أن يجتمع قادة العرب من ملوك وأمراء ورؤساء لعقد قمة اقتصادية في الظروف الحالية وترهّل النظام الرسمي العربي دليل على أنه ما زال هناك فيض من الوعي للواقع الاقتصادي والاجتماعي المتخلّف في مختلف الأقطار العربية. فذلك الوضع ينذر بإطاحة ما تبقّى من تماسك داخل الأقطار على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي. والمؤتمر القومي العربي معني بدفع كل الفعّاليات في الوطن العربي، بدءاً من السلطة القائمة إلى المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والنقابات والتجمّعات والأحزاب والمنتديات في كل قطر لمواجهة الأخطار التي تهدّد وجود الكيان العربي.

بناء على ذلك، يقدّم المؤتمر القومي العربي مذكرة إلى الملوك والأمراء والرؤساء العرب وإلى الفعّاليات السياسية والاقتصادية والاجتماعية كافة، تنقل رؤى وهواجس القوى الشعبية العربية على قاعدة ثوابت الأمة، ورؤية اقتصادية سياسية للواقع العربي، وبالتالي ما هو مطلوب من القمة.

يلخّص القسم الأول من المذكرة ثوابت الأمة وسمات المشهد الاقتصادي العربي على نحوٍ مختصر، والرؤية الاقتصادية المنشودة؛ ويقدم القسم الثاني بعض التوصيات التي تساهم في تصحيح الواقع الاقتصادي والاجتماعي العربي وفي دفع عجلة الأمة نحو النهضة التي تستحقّها ونريدها.

إن المذكّرة المقدمة لا يمكنها أن تكون شاملة، وهي لا تسعى إلى ذلك، بسبب محدودية المساحة المتاحة لها. فهي تركّز على ما تعتبره من الأولويات في الواقع الاقتصادي والرؤية التي تستند إليها والسياسات والاستثمارات المطلوبة. فهي تعبّر عن مخزون كبير من الأبحاث والدراسات التي أسست لتلك الرؤية والتي أوجدها مركز دراسات الوحدة العربية والعديد من الباحثين والمختصّين خلال العقود الأربعة الماضية.

أولاً: الثوابت، المشهد الحالي، والرؤية الاقتصادية

1 – ثوابت الأمة

منطلق هذه المذكّرة هو التشديد على ثوابت الأمة، أي أولاً، ضرورة تحرير الأرض والإنسان من كل محتل ومستبد وفي المقدمة تحرير فلسطين، فلا تنمية مستقّلة ومستدامة ممكنة وفلسطين محتلّة كما أثبته تجارب متعددة في الأقطار العربية (مصر، العراق، الجزائر، سورية على سبيل المثال)؛ ثانياً، ضرورة تحقيق الوحدة بين الأقطار وفي الحد الأدنى في المواقف السياسية والاقتصادية الاستراتيجية؛ ثالثاً، ضرورة اعتماد سياسات اقتصادية مشتركة أو منسّقة تؤمّن التنمية المستقلة والمستدامة. رابعاً، ضرورة تحقيق مجتمع الكفاية والعدل داخل كل قطر، وأخيراً، ضرورة تجديد المنظومة المعرفية التي أنتجها أسلافنا على قاعدة العلوم والإبداع. هذه هي أبعاد المشروع العربي النهضوي الوحدوي الذي نناضل من أجله كي نحافظ على وجودنا. والمؤتمر القومي العربي يؤكّد أن التنمية العربية في القطر لا يمكن أن تنفصل عن رؤية قومية وحدوية وبخاصة أن التجربة القطرية على مدى أكثر من سبعة عقود لم تؤدّ إلى تحصين القطر من الخروج من حالة التخلّف بالنسبة إلى بلدان أقلّ ثروة وإمكانات، ولا إلى الدفع نحو التكامل العربي. فإذا كانت الوحدة إرادة سياسية تتطلب مجهوداً كبيراً لتحقيقها فإن البعد الاقتصادي لهذه الوحدة يحدّد مستلزمات تلك الوحدة التي قد تأخذ أوجهاً مختلفة لسنا هنا في إطار تحديدها في هذه المذكّرة. لكن ما لا يمكن إغفاله هو أن في الوحدة مصلحة أخلاقية، ومعنوية، ومادية، وثقافية لجماهير الأمة وليست نزعة رومانسية، بل هي شرط وجود وبقاء.

2 – المشهد الحالي

أ – ريعية الاقتصاد العربي

إن الاقتصاد القائم بطبيعته وبمكوّناته بوجه عام في معظم البلدان العربية اقتصاد ريعي بامتياز، كما تشير دراسات وأبحاث متعددة تعرض مفاصله وأشكاله. والاقتصاد الريعي رديف للاقتصاد الافتراضي الذي يتفشّى بتضخم قطاع «خدماتي» لا يخدم قطاعات الإنتاج بل ينتج ثروة افتراضية خارج إطار الإنتاج الفعلي. فهو لا ينتج إلّا ثقافة استهلاكية وما يرافقها من أنشطة خدماتية تنبذ المجهود والمبادرة والمخاطرة وتنفي المساءلة والمحاسبة. الاقتصاد الريعي يتلازم مع تفاقم اقتصاد طفيلي لا يساهم في التنمية العامة بل في تسهيل تمركز الثروة في يد أقلّية مقرّبة من دوائر القرار وعلى حساب الشرائح الواسعة في المجتمعات العربية. الاقتصاد الريعي يتنافى مع كل الجهود لإيجاد حالة تكامل بين الأقطار العربية. الاقتصاد الريعي لا يشجّع على نمو التجارة البينية بين الأقطار التي تساهم في ربط أواصر الأمة. كما أن الاقتصاد الريعي يتناقض مع الاستثمارات المنتجة التي تخلق فرص العمل.

ولا يقاوم الاقتصاد الريعي مشيئة البلدان الأجنبية التي لا تخفي طموحاتها في الهيمنة والسيطرة على ثروات الأمة. ويتنافى هذا الاقتصاد الريعي مع فكرة مقاومة الاحتلال والاستبداد. وهو لا يستطيع أن ينمّي ثقافة ممانعة للتطبيع مع الكيان الصهيوني. والأخطر في كل ذلك هو ترابط الاقتصاد الريعي بمنظومة معرفية لا تشجّع تنمية ثقافة المساءلة والمحاسبة بل تقمعها كما نرى في معظم الأقطار العربية. هي ثقافة الجهل والانحلال الأخلاقي إذا جاز الكلام عبر ترويج البرامج الترفيهية التي تخاطب الغرائز وعبر نظام مدرسي وجامعي لا ينتج إلا طاقات وظيفتها الأولى والأخيرة إدارة النظام القائم وليس تطويره، وتشجيع الإبداع والإنتاج. فما زالت الأمية متفشية بنسب مرتفعة في معظم الأقطار وبخاصة بين النساء. أما النظام الجامعي فلا يشجع على ثقافة العلوم التي نمّاها أسلافنا. وبالتالي تفقد القيادات التربوية القائمة فرصة ذهبية لتنمية القدرات العلمية لإنتاج معرفة هي أساس الثروة في الألفية الثالثة. أي، بمعنى آخر، إن مستقبل هذه الأمة مرتبط بتنمية العلوم لأنها أصبحت وستستمر في إنتاج الثروة. والعقل العربي مؤهل بوجه خاص لتلك المهمة، إلّا أن تحالف الاستعمار مع قوى التخلّف في المنطقة العربية تعمل على إبعاد الأجيال الصاعدة من العلوم المجرّدة والتطبيقية.

ب – قوّامة السياسات النيوليبرالية

السمة الأساسية للسياسات الاقتصادية العربية خلال العقود الأربعة الماضية هي الطابع النيوليبرالي لها. وقد هدفت هذه السياسات، تحت إرشادات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، إلى تفكيك الدور الريادي للقطاع العام في معظم البلدان العربية تحت عنوان «الإصلاح الاقتصادي» و«الانفتاح» وفتح الأسواق للاستثمارات الخارجية. وسلسلة الإجراءات التي اتخذت خلقت قطاعات طفيلية كالمضاربات العقارية بوجه عام والسمسرة واقتصاد استهلاكي وتجاهل القضايا البيئية. أما فتح الأسواق للاستثمارات الخارجية فكانت بحجة عدم توافر إمكانيات التمويل الداخلي لمشاريع التنمية، وبخاصة في المرافق الحيوية كقطاعات الطاقة والكهرباء والمياه والمرافق وخطوط النقل والتواصل… إلخ. وهذا ادّعاء ثبت عدم صحّته عندما أقدمت الحكومة المصرية على سبيل المثال وليس الحصر على تمويل توسيع قناة السويس عبر الاقتراض الداخلي من دون تدخّل المؤسسات المالية الدولية، فأنجزت التمويل الذي وصل إلى 6 مليارات بظرف أسبوع!

تداعيات السياسات النيوليبرالية التي تبنّت التقشّف الإنفاقي للدولة كانت مدمرّة في معظم الأقطار حيث ضربت الطبقة الوسطى وزادت من الفجوة الاقتصادية بين قلّة ضئيلة تدور في فلك النخب الحاكمة والأكثرية التي باتت ترزح تحت وطأة الفقر والفقر المتفاقم مع تراجع الخدمات الاجتماعية للمواطن التي حققتها الحقب السابقة. وهذه السياسات كانت سبباً للحراك الجماهيري الذي عمّ عدداً من البلدان العربية في مطلع العقد الثاني من الألفية الثالثة وحتى اليوم في بعض البلدان كالأردن على سبيل المثال. فهذه السياسات تؤدّي إلى سلب الثروة من الناس لأنه أسهل وأقل صعوبة من إنتاج سلع جديدة. على سبيل المثال التعليم العالي أو الصحة اللذان كانا من السلع والخدمات العامة أصبحا امتيازات خاصة تكلفتها عالية جدّاً على المواطن العادي. كما أن الخصخصة فُرضت لتمكين استخراج الثروة عبر الاحتكار الذي يرافقه. فالخصخصة تتلازم مع تركيبة احتكارية هدفها رفع أسعار السلع والخدمات على نحوٍ لا ينسجم مع التكلفة الفعلية بل لاستخراج أكثر ما يمكن من الثروة. والسياسات النيوليبرالية تشجّع الاستدانة المفرطة كي ينهمك المواطن في تسديد الدين بدلاً من الانخراط في الحياة العامة والسياسة، وأخيراً، إن تفكيك القيود المنظمة لدفع القطاع الخاص يساهم في الحقيقة في دفع المضاربات واستلاب الثروة عبر التلاعب بالأسواق المالية.

ج – قوّامة القطرية

من جهة أخرى، إن محاولات بناء قدرات ذاتية تمكن البلدان العربية من الوصول إلى الاكتفاء الذاتي في الاقتصاد، على الأقل في ما يتعلّق بمعظم الأنشطة الاقتصادية بوجه عام والغذاء بوجه خاص، محكومة بالفشل في إطار التركيز على قوّامة الدولة القطرية التي أوجدها الاستعمار عند تفكيك الولايات العربية للدولة العثمانية. هناك منظومة فكرية لا تشجّع على بناء تلك القدرات بحجة عدم جدواها، غير أن هذه المنظومة غير صحيحة. إضافة إلى ذلك هناك الحجة الواهية بأن العولمة تتجاوز ضرورة وجدوى الاستقلال الاقتصادي. وفي هذا الموضوع نرى أنه لا يمكن القبول بأن العولمة تمنع الوصول إلى الاستقلالية الاقتصادية أي الخروج من التبعية لمراكز القرار الاقتصادي خارج محيط الأمة. هذه حجة واهية تُروّج في الجامعات لتمنع النخب من التفكير الجدّي في بناء القدرات الذاتية على ما يحدده العرب من أهداف تحقق مصالحهم ورخاءَهم على قاعدة القيم والأخلاق الموروثة والتي يعتزّون بها.

بناء على تلك الأنماط الفكرية السائدة في أقطارنا يمكننا القول إن محاولات التنمية كافة داخل إطار الدولة القطرية محكومة بالفشل بسبب السياسات النمطية المتبعة وفقاً لإرشادات البلدان المانحة والمؤسسات المالية الدولية التي تهيمن عليها تلك البلدان، وفي غياب القرار التكاملي والوحدوي. وإذا كتب لبعض المحاولات القطرية شيء من النجاح النسبي خارج سياق تلك السياسات إلّا أن بلدان الاستعمار وأدواتها في المنطقة أكبّت على ضرب تلك الإنجازات بشتى الوسائل الداخلية و/أو الخارجية (مصر، العراق، الجزائر، سورية على سبيل المثال). وقد تمّ ترويج نمط اقتصاد استهلاكي محدد لا ينتج وهو الاقتصاد الريعي السائد في الأقطار العربية كافة والمدعوم من بلدان الغرب والمؤسسات الدولية – بدلاً من اقتصاد إنتاجي. فلن يسمح للاقتصاد القطري العربي أن يحقق حتى أدنى مستويات النجاح الوهمي ما دام القرار السياسي الوطني والقومي المستقل غائباً في البلدان العربية.

د – البطالة

من أخطر سمات الاقتصادات العربية تفشّي البطالة بوجه عام وبين الشباب بوجه خاص. وإذا ما رأينا أن الشباب ما دون 35 من العمر يمثّلون الأكثرية في معظم البلدان العربية نعي خطورة البطالة وتداعياتها السياسية والاجتماعية وقبل كل ذلك الأمنية. لا تشجّع السياسات النيوليبرالية على استيعاب البطالة، لأن أولويتها هي تأمين المردود والربحية لرأس المال. والسياسات النيوليبرالية تروّج للخصخصة التي ينتج منها معدّلات مرتفعة من البطالة الصريحة وفقاً للتقرير الاقتصادي الموحّد لصندوق النقد العربي الذي وضع معدّل البطالة العامة عام 2017 بنسبة 14.9 بالمئة، وهو مستوى عال على الصعيد العالمي. للأسف لم نجد في التقرير تقديراً لمستوى البطالة عند الشباب لكن عدة تقارير اطلعنا عليها تؤكّد أن مستوى البطالة عند الشباب أكثر من المعدّل العام المذكور. ففي فلسطين فقد يصل مستوى البطالة وفق بعض التقديرات إلى نحو 40 بالمئة، وهذا أمر غير مقبول على الإطلاق. فالفقر والبطالة يساهمان في انخراط العديد من الشباب في صفوف حركات التشدّد والتعصّب والغلو والتوحّش وتهديد التماسك الداخلي في كل قطر.

هـ – الفقر وعدم المساواة

وفقاً للتقرير الموحد للصندوق العربي لعام 2017 فإن معدّلات الفقر بمفهومه الواسع ارتفعت في عدد من البلدان العربية وذلك بسبب الظروف الأمنية والعسكرية التي تعصف بها ونتيجة لارتفاع عدد النازحين فيها، وبخاصة في سورية والعراق واليمن وليبيا. غير أن هناك بعض الدول البعيدة من الاضطرابات العسكرية والأمنية تشكو الفقر أيضاً، كجيبوتي والسودان.

من جهة أخرى تفيد البيانات المتوافرة ارتفاع عدم المساواة في عدد من البلدان العربية، وبخاصة بين المناطق الريفية والمناطق الحضرية. يشمل التفاوت الدخل والحصول على الخدمات الاجتماعية. كما أن التفاوت الاقتصادي المتزايد بين الجنسين يعوق التنمية المستديمة. فمؤشّر التنمية البشرية للإناث هو0.621 بينما مؤشّر التنمية للذكور هو 0.726 لعام 2015.

2 – الرؤية الاقتصادية المستقبلية

إن تنمية البلدان العربية عملية متكاملة الأبعاد سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وتربوياً وثقافياً ولن تتم إلّا في إطار نهج قومي. فتنمية القطر بحد ذاته لم تُحقق إلّا نجاحات محدودة جدّاً تمّ الإجهاز عليها بسياسات نيو ليبرالية وبالتالي فشلت بعد أكثر من سبعة عقود من القطرية المفرطة (القطر أولاً). فالقطر العربي بحاجة إلى حاضنة قومية تصون استقلال القرار السياسي الوطني وبالتالي الاقتصادي والاجتماعي والتربوي والثقافي. فالحاضن القومي هو شرط ضروري للتنمية القطرية، وبخاصة أن الوحدة هي بحد ذاتها ثورة سياسية واقتصادية واجتماعية وتربوية وثقافية وحتى أخلاقية. والنهج القومي يعني أيضاً إشراك الجميع داخل كل قطر. فالتنمية المنشودة لن تتم إلّا بمشاركة جميع مكوّنات المجتمعات العربية داخل كل قطر ما يجعل العامل السياسي والاجتماعي جزءاً أساسياً من عملية التنمية. بناء على ذلك فإن تحديد الأطر التنظيمية والمؤسسية التي تضمن وتحصّن مشاركة المكوّنات المجتمعية كافة، ليس على قاعدة الطبقة فقط بل على أساس أن الانتماءات والقطاعات المختلفة أيضاً يجب أن تصبح أولوية عند النخب الحاكمة. هذا هو مفهومنا المعاصر لتحالف قوى الشعب العامل.

أعداء الأمة في الخارج والداخل يعملون على تفتيت الأمة ويمنعون بالتالي التكامل الاقتصادي الذي يساهم في تحقيق التنمية. فلا تنمية خارج الإطار التكاملي وبخاصة أن الوطن العربي يواجه التكتّلات الكبيرة التي ترصد الأمة وتريد نهب ثرواتها ومنع نهضتها. والتكامل العربي المنشود لن يتحقّق إلّا بريادة القطاع العام، وبخاصة أن موضوع التكامل سيكون في البداية عبر عملية التشبيك للبنى التحتية في المواصلات والطاقة والمياه. فالقطاع الخاص لن يقدم على تطوير البنى التحتية، لأن مردودها لن يبرز إلّا بعد فترة طويلة المدى أولاً وثانياً، لأن قيمتها محدودة مقارنة بمردود عمليات المضاربات المالية والعقارية الأسرع والأكثر ربحية. والتكامل بين الأقطار يتلازم بالتكامل بين القطاع العام والخاص مع تحديد توزيع المهمات على نحو منسّق بينهما.

وإذا كان التكامل العربي يبدأ بالتشبيك للبنى التحتية فالخطوة الثانية هي عبر تنسيق السياسات النقدية والمالية بين الأقطار للوصول إلى إنشاء العملة الواحدة بين مختلف الأقطار. وهذا التشبيك في البنى التحتية والنقد يتطلّب التنسيق بين الحكومات العربية والتخلّي عن حساسيات ضيّقة تخدم مصالح محدودة وعلى حساب المواطن العربي. هذا يعني ضمان حرّية حركة رأس المال الوطني بين الأقطار مع ضبط إيقاع تلك الحركة بما يخدم السياسات الوطنية والقومية. يأتي رأس المال الوطني من المدّخرات الوطنية وليس من الخارج، إلّا في ما يتعلّق بالاستثمارات العربية في الخارج التي ندعو بشدّة إلى عودتها إلى الوطن العربي. فذلك يمثّل أولاً حماية لتلك الرساميل من الابتزازات الخارجية وحتى البلطجة السياسية لدى بعض البلدان كالولايات المتحدة التي لن تتخلّف عن إصدار تشريعات تجمّد وتحجز الاستثمارات العربية. وثانياً، إن تلك الرساميل التي ستوظّف في المشاريع الاقتصادية العربية كفيلة بالاستغناء إلى حد كبير عن الرساميل الأجنبية التي لا تساهم في تنمية الاقتصادات الوطنية بل هي مجرّد حركات رساميل حارة توظّف في القطاعات المالية للمضاربة أو في القطاعات الاستراتيجية تحت بند الخصخصة التي تروّج لها المؤسسات المالية الدولية.

وتلازماً مع حرّية حركة رأس المال لا بد من تأمين حرّية حركة اليد العاملة وفقاً لخطط مدروسة تعبّئ الكفاءات وتحشدها في القطاعات الإنتاجية في مختلف المناطق. وحرّية حركة اليد العاملة قد تخلق في البداية حساسيات في بعض البلدان غير أن المشاريع التنموية المنشودة ستخلق فرص العمل وتستوعب البطالة القائمة وبالتالي تخفّف من الحساسيات المحلّية. فدول الجزيرة العربية على سبيل المثال استفادت من اليد العاملة العربية لبناء بناها التحتية وعدد من القطاعات الاقتصادية. والقيود التي تُفرض على حركة اليد العاملة طابعها سياسي أكثر مما هو اقتصادي. فحرّية حركة اليد العاملة تساهم في تنشيط المنافسة وتزيد من الإنتاجية. هذا يعني إلغاء التأشيرات بين البلدان العربية وتنسيق قوانين العمل في ما بينها.

إضافة إلى التشبيك في البنى التحتية هناك ضرورة ملحّة إلى الاستثمار في القطاع الزراعي، أولاً لتأمين الغذاء والخروج من الابتزاز الخارجي، وثانياً لتثبيت السكّان في المناطق الريفية منعاً للتضّخم في التدفق السكّاني من الأرياف نحو المدن وما يرافق ذلك من مشكلات مدينية من ازدحام إلى عدم التوازن في الإسكان إلى تلوّث البيئة إلى ارتفاع الضغط على المواصلات.

أما على صعيد القطاع الصناعي فلا بد من تطوير الصناعات المحلّية التي تلبّي الحاجات العربية. فالسوق العربية بحجمها الجغرافي والسكّاني والقوّة الشرائية كفيلة بتحقيق وفورات الحجم التي تتطلّب استثمارات كبيرة في الطاقة الإنتاجية. ليس الهدف التنافس في التجارة الخارجية بل تلبية الحاجات الوطنية لتخفيف الانكشاف تجاه الخارج.

كما أن الاستثمار في الحفاظ على البيئة وتحسينها كفيل بالحفاظ على مستقبل صحّة الأجيال وتخفّف من كلفة المعاينات الصحّية كما أنها تحافظ على الموارد الحياتية كالمياه التي ستصبح محور تنافس بل صراعات في العالم. والحفاظ على البيئة ضرورة لتخفيف التصحّر الذي يهدّد معظم الأقطار العربية وما ينتج عنه من نزوح داخلي وتمركز في المدن بشكل يفوق الطاقة الاستيعابية وما يرافق كل ذلك من تدهور في الوضع الاجتماعي والأمني.

وأخيراً وليس آخراً فإن الاستثمارات في القطاعات التكنولوجية كالذكاء الاصطناعي والنانوتكنولوجيا وعلوم البيئة على سبيل المثال لن تتم إلّا بتعاون مع الجامعات ومراكز الأبحاث العربية التي يجب تطويرها وتمكينها والتنسيق بينها. والدول مدعوة لرصد ما يوازي على الأقل 5 بالمئة من الناتج القومي على البحوث العلمية لترسيخ قاعدة علمية عربية لإنتاج المعرفة.

ثانياً: التوصيات

في هذا الجزء نركّز على السياسات الاقتصادية المطلوبة لأن في رأينا الاقتصاد ليس إلّا السياسة ولكن بلغة الأرقام. فالمشروع التنموي الاقتصادي هو مشروع سياسي وليس تقنياً كما يظنّ الكثيرون وإن كانت التقنية جزءاً مهماً منه. بناء على ما سبق نوصي بما يلي:

1 – من التكامل إلى الوحدة

كما أكدّنا في مطلع المذكّرة فإن رؤيتنا الاقتصادية تهدف إلى تحقيق التكامل الاقتصادي بين البلدان العربية للوصول إلى الوحدة. فالمساحة الجغرافية للوطن العربي هي 13.3 مليون كم2، ما يجعله في المرتبة الثانية في العالم بعد الاتحاد الروسي. أما على صعيد السكان، فالوطن العربي يأتي في المرتبة الثالثة مع 400 مليون مواطن وراء الصين (1.3 مليار) والهند (1.0 مليار). والوطن العربي يحتوي على ثروات نفطية وغازية ومائية وزراعية قد تجعله قوّة اقتصادية في العالم إذا ما تحقّقت الوحدة أو بالحد الأدنى التكامل. وعلى صعيد الناتج الداخلي فهو في المرتبة السابعة مع 2.3 تريليون دولار وفقاً لتقديرات التقرير الموحّد للصندوق النقد العربي الذي يمكن أن يتضاعف بالتكامل الاقتصادي. فالوطن العربي يملك إذاً، عناصر القوّة التي قد تمكّنه من أخذ مكانته في مجمع الأمم لو توحّد العرب. فالتكامل الاقتصادي هو الطريق إلى الوحدة العربية التي تشكّل قاعدة مشروعنا النهضوي العربي.

2 – تفعيل القرارات المتخذة سابقاً

ليس من الضروري في هذه المرحلة الاتفاق على قرارات جديدة. فهناك سلسلة من القرارات اتخذتها القمم السابقة منذ الستينيات من القرن الماضي لم يتم تفعيلها كقرار السوق العربية المشتركة (1964) على سبيل المثال، أو لم تعطَ لها القدرات والإمكانيات لتكون أكثر فاعلية وحضوراً في القرار التنموي العربي كمجلس الوحدة الاقتصادية العربية (1964) أو منطقة التجارة العربية الحرّة الكبرى (2005) وذلك على سبيل المثال وليس الحصر.

وتسهيـلاً لتفعيل تلك القرارات نقترح إنشاء هيئة مستقلّة عن جامعة الدول العربية مهمتّها متابعة جميع قرارات الجامعة العربية المتعلّقة بقضايا التنمية والإنماء والتكامل العربي التي اتخذت منذ إنشاء الجامعة. وهذه الهيئة تقدّم تقريراً سنوياً إلى قمة الملوك والأمراء والرؤساء في البلدان العربية في اجتماعاتهم السنوية. يمكن في هذا الإطار تكليف مركز دراسات الوحدة العربية بتلك المهمة.

3 – السياسات

سنعرض هنا ما نعتبره من الأولويات في السياسات المطلوبة لتحقيق التنمية المستقّلة والمستدامة كما نفهمها ونريدها.

 

1.هناك سلسلة من السياسات التي يجب أن تتغير فوراً. أولى هذه السياسات هي سياسة العقوبات الاقتصادية المفروضة بصفة غير قانونية بالنسبة إلى ميثاق جامعة الدول العربية، وخلافاً لمبدأ الأخوة والتكامل والواحدة. فقرار العقوبات على كل من سورية واليمن وقطر ولبنان ومنع محطّات تلفزيون عربية من الاستفادة إما من نايل سات أو عربسات، هي غير أخلاقية وغير قانونية وتؤذي الشعوب. فالخلافات بين الحكومات العربية يجب ألّا تنجرّ على الشعوب. وفي السياق نفسه، إن تعليق عضوية سورية في جامعة الدول العربية وهي من الدول المؤسّسة، منافية لميثاق الجامعة، ومنافية لروح التضامن والتكامل والوحدة ناهيك بأنها غير أخلاقية في المرتبة الأولى. فلا عملية تنمية يمكن أن تجري في المشرق العربي وسورية خارجها ليس فقط لدورها ومكانتها الاستراتيجية فحسب بل أيضاً لما يمكن أن تقدّمه إلى الأمة وهي تدفع ثمن حماية كرامة الأمة العربية. أخيراً، يجب التنديد بسياسات تلحق الضرر والأذى بدول شقيقة كتمويل السد في إثيوبيا من قبل بعض البلدان العربية نكاية بمصر وشعبها.

 

2. السياسات التنموية المحصورة ضمن القطر بحجة السيادة الوطنية يجب أن تخضع لمراجعة، حيث البعد القومي يتوازن مع الظرف الوطني. التخطيط، الذي ندعو إلى إعادة اعتباره (راجع النقطة الخامسة)، يجب أن يحمل في طيّاته البعد القومي. على سبيل المثال، إن تشبيك البنى التحتية، وبخاصة في قطاع الطاقة، ضرورة لترشيد الاستثمارات الكبيرة التي تتطلّبها تلك البنى لجعل التكلفة المتوسّطة أقل ولتوسيع رقعة السوق لها. كما أن التنسيق في السياسات التي ستؤدّي إلى تفعيل التجارة البينية بين الأقطار تطلّب التخطيط له. فالبعد القومي إذاً لمشروع التنمية يرتكز على سياسة التخطيط.

 

3. يجب إعادة الاعتبار إلى سياسة مقاطعة البضائع الصهيونية التي تتوغّل في عدد من البلدان العربية تحت ستار شركات وهمية خارج الكيان بينما هي فعلياً واجهتها. نذكّر في هذا السياق على سبيل المثال وليس الحصر استيراد الأدوية الجنسية أو العامة (generic drugs) التي تصنعها شركة «تيفا» في الكيان الصهيوني. وهناك شركات صهيونية مقنّعة تعمل في قطاع التواصل والمواصلات العربي وهو ما يشكّل تهديداً مباشراً للأمن القومي العربي. وفي السياق نفسه، يجب مقاطعة بضائع البلدان التي تساند الكيان الصهيوني في عدوانها واستعمارها المستديم على فلسطين.

 

4. تجنّب السياسات النيوليبرالية التي تروّجها المؤسسات المالية الدولية وفي مقدّمها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وهذه السياسات تعتمد «التقشّف» في الإنفاق الحكومي على الخدمات الاجتماعية والمساعدات العينية في دعم السلع الأساسية التي يحتاج المواطنون إليها، وذلك تحت ذريعة «التوازن» المالي. لكن في الحقيقة الغرض المطلوب هو تقليص، إن لم يكن إخراج، القطاع العام من الدورة الاقتصادية عبر «الخصخصة» التي تفيد الأوليغارشيات المحلّية والدولية. كما أن هذه السياسات تهدف إلى «تهيئة» المناخ الملائم للاستثمارات الخارجية الخاصة لتقود النشاط الاقتصاد الوطني، أي بمعنى آخر، تسليم الاقتصاد للمستثمر الخارجي الذي في معظم الأحيان يكون من الشركات العابرة للقارات والمتعددّة الجنسية. كما أن هذه السياسات تهدف إلى تكريس قوّامة المؤسسات المالية في الاقتصادات الوطنية، وذلك على حساب القطاعات الإنتاجية. كما أنها تؤدّي إلى تمركز الأنشطة الاقتصادية في القلّة فتساهم في تنمية الاحتكارات واصطناع الندرة وتفاقم الفجوات الاقتصادية والاجتماعية. والسياسات النيوليبرالية تؤدّي في آخر المطاف إلى فقدان الاستقلال الوطني عبر التبعية للخارج كما أنها تساهم في تعميق الفجوات الاقتصادية والاجتماعية في القطر.

 

5. لذلك يجب إعادة الاعتبار للقطاع العام وترشيده، لأنه مؤهل لحمل هموم المواطنين أكثر من القطاع الخاص. ويتلازم هذا التأهيل مع عودة ثقافة التخطيط المركزي الذي يحدّد السياسات الوطنية المطلوبة. كما يجب مراجعة سياسات التقشّف التي تؤدّي إلى البطالة والتفقير واليأس. وما يحصل في دول الغرب من حركات شعبية احتجاجية على تلك السياسات، خير دليل على فشل السياسات النيوليبرالية المعتمدة. وفي وطننا، يصبح الأردن مثالاً على كل ذلك.

 

6. الإصلاح الاقتصادي المطلوب يختلف عن برامج «إعادة الهيكلة» التي تروّجها المؤسسات الدولية. نقصد بالإصلاح الاقتصادي تحويل الاقتصاد العربي من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد إنتاجي من جهة وإلى توازن بين القطاعات الإنتاجية، كالزراعة والصناعة والإنشاءات والخدمات. وذلك الإصلاح يتطلّب مشاركة المكوّنات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وهذا يعني ضرورة إجراء إصلاح سياسي يؤمّن تلك المشاركة الفاعلة والفعّالة.

 

7. تجنّب تمويل المشاريع الاستثمارية عبر الاستدانة الخارجية؛ فخلافاً لترويج المؤسسات المالية الدولية فإن المدّخرات الوطنية في البلدان العربية تكفي إلى حدّ بعيد مستلزمات التمويل. وإذا كان لا بد من تمويل خارجي فعليه أن يكون من مصادر صديقة يهمّها نجاح المشروع الاستثماري. كما أن صيغة مشاريع التي تعتمد مبدأ «بناء، إدارة، فتحويل» والمعروف بالإنكليزية بمبدأ «بي، أو، تي» يمكن اعتمادها أيضاً. لكن الأولوية يجب أن تكون للمدخّرات الوطنية.

 

4 – مشاريع استثمارية

تلازماً مع التغيير في السياسات الاقتصادية المتبعة منذ أكثر من أربعة عقود في عدد من البلدان العربية هناك سلسلة من الاستثمارات المطلوبة في البنى التحتية التي تساهم في تشبيك الاقتصادات العربية وتدفع نحو التكامل المنشود.

 

1.تشبيك الشبكات الكهربائية في الكتل الجغرافية الأربع: بلاد الشام والرافدين؛ بلاد الجزيرة العربية؛ بلاد وادي النيل والقرن الأفريقي؛ وبلاد المغرب العربي. فالنفط والغاز العربي هو أولّا وأخيراً لشعوب الوطن العربي قبل أن يكون لحكّامه. كم أن الاستثمار بالطاقات البديلة كالطاقة الشمسية والرياح والطاقات المتجدّدة بوجه عام قد تخفّف من الاتكال على المحروقات وتساهم في تخفيف تلوّث البيئة.

 

2. تشبيك سكك الحديد العربية وربط المغرب العربي بالمشرق العربي وبجنوب الجزيرة العربية وبلاد وادي النيل والقرن الإفريقي. إن تكلفة الكيلومتر الواحد من السكّة الحديد يبلغ نحو مليون دولار. وطول شبكة سكك الحديد المطلوبة قد تصل إلى 20,000 كيلومتر أو أكثر، أي بتكلفة 20 مليار دولار تقريباً. تساهم شبكة السكك الحديد في ربط الأواصر الجغرافية للوطن العربي وتساهم في رفع مستوى التجارة البينية بين البلدان العربية التي ما زالت متدنية. فالشبكة تساهم في فتح الأسواق للسلع العربية، وهو ما يتيح الفرصة للمزيد من الاستثمارات. كما أن الشبكة تنقل المواطنين من قطر إلى قطر وداخل كل قطر فتساهم في التخفيف من النزوح إلى المدن وما يرافق ذلك من ضغط إسكاني وسكاني على البنى التحتية في المدن. ويتلازم مع ضرورة نقل المواطنين بين الأقطار العربية إلغاء التأشيرات بين البلدان العربية.

 

3. الاستثمار في برامج التربية لتأهيل المواطن العربي للعيش في عصر التكنولوجيا. ولكن قبل كل ذلك يجب محو الأمية، التي وصل مستواها إلى ما يوازي أكثر من 19 بالمئة من إجمالي سكّان الوطن العربي لعام 2015، وذلك خلال فترة عشر سنوات لتمكين ذلك التأهيل. وإذا اعتبرنا معيار تكلفة الأمية في الوطن العربي ما يوازي 0.5 بالمئة من الناتج القومي فإن التكلفة تصبح ما يوازي 23 مليار دولار سنوياً. فالأمية تحدّ من التوظيف أو الاستخدام، وبالتالي تساهم في تفشّي البطالة، وتحدّ من الإنتاجية في العمل، فلا يزيد الناتج الداخلي كما يجب، وتحدّ من اقتناص الفرص، وأخيراً تحدّ من التمكّن من التكنولوجيات الحديثة. أما على الصعيد الاجتماعي فإن الأمية تنعكس على ضعف قراءة الإرشادات الصحّية، وتساهم في تفاقم الجريمة، وتحدّ من الوصول إلى الرفاهية. فمهما كانت تكلفة محو الأمية فإن تكلفة استمرارها أكثر من تكلفة محوها. في المقابل، تفيد دراسات متعددة أن محو الأمية يؤدّي إلى رفع الدخل الفردي بنسبة 6 بالمئة عمّا هو عليه الآن. كما أن على البرامج التربوية إعادة تأهيل التراث الفكري العربي في الفلسفة والعلوم إضافة إلى الأدب لتثبيت قواعد المعرفة العربية وللغرف من كنوز التراث الذي ما زال معظم العرب يجهله.

 

4. الاستثمار في البحوث العلمية عبر تخصيص على الأقل ما يوازي 5 بالمئة من الناتج الداخلي كي تتحقّق المنظومة المعرفية والتجدّد الحضاري من جهة، وتحقيق الاختراقات التكنولوجية التي تشكّل أساس الاقتصاد المعاصر. أمّا اليوم، فنسبة الإنفاق على البحوث العلمية تكاد تصل إلى 0.4 بالمئة من الناتج الداخلي. كما ندعو إلى الاستثمار في التكنولوجيات الحديثة، كالذكاء الاصطناعي والتكنولوجيات المصغّرة (نانوتكنولوجي) على سبيل المثال لا الحصر. وأخيرا وليس آخراً ندعو إلى الاستثمار في القطاع الزراعي واستصلاح الصحاري وتحلية المياه وذلك لتمكين الأمن الغذائي للوطن العربي.