مقدمة:

“فيا نساء أرض الحرمين الطاهرات العفيفات الملتزمات بدينهن إذا عجز الرجال عن الدفاع عنكن، والمحافظة عليكن؛ فتعالين إلى أسُود الله المجاهدين في جزيرة العرب ليكرموكنّ، ويذودوا عنكنّ، فلن وربي يصل إليكن أحد إلا وقد قُتل من دونكن الرجال من المجاهدين ولا نزكيهم على الله، فو الله إنا وجدنا في إخواننا المجاهدين في اليمن من أبناء القبائل الأبية في باكازم، وآل فطحان، وعبيدة، ودهم، والعوالق، ووائلة، وبالحارث وغيرهم، ممن يذودون عن المهاجرات كما يذودون عن أنفسهم وأعراضهم؛ خير أنصار لله ورسوله وللمؤمنين ولا نزكيهم على الله”[3].

في دعوةٍ صريحة قامت بها “وفاء الشهري” التي اختارت لنفسها لقب “أم هاجر الأزدية” دعت فيها نساء الحرمين إلى الالتحاق بصفوف المجاهدين وتتغزل ببطولاتهم معتبرة أن الرجال في بلاد الحرمين وسائر البلدان هم أنصاف رجال وغير قادرين على حماية النساء هناك، وأن المجاهد هو الرجل “السوبر مان” الذي تحلم به كل الفتيات.

لقد اعتمد تنظيم داعش، ومن قبله تنظيم القاعدة، في تجنيد النساء على العنصر النسائي في خطوةٍ ذكية جداً ومحسوبة للتنظيمات المتطرفة، لأن النساء يفهمن احتياجات النساء وقادرات على لمس مشاعرهن والتأثير فيهن.

وكان الأسلوب المتبع هو كل وسيلة متاحة لتجنيد النساء، فعلى سبيل المثال خصص تنظيم القاعدة في مجلته صدى الملاحم، صفحة خاصة بالمجاهدات يكتبن فيها لتحريض نساء المسلمين على الالتحاق بالتنظيم. وفي كل عدد صدر من هذه المجلة كان هناك قلم نسائي يدعو إلى الجهاد الفردي أو الهجرة إلى أمكنة وجود المجاهدين. ولعل من أغرب هذه المقالات واحدة معنونة “المرأة المجندة” تهاجم فيها الكاتبتان “أم الحسن” و”أم عبد الرحمن” المرأة المجندة في جميع البلدان، وعلى الأخص الدول العربية وتحذران من التجنيد، وتجدان أن من واجبهما التحذير من هذه الأمور المنحرفة والتي تؤدي إلى خراب بلاد المسلمين على حد قوليهما.

لتسردن علينا مقولات تحذر من الانخراط في التجنيد:

“إن هذا الأمر ليس بجديد علينا فكلنا يعرف أنه وفي هذا الزمان انتشر الفساد حتى خرجت تلك المرأة من خدرها وسترها الذي أمرها الله به، وغيرت بذلك الفطرة وأطاعت هواها ودخلت نظام الجند متشبهة بفاجرات اليهود والإفرنج لا مبالية بالدين ولا بالعادات والتقاليد التي تمنعها من ذلك خصوصاً في هذه البلاد التي كانت – ولعهد قريب – تفخر المرأة بحجابها وحيائها مصونة كالجوهرة في بيتها.

قال الله تعالى: ]وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ ۖ[ الأحزاب (33) وما هذا الأمر إلاّ ما يسعى إليه الأعداء من هدم لما تبقى من قيم صالحة داخل نفوس المسلمين ونشر الفساد عبر وسائلهم الإعلامية المسموعة منها والمرئية، فتفسخت الأخلاق وتلاشت المبادئ والقيم، ووضعوا أمام عينيها الحرية الزائفة وسموها بالديمقراطية وجعلوا تمسكها بدينها رجعية وتخلف وتطرف وإرهاب، وغرر أشباه الرجال بتلك المرأة بالخروج من حيائها فتركت حجابها وارتدت ملابس الجنديات مخالفة أمر ربها القائل: ]يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّـهُ غَفُورًا رَّحِيمًا[ الأحزاب (59)[4].

لتنتقل الكاتبتان في المرحلة الأخيرة إلى الغاية المنشودة وهي جعل النساء جنديات في سبيل الرحمن والمجاهدين وليس في سبيل الطاغوت بقولهن:

” أنصحكِ أيتها المجندة بالتوبة إلى الله تعالى، وترك هذا الأمر الشنيع، وتذكري قول المولى جل في علا]وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّـهَ يَجِدِ اللَّـهَ غَفُورًا رَّحِيمًا[، ﴿ النساء: 110﴾ ، وكوني جندية في سبيل الرحمن، ولا تكوني جندية في سبيل الطاغوت والشيطان فتخسري دينك ودنياك”[5].

هذا التناقض الذي يظهر في بضعة سطور، يوضح الاستراتيجية التي اعتمدها كلا التنظيمين (القاعدة وداعش) في جذب النساء وتجنيدهن في صفوفها. فالمرأة محرمٌ عليها أن تصبح جنديةً في ظل الحكومات العربية “الكافرة”، وهي خارجة عن دينها وربها إن قامت بذلك؛ أما إن كانت ممن يودون الانضمام إلى هذه التنظيمات فإن ذلك لا بأس به بل ويعد جهاداً في سبيل الله!

سنشرع بحثنا بالغوص في العمق التاريخي لدور المرأة في الجهاد:

أولاً: العمق التاريخي لدور المرأة في القتال

لن نرجع في عمق التاريخ لنبحث عن دور المرأة في الحروب بل سنحاول فهم واقع المنطقة في الشرق الأوسط. ففي الجاهلية كان للمرأة دور بارز في الحروب وإن لم يكن يسمى جهاداً في تلك الحقبة التاريخية، وذلك بإثارة روح الحماسة في صفوف الرجال، وتشجيعهم على بذل النفس والنفيس ولتحقيق النصر لقبائلهم؛ فعندما استحكم الصراع بين الغساسنة والمناذرة قامت حليمة بنت الحارث الغساني تتفقد جنود أبيها بنفسها، وتدهن أيديهم بالطيب والعطر، وهي تبث فيهم روح الحماسة والإصرار.

ويتكرر هذا الدور فى مشهد آخر عند محاربة قريش للمسلمين في يوم أُحد، حيث خرجت نسوة قريش تقودهن هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان يتجولن في الصفوف، ويضربن بالدفوف، يستنهضن الرجال، ويحرّضنهم على القتال ويثرن حفائظ أهل الضرب والطعان وينشدن قائلات :

“نحن بنات طارق        نمشي على النمارق

والدرّ في المخانق       والمسك في المناطق

إن تُقبلوا نعانق          ونفرش النمارق

 أو تُدبروا نفارق         فراق غير وامق”[6]

وكانت النساء تصاحب الرجال إلى ساحة القتال لمداوة الجرحى، وحمل الماء إلى العطشى، ولم يقتصر دورهن عند هذا الحد فحسب، بل بارزن بالسيف، وامتطين صهوة الجياد، ورفعن لواء الحرب، وكانت لبعضهن صولات وجولات لا تقلّ عن فرسان قبائلهن.

ومثلما كانت المرأة قادرة على أن تشعل نار الحرب والقتال بين القبائل، فإنها كانت قادرة أيضاً على وقف القتال والدعوة إلى السلام، وحقن الدماء، وإنهاء الخلاف. وقد رأينا سبيعة بنت عبد شمس في يوم عكاظ بين كنانة وقيس، وكانت الدائرة فيه على قيس، فلما رأت قومها قد أسرف في القتل، جعلت من خبائها حرماً آمناً لكل من استجار به من قيس، وأمضى ذلك حرب بن أمية فأجار من استجار بها، وقال لها “يا عمّة من تمسك بأطناب خبائك أو دار حوله فهو آمن فنادت بذلك، فاستدارت قيس بخبائها حتى كثروا، فلم يبقَ أحد لا نجاة له إلا دار بخبائها فسمّي هذا الموضع مدار قيس[7].

أما عن دور المرأة في الحروب الإسلامية فقد قسم الفقهاء المسلمون جهاد المرأة إلى حالتين:

 الحالة الأولى: وهي الجهاد غير الواجب على المرأة، حيث قال ابن قدامة رحمه الله: “ويشترط لوجوب الجهاد سبعة شروط: الإسلام، والبلوغ، والعقل، والحرية، والذكورية، والسلامة من الضرر، ووجود النفقة. فأما الإسلام والبلوغ والعقل، فهي شروط لوجوب سائر الفروع، ولأن الكافر غير مأمون في الجهاد، والمجنون لا يتأتى منه الجهاد والصبي ضعيف البنية، وقد روى ابن عمر، قال: “عُرضت على رسول الله r يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة، فلم يجزني في المقاتلة”[8].

وأما الذكورية فتشترط؛ لما روت عائشة، قالت: يا رسول الله، هل على النساء جهاد؟ فقال: جهاد لا قتال فيه؛ الحج، والعمرة”. ولأنها ليست من أهل القتال؛ لضعفها..)[9].

وهل تخرج المرأة لمساعدة المجاهدين ومداواة الجرحى؟

قال السرخسي: لا يعجبنا أن يقاتل النساء مع الرجال في الحرب؛ لأنه ليس للمرأة بنية صالحة للقتال، كما أشار إليه رسول الله في قوله: “هاه، ما كانت هذه تقاتل”. وربما يكون في قتالها كشف عورة المسلمين، فيفرح به المشركون وربما يكون ذلك سبباً لجرأة المشركين على المسلمين، ويستدلون به على ضعف المسلمين فيقولون: احتاجوا إلى الاستعانة بالنساء على قتالنا، فليتحرّز عن هذا، ولهذا المعنى لا يستحب لهم مباشرة القتال، إلا أن يضطر المسلمون إلى ذلك، فإنّ دفع فتنة المشركين عند تحقق الضرورة بما يقدر عليه المسلمون جائز بل واجب. واستدل عليه بقصة حنين.

وفي أواخر تلك القصة: “قالت أم سليم بنت ملحان، وكانت يومئذ تقاتل شادّة على بطنها بثوب: يا رسول الله أرأيت هؤلاء الذين فرّوا منك وخذلوك، فلا تعفُ عنهم إن أمكنك الله منهم، فقال: يا أم سليم عافية الله أوسع، فأعادت ذلك ثلاث مرات، وفي كل ذلك يقول رسول الله: عافية الله أوسع”. وفي المغازي أنها قالت: ألا نقاتل يا رسول الله هؤلاء الفرارين فنقتلهم كما قاتلنا المشركين؟ فقال: عافية الله أوسع. وأية حاجة إلى قتال النساء أشد من هذه الحاجة حين فروا عن رسول الله وأسلموه، وفي هذا بيان أنه لا بأس بقتالهن عند الضرورة؛ لأن الرسول لم يمنعها في تلك الحالة، ولم يُنقل أنه أذن للنساء في القتال في غير تلك الحالة.

قال: ولا بأس بأن يحضر منهن الحرب العجوز الكبيرة فتداوي الجرحى، وتسقي الماء، وتطبخ للغزاة إذا احتاجوا إلى ذلك، لحديث عبد الله بن قرط الأزدي قال: كانت نساء خالد بن الوليد ونساء أصحابه مشمرات، يحملن الماء للمجاهدين يرتجزن، وهو يقاتل الروم. والمراد العجائز، فالشواب يمنعن عن الخروج لخوف الفتنة، والحاجة ترتفع بخروج العجائز. وذكر عن أم مطاع، وكانت شهدت خيبر مع النبي قالت: رأيت أسلم (وهي قبيلة من قبائل العرب) حيث شكوا إلى رسول الله ما يلقون من شدة الحال فندبهم إلى الجهاد فنهضوا. ولقد رأيت أسلم أول من انتهى إلى الحصن فما غابت الشمس من ذلك اليوم حتى فتحه الله علينا.

ففي هذا بيان أنها كانت خرجت مع رسول الله ولم يمنعها من ذلك فعرفنا أنه لا بأس للعجوز أن تخرج لإعانة المجاهدين بما يليق بها من العمل والله الموفق[10].

وقال “البهوتي” في كشاف القناع: (و) يمنع (نساء) للافتتان بهن، مع أنهن لسن من أهل القتال، لاستيلاء الخور (أي الضعف) والجبن عليهن؛ ولأنه لا يؤمَن ظفر العدو بهن، فيستحلون منهن ما حرّم الله تعالى قال بعضهم: (إلا امرأة الأمير لحاجته) لفعله. (و) إلا امرأة (طاعنة في السن لمصلحة فقط كسقي الماء ومعالجة الجرحى) لقول الربيع بنت معوذ: “كنا نغزو مع النبي نسقي الماء ونخدمهم، ونرد الجرحى، والقتلى إلى المدينة” رواه البخاري وعن أنس في معناه رواه مسلم؛ ولأن الرجال يشتغلون بالحرب عن ذلك، فيكون معونة للمسلمين وتوفيراً في المقاتلة[11].

وهذا كله ما لم يتعيَّن الجهاد بأن دهم العدو بلد المسلمين، فإنه يجب الجهاد على كل قادر رجلاً كان أم امرأة، فتخرج المرأة بغير إذن زوجها، قال الكاساني الحنفي: “فأما إذا عمّ النفير بأن هجم العدو على بلد، فهو فرض عين يفترض على كل واحد من آحاد المسلمين ممن هو قادر عليه؛ لقوله سبحانه وتعالى (انفروا خفافاً وثقالاً) قيل: نزلت في النفير. وقوله سبحانه وتعالى [مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الْأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُوا عَن رَّسُولِ اللَّـهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِۚ][12]. (التوبة 120)

وجاء نحو هذا في الشرح الصغير من كتب المالكية: “أن الجهاد إذا تعيّن بأن هجم العدو على بلاد المسلمين فإنه يجب على كلّ قادر عليه من الرجال والنساء”[13].

في يوم أحد كانت السيدة عائشة بنت أبي بكر، وأم سليم زوجتي النبي وأم سليط وحمنة بنت حجش، كنّ يسقين العطشى ويداوين الجرحى يوم أحد.

جاء في الحديث عن أنس بن مالك قال: “كان رسول الله يغزو بأم سليم ونسوة من الأنصار، ليسقين الماء ويداوين الجرحى”.

 وقال ابن مسعود: “إن النساء كن يوم أحد خلف المسلمين يجهزن على جرحى المشركين”.

 ولما اختلف الحال، وخان النصر المسلمين جاءت صفية بنت عبد المطلب شاهرة سيفها تضرب به في وجه القوم قائلة انهزمتم عن رسول الله، قاصدة بث روح الجهاد فيهم، ومقوّية عزائمهم.

ولم تكن أم أيمن بأقل منها شأناً في هذا المجال، حيث كانت تنثر التراب على بعض المنهزمين وتقول: هاك المغزل فاغزل به.

وكانت المرأة ممن ثبت عند انهزام الرجال يوم أحد، حيث دافعت عن الرسول في وسط الشدة والبأس، كأشجع الرجال، وأثبت الفرسان، ومن هؤلاء أم عمارة نسيبة بنت كعب، التي قال فيها رسول الله “ما التفتّ يميناً ولا شمالاً إلا وأنا أراها تقاتل دوني”.

وفي عزوة المريسيع أقرع الرسول بين نسائه ليتعرف إلى من ستخرج معه في هذه المرة كما كان يفعل في كل أسفاره وغزواته، فخرجت قرعة عائشة رضي الله عنها، وخرجت معه في هذه الغزوة. ورغم أن المؤرخين لم يذكروا شيئاً عن النساء اللاتي كن في هذه المعركة، إلا أن ذكرهم لخروج عائشة يمكن أن نستدل به على وجود غيرها من النساء، إذ من غير المرجح أن تكون هي المرأة الوحيدة في الجيش كله.

أما في غزوة الخندق سنة خمسة للهجرة فقد اشتغل رسول الله وكل القادرين من الرجال في حفر الخندق، ومن ثم حصار بني قريظة، ثم حصار الأحزاب للمدينة وكل ذلك استمر نحو شهرين تقريباً.

وفي هذه الحالة و”المشركون” يحاصرون المدينة كان لا بد للمرأة أن تكون مشاركة في هذا الجهاد بشكل فاعل، ومما قامت به النساء في هذه الغزوة:

1 ـ القيام بالأعمال التي كان يقوم بها الرجال المنشغلون مع الرسول بحفر الخندق ومجابهة الأعداء.

2 ـ تزويد الجيش بالمؤن.

3 ـ الدفاع عن مؤخرة جيش المسلمين.

4 ـ مراقبة الأوضاع الداخلية وتفقُّد أحوال المجاهدين.

ومن الأسماء التي برزت في هذه الغزوة ابنة بشر بن سعد، وزوجة جابر بن عبد الله، والتي ساهمت في إعداد طعام الجند في ذلك الوقت، ومنهم صفية بنت عبد المطلب التي قتلت يهودياً كان يطوف بأحد الحصون التي لجأ إليها بعض النساء والصبيان، وألقت برأسه إلى من كانوا معه أسفل حصن ففروا جميعاً ظناً منهم أن الحصن يحرسه الرجال، قتلته خشية أن يدل بني قومه على نساء المسلمين وصبيانهم فيغيرون عليهم، ورجال المسلمين مشغولون بالقتال.

وهكذا كان الحال في غزوة بني قريظة، وغزوة الحديبية، وفتح مكة، وغزوة حنين، كان للمسلمات حضور منقطع النظير يشهد على اجتهادهن في القيام بما يمكن أن يقمن به من أعمال الجهاد مع الجيش المسلم، سواء بالقتال مباشرة، أو بالمساندة، أو بالمشورة وغير ذلك[14].

ثانياً: قتال المرأة في عهد الخلفاء الراشدين والفتوحات الإسلامية

 لما انتهى أبو بكر من حروب ما سميّ “حروب الردة”، بعث إلى المسلمين في كل البلاد أن يقدموا إليه من أجل تجهيز الجيوش “للفتوحات” التي كانت بعد ذلك، وكان أول هذه الجيوش هو جيش الشام، وبالفعل فقد بدأ يتوافد على أبي بكر المسلمون من كل مكان، ومن ضمن من جاؤوا قبيلة حمير من اليمن، فلما رآهم أبو بكر تهلل وقال: “ألم نكن نتحدث ونقول إذا أقبلت حمير تحمل أولادها ومعها نساؤها نصر الله المؤمن وخان الكافر، فأبشروا أيها المسلمون قد جاءكم النصر”.

وليس حمير هي وحدها التي جاءت بأبنائها ونسائها، فإن غالب من قدم على أبي بكر وقتئذ من هذه الوفود كانوا يحملون معهم ذراريهم من النساء والأولاد، حيث جاء عن المواردي قوله إن حروب المسلمين في عهد الفتوحات الإسلامية ما كانت تخلو من النساء والذراري. ويذكر الطبري حجم النساء في غزو العراق، فيذكر أنه حضرت المعركة حوالى سبعمئة امرأة من “النَخَع” وألف امرأة من “بُجيلة”، وهذا إن دل فإنه يدل على حجم مشاركة النساء في هذه الحروب التي امتدت سنين طويلة، ووصلت إلى ما وصلت إليه من أرجاء المعمورة[15].

أما عن دور المرأة في حروب العصر الحديث فيمكنني التحدث عن شابة سورية من الرقة (عاصمة التنظيم السابقة) من قرية حطين المجاورة لقريتنا “البازات”، فتاة لم يتجاوز عمرها 17 عاماً، في شهر تشرين الثاني/نوفمبر /11/1985، استطاعت أن تفجر نفسها بسيارة مفخخة بكمية تزيد على 280 كغ من مادة (TNT) في موقع عسكري مشترك للجيش الإسرائيلي وجيش أنطوان لحد في جنوب لبنان بمنطقة جزين حيث تسبب التفجير بمقتل أكثر من 50 شخصاً وإصابة العديد من الجنود والضباط الإسرائيليين. ليمجدها داعش في ما بعد ساعياً لجذب نساء الرقة بضربه مثالاً للجهاد النسائي من مدينتهم.

ثالثاً: دور المرأة في تنظيم القاعدة

من وجهة نظري الشخصية، إن أحد أهم الفروقات بين تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة داعش، هو عدم تمجيد وتعظيم الأشخاص، وعدم الاعتماد على الشخصية المطلقة بكل شيء الذي كان متداولاً لدى تنظيم القاعدة، فمنذ الانقلاب الداخلي الذي حصل في تنظيم القاعدة والذي قاده مؤسس داعش الحقيقي “أبو مصعب الزرقاوي” سعى تنظيم داعش إلى عدم تقديس الأشخاص والابتعاد عن هذه السياسة الخاطئة التي كانت تتبعها القاعدة.

فبعد مقتل “أبو مصعب الزرقاوي” 2006، إننا نلاحظ جيداً توسع تنظيم دولة العراق بشكلٍ ملحوظ في العراق ومن بعد ذلك في سورية. وساهم داعش إلى حدٍ كبير في التخلص من فكرة “الرجل المخلِص” و”الرجل السوبرمان” الفريد من نوعه، وكل ذلك ساهم بتوسيع دولته المزعومة حتى من الملاحظ أن “أبو بكر البغدادي” لم يكن الرجل الأقوى والأكفأ لإدارة تنظيم الدولة في العراق وحتى بعد تنصيبه نفسه خليفة للمسلمين لم يصنع لنفسه هالة إعلامية واقتصر ظهوره الإعلامي بصورة بسيطة وخجولة.

إذا ما قمنا باستثناء “أبو محمد العدناني” (طه صبحي فلاحة)[16]، والذي أعتقد أن التنظيم خسر الكثير بعد مقتله (لعل قتل البغدادي كان يمكن أن يكون أقل وطأة من قتل العدناني) فسنجد أن داعش لا يعتمد على شخصيات مشهورة يروِّج لها إعلامياً. وسعي الولايات المتحدة لقتل البغدادي من الممكن أن يكون لتحقيق مكسب إعلامي.

أما زعيم تنظيم القاعدة، “أسامة بن لادن” فكان يحب الظهور الإعلامي المكثف ويسعى إلى أن يُظهر نفسه على أنه ذلك الرجل الغني الذي ترك كل أمواله وذهب ليجاهد في سبيل الله حتى خلفه في هذه الاستراتيجية قائد جبهة النصرة “الجولاني”. ومن هنا، وبناء على هذه الاستراتيجية، سعى تنظيم القاعدة إلى تجنيد النساء ودعوتهن إلى الهجرة إلى أرض المجاهدين، من طريق إيجاد شخصيات نسائية تحصل على صدى إعلامي، ومن ثم تقوم هذه الشخصيات النسائية بعملية التجنيد والدعوة إلى الجهاد النسائي المتمثل بالوظائف التقليدية للمرأة في المجتمع العربي وفي المجتمع الإسلامي ككل. ومن أشهر نساء القاعدة كن:

1- أهم نساء القاعدة

  • أم أسامة

مسؤولة تحرير مجلة الخنساء الإلكترونية المتطرفة الملقبة “أم أسامة”، أما المصرية “أم أسامة” فكانت تقوم بأدوار لوجستية من خلال موقع “الخنساء”، الذي أسسه عبد العزيز المقرن قائد تنظيم “القاعدة” في السعودية والذي لقي حتفه في حزيران/يونيو 2004 في مواجهات أمنية، لتجنيد النساء عبر شبكة “الإنترنت “لتنظيم “القاعدة” وتتلقى رسائل زعيم “القاعدة”. وكشفت التحقيقات الأمنية أن “أم أسامة” كلفت بالتجنيد والتخطيط والتواصل عبر شبكة “الإنترنت” لأسباب متعدة، أهمها إجادتها استخدام الكومبيوتر؛ وسد وقت فراغها بالتواصل مع جهات خارجية وداخلية؛ وتلبيتها لبعض ما يطلب منها من نشر “الفكر الضال” في منتديات عدة يكون زوارها العنصر النسائي. كشفت في اعترافاتها أنها كانت تقوم بـ “أدوار لوجستية” للقاعدة من خلال موقعها الإلكتروني. كما تمثل دورها بالإشراف على تدريب “مجاهدات القاعدة”؛ وتحرير القسم النسائي لمنشوراتها في المملكة. وكان تنظيم القاعدة قد أعلن طرد ” أم أسامة ” ووصفها بـ”المنافقة” وذلك بعد تراجعها عن أفكار التنظيم. ولفت موقع الخنساء انتباه عدد من وسائل الإعلام الأجنبية، منها صحيفة اللوموند الفرنسية، وشبكة تلفزيون “إيه بي سي” الأمريكية، ونقلت الأخيرتان عن الموقع بعض شعاراته، مثل “سنقف في أرض المعركة بعباءاتنا وحُجبنا، حاملات بأيدينا السلاح والأطفال.

  • أم الرباب

عملت هيلة القصير مدرِّسة في بريدة، وتزوجت زوجها الأول وهو رجل كبير في السن وهو “الشيخ عبد الكريم الحميد”، وكان موظفاً بشركة أرامكو، وتحول إلى حياة التقشف، ومن ثم أعجبت بنظرية الزهد التي يعيشها؛ ثم تزوجها أحد طلابه محمد بن سليمان الوُكيل، والذي قتل في مواجهة مع قوات الأمن عام 1425هـ بمدينة الرياض في مواجهات بحي التعاون بعد مشاركته في تفجير قرب مقر وزارة الداخلية ومقر قوات الطوارئ الخاصة. كانت هيلة القصير وقتها حبلى في شهرها الخامس وأنجبت منه الطفلة “رباب”، بحسب مقرَّبين. وتمكنت هيلة القصير خلال عامين من جمع تبرعات للتنظيم في اليمن، من خلال الحصول على حلي ومجوهرات ومبالغ مالية تحت غطاء بناء مساجد ودور أيتام هناك. وبيَّن المصدر أن القصير كانت مسؤولة عن قيادة أكثر من 60 عنصراً متورطاً بالعمليات الإرهابية، إضافة إلى أنها كانت تؤوي المطلوبين في منازل آمنة. وحولت القصير مبالغ مالية فاقت المليوني ريال إلى تنظيم القاعدة في اليمن عبر عمليات غسيل أموال. وتم عرضها على لجنة المناصحة حيث عرضت على مشايخ طلبتهم بالاسم ليجدوا منها القبول بالأمر، إضافة إلى عدد من الإخصّائيات النفسانيات. وأكدت المصادر ذاتها أن هيلة القصير كانت تستجلب صغيرات السن من ذوي المطلوبين أمنياً لإدراجهن في التنظيم بشكل أو بآخر، سواء عبر توفير الدعم المادي أو المعلومات عن ذوي المطلوبين وأحوالهم، إضافة إلى محاولاتها استقطاب عدد من زوجات المطلوبين وأخواتهم للحاق بهم في اليمن كما فعلت مع زوجة سعيد الشهري.

  • أم هاجر

وهو اللقب الذي اختارته “وفاء الشهري” عند انضمامها إلى زوجها سعيد الشهري في اليمن، لتكون أول امرأة سعودية تخرج من بلدها بصحبة ابنها يوسف البالغ من العمر 9 سنين، وتندرج مع التنظيم في اليمن عقب طلاقها من زوجها الأول سعود القحطاني، لتتزوج بعد ذلك من عبد الرحمن الغامدي وهو أحد أفراد ما يسمى “تنظيم القاعدة في جزيرة العرب”، وأنجبت منه ابنة تبلغ من العمر 4 سنوات، وقتل في مواجهة مع قوات الأمن في منطقة الهدا في الطائف. عادت وفاء الشهري إلى منزل والدها بالعاصمة وعندما عاد شقيقها يوسف الشهري المدرج على قائمة الـ85 إرهابياً من غوانتانامو، بارك ارتباطها بزميله القادم معه من غوانتانامو سعيد الشهري الرجل الثاني في تنظيم القاعدة حالياً وأنجبت منه. وفي وقت لاحق قتل شقيقها يوسف في مواجهة مع القوات الأمنية في جازان، وكانت وفاء الشهري قد غادرت مسكن والدها بحي النسيم شرق الرياض إلى اليمن يوم العاصفة الترابية التي شهدتها العاصمة وحجبت الرؤية كلياً لتختفي مع أبنائها الثلاثة، ولتظهر فيما بعد في اليمن في حوار بث عبر الإنترنت في أحد المواقع القريبة من “القاعدة في جزيرة العرب” وأطلقت على نفسها “أم هاجر الأزدي”[17].

  • مليكة العرود (الأرملة السوداء)

توصف “أم عبيدة” بـ”الأرملة السوداء” لمقتل زوجين لها، كما تعد من أكثر النساء المغربيات إثارة للجدل في العالم، إذ تصفها الأوساط الأمنية في بلجيكا بكونها أخطر امرأة في أوروبا، حيث برز اسمها حين تزوجت عام 1999 بشاب تونسي ثري يدعى عبد الستار دحمان، الملقب بأبي عبيدة، الذي التحق بصفوف طالبان بأفغانستان، تحت قيادة أسامة بن لادن.

قبل يومين من أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001 الشهيرة، نفذ زوجها أبو عبيدة تفجيراً انتحارياً في طاجكستان، اغتال على إثره أحمد شاه مسعود، الزعيم الأفغاني المعروف بمناهضته لطالبان؛ بعدها، بدأت مليكة تظهر كأرملة “الشهيد أبو عبيدة”، قبل أن تتزوج مرة ثانية من تونسي آخر، عاشت معه لفترة ضمن أنشطة جهادية عبر الإنترنت، قبل أن تعتقل هي عام 2010، ويقتل هو بغارة جوية أمريكية أثناء وجوده في أفغانستان عام 2012[18].

  • عافية صديقي

        عافية صديقي الباكستانية باحثة مختصة بعلم الأعصاب، درست في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا المرموق في الولايات المتحدة قبل زواجها من قريب لخالد شيخ محمد، المتهم بأنه العقل المدبر لهجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) عام 2001 ومن ثم عودتها إلى باكستان. وولدت صديقي في باكستان عام 1972 وتحولت في آخر التسعينيات من القرن الماضي إلى الولايات المتحدة لدراسة علوم الخلايا العصبية. بعد تميزها في دراستها العلمية انخرطت الباحثة الشابة في العمل الإرهابي بدفع من زوجها الذي يعدّ من العقول المدبرة لعملية 11 سبتمبر إلى جانب خالد الشيخ محمد، الذي تحدث مطولاً عنها وعن بعض العمليات الكبرى التي خططت لها في اعترافاته بعد القبض عليه.

تعَدّ صديقي من أبرز الوجوه النسائية في «القاعدة»، ورغم أنها لم تعرف شهرة إعلامية تضاهي شهرة رجال «القاعدة»، فإنها حظيت باهتمام كبير من قبل الاستخبارات ومقاومة الإرهاب الأمريكي منذ 2003.

وألقت القوات الأمريكية القبض على صديقي في أفغانستان في تموز/يوليو 2008 وزعمت أنه عثر بحوزتها على مواد كيميائية وملاحظات مكتوبة تحتوي على بعض معالم نيويورك. وبينما كان المحققون يستجوبونها بشأن هذه المواد، أمسكت صديقي ببندقية كانت بالقرب منها وأطلقت النار على الجنود، لكن محامي صديقي قال إن موكلته «تعاني مرضاً عقلياً»، فحكم عليها بالسجن 86 عاماً لمحاولة قتل عسكريين أمريكيين.

وجاء في بيان أصدره المدعي العام الأمريكي بريت بهارارا: «توصلت لجنة محلفين لم يُعلن أسماء أعضاؤها، وبما لا يدع مجالاً للشك، أن عافية صديقي سعت لقتل أمريكيين كانوا يؤدّون الخدمة العسكرية في أفغانستان، إضافة إلى زملاء أفغان لهم»، حسب تعبيره[19]. وقد سعى داعش لمبادلتها مع الصحافي الأمريكي “جيمس فولي” ولكنه لم ينجح في ذلك.

2- الأدوار التقليدية للمرأة في القاعدة

استناداً إلى ما سبق، وبما أن زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن كان متحفظاً عن ادخال المرأة في التنظيم، فعلى الرغم من رسائله وبياناته وكلماته وتوجيهاته الكثيرة؛ فقد غابت المرأة عن الحضور في خطاباته وتلخص وصيته التي كتبها بتاريخ 14 كانون الأول/ ديسمبر 2001، وذلك بعد نحو 3 أشهر من تفجيرات 11أيلول/سبتمبر، رؤيته التقليدية المحافظة المرتكزة على الشريعة والتمسّك بالهويّة في وجه التغريب، إذ يشدّد على أدوار المرأة التقليدية في المنزل والتربية كصانعة للجهاديين. وقد التزم بن لادن برؤيته هذه إلى مقتله في أيار/مايو 2011، فيوصي بن لادن النساء بقوله: “إياكم والتبرّج وتقليد مومسات الغرب ومسترجلاته، كنّ مدرسة لتخريج الرجال والمجاهدين في سبيل الله، وحافظن على شرفكن، ولتكن لكن في أمهات المؤمنين أسوة حسنة”[20].

لا يختلف منظور أيمن الظواهري للنساء عن رؤية بن لادن. وكان الظواهري قد تولى زعامة القاعدة بعد مقتل بن لادن. إذ يشدد الظواهري على الأدوار التقليدية للمرأة وعدم إدخالها في التنظيم فضلاً عن مشاركتها في القتال. ففي معرض الرد على أحد أسئلة اللقاء المفتوح الذي أجرته مؤسسة السحاب الإعلامية التابعة للقاعدة عام 2008 حول “من هي أعلى النساء رتبةً في القاعدة؟ لا تذكر أسماءً إن شئت ولكن ما هي وظيفتهن في المنظمة؟” أجاب الظواهري بصورة قاطعة “ليس في جماعة “قاعدة الجهاد” نساءٌ، ولكن نساء المجاهدين يقمن بدور بطولي في رعاية بيوتهم وأبنائهم في شدة الهجرة والتنقل والرباط”[21].

كل ذلك جعل أدوار المرأة تقليدية بحتة تتمحور حول:

        أ- دورهن يكون في الإطار الممكن الاستفادة منه، من دون المساس بخصوصياتهن ويقتصر في الدعم غير المباشر، ولا يسمح التنظيم بالاختلاط أو التواصل بين الرجال والنساء إلا في حالات الضرورة القصوى.

        ب- يسمح للمرأة بالاختلاط في حالة واحدة، عبر تزويجها مرة واثنتين وثلاث، من رجال يعرفون بعضهم لإبقائها غطاءً شرعياً لغرض التواصل بينهم.

        ج- الدعم الفكري من خلال الترويج لفكر التنظيم سواء عبر شبكة الإنترنت، أو من خلال المجالس الخاصة، وتكثيف زيارة المواقع الإلكترونية خلال الأشهر الماضية.

        د- انحصر دور المرأة في الجيل الثاني من تنظيم “القاعدة” على الدعاية والاستقطاب وجمع الأموال وإرسالها لأعضاء التنظيم، إضافة إلى أعمالها المنزلية.

        هـ- تسعى المرأة في التنظيم لتجنيد النساء عبر الإنترنت أو التجمعات والمجالس الخاصة، وتنتهج أسلوب الاندماج بين الناس بأحاديث عامة، وتحرص على الابتعاد عن أي نقاشات قد تحرج التنظيم وتظهر ضعفه.

        و- الدعم الإعلامي من إدارة بعض الإصدارات كمجلة الخنساء، والمشاركة في بعض الإصدارات الأخرى كمجلتي صوت الجهاد، وصدى المجاهدين.

        ز- يستخدم التنظيم نساءه للمشاركة في الاعتصامات والتظاهرات لمصلحته ولمصلحة أعضائه الموقوفين مثلما حدث في اعتصامات.

        ح- الإقدام على الهروب من الوطن بأي شكل حتى من غير محرم للالتحاق بأزواجهن وذويهن في مواطن النزاع، أو بأعضاء آخرين تحت غرض تقديم أنفسهن لهم كزوجات فقط[22].

رابعاً: دور المرأة في تنظيم الدولة (داعش)

من الواضح أنّ الزرقاوي (المؤسس الفعلي لتنظيم الدولة الإسلامية، داعش) كان أول من بدأ يفكر بإدخال النساء في العمليات القتالية وخصوصاً الانتحارية منتصف 2005. فقد أصبحت خطاباته الموجهة للرجال تتدرج من استخدام الانتهاكات بحق نساء السنّة من أجل تجنيد الرجال إلى مخاطبة النساء بصورة مباشرة[23]، ففي كلمة مطولة للزرقاوي، تنطوي على أهمية تأسيسيّة، بعنوان “أينقص الدين وأنا حي؟” في تموز/ يوليو 2005 يخاطب الرجال بالقول: “متى نستميت في الدفاع عن أعراض المسلمين والمسلمات؟ أعندما يدخل عُبّاد الصليب إلى أرض الشام؟ أم إلى مكة والمدينة وينتهكوا أعراضنا فعندها تكون الاستماتة في القتال؟! فما بال أخواتنا نساء العراق من ذوات الخدور العفيفات الطاهرات، اللواتي يجأرن إلى الله في قعر زلازلهن من ظلم أعداء الله؟! والله يعلم أن ظفر امرأة من أهل السنّة في العراق عامة وأهل الفلوجة خاصة؛ أحب إليّ من الدنيا وما فيها. فوَالله لو أن “تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين” يفنى عن بكرة أبيه على أن تحرر النساء من سجون الصليبيين والروافض الحاقدين؛ لما ترددنا في ذلك لحظة واحدة”[24].

وفي كلمته الموجهة للمرأة لأول مرة حمّل الزرقاوي النساء مسؤولية مباشرة وطالبهنّ القيام بأدوار لوجستية متعددة، ومهّد لبداية إشراك المرأة في الأعمال القتالية والانتحارية، حيث وجه خطابه إلى المرأة بقوله: “هذه رسالة إلى الحرائر من نساء الرافدين خاصة وإلى نساء الأمة عامة “أين أنتن من هذا الجهاد المبارك؟ وماذا قدمتن لهذه الأمة؟ ألا تتقين الله في أنفسكن؟ أتُربّين أولادكن ليذبحوا على موائد الطواغيت؟ أرضيتن بالخنوع والقعود عن هذا الجهاد؟ ألا ترين أن الرجال قد أذالوا الخيل ووضعوا الساح وقالوا؛ “لا جهاد”؟ فما لكنّ لا تلقين أولادكن في أتون المعركة حتى يصطلوا بنارها ويدافعوا عن هذا الدين؟ لماذا لا تحرضن أزواجكن وأولادكن على جهاد الصليبيين وقتال المرتدّين، وبذل نفوسهم ودمائهم رخيصة في سبيل هذا الدين؟ لقد كانت المرأة من المشركين في يوم أحد – وهن على الباطل – تحمل معها المكاحل والمراود، فكلما ولّى رجل أو تكعكع ناولته إحداهن مروداً ومكحلة، وقلن له؛ “إنما أنت امرأة”، فما بالكن وأنتن على الحق؟! الله الله في أنفسكن أعتقنها من النار، الله الله يا حفيدات أم عمارة، وما أدراكن ما أم عمارة؟ قال عنها النبي يوم أحد: (لمقامها اليوم خر من مقام فلان وفلان). وكانت رضي الله عنها لا ترى الخطر يدنو من رسول الله r حتى تكون سداده وملأ لهوته، حتى قال النبي r: (ما التفتّ يميناً ولا شمالاً إلا وأنا أراها تقاتل دوني(، وشهدت رضي الله عنها اليمامة، فقاتلت حتى قطعت يدها وجرحت اثنا عشر جرحاً.”

إن المرأة المجاهدة هي التي تربي وليدها؛ لا ليعيش، بل ليُقاتل، ثم ليُقتل، ثم ليعيش فيكون حراً… ما أعظمها من همة، وما أسماها من نية. الله الله يا حفيدات صفية وأسماء والخنساء. ألا ترين أن الأمة تُنحر من الوريد إلى الوريد، وتُستباح من شمالها إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها؟ ألم يبلغكن ما تلاقيه أخواتكن في سجون القهر الصليبي؟ وهل استشعرت إحداكن أن لو كانت مكانهن كيف سيكون حالها وأنها تتمنى من أبناء الأمة استنقاذها وفك أسرها؟

ولقد بعث لي كثر من الأخوات المجاهدات في أرض الرافدين، يطلبن القيام بعمليات استشهادية، ويلححن في طلب ذلك، وقد كتبت لي إحداهن رسالة سطرتها بمزيج دمعها ودمها، وذلك بعد استشهاد الأخوة في عملية أبي غريب، التي كانوا يرومون منها استنقاذ الأسيرات من سجون القهر الصليبي، كتبت تلح علي فيها بتنفيذ عملية استشهادية، قائلة: “إن الحياة لا تطيب بعد مقتل هؤلاء”، واستحلفتني بالله طويلاً أن أستجيب لها في طلبها، ومنذ ذلك اليوم وإلى هذه الساعة – وذلك قرابة ثمانية أشهر – وهي تواصل الصوم لا تفطر. ويعلم الله مقدار تأثري بكلماتها وما تمالكت نفسي فبكيت أسفاً على حال هذه الأمة. ألهذا الحد وصلت المهانة بأمتي، هل فني الرجال فاضطررنا لتجنيد النساء؟! أليس من العار على أبناء أمي أن تطلب أخواتنا الطاهرات العفيفات أن يقمن بالعمليات الاستشهادية ورجال أمتي في سباتهم نائمون وفي لهوهم يلعبون؟!”[25].

دشن هذا الخطاب التأسيسي مرحلة جديدة من “إدخال النساء” في هياكل الجهادية العالمية. فقد مثّل موقف الزرقاوي تحوّلاً في أدوار المرأة الجهادية – كما يلاحظ فائق الجنابي – حيث أسس لنموذج “المرأة الاستشهادية” في مقابل “الرجل المتخاذل” عن الالتحاق بساحات القتال في العراق، بعد أن تجنب منظِّرو تنظيم القاعدة هذه القضية “الشائكة” دينياً واجتماعياً لسنوات[26]. وبذلك بدأت مرحلة جديدة وأدوار أكثر فاعلية للمرأة في تنظيم داعش وكان لها أدوار بارزة للغاية.

1- أهم نساء تنظيم الدولة (داعش)

أبرز الشخصيات النسائية أو أشهر المنتميات الى داعش في الوطن العربي وخارجه لأدوارهن البارزة في التنظيم وهنّ:

  • أم سيّاف

وهي زوجة أحد ابرز القياديين في تنظيم داعش والمسؤول عن تمويل وإدارة أموال داعش، والذي قتلته القوات الأمريكية في عملية إنزال داخل سورية، والموجودة حالياً لدى وكالة الاستخبارات الأمريكية، وتشير تقارير وكالة الاستخبارات الأمريكية إلى أن أم سيّاف كانت المسؤولة عن تجنيد المقاتلات لتنظيم داعش، وعن تجارة الجنس بين المقاتلين والداعشيات.

  • التوأمتان البريطانيتان

هما سلمى وزهرة، صوماليتا الأصل، بريطانيتا الجنسية، انضمتا إلى داعش وتزوجتا من رجاله، وأطلقت إحداهما على نفسها اسم “أم جعفر”، كما اعترفتا بأنهما سعيدتان بلقبهما “التوأمتان الإرهابيتان”.

  • أم المقداد

والمعروفة بـ “أميرة نساء” داعش، وهي المسؤولة عن تجنيد الفتيات والسيدات بمحافظة الأنبار العراقية، ويذكر أنها سعودية الجنسية، وتبلغ من العمر 45 عاماً، وتمكنت القوات الأمنية من القبض عليها.

  • أم مهاجر

هي المسؤولة عن كتيبة “الخنساء” في سورية والتي تتكون من 60 امرأة، وتحمل “أم مهاجر” الجنسية التونسية وانتقلت من العراق إلى سورية برفقة زوجها بعد تزويج بناتها لكبار المسؤولين بداعش.

  • ندى معيض القحطاني “أخت جليبيب

ولقبت بـ”ندى القحطاني” هي أول مقاتلة سعودية تنتمي لداعش، وانضمت مع أخيها أحد المقاتلين في داعش، ولقبت نفسها بـ”أخت جليبيب”.

وقالت إن سبب انضمامها إلى التنظيم وترك زوجها وأطفالها هو تخاذل أكثر الرجال، كما أنها أعلنت نيتها في القيام بعملية انتحارية، لتكون بذلك أول انتحارية في تنظيم داعش.

  • أم ليث

تخاطب “أم ليث”، المهاجرة من إنكلترا لسورية، النساء الغربيات، ليحذين حذوها وينضممن إلى داعش، ونصحهن بعدم الاهتمام بما يقوله العالم عنهن، بخصوص “جهاد النكاح”، كما أنها تشجعهن على أن يكن زوجات للشهداء.

  • أم حارثة

“أم حارثة” صديقة “أم ليث” لها صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي وتكتب بالإنكليزية كما أنها عضو بكتيبة “الخنساء”، وتحرص على نشر صور انتصار داعش واستيلائها على سورية، منها صور فصل رؤوس الجنود عن أجسامهم في عيد الفطر.

  • شمس الماليزية

شابة ماليزية متخرجة في كلية الطب لا تتجاوز السادسة والعشرين تركت عائلتها لتسافر نحو سورية وتلتحق بتنظيم داعش بهدف المساعدة في تطبيب مصابي التنظيم. تزوجها شاب مغربي يكنّى “أبو البراء” أحد مقاتلي التنظيم، جاءت شهرتها عن طريق عملها بنشر يومياتها مع زوجها تحت عنوان (مذكرات مهاجرة) والتي تسرد فيها يوميات تسلط من خلالها الضوء على علاقتها بزوجها الداعشي المغربي (أبو البراء) وبعض مظاهر الحياة في التنظيم محاولة استقطاب المزيد من الفتيات للالتحاق بالتنظيم الذي تعمل على التسويق له من خلال يومياتها[27].

2- أهم الأدوار التي قامت بها المرأة منذ عهد الزرقاوي إلى سقوط الموصل والرقة

       أ- العمليات الانتحارية (الاستشهادية)

لقد كان الزرقاوي من أوائل القادة الذين دعوا إلى العمليات الانتحارية والتي دُعي إلى توسعتها على كافة الأصعدة وكافة الأجناس؛ فلا فرق لديه بين المرأة والرجل أبداً، بل على العكس كان يروِّج العمليات الانتحارية التي تنفذها النساء لأنه من الصعب كشفها. وبالفعل فقد كانت أول عمليتين انتحاريتين قامتا بهما كل من موريل ديغوك وساجدة الريشاوي. لقد نفذت هاتان أول عملية انتحارية في نفس اليوم بتاريخ 9 تشرين الثاني/نوفمر 2005 من مكانين مختلفين وفي مكانين متباعدين ومن جنسيات متعددة ومن أصول متباينة. وقد نجحت إحدى العمليّتين وفشلت الأخرى.

  • موريل ديجوك، (Muriel Degauque)، انتحارية بلجيكية (1967 – 2005) تحولت من الكاثوليكية للإسلام في الثلاثينيات من عمرها. ارتدت النقاب بعد زواجها من عصام غوريس، والده بلجيكي وأمه مغربية، معروف للشرطة البلجيكية بلحيته الطويلة بوصفه أصولياً إسلامياً متشدداً. عبرت ديغوك وزوجها الحدود العراقية السورية، ونفذت عملية انتحارية استهدفت القوات الأمريكية في 9 تشرين الأول/ نوفمبر 2005، أسفرت عن مصرعها وإصابة جندي أمريكي.
  • ساجدة الريشاوي، انتحارية عراقية شاركت بتنفيذ التفجيرات الثلاثة التي استهدفت ثلاثة فنادق كبرى بعمان، واسفرت عن مقتل 60 شخصاً. نجت الريشاوي من الموت بعد فشلها بتفجير حزامها الناسف داخل أحد الفنادق المستهدفة، وقتل زوجها الذي فجّر حزاماً ناسفاً كان يرتديه في العملية. تلقت الريشاوي حكماً بالإعدام في شباط/ فبراير 2007، ونفذ الإعدام فجر الأربعاء 4 شباط/فبراير 2015 كرد فعل لقيام تنظيم داعش بقتل الطيار الأردني معاذ الكساسبة حرقاً بالنار. ومنذ ذلك الوقت بدأت مرحلة الاستشهاديات والتي لم تنتهِ أبداً.

 

        ب- الجهاد الفردي (الذئاب المنفردة)

لم يقتصر دور المرأة في داعش على الانضمام إلى الكتيبتين النسائيتين (أم الريان والخنساء) واللتين تم تشكيلهما في الرقة، بل تعدّاه إلى أكثر من ذلك إلى دعوة المرأة أن تشارك بالجهاد الفردي. فإن هي لم تستطع الانضمام إلى صفوفه في مناطق نفوذه فهي مكلفة كواجب شرعي مثلها مثل الرجال بمهاجمة الأعداء في بلدها الذي تعيش به. ولقد شكلت نسبة مشاركة النساء في عمليات الجهاد الفردي ما يقارب 29 بالمئة من مجموع الهجمات (بحسب دراسة ستصدر لاحقاً للكاتب بعنوان: خرافة ذئاب داعش المنفردة) وكانت هؤلاء النساء ضمن حلقات وخلايا أوسع.

ويُذكر أنه في آذار/مارس 2016 طعنت فتاة مغربية في الـ 15 من العمر شرطياً وأصابته بجروح بالغة في محطة (هانوفر) للقطارات في ألمانيا أثناء عملية روتينية للتثبت من الهوية.

وفي 30 تشرين الأول/أكتوبر 2016 قالت شرطة مدينة (ايسن) بولاية (الراين ويستفاليا) غرب ألمانيا أن امرأة يُعتقد أنها متعاطفة مع تنظيم داعش هاجمت اثنين من الشرطة بسكين وكانت تصيح “الله أكبر” أثناء الهجوم وهي تبلغ من العمر 53 عاماً. كما عثرت الشرطة في منزل المرأة على رايات تشير إلى أن المرأة من مناصري داعش.

وفي أوائل أيلول/سبتمبر من نفس العام فككت الشرطة الفرنسية خلية إرهابية مؤلفة من 3 نساء كنّ على تواصل مع داعش في سورية خططن لتفجير سيارة مليئة بقوارير الغاز قرب كاتدرائية نوتردام في باريس. وكانت واحدة من هؤلاء النسوة على الأقل على اتصال مع رجل فرنسي كان يعيش في مناطق نفوذ داعش تلقت النسوة التعليمات منه. وعلى ما يبدو من تفاصيل العملية أن مثل هذه التوصيات وردت في مجلة انسباير العدد 12 لعام 2014.

        ج- جهاد النكاح

        كل الحديث عن “جهاد النكاح” إلى ما هنالك، كان خرافة وهي مجرد دعاية إعلانية بعيدة من الواقع روّجتها وسائل إعلامية معينة. بالفعل كان لأعضاء داعش نهم جنسي شديد حسب الروايات والمشاهدات التي شاهدناها في الرقة لكنهم كانوا يفرغون هذا النهم إما بالتقدم بالزواج من بنات المدينة وفي الأعمّ الأغلب يتم الرفض وإما يتزوجون من المهاجرات اللائي هاجرن إلى هناك وهؤلاء النسوة كانت إذا مات زوجها زُوِّجت إلى رجل آخر (سنتحدث عن ذلك بشكل أوسع في بند لاحق). وأما الطريقة الثالثة كانت من طريق السبايا اللاتي عُوملن بوحشية وقسوة منقطعة النظير. أما زواج النكاح وغيره فهو ضرب خيال وخرافة لأن أعضاء داعش يستندون دوماً إلى أدلة شرعية لتبرير أفعالهم وإن كان فهماً خاطئاً للدليل الشرعي إلا أنه بالنهاية يستند إلى دليل.

        د- أدوار تقليدية للمرأة

أصدر “داعش” بياناً يستعرض فيه بالتفصيل دور النساء في التنظيم الجهادي. البيان المؤلف من 10000 كلمة الذي حمّله الجناح الإعلامي لـ “كتائب الخنساء” ويتألف فقط من النساء عبر المنتديات الجهادية الرائجة، ترجمه وحلله شارلي وينتر، الباحث حول الجهادية في سورية والعراق في مركز الدراسات حول مكافحة الإرهاب (Quilliam Foundation)، وقام بترجمته إلى اللغة الإنكليزية.

تشدّد الوثيقة تحت عنوان “المرأة في الدولة الإسلامية: بيان ودراسة حالة”، على وجوب ملازمة المرأة للمنزل حيث تؤدّي دورها كربة منزل وزوجة وأم، مع توجيه انتقادات حادة للنساء الغربيات ومفاهيم حقوق الإنسان عن المساواة بين الرجل والمرأة. يُعتبَر الدليل عرضاً أكثر دقّة لما هو متوقَّع من النساء في ظل الخلافة التي أعلنها التنظيم، إذ يستهدف مباشرةً المجنّدات من الخليج وليس من الغرب. لقد سبق أن نشر مجنّدون غربيون صوراً يظهرون فيها مع مسدّسات وحزام ناسف، وتبدو في الصور امرأة من جنوب لندن تعيش في سورية، وتتباهى حتى بأنها تريد أن تكون أول امرأة تقطع رأس رهينة غربية.

لكن البروباغندا الأخيرة تكشف بوضوح أن الروايات التي تنشرها الشابات الغربيات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، واللواتي يبالغن في تضخيم أدوارهن بهدف تشجيع الأخريات على الالتحاق بالتنظيم، لا تعكس دائماً بطريقة صحيحة نظرة “داعش” إلى الحياة وما يجب أن تكون عليه.

قال وينتر لصحيفة الإندبندنت (The Independent): “أظن أنه لدى النساء الغربيات دافع لتجنيد نساء غربيات أخريات. أما الهدف من هذه الوثيقة فهو تجنيد النساء من الخليج. الصورة التي تعطيها الوثيقة عن مكانة المرأة المثالية أقرب كثيراً إلى الواقع مما تقوله الفتيات البريطانيات اللواتي يتحدثن مثلاً عن الانضمام إلى الشرطة والتدرّب على المعارك”.

أضاف: “تنطوي الوثيقة على مبالغة، ولا تعكس بدقة مطلقة واقع الحياة [في الدولة الإسلامية]، لكنها تعطينا فكرة مفهومية عما يجب أن تكون عليه الحياة، وهو ما لم يتوافر قبلاً، أقله باللغة الإنكليزية. لا بد من أن أحدهم اتخذ قراراً بعدم تداول بيان من هذا القبيل باللغة الإنكليزية لأنه يتضمّن أفكاراً غير مريحة قد لا تلقى استحساناً لدى الفتاة الغربية العادية التي تتطلع إلى الانضمام إلى التنظيم”.

تُشجَّع النساء العربيات، في بيان التجنيد، على القدوم إلى سورية والعراق حيث يمكنهن عيش حياة “مستقرة من دون تنقّل”، مع تحمُّل مسؤولياتهن في المنزل، فهذا “حق لهن معطى من عند الله” تماشياً مع الشريعة و”أسلوب الحياة الذي أمر به الله”.

يجب أن يبدأ تعليم الفتاة بسن السابعة على ألا يستمر إلى ما بعد سن الـ15، بحسب البيان. ويجب أن تركّز المناهج الدراسية – إلى حد كبير – على الدراسات الدينية الإسلامية، واللغة العربية القرآنية، وتعلُّم قواعد الطهو الأساسية والخياطة ومهارات أخرى، بهدف تحضير المرأة لدورها المحوري في قلب الأسرة.

ويشير البيان إلى أنه لا داعي لأن “تتنقّل المرأة هنا وهناك للحصول على شهادات وما إلى هنالك كي تحاول أن تثبت أنها أكثر ذكاء من الرجل”.

ويردف أنه بإمكان النساء، في بعض الحالات، مغادرة المنزل العائلي للعمل طبيبات أو معلمات أو المشاركة في الجهاد “بموجب تكليف” إذا لم يكن هناك عدد كافٍ من الرجال لمواجهة هجوم العدو. لكن أي عمل من هذا القبيل تقوم به المرأة يجب ألا تتعدى مدته الثلاثة أيام في الأسبوع و”يجب أن يكون مناسباً لها ولقدراتها، وألّا يتطلب أموراً تفوق قدرتها على التحمل، أو يصعب عليها إنجازها”.

أضاف وينتر في تحليله: “إذاً يدافع الجهاديون، في نظرتهم المشوّهة إلى حقوق المرأة، عن أهمية المرأة ويعتبرون أنها تؤدّي دوراً محورياً، إنما فقط ضمن الحدود التي تجيزها العقيدة الجهادية. قد تكون المرأة مهمة، لكنها تواجه الكثير من القيود وتُفرَض عليها التقوى وتتعرّض في حال مخالفتها قواعد التقوى لعقوبات الحدود”[28].

(1) الزواج: أكثر ما يثير القلق هو ما يذكره البيان عن السن الشرعي لزواج الفتيات من مقاتلي “داعش”. فقد جاء فيه: “السن الشرعي لزواج الفتاة هو تسع سنين. الفتيات الأكثر طهارة يتزوّجن بسن السادسة عشرة أو السابعة عشرة، فيما لا يزلن يحافظن على شبابهن ونشاطهن”.

وتوضح الوثيقة أنه بعد الزواج، “دور المرأة هو أن تبقى محجوبة عن الأنظار ومحجّبة، وأن تحافظ على المجتمع من وراء حجابها”.

ويزعم البيان أن تشوُّش الخطوط الفاصلة بين أدوار الرجال والنساء يعود أساساً إلى خصي الرجال، في إشارة إلى أن مقاتلي “داعش” هم “رجال حقيقيون”.

وبحسب البيان، تُحظَر عمليات التجميل حظراً مطلقاً، وكذلك الثقوب في الجسم أو “تدلّي أشياء من الأذنَين”، ويُمنَع حلق الشعر في بعض الأماكن. أما متاجر الأزياء وصالونات التجميل فهي من عمل إبليس[29]. كما كان لكتيبة الخنساء دور آخر حيث طلبت من الراغبات بالزواج من مقاتلي التنظيم وضع حجاب أبيض تحت النقاب للتعرف إليهن في المناطق التي كان يسيطر عليها داعش الأمر الذي دفع كثيراً من البنات لارتداء خواتم الخطبة أو الزواج من مدنيين ليتجنبوا كتيبة الخنساء، كما عرضت كتيبة الخنساء مبالغ مادية على أهالي بعض الفتيات في حال تزويج بناتهم لعناصر من التنظيم.

واستطاع مشروع صوت وصورة بالتعاون مع “الرقة تُذبح بصمت”، توثيق 278 حالة زواج إجباري من مقاتلين أجانب، لنساء أغلبهن دون سن الثامنة عشرة، بعد دفع مهر مرتفع لذوي الفتاة، يصل إلى أربعة آلاف دولار، في الوقت الذي يكون المهر الطبيعي ما يقارب 900 دولار[30].

(2) الشرطة النسائية (كتائب داعش النسائية): شكل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) كتيبة الخنساء في شهر شباط/فبراير من عام 2014 بمدينة الرقة (بحسب موقع الرقة تُذبح بصمت) بعد حدوث عدة عمليات اغتيال نفذها عناصر من الجيش الحر لقيادات في التنظيم، بارتدائهم للزي النسائي الذي فرضه التنظيم والمكون من النقاب وما يسمى “الدرع” وهو قطعة قماش سوداء ثخينة تمتد من أعلى الرأس إلى منتصف القدم. واستغل من يسمون مقاتلي الجيش الحر هذا الزي لتهريب السلاح إلى داخل المدينة، وذلك لمنع التنظيم عناصره من التعامل والتحدث مع النساء. وتلعب الخنساء دوراً رئيسياً بمراقبة واعتقال النساء اللواتي يخالفن أوامر التنظيم ومعاقبتهن، وترتدي عناصر الخنساء الرداء الشرعي الذي فرضه التنظيم ويتم تميزهن بحملهن للسلاح والكلبشات والقبضات اللاسلكية، وأغلبهن مهاجرات متزوجات من مقاتلي التنظيم غير السوريين، لا يتحدثن العربية، إلا أن بعد انضمام بعض النساء السوريات للخنساء، أتاح وضع فتاتين على الأقل في كل مجموعة يتحدثن العربية، حيث تستطيع أي امرأة الانضمام إلى كتيبة الخنساء بعد خضوعها لمعسكر تدريبي، يشمل دروساً دينية وتدريبات لياقة بدنية ومهارات قتالية والتمرن على استخدام السلاح، ويتفاوت عددهن بين 800 إلى 1000 مقاتلة، وذلك لصعوبة الحصول على إحصائية دقيقة بسبب تزايد أعداد المنتسبات أسبوعياً في ذلك الوقت.

تحمل كتيبة الخنساء سمعة سيئة بين صفوف المدنيين، وتمثل كابوساً للنساء في مدينة الرقة، نتيجة الممارسات التي يقمن بها لاستفزاز أشخاص لأسباب شخصية، وأغلب النساء المنضمات حديثاً هن ذوات سمعة سيئة، منهم من كان يعمل بالدعارة قبل سيطرة التنظيم على المدينة، وقد انضممن للحصول على الرواتب المرتفعة أو بعد اعتقالهن من جانب التنظيم ومبايعتهن له لتجنب تطبيق حد الرجم[31].

على غرار كتيبة الخنساء في سورية أنشات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التابعة لتنظيم داعش بالعراق كتيبة سميت “كتيبة العضاضات” وهي بمنزلة الشرطة النسائية لتنظيم داعش. وتعمل الكتيبة على رصد المخالفات التي تقوم بها النساء ويقمن بِعضِّهنَّ بوحشية وقد شوهدت هذه الدوريات تسير في شوارع قضاء الحويجة في العراق، وأن هذا الإجراء العقابي الذي دأبت نسوة داعش على تطبيقه في أكثر من منطقة يسيطر عليها التنظيم المتطرف، أثار الهلع والخوف بين نساء الحويجة.

(3) التجنيد: ألّف داعش مجموعات من النساء لتجنيد النساء من مختلف أنحاء العالم، وبناء عليه تم تأليف مجموعة “أم عمارة” بقيادة البريطانية “أقصى محمد” وجميع أفرادها من المقاتلات الأجنبيات اللواتي يستخدمهن التنظيم لاستجرار المقاتلين والفتيات من أوروبا إلى مدينة الرقة، من طريق التواصل معهم وإقناعهم بالقدوم والانخراط في صفوف التنظيم، حيث انضمت كل من شميمه بيغوم (15عاماً) وخديجة سلطان (16عاماً) وفتاة ثالثة تبلغ 15 عاماً، اللاتي يحملن الجنسية البريطانية، بعد التواصل معهن بالإنترنت، ودخلن معسكراً تدريبياً ضمن مقر يتبع لكتيبة الخنساء.

(4) القتال المباشر: على خلفية خسائره في سورية والعراق، ألزم تنظيم “داعش” الإرهابي النساء المؤيدات له بالانضمام إلى القتال. ونقلت الإندبندنت البريطانية (The Independent)، عن وسائل إعلام تابعة للتنظيم قولها في وقت سابق على تحرير الرقة من التنظيم قولها: “في سياق الحرب على داعش، أصبح يتعين على النساء المسلمات تحقيق ما يتوجب عليهن في جميع الجبهات عن طريق دعم المجاهدين في قتالهم”.

وطلبت وسائل دعاية “داعش” من النساء “الاستعداد لحماية دينهن عبر التضحية بأنفسهن من أجل الله”، وأشارت إلى سوابق في التاريخ الإسلامي قد تثبت هذا النداء، حسبما ذكرت الصحيفة.

ونقلت إندبندنت عن شارلي وينتر، كبير الباحثين في المركز الدولي لدراسة التطرف والعنف السياسي قوله إن “داعش” يعترف فعلاً عبر نشر هذه الدعوة بأن “جهاده” تحول من الهجوم إلى الدفاع، محذراً من أن ذلك قد يُلحق تداعيات بالصراع الدائر في سورية والعراق، وكذلك بالأوضاع الأمنية في العالم.

وذكرت الصحيفة أن “داعش” لم يتوجه سابقاً إلى النساء برمَّتهن بدعوة الانضمام إلى القتال، وكان يكتفي حتى الآونة الأخيرة بمناشدتهن التزوج من “جنوده” وتربية الأطفال[32].

وبالفعل مع تحرير العاصمة الافتراضية لداعش (الرقة) ضمن اتفاق نص على خروج المسلحين من الرقة باتجاه دير الزور، خرج مسلحو داعش مع عائلاتهم ومجموعاته النسائية إلى دير الزور؛ ليبدأ معركته الأخيرة في سورية في دير الزور حيث سيجبر التنظيم كل صغير وكبير، رجالاً ونساءً على حمل السلاح والمشاركة في القتال المباشر؛ وبذلك يدخل الصراع مع داعش منحنى مختلفاً فمن سيبقى من النساء بعد هذه المعركة سوف يحاولن العودة إلى ديارهن.

بعد التشخيص الدقيق للجهادية النسائية الذي طرحناه في بحثنا نستطيع القول: إن الإنسان رجلاً كان أم امرأة ليس شريراً بالفطرة، وأن الأفكار المتطرفة والراديكالية هي أفكار مكتسبة يمكن معالجتها بكل تأكيد. ومن هنا يظهر دور الدول والمؤسسات المعنية لمعالجة هؤلاء النساء اللاتي انضممن إلى داعش أو اللائي تأثرنّ بفكره الشاذ، معالجة نفسية والسعي لفهم مشاكلهنّ العالقة. كل ذلك لا يمنع من وضع خطط أمنية لمراقبة هؤلاء النساء لأنهن بالتأكيد يمثلنّ خطراً يجب الحذر منه.

للمزيد من المواضيع ذات الصلة: اقرؤوا  الذئاب المنفردة «الملاذ الأخير لداعش»