مقدمة:

تؤدي الصناعة الدوائية دوراً مهماً في مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وهي من الصناعات الكيماوية والاستراتيجية التي تؤثر مباشرة في صحة الإنسان وحياته، كونها تُعنى بسلعة استراتيجية هامة وهي الدواء. وهي من أكثر الصناعات التي تخضع لعدد كبير من القوانين والقيود، وتعتمد أكثر فأكثر على الاكتشافات العلمية والتكنولوجية، وتحتاج إلى رأس مال كبير وكفاءات علمية متخصصة لإقامتها، فباتت واحدة من أضخم الصناعات في العالم والتي تسيطر عليها شركات عملاقة.

على غرار بقية الدول المتقدمة سعت البلدان العربية جاهدة لإقامة صناعة دوائية محلية، هدفت من خلالها إلى زيادة معدلات تغطية الاستهلاك المحلي والتخفيف من فاتورة الاستيراد التي أثقلت كاهل الحكومات فيها، إلى جانب رغبتها في تطوير إمكاناتها التكنولوجية وتعزيز قدراتها التنافسية في السوق الدوائي العالمي في إطار استراتيجية تنموية متكاملة، فعمل البعض منها على توفير كل الإمكانات المادية والبشرية وتوجيه مخططاتها نحو هذا الميدان، وهو الأمر الذي تمخضت عنه صناعات دوائية في عدة دول كالأردن، مصر، الجزائر، العراق…، وبروز شركات عربية في هذا الميدان على غرار كل من شركة «الحكمة»، «صيدال»، «إيبيكو»، «سيفات»… مارست دوراً محورياً في صناعة الدواء العربية.

الإطار المنهجي للبحث

مشكلــة البحــث: تتمثل المشكلة المدروسة بمحاولة تحليل قطاع الصناعة الدوائية في البلدان العربية؛ ولا سيَّما تلك التي استطاعت الانطلاق في صناعة ناشئة من خلال تحقيق مؤشرات كمية ونوعية ملموسة، عبر استخلاص نقاط القوة والفرص المتاحة، إلى جانب الوقوف على نقاط الضعف والتهديدات التي تعترض هذه الصناعة. وقد تسهم الإجابة عن التساؤلات التالية في توضيح مشكلة البحث:

  •  ما هي أبرز المؤشرات الكمية والنوعية المحققة في الصناعة الدوائية العربية؟

 

  •  إلى أي مدى اندمجت الصناعة الدوائية العربية في الصناعة الدوائية العالمية؟

 

  •  ما هي أهم مقومات نجاح الصناعة الدوائية العربية، والتحديات التي تواجهها؟

 

أهمية البحث وأهدافه: تستمد الدراسة الحالية أهميتها من كونها تركز على الصناعة الدوائية ذات الأهمية البالغة في تنمية الاقتصادات الوطنية، وتحليلها للكشف عن وضعية الصناعة الدوائية العربية.

من جهة أخرى تسعى الدراسة لتحقيق الأهداف التالية:

– تسليط الضوء على واقع صناعة الدواء العالمية وما يرتبط بها من خصائص على اعتبار أنها مرتبطة بشيء مهم ألا وهو حياة البشر؛

– دراسة واقع الصناعة الدوائية العربية بصفة عامة، والشركات الدوائية العربية بصفة خاصة، من خلال إبراز مكامن القوة والضعف، وبخاصة أنها استطاعت تحقيق إنجازات معتبرة؛

– الكشف على موقع صناعة الدواء العربية ضمن الصناعة الدوائية العالمية، والبحث عن سبل تطوير هذه الصناعة واندماجها في الصناعة الدوائية العالمية.

المنهج والأدوات المستخدمة: رغبة في تحقيق أهداف البحث تم اعتماد المنهج الوصفي التحليلي لكونه يستخدم في دراسة المشكلات على حالتها الطبيعية، من خلال جمع البيانات والمعلومات من الواقع وعرضها وتحليلها وتفسيرها (بالتركيز على نموذج «SWOT»). كما تمت الاستعانة بمصادر ثانوية من بنوك المعلومات، الإحصاءات والتقارير، ومراجعة الأدبيات ذات الصلة بالموضوع.

أولاً: معطيات عن الصناعة الدوائية العالمية

1 – تطور سوق الدواء العالمي وتوزيعه

شهد السوق العالمي للدواء تطوراً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة، حيث تعدت المبيعات خلال سنة 2015 حاجز 1069 مليار دولار بعد أن كانت لا تتعدى 649 مليار دولار خلال سنة 2006، أي ما يقارب الضعف في فترة لا تتعدى 10 سنوات، كما يوضحه الجدول الرقم (1):

الجدول الرقم (1)

تطور السوق الدوائـي العالمـي في الفترة 2006 – 2015

السنوات20062007200820092010201120122013201420152020
حجم المبيعات (مليار دولار)649726799831888964968993105710691400
إلى 1430

 

المصدر:           Rapport de Statista 2016.

شهد السوق الدوائي العالمي تطوراً كبيراً في السنوات الأخيرة بنسبة نمو متوسطة قدرت بـ 9 بالمئة سنوياً، وهي نسبة معتبرة إذا ما قورنت بالقطاعات الأخرى عقب الأزمات المالية العالمية.

ويمكن إرجاع هذا التطور الملحوظ في السوق الدوائي، سواء من ناحية حجم السوق أو نسبة النمو، إلى جملة من العوامل أهمها‏[1]: الزيادة في الكثافة السكانية؛ التطور النسبي في مستوى الرعاية الصحية؛ نمو الوعي لدى الأفراد في ما يتعلق بالتداوي حتى على مستوى الدول النامية والأقل نمواً؛ تفشي الأمراض وبخاصة الأمراض المزمنة على غرار السكري وأمراض القلب… إلخ.

من جهة أخرى يتوزع السوق الدوائي العالمي على كل مناطق العالم، مع تباين في النسب بين منطقة وأخرى خاصة بين الدول المتقدمة وباقي مناطق العالم، كما هو موضح في الجدول الرقم (2):

الجدول الرقم (2)

توزع السوق الدوائي العالمي حسب المناطق الجغرافية خلال سنة 2015

المناطقأمريكا الشماليةأوروباأفريقيااليابانأمريكا اللاتينيةالصين والبرازيلباقي دول العالم
حجم المبيعات
(نسبة مئوية)
4921.80.784.6104.9

 

المصدر: Rapport d’IMS health, Bilan économique des Entreprises du Médicament-édition 2016, <http://www.leem.org/bilan-economique-des-entreprises-du-medicament-edition-2016>.

تحتل الدول المتقدمة المراكز الأولى في السوق الدوائي العالمي، في مقدمتها أمريكا الشمالية وبصفة خاصة الولايات المتحدة الأمريكية بحوالى 49 بالمئة، تليها دول أوروبا (ألمانيا، فرنسا، إيطاليا وإسبانيا..) بما يقارب 22 بالمئة، ثم اليابان 08 بالمئة، في حين تقتسم باقي مناطق العالم والتي تضم في معظمها دولاً نامية وأقل نمواً النسبة الباقية (حوالى 21 بالمئة) على الرغم من أنها تحوي أكثر من ثلثي سكان العالم، فعلى سبيل المثال تضم كل من أفريقيا وآسيا أكثر من 03 ملايير نسمة، في حين أن السوق الدوائي فيها لا يتعدى نسبة 25 بالمئة من السوق الدوائي العالمي‏[2].

2 – الفئات العلاجية الرائدة في السوق الدوائي العالمي

تحتل الأدوية المعالجة للأمراض التي تصيب أكثر الأفراد في الدول المتقدمة المراتب الأولى بين إجمالي الفئات العلاجية في السوق الدوائي العالمي، على غرار أدوية الجهاز العصبي؛ أدوية القلب؛ أدوية السرطان وأدوية السكري، وتحتل أكثر من 36 بالمئة من السوق الدوائي العالمي، وهي في معظمها ذات استهلاك واسع في الدول المتقدمة وتُدر على الشركات الدوائية المصنّعة لها أرباحاً معتبرة، وبالمقابل لا تحظى الأمراض التي تصيب الدول النامية بنسبة معتبرة من السوق الدوائي العالمي. هذه الأمراض تنجم عن العوامل الاجتماعية والاقتصادية والبيئية المشتركة بين هذه الدول، ومن أبرزها السيدا؛ الأمراض الاستوائية كالسل والملاريا؛ مرض النعاس؛ وكذلك البرص ولاشمانيوز الذي ينقل عبر الحشرات‏[3].

تحظى الأمراض التي تصيب الأفراد في الدول المتقدمة باهتمام كبير من طرف الشركات الدوائية الكبرى، لما تدرّه من أرباح معتبرة ترتبط بتطور الرعاية الصحية وارتفاع مستوى الدخل في هذه البلدان، مما مهد لميلاد فئة دوائية جديدة تعرف بـ «الأدوية اليتيمة» أو ما يعرف بـ «Médicaments orphelins» وهي أدوية مرتفعة الثمن موجهة لعلاج أمراض تصيب عدداً قليـلاً من سكان العالم. هذه الأدوية ذات أهمية بالغة بالنسبة إلى الشركات المصنّعة لها، فأسعارها مرتفعة جداً، حيث تعادل تكلفة العلاج السنوي باستعمال أحد هذه الأدوية في المتوسط 50 مرة تكلفة العلاج بالأدوية العادية.

على الرغم من الحركات الواسعة لإعادة البناء في صفوف الشركات الدوائية الكبرى إلا أن نسبة التركز في السوق الدوائي تظل متوسطة نسبياً إذا ما قورنت بصناعات أخرى كثيفة التكنولوجيا كصناعة السيارات؛ الإعلام الآلي وصناعة الطائرات حيث تصل نسبة التركز إلى 80 بالمئة، في حين لا تفوق النسبة 40 بالمئة في الصناعة الدوائية، وخلافاً لبقية الصناعات فإن الصناعة الدوائية مجزأة إلى أسواق فرعية يتخصص كل فرع في فئة علاجيــة، حيث تشـهد الأسـواق الفـرعية تركزاً كبيراً يصــل إلى 75 بالمئة على غرار سوق الخامات الدوائية أين تسيطر خمس شركات فقط على هذه النسبة من السوق، وإلى 90 بالمئة في فئات علاجية أخرى ‏[4].

3 – خصائص الصناعة الدوائية العالمية

تتميز الصناعة الدوائية حالياً بعدة خصائص ومميزات تجعلها تختلف عن بقية الصناعات أهمها:

  •  سيرورة إنتاج طويلة تصل إلى أكثر من 20 سنة، من بداية البحث إلى وضع الدواء في السوق، حيث تقدر تكلفة الأبحاث بـ 14 بالمئة من رقم الأعمال وهي نسبة مرتفعة إذا ما قورنت بصناعات أخرى‏[5]؛

 

  •  أصبحت الصناعة الدوائية لا تعمل إلا بهامش ربح مهم من أجل تحمل مستوى قوي من الاستثمار وخطر مرتفع لاستثمارات البحث، حيث تعمل الشركات على الاستغلال الأمثل للدواء في مدة تكون كافية لاسترجاع التكاليف وتحقيق أرباح؛ وتستعمل براءات الاختراع لحماية الأدوية وبعد سقوط البراءات تصبح الأدوية قابلة للنسخ وتصبح 40 بالمئة من مبيعات الأدوية الأصلية مبيعات أدوية جنيسة (30 إلى 50 بالمئة أقل من سعر الدواء الأصلي)، وقد اتجهت عدة دول نامية إلى بناء صناعة دوائية قائمة على الأدوية الجنيسة لما توفره من أدوية كافية وبأسعار مناسبة؛

 

  •  التحالفات الاستراتيجية بين الشركات الدوائية فيما بينها؛ أو بين الشركات ومخابر البحث أجل تحقيق الأهداف البحثية والتسويقية، وهي في تزايد مستمر بمعدل 28 بالمئة في المتوسط‏[6]؛ الحركات السريعة لإعادة البناء والمتمثلة بعمليات الاندماج والاستحواذ بين الشركات، بهدف زيادة القدرات التنافسية واحتكار السوق الدوائية العالمية؛

 

  •  توافق المواصفات على المستوى الدولي، وذلك طبقاً للتقدم العلمي والتكنولوجي للشركات الكبرى؛

 

  •  ظهور أطراف جديدة تؤثر في الصناعة الدوائية بصفة خاصة والقطاع الصحي بصفة عامة، كالمنظمات الخاصة لتسيير نفقات الصحة؛ جمعيات المرضى؛ صناديق التقاعد؛ … إلخ‏[7].

 

ثانياً: مؤشرات الصناعة الدوائية العربية

استطاعت عدة بلدان عربية إقامة صناعة دوائية محلية تتفاوت درجة التطور فيها من دولة إلى أخرى، بعد أن كانت تستورد معظم حاجاتها من دول أخرى متطورة ونامية.

1 – الاستهلاك الدوائي في البلدان العربية

شهد الاستهلاك الدوائي في البلدان العربية تطوراً معتبراً على الرغم من تشكيله نسبة لا تتعدى 2.5 بالمئة من الاستهلاك العالمي، وضعفه مقارنة بنظيره في الدول المتقدمة كالولايات المتحدة الأمريكية واليابان وبعض الدول النامية كدول أوروبا الشرقية. ويعَدّ استهلاك الوطن العربي للأدوية محدوداً ويقارب ما تستهلكه تركيا فقط؛ فالصناعة الدوائية العربية تغطي حالياً حوالى 56 بالمئة من قيمة استهلاك الوطن العربي من الأدوية، حيث قُدّر حجم الاستهلاك الدوائي في البلدان العربية بـ 4300 مليون دولار سنة 1995 ثم بلغ حوالى 10 مليارات دولار سنة 2015 . هذا النمو تبعه زيادة إنفاق الفرد العربي من الاستهلاك الدوائي الذي بلغ نحو 40 دولاراً سنوياً مقابل 600 دولار للفرد الأوروبي‏[8].

إن تطور الاستهلاك الدوائي في البلدان العربية يرجع إلى عدة عوامل أبرزهـا‏[9]: تطور عدد السكان في البلدان العربية الذي تعدى 300 مليون نسمة بمعدل نمو سنوي يفوق 4 بالمئة، الناجم عن زيادة الولادات ونقص الوفيات، وهذا بسبب تحسن الرعاية الصحية في معظم البلدان العربية؛

  •  تحسن المستوى المعيشي للفرد في البلدان العربية مجسداً في زيادة الإنفاق الفردي على الرعاية الصحية حيث أدى إلى تحسنها؛

 

  •  التأثر بنمط المعيشة في الدول الغربية مما أدى إلى تشابه كبير بين الأمراض التي تصيب الفرد في البلدان العربية بنظيرتها التي تصيب الفرد في الدول المتقدمة (داء السكري، أمراض القلب، السرطان..).

 

يختلف الاستهلاك الدوائي من بلد عربي إلى آخر، ورغم الفروقات في أسعار الأدوية وفي مستوى المعيشة بين دولة وأخرى، إلّا أن متوسط استهلاك الفرد له دلالة كبيرة مرتبطة بمستوى دخله، حيث تتصدر السعودية قائمة المستهلكين العرب بأكثر من 2420 مليون دولار، تليها مصر بحوالى 2000 مليون دولار، ثم الجزائر والمغرب وسورية باستهلاك متوسط يتعدى 850 مليون دولار… إلخ. كما تختلف حصة الفرد في الرعاية الصحية من دولة إلى أخرى وهو ما يعكس اختلاف الاستهلاك الدوائي من دولة إلى أخرى، حيث تفوق 53 دولاراً في المتوسط في دول الخليج ولا تتعدى 4.5 دولار سنوياً في كل من موريتانيا، جيبوتي، الصومال، فلسطين والسودان‏[10].

2 – الإنتاج الدوائي في البلدان العربية

عرف الإنتاج الدوائي في البلدان العربية تطوراً ملحوظاً خلال السنوات الماضية، حيث انتقل من 150 مليون دولار سنة 1975 إلى 3.5 مليار دولار سنة 2009؛ ليبلغ 11 مليار دولار أي ما قيمته 3 بالمئة من سوق الدواء في العالم سنة 2015. كما أن نسبة التغطية بالإنتاج المحلي للاستهلاك بلغت حوالى 56 بالمئة ونسبة تغطيتها من عدد الوحدات المستهلكة حوالى 87 بالمئة‏[11].

بعد سنة 2011 فاق حجم الاستثمار في الصناعة الدوائية العربية 5 مليارات دولار، وبلغ عدد المصانع العاملة في إنتاج الأدوية البشرية ما يقارب 326 مصنع يعمل فيها أكثر من 220 ألف مواطن عربي وذلك بشكل مباشر، كما قُدّرت نسبة التجارة البينية في الصناعة الدوائية بحوالى 11 بالمئة وهي نسبة ضعيفة بالنظر إلى التطور الحاصل في الصناعة الدوائية العربية‏[12].

يرجع هذا التطور في الإنتاج الدوائي إلى عدة عوامل من بينها نذكر ما يلي:

  •  تزايد اهتمام البلدان العربية بهذه الصناعة باعتبارها رافداً مهماً من روافد التنمية؛

 

  •  الحرص الشديد لهذه الدول على توفير الأدوية الضرورية التي تزداد الحاجة إليها سنة بعد سنة، نظراً إلى النمو المعتبر في عدد السكان وتطور الأمراض؛

 

  •  ارتفاع فاتورة الواردات التي أصبحت تثقل كاهل الحكومات في البلدان العربية وضرورة امتلاك صناعة دوائية محلية تغطي بنسب معتبرة الاستهلاك المحلي؛

 

  •  الرغبة في مضاهاة الدول المتقدمة وحتى النامية التي أصبح العديد منها يملك صناعة دوائية ناشئة، أخذت تبرز شيئاً فشيئاً في السوق العالمية على غرار الصين، البرازيل وتايلندا.

 

من جهة أخرى يتباين الإنتاج الدوائي في البلدان العربية، حيث في سنة 2011 احتلت كل مـن مصر، سورية، المغرب، السعودية، والجزائر المراتب الخمس الأولى بإنتاج يقترب من 3 مليارات دولار لمصر، يليها سورية بـ 1170 مليون دولار، الجزائر بـ 650 مليون دولار، فالأردن بـ 590 مليون دولار، ثم تونس والإمارات والسودان في المراتب المتوسطة بإنتاج يتعدى 190 مليون دولار للسودان، ثم الدول التي تملك إنتاجاً ضعيفاً على غرار العراق واليمن وفلسطـين ولبنان بإنتـاج يقترب من 70 مليون دولار للبنان. في حين أن الصناعة الدوائية منعدمة أو شبه منعدمة في معظم الدول الخليجية كقطر، عُمان والكويت والبحرين على الرغم من الإمكانات المالية المعتبرة التي تملكها هذه الدول وهو ما يعكس الميزة التكنولوجية للصناعة الدوائية ‏[13].

3 – نسبة تغطية الصناعة الدوائية العربية

يعد مؤشر تغطية الصناعة الدوائية للاستهلاك المحلي من أبرز المؤشرات التي يرتكز عليها صنّاع القرار في البلدان العربية في تقييم مستوى الصناعة الدوائية، على الرغم من أن هذا المؤشر لا يكفي لوحده لتقييم مستوى تطور الصناعة الدوائية، حيث نجده منخفضاً في بعض الدول الرائدة في الصناعة الدوائية العالمية. وعلى العموم فإن نسبة التغطية للاستهلاك المحلي في البلدان العربية بصفة عامة تقارب 56 بالمئة، حيث تتجه إلى استيراد ما يفوق 50 بالمئة من حاجاتها من دول متقدمة كالولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي وبعض الدول النامية على رأسها الهند ودول أوروبا الشرقية، في حين تستورد بعض الدول العربية من دول عربية أخرى.

الجدول الرقم (3)

نسب تغطية الإنتاج المحلي للاستهلاك الدوائي في بعض البلدان العربية (2010)

البلدانالمغربمصرالسودانالجزائرتونسالأردنالإماراتاليمنلبنان
النسبة بالمئة909250404427201012

 

المصدر (بتصرف):           Pharmaceutical Sectors, Amwal Invest Review (August 2010), p. 19.

يوضح الجدول الرقم (3) تفاوتاً في نسب التغطية بين البلدان العربية، حيث تتصدر مصر قائمة هذه البلدان بنسبة 92 بالمئة تليها المغرب بنسبة 90 بالمئة والتي تصنف كثاني صناعة في أفريقيا، ثم بلدان أخرى كالسودان؛ تونس والجزائر وصولاً إلى الإمارات واليمن ولبنان والسعودية، هذه الأخيرة مصنفة كأكبر مستورد للدواء في البلدان العربية. وكما سبق أن ذكرنا فإن مؤشر نسبة التغطية لا يعبّر بصدق عن درجة تطور الصناعة الدوائية والدليل على ذلك امتلاك الأردن نسبة تغطية دون المتوسطة (27 بالمئة) على الرغم من امتلاكها صناعة دوائية دخلت مصاف العالمية.

4 – الصادرات الدوائية العربية

تصدّر مجموعة من البلدان العربية الأدوية إلى بلدان عربية أخرى وإلى دول غير عربية كالولايات المتحدة الأمريكية، ودول أوروبية ودول أفريقية وآسيوية، ومن أمثلة البلدان العربية المصدرة نذكر ما يلي:

  •  مصر: صدّرت في آفاق عام 2011 ما يفوق 413 مليون دولار (ما يفوق 15 بالمئة من الإنتاج الدوائي) إلى بلدان عربية (كسورية، السعودية، الأردن، اليمن والجزائر)، وإلى دول أفريقية كجنوب أفريقيا، وبعض الدول الآسيوية كماليزيا وسيريلانكا، وإلى بعض الدول الأوروبية (كألمانيا، هولندا، فرنسا، إسبانيا، وسويسرا) ويتعلق الأمر بتصدير أدوية جنيسة وبعض الخامات الدوائية.

 

  •  الأردن: سجل الطلب على الأدوية الأردنية خلال السنوات الأخيرة ارتفاعاً محسوساً، فتصدّر ما يقارب 500 مليون دولار إلى أكثر من 60 دولة في العالم، حيث تصدّر 80 بالمئة من منتجاتها إلى الدول العربية والآسيوية، وإلى بلدان متطورة في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية ‏[14].

 

  •  الجزائر: تصدر إلى مجموعة من البلدان العربية كالعراق، اليمن، قطر والسعودية، بالإضافة إلى الدول الأفريقية كالنيجر ومالي والسنغال، من خلال التركيز على الأمراض التي تصيب هذه الدول كالملاريا ومرض النعاس، ودول أخرى كدول أوروبا الشرقية. وتعاني الجزائر مشاكل في تسجيل أدويتها في مجموعة من الدول وبخاصة الأوروبية، الأمر الذي أثر سلباً في حجم صادراتها الذي لم يتعدَّ 100 مليون دولار سنة 2010‏[15].

 

بالإضافة إلى دول أخرى تمكّنت من كسر هاجس التصدير، وبدأت تتفتح شيئاً فشيئاً على السوق العالمي كتونس، المغرب، الإمارات، فلسطين (التي تصدر إلى أكثر من 17 دولة عربية وأجنبية عبر ما يعرف بـ «شركة دار الشفاء»، حيث قدرت صادراتها إلى ألمانيا لوحدها 30 مليون أورو سنة 2010)، وبالمقابل تعاني بعض البلدان العربية تقهقراً في صناعاتها الدوائية كالعراق وسورية والسودان بسبب الضغوط والأحداث السياسية، وتعاني بلدان عربية أخرى شبه انعدام للصناعة الدوائية كما هو الحال في ليبيا؛ الكويت؛ عمان؛ قطر، على الرغم من توافر الإمكانات المالية.

ثالثاً: تحليل قطاع صناعة الدواء في البلدان العربية
باستخدام نموذج «SWOT»

تتشابه مشكلات صناعة الدواء في معظم البلدان العربية، ويمكن القول أن البلدان العربية تتوارث مناخ المشكلات من بعضها البعض؛ وتعممه بعضها على بعض؛ فيمكن افتراض أنه قطاع واحد موجود في دولة واحدة، نظراً إلى تعدد نقاط التشابه ولا سيَّما الاستراتجيات المتبعة، طريقة التعامل مع قطاع الصناعة الدوائية، التوجهات الحالية والمستقبلية، والتحديات الخارجية. وعليه يمكن إجراء تحليل لقطاع الصناعة الدوائية في البلدان العربية مجتمعة، وذلك باستخـدام عدة آليات لعل أبرزها ما يعرف بنموذج «SWOT».

يمثل تحليل «SWOT» إحدى الأدوات البسيطة التي تمكّن من التوصل إلى نظرة عامة سريعة للموقف الحالي والمستقبلي الاستراتيجي للمنظمة بصفة خاصة والقطاع بصفة عامة، ويعتمد هذا النموذج على تحليل نقاط القوة والضعف للمؤسسة/القطاع، مقارنة بالتهديدات والفرص المتاحة في بيئة الأعمال.‏[16]

1 – نقاط القوة في الصناعة الدوائية العربية

تملك الصناعة الدوائية العربية عدة نقاط قوة يمكن إجمالها في ما يلي‏[17]:

  •  ارتفاع معدل تغطية الصناعة الوطنية للاستهلاك المحلي، فانجرّ عنه انخفاض في فاتورة الواردات والتخفيف من عجز الميزان التجاري من جهة والاتجاه التدريجي نحو تحقيق الأمن الدوائي. وقد بلغ معدل التغطية للاستهلاك المحلي حوالى 56 بالمئة في المتوسط على الرغم من انخفاض هذا المعدل في بعض الدول كـلبنان واليمن، وانعدامه في دول أخرى كـالكويت، قطر، موريتانيا، الصومال وجيبوتي؛

 

  •  تمكّن عدة بلدان عربية من التصدير إلى أسواق عربية أخرى وكذلك إلى أسواق غير عربية، على غرار الأردن الذي اخترقت منتجاته الدوائية معظم الأسواق العربية وصولاً إلى الأسواق الأوروبية والأمريكية التي تعد الأصعب اختراقاً بالنظر إلى ما تفرضه هيئات الرقابة فيها من شروط تعجيزية ومن أمثلتها «إدارة الغذاء والدواء» الأمريكية، بالإضافة إلى كل من مصر، تونس، المغرب، سورية، الجزائر وفلسطين على الرغم من المنافسة الشديدة من طرف المنتجات الإسرائيلية؛

 

  •  استطاعت عدة شركات عربية تدويل أنشطتها الإنتاجية والتسويقية كما هو حال شركة الحكمة الأردنية التي تملك فروعاً في أكثر من 10 دول بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية كـألمانيا (Thymoorgan Pharmazie Gmbh) وإيطاليا (Hikma-Italia.S.P.A)، وكذلك بالنسبة إلى شركات عربية أخرى كشركة «سوطيما» المغربية، وشركة «جلفار» الإماراتية، وشركة «دار الدواء» الأردنية؛

 

  •  بروز محاولات جادة في مجال تصنيع المواد الخام الدوائية في بعض البلدان العربية كمصر والأردن والسعودية، حيث تمكنت مصر من تصنيع عدة مواد خام أساسية في تركيب بعض الأدوية بالاعتماد على النباتات الموجودة في هذه الدولة، عبر استخلاص مادة فاعلة من نبات «الخلة»، وهي مادة الخلين المستعملة لعلاج بعض أمراض الكلى والأوعية الدموية، بواسطة شركة النصر للكيماويات الدوائية، كذلك استخلاص مادة فاعلة من نبات «الخلة الشيطاني» وهي مادة «الأمودين» المستعملة لعلاج مرض»البهاق» (مرض جلدي) بواسطة شركة «ممفيس»، وتمكن باحثون في المركز القومي للبحوث في مصر من تحضير مركّز «البروكسيمول» لعلاج أمراض الجهاز البولي؛

 

  •  محاولات دول عربية أخرى كالجزائر والأردن وتونس والسعودية، أين تمكّن العلماء فيها من تصنيع مواد كيماوية ضرورية في تركيب بعض الأدوية كـ «الميثانول»؛ «حمض الكبريت»؛ و«هيدروكسيد الصوديوم» التي تدخل في صناعة «الأسبرين»، وكذلك كل من «ميثيل بارابين» «النيوتيثاميد» و«البتروك أميد»، وهو ما أهّل الصناعة الدوائية السعودية لأن تكون محل اهتمام من طرف المستثمرين الأجانب؛

 

بالإضافة إلى نقاط قوة أخرى تتمتع بها الصناعة الدوائية في بعض البلدان العربية خاصة تلك التي تملك صناعة دوائية توصف بالناشئة وعلى رأسها الأردن، إضافة إلى دول أخرى كـمصر، الجزائر، تونس والمغرب، ومن أبرز نقاط القوة نذكر ما يلي:

  •  توافر المهارات والكفاءات في مجال الإنتاج، الإدارة، البحث والتطوير، وتدني أجورهم مقارنة بالأجور التي تدفع في المنطقة مثل دول الخليج وتركيا ومناطق أخرى كأوروبا وأمريكا الشمالية؛

 

  •  وجود مراكز بحثية تقدم دراسات التكافؤ الحيوي والتوافر الحيوي، وهما شرطان أساسيان لتسجيل الدواء في الخارج، ما يسهل عملية التصدير؛

 

  •  انتهاج بعض البلدان العربية سياسات مشجعة للصناعة الدوائية، على غرار الأردن من جهة توفيـر الأمن والاستقرار لجعل هذا البلد قبلة للاستثمارات الدوائية المحلية والأجنبية، وكذلك منح حوافز ضريبية من خلال إعفاء الأرباح المتأتية من عمليات التصدير من الضريبة على الأرباح إلى ما بعد سنة 2015 مع احتمال تمديد هذه المدة؛

 

  •  امتلاك بعض شركات الدواء العربية على غرار شركة «الحكمة»، «دار الدواء»، «صيدال» و«سيفات» للخبرة الكافية في تصميم الأشكال الصيدلية وإنتاجها للأدوية التي لا تزال ضمن فترة براءة الاختراع، هذه الخبرة تعطيها ميزة للبناء عليها في مجال البحث والتطوير؛

 

  •  امتلاك بعض الشركات العربية معلومات شاملة ومنتظمة حول السوق المحلي والإقليمي، سواء تعلق الأمر بحجمه أو حاجاته، مما يتيح لها فرصة لزيادة حصتها السوقية محلياً وإقليمياً؛

 

  •  إضافة إلى توافر بعض الخامات بكثرة في الوطن العربي مثل النباتات الطبية.

 

2 – نقاط الضعف في الصناعة الدوائية العربية

تعاني الصناعة الدوائية العربية نقاط ضعف متعددة تكاد تطغى على بعض نقاط القوة المشار إليها سابقاً، وعلى العموم يمكن حصر نقاط الضعف في ثلاثة محاور رئيسية هي:

أ – ضعف أنشطة البحث والتطوير الدوائي

إن اهتمام الصناعة الدوائية العربية بأنشطة البحث والتطوير ضئيل جداً، وبينما تكاد البيانات الخاصة بها معدومة، فإنه يمكن جذب الانتباه من خلال المعلومات التي أمكن التوصل إليها إلى ما يلي‏[18]:

– إن التكلفة الكلية لأنشطة الأبحاث والتطوير نسبة إلى المبيعات في معظم الشركات الدوائية العربية لا تتعدى 2.5 بالمئة، كما أن هذه الأنشطة تشكل نسبة ضئيلة من إجمالي الأنشطة التي تمارسها الشركات العربية الدوائية من إنتاج وتسويق وأنشطة أخرى وذلك حتى بالنسبة إلى الشركات الأردنية الرائدة في قطاع الصناعة الدوائية العربية، حيث لا تتعدى نسبتها المتوسطة 4 بالمئة من إجمالي المبيعات، في حين تتركز أنشطة الشركات الأردنية على الأنشطة الإنتاجية أين بلغت نسبتها 55 بالمئة.

– معظم المساهمات في هذا المجال تأتي من شركات القطاع العام التي تسهم كذلك في إمداد شركات القطاع الخاص العربية، وبخاصة في ما يتعلق بالكوادر الفنية؛

– حوالى 50 الى 75 بالمئة من تكلفة أنشطة البحث والتطوير تُستهلك في تغطية بند الأجور؛

– ندرة أو غياب التوجه نحو استثمار التنوع البيولوجي في المنطقة العربية (على اليابس وفي البحر) كقدرة عظيمة للتطور الدوائي طويل الأجل؛

– ندرة أو غياب التوجه نحو استعمال التكنولوجيا الحيوية، واقتصار الأبحاث والتطويرات على المجال الكيميائي، على الرغم من التوجهات الجديدة للشركات الدوائية متعددة الجنسيات نحو اختراق مجال التقانة الحيوية كخيار استراتيجي للسيطرة على الصناعة الدوائية العالمية.

  •  التركيز على الأنشطة الإنتاجية التقليدية: إن العمليات الإنتاجية الدوائية التي تمارس داخل الدول العربية هي عمليات محدودة جداً تقتصر على التشكيل الصيدلي، أي أنها ترتكز أساساً على عمليات الدمج الصناعي للمواد الخام في صورة أشكال صيدلية مختلفة من أقراص وكبسولات ومراهم…، وفقاً لطرق تقليدية وروتينية على الرغم من قدم الصناعة الدوائية في بعض البلدان العربية كمصر مثـلاً. وعلى الرغم من تضاعف حجم الإنتاج الدوائي إلا أن الاهتمام بإنتاج المواد الخام ظل محدوداً، حيث تتراوح النسبة المتوسطة لاستيراد المواد الخام بين 85 و90 بالمئة في حين يتم تصنيع بقية النسبة محلياً، مع الإشارة إلى أن المواد الخام التي تستوردها معظم البلدان العربية قد ارتفعت أسعارها بشكل ملحوظ بسبب تنامي دور بعض الدول النامية كالهند والصين التي تستورد بدورها بعض المواد الخام وبكميات كبيرة، وخصوصاً تلك المتعلقة بتصنيع المضادات الحيوية كمادة «الأموكسيسيلين» التي ارتفع سعرها من 22 دولاراً إلى أكثر 60 من دولاراً للوحدة‏[19].

 

هذا إلى جانب ارتفاع أسعار المواد الخام المصنعة محلياً إذا ما قورنت بنظيرتها المصنعة في بعض الدول النامية كالهند والصين التي تتمتع بمزايا اقتصاديات الحجم، والدول الأخرى كالدول الأوروبية، مما حتم على عدة بلدان عربية استيراد هذه المواد بدلاً من إنتاجها محلياً بغية خفض تكاليف إنتاج الأدوية، وهو ما يؤكد أهمية البحث والتطوير الدوائي الذي أسيء توجيهه في البلدان العربية، وارتكز على التراكيب الدوائية وأنظمة الاستلام وتطوير عمليات التصنيع بدلاً من اكتشاف أسرار تصنيع المواد الخامة والجزيئات الأم التي تشكل أساس تصنيع الأدوية، وهذا على مستوى كل الشركات الدوائية العربية بلا استثناء حتى تلك التي استطاعت تدويل أنشطتها على غرار شركة «الحكمة».

ب – ضعف السياسة الدوائية في البلدان العربية

معظم البلدان العربية ولا سيَّما تلك التي توصف صناعتها الدوائية بالناشئة على غرار الأردن، مصر، الجزائر، المغرب، تونس وسورية، فيمكن القول بأنه بالرغم من وجود هياكل دوائية ضخمة وعريقة مقارنة بدول نامية أخرى، إلا أن هذه البنى والهياكل بما تضم من موارد بشرية مشهود لها بالكفاءة، تفتقد الطريق الأمثل للأداء الكفء والمتطور، وذلك بسبب غياب العمل في إطار اعتبارات المنظومة ودينامياتها الفاعلة التي تتمتع بالشفافية والتطور والذي ينم عن ضعف السياسة الدوائية العربية.‏[20]

بالإضافة إلى نقاط ضعف أخرى تعانيها الصناعة الدوائية العربية نذكر منها‏[21]:

  •  تركّز الصادرات الدوائية العربية على البلدان العربية ذاتها علماً أن السوق العربي للأدوية لا يتعدى 2.5 بالمئة من السوق العالمي؛

 

  •  تركّز السوق الدوائي العربي حيث يسيطر عدد قليل من الشركات على نسبة كبيرة من السوق، على غرار الأردن أين تسيطر 3 شركات على حوالى 80 بالمئة من السوق الدوائي، والجزائر حيث تسيطر صيدال لوحدها على حوالى 40 بالمئة من السوق الدوائي؛

 

  •  عدم تطبيق معظم الشركات الدوائية العربية لمعايير التصنيع الجيد (GMP) التي تتطلبها الأسواق العالمية والتي تتطلبها إدارة الغذاء والدواء الأمريكية، باستثناء بعض الشركات وعلى رأسها الشركات الأردنية كالحكمة ودار الدواء، وهذا لأن تطبيق هذه المعايير مكلف مالياً؛

 

  •  هناك غياب أو شبه غياب للشركات الصغيرة والمتوسطة والتي أصبح دورها مدعماً ومكملاً للشركات الدوائية متعددة الجنسيات على غرار ما يعرف بشركات «Start up»؛

 

  •  غياب شبه كلي للآليات الحديثة التي ترتكز عليها الصناعة الدوائية في الدول المتقدمة في مجال التكتل، إعادة البناء، التمويل، والترابط بين مختلف الأطراف الفاعلة في الصناعة الدوائية في ظل غياب رؤية استراتيجية فاعلة.

 

3 – الدوائية العربية

تملك الصناعة الدوائية العربية مجموعة الفرص المتاحة في الصناعة من الفرص قد تشكل نقاط قوة في المستقبل ومن أبرز هذه الفرص نذكر ما يلي:

  •  ارتكاز الصناعة الدوائية العربية في معظمها على الأدوية الجنيسة التي تشكل فرصة جيدة لتوفير الرعاية الصحية الجيدة وبتكاليف منخفضة. وتتصدر الأردن قائمة المنتجين للأدوية الجنيسة بحوالى 95 بالمئة من الإنتاج الإجمالي أما بقية البلدان العربية فتتجه إلى ترجيح الكفة نحو إنتاج هذه الأدوية على غرار مصر التي تنتج أدوية جنيسة بنسبة 42 بالمئة، وتونس بنسبة 46 بالمئة وتطمح إلى رفع هذه النسبة إلى 60 بالمئة والجزائر بحوالى 40 بالمئة، كذلك بالنسبة إلى بلدان عربية أخرى كالإمارات، السعودية ولبنان. في حين فضلت بلدان عربية أخرى الإنتاج بتراخيص مقدمة من الشركات الدوائية متعددة الجنسيات وعلى رأسها المغرب وسورية، ونفس الملاحظة بالنسبة إلى معظم الشركات الدوائية العربية التي عززت إنتاجها من الأدوية الجنيسة، حيث تركز أغلب الشركات الرائدة على إنتاج الأدوية الجنيسة وعلى رأسها شركة «الحكمة» الأردنية بـ 98 بالمئة من إجمالي الأدوية المنتجة من طرفها، شركة «سبيماكو» المصرية بـ 80 بالمئة وشركة «سيفات» التونسية بـ 70 بالمئة، في حين ترتكز استراتيجية «جلفار» الإماراتية وسوطيما المغربية على إنتاج الأدوية بامتياز والأدوية بتراخيص، وقد مكنت هذه الاستراتيجية من تخفيض تكاليف العلاج لعدة أمراض نظراً إلى انخفاض أسعار الأدوية الجنيسة عن أسعار الأدوية الأصلية المستوردة‏[22].

 

  •  تتميز شركات الصناعة الدوائية في عدة بلدان عربية كالأردن، الجزائر، تونس، المغرب، ومصر وخاصة الكبيرة منها أنها تملك آلات وأجهزة متطورة، ما يجعلها مهيأة للتعاقد مع شركات دوائية عالمية لتصنيع منتجاتها في هذه الدول، والاندماج الحقيقي في الصناعة الدوائية العالمية‏[23].

 

  •  تملك الشركات العربية الدوائية فرصة كبيرة لتوسيع سوقها والاستفادة من مزايا اقتصادات الحجم، من خلال فرص الاندماج وعقود الشراكة والتحالفات الاستراتيجية في مجال البحث والتطوير وتقنيات التسويق،على المستوى الجزئي وعلى المستوى الكلي من خلال تفعيل التكتلات الموجودة كاتحاد المغرب العربي ومجلس التعاون الخليجي وصولاً إلى إنشاء سوق دوائية عربية مشتركة‏[24].

 

  •  تملك بعض البلدان العربية وعلى رأسها الأردن خصوصية ما يسمى «Bolar-Provision» وهو بند في اتفاقية الملكية الفكرية «TRIPS» يعطي استثناء للشركات الجنيسة من الدول النامية بإقامة أبحاث على الأدوية التي ما زالت ضمن فترة الحماية وتصنيعها، حيث تكون جاهزة للتسويق بمجرد سقوط براءات اختراعها في الملك العام بدلاً من الانتظار حتى إنهاء فترة الحماية ثم البدء بإجراء الدراسات وعمليات التصنيع، مما يمكنها من توفير فترة زمنية تعطي دفعاً قوياً لشركات الدواء العربية التي تملك قدرات بحثية قابلة للتطور.

 

4 – التهديدات التي تعترض الصناعة الدوائية العربية

يعترض الصناعة الدوائية العربية جملة من التهديدات والمخاطر من أبرزها:

  •  هيمنة الشركات الدوائية متعددة الجنسيات على معظم الصناعات في البلدان العربية بما فيها الصناعة الدوائية الأردنية التي تعد الأقوى عربياً، بشكل مباشر من خلال مساهمتها في أبرز الأنشطة الإنتاجية والتسويقية، والأهم من ذلك مساهمتها التكنولوجية عبر امتيازات ورخص التصنيع سواء للأدوية المحمية ببراءات الاختراع أو الأدوية الجنيسة التي لم تصل بعد إلى مرحلة الأدوية النمطية، وأن تصنيعها لم تتحكم البلدان العربية في تقنياته بعد‏[25].

 

  •  ترتبط الصناعة الدوائية العربية بشكل غير مباشر بالشركات الدوائية الكبرى، وذلك من خلال نسب التوريد الكبرى للمواد الخام، مواد التعبئة والتغليف والآلات والأجهزة المستخدمة في هذه الصناعة في غياب شبه تام لصناعة التكنولوجيا الدوائية في هذه الدول، ما يجعل الحديث عن قيام صناعة دوائية عربية قائمة بذاتها أمراً صعباً للغاية من دون إحداث تغييرات هيكلية وجذرية على أوضاع هذه الصناعة وهذه الدول، خاصة إذا علمنا أن البلدان العربية تملك مجتمعة 5 بالمئة فقط من براءات الاختراع.

 

  •  استحقاق اتفاقية حماية الملكية الفكرية التي جاءت لتنسيق وتقنين قدرة القادرين على التصدير والتجارة في السوق العالمية ولتضمن قيام المجتمع بحماية حقوقهم الفكرية (براءات اختراع… إلخ). وقد كانت القفزة الكبرى في قانون حماية الملكية الفكرية متمثلة بحماية المنتج وليس فقط حماية العملية الابتكارية، أي أنه إذا أنتجت شركة ما دواء بطريقة تسمى «س» فإنه لا يحق لأي شركة أخرى خلال فترة لا تقل عن 20 سنة أن تنتج الدواء نفسه بأي طريقة كانت، وهو ما يشكل تحدياً كبيراً يواجه الصناعة الدوائية العربية الناشئة في أسواقها المحلية وتعزيز هيمنة الشركات الدوائية المتعددة الجنسيات، وفي أسواقها الخارجية من خلال اشتداد المنافسة في هذه الأسواق‏[26]. على العموم يمكن تلخيص التحليل السابق للصناعة الدوائية العربية في الجدول الرقم (4).

 

الجدول الرقم (4)

تحليل «SWOT» للصناعة الدوائية العربية

نقاط الضعفنقاط القوة
• ضعف أنشطة البحث والتطوير؛

• التركيز على الأنشطة الإنتاجية التقليدية،

• ضعف السياسة الدوائية؛

• تركز الصادرات على البلدان العربية؛

• إهمال تطبيق معايير التصنيع الجيد (GMP)؛

• شبه غياب للشركات من النوع «START UP».


شبه غياب للآليات الحديثة المعتمدة في الصناعة الدوائية المعاصرة .

• معدل تغطية للاستهلاك المحلي معتبر؛

• التصدير إلى أسواق عربية وغير عربية؛


توافر المهارات والكفاءات والخبرات العلمية والإدارية؛

• تدويل أنشطة بعض الشركات العربية؛


بعض السياسات والحوافز المشجعة على الاستثمار في الصناعة الدوائية؛


توافر نواة لقاعدة تصنيع أدوية محمية ببراءات الاختراع وبعض المواد الخام؛

التهديداتالفرص
• تشرذم الأسواق العربية في وحدات إقليمية ضيقة.

• هيمنة الشركات الدوائية متعددة الجنسيات؛

• الارتباط المباشر وغير المباشر بالشركات الكبرى؛

• استحقاق اتفاقية حماية الملكية الفكرية.

• استراتيجية تفضيل الأدوية الجنيسة؛

• فرص للتعاقد مع الشركات الأجنبية؛

• فرص للتكتل على جميع المستويات؛


حماية معتبرة للملكية الفكرية إلى جانب ما يعرف «BOLAR-PROVISION».

 

المصدر: من إعداد الباحث استناداً للمعلومات السابقة.

 

خاتمــــــــــة

استطاعت البلدان العربية الانطلاق في صناعة دوائية في عدة دول منها كالأردن، مصر، الجزائر، تونس والمغرب وذلك من خلال تحقيق مجموعة من المؤشرات أبرزها إنتاج أصناف علاجية كانت تستورد من دول غير عربية، إلى جانب تمكنها من التصدير فيما بينها وإلى دول أخرى سواء تعلق الأمر بالأدوية أو حتى الاستثمارات الدوائية كما هو حال الأردن ممثلاً بشركة «الحكمة». غير أن الصناعة الدوائية لا تزال تعاني بطئاً في النمو في بلدان عربية أخرى كلبنان واليمن والسعودية، وتراجعت في بلدان أخرى كالعراق وسورية بسبب الأوضاع غير المستقرة، في حين لم تنطلق الصناعة الدوائية في بلدان أخرى كقطر والكويت وموريتانيا وجيبوتي والصومال.

نتائج البحث: مما سبق يمكن استخلاص النتائج التالية:

  •  حققت الصناعة الدوائية العربية عموماً إنجازات معتبرة على عدة أصعدة إنتاجية، تسويقية واستثمارية تحتاج للدعم والتقييم المستمر.

 

  •  تعاني صناعة الدواء العربية من عدة نقاط ضعف، ولا سيَّما ما يرتبط بالتطور التكنولوجي الذي يشكل العمود الفقري لهذه الصناعة، ما يجعلها في حالة استيراد شبه دائم للتكنولوجيا الدوائية والتبعية للشركات المتعددة الجنسيات بطريقة مباشرة عبر توريد الخامات الدوائية وغير مباشرة عبر منح التراخيص.

 

  •  من أبرز التهديدات التي تعترض صناعة الدواء العربية تطبيق بنود اتفاقية الملكية الفكرية المرتبطة بالجوانب التجارية، وما سيترتب عليها من احتكار الشركات الكبرى للتكنولوجيا الدوائية وقنوات نقلها، هذا إلى جانب الأخطاء الاستراتيجية التي تكتنف تسيير هذه الصناعة وصياغة السياسة الدوائية.

 

  • تمتلك صناعة الدواء العربية فرصاً للالتفاف الإيجابي والتكتل والتكامل فيما بينها، ومع أطراف أخرى كالشركات الدوائية الكبرى، وكذا الاستفادة من الخامات المتوافرة بكثرة مثل النباتات الطبية.

 

اقـــتـراحــات

بناءً على ما سبق يمكن اقتراح آليات من شأنها إعادة تقييم أوضاع الصناعة الدوائية العربية على مستوى كل دولة وعلى مستوى الوطن العربي بصفة عامة، لإعداد استراتيجية متكاملة تسهم في تشجيع الصناعات الناشئة في كل من الأردن، الجزائر، مصر، تونس والمغرب… كل على حدة، وإعداد ترابطات بين هذه الصناعات؛ على أن تعطى الأولوية في هذه الاستراتيجية إلى العناصر التالية:

  •  التركيز على امتلاك تكنولوجيا دوائية وبراءات اختراع عبر الاستفادة من التنوع البيولوجي الذي تزخر به المنطقة العربية؛

 

  •  تشجيع إنتاج الأدوية الجنيسة التي تتميز بانخفاض تكاليفها وإمكانية نسخ جزيئاتها الأم، والعمل على تطوير هذه الأدوية في جانبها الشكلي والاستعمالي، مع التقيّد بشروط التصنيع ومواصفات الجودة؛

 

  •  المباشرة في إنشاء سوق دوائية عربية مشتركة، والعمل على نقل التكنولوجيا بين الشركات العربية، وإنشاء تكتلات وتحالفات استراتيجية فيما بينها، إلى جانب تسهيل تدفق الاستثمارات المباشرة وبخاصة إلى البلدان العربية التي لم تنطلق فيها الصناعة الدوائية بعد؛

 

  •  تشجيع إنشاء الشركات الصغيرة والمتوسطة في الصناعة الدوائية، وفي التخصصات القريبة كالكيمياء، البيوكيمياء، والتكنولوجيا الحيوية، يكون هدفها ابتكار أدوية أو طرق علاجية جديدة.

 

  •  تطوير التعاون مع الشركات الدوائية التابعة لدول غير عربية ولا سيَّما الشركات الدوائية الصينية، الهندية، الأمريكية الجنوبية، وتلك التابعة لدول أوروبا الشرقية، التي يتوقع أن تكون أشد منافس للشركات العربية بعد سريان اتفاقية الملكية الفكرية المرتبطة بالجوانب التجارية «تريبس» خاصة في ما يتعلق بالأدوية الجنيسة.

 

  •  تطوير التعاون مع الشركات الدوائية متعددة الجنسيات عبر توفير المناخ الاستثماري المناسب، وفي مقدمة ذلك توفير البيئة البحثية اللازمة.