مقدمة:

تُعَدّ عملية بناء الدولة من بين أبرز القضايا التي شغلت بال العديد من المفكرين الباحثين في العلوم الاجتماعية عامة وحقل علم السياسة خاصة، كون الدولة هي الكيان القانوني المعبِّر عن إرادة المجتمع؛ فالدول المغاربية، كغيرها من دول العالم، بدأت تحاول تأسيس معالم الدولة الوطنية الحديثة بعد الاستقلال، إلا أن سبيل الوصول إلى ذلك تخللته جملة من العقبات كان على هرمها تركة الموروث الاستعماري الذي عمل على تفكيك قواعد هويتها، وهو ما كان له أثر كبير في توجيه عملية البناء.

من هنا، فالحديث عن نجاعة بناء الدولة في أقطار المنطقة المغاربية يقودنا لا محالة إلى الوصول إلى حلقة مفرغة ينعدم فيها تحقيق الغاية المنشودة، نقطة الوصول فيها خالية من الدعائم والركائز الأساسية للنهوض بالدولة المغاربية ومواجهتها للدول الغربية الأخرى؛ لذا وجب لإنجاح البناء الدولاتي على كل صعده وسياقاته أن نأخذ بالمعتقد الذي يقودنا إلى القول أو الأخذ بجملة الاحتياطات أو المقومات اللازمة للحؤول دون فشل محاولة البناء.

من هذا المنطلق، ستسلط هذه المقالة الضوء على حلقة هامة في عملية البناء، وهي طبيعة علاقة المستويات الداخلية والخارجية على اختلاف سياقاتها بعملية بناء الدولة الوطنية التي تكون جديرة بالبحث والاهتمام، وفق إشكالية مفادها: ما هي أبرز المستويات التي يجب العمل على تحريكها حتى تشكل دافعاً قوياً للنهوض بالبناء الوطني؟

أولاً: تحريك الآليات الوطنية من أهم الأجندات الحيوية

ترتكز إعادة تشكيل أجندة للنهوض بالبناء الوطني في شقها الداخلي المحلي على جملة من التدابير والإجراءات الحيوية القادرة على النهوض بالبناء الدولاتي الذي يُعَدّ الركيزة الأساسية لقوة الدولة في المجال الدولي لما تعانيه الساحة العالمية من تشابك وتعقيد. سنلقي الضوء في هذا السياق على مجموعة من الاستراتيجيات لإنجاح، أو بالأحرى لتحريك، هذا البناء متمثلة باستقلالية القضاء والحرية الإعلامية، وكذا الانتخاب النزيه كأسلوب ديمقراطي لتعزيز الشرعية.

1 – التطبيق الأمثل لمبدأ الاستقلالية القضائية

من الجدير بالذكر أن الترسانة القانونية تُعَدّ من بين أعرق ركائز بناء الدولة، لما لها من عناصر قوة دافعة للنهوض بالبناء الوطني؛ إذ يُعَدّ النظام القانوني والقضائي في المنطقة المغاربية ككل من بين النظم القانونية التي تستمد ملامحها وأسسها من النظام الفرنسي إلى حد التبعية أحياناً. فمبدأ استقلالية القضاء بوصفه الأصلي بعيداً من كيفية تطبيقه على مختلف النظم والفواعل يهدف بدرجة عالية إلى تحقيق أكبر قدر من العدالة؛ فهو بدرجة كبيرة مرتبط بحماية الحقوق والحريات، ما حتّم على المشرّع العمل على الحماية الجادة لهذا المبدأ وتعزيزه بأقصى الضمانات.

لنتكلم بشكل أوسع تاريخياً حتى نكوِّن نوعاً ما الصورة الجلية عن هذا العامل الحيوي. فوفقاً للسياقات التاريخية لهذا المبدأ نجد أنه مع مرور الأزمنة لم يكن للقضاء أي استقلالية مطلقة في أغلب الحضارات السابقة مع تنوعها وتباينها. على سبيل المثال، لو تتبعنا الأحداث ورجعنا إلى الوراء لقرون مضت لوجدنا أن القضاة كانوا ينتمون إلى مذاهب فقهية مختلفة وكان حكمهم للقضايا يتماشى وانتماءاتهم الفقهية[1].

ومع التنوع في الأنظمة الدستورية في العالم أصبح من الصعب تحديد أو إعطاء صيغة معرفية شاملة لهذا المبدأ، إلا أنه يُؤخذ به إلى درجة عالية أنه لب النظام الديمقراطي المؤسَّس على احترام الحريات والسهر على القيام بالواجبات. من هنا يمكن الحديث عن استقلالية القضاء في ثلاث صور يعمل هذا المبدأ على تحقيقها والعمل عليها، تتمثّل بما يأتي[2]:

– حماية حقوق الفرد التي تعتمد على وجود سلطة قوية وعادلة قادرة على أداء دور المحاسب والمراقب.

– تحقيق الاستقرار السياسي.

– تنمية الاقتصادات وهو ما يتأتى من خلال ضمان سيادة القانون لتفادي التعسف والفساد الاقتصادي.

إذا كان الأمر كذلك، فإن استقلال القضاء يُعَدّ شرطاً ضرورياً لتحقيق تنمية قائمة على العدالة مبنية على منطلق أن لا تنمية حقيقية من دون قضاء عادل. وعليه فإن العلاقة بينهما تمثل علاقة طردية مؤسَسة على القضاء الحقيقي المستقل الذي يؤخذ به على أنه عامل ضروري من عوامل التقدم والازدهار على كل الصعد والاتجاهات، وهنا يمكن القول بالإلزام بأن هذه الاستقلالية تبني وتؤسس لتنمية حقيقية مبنية على أرضٍ خصبة أبرز أعمدتها الوضع الآمن[3].

من هذا المنطلق، يمكن القول إن مبدأ استقلالية السلطة القضائية في أي نظام دستوري يهدف إلى تحقيق قدر كبير من العدالة، وهو أمر لا محالة مرتبط ولصيق بالاستقرار السياسي والاقتصادي وكذا احترام حقوق الإنسان وحرياته. وعليه، وجب على المشرع العمل على حماية هذا المبدأ وتعزيزه بأكبر قدر من الفاعلية الجادة التي قد تجعل منه عنصراً حيوياً فعّالاً مكوِّناً ومؤطِّراً للبناء الوطني، وما يمكن ملاحظته أن مجمل الدساتير الحديثة التي تسعى إلى ضمان العدالة تشدد على استقلالية القضاء من نقطة أنه يمثل إحدى الركائز الهامة للنهوض بالبناء الوطني[4].

من هنا، ووفقاً لمدى نجاعة وحساسية هذا المبدأ المكوِّن والمنظِّم في المعادلة البنائية للدولة فإنه يتحتم على الفاعلين داخل الدولة العمل والسهر على تكريس هذه الخاصية التي تُعَدّ عامل قوة في عملية البناء وإعادة البناء، هذا من جهة، ومن جهة أخرى التركيز على دور هذا العامل في التنمية بما يخدم سياقات الدولة، ما قد يضمن لها استقرارها واستقلاليتها في القرارات على الساحة العالمية. وعليه فقد صعُب إيجاد تعريف دقيق وموحد لمبدأ استقلال القضاء من منطلق ارتباطه المطلق ورجوعه إلى طبيعة الأنظمة السياسية في دول المنطقة المغاربية مع تنوعها وتباينها (نظام حكم رئاسي/نظام حكم ملكي).

2 – تفعيل مبدأ الحرية الإعلامية كمؤطر للبناء

من المفيد أن نذكر أن مؤسسة الإعلام تُعَدّ من بين أهم المؤسسات الفاعلة في عملية بناء الدولة، لأن الإعلام يُعَدّ من مقومات السيادة الوطنية وأحد رموزها، وما زاد من دوره الفعال هو طرحه القضايا وإخراجها للرأي العام، إذ إنه على امتداد العصور كان مفهوم الحرية قضية لها قيمة عظمى في حياة الأفراد والجماعات على حد سواء، وقد كان الإنسان ينظر إليها على أنها مطلب رئيسي وضروري يجب الحصول عليه مثلها مثل الطعام والمسكن، فالحرية مرتبطة ارتباطاً كبيراً بالنشاط الإنساني من معادلة أن النظم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لأي مجتمع تتكون كنتيجة حتمية للتفاعل بين العوامل المرتبطة بالبيئة والحضارة ماضياً[5].

ويرى إبراهيم الداقوقي أن مبدأ التداول هو أهم شرط ضروري لحرية الإعلام، كما يرى ماجد الحلو (أستاذ في كلية الحقوق، جامعة الإسكندرية) أن الحق في الإعلام: «هو الحق في إبلاغ المعلومات والأنباء والآراء للآخرين. وقد علم الرحمن الإنسان البيان وكرمه به على كثير من خلقه، وللإعلام والبيان أهمية كبيرة في توثيق الصلات وإظهار الحاجات وكشف الانحرافات والتعاون على تحقيق الغايات، فلا تكفي حرية الفكر أو الرأي أو الاعتقاد لتحقيق الأهداف وإنما لا بد من إمكانية التعبير عما في النفس وإعلام الآخرين به طلباً للاستجابة أو التعاون أو المشاركة»[6].

ولا يفوتنا القول إن بناء أي دولة سياسياً أو اقتصادياً… يتطلب بالضرورة تضافر جملة من الوسائل المساعدة والمتممة لهذه الهندسة، وهو ما يجعلنا بالضرورة نؤكد حيوية وأساسية الاستعانة بمختلف وسائل الإعلام، ولا سيَّما التي لها وزن إعلامي مميز، ما قد يجعل من عملية البناء عملية لينة قابلة للتطور إذا توافر عنصر الفعالية الذي يجعل من المعادلة ناجحة إلى حد كبير، الأمر الذي أكده المهتمون بهذا الحقل المعرفي، هذا الإرساء الذي قد يعمل على زيادة المشاركة الشعبية باعتباره وسيلة اتصال الشعب مع المسؤول.

من هذا المنطلق، لو تمعَّن الدارس والباحث في هذا الجانب من العلوم الاجتماعية للحظ أن كل دساتير وقوانين الدول على اختلاف وزنها في المسرح الدولي دونت كل ما تراه يخدم حرية شعوبها، ولكن هذا التدوين في حقيقة الأمر ما هو إلا حبر على ورق، وهذا بطبيعة الحال إن دل على شيء فإنما يفسر تخبُّط شعوب العالم في عالمنا اليوم بما تعيشه من مآسٍ وتهديدات تؤثر بنسبة عالية في درجة الاستقرار كما في البناء الدولتي. لذا، فحرية الإعلام ركن أساسي ومقوم لحرية التعبير وهذا ما كرسته المواثيق والإعلانات الدولية.

3 – ضمانات تحقيق نزاهة الانتخاب وصدقيته

دائماً وفي خضم حديثنا عن تحريك الأجندة الوطنية لما يخدم عملية البناء، وانطلاقاً من حقيقة الانتخابات الحرة والنزيهة التي تشكل عنواناً مهماً للديمقراطية في المجتمعات المعاصرة، تُعَدّ مشاركة المواطنين في إدارة الشؤون العامة لبلدانهم – أي أن يكونوا طرفاً فاعـلاً في المعادلة – إحدى الركائز الجوهرية لمبادئ حقوق الإنسان، التي شدّد عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948، إذ جاء في المادة (21) منه أن «لكل فرد حق الاشتراك في إدارة الشؤون العامة لبلده، إما مباشرة أو بواسطة ممثلين يُختارون اختياراً حراً… إرادةُ الشعب هي مناطُ سلطة الحكم، ويجب أن تتجلىَّ هذه الإرادة من خلال انتخابات نزيهة تجرى دوريـاً بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السرِّي أو بإجراء مكافئ من حيث ضمان حرِّية التصويت»[7].

إن تمتع الأفراد المكونين للنسق الاجتماعي في الدولة القانونية بالحقوق والحريات يُعَدّ الضرورة الأولى التي يولي لها المشرّع الدستوري الأهمية البالغة ضمن هندسة القوانين والتشريعات. وعليه، إن من جملة الحقوق الأساسية للفرد يُعدّ حقّاً الترشح والانتخاب من الحقوق العامة التي حرصت الدساتير على كفالتها وتمكين المواطنين من ممارستها، وفق المنظومة القانونية المتعارف عليها [8].

من هنا، بات على المشرِّع التتبع القانوني وحماية العملية الانتخابية بدءاً من أولى مراحلها، وهي القيد في الجدول الانتخابي، وملازمة كل الحيثيات الهامة فيها وصولاً إلى إعلان النتائج، بضمانات تحد من المساوئ التي قد تشوب العملية الانتخابية. لذا لا بد من البحث عن أفضل الوسائل القانونية الناجعة والضمانات الخاصة لحماية العملية الانتخابية من التزوير وقلب الحقائق، وهذا لا يتحقق إلا من خلال تفعيل دور كل من القضاء المستقل والمجتمع المدني للإشراف على العملية.

4 – الشراكة بين القطاعين العام والخاص

ما لا يحتاج إلى التأكيد، أن الاقتصاد ركيزة هامة لقيام الدول، إذ إنه يُعَدّ عامـلاً مكوناً لقوتها؛ والشراكة بين القطاعين العام والخاص هي شكل من أشكال التعاون تتعهد من خلاله الدولة والمؤسسات العمومية والمنشآت العامة لشركائها الخاضعين للقانون الخاص (يسمى «الشريك الخاص») بمسؤولية القيام بمهمة شاملة تتضمن التصميم والتمويل الكلي أو الجزئي والإنجاز أو إعادة توظيف وصيانة أو استغلال منشأة أو بنية تحتية ضرورية لتوفير خدمة عمومية، وذلك بواسطة عقد إداري محدد المدة يسمى «عقد الشراكة بين القطاعين العام والخاص»[9] .

لو أخذنا على سبيل المثال أنموذج المملكة المغربية، من دون الخوض في التفاصيل أكثر، فإنه وجب علينا الوقوف بدقة والتحدث نوعاً ما عن واقع الشراكة الثنائية وسيرورتها، مع التركيز على مشروع القانون رقم 12 – 86 المتعلق بتفصيل دقيق لعقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص، الذي تكلم في جانب هام منه على ضرورة خلق شبكة أو هيئة مستقلة يكون الغرض منها مسايرة ومراقبة عقود الشراكة بين القطاعين، كما أنها تتولى تقييم المشاريع المنجزة، وهو ما قد يجعلها تؤدي دوراً بارزاً في تسوية الخلافات والعمل على استمرارية هاته العقود[10].

كما يجب أن يستجيب إبرام عقد الشراكة لمجموعة من المبادئ، في مقدمها حرية الحركة والمساواة في القرارات والمكاسب والموضوعية في سير العقد والمنافسة القانونية الشريفة والشفافية في الأحكام وضرورة احترام قواعد الحكامة الجيدة؛ إذ وفرت الشراكة بين القطاعين العام والخاص منظوراً فريداً للتعاون والجوانب الشبكية للإدارة العامة، كما يمكن فسخ هذه العلاقة في حال وقوع خطأ جسيم مذكور في بنود العقد أو وجود قوة قاهرة بعيدة من المساواة والحرية، ومنه تؤدي الإدارة الرشيدة دوراً فعالاً في إنجاح هذا العقد[11] .

ولا يفوتنا القول إن الاقتصاد الوطني يُعَدّ الوحدة المركزية للاقتصاد العالمي من منطلق أنه يمثل حجر الأساس فيه، فاقتصاد الدولة مرتبط ارتباطا وثيقا بالاقتصاد العالمي، كما أن قوة الدولة في الوقت ذاته تتحدد بقوة ومركز اقتصادها ضمن المعادلة العالمية القائمة على اقتصاد السوق؛ وهذا الأخير ينبغي أن يُبنى على دعائم وركائز صلبة. فالاقتصاد والسياسة توأمان لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر لأنه لا يمكن فهم السياسة إلا إذا أخذنا الاقتصاد في الحسبان في الوقت الذي لا يمكن فهم الاقتصاد إلا بالرجوع إلى السياسة[12].

وما يجب استخلاصه من واقع الشراكات اليوم ومسارات العلاقات الاقتصادية بين القطاعين فقد تأكد في جانب خفي منه أن مدلول المصطلح القائل بـ «الشراكة بين القطاعين العام والخاص» المعتمد في حاضرنا اليوم في بعض الدول ما هو إلا سيناريو مُناوِر ولعبة ذكية تأخذ حيزاً مهماً للتفكير في الجزئيات الصغيرة بدلاً من التركيز على مسار وسيرورة الشراكة ككل بمجملها العام، وهذا ما يجعل الدارس لهذا السياق أمام صعوبة إيجاد أو وضع تعريف عالمي أدق ومقبول للشراكة بين القطاعين العام والخاص.

ثانياً: إعادة بعث المشاريع الإقليمية المشتركة

تُعَدّ المقاربة الإقليمية إحدى أهم المقاربات الاستراتيجية في عملية البناء وإعادة البناء الدولتي، وبخاصة إذا تعلق الأمر بالمنطقة المغاربية بوصفها منطقة ذات طبيعة جيوسياسية بالغة الأهمية. ومع حساسية التشابك في السياسة الدولية يتحتَّم على دول المنطقة انتهاج رؤية قائمة على التشاركية والمصلحة الجماعية مبنية على ضرورة التفاعل الإيجابي مع ما يجرى داخل المنظومة العالمية، وهو ما قد يكوِّن حاجزاً ضد التهديدات محاصراً للأزمات التي تحيط بالمنطقة التي لم تفلح فيها جل مبادرات ومشاريع التنمية التي كانت تنادي بضرورة تحقيق الاستقرار الاقتصادي.

إن هذه الاستراتيجية تتخذ من التكامل بين الدول المغاربية إطاراً مؤسسياً لها، وتتحدد معالمهـا على مستويات عديدة سنأتي على ذكرها من خلال مضمون هذا المستوى الذي يُعَدّ منظاراً لآفـاق تحقيـق التكامل المغاربي. من هنا فإن الهدف العام لهذه الاستراتيجية هو زيادة قدرة دول الاتحاد على تغطية الحاجات الأساسية بشكل يضمن تحقيق الأمن الاقتصادي عبر الزمن بعيداً من التخلف نتيجة لتزايد الفقر. وهنا، يمكن الحديث عن مجموعة من المفاتيح لإنجاح هذا التكامل على مختلف الصعد[13]:

1 – المفتاح السياسي

ما يمكن الحديث عنه في هذا الجانب وهو توحيد السياسات من خلال القرار الموحد وهذا بغرض إنجاح هذا التكامل. ومن جملة الحلول المتاحة نجد:

– العمل على حل المشكلات السياسية والحدودية، وبخاصة مشكلة الصحراء الغربية لأهميتها في الصراع الثنائي.

– توحيد الرؤى الوحدوية المتمثلة بتوحيد السياسات الاقتصادية والسياسية من منطلق أن الاتحاد هو السبيل الوحيد لحل المشكلات العالقة.

– إعطاء دور مهم للمجتمع المدني وإشراكه في العملية التكاملية من خلال زيادة المشاركة الشعبية.

2 – المفتاح القانوني

يقصد به إعادة النظر في النصوص القانونية المنشئة للاتحاد، إذ لا بد من البحث عن سبل وإصلاحات وتعديلات، وهو ما نلمسه في النقاط الآتية:

– ضرورة استكمال البناء المؤسساتي للاتحاد من خلال تفعيل الهيئات الاتحادية بغرض العمل على الوظائف التي وجدت من خلالها.

– إقامة هيئة برلمانية موحدة لها صلاحيات التشريع والمراقبة.

– توحيد التشريعات والقوانين المتعلقة بنظام استغلال الموارد، بدءاً من القوانين التي تنظم الملكية وطرق استغلالها وكيفية انتقالها في المجال الاتحادي مروراً بتوحيد نسب الضرائب على السلع.

3 – المفتاح الاقتصادي

وهو عبارة عن التوجهات الاقتصادية الواجب اتباعها لإنجاح التكامل التي نذكر منها، على سبيل الذكر لا الحصر، ما يأتي:

– تكثيف التعاون الثنائي كوسيلة لتعزيز التكامل من خلال المبادلات البينية.

– إعادة بناء الاقتصادات القُطرية المغاربية على أسس تجسيد التكامل والاندماج التدريجي لأنشطتها وقطاعاتها الرئيسية من خلال تصفية التبعية والتخلف واستعادة التوازن الاقتصادي على المستوى الاتحادي.

– تعزيز الاستقلال الاقتصادي والاعتماد على الإمكانات الذاتية.

– ضرورة تأسيس هيئة اقتصادية كالمصرف المغاربي ومنتدى رجال الأعمال.

– تبني استراتيجية اقتصادية موحدة قائمة على الشفافية والمنافسة الشريفة.

ثالثاً: التحرك على المستوى الدولي كمقاربة للنهوض بالبناء الوطني

من المفيد أن نذكر أن التعاون بين بلدان الجنوب هو إطار واسع للشراكة فيما بين الدول النامية، وهو العمل على تبادل وتقاسم الحلول الإنمائية الرئيسية – من معارف وتجارب وأفضل الممارسات وسياسات وتكنولوجيا ودراية وموارد – داخل البلدان الواقعة في القسم الجنوبي من القارة الأرضية وفي ما بينها. يشمل التعاون الثلاثي شراكات بين اثنين أو أكثر من البلدان النامية جنباً إلى جنب مع شريك ثالث، عادة ما يكون شريك الموارد التقليدية أو منظمة متعددة الأطراف.

إذا كان الأمر كذلك فإن هذه الاستراتيجية تستند في مجملها إلى جملة من الركائز أو بُنى قادرة على تحريك هذه الترسانة بما يخدم المصالح المشتركة للأطراف[14]:

1 – تيسير تبادل الحلول الإنمائية وتشاركها، من خلال توفير التوجيه والدعم التطبيقي من أجل ضمان جودة عالية لتبادل المعرفة، التبادل القصير والمتوسط والطويل الأجل، وطرائق التعلم، والجولات الدراسية، والتدريب.

2 – تعزيز الإدارة وشبكات المعرفة، وربط مزودي الحلول بين بلدان الجنوب مع طالبيها (العرض والطلب)، وزيادة تشارك المعرفة وتعزيز التعلم في اتجاهين بين مجموعة واسعة من الجهات الفاعلة في الجنوب.

3 – تيسير دعم مسبق على مستوى السياسات، بما في ذلك حوار السياسات وتبادل المعرفة بين صانعي السياسات.

4 – تعزيز بيئة تمكينية، وحشد شراكات وموارد أوسع، وكذلك تسليط الضوء على قيمة التعاون بين بلدان الجنوب.

خلاصة القول إن التعاون بين بلدان الجنوب يؤدي دوراً أكبر من أي وقت مضى في التصدي لانعدام الأمن الغذائي، كما أن الطلب العالمي لحلول التنمية في الجنوب التي تم اختبارها والتي أثبتت فاعليتها هو مرتفع دائماً، إذ إنه منذ عام 1996 عملت منظمة الأغذية والزراعة على تيسير التعاون بين بلدان الجنوب والتعاون الثلاثي من خلال إيفاد أكثر من 1008 من الخبراء والفنيين إلى أكثر من 50 بلداً في أفريقيا وآسيا والمحيط الهادي وأمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي والشرق الأدنى.

خـاتمة

حاولنا في هذه المقالة أن نسهم ولو بالقليل في تحليل هذا الموضوع الذي يعَد موضوعاً محورياً تتشابك فيه عدة حقول معرفية، من منطلق أن الدولة هي ذلك الإطار المعبِّر عن إرادة المجتمع. كما أن خصائصها وجزئياتها تتشارك بين عدة سياقات مختلفة، ما جعل منها مادة دسمة للدراسة، الأمر الذي حتم على الباحثين والمفكرين في العلوم الاجتماعية عامة أن يجعلوا من موضوع الدولة نقطة انطلاق.

فعملية بناء الدولة تعني إلى درجة كبيرة بناء مؤسسات جديدة وتقوية المؤسسات القديمة، كما جاء في تعريف فرنسيس فوكاياما في كتابه بناء الدولة النظام العالمي ومشكلة الحكم والإدارة في القرن الحادي والعشرين، فعملية البناء هنا تتشارك فيها عدة فواعل ومؤسسات، عسكرية ودستورية وإعلامية ومؤسسات المجتمع المدني. إلا أن عملية البناء في المنطقة المغاربية تخللتها جملة من العقبات لعل أبرزها البناء الهش واهتزاز شرعية الدولة بفعل الاستعمار.

وعليه يمكن القول إن عملية بناء الدولة تُعَدّ من بين أهم العمليات المعقدة التي يكون لها كبير الأثر في تحديد وتوجيه السياسة العالمية، إذ وفقاً لما هو عليه العالم اليوم من تعقيد وتشابك يتحتّم تأسيس مؤسسات قوية قادرة على النهوض بالدولة والرقي بها إلى مصافّ القوى الفاعلة على المسرح الدولي، من منطلق مهم وهو طبيعة النظام الدولي الذي يقوم على القوة المصلحة.

من هنا، فإن تجربة البناء الوطني تعرضت للعديد من الهزات التي أثرت في سيرورتها البنيوية المتمثلة بسياق الانتقال الديمقراطي، فضـلاً عن تغير قاعدة توازن القوى في العلاقات الدولية، وهو ما كان له تداعيات على مخرجات سياساتها العامة بمختلف سياقاتها السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية… إلخ، فالحديث عن عملية إصلاح حقيقي، لا يتأتى بفعل إصلاح الترسانة الدستورية فقط في ظل تجاهل إصلاح المنظومة الذهنية، بل هي نتاج معادلة إصلاح ذهني ودستوري، لأن التشديد على الترسانة القانونية فقط سيحلينا على عملية إصلاح صفرية معدومة.