يقدّم هذا الكتاب عرضاً تحليلياً لوقائع الصراع العربي-الصهيوني منذ النكبة وتوقيع اتفاقيات الهدنة مع الكيان الصهيوني عام 1949 حتى العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2009، متناولاً متغيرات هذا الصراع ومستجداته على مدى ستة عقود، وذلك في محاولة للإجابة عن التساؤلات حول ما إذا كان سار الزمن خلال تلك الحقبة لمصلحة الكيان الصهيوني ورعاته أم لمصلحة القوى العربية الملتزمة بالممانعة والمقاومة خياراً استراتيجياً.
من هنا يعرض الكتاب للتحديات التي واجهها الشعب الفلسطيني بعد النكبة واغتصاب نحو 78 بالمئة من ترابه الوطني وتهجير نحو 61 بالمئة من أبنائه، فيتناول الحراك العربي بمشاركة الشباب الفلسطيني في مواجهة مشاريع التوطين ومحاولات الولايات المتحدة تصفية القضية الفلسطينية على أساس الأمر الواقع. ثم يتناول حقبة المد القومي العربي الذي قادته مصر بقيادة عبد الناصر، و«نكسة 1967»، وإصرار الشعب المصري على تجاوز النكسة من خلال انخراطه بحرب الاستنزاف ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي، وصولاً إلى حرب أكتوبر «1973» التي لم تستثمر منجزاتها العسكرية، بل تحول مسارها نحو اتفاقية «كامب ديفيد» (1978) التي أخرجت مصر من دائرة الصراع مع إسرائيل وأفقدتها دورها القومي القيادي بعد أن حولتها إلى دولة وظيفية تعتمد على المعونات الخارجية الأمريكية، عاجزة عن ضبط النزاعات العربية، كما جرى بالنسبة إلى الحرب الأهلية في لبنان عام 1975، أو بالنسبة إلى الغزو العراقي للكويت 1990 الذي استغلته الولايات المتحدة للحرب على العراق 1991 وغزوه 2003.
يتوقف المؤلف عند الاجتياح الإسرائيلي للبنان صيف 1982 الذي استهدف منظمة التحرير الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية والجيش السوري في لبنان، والذي لم يتمكن من تحقيق أهدافه، وإن أخرج منظمة التحرير من الساحة اللبنانية، إذ تجددت المقاومة في لبنان، وأسقطت القوى الوطنية بدعم من سورية «اتفاق 17 أيار/مايو» 1983، لتنسحب القوات المتعددة الجنسيات من بيروت في إثر تفجير مقر المارينز في تشرين الأول/أكتوبر 1983، وتتصاعد المقاومة لجيش الاحتلال الإسرائيلي حتى إرغامه على الانسحاب من جنوب لبنان عام 2000. ثم كانت المواجهة الأكبر في حرب 2006، حيث تمكن «حزب الله» من التصدي بقوة للعدوان الإسرائيلي على لبنان وأفقده قوة ردعه.
وكان لانتفاضة أطفال الحجارة أواخر العام 1987 وقعها المدوي على قوات الاحتلال، إذ أكدت فشل الكيان الصهيوني في قهر إرادة الشعب الفلسطيني، وتصميمه على جعل الأرض الفلسطينية المحتلة مسرح الصراع الأول مع المحتل مهما كانت التضحيات. كما أدت إلى تعرية الكيان الصهيوني الذي يتشدق وربيبته – الولايات المتحدة – بتقديم إسرائيل بوصفها «الديمقراطية الوحيدة» في المنطقة. لكن المؤسف أن إنجازات الانتفاضة لم تستثمر كما يجب، بل أدت المفاوضات حولها إلى «اتفاق أوسلو» 1993، والتوجه العربي نحو التطبيع مع المحتل، علماً أن مثل هذا التطبيع مهما اتسع نطاقه لا يعبر سوى عن واقع عربي مأزوم، يقتصر في نهاية المطاف على الأنظمة العربية، ويبقى محدوداً على المستوى الشعبي، ناهيك بواقع يصعب تجاهله، ويتمثل بأن إسرائيل ليست بالدولة الطبيعية النشأة والدور في الإقليم العربي، وإنما هي مشروع استيطاني عنصري، معادٍ للشعب العربي وطموحه للتكامل القومي والتحرر والتقدم على طريق مواكبة العصر.
هذه التطورات في كل الأحوال لم تحل دون تصاعد المقاومة في قطاع غزة التي أفشلت العدوان الإسرائيلي عام 2009، إذ تكرس نهج المقاومة على المستوى العربي ولا سيَّما المقاومة في لبنان وفي غزة، رغم الانتقادات التي توجه لهذا النهج «لتلقيه الدعم من إيران».
وفي الحصيلة، يرى المؤلف أن الزمن خلال العقود الستة الماضية لم يسر لمصلحة إسرائيل بقدر ما سار لمصلحة القوى العربية الملتزمة بالممانعة والمقاومة خياراً استراتيجياً، إذ إنه على الرغم من احتلال إسرائيل معظم أرض فلسطين، فإنها لا تزال تستند إلى دعم رعاتها الأمريكيين والغربيين، ولم تستطع قهر إرادة الشعب العربي الفلسطيني. وبالمقابل، صحيح أن المقاومة العربية أفقدت إسرائيل قوة ردعها، وفرضت عليها توازن الرعب، لكنها لا تزال قاصرة عن تحقيق الطموح الوطني والقومي والإسلامي بتصفية الكيان الصهيوني وتحرير الأرض المحتلة.
بدعمكم نستمر
إدعم مركز دراسات الوحدة العربية
ينتظر المركز من أصدقائه وقرائه ومحبِّيه في هذه المرحلة الوقوف إلى جانبه من خلال طلب منشوراته وتسديد ثمنها بالعملة الصعبة نقداً، أو حتى تقديم بعض التبرعات النقدية لتعزيز قدرته على الصمود والاستمرار في مسيرته العلمية والبحثية المستقلة والموضوعية والملتزمة بقضايا الأرض والإنسان في مختلف أرجاء الوطن العربي.