نظم مركز دراسات الوحدة العربية ندوة رقمية عبر زووم وصفحة المركز على فيسبوك حول “أزمة الاقتصادات العربية وسبل الخروج منها” مساء الأربعاء 27 تموز/يوليو 2022. وتحدث في الندوة، التي استمرت قرابة ساعتين ونصف، كل من حسن بوكرين، أستاذ محاضر وعميد قسم الاقتصاد في جامعة لورينتيان في كندا، وأيمن نورالدين عمر، محاضر في كلية إدارة الأعمال في الجامعة اللبنانية والجامعة العربية، ووائل جمال، صحفي وباحث في الاقتصاد السياسي.
أدارت الندوة لونا أبوسويرح، المديرة العامة للمركز، التي اعتبرت أن المنطقة العربية تتأثر بتبعات الأزمات الاقتصادية العالمية بدءًا من الانكماش الناتج عن أزمة كورونا وصولاً للأزمة الروسية-الأطلسية، وهي بالأساس “منهكة بسبب الصراعات والحروب و”التنمية العربية الممنوعة” وتفاقم أزمة ديون الحكومات العربية التي تتخطى الترليون والنصف دولار في عام 2022 بحسب تقارير صندوق النقد الدولي”. كما تساءلت عن إمكانية تغيير توجه الاقتصاد العربي من اقتصاد ريعي الى اقتصاد تكاملي يتبنى سياسات اقتصادية تنموية اشتراكية عادلة، في ظل المشهد العربي المتأزم والتغييرات الحاصلة في النظام الدولي والصراع الدائر على موارد الطاقة والأمن الغذائي ونسب التضخم المرتفعة.
وقال الدكتور حسن بوكرين إن مجمل الشعوب العربية تعاني بشكل كبير ولا تمتلك رفاهية الوقت، ولذلك “لا بد من تدخل سريع من الدول التي يجب أن تلعب دوراً أساسياً في توفير أساسيات العيش الكريم من سكن وطبابة مجانية وتعليم مجاني، لأنها مسؤولية الدول حتى في النظام الرأسمالي المحض”، على حد تعبيره. ورأى بوكرين في “الاستدانة” الداخلية من البنك المركزي حلاً، الأمر الذي فتح باب الاعتراض والنقاش لدى المتحدثين الآخرين.
ولخص الدكتور أيمن نور الدين عمر مكامن الخلل في الاقتصادات العربية في ثلاثة عناصر أساسية أولها استيراد النماذج الاقتصادية من الخارج بدل بناء نماذج اقتصادية محلية خاصة بكل دولة تقوم على المقومات الذاتية والموارد البشرية للدولة؛ ثانيها طبيعة الأنظمة السياسية وهي إما قبلية عائلية أو دكتاتورية ولذلك فهي تكرس واقعاً اقتصادياً يجعل المواطن تابعاً لها ويضمن استمراريتها؛ أما العنصر الثالث فيرتبط بالمنظومة الاخلاقية والثقافة الاستهلاكية، معتبراً الفساد أهم أسباب الأزمات الاقتصادية في عالمنا العربي.
وانتقد عمر طبيعة الاقتصادات العربية الريعية حيث تعتمد موازناتها العامة حتى 90 بالمائة على الموارد الطبيعية او الاستدانة من الخارج، مركزاً على مشكلة انعدام الأمن الغذائي للمواطن العربي حيث لا اكتفاء ذاتي حتى بالمواد الغذائية الأساسية كالحبوب والقمح. واعتبر أن الحل يكون بالأمن والقرار السياسي، حيث أن مؤشر الجوع أكثر ارتفاعاً في الدول العربية التي تعاني من نزاعات مسلحة، فضلاً عن ضرورة استغلال الأراضي الصالحة للزراعة او استصلاح تلك التي تكون قابلة لذلك، واستغلال الموارد المائية.
وقال الأستاذ وائل جمال إننا لا ننظر إلى السياسة الاقتصادية بمعزل عن قوتين متداخلتين- يساهمان بإعادة تشكيل بعض وإعادة تشغيل مجمل الصراع، هما الدولة والقوة الجماهيرية المقاومة”. وعددّ جمال أربع أزمات اقتصادية عالمية مركبة اليوم ولكنه اعتبر أنها ليست سبباً لتبرير أزمة الاقتصادات العربية. ولخص جمال هذه الأزمات الأربعة بالأزمة الاقتصادية العالمية المتواصلة منذ العام 2007/2008، حيث فشل الاقتصاد العالمي لليوم من استعادة مستوى الناتج الإجمالي الذي كان قبل الأزمة. ثم جاءت أزمة جائحة كورونا التي كشفت تآكل دور الدولة تحت وطأة النيو ليبرالية خلال العقود المنصرمة عبر انكشاف الأنظمة الصحية، ليس فقط في العالم العربي بل على مستوى العالم. والأزمة الثالثة بحسب جمال هي التغير المناخي إذ بدأنا بالفعل بدفع أثمان باهظة جداً جراء تضرر البيئة. أما العنصر الأخير في الأزمة الاقتصادية العالمية المركبة فهو الحرب الروسية-الأوكرانية التي زادت أعباء التجارة والاستيراد والنقل.
وأرجع الفشل في العالم العربي إلى تطبيق المشروع النيو ليبرالي خلال العقود الأخيرة، حيث استفادت بعض الطبقات على حساب الشريحة الأعظم من الناس. وأوضح جمال أن المشروع النيو ليبرالي “مشروع سياسي طبقي لا يقتصر على المنطقة العربية ويقوم على تملص الدولة من مسؤولياتها في الحماية الاجتماعية ومعالجة قضايا الفقر”. وأضاف أن “شعوب المنطقة العربية دفعت الثمن الأكبر لهذه السياسات فهي الأعلى عالمياً منذ أزمة 2007/2008 في حدة سياسات التقشف وتقليص الإنفاق العام على حساب خدمات الدولة وتحميل العبء الضريبي الأكبر لذوي الدخل المحدود، حتى وصلت نسبة المتضررين حوالي 80 بالمائة من السكان”. وأضاف أنه و”على الرغم من كل هذا التقشف زاد عجز الموازنات العربية، واستحوذ الانفاق على خدمة الدين العام نسبة عالية من الإنفاق العام وزادت الاستدانة لإيفاء الديون السابقة”. كما رأى في الفوائد المرتفعة أيضاً خطراً كبيراً لأنها أدت إلى حصول قلّة قليلة على “جزء من ثروة المجتمع وهي مبالغ لا يوازيها مردود أي نشاط انتاجي”. ورأى أن سياسة الدين العام فرضها صندوق النقد الدولي بالتواطؤ مع القيمين على السياسات العامة.
وركزت مداخلات المشاركين في معرض اجتراح الحلول لأزمات العالم العربي الاقتصادية على أهمية “الحل السياسي”، وذلك لأن “أصل المشكل سياسي يتلخص بخيار السير بمسار اقتصادي معين من قبل الطبقة السياسية الحاكمة”، على حد قول الدكتور حسن بوكرين. أما بما خصّ الفساد فهو “موجود في كل دول العالم فالطبقة السياسية تطبق سياسات اقتصادية تخدم مصلحتها ومصالح الطبقات الاجتماعية المهيمنة”، على حد قوله. ودافع مجدداً عن خيار استدانة الدولة التي لا تملك إلا ذلك وإلا وجب عليها ممارسة سياسة التقشف، شرط توظيف الدين في القطاعات المنتجة.
وفي نهاية الحلقة، كانت مداخلة لمدير التحرير في المركز فارس أبي صعب، الذي أشار إلى أن الطبقات السياسية في العالم العربي لا تريد تبني القرارات الصحيحة لمعالجة الأزمات الاقتصادية فـ “هي مسألة إرادات وليست مسألة خيارات”، على حد تعبيره. وشدد أبي صعب على أن النظام الاقتصادي العالمي محكوم بآليات تصب في مصلحة مراكز هذا النظام وليس مصلحة أطرافه. كما أشار إلى أهمية تطوير مفاهيم التنمية والسياسات الاقتصادية، منتقداً غياب الرؤى الاقتصادية التغييرية لدى القوى التي جاء بها “الربيع العربي”. واستحضر رأي الكاتب المصري الراحل رمزي زكي الذي كان يعتبر أن المشكلة ليست بـ “الدين” بل ضرورة “توظيف الدين في القطاعات الإنتاجية بحيث يغطي مردودها نفقات الدين”.
وفي الختام ركزت أبوسويرح على الحاجة إلى “التنظير التجريبي” لنعرف أي مسار نتبّع للخروج من الأزمة، ولدراسات تحدد مكامن الخلل وضرورة تقييم التجارب الحالية والماضية.
يمكنكم مشاهدة الندوة كاملة على قناتنا على يوتيوب
مركز دراسات الوحدة العربية
فكرة تأسيس مركز للدراسات من جانب نخبة واسعة من المثقفين العرب في سبعينيات القرن الماضي كمشروع فكري وبحثي متخصص في قضايا الوحدة العربية
بدعمكم نستمر
إدعم مركز دراسات الوحدة العربية
ينتظر المركز من أصدقائه وقرائه ومحبِّيه في هذه المرحلة الوقوف إلى جانبه من خلال طلب منشوراته وتسديد ثمنها بالعملة الصعبة نقداً، أو حتى تقديم بعض التبرعات النقدية لتعزيز قدرته على الصمود والاستمرار في مسيرته العلمية والبحثية المستقلة والموضوعية والملتزمة بقضايا الأرض والإنسان في مختلف أرجاء الوطن العربي.