تحرير: وليد خدوري 

مراجعة: يوسف خليفة اليوسف (*)

الناشر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت

سنة النشر: 2015

عدد الصفحات: 137 ص

ISBN: 978-614-488-010-6

الكتاب الذي نراجعه في هذه الفقرات هو بعنوان: بترول شرق المتوسط: الأبعاد الجيوسياسية؛ تحرير الخبير العربي النفطي د. وليد خدوري والصادر عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية في شهر كانون الأول/ديسمبر عام 2015، ويتكون من عشر أوراق قُدمت في ندوة تم عقدها في أواخر عام 2014.

– 1 –

تقدم ورقة ربيع ياغي المعنونة «الموارد الهيدروكربونية والأبعاد الجيوسياسية» نظرة شاملة لأهم التحديات التي تعترض طريق استغلال الغاز والنفط في منطقة الشام (حوض ليفانت) الذي يقدر بحوالى 122 ترليون قدم مكعب من الغاز وحوالى 1.7 مليار برميل من المكثفات بحسب بيانات عام 2010. وما زالت اتفاقيات الحدود الاقتصادية التي تم توقيع بعضها غير فاعلة؛ إما بسبب تعارض في بنودها كاتفاقية إسرائيل مع قبرص التي تتعارض بعض بنودها مع اتفاقية لبنان وقبرص، وإمّا لأن الاتفاقية ترفضها بعض دول المنطقة كاتفاقية مصر وقبرص التي ترفضها تركيا. وسورية تراجَع إنتاج النفط فيها في المناطق البرية من 400 ألف برميل في اليوم إلى 25 ألف برميل نتيجة للتطورات التي حصلت بعد الثورة، ومصر لديها كمية لا بأس بها من الغاز والنفط ولكن سياساتها الخاطئة جعلت استهلاكها المحلي يزيد على إنتاجها لتصبح مستوردة للنفط منذ عام 2010. وغزة والضفة الغربية لا يمكنهما تطوير ما لديهما من غاز ونفط بسبب الحصار الإسرائيلي. وتركيا لديها شح في الموارد ولكن موقعها استراتيجي كنقطة لعبور الطاقة وهي تسعى إلى اكتشاف الموارد في المتوسط، وإسرائيل بدروها لديها كميات من الغاز تحاول تصديرها إلى المحيط العربي والتغلغل في الأسواق العربية لتحقيق مزيد من التطبيع مع المحيط العربي وفرض سياسة الأمر الواقع. وفي قبرص اكتُشف الغاز عام 2012 في حقل أفروديت وخفضت تقديرات مخزونه إلى حوالى 4.5 ترليون قدم مكعب، وهو يبعد حوالى 34 كم عن حقل لفيتان المقابل له في إسرائيل.

أما لبنان، فيبدو أنه قد دخل لعبة الاكتشافات متأخراً كما أن حدوده الاقتصادية ما زالت تشوبها الضبابية، ولا شك في أن واقعه السياسي هو أحد أهم المعوقات في طريق البحث عن النفط والغاز في المناطق البحرية.

– 2 –

ويرسم إبراهيم زهران في ورقته «الغاز المصري بين التصدير والاستيراد» صورة فيها مزيج من الأمل والإحباط عن واقع الغاز والنفط في مصر؛ ففي الوقت الذي تمتلك فيه أرض الكنانة كميات لا بأس بها من النفط والغاز إلا أنها تعاني سوء إدارة هذه الموارد واعتماداً متزايداً على الشركات الأجنبية التي تحصل على نصيب الأسد من الريع وتستنزف هذه الموارد الناضبة، ذلك في ظل نظام سياسي لا يخضع لمساءلة المجتمع، الأمر الذي جعل هذه الثروة تتعرض لكل اشكال الفساد والتي كان من أبشع صورها تصدير الغاز المصري إلى إسرائيل بأسعار مخفضة ومن غير موافقة ممثلي المجتمع المصري وتجاهـلاً للحاجات الاستهلاكية المحلية وتحقيق مكاسب خاصة لأفراد محليين وفي الخارج على حساب مستقبل الأجيال.

من جانب آخر، يؤكد زهران ضعف الموقف التفاوضي المصري تجاه الدول الأخرى حيث إن قبرص وإسرئيل واليونان قد استولت على حقول الغاز التي تم اكتشافها في البحار العميقة شرق المتوسط، علماً أن هذه الحقول واقعة في الحدود الاقتصادية الخالصة لمصر بحسب الأمم المتحدة.

– 3 –

أما محمد مصطفى، فإنه يكشف في ورقته بعنوان «البترول والغاز الطبيعي في فلسطين: الإمكانات والمعوقات» حجم المعاناة التي يمرّ بها أهلنا في فلسطين، حيث إن الاحتلال الإسرائيلي لم يكتفِ بكل التدمير والتوسع والإبادة والحصار الخارجي، وإنما حرص كذلك على سياسة قطع الأرزاق والحصار الداخلي حيث أعاق أي تطوير لحقلي الغاز في غزة (غزة مارين والحقل الحدودي) اللذين تشير التوقعات إلى إمكان أن يصل إنتاجهما معاً إلى حوالى 1.5 مليار متر مكعب سنوياً لفترة عشرين عاماً، كما أعاق تطوير حقل النفط في منطقة رنتيس بالضفة الغربية، وبذلك يكون الاحتلال قد حرم الفلسطينيين توفير مصادر للطاقة الكهربائية بديلة من التي يتم استيرادها الآن من الاحتلال وبتكلفة عالية تصل إلى 1.5 مليار دولار في السنة.

– 4 –

ويتطرق وليد خدوري في ورقته المعنونة «الغاز الطبيعي في إسرائيل: تطور الاكتشافات ومجالات التصدير» إلى الجهود الإسرائيلية الحثيثة لاكتشاف الغاز حيث كانت الاكتشافات بطيئة نسبياً في البداية بسبب الاعتماد على الشركات المحلية وتخوف الشركات العالمية من التنقيب في إسرائيل خوفاً من المقاطعة العربية، إلا أن عملية السلام طمأنت هذه الشركات ودفعتها إلى العمل في إسرائيل ومصر معاً.

وبالفعل اكتشفت إسرائيل خلال الفترة ما بين 2009 و2013 عدة حقول منها تامار ولفيتان وكذلك كاريش الذي يبعد حوالى 4.5 كم عن المياه اللبنانية، بل إنه – كما يقول الباحث – أقرب إلى الحدود المائية اللبنانية. ويبلغ حجم الاحتياطي المؤكد لإسرائيل من الغاز في مياهها الشمالية حوالى 1000 مليار متر مكعب؛ فحقل تامار الذي يقدر احتياطيه بحوالى 9 ترليونات قدم مكعب بدأ الإنتاج منه في آذار/مارس 2013. أما حقل لفيتان الذي يصل احتياطيه إلى حوالى 20 ترليون متر مكعب، فإن الإنتاج فيه سيبدأ في عام 2018.

ويشير الباحث إلى أن هناك جدلاً في إسرائيل حول الدور المستقبلي للغاز في مواجهة الطلب المتزايد على الطاقة محلياً والمتوقع أن يصل إلى 14 مليار متر مكعب مع نهاية هذا العقد، وما يتطلبه ذلك من تقليل الصادرات وانعكاس ذلك على العلاقة مع الشركات التي تسعى إلى تعظيم أرباحها من خلال عملية التصدير، وما يمكن أن يؤدي إليه ذلك من تراجع النشاط الاستكشافي لهذه الشركات مستقبـلاً، إضافة إلى العوامل الإقليمية التي يمكن أن تؤثر سلباً أو إيجاباً في توسع قطاع الغاز الإسرائيلي في السنوات المقبلة والتي من بينها توافر أسواق التصدير التي قد لا تكون مضمونة في ظل التغيرات الحاصلة في الإقليم العربي.

– 5 –

الورقة التالية هي بعنوان «لبنان: دورة التراخيص الأولى لاستكشاف وإنتاج النفط والغاز في المياه البحرية اللبنانية» لوسام الذهبي، وفيها يبين الكاتب التفاصيل الإدارية والقانونية لعملية التراخيص المتعلقة باستكشاف وإنتاج النفط في لبنان والمعوقات التي اعترضت طريقها حتى اللحظة. وفي المقالة المعنونة «جيوسياسية الغاز في قبرص» لديفيد فريدمان إشارة إلى التوتر الذي برز بين تركيا وقبرص عندما بدأت هذه الأخيرة عملية الاستكشاف، وتبيّن توافر الغاز في مياهها؛ فقد طلبت تركيا من قبرص وقف عملية التنقيب حتى يتم حل الخلاف بين جزأي قبرص، ولكن الغطاء الغربي ساعد على استمرار قبرص في التنقيب وتم الحصول على الغاز في حقل أفروديت الذي تقدر موارده بحوالى 3.6 ترليون متر مكعب بحسب شركة نوبل إنيرجي التي تقوم بالتنقيب وإن كانت ليست الوحيدة في قبرص.

في الوقت نفسه، بدأت شركة تركية في التنقيب – كما يقول الباحث – عن الغاز في مناطق يفترض أنها جزء من مياه قبرص ذلك لأن تركيا لا تعترف بالاتفاقيات التي وقعتها قبرص مع الدول المجاورة للتنقيب، وأن حدود قبرص تتداخل مع حدود تركيا، كما أنها هددت بمقاطعة كل الشركات التي تدخل في مناقصات تطرحها الحكومة القبرصية للتنقيب عن النفط والغاز. ويبدو أن الخروج من هذا المأزق القبرصي هو إما بإيجاد حل تستفيد بموجبه تركيا من غاز قبرص لتلبية الطلب المحلي، إضافة إلى مروره عبرها إلى أوروبا، وإمّا أن تمد قبرص خطاً من طريق اليونان لنقل غازها إلى الأسواق، وإمّا أن تلجأ إلى تسييل الغاز واستخدام الناقلات، وكل هذه الخيارات تبدو صعبة في الوقت الحاضر كما يشير الباحث. كما أن جدوى الإنتاج والنقل ستظل مرتبطة بأسعار النفط التي لا يبدو أنها في طريقها إلى الصعود بصورة جذرية في الفترة القريبة.

– 6 –

وفي ورقة سامر خلف المعنونة «النفط والغاز البحري السوري» يبدو التفاؤل قليـلاً في إمكان حصول اكتشافات للغاز أو النفط في المناطق البحرية لسورية لعدة أسباب، منها الحرب الدائرة في سورية والتي أثرت سلباً في إنتاج النفط والغاز في المنطقة القريبة من حدود العراق، فقد تراجع إنتاج النفط من 630 ألف برميل في اليوم عام 2003 إلى 56 ألف برميل في اليوم عام 2013. أما الغاز الطبيعي فقد تراجع إنتاجه من 283 مليار قدم مكعب في أواخر عام 2010 إلى حوالى 159 ملياراً عام 2013، علماً أن النصيب الأكبر من النفط يتم تصديره إلى أوروبا، بينما يستخدم الغاز الطبيعي للاستهلاك المحلي.

ومن هذه الأسباب كذلك، هو عدم تخطيط الحدود الاقتصادية مع لبنان، حيث إن هناك تداخـلاً في حدود البلدين يصل إلى حوالى 500 كم مربع وهي المنطقة الواعدة مقارنة ببقية المناطق البحرية؛ فغياب هذا التخطيط للحدود طبقاً للقانون الدولي لا يشجع الشركات العالمية على الدخول في مناقصات استكشافية، وقد يكون هذا هو السبب الأهم لإخفاق محاولات الحكومة السورية للبدء في الاستكشاف والتنقيب؛ ذلك طبعاً إضافة إلى تخبط أجهزة الدولة كما يشير الكاتب وتواضع التوقعات حول الاكتشافات المحتملة.

– 7 –

وفي الورقة المعنونة «الخريف العربي سنة 2012» يقرع مروان اسكندر جرس إنذار ويقدِّم صورة قاتمة ولكنها واقعية كذلك عن التحولات الهيكيلة الحاصلة في سوقَي النفط والغاز وانعكاساتها على البلدان العربية النفطية وطرق التعامل معها؛ فزيادة الإنتاج من النفط والغاز الصخريين سواء في القارة الأمريكية أو في الصين أو في أفريقيا سينتج منها تراجع في الطلب على النفط والغاز التقليديين، ومع هذا التراجع سيتراجع دور البلدان العربية النفطية في سوق الطاقة، وستجد نفسها أمام انخفاض في إيراداتها ومزيد من التحديات التنموية والأمنية، الأمر الذي يتطلب السير نحو إصلاحات جذرية وتأسيس سوق عربية مشتركة، وتزداد صعوبات هذا الإصلاح في وطن عربي يتعرض للتفتيت والاختراق من قبل بعض الدول الإقليمية وغياب الحد الأدنى من التوافق بين أعضاء منظمة الأوبك التي تمثل البلدان العربية أغلبيّة أعضائها.

– 8 –

أما الورقة الأخيرة في الكتاب، فهي لوليد خدوري بعنوان «الأبعاد الجيوسياسية لغاز شرق المتوسط» وفيها محاولة لرسم صورة مترابطة لطبيعة التحديات التي يمكن أن تنتج من ظهور الغاز والنفط بكميات تجارية في منطقة شرق المتوسط، سواء تعلق ذلك بحجم المخزون الذي لا يزال ضئيـلاً ولكنه واعد، أو غياب التعريف الواضح للحدود الاقتصادية لدول المنطقة، ما يعني إمكان حصول نزاع، وعدم تيقن في عمليات الاكتشاف، وعدم انسجام بنود الاتفاقيات الموجودة حالياً، والجهود الحثيثة التي يبذلها الكيان الصهيوني من أجل السيطرة على هذه الثروات، سواء في فلسطين أو لبنان أو مصر واستخدامها كحصان طروادة يدخل به إلى الإقليم العربي، في وقت يكاد ينعدم فيه الحد الأدنى من التنسيق بين البلدان العربية في قضايا الغاز وغيرها، وأخيراً الإشكاليات المتعلقة بنقل الغاز إلى أسواقه الإقليمية والعالمية.

– 9 –

ختاماً، أعتقد أن الكتاب يمثل إضافة مقدَّرة إلى أدبيات الطاقة الصادرة باللغة العربية، وعلى الرغم من أن الموارد الطبيعية من غاز ونفط في منطقة شرق المتوسط ما زالت ضئيلة مقارنة ببقية دول المنطقة، كما يؤكد د. وليد خدوري في مقدمة الكتاب، إلا أن هذه الثروة الضئيلة تمثل فرصاً وتحديات، بعضها يتعلق بالتنمية في داخل كل دولة، وبعضها يتعلق بالعلاقات بين دول المنطقة نفسها، وبعضها الآخر يتعلق ببعدها الدولي.

وتزداد أهمية موضوعات الكتاب في بعدها المتعلق بالصراع العربي – الإسرائيلي في ظل موازين قوى مختلة لمصلحة إسرائيل وانعكاسات ذلك على قدرة البلدان العربية، بما في ذلك الشعب الفلسطيني، على السيطرة على مواردها الطبيعية وتحقيق أفضل استغلال لها لتحقيق أمنها وتنميتها. ولا شك في أن الطريقة التي ستعالج بها الإشكاليات التي تثيرها هذه الثروة في السنوات القادمة ستحدد ما إذا كانت هذه الثروة ستتحول إلى «نعمة» كما حصل في عدد قليل من دول العالم ذات الموارد الطبيعة، أم أنها ستكون «نقمة» كما حصل في أغلبيّة الدول ذات الموارد الطبيعية، حيث أدت هذه الثروة إلى تراجع أداء المؤسسات وإلى تفشي الفساد وإلى مزيد من الاستبداد وإلى حروب مدمرة ما زلنا نشهد فصولها في أجزاء أخرى من المنطقة.

تبقى بعد ذلك ثلاث ملاحظات منهاجية أختم بها هذه المراجعة: أولاً، غياب المراجع الموثقة التي يمكن أن يعود إليها القارئ لمزيد من الاطلاع؛ ثانياً، كان من الأقرب إلى المادة الفعلية للأوراق أن تستبدل كلمة «بترول» في العنوان بكلمة «غاز»؛ وثالثاً، كان الأَوْلى دمج ورقتي لبنان وسورية لأنهما تعالجان الموضوع في مراحله الأولى أي «المرحلة التمهيدية» نظراً إلى تشابه ظروف الانطلاقة الأولى والتحديات التي تواجه الحالتين وعدم حصول أي تطور فعلي على أرض الواقع حتى الآن.