًا هائلًا من حالات الإصابة بمرض السرطان، ودعت المجتمع الدولي إلى مساعدة العراق على مواجهة هذه المشكلة، وتم تسجيل زيادة متضاعفة في حالات الإصابة بأورام خبيثة، وتشوهات خلقية، وحالات إجهاض، ولوكيميا (سرطان الدم) عند الأطفال، وحالات عقم، وذلك في مناطق ضواحي البصرة ومناطق محيطة أخرى، برزت مشكلات مماثلة في الفلوجة، بعد هجوم قوات الاحتلال على المدينة عام 2004[13].

3- الأسلحة الخارقة للمخابئ (EPWS)

استخدمت قوات الاحتلال هذا السلاح الفتاك، الذي تلازم مخاطره الصحة العامة لزمن طويل بعد انتهاء العمليات العسكرية.

4- الفسفـور الأبيض

استخدمت قوات الاحتلال الأمريكي الفسفور الأبيض كسلاح خارق ضد أهداف بشرية في القتال التمهيدي سنة 2003، وفي معركة الفلوجة في تشرين الثاني/نوفمبر 2004، حيث خلف الكثير من القتلى والجرحى والتشوهات الخلقية بين صفوف السكان المدنيين.

5- قنابل النابالم الحارقة

يعَد هذا النوع من السلاح سلاحًا وحشيًا وفتاكًا وذا مساحة تدميرية واسعة، وتستعمل القوات المسلحة الأمريكية شكلًا متطورًا منه، يسمى MK-77Mods، عند بدء العمليات العسكرية وبعدها مباشرة، ونشرت تقارير تؤكد أن أمريكا استخدمت القنابل الحارقة في العراق، وأقر قادة وطيارو قوات المارينز أنهم استخدموا النابالم قرب الجسور، وفوق (قناة صدام) ونهر دجلة في جنوب بغداد، كذلك أقر العقيد راندولف آلس قائد في الفريق الجوي (11) لقوات المارينز استخدام النابالم، أضف إلى ذلك ما أكده المراسلون الصحافيون من أن الطائرات الأمريكية أسقطــــت قنابل النابالم عــلى تلة صفوان في محافظة البصرة قرب الحدود الكويتية، في جنوب العراق، فيما أنكر البنتاغون استخدام سلاح النابالم في البداية.

حيث استند في إنكاره الأولي إلى التمييز الكاذب بين النابالم، والقنابل المحرقة الجديدة، على أساس اختلاف مزيج الوقود قليلًا (وقود الطائرات بدلًا من البنزين والغازولين). وقد أقر البنتاغون في النهاية، أن نوعي الأسلحة “متشابهان بشكل ملحوظ” وتأثيرهما في الضحايا متشابه أيضًا، وأن الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة التي استخدمت النابالم منذ زمن طويل كذلك اعترف آدم إنغرام وزير القوات المسلحة البريطانية، استخدام القنابل الحارقة من نوع MK-77 في العراق، علمًا أن استخدام هذه الأسلحة الفتاكة يتعارض مع الإعلام بشأن حماية النساء والأطفال في حالات الطوارئ والمنازعات المسلحة حيث يشكل استعمال الأسلحة الكيماوية والبتريولوجية أثناء العمليات العسكرية واحدًا من أفدح الانتهاكات لبروتوكول جنيف 1925، واتفاقيات جنيف لعام 1949، ومبادئ القانون الدولي الإنساني، وينزل خسائر جسيمة بالسكان المدنيين بمن فيهم النساء والأطفال العزل من وسائل الدفاع عن النفس، ويكون محل إدانة شديدة، كذلك تتعارض هذه الممارسات مع المادة (23) من اتفاقية لاهاي والمادة الأولى من الاتفاقية الخاصة بالأسلحة البيولوجية لعام 1972، واتفاقية بروكسل بشأن قانون الحرب وأعرافها لعام 1874[14]، وبرتوكول جنيف 1925، والبروتوكولان الأول والثالث الملحقان باتفاقية الأسلحة التقليدية لعام 1980، والبرتوكول الرابع الملحق باتفاقية الأسلحة التقليدية لعام 1995(****).

الجدول الرقم (1)

الأسلحة التي استُخدمت بشكل غير قانوني وتأثيراتها الآنية[15]

 

نوع الأسلحةأعداد رسميةوصف السلاحالأهداف، الخسائرالجيش
قنابل عنقودية66 قنبلة ألقيت من الجو من نوع BL-755                       (hansered2003/6/16)

2098 أعتدة صواريخ 1,20

كل قنبلة تحتوي على 147 ذخيرة حية وقنابل أصغر حجمًا ضد الدروع نسبة الفشل المعلنة 5-6 بالمئة نسبة الفشل المتوقعة 10 بالمئة.

كل قنبلة تحوي على 49 ذخيرة حية وقنابل أصغر حجمًا، نسبة الفشل المعلنة 2 بالمئة (hansered16/6/2003)

لا توجد تقارير معينة، معظم الهجمات بهذا السلاح كانت من قبل القوات الأمريكية والبريطانية هذه القنابل ألقيت في مناطق سكينة- بحسب BBC القناة 3، في 29/5/2003المملكة المتحدة
اليوناريوم19 طنأطلقت بواسطة دبابات تشالنجر 2لا توجد تقارير معينة 
 

قنابل عنقودية

3000 قذيفة ألقيت من الجو و6 صواريخ موجهة من نوع CBU-150 Defenceand BBC Online 25/4/2003CBU-150 هو صاروخ موجد، يحتوي على قنابل عنقودية نسبة الفشل 5 بالمئة22 آذار/مارس، مقاتلات F16 ألقت قنابل على ضواحي البصرة، 4- 80 شخصًا لقوا حتفهم the Guardian 2م 30 آذار/مارس ألقيت قنابل عنقودية قرب الحلة

 

الولايات المتحدة 4/4/2003
اليوناريوم المنضب

 

3000 قذيفة مصنعة منه 75 طنًا Christian ScienceMonitor, 15/5/2003 ضابط أمريكي ادعى 500 طن the Coalition for free Thought in the Media 5/5/2003 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أطلقت بواسطة طائرات Warthog A-10 
قنابل النبالمقال ضابط أمريكان 30 دقيقة أطلقت خلال 30 يومًا77 قنبلة حارقة، استخدم فيها الكيروسين بدلًا من البترول، لكن البنتاغون أنكر ذلك , MK77 والنابالم لها نفس التأثيرات James Synder in Monitor -TVفي تاريخ غير معلوم العشرات من القنابل ألقيت على جسور نهر دجلة – جنوب بغداد The Independent 3/8/2003 21 آذار/مارس هجوم على موقع مراقبة عراقية في صفوان قرب الحدود مع الكويت The Independent 3/8/2003 
ألغام أرضيةالأعداد الرسمية غير متوافرةValmara 69 ألغام ضد الأشخاص مشظظة PMN AP ألغام مفرقعة VS 1-6 hg ألغام ضد العجلات Landmin Action 20032 نيسان/أبريل 4 صفحتين وقعوا في حقل ألغام عراقي المصور الإيراني كاوا غولستان ومخرج BBC ستيوارت هيوز فقد رجله اليسرى BBC Online 5/4/2003العراق
 

6- عدم اتخاذ سلطات الاحتلال الإجراءات اللازمة

كان التفرج على عمليات سرقة مقر هيئة الطاقة الذرية العراقية في نيسان/ أبريل 2003، هو السمة المميزة لدى الاحتلال، بل إنها تجاهلت مناشدة العديد من الخبراء العراقيين والجهات الدولية المعنية، حيث طالبت منذ اليوم الأول للسرقة بأن تتدخل سلطات الاحتلال فورًا لدرء خطر التسرب الإشعاعي الذي حصل عقب عمليات السرقة هذه، جراء الأضرار المباشرة التي أصابت حاويات ومستودعات وخزانات المواد المستخدمة في مجالات البحث وأهملت قوات الاحتلال هذه الدعوة، ولم تتحرك باتخاذ أي إجراء لصالح الضحايا؛ رغم تمكنها من اتخاذ مثل تلك الإجراءات وتجاهلت سلطات الاحتلال أيضًا تقارير علمية منها: تقرير (ريك توركوت) الأمريكي، وتقرير المركز الطبي لأبحاث اليورانيوم (UMRC)، الذي يديره العالم (دور أكوفيتش)، وتقارير خبراء منظمة السلام الأخضر (Green Peace) الذي أكدوا أن المادة الإشعاعية المكتشفة في موقع (التويثة)، تمثل خطورة بالغة على الصحة أكثر من أي شيء آخر، وحددوا سعة الإشعاع، ووضعوا إشارات تحذر من الخط وطالبوا سلطات الاحتلال في 24/09/2003، بتنظيف المنطقة أو السماح للمنظمات الدولية للقيام بذلك، ومنها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لكن سلطات الاحتلال لم تسمح بذلك رغم تكرار المطالبات، إلا بعد مرور ستة أسابيع، وبعد أن ألزمت الوكالة الدولية باختصار مهمتها على تفقد موقع واحد، ومنعتهم من إجراء أية اختبارات طبية على سكان المنطقة المحيطة، علمًا بأن سبب زيادة التلوث في العراق هو الاحتلال وآثاره على تلوث الهواء، والماء، والتربة، ونتيجة لذلك انتشرت أمراض السرطان في البصرة، والفلوجة، كذلك بلغت نسبة وفيات الأطفال الناجمة عن الأمراض المنقولة عبر المياه 25  بالمئة من مجموع وفياتهم[16] .

خاتمة

إن أمريكا وبريطانيا وحلفاءها قد أعطوا لأنفسهم ترخيصًا بشن الحرب على العراق متجاوزين بذلك الشرعية الدولية، وبناءً عليه، فإنهم قد استخدموا القوة استخداما مفرطًا. فأمريكا وحلفاؤها لم يوجهوا نيران قواتهم العسكرية ضد القوات المسلحة العراقية في ساحة المعركة فقط، بل قصفوا بالقنابل والصواريخ المختلفة بما فيها الأسلحة المحرمة دوليًا مدن العراق الآمنة، وبذلك فإن سلطات الاحتلال انتهكت حقوق الإنسان في العراق باستخدامها أسلحة فتاكة ومحرمة دوليًا ضاربة عرض الحائط بكل الاتفاقيات الدولية المحرمة لاستخدام الأسلحة. استخدمت قوات التحالف هذه الأسلحة وارتكبت مختلف الانتهاكات ضد المدنيين والمعتقلين والأسرى وكذلك دمرت المدن وقضت على البنية التحتية للاقتصاد العراقي، هدفها الأول تدميره ثقافيًا، وقد فعلت ذلك وكان هدفها أيضًا المحاور التالية:

  • موقع العراق الاستراتيجي، لأن العراق يقع في مثلث حدودي هام، تتمثل رؤوسه في تركيا إيران وسورية.
  • هو ثاني أغنى بلد في الوطن العربي، من حيث موارده المائية.
  • الاحتياطي النفطي العراقي، ما يمثل 11 بالمئة من إجمالي الاحتياطي العالمي.

 

اقرؤوا أيضاً  تجاهل حقوق ضحايا الحرب المدنيين العراقيين

#مركز_دراسات_الوحدة_العربية #غزو_العراق #الاحتلال_الأمريكي_البريطاني_للعراق #الجرائم_البيئية_للاحتلال_في_العراق #الجرائم_الإنسانية_للإحتلال_في_العراق #العراق #الحرب_على_العراق #الأسلحة_المحرمة_دولياً #البيئة_في العراق #الكوارث_البيئية_في_العراق #تدمير_البنى_التحتية_العراقية #التلوث_في_العراق