المؤلف: عبد العالي معزوز

مراجعة: أحمد عز الدين أسعد(**)

الناشر: أفريقيا الشرق، الدار البيضاء

سنة النشر: 2014

عدد الصفحات: 240

 

– 1 –

تنبع أهمية الكتاب من ندرة الكتابات العربية حول الصورة وفلسفتها في الوطن العربي، فلقد قدّم الكاتب إلى المكتبة العربية جهد معرفي رصين في مجال الثقافة البصرية وصناعات الهيمنة. يتمتع الكتاب بمزايا متعددة، أهمها: الأبعاد الفلسفية التحليلية للصورة والوسيط وصناعات الهيمنة، وارتكاز الكتاب على عدد من الفلاسفة النقديين في مجال الصورة والميديا والوسيط مثل (جيل دولوز، ميشيل فوكو، جاك دريدا).

في سياق متصل، لم يغفل الكاتب عبد العالي معزوز إسهامات ونقاشات ونظريات مدرسة فرانكفورت النقدية والتحليلية في نقد الوسائط والصنعات الثقافية. وقد زاوج معزوز بين فلسفة الفن وثقافة الاتصال أو الصنعات الثقافية وفق وسم مدرسة فرانكفورت/النظرية النقدية، وما يجمع بين فلسفة الفن والنظرية النقدية هو أنهما يهمان ثقافة العين وثقافة الصورة، وينشغلان بهاجس الرؤية والنظر، ويتحركان في فضاء أو ميدان المرئي. والكتاب ذو أهمية ثقافية ومعرفية في غاية الضرورة؛ كونه يمزج بين الفلسفة والسوسيولوجيا بمنظور نقدي تركيبي في استقراء فلسفة الصورة ورهاناتها ودلالاتها وتمظهراتها المختلفة، وهذا يمنحه ديمومة معرفية وانتشاراً مجتمعياً على نطاق واسع.

– 2 –

يتكون الكتاب من تقديم وخمسة فصول وخاتمة. تتألف الخارطة المعرفية للكتاب من شقين: الأول، يهتم بفلسفة الفن، وهنا عمل معزوز على أشكلة الممارسة الفنية في الزمن المعاصر، ونقاشاتها الغنية حول التراث والمعاصرة والطفرات التكنولوجية، وموقعها من الفن وموقع الفن منها، وعمل على استقصاء الأبعاد الإبداعية والدلالات الجمالية للصورة الفنية في الرسم والتشكيل الغربي الحديث. وفي الشق الثاني المتعلق بثقافة الاتصال أو الصناعات الثقافية، أعمل معزوز منهجاً نقدياً في فك أقفال آليات الصناعة الثقافية وأنماط إنتاج الصورة السينمائية والتلفزيونية، من دون إغفال الحوامل الحديثة المتمثلة بالتكنولوجيا الرقمية، وعمل على قراءة رسائل الوسائط الصريحة والمضمرة، كما وضّح العلاقة بين الصورة الإعلامية المرسلة للجموع والجماهير الهلامية إلى جانب انشغالها بصناعة الترفيه والوهم، وكشف العلاقة بين الصورة الإعلامية وأيديولوجياتها الخفية والمستترة، للكشف عن الأوهام الجماعية التي تصنعها.

انشغل الفصل الأول (قضايا وإشكالات الفن المعاصر) بالبحث في إشكاليات الفن الحديث والمعاصر، وحاول الكاتب البحث في عدد من الأسئلة التي تدور رحاها حول علاقة الفن المعاصر بالأسطورة والميثولوجيات المؤسسة، وعلاقة الفن بالتراث بعد زوال السلطة الدينية عن التراث، وعالج كذلك إسقاطات الثورة أو الطفرة التكنولوجية على العملية الإبداعية، وعلاقة الطوفان البصري التكنولوجي بالفن المعاصر حيث أصبح الفن يتوسل التقنيات الحديثة ويحتضن مفاهيم مبتكرة كالبعد الافتراضي والمنحى التفاعلي وغيرها من المفاهيم، كما عمد معزوز إلى أشكلة المفاهيم الرائجة في الميدان الفني مثل الإبداع والابتكار والإنتاج مبيِّناً الوشائج الدقيقة بينهما وخلفياتها ومرتكزاتها.

بينما تناول الفصل الثاني «فلسفة الفن المعاصر» ليبين أن الفن لا يخلو من الفلسفة والعكس صحيح، كذلك لا غنى للفلسفة عن الحساسية الفنية مثلما لا غنى للفن عن المفاهيم الفلسفية، ويوضح كيف حظيت الفنون البصرية والتشكيلية المعاصرة باهتمام أشهر الفلاسفة المعاصرين (جاك دريدا، ميشيل فوكو، وجيل دولوز). وركز في هذا الفصل على التفكير الفلسفي في الصورة الفنية، وبخاصة الصورة الصباغية، وليس السينمائية ولا الفوتوغرافية اللتين تندرجان في إطار الصورة الآلية، واعتمد كل فيسلوف على نموذج فني معين، لكن المشترك بينهم محاولة صوغ رؤيتهم الفلسفية في إبداع الصورة الفنية؛ «بمعنى كيف تجسد الصورة الفنية الفوضى وكيف تنبئ عن الكارثة في نظر دولوز، وكيف تفضي إلى انهيار أسس التمثيل بالنسبة لفوكو، وكيف تلبي نداء الكينونة وتشهد على حضرة الوجود بالنسبة لجاك دريدا» (ص 105).

أما الفصل الثالث «ثقافة الاتصال والصناعة الثقافية: نقد وتفكيك» فقد اهتم بوسائل الاتصال وتطورها كونها وسائط تكنولوجية سريعة التطور. وقد وسمها ريجيس دوبريه بـ «الميديولوجيا». واهتم الفصل كذلك بالثقافة الجماهيرية أو الصناعة الثقافية التي تنشغل بمكونات الثقافة التي أفرزتها التكنولوجيات الحديثة والمعاصرة. وخلص الفصل إلى أن الوسيط هو الرسالة، ويتحول الزمن إلى حضور دائم ويسمى تمام الحضور أو كلية الحضور، وينكمش المكان، ويضحي أهم وسيط في وسائل الاتصال الجماهيري هو الصورة.

في الفصل الرابع «الصورة: أنظمتها ورهاناتها» يطرح معزوز مشكلات فلسفية عميقة حول الصورة ووضعها ومكانتها في الثقافة المعاصرة، فالصورة مثلت لوحدها مشكلة فلسفية نظراً إلى التغيرات العميقة التي أحدثتها في تشكيل وتكوين ما هو بصري بصفة عامة. ويوضح الفصل كيف تحولت الصورة من صورة ذهنية إلى صورة بصرية، بمعنى أنها كانت في خدمة غايات روحية وأصبحت تحيل إلى ذاتها، وكيف تحولت إلى وسيط، وهذا ما يفتح باب الولوج في رهانات الصورة وتمظهراتها، سواء باعتبارها لغة أو رغبة أو سلطة أو أداة إشهارية، أو عنفاً ممارساً على المتلقِّي، أو صورة فنية/أيقونية جديدة. ويستخلص الباحث أن التفكير النقدي في الصورة بوصفها وسيطاً لا غنى عنه لفهم العالم المعاصر، والصورة الآلية أو الصناعية لا تنفصل عن وسائل بثها.

بينما ولج الفصل الخامس «تفكيك آليات الصنعات الثقافية» إلى تأملات أدورنو حول التلفزيون، وعلاقة التلفزيون بالفضاء العمومي، وقدم نقداً فلسفياً للتلفزيون. كذلك عكف الباحث على تقديم الفرق بين الصورة في التلفزيون والصورة في السينما، وتطرق إلى الفلسفة العربية وتحديات عالم الصورة.

– 3 –

عبد العالي معزوز أستاذ الفلسفة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالدار البيضاء، له ثلاثة كتب أخرى غير هذا الكتاب، وهي: هشام شرابي ونقد النظام الأبوي في المجتمع العربي الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية عام 2012، وكتاب جماليات الحداثة: أدورنو ومدرسة فرانكفورت صادر عن منتدى المعارف عام 2011، وكتاب الإنترنت والاستلاب الثقافي والصادر أيضاً عن مركز دراسات الوحدة العربية عام 2011.

يجدر التنويه كذلك أن معزوز قد نال جائزة الشيخ زايد للكتاب في فرع «الفنون والدراسات النقدية» للدورة التاسعة من العام 2014/2015 حول كتابه، فلسفة الصورة: الصورة بين الفن والتواصل. أما بخصوص دار النشر، دار أفريقيا الشرق بالدار البيضاء (المغرب)؛ فهي من دور النشر المرموقة والملتزمة بالإنتاج العلمي الأكاديمي الرصين، ولها اهتمام في نشر المعرفة المتخصصة في العلوم الاجتماعية والإنسانية. أسست سنة 1983، وتهتم بجميع المواضيع الثقافية، ولديها قسم خاص بالنشر باللغات الأخرى.

– 4 –

استند معزوز في الكتاب إلى عدد نوعي من المصادر والمراجع باللغتين الفرنسية والإنكليزية وكتاب واحد فقط باللغة العربية؛ وللعلم، هذا الكتاب مترجم عن لغة أجنبية. إلى جانب المصادر الثانوية المتمثلة بالكتب والمجلات العلمية، استند الكاتب إلى عدد من المصادر الأولية، والمتمثلة برسومات وصور وأعمال فنية (24 عمـلاً) وضعها في آخر الكتاب كملاحق لكنه ناقشها في محتوى الكتاب.

إلى ذلك فإن المصادر الثانوية (الكتب والمجلات) التي بنى معزوز قراءته عليها، واستبطنها منهجياً، ووظفها نظرياتياً؛ هي مصادر جادة ورصينة؛ وهي في أغلبيتها مصادر علمية لفلاسفة وسوسيولوجيين ونقاد بارزين. لكن الكاتب حصر مصادره في المصادر المركزية الأوروبية، ولم ينهل من المصادر الأخرى خصوصاً المصادر العربية الإسلامية المهتمة بالفن العربي والإسلامي، وفلسفة الفن العربي الإسلامي، ولا سيَّما أن معزوز تحدث في الفصل الخامس (الأخير) عن الفلسفة العربية والصورة، ولم يستشهد بمصادر ذات صلة. كما أن المجادل الفكرية والفلسفية التي استند إليها الباحث بالاعتماد على مصادره حول الصورة هي مصادر غربية بيضاء؛ ولم يستند إلى فلسفة الصورة في ثقافات آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية، حتى وإن كانت تلك الصورة أو فلسفتها أو فنها بنسخة أولية/محلية تعبر عن تلك الثقافات الأصلانية.

– 5 –

استند معزوز إلى المنهج الكيفي في الكتاب كونه المنهج الملائم في دراسة فلسفة نقدية، حيث يعجز المنهج الكمي في تفكيك المقولات الفلسفية والصناعات الثقافية والثقافة البصرية. واعتمد معزوز في الكتاب على عدد من المقاربات الجادة، أهمها: النقد الثقافي والأيديولوجي عن مدرسة فرانكفورت، وعلم الاجتماع النقدي عند بيير بورديو وجان بودريار وموران. واستند كذلك إلى التقويض الأنطولوجي والميديولوجي في صيغتهما عند ريجيس دوبري وماك لوهان، كما إلى إسهامات الفلاسفة الجدد (جيل دولوز، ميشيل فوكو، جاك دريدا)، وإسهامات يورغن هابرمس في الوسائط والفضاء العام، وإسهامات والتر بنيامين في نقد الاستنساخ الآلي.

– 6 –

انسجمت مقاربة الكتاب بين الهدف من الدراسة واستخلاصاتها المركزية، إذ انطلقت رحلة البحث في هذا الكتاب بعد استشكال الصورة على الفكر المعاصر بسبب تعدد أنماطها ووظائفها وغاياتها وأيديولوجياتها ودلالاتها الظاهرة والباطنة المضمرة. وحاول الكتاب فك لغز الصورة وفلسفتها الطاغية دلالياً، وعمل الكاتب على ترويضها منهجياً وفلسفياً وسوسيولجياً ليمكِّن من قراءتها وفك سحرها. ويسجل للكتاب النجاح والإنجاز في التمييز بين الصورة الفنية كعمل فني إبداعي جمالي ذي دلالات مجتمعية، وتميزه عن الصورة الإشهارية والدعائية والتجارية والإغوائية. كما لم يكتفِ الكتاب بهذا القدر من التميز؛ وإنما عمل على التنقيب عن دلالات الصورة الكثيفة والمتعددة واللامتناهية في الصورة الفنية، وبين الدلالة الأحادية المعنى والمغزى في الصورة الإشهارية الدعائية.

إلى جانب ذلك ركز الكتاب على التفريق بين الصورة من خلال الوسيط الذي يشهرها ويبرزها، فهناك فرق بين صورة التلفاز والصورة في السينما والصورة في العالم الافتراضي/الإنترنت، ولكل صورة دلالاتها. ليقول لنا معزوز «إن الصورة رهان أساسي في الأزمنة المعاصرة، فهي مدار صراع أيديولوجي، وتسويق تجاري، وترفيه ثقافي، واستثمار للرغبة، وتفريغ للعنف، وتنازع على المقدس، وإتحاف للعين، وإمتاع للرؤية». (صفحة 233)

في السياق ذاته، بيَّن معزوز مفارقة الصورة وماهيتها كونها تعبيراً وإبداعاً في المجال الفني والجمالي، وأن الصورة في مجال الصناعات الثقافية هي ترويج وتسويق وإشهار وترفيه. يتبين كذلك الانسجام المعرفي للكتاب من خلال زج الصورة في أتون الفلسفة. فالفلسفة القديمة – وخصوصاً الأفلاطونية – كانت تخشى الصورة كونها تحمل قدرة على التضليل والتزييف، لكن الفلسفة المعاصرة أشكلت الصورة ودلالالتها وتأملتها وحاورتها ونقدتها.

كما لم يغفل معزوز العلاقة الإشكالية بين الفني والسياسي، والفني الجمالي والفني الإشهاري، وبين فن الهيمنة وصناعة الوهم، وفن الجمالي والإبداعي؛ لذلك استبطن معزوز النظريات النقدية لفك تلك الحمولة الإشكالية للصورة، لتوضيح أن الصورة حمالة أوجه ودلالات، ولها العديد من الاستخدامات والأغراض، وقراءتها تحتاج إلى تفحص وتدقيق في عصر عولمة الصورة، وتوحش السوق في توظيف الصورة الإشهارية وتسليع قيمتها الرمزية والدلالية للأغراض التجارية.

– 7 –

أغفل معزوز دور تخصص الدراسات الثقافية وإسهامات مركز بيرنغهام للدراسات الثقافية المعاصرة، في تطوير آليات التحليل النقدي، ومنهجات دراسة الصورة والسينما، وعلاقات الهيمنة والسلطة، وطرق توظيف الأيديولوجيا، وآليات الإشهار، ودور المركز والدراسات الثقافية في توطيد أسس الثقافة البصرية.

كما جاء الفصل الثالث قصيراً جداً؛ حيث لم يتجاوز الثماني صفحات في مقابل تفرد بعض الفصول في مساحات كبيرة للسجال المعرفي والفلسفي، مع أن هذا الفصل يتناول محوراً مهماً وهو «ثقافة الاتصال والصناعة الثقافية: نقد وتفكيك»، ليخرج الفصل بشبه خلاصة بأن الصورة أهم وسيط من وسائط الاتصال الجماهيري، ليكون هذا الفصل أشبه بمقدمة للفصل الرابع المتخصص في بحث موضوع الصورة ورهاناتها.