يأتي هذا الكتاب – كما يرد في مقدمته – في إطار البحث عن موقع التصوُّف الإسلامي في سياق النهضة ككل، نظراً إلى ندرة الدراسات التي اعتنت بهذا الجانب مقارنة بنظيراتها التي صرفت جانباً كبيراً من اهتماماتها ببحث الجوانب العقلية والفلسفية بصفة خاصة عند رواد النهضة الإسلامية الحديثة والمعاصرة.

وما يزيد من أهمية التوقف عند هذه الملاحظة الأولية، مقارنتها بحقيقة أن المجددين في الأرض – وبخاصة أتباع مدرسة الإمام محمد عبده – لم يغفلوا التصوف كمنحى وكبعد مهم جداً من أبعاد النهضة الشاملة، وإنما أدركوه وأولوه عناية كبرى، حيث لفتوا الانتباه إلى مركزية هذا المكوِّن الروحي العميق، وعملوا على تأكيد أصالته، ووجهوا بعضاً من تلامذتهم نحو تحقيق نصوصه، والرد على مزاعم المستشرقين التي تنزع الأصالة عنه.

من هنا يبحث الكتاب في المنحى الصوفي في فكر رواد النهضة العربية الإسلامية – من محمد عبده إلى سعيد النورسي، وذلك في خمسة فصول، يعرض الأول منها للمنحى الصوفي في فكر الإمام محمد عبدو، لما له من رمزية وحضور طاغ على ممثلي الاتجاهات الفكرية في عصره، ولما لهذا المنحى الروحي من أهمية في تكوين مشروعه الإصلاحي التجديدي.

ويتناول الفصل الثاني طبيعة ومواقف محمد رشيد رضا، أبرز تلاميذ الإمام محمد عبده، الذي اتَّسم موقفه من التصوف بالانفتاح في طوره الأول؛ قبل أن ينقلب على أستاذه ليتسم موقفه من التصوف بالمنزع الوهابي شديد التطرف في طوره الثاني.

أما الفصل الثالث، فيُعنى بمفهوم التصوف وغايته عند محمد مصطفى حلمي الذي تتلمذ على يد الشيخ مصطفى عبد الرزاق، الذي تتلمذ بدوره على يد الإمام محمد عبده. وقد أولى محمد مصطفى حلمي التصوف عناية فائقة في بحوثه واهتماماته.

ويتمحور الفصل الرابع حول فاعلية الولاية الصوفية في رؤية زكي نجيب محمود النقدية للتصوف، الذي حاكم التجربة الصوفية على أسس عقلية، ودعا الولاية الصوفية إلى تركيز جهودها على خدمة المجتمعات الإسلامية، فيما يتوقف الفصل الخامس والأخير عند مركزية التربية الروحية وفاعليتها في فكر بديع الزمان سعيد النورسي، بوصفه من أواخر المصلحين المجددين الذين نالوا حظاً وافراً من التربية الروحية، وأسهموا في تكوين وعي جديد لأجيال النور الذين تربوا على رسائله وجدانياً.

يغني الكتاب في كشفه عن مركزية التصوف في سياق فكر رواد النهضة الإسلامية التصورات عن اشتغال رواد التجديد الديني والإصلاح الاجتماعي بالجانب الأخلاقي العملي للتصوف أو بالأحرى لمقام “الإحسان” في الإسلام.

بدعمكم نستمر

إدعم مركز دراسات الوحدة العربية

ينتظر المركز من أصدقائه وقرائه ومحبِّيه في هذه المرحلة الوقوف إلى جانبه من خلال طلب منشوراته وتسديد ثمنها بالعملة الصعبة نقداً، أو حتى تقديم بعض التبرعات النقدية لتعزيز قدرته على الصمود والاستمرار في مسيرته العلمية والبحثية المستقلة والموضوعية والملتزمة بقضايا الأرض والإنسان في مختلف أرجاء الوطن العربي.

إدعم المركز

Privacy Preference Center