مقدمة:

تحمل أزمة فيروس كورونا (COVID-19) التي اجتاحت العالم كله تقريبًا عواقب وخيمة على سكان البلدان واقتصاداتها. وقد نشر صندوق النقد الدولي مؤخرًا مؤشر عدم اليقين العالمي لـ 143 دولة منذ عام 1996 فصاعدًا، وحيث إن الفيروس التاجي مرتبط بأعلى مستوى من عدم اليقين في السياق الاقتصادي منذ أن بدأ المؤشر في تسجيل البيانات. إن جائحة فيروس كورونا ليست مجرد أزمة طبية، بل هو أزمة اجتماعية واقتصادية أيضًا. وإذا أردنا أن تكون استجابتنا فعّالة، يجب أن تأخذ في الاعتبار جميع هذه العوامل، وأن يتم تسليمها بطريقة منسقة وعالمية. على وجه الخصوص، يجب أن تلبي احتياجات الأكثر ضعفًا. هذا هو الوقت المناسب للتضامن العالمي، وبخاصة مع أكثر الناس ضعفًا في المجتمعات، ومع العالم الناشئ والنامي. يجب علينا أيضًا أن نقدم دعمنا الكامل للعاملين الصحيين الذين هم في الخطوط الأمامية للاستجابة الطبية. وقد تباطأت العديد من البلدان النامية في الربع الأخير من العام الماضي مع دخول العديد من الركود. ومع ذلك، فإن السرعة التي ضربت بها الصدمة الاقتصادية للاقتصادات المتقدمة البلدان النامية – في كثير من الحالات قبل انتشار الوباء الصحي – هائلة، حتى بالمقارنة مع الأزمة المالية العالمية لعام 2008.

وفي الاقتصاد الأردني يبدو الوضع أفضل كثيرًا في ظل الإجراءات المتسارعة والحثيثة التي اتبعتها المملكة لمواجهة هذا الفيروس القاتل، لذا نحاول في هذا البحث الإجابة عن السؤال الرئيسي التالي: إلى أي مدى يمكن أن يؤثر فيروس كورونا في الناتج المحلي والنفقات العامة في الاقتصاد الأردني؟

الدراسات السابقة: ازدادت حالة عدم اليقين بشأن الاقتصاد العالمي إلى ذروته، كما يوضحه الشكل الرقم (1).

الشكل الرقم (1)

مؤشر عدم اليقين العالمي

المصدر: UNIDO elaboration on EIUIMFOECD and UNDESA

وبحسب منظمة العمل الدولي، يبدو ارتفاع معدل البطالة الذي توقعته منظمة العمل الدولية في السابق بما يصل إلى 25 مليونًا في عام 2020، مع خسائر في دخل العمالة في حدود 860 مليار دولار أمريكي إلى 3.4 تريليون دولار أمريكي. وفقًا لمنظمة العمل الدولية، قد تقلل هذه الأرقام من الحجم الحقيقي لتأثير كورونا. يشير أحدث ملخص لمنظمة العمل الدولية إلى أن تدابير الاحتواء الحالية تؤثر في ما يقرب من 2.7 مليار عامل، يمثلون نحو 81 بالمئة من القوى العاملة في العالم[1].

الدراسة الأولى (United Nations Industrial Development Organizatio UNIDO (2020))[2]، تلخص هذه المذكرة المساهمات الرئيسية في الأسابيع الأخيرة حول التأثير المتوقع لكورونا في المتغيرات الكلية الرئيسية مثل معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي والعمالة ورأس المال وأهداف التنمية المستدامة؛ تأثيره في الإنتاج الصناعي وتجارة السلع؛ وردود البلدان المحتملة على السياسات الصناعية للتصدي لآثار الوباء.

الدراسة الثانية (سينغ، 2020)[3]، عندما اكتُشفت الحالة الأولى في الأردن لدى فردٍ سافرَ إلى إيطاليا في 2 آذار/مارس، كانت الاستجابة سريعة. فسُمِعَت في شهر آذار/مارس صفّارات إنذار الغارة الجوّيّة، التي دعت إلى حظرٍ كاملٍ للتجوّل وإلى التباعد الاجتماعي، وهي أمورٌ لم تشهد مثلها الأمّة منذ أيلول/سبتمبر 1971. وتضمّنت أيضًا آلية الاستجابة المبكرة في هذا البلد شبه الريعي والمتعطّش إلى الموارد حجر 5,000 زائرٍ آتٍ من الخارج في 30 فندقًا من فئة خمس نجوم على نفقة الحكومة، وتقع هذه الفنادق بمعظمها قرب البحر الميّت. ويبدو أنّ هذه التدابير الأوّليّة – وهي من التدابير الأكثر تشددًا في المنطقة بأكملها – حقّقت الأثر المنشود. فبقي عدد المصابين بكورونا في الأردن منخفضًا منذ التبليغ عن الإصابة الأولى. لكن أحدث انتشار فيروس كورونا أثرًا إلى درجة أنّ التدابير الشاملة في الأردن وضَعته في مأزقٍ هو: استمرار الحماية الداخلية والخارجية للشعب في ما تصيغ الأعداد الكبيرة من السكّان اللاجئين والتحديات الاقتصادية في البلد استجابة الأردن المستمرّة. فسيواجه الأردن على الأرجح، كبلدٍ شبه ريعي ومتعطّش إلى الموارد، تحدّياتٍ عميقة في المستقبل، حتّى لو بقيت نسبة الإصابات منخفضة.

الدراسة الثالثة: (United Nations Conference on Trade and Development, (2020))[4]، وقد أدت قعقعة الأسواق المالية، إلى جانب تشديد شروط السيولة في العديد من البلدان، إلى تدفقات غير مسبوقة من رأس المال من البلدان النامية. يوضح الأونكتاد صافي التدفقات الخارجة للديون والأسهم من الاقتصادات الناشئة الرئيسية، والتي بلغت 59 مليار دولار أمريكي في الشهر منذ أن أصبحت أزمة كورونا عالمية (21 شباط/فبراير إلى 24 آذار/مارس).

أولًا: تأثير فيروس كورونا في الناتج المحلي الإجمالي في الأردن

في عام 2019، اتبع الأردن إصلاحات هيكلية مهمة، وأدخلت لوائح جديدة لتنظيم جوانب المعاملات المالية، مثل الإعسار والمدفوعات الرقمية والمشتريات العامة، وبذلك أصبحت لديها واحدة من أفضل 20 شركة في تقرير ممارسة أنشطة الأعمال لعام 2020 الصادر عن البنك الدولي، والذي يأخذ في الاعتبار التقدم الذي يحرزه البلد في تسهيل عمل الشركات الصغيرة والمتوسطة. ومع ذلك، لا يزال الأردن يواجه تحديات إقليمية خارجية، حيث تسببت الأزمات في سورية والعراق المجاورتين في تدفق اللاجئين، وزيادة تكاليف الصحة والتعليم، وتعطيل طرق التجارة. وسيستمر عدم اليقين الإقليمي وانخفاض المساعدة الخارجية في الضغط على الأردن على المديين القصير والمتوسط. بلغ النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي 1.9 بالمئة عام 2018، وهو أقل بشكل طفيف عن عام 2017، وبلغ 1.8 بالمئة خلال الربع الثاني من عام 2019، مقارنة بـ 2.1 بالمئة للفترة نفسها من العام الماضي. ينعكس النمو الاقتصادي الضعيف المطول في مؤشرات البطالة المرتفعة وانخفاض معدل المشاركة في القوى العاملة. ارتفع معدل البطالة في الربع الثاني من عام 2019، ليصل إلى 19.2 بالمئة، مقارنة بـ 18.7 بالمئة في الربع نفسه من عام 2018[5].

وقد نما الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 2.0 بالمئة في الربع الأول من 2019، وهو أعلى قليلًا من 1.8 بالمئة في الربع الرابع من 2018. كان قطاع الخدمات المحرك الرئيسي لجانب العرض، حيث ساهم بنسبة 1.4 بالمئة في نمو الناتج المحلي الإجمالي، بينما ساهمت الصناعة بنسبة 0.3 بالمئة والزراعة بنسبة 0.2 بالمئة. أظهرت مؤشرات القطاع الحقيقي للأشهر الستة الأولى أداء مختلط. وانكمش القطاع الصناعي بنسبة 0.6 بالمئة، مدفوعًا بانخفاض بنسبة 1.3 بالمئة في مؤشر التصنيع. ورغم تصاعد الناتج المحلي الإجمالي الأردني إلى 32.52 مليار دولار أمريكي عام 2018، إلا أن الشكل الرقم (2) إلى أن الناتج على هذا الناتج على أساس ربع سنوي قد سجل تراجعا في كانون الثاني/يناير 2020.

الشكل الرقم (2)

تطور الناتج المحلي الإجمالي في الأردن على أساس ربع سنوي

(كانون الثاني/يناير 2017- كانون الثاني/يناير 2020)

في ذات الوقت، سجل معدل النمو الاقتصادي تعافيًا، إذ نما من 1.9 في نهاية 2019 إلى 2.1 في يناير 2020، كما يظهره الشكل الرقم (3).

الشكل الرقم (3)

تطور معدل النمو الاقتصادي في الأردن

بين كانون الثاني/ 2017 وكانون الثاني/يناير 2020

وعندما تتبَّع الأردن حالته الأولى من الفيروس التاجي لشخص سافر إلى إيطاليا في 2 آذار/مارس، كانت الاستجابة سريعة. أطلقت صفارات الإنذار من الغارات الجوية في آذار/مارس، والتي دعت إلى حظر تجوال كامل وإبعاد اجتماعي، لم تشهده البلاد منذ أيلول/سبتمبر 1971. كما تضمنت الاستجابة المبكرة للدولة شبه المستأجرة والمتعطشة للموارد أيضًا عزل 5000 زائر من الخارج في 30 خمسة فنادق النجوم، تقع في الغالب بالقرب من البحر الميت وتدفعها الحكومة. يبدو أن هذه الإجراءات الأولية – بعض من الأكثر صرامة في المنطقة بأكملها – كان لها التأثير المقصود. عدد حالات كورونا في الأردن منذ أول حالة تم الإبلاغ عنها ظلت منخفضة؛ حتى 15 نيسان/أبريل، بلغ العدد الإجمالي للحالات المؤكدة في المملكة 407 إصابة، مع 7 وفيات و250 حالة شفاء – على الرغم من أن هذا العدد يتأثر بالتأكيد بالاختبارات المحدودة حتى الآن. يبدو أن استجابة الأردن كانت مدفوعة بالضرورة؛ تصعيد الحالات كما رأينا في العديد من البلدان الأخرى سيكون مدمرًا، سواء من حيث الحياة البشرية والعواقب على الاقتصاد. ومع ذلك، فإن تأثير الفيروس التاجي أثناء انتشاره يجعل من التدابير الواسعة التي وضعها الأردن في ورطة: استمرار الحماية الداخلية والخارجية لشعبه، حيث إن واقع العدد الكبير من اللاجئين في الأردن والتحديات الاقتصادية يثري استجابته المستمرة. كدولة تعاني نقص الموارد وشبه ريع، من المرجح أن يواجه الأردن تحديات عميقة في وقت لاحق حتى لو تم الحفاظ على معدل الإصابة منخفضًا. إنّ بنية الاقتصاد في الأردن تجعله ضعيفًا بشكلٍ خاص إزاء حظر التجوّل الضروري وتدابير الحجر اللازمة التي يطبّقها البلد. فقطاع الخدمات هو الأبرز في البلد، إذ يشكّل حوالى ثلثيْ إجمالي الناتج المحلّي الأردني. وإلى ذلك، يرتبط البلد كثيرًا بالاقتصاد العالمي، إذ يستورد حوالى 90 بالمئة من سلعه الغذائية ولوازم الطاقة الخاصة به. وقد زادت تدابير الضبط الخاطئة وغير المناسبة تعقيد البنية الاقتصادية في البلد. فعلى سبيل المثال، تستهلك الزراعة في الأردن، التي كانت تشكّل بالكاد 5.6 بالمئة من إجمالي الناتج المحلّي في عام 2018، أكثر من 50 بالمئة من إجمالي المياه العذبة المتوافرة في البلد سنويًّا.

وفي الثامن والعشرين من نيسان/أبريل أعلنت الحكومة الأردنية عدم وجود حالات لفيروس كورونا على أرضها، وبعد خلال الفترة (28 نيسان/أبريل إلى 4 أيار/مايو) لم تسجل الأردن أي إصابة بفيروس كورونا المستجد، بينما سجلت حالة لسائق من جنسية عربية قادم من معبر “حدود جابر” مع سورية، ولم يتم السماح له بالدخول إلى الأردن. وأوضح وزير الصحة الأردني أيضا أنه لم تسجل أي حالة شفاء أو وفاة بكورونا في الأردن، الأحد، وبقاء الحالات التي تتلقى العلاج في المستشفيات دون تغيير (64 حالة). ويبلغ العدد الإجمالي للإصابات المسجلة بوباء “كوفيد-19” في الأردن 461 حالة.

ثانيًا: تأثير فيروس كورونا في النفقات العامة في الأردن

إن السياسات المالية والنقدية التوسعية غير المسبوقة ضرورية لمنع الانكماش الاقتصادي الحالي من أن يصبح كسادًا طويل الأمد، ويجب أن نتأكد من أن الناس لديهم ما يكفي من المال في جيوبهم للوصول إلى نهاية الأسبوع – وفي اليوم التالي. وهذا يعني ضمان بقاء الشركات – مصدر الدخل لملايين العمال – طافية خلال فترة الانكماش الحاد، وبالتالي فهي في وضع يمكنها من إعادة التشغيل بمجرد أن تسمح الظروف بذلك.

ومن حيث الأداء المالي، وفقًا لتقديرات الفترة من كانون الثاني/يناير إلى تموز/يوليو 2019، لا يزال التوحيد يمثل تحديًا بسبب الانزلاق في جانب الإيرادات المحلية والمرونة المحدودة للحد من الإنفاق. بالنسبة إلى هذه الفترة، تشير البيانات إلى أن العجز المالي (باستثناء المنح) يبلغ 2.8 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو أعلى من نفس الفترتين في 2018 و2017 عندما بلغ 2.7 بالمئة و2.3 بالمئة على التوالي. يبلغ العجز في الفترة من كانون الثاني/يناير إلى تموز/يوليو 2019 نحو 70 بالمئة من العجز المستهدف في الميزانية البالغ 4.0 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2019. ويظهر ميزان المدفوعات في الأردن تحسنًا كبيرًا بسبب الشروط التجارية المواتية، والتي ساعدت على تقليص تكلفة الواردات، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى انخفاض أسعار النفط العالمية. يظهر نمو الصادرات انتعاشًا معتدلًا؛ لا تزال عائدات السياحة قوية، لكن تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر لا تزال راكدة، والتي لا تزال مصدر قلق. يعتمد استقرار الاقتصاد الأردني على وصوله إلى الأسواق الدولية وتحقيق الالتزامات المتعددة الأطراف والثنائية لدعمه.

وفي ظل جائحة كورونا تصاعدت قيمة الإنفاق العام في الأردن كما يوضحها الشكل الرقم (4) قرابة 50 بالمئة. بما يعني اتباع الدول سياسة مالية توسعية خاصة للإجراءات الوقائية والطبية لمواجهة هذا الفيروس.

الشكل الرقم (4)

الإنفاق المالي في ظل فيروس كورونا في الأردن

بما يعني أن فيروس كورونا قد أثر إيجابًا في الإنفاق المالي. على النقيض من ذلك انخفضت الإيرادات الحكومية قرابة 50 بالمئة أيضًا بين كانون الثاني/يناير وشباط/فبراير 2020، كما يوضحها الشكل الرقم (5).

الشكل الرقم (5)

تراجع حجم الإيرادات الحكومية في الأردن

التوصيات

يجب زيادة الإنفاق على قطاعي الصحة والتعليم من حيث نسبة الإنفاق عليهما إلى الناتج وكذلك متوسط نصيب الفرد.

– الاستماع واتباع تعليمات الحكومة أمر ضروري في ظل الأزمات ومن أشدها كورونا

– اتباع إجراءات الوقائية وضمان وتوفير الموارد الزمة لمواجهة الأزمات أمر ضروري.

– التعاون فيما بين الدولة والمجتمع المدني في تنفيذ تعلميات منظمة الصحة الدولية ووزارة الصحة.

خاتمة

يمثل فيروس كورونا جائحة عالمية ألمت بجميع دول العالم ومن بينها المملكة الأردنية، التي وقفت موقفًا حازمًا من البداية من طريق اتباع الأردن للإجراءات الاحترازية مما مكّنها خلال شهرين من عدم تسجيل حالات جديدة لفيروس كورونا. ورغم وجود أثراً إيجابًا في الإنفاق المالي، أي أن الإنفاق المالي الحكومي قد زاد لمواجهة الأزمة، إلا أن شدة الأزمة هو ما فرض ذلك عليها. على النقيض من ذلك، انخفضت الإيرادات الحكومية قرابة 50 بالمئة ايضا بين كانون الثاني/يناير وشباط/فبراير 2020. ورغم تصاعد الناتج المحلي الإجمالي الأردني إلى 32.52 مليار دولار أمريكي عام 2018، إلا أن الناتج على أساس ربع سنوي قد سجل تراجعًا في كانون الثاني/يناير 2020.

 

قد يهمكم أيضاً  كورونا والنظام الدولي

#مركز_دراسات_الوحدة_العربية #كورونا #الأردن #كورونا_في_الأردن #تأثير_أزمة_كورورنا_في_الأردن #الاقتصاد_الأردني_في_ظل_كورونا #جائحة_كورونا #كوفيد19#إقتصاد