ملخص:

يعيش الوطن العربي في ظل ثورات الربيع العربي مخاضًا عسيرًا، بعدما أصبح النقاش اليوم يربط بين الحرية والتنمية، وأولوية إحداهما على الأخرى ودورها في بناء المجتمعات العربية، وإحداث التنمية الاقتصادية المنشودة، التي تاقت الجماهير العربية إليها، بعدما قيّدت الحريات واستنزفت الثروات خدمة لطبقة حاكمة، دون توجيهها لتطوير بلدانها والنهوض بسياساتها التنموية، ما طرح إشكالية عميقة حول مطلب الحرية والتنمية التي تمثّل جوهر السياسات العامة للدول خدمة للمواطنين، ما أفرز سجالًا واسعًا من الجدل حول مكنون الثورات، وهل حققت مطلب الحرية والتنمية للشعوب العربية، أم لا تزال تتخبط في معضلة أولوية الحرية أم التنمية، وبخاصة أن الكثير يرى في الحرية الطريق الممهد للتنمية الاقتصادية بل إنها الغاية المنشودة للمواطنين.

الكلمات المفتاحية: الربيع العربي، الحرية، التنمية، الديمقراطية، الدول العربية.

مقدمة:

لطالما كانت الحرية ولا تزال المطلب الأساسي والهام لكافة شعوب المعمورة، والتي قامت لأجلها الحروب والثورات رغبة في التغيير والوصول إلى عالم منصف، ينعم بالحرية وما يرافقها من تنمية للمجتمعات في حاضرها ومستقبلها.

لقد ظل نير الاستبداد يخيم على سماء الدول العربية، فبعد أن نالت استقلالها من استعمار دام لعقود، ظنت الشعوب أنها حققت مطلب الحرية ونالت شرف العيش بكرامة في أوطانها، غير أن الأنظمة التي حكمتها بعد الاستقلال خيّبت آمالها، فاتجهت إلى قمع كل صوت مطالب بالحرية، معارض للسياسات المعتمدة التي لم تحقق التنمية المنشودة. هذه الظروف كانت الدافع لشحذ الرغبة أكثر للفكاك من استبداد الأنظمة القائمة، فأعلنت الشعوب العربية رفضها للأوضاع، وطالبت بالتغيير مع مطلع القرن الحادي والعشرين عبر ثورات عرفت بثورات الربيع العربي.

لقد أثارت هذه الثورات الكثير من النقاشات، وأسالت حبر كثير من الباحثين والدارسين لأوضاع المنطقة العربية، رغبة منها في تحليل وفهم حقيقة هذه الثورات في الحاضر ومآلاتها مستقبلًا، وتقييم ما حققته وما لم يحقق من آمال الشعوب العربية في نيل الحرية وتحقيق التنمية المنشودة لأوطانها. ومن هنا نتساءل: كيف أثّر مسار الثورات العربية على مستوى الحرية والتنمية بالدول العربية خلال الفترة2011-2019؟ وهل استطاعت الدول التي شهدت الربيع العربي الخروج من مأزق التبعية للأنظمة السابقة، وتحقيق مطلب الحرية والتنمية المنشود بعيدًا من جدلية أولوية إحداهما على الأخرى ضمن الأجندة السياسية؟

أولًا: واقع الحرية والتنمية بالمجتمعات العربية

لا يختلف اثنان أن مفهوم الحرية من المفاهيم المتداولة لدى الأفراد على اختلاف مستوياتهم وظروفهم، بوصفها ضرورة حياتية وارتباطها الدائم برغبة الإنسان الجامحة في الشعور بالذات، وهي الفكرة التي راجت بضاعتها، واستوطنت أجندة الوطن العربي المعاصر التوّاق لعالم ينعم بالحرية والمساواة بعيدًا من نير الظلم والاستبداد.

ينطوي مفهوم الحرية لدى المفكر المغربي عبد الله العروي على ظاهرتين: الأولى، مرتبطة بالإصلاح في نطاق نشاط جماعي، يقود إلى تكوين حركة اصلاحية لإلغاء قوانين، أو محو عادات أو تغيير سلوك، فهي تعني بذلك نداء ينتهي بحركة تحرير. أما الجانب الثاني، فيشير إلى أن الدعوة إلى الحرية تستعمل كل مقال للحرية، أصيلًا كان أو مستوردًا، قديمًا أو معاصرًا، عامًا أو خاصًا، سهلًا كان أو معقدًا[1]، فالحرية حسبه دعوة ناتجة قبل كل شيء من حاجة متولدة في المجتمع العربي، شعر بها عدد من الناس وعبّروا عنها في حركات تحررية لتحقيق التقدم والتجديد.

وتداول بعض من الباحثين والمفكرين المفهوم من خلال ربطه بأطروحات الليبرالية، حيث عبّر جون لوك عن الحرية بقوله: “تكمن حرية أولئك الذين يعيشون في إطار دولة ما، في وجود قانون دائم يعيشون بموجبه وينطبق عليهم جميعًا، ويكون مشرعًا من قبل السلطة التشريعية في المجتمع، بحيث يتبع الواحد منهم رغباته في جميع الأمور التي لا يمنعها القانون، ولا يكون خاضعًا لإرادة الآخرين الاعتباطية[2].

فالحرية هي أن تكون مواطنًا في دولة مغروسة في ذواتنا، ووعينا الدائم بالانتماء إلى وطن نستطيع فيه التعبير عن آرائنا، ومشاركة قراراتنا مع مختلف الأطياف والهويات دون كبح أو خوف، وفي ظل قانون يحمي الاختلاف ويحتويه لتعلو دولة القانون والحقوق، حيث أينما يوجد حق يلزم قانون لحمايته.

بهذا المعنى توجد الحرية بوجود دولة، والذي يلزم الحق في اختيار الحاكم كحق يتقدم جميع الحقوق الأساسية لكل شعوب العالم، فكل الحقوق الأخرى السياسية، الاجتماعية والاقتصادية وعلى أهميتها تبقى تلي هذا الحق، فهو محور ضمان هذه الحقوق، وهي مرهونة بمن يملك السلطة، ولن تجد طريق التنفيذ إلا إذا ما توافرت الإرادة السياسية المتماهية مع إرادة الشعب ورغباته[3].

لذلك، فإن الحرية لا يمكن أن نمثّلها لغير المنتسبين لجماعة ما، تحت ظل دولة تحترم الحقوق والحريات، لذلك فإن تحرير الفرد يرتبط بتحرير المجتمع كضرورة حتمية، وأن حرية الفكر مرتبطة بالحرية السياسية، وهذه بالحرية الاجتماعية والاقتصادية المنتجة للتنمية والتقدم في مختلف الميادين.

كما ترتبط الحرية بمفهوم أكثر أهمية يتحقق بوجودها وينتفي بغيابها، ألا وهو مفهوم التنمية، هذه العملية الضرورية لأي مجتمع يسعى لضمان تقدمه ورقيه الحضاري، بوصفه يسمو بحياة الإنسان ورفاهيته، ذلك أن الحديث اليوم أكثر عن ضرورة تنمية الإنسان في حاضره ومستقبله، لضمان تكوين مواطن صالح، يتمتع بكامل حقوقه ويعمل على تطوير بلاده، باعتبار العملية التنموية هي عملية تكاملية تقوم على جهود الدولة والأفراد في ظل مجتمع تستوطنه الحريات واحترام الآخرين.

وهنا نتساءل، هل نالت الشعوب العربية منذ استقلالها عن الاستعمار حريتها بمفهومها الموضح سلفا؟ أم أنها كانت شكلية لا وجود لها في الممارسة اليومية للأفراد في مختلف المجالات خاصة السياسية؟ وهل استطاعت النهوض بتنمية مجتمعاتها، أم لا تزال مطلب أغلبية الشعب التي لم تجسد بعد؟

تعيش المجتمعات العربية محاولات من جانب الأنظمة القائمة لإعمال الحريات، وتفعيل حق المواطنين في التعبير عن آرائهم ومشاركتهم في مختلف القرارات، وفق إصلاحات سياسية، اجتماعية، واقتصادية أريد بها إيهام الشعوب بنهضتها سياسيًا، واجتماعيًا، واقتصاديًا. إلا أن واقع الحال بهذه البلدان لم يكن يوحي بوجود حرية إلا بصورة شكلية، ولم تكن هناك سياسات أو استراتيجيات تنموية إلا حبرًا على ورق لم تنجز أغلبها، بل بقيت مطوية بأدراج المسؤولين لعقود، لتذهب معها أحلام الشعوب في التطور والتقدم أدراج الرياح.

وهذا يوحي بوجود أزمة الحرية في البلدان العربية، باتت تطرح إشكالات عميقة ترتبط بأزمات سياسية، واقتصادية، واجتماعية، وحتى فكرية، والتي هي في الأصل نتاج تهاون هذه البلدان فكرًا وممارسة في تطبيق الديمقراطية والحرية بكل معانيها السياسية، الثقافية، الاقتصادية والاجتماعية، وعلى مختلف مستوياتها الفردية والنخبوية والجماعية. ما جعل تقرير التنمية الإنسانية لعام 2004 يصنف الأمة العربية بالمراتب الأخيرة في ما يتعلق بالمعرفة أو الحريات العامة أو حقوق المرأة، والسبب في ذلك فقدان قيمة الحرية التي تعتبر المدخل الأول للتنمية الإنسانية بكامل أشكالها[4].

إذ تظل التنمية وتوفير معينات العيش الكريم مطلب أغلبية الشعوب، بيد أن الحديث عن التنمية بالبلدان العربية وبخاصة التي شهدت ثورة الربيع العربي، يوحي إلى أنها وإن حققت تقدمًا نسبيًا، إلا أنها ما تزال دون مستوى التنمية المرجوة التي يمكن قياس مؤشراتها، حيث تقهقر مستوى التنمية بالمجتمعات العربية نتيجة انتشار الفساد السياسي والمالي، فلم تتحرر العلاقات الاقتصادية من هيمنة الدولة وأيديولوجيتها حتى في مراحل التحرر الاقتصادي الكبرى، إلا لتصبح بين أيدي فئة مستفيدة من الفساد والإفلاس المتعمد للمؤسسات العمومية، وزيادة الارتهان للسوق العالمية، رافق ذلك ارتفاع معدلات البطالة وانهيار الاقتصاد لكثير من دول الربيع العربي[5].

على هذا الأساس لا يمكن تصور تنمية دون حرية، ولا وجود لحرية في مجتمع يعيش أفراده سوء أوضاع اجتماعية واقتصادية، والتي من المؤكد أنها تؤثر في مستوى حرياتهم وعزوفهم عن المشاركة في عديد القرارات التي تخدم مستقبل وطنهم، وهو واقع حال الأفراد في كثير من البلدان العربية الذي فجّر ثورات الربيع العربي مطالبة بتغيير الأنظمة وركوب موجة الديمقراطية بما تتضمنه من حرية، مساواة، عدالة وتنمية… وغيرها، والتي ظلت لعقود مجرد شعارات تغنت بها الأنظمة الحاكمة، ووعودًا لبرامج انتخابية لم تحقق منها غير مصالح حاشية الحاكم ومساعديه.

ثانيًا: موجة الربيع العربي: مآلات ونقاشات

ظلت الشعوب العربية لعقود تتجرع آلام الاستبداد، وتأمل في مستقبل زاهر قوامه الحرية والتنمية على كل الأصعدة والميادين، لذلك طغى جموح رغبة التغيير وكسر حصار الاستبداد في نفوس الشعوب، فرفعت راية المطالب بتنحية الأنظمة الاستبدادية وإسقاطها، بعد أن فشلت في تحقيق التنمية المنشودة، وإقامة أنظمة ديمقراطية قوامها حكم الشعب وحريته في اختيار حاكمه، باعتبار حرية الاختيار مدخلًا أساسيًا ومحوريًا في مقاربة التنمية ودمقرطة هياكل الدولة ومؤسساتها وبنى المجتمع.

يعود النقاش بشأن الربيع العربي إلى بداية القرن الحادي والعشرين، حيث سنركز في دراستنا على أهم الثورات، عبر دراسة وتحليل التجارب الثورية بكل من تونس، مصر، وكذا الجزائر كتجارب أكثر دينامية، غذتها أحداث وتطورات رسمت سيناريوهات جديدة في مسار ثورات الربيع العربي، حيث سنتعرض لها من حيث سياقها العام، والوقوف على أسبابها ودوافعها، مع الإشارة إلى تجارب أخرى في سياق التحليل.

تعرف الثورة في موسوعة علم الاجتماع بأنها: “تلك التغييرات الجذرية في البنى المؤسسية للمجتمع، والتي تعمل على تبديل المجتمع ظاهريًا وجوهريًا من نمط سائد إلى نمط جديد، يتوافق مع مبادئ وقيم وأيديولوجيا وأهداف الثورة، وقد تكون الثورة عنيفة دموية، كما قد تكون سلمية وتكون فجائية سريعة أو بطيئة تدريجية[6].

وقد شهدت المنطقة العربية أواخر عام 2010 عديد الثورات والاحتجاجات الشعبية تراوحت بين السلمية والدموية، حيث تضافرت عديد الأسباب والعوامل في قيامها، يمكن ذكر أهمها في ضوء النقاط التالية:

1- التشابه في عوامل التغيير

بعدما تجمعت عدة دوافع محفزة على الثورة، كالفساد السياسي، واستبداد الأنظمة المهيمنة الحاكمة على مقاليد الحكم، وفي المقابل يعيش الشعب في فقر مدقع وظروف معيشية مزرية، أوضح استطلاع للرأي شمل 8045 شابًا في تونس ومصر وليبيا واليمن، قام به مركز الجزيرة للدراسات (AJCS)، أن تفشي الفساد، وتدهور الاقتصادات الوطنية، كانا أكثر الأسباب المذكورة للانتفاضات في جميع أنحاء المنطقة[7].

2- ضعف البناء السياسي في البلدان العربية

غالبًا ما تمحور بناء الأنظمة على شخصية الرئيس، دون تطورها إلى أنظمة مؤسساتية تقدم النصح والرؤى للمؤسسة السياسية، ما جعلها ضعيفة في مواجهة المد الداخلي والضغوط الخارجية.

3- كسر الشعوب العربية حاجز الخوف

فبعدما كانت الشعوب العربية تعيش هاجس الخوف لما تعرضت له من عنف وقهر، استطاعت كسر هذا الحاجز بالتعبير عن مطالبها والدفاع عنها، لإيمانها القوي بضرورة الإصلاح لتحقيق التنمية البشرية الشاملة.

بروز جيل جديد من الشباب بعيد كليًا من الاحزاب التقليدية أو الحركات القومية، أو حتى الحركات الإسلامية، مثّلت في ذلك مؤسسات المجتمع المدني قوة مهمة، اعتمدت أدوات تكنولوجية حديثة دعمت المظاهرات وساهمت في إنجاح أخرى[8].

كل هذه العوامل وأخرى كانت بمثابة الوقود الذي أشعل فتيل ثورات الربيع العربي، حيث كانت البداية بانتفاضة شعبية بتونس، كرد فعل بعد أن أحرق محمد البوعزيزي نفسه، احتجاجًا على إفقاره وتجويعه بمصادرة مصدر رزقة في منطقة سيدي بوزيد، فكانت الشرارة التي حرّكت الشعب في ثورة بيضاء (ثورة الياسمين)، انتهت بإقصاء بن علي عن المشهد السياسي التونسي في 14 كانون الثاني/يناير 2011، الذي خرج لاجئًا إلى السعودية لأكثر من ثماني سنوات، حتى وفاته في 19 أيلول/سبتمبر 2019 بمنفاه المختار[9].

اتسم الحراك السياسي في تونس منذ بدايته بالطابع العفوي، وغياب عنصر القيادة فيه، كما تميّز بغياب أي شعارات مذهبية أو عرقية، ودون إقصاء لأي جهة، ليطبع الحراك بطابع الوحدة الوطنية، والرغبة في بلوغ أهداف الحراك من حرية، ديمقراطية وتنمية شاملة، تعيد للشعب التونسي كرامته في بلده. إلا أنه بعد سقوط النظام كان لا بد من هيكلة الحراك وقيادته، فبرزت عدة فواعل كانت حركة النهضة أحد أهم الأطراف المساهمة في التأطير، فتصدرت المشهد السياسي التونسي[10].

توالت الأحداث وواصلت الجماهير مظاهراتها دفاعًا عن المطالب التي رفعتها، لذلك تقرر تفويض قيادة المرحلة الانتقالية لحكومة مؤقتة إلى حين إجراء أول انتخابات تشريعية في 23 تشرين الأول/أكتوبر 2011، لتشكيل المجلس الوطني التأسيسي، وقد شارك في هذه الانتخابات عديد الأحزاب السياسية، فازت فيها “حركة النهضة” برئاسة المجلس التأسيسي، الذي تمثلت مهمته الأولى في انتخاب رئيس للدولة، يتولى بدوره تعيين رئيس الحكومة.

في مرحلة لاحقة، تقرر صوغ دستور للدولة، يكون بمثابة بوتقة تجمع فيها كل الأطياف، وتعبر عن جميع الأصوات، دون تهميش أو اقصاء، فيكون حاميًا للحقوق وضامنًا لاستقلالية السلطات، وحافظًا لحرية المواطنين كافة، ليدحض بذلك التجاذبات والخلافات، بما يحقق المصلحة العامة ويحفظ السلم الاجتماعي، فكان بذلك الدستور التونسي الجديد الأكثر ديمقراطية وليبرالية في العالم الإسلامي العربي[11].

ونتيجة للتجاذبات والصراعات السياسية، وفشل حكومة الترويكا في الخروج من الأزمات التي ورثتها على النظام السابق، وما صاحب ذلك من انفلات أمني، أُجبرت حركة النهضة على التخلي عن رئاسة الحكومة، وتقديم استقالتها في 28 تشرين الثاني/نوفمبر 2013 لصالح حكومة انتقالية تفاوضية، من شأنها نقل البلاد إلى انتخابات تشريعية جديدة، وهي التي أجريت يوم 26 تشرين الأول/أكتوبر 2014، أسفرت عن فوز حزب نداء تونس بقيادة الباجي قايد السبسي، الذي أصبح بموجب الانتخابات الرئاسية في 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2014 رئيسًا للجمهورية التونسية – أول رئيس انتخب ديمقراطيًا منذ استقلال البلاد – والذي عيّن الحبيب الصيد رئيسًا للحكومة، وكلفه بتأليف حكومة جديدة ضمت وزراء من حزب نداء تونس، وحزب النهضة الاسلامي، وحزب آفاق تونس وغيرها من الأحزاب[12].

وبعد الحوار الوطني الناجح في تونس، والذي أوجد خريطة طريق شاملة نحو الاستقرار السياسي، ختم الشعب التونسي مسيرته الثورية بانتخابات رئاسية بتاريخ 13 تشرين الأول/أكتوبر 2019، عبّر فيها عن اختياره الحر لرئيسه قيس بن سعيد، الذي أكد أن تونس تنتظرها تحديات كبيرة لإرساء دولة ديمقراطية تحفظ الحريات والحقوق، وهي مسؤولية جماعية لا بد أن تلتف لتحقيقها كافة القوى بالدولة.

تصدّر بعد ذلك شعار الحرية، والديمقراطية وبناء الدولة ساحة التحرير في 25 الثاني/يناير 2011، إذ انتفض الشعب المصري وطالب بإسقاط حكم الرئيس حسني مبارك، الذي لم يُنتج إلا نخًبا فاسدة، وقبضة أمنية قوية تحمي مصالح هذه النخب. وقد صنفته دورية فورين بوليسي الأمريكية في المرتبة الخامسة عشرة كأسوأ السيئين لعام 2010، واصفة إياه بأنه “حاكم مطلق مستبد، يعاني داء العظمة، وشغله الشاغل أن يستمر في منصبه”[13].

هذا المنصب الذي رفض التنحي عنه بداية، ثم قدّم استقالته تحت ضغط الجماهير، وهي المرحلة التي تمت خلالها تنظيم انتخابات حملت في طياتها صراعات بين عدة أطياف وأطراف، لتنتهي بفوز مرشح الإخوان بالرئاسة محمد مرسي سنة 2012، الذي لم يدم حكمه لأكثر من سنة، حيث ساهم الدعم الإقليمي والدولي للثورة المضادة في إجهاض ثورة يناير، وإعادة إنتاج منظومة بوليسية قمعية، عقب انقلاب عسكري للجيش على الرئيس المنتخب، أين تصدرت المؤسسة العسكرية المشهد مرة أخرى، وفرضت نفسها فاعلًا وحيدًا ومهيمنًا بعد اعتلاء عبد الفتاح السيسي سدة الحكم في 03 تموز/يوليو 2013[14]، وتم لاحقًا في سنة 2014 إجراء انتخابات رئاسية شكلية لإضفاء الشرعية على حكم السيسي، كما تم مناقشة مقترحات لتعديل الدستور، تضمنت تمديد فترة الرئاسة إلى 6 سنوات بدلاً من 4 سنوات، ورفع الحظر عن ترشح الرئيس الحالي لولاية جديدة.

هذه التطورات أعادت إلى الأذهان سيناريو النظام القمعي القديم، الذي لم يقتنع به الشعب المصري، فخرج مرة أخرى في تظاهرات في 20 أيلول/سبتمبر 2019 مطالبة السيسي بالتنحي وتقديم الاستقالة، بعدما كُشفت العديد من قضايا الفساد التي تورط فيها، وكذا الدعم الأمريكي والإسرائيلي الذي يتلقاه لاستمرارية حكمه، ضاربًا بذلك مطالب ثورة يناير عرض الحائط، فقوبلت التظاهرات بالعنف، وأوقف العديد من النشطاء السياسيين وعدد من المحتجّين، بلغ عددهم وفق المفوضة المصرية للحقوق والحريات نحو 4321 معتقلًا، وكلها اعتبارات قد تفضي إلى تطورات جديدة[15].

انتقل فتيل الثورة إلى ليبيا، التي لم يكن إسقاط نظام العقيد معمر القذافي ممكنًا لولا التدخل الأجنبي، لتتحول البلاد إلى ساحة قتال لقوى إقليمية ودولية عدة، لم يكن هدفها بناء الدولة الديمقراطية الحديثة، إنما استغلال خريطة الموارد الطبيعية في ليبيا، والنفط أساسًا في ظل الصراعات المتولدة حولها، أما سورية فلم تكن بعيدة من التدخل الأجنبي، حيث تحولت الثورة إلى حرب طاحنة بعد أن رفض الرئيس بشار الأسد التنحي، لتصبح البلاد مسرح حرب لم يعد ممكنًا معه التنبؤ بنتائجها. ومن جهة أخرى قدمت أطراف اقليمية للنظام اليمني ما عُرف بالمبادرة الخليجية، والتي نزعت فتيل الثورة، وأبقت على الحزب الحاكم القديم الذي قام مع جماعة أنصار الله (الحوثية) بالخروج عسكريًا عن مسار الحوار، وأوقد حربًا ما تزال قائمة إلى اليوم، أما جارتها البحرين فقد أُجهض الحراك الشعبي بتدخل خليجي مباشر[16].

وفي مرحلة ثانية، بدأت موجة جديدة من التظاهرات الشعبية المطالبة بالتغيير، حيث شهد شمال السودان احتجاجات عنيفة، اندلعت يوم 19 كانون الأول/ديسمبر 2018 عُرفت بـ “ثورة الخبز”، أدت إلى إطاحة نظام عمر البشير في 11 نيسان/أبريل 2019، وأعلن الجيش بدء مرحلة انتقالية لمدة عامين تنتهي بإقامة انتخابات، ومع ذلك ما تزال البلاد غير مستقرة، لتعود رياح الربيع العربي فتهب بالجزائر، التي لحقت بركب الأحداث بعد أن كانت التحليلات تستبعد تأثرها بثورات الربيع العربي. غير أن بوادر الرفض الشعبي للنظام الحاكم وسياساته كانت مبكرة (العهدة الرابعة)، بعد أن فشل في تحقيق مشروع الدولة الوطنية، وأهدر رصيد الثورة الجزائرية، بل واستهلك مقدرات الشعب وثرواته، وأغلق أمامهم الآفاق في ظل حكم عسكري بيروقراطي[17].

لينتفض الشارع الجزائري علنًا يوم الجمعة 22 شباط/فبراير 2019، معلنًا دخول الجزائر مسار الربيع العربي بمسيرات سلمية، حملت شعار الحرية والرفض القاطع العهدة الخامسة للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، بعد عجزه التام عن أداء مهامه في تسيير البلاد، وتنحية كل رموز النظام الفاسد، ليضطر بعد مرور شهرين إلى التنحي وإعلان استقالته من منصب رئاسة الجمهورية بتاريخ 2 نيسان/أبريل 2019، وبخاصة بعد أن تخلى عنه الجيش، ليتولى تسيير البلاد عبد القادر بن صالح كرئيس مؤقت لمدة (90 يومًا)، إلى حين إجراء انتخابات رئاسية وفق ما تنص عليه المادة (102) من الدستور الجزائري[18].

وفي ظل مواصلة الشعب احتجاجاته السلمية، ومطالبته برحيل كل رموز النظام السابق لأكثر من 32 جمعة، أعلن قائد أركان الجيش السابق عن ضرورة إجراء انتخابات رئاسية يوم 12 كانون الأول/ديسمبر 2019، لاختيار رئيس جديد للجزائر، وهي الدعوة التي كان من المفترض على الرئيس الانتقالي عبد القادر بن صالح أن يوجهها بموجب الدستور. ونشير هنا إلى أن الانتخابات التي كان من المزمع تنظيمها بداية تموز/يوليو المصادف لنهاية المرحلة الانتقالية للرئيس المؤقت (90 يومًا) لم تنظم لعدم وجود مرشحين، لذلك تم تمديد بقاء د عبد القادر بن صالح رئيسًا للدولة إلى غاية إجراء انتخابات رئاسية.

في هذا السياق أشار مروان قبلان مدير وحدة الدراسات السياسية بالمركز العربي خلال ندوة بعنوان “آفاق الحركة الاحتجاجية ومستقبل التحول الديمقراطي في الجزائر”، أن الجزائر تواجه مسارين رئيسيين: أولهما المسار الدستوري الذي يدفع به الجيش والمؤسسة العسكرية، ويتخوف منه الكثير من منظور أنه سيتحول إلى عائق أمام التحول الديمقراطي؛ والثاني، المسار السياسي الذي تدفع به الحركة الاحتجاجية على أمل أن يساهم هذا المسار في تحقيق تحول ديمقراطي حقيقي[19].

تأسيسًا على ما سبق، يبدو جليًا أن مطلب الحرية و التنمية، مثلًا أولى أولويات الثورات العربية الطامحة لمستقبل أفضل، يقوم على احترام الحقوق والحريات، فكانت القوى الشعبية وبخاصة الشباب الفاعل المحوري في هندسة مسار الانتقال الذي تشهده بلدان الربيع العربي، ساعدها في ذلك ما وفرته البيئة الرقمية من أدوات ووسائل للتواصل السريع، والذي مكّن من تعبئة الرأي العام وتوصيل مطالب الجماهير إلى خارج حدود بلدانهم، ليعبّروا بكل قوة عن رفض الواقع، والسمو نحو مستقبل تقوده نخب واعية، من شأنها أن تؤسس دعائم دولة الحق والقانون التي تحفظ الحريات وتحقق التنمية المنشودة.

ثالثًا: الحرية والتنمية: أي منوال؟

إن الحديث عن نتائج الثورات العربية وتقييم مستوى ما حققته من حرية وتنمية وما لم تحققه، ما يزال تشوبه نوع من الضبابية، نظرًا إلى صيرورة الثورات واستمرارية الأحداث بالدول محل الدراسة، على نحو يجعل من الصعب على أي باحث موضوعي أن يتنبأ بمداها وحدودها وانعكاساتها وتداعياتها، ومع ذلك يمكننا أن نتحدث عن بعض معالم الثورة التونسية.

فأهم ما حققته الثورة في تونس أنها لم تتحول إلى استبداد أو تجربة للفوضى كما حصل بليبيا، سوريا واليمن، فالتحول وإن كان نسبيًا إلا أنه جعل من الثورة التونسية المعاصرة نموذجًا ناجحًا، وتجربة فريدة من نوعها في العالم العربي والأفريقي والإسلامي، وهذا بفضل مستوى الوعي السياسي الذي تتسم به مختلف الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، لتدحض بذلك الأسطورة الغربية باستحالة بناء ديمقراطية في الوطن العربي[20].

وُصف الانتقال التونسي بأنه “قصة نجاح استثنائية” مقارنة بدول الربيع العربي الأخرى، يعزى ذلك إلى جملة من العوامل الحاسمة التي حالت دون الانهيار السياسي والفوضى بعد الثورة، تمثلت بالدور الاستباقي للمجتمع المدني؛ “سياسة الإجماع” التي أنتجت الدستور الجديد؛ انتخابات سياسية متعاقبة ذات صدقية؛ أجريت منذ إطاحة بن علي، جنبًا إلى جنب مع التزام الأحزاب السياسية الرئيسية بالتعاون والحل الوسط، مزيج من هذه الأحداث مثّل حجر الزاوية في “التحول الديمقراطي بتونس”، والذي زود البلد بالأساس الهيكلي للإصلاح السياسي المستدام[21].

ومع ذلك يرى بعض المحللين، أن تونس ما تزال تواجه تحديين اثنين: الأول يتعلق بكيفية التعامل مع الماضي، من خلال تفكيك إرث النظام السابق ليحل محله نظام ديمقراطي، وهي مسألة صعبة نظرًا إلى تغلغل النظام القديم بكل مفاصل الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية. أما التحدي الثاني فيرتبط بكيفية النظر إلى المستقبل، من خلال تبني إصلاحات سياسية، اجتماعية واقتصادية، تجسد طموحات الشعب التونسي في وطن ينعم فيه الجميع بالحرية والكرامة وتحقق التنمية المنشودة، وذلك ضمانًا لتحقيق تحول ديمقراطي حقيقي شكلًا ومضمونًا[22].

وبخصوص التجربة المصرية، يشير أغلب المراقبين والمتتبعين، إلى أن ثورة 25 يناير لم تحقق أهدافها، بعد أن أُجهضت على إثر الانقلاب العسكري الذي قاده عبد الفتاح السيسي. ترجع أسباب فشل الثورة المصرية إلى وقوعها في خطأين اثنين، فمن جهة لم تتفق القوى المحسوبة على الثورة على أولويات الثورة، ولم تنجح في التكتل وتشكيل قوة اجتماعية داعمة لمطالب الثورة، وفي استمرار الضغط لإزاحة أركان النظام السابق ودعائمه، ومن جهة أخرى لم تستسلم قوى النظام القديم وحلفاؤه في الداخل والخارج، وراحت تخطط للعودة من جديد مستغلة في ذلك تفرق القوى الثورية، ومعتمدة على دعم الإعلام والقضاء والمال فضلًا عن الدعم الخارجي.

وعليه، يقف أمام مسار التغيير في مصر وتحقيق أهداف ثورة يناير في الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية والتنمية ثلاث إشكالات، فبعد عقود من تجريف السياسة وزرع الخوف وقمع كل صوت حر، أصبحت البلاد تعاني إشكالية الدين والسياسة، وإشكالية الجيش والسياسة، وإشكالية عدم وجود قوى اجتماعية وسياسية تدافع عن التغيير الحقيقي، وتفهم أولوياته ومتطلباته ومخاطره الداخلية والخارجية[23]. كل هذا يوحي عن ضبابية المشهد السياسي المصري الذي يصعب معه التنبؤ بمستقبل الأوضاع لاحقًا.

أما بالنسبة إلى الحالة الجزائرية، فما يزال المشهد السياسي لم يفصح بعد عن معالم نجاح أو فشل الحراك الشعبي في تحقيق مطالبه. ومن المهمّ الإشارة في هذا الجانب إلى أن أغلب الحراك الشعبي يريد جزائر ديمقراطية، وعادلة اجتماعيًا، وفيها كرامة وسيادة قانون لمواطنيها. وفي هذا الإطار وضع رياض الصيداوي سيناريوهين لمستقبل الحراك بالجزائر: أولهما، سيناريو عودة النظام إلى النهج التسلطي، وهو سيناريو مستبعد؛ والثاني الأقرب حسبه هو سيناريو دمقرطة الحياة السياسية، إلا أن تحقيق هذه المرحلة تكون بشكل تدريجي وليس فجائيًا تجنبًا للعودة إلى تجربة التسعينيات[24].

وبهذا، فإن الخروج من حالة الانسداد السياسي بالجزائر، يتطلب حسب ما طرحه محمد قيراط، الأخذ بعين الاعتبار أربعة متغيرات، هي: المؤسسة العسكرية، الأحزاب السياسية، المنظومة الاعلامية، القضاء و المجتمع المدني، إذ إن المتتبع يلاحظ تصدر رئيس أركان الجيش للمشهد السياسي والإعلامي، وهذا يطرح تساؤلًا حول دوره وما إذا كان من الممكن أن يُسلم الجيش السلطة للشعب، ويجب على الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني أن تؤدي دورها المنوط بها باعتبارها أهم أدوات التغيير السياسي، أما المنظومة الاعلامية فإنها تعاني خللًا عميقًا، يستوجب إعادة النظر في دورها، بوصفها منبرًا لتعبئة الرأي العام ونقل الأحداث، كما يستوجب الأمر ضمان استقلالية القضاء ونزاهته للقيام بدوره الجوهري في نقل البلاد إلى مرحلة ديمقراطية حقة[25].

ترتيبًا عمّا سبق، سيظل مطلب الحرية والتنمية قاصرًا بالتأكيد، إذا لم يتجاوز الربيع العربي الحتميّة الدورية الخلدونية، فيسقِط نظامًا هرمًا ليقيم نظامًا آخر يعيد آلياته نفسها ولو بعد حين؛ فتحقيق مطالب الحراك تحقيقًا ثوريًا لا يعني الانتقال من سلالة من الحكام إلى سلالة أخرى، وإنما يعني الانتقال من آليات في ممارسة الحكم إلى آلية أخرى، ومن هنا، يصبح مطلب الحرية والتنمية المطلب المحوري في مواجهة هذا الاستبداد؛ فمطالب الجماهير الثائرة ليست مشروعًا طوباويًا لمجتمع خال من العنف والهيمنة، لكنها مشروع تقييد العنف والهيمنة، وهي ليست أيضًا مشروعًا طوباويًا لمجتمع من دون دولة، لكنها مشروع ينزع عن الدولة صفة الاحتكار، ويسعى إلى تطوير مؤسساتها الضامنة لاحترام الحقوق وتحقيق الحريات، ومن ثمة النهوض باستقرار المجتمعات وتنميتها[26].

قصارى القول، إننا في البحث عن معنى الحرية في الثورات نقف إزاء إشكاليات وتحديات كبيرة وعميقة، بعضها سياسي نابع من الغياب التاريخي للمشاركة السياسية، ولتقاليد العمل السياسي والحزبي، وعن الخضوع لأنظمة استبدادية لقرون، وبعضها اجتماعي اقتصادي ناجم عن ضعف التمدين وعن تخلّف الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المجتمعات العربية. وبعضها ناجم عن سياسات “الهوية” في هذه المنطقة، التي تشتغل على ترسيخ الانقسامات العمودية (الدينية والإثنية)، وإضعاف مسارات الاندماج المجتمعي في البلدان العربية، وتغييب المواطن الفرد[27].

وعليه، فإن توطين الحرية في المجتمعات العربية بات مطلبًا لا غنى عنه، وإن قيام الثورات العربية ما هو إلا تعبير واضح وصريح عن توق المجتمعات العربية للحرية و التنمية، في ظل وطن واحد تسوده المساواة والعدالة وتحقق التنمية لكل المواطنين على قدم المساواة، ومن ثم فإن الخروج من شراك الاستبداد إنما يتطلب بناء نظام ديمقراطي حقيقي، يُمكّن الشعب بكافة فئاته، ويضع أسس دولة القانون والمؤسسات والمواطنة، بما يؤدي إلى إفراز حكومة مدنية منتخبة ومسؤولة قادرة على معالجة الملفات الحقيقية التي تمس المواطن العادي، والمتمثلة بضمان الحقوق والحريات، وتحقيق التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، وتضع سياسات خارجية قادرة على مواجهة حالة التبعية المذلة للخارج.

 

اضغطوا على الرابط لقراءة  المجتمع المدني في ظل ثورات الربيع العربي

قد يهمكم أيضاً  حرية الرأي والتعبير والحراك الديمقراطي في الوطن العربي: جدلية العلاقة

#مركز_دراسات_الوحدة_العربية #التنمية #الحرية #الربيع_العربي #ثورات_الربيع_العربي #البلدان_العربية #الدول_العربية #تونس #مصر #الجزائر #سورية #ما_بعد_الربيع_العربي