المصادر:
نُشرت هذه الدراسة في مجلة المستقبل العربي العدد 549 في تشرين الثاني/نوفمبر 2024.
نور الدين ثنيو: كاتب وباحث أكاديمي – الجزائر.
[1] يمكن العودة في موضوع الكولونيالية وما بعدها إلى الكاتب والمفكر إيف لاكوست، صاحب المجلة الرصينة جدّا هيرودوت التي تصدر باللغة الفرنسية وتعد أهم الدوريات في حقل الدراسات الجيوستراتيجية، Yves Lacoste, La Question postcoloniale: Une analyse géostratégique (Paris: Ed. Fayard, 2010).
كما يمكن الرجوع إلى مراجعتنا لهذا الكتاب في: ثنيو نور الدين، «مسألة ما بعد الكولونيالية: مراجعة نقدية،» المجلة العربية للعلوم السياسية، العدد 32 (خريف 2011).
[2] يُقرأ تاريخ الجزائر زمن الاحتلال وما بعده من خلال خط النزعة الوطنية (الشعبوية) التي جاءت من نجم شمال أفريقيا (1926) إلى حزب الشعب الجزائري (1937) إلى الحركة من أجل انتصار الحريات الديمقراطية (1946) إلى جبهة التحرير، التنظيم الذي فجّر الثورة التحريرية عام 1954. وهذا ما يزال مكرسًا حتى اليوم في الدراسات التاريخية سواء في حقل الصحافة أو في البحوث الجامعية. ومع ذلك أو بالرغم من ذلك تظهر من حين إلى آخر وبخاصة في فرنسا دراسات وكتب تحاول أن ترسم خطوطًا ومسارات أخرى غير القراءة الشعبوية والثورية، ومنها هذا البحث.
[3] الإفراط بالاحتفاء بالثورة التحريرية والوقف الأبدي عندها، أفقدها الوهج والمصداقية وانعكس على التاريخ نفسه الذي يجب أن يلازمه التجديد والإبداع وإعادة القراءة والكتابة حوله. وقد أفضى في العقود الأخيرة إلى هشاشة وضعف الدولة ذاتها عندما صارت أجهزتها وأسلاكها تهتز لأي نقد خفيف لتاريخ الجزائر الحديث والمعاصر. والمفارقة هي كيف لبلد أنجز ثورة عظيمة يضعف وينهار مع الوقت، مع أن كل الدلائل تلح وتؤكد أن أعظم الدول هي تلك التي شهدت في تاريخها الحديث والمعاصر ثورات كبرى غيرت أوضاعها الوطنية والدولية.
[4] تيار أنصار الأهالي عبّرت عنه مجموعة من الفرنسيين الذي كانوا يناصرون ويدافعون عن الأهالي المسلمين. فقد وجد هذا التيار خاصة بعد الحرب العالمية الأولى بعد ما ترسخ لديه أن الوضع في الجزائر آل إلى غير ما قصدته فرنسا في بداية الاحتلال وأن الفجوة بين الفرنسيين تزداد تباعًا ومع التطور العمراني والاقتصادي للبلد. وقد عرفوا بأنصار الأهالي (Indigènophiles)، لأن مصير فرنسا في الجزائر معلق بمستقبل الأهالي وضرورة تحسين وضعهم. ومن هؤلاء السيد فكتور سبيلمان الذي عمل في قطاع الفلاحة وأسس دار الصحافة همزة وصل كانت الإمكانية المهنية والثقافية التي ساعدت النخبة الإصلاحية والوطنية في الإعراب عن مطالبهم وكشف المظالم والحيف الاستعماري في الجزائر. وهو الوحيد الذي كرس كتاب حول الزعيم والمناضل الأمير خالد ونوه به وبأعماله المناهضة للاستعمار والعائلات الأهلية المساندة له. ويمكن العودة إلى بعض مؤلفاته، انظر: Victor Spielmann: Emir Khaled: Son action politique et sociale en Algérie, de 1920-1923 (Alger: Editions du trait d’union, 1938), et En Algérie, le centenaire vu par un indigène (Alger: Editions du trait d’union,1930).
[5] حول حياة وأعمال مالك بن نبي وأعماله نحيل إلى تلميذه المثقف والوزير السابق نور الدين بوكروح الذي كتب سلسلة من المقالات تحت عنوان: «حياة ابن نبي» انظر: Noureddine Boukrouh, «La Vie de Malek Bennabi,» El Oumma.com. (1er art. 8 aout 2020 – art. 34, 13 octobre 2020), <https://oumma.com/la-vie-de-malek-bennabi-1-2/>.
وقد امتدت المقالات على 34 حلقة. والواقع أن اختيارنا مفكرًا جزائريًا من هذا الطراز لكونه عاش وعايش التجربة الثقافية والسياسية في لحظة واحدة ليس من الناحية النظرية فحسب، بل من الناحية العملية أيضًا. ومن هنا إجرائية هذا الفكر كما نشرحه في هذا المبحث. ولعلّ الذي ساعد أكثر أن المفكر الجزائري كان يكتب في قضايا تعني أمته والأمة الإسلامية ولا ينسى نفسه، بمعنى أنه كان دائمًا يؤكد بأنه صاحب الكلمة ويلتزم بما يقول ويفعل. فإلى جانب كتبه ومقالاته، سجل لحظات الكتابة ودوّن سياقاتها وترجم لسيرته، الأمر الذي جعلنا اليوم ندرسه ونبحث فكره وفق مقاربة التاريخ الآن L’Ego-Histoire، أي تاريخ المرحلة في احتمالية وتصور وتجربة الرجل.
[6] Malek Bennabi, Articles de presses, 1964-1968 (Alger: El Borhane, 2014), p. 40.
وهو المقال الذي كتبه مالك بن نبي في دورية الثورة الإفريقية (Révolution Africaine) التي كانت تصدر في الجزائر باللغة الفرنسية: السياسة والثقافة، بتاريخ 16 تشرين الأول/أكتوبر 1965.
[7] Ibid., p. 40.
[8] Ibid., p. 40.
[9] Ibid., p. 40.
[10] السياسة في النظام الاستعماري مجال محتكر ومصادر ولا يمكن للشعب والمواطنين أن يمارسوها على شاكلة الفرنسيين في فرنسا وفي مستعمرة الجزائر. لكن بن نبي برهن عن قوة فكره عندما نوّه بقيمة الثقافة وإجرائيتها كقوة سياسية في حالة استعمارية ترمي بالجوهر والأساس إلى تفكيك المنظومة الاستعمارية وتعرية ما تُبْطِنه وتَتَسَتر عليه وتُحَاول أن تصرف الأهالي عنه.
[11] Malek Bennabi, Les Grands thèmes (Alger: El Borhane, 2014) (1er édition 1964), p. 35.
[12] Malek Bennabi, Les Conditions de la renaissance, le problème d’une civilisation (Alger: Editions ANEP, 2005) (1er éd. 1947).
[13] Bennabi, Les Grands thèmes, p. 34.
[14] كان مالك بن نبي دائمًا يستشهد بالآية الكريمة ﴿لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم﴾ويسخرها في كل مناسبة يريد فيها أن يشير إلى أن الأمر لا يتعلق بالموضوع أو ما هو خارج الذات فحسب بل يتعلق بنفس الإنسان ذاته لأنه قائم على عالم أو عوالم يجب أن يكتشفها من تلقاء نفسه وإلا ضاع مشروع النهضة أو التقدم. فالآية الكريمة تحيل بشكل رائع إلى ما كان يريده بن نبي من ربط وصياغة شاملة وتوليفة وإجماع العناصر الكاملة من أجل إعداد البرنامج أو الخطة الممكنة الإنجاز والتحقق. وأي تخلف للوعي الذاتي ينعكس بالخيبة والإخفاق على مساعي التقدم والتطور وبخاصة منه السياسي. لأن السياسة هي المجال الحديث الذي يساهم بقدر واسع جدّا ويعبِّر عن الحداثة في أجلى معانيها ودلالاتها.
[15] Bennabi, Articles de presses, 1964-1968, pp. 33-37.
المقال ظهر لأول مرة في دورية الثورة الإفريقية (Révolution Africaine)، بتاريخ 9 تشرين الأول/أكتوبر 1965.
[16] Bennabi, Les Grands thèmes, p. 59.
[17] حول حياة وفكر فانز فانون، يمكن العودة إلى الكاتبة والطبيبة النفسانية أليس شيركي التي كرست كتابًا كاملًا حوله، فضلًا عن أنها كانت زميلة في المصحة الاستشفائية جوافيل (Joinville) في مدينة البُلَيدة سنوات 1953 – 1956. انظر: Alice Cherki, Frantz Fanon (Alger: Apic, 2013), (1er éd. 2000).
ونُلِح على ضرورة قراءة الخلاصة (ما بعد المتن) التي كرستها الكاتبة لفكر فانون في الوقت الرَّاهن والأسئلة التي لا يزال يثيرها في مجتمعات ما بعد الاستعمار، سواء تعلق الأمر بالمجتمعات المتطورة أو المتَخَلِّفة وبخاصة الأشكال الجديدة لمظاهر العنف والإرهاب والظلم والاستغلال .. أي الحضور المحايد لتداعيات الاستعمار ومضاعفاته النَّفْسية والعقلية ومسألة تحديد الهوية بالنظر إلى الآخر ومختلف صنوف التهميش والإقصاء والإبعاد والتَّسْريح والاحتقار والرؤية الدونية والنزعة المركزية… ويمكن العودة أيضًا إلى الكِتاب المهِم حول فانون للباحث الإنكليزي: David Macey, Frantz Fanon, Une vie, traduit de anglais par Christophe Jaquet et Marc Saint-Upéry (Paris: La Découverte, 2011), (1er éd. 2000).
[18] في كتاب فرانز فانون المعذبون في الأرض، ورد في تقديم الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر ما يبرر العنف والثورة على الاستعمار بحد السلاح لأن الاستعمار صار نظامًا، فلا بد له من قوة تعادله بالقدر الذي لا يحتكر وحده العنف. وهذا خلاف ما يرى المفكر الألماني ماكس فيبر، صاحب نظرية العنف الشرعي الذي يستند إلى وجود دولة تقوم أصلًا على عقد اجتماعي يُؤَمِّن حياة الشعب ويُحاَفظ على المجتمع والأمة والدولة معًا. من هنا يمكن قراءة مقولة العنف عند فرانز فانون وحق الشعوب المستضعفة فيه. فما يبرره هو غياب الغاية الجوهرية لقيام الدولة في الحالة الجزائرية مثلًا، حيث فرنسا لا تريد أن تعترف بأن السكان المسلمين في الجزائر مواطنون، لهم نصيبهم من الحقوق والحريات العامة. فهم معذبون في الأرض ويجب أن يواجهوا المستعمر بحَدِّ السلاح، أي استخدام عنف يجد تبريره في غياب المعاملة المواطنية وانعدام منظومة القانون والحق والمجال العام. والذي يعترف بهذا الطراز من المقاومة ليس الإنسان الزنجي والمتَخَلِّف في البلاد المستعمرة فحسب، بل المتَمَدِّن والمتَحَضّر في بلاد المتروبول على شاكلة سارتر وحركة تصفية الاستعمار والنزعة الأممية في العالم كله. يمكن العودة إلى فلسفة سارتر في تبرير العنف إلى: Frantz Fanon, Les Damnés de la terre, préface de Jean-Paul Sartre; présentation de Gérard Chaliand (Paris: Gallimard; Maspero, 1991),
[19] يمثل اليوم فرانز فانون في البحث التاريخي والاجتماعي والنفسي مع مجموعة من الكتّاب والمفكرين المدرسة التاريخية لما بعد الاستعمار والتي تلح على الهوية المحلية ودحر النظرة الدونية والاستعلائية للاستعمار، أي النزعة العلمية والتاريخية التي تحاول إعادة طرح موضوع الذات والآخر في سياقات جديدة خاصة على خلفية ما لم يكن معروفًا وما لم يكن ممكناً طرحه في حينه وما يسمح بطرحه في الوقت الراهن، وبخاصة في المجتمعات التي تتوافر لديها هوامش واسعة من التعبير ومجالات رحبة من الديمقراطية. نذكر على سبيل المثال لا الحصر: أمي سيزر (Aimé Césaire) (1913 – 2008)، الشاعر ورئيس السِّنغالي السابق ليوبولد سيدار سنغور (Léopold Sédar Senghor) (1906-2001).
[20] Fanon, Les Damnés de la terre, p. 67.
[21] يجب التنويه بمن كانوا قادرين على الكلام وتقديم خطاب المطالب إلى السلطة الاستعمارية ومقاومتها من الداخل، أي بالتماس المشاركة في التدبير والتسيير، وإن بأقل فاعلية وفائدة، لكن تكلموا وخاضوا في مكافحة العنصرية والفقر والظلم والدونية. وقد قامت مدرسة دراسات ما بعد الكولونيالية بإعادة التفكير والتأمل في من تكلموا وتحدثوا من الأهالي وتحليل خطاباتهم. من جهتنا قمنا بإعادة قراءة خطاب الحركة الإصلاحية الجزائرية بشقيها السياسي (فرحات عباس وحزب الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري) وبشقها الديني واللغوي (عبد الحميد بن باديس وجمعية العلماء المسلمين الجزائريين). انظر: نور الدين ثنيو: «حركة الإصلاح السياسي: حركة تاريخية،» القدس العربي: 5/11/2021؛ «الإصلاح السياسي: تاريخ آخر للحركة الاستقلالية الجزائرية،» القدس العربي، 12/8/2021؛ «الإصلاح في مواجهة الاستعمار،» القدس العربي، 29/5/2018، و»الفكر التنويري الإصلاحي .. الوجه الآخر،» القدس العربي، 24/4/2018.
[22] Fanon, Les Damnés de la terre, p. 67.
[23] Franz Fanon, Pour l’Algérie, chronique de révolte, 1952-1959 (Alger: Belles-Lettres, 2012), p. 45.
[24] Georges Balandier, «Situation coloniale, approche théorique,» Cahiers internationaux de sociologie, vol. 11 (1951), pp. 44-79.
[25] Fanon, Pour l’Algérie, chronique de révolte, 1952-1959, p. 29.
[26] Ibid., p. 31.
[27] Fanon, Pour l’Algérie, chronique de révolte, 1952-1959, p. 44.
بدعمكم نستمر
إدعم مركز دراسات الوحدة العربية
ينتظر المركز من أصدقائه وقرائه ومحبِّيه في هذه المرحلة الوقوف إلى جانبه من خلال طلب منشوراته وتسديد ثمنها بالعملة الصعبة نقداً، أو حتى تقديم بعض التبرعات النقدية لتعزيز قدرته على الصمود والاستمرار في مسيرته العلمية والبحثية المستقلة والموضوعية والملتزمة بقضايا الأرض والإنسان في مختلف أرجاء الوطن العربي.