يبحث مؤلف هذا الكتاب في شأن النبوة ومعانيها عند العرب قبل الإسلام، مؤكداً أهمية إعادة قراءة تاريخ العصر الجاهلي والتحقيق فيه لما تضمنه من تطور للفكر السياسي والعقائدي للعرب في الجزيرة في ذاك العصر، وذلك انصافاً لهم، بدلاً من ممارسة الإجحاف بحقهم من خلال صور نمطية تظهر أنهم لا يتقنون سوى الحرب والأكل وقرض الشعر.

من هنا يعرض المؤلف لمشكلات التاريخ «الجاهلي»، ويقدم أبحاثاً عن شخصيات عاشت في مرحلة ما قبل الإسلام، محاولاً الكشف عن الحراك السياسي والثقافي الذي حدث في التاريخ «الجاهلي»، بما يفيد بعدم وجود قطيعة مع التاريخ ما قبل الإسلام.

يشير المؤلف إلى أن تجارب سياسية عربية متعددة في العصر الجاهلي تجاوزت البنى القبلية – مثل إمارات المناذرة والغساسنة – ولم تبنَ بناء على وحدة الدم بل بناء على وحدات ترابية – بالمعنى الجغرافي. كما أن المعتقدات التي سادت ما بين العرب لم تكن واحدة، بل كان هناك وثنيون ونصارى ومسيحيون ويهود، مع ما يعني ذلك من تنوع في المعتقدات العربية، من بينها مفهوم التوحيد والدنيا والآخرة وغيرها من المصطلحات والمفاهيم التي عرفها العرب. ويرى المؤلف أن هذه المفاهيم كانت متبادلة ومتواصلة بين بلاد العرب، ويعود ذلك إلى الحراك السياسي والثقافي العربي في العصر الجاهلي الذي أسهم فيه ثلاثة شخصيات اختارها المؤلف، هم: خالد بن سنان العبسي، وقس بن ساعدة الإيادي، ورئاب بن البراء الشني.

يتحدث المؤلف عن الشخصية الأولى، خالد بن سنان العبسي، وهو من قبيلة عبس ومن بني مخزوم، فيشير إلى أن أخباره تتقاطع مع السيرة المحمدية. وخلاصة المؤلف حوله – وهو لم يرتبط بالمسيحية ولا باليهودية – «أن الشهرة التي اكتسبها في دائرة الأدب التاريخي بمختلف اتجاهاته كانت بتأثير كلام النبي عنه بأنه «نبي ضيعه أهله».

أما الشخصية الثانية التي يتحدث عنها المؤلف فهي قس بن ساعدة الإيادي، الذي ينتمي إلى قبيلة إياد، ويعدُّه رمزاً ودليـلاً على بلاغة العرب القدامى. وقد سمعه الرسول وهو يخطب في سوق عكاظ. وكان ملتزماً بالشأن الاجتماعي، وتجاوز حدود العمل السياسي، ليشمل الحراك الفكري والفني والثقافي بعامة. واعتنق قس الدين المسيحي ولقب بقس نجران.

وبالنسبة إلى الشخصية الثالثة، التي يقدمها المؤلف، فهي رئاب بن براء الشني الذي لم تتقاطع شخصيته ما بين السيرة النبوية والتاريخ الجاهلي، وكان على الدين المسيحي ووصف بأنه نبي قومه – بني شن – الذين شاركوا في وفد قدم من البحرين ليبايع الرسول في المدينة.

ويخلص المؤلف إلى أن المجتمعات في العصر الجاهلي قطعت مراحل في الثقافة والعقيدة والسياسة، وأسهمت في تنامي العلاقات التجارية والثقافية في منطقة الجزيرة العربية بأكملها.