تحت ظلال ملحمة طُوفان الأقصى التاريخية المباركة، وعلى وقع مدافعات المقاومة وبطولاتها في فلسطين ولبنان واليمن والعراق، وفي الذكرى الرابعة والعشرين لتحرير جنوب لبنان، عقد المؤتمر القومي العربي دورته الثالثة والثلاثين في بيروت عاصمة المقاومة والحرية والتحرير، في الفترة من 31 أيار/مايو – 2 حزيران/يونيو 2024، بمشاركة (200) من أعضائه بالإضافة إلى عشرات من الضيوف والإعلاميين.

اتخذ المؤتمر “طُوفان الأقصى” إسماً لهذه الدورة، وركّز مداولاته على ملحمة الطُوفان، وأبعادها الاستراتيجية، وتأثيراتها على مستقبل القضية الفلسطينية، ومساهمتها في تشكيل مناخ دولي جديد، وأوْلى الأوضاع في غزة والقدس والضفة اهتماماً خاصاً. وتعهد المؤتمر بالدراسة، الأوضاع العربية والإقليمية والدولية، والأزمة السودانية، والحرب على سورية، وأهتم المؤتمر بالمشروع النهضوي العربي، ودرس مهدداته وتحدياته وفرصه وانعكاسات الطُوفان على عناصره.

وبعد نقاش معمق ومستفيض في موضوعات المؤتمر سالفة الذكر، التي غطتها 22 ورقة قدمت في جلسات المؤتمر، خلص المؤتمر إلى التالي:

أولاً: فلسطين والمقاومة وطُوفان الأقصى

إنّ طُوفان الأقصى كان نصراً عظيماً أنجزته المقاومة يوم 7 أكتوبر، وثبته الصمود الأسطوري لشعبنا في غزة، وعلى الأمة أن تحمي هذا النصر وأن تعززه، وأن تحميه، وأن تبني عليه بحسبانه إنجازاً كبيراً في تاريخ الصراع العربي الصهيوني، يفتح الباب نحو  الهدف الأسمى للأمة العربية وهو تحرير فلسطين.

إن ما يحدث اليوم في فلسطين من محرقة وحرب إبادة جماعية وتطهير عرقي هو استمرار لنهج استعماري بدأ منذ وعد بلفور 1917 والذي أسس لوجود الكيان الصهيوني على أرض فلسطين. وجاء طوفان الأقصى كرد شرعي مقاوم للاحتلال وجرائمه في فلسطين.

تظل القضية الفلسطينية قضية العرب المركزية الأولى، وقد أصبحت بفعل السياسات العدوانية الإسرائيلية المتكررة القضية التي تحظى بأكبر تأييد شعبي في العالم، وبات العلم الفلسطيني الأكثر حضوراً في عواصم العالم ومدنه وساحاته وجامعاته، لأن هذه القضية تجسد تطلعات إنسانية رئيسة تخاطب كل ضمير حي، تتمثل في سعي الشعب الفلسطيني من أجل الحرية والكرامة والعدالة والاستقلال، وهو سعي لم ترهقه السنون، ولم يزده الزمن إلا مضاءً وقوة وعنفوانا.

لقد مكن التراكم النضالي للشعب الفلسطيني من تعزيز إيمانه بالمقاومة بوصفها الخيار الاستراتيجي الأمضى في مناهضة الاحتلال، كما مكن من إبداع ملحمة طُوفان الأقصى التي مثلت أعلى درجات البطولة والاستبسال، والسعي الحثيث الجاد في مسارات الحرية والتحرير.

إنّ المؤتمر القومي العربي معني اليوم بالمساهمة النوعية في نشر ثقافة المقاومة، وحشد طاقات الأمة لدعمها ودفع جهودها حتى تبلغ المبتغى في دحر العدوان الصهيوني عن الأراضي العربية في فلسطين ولبنان وسورية، وإقامة الدولة الفلسطينية على كل التراب الفلسطيني من النهر إلى البحر، وضمان عودة اللاجئين، وصون المقدسات الاسلامية والمسيحية، ومعاقبة المعتدين.

يتوجه المؤتمر القومي العربي بتحايا الفخر والاعتزاز للشعب الفلسطيني الصابر المقاوم في قطاع غزَّة وفي الضفة الغربية والقدس وفي الأراضي المحتلة عام 48، ويبعث برسالة الاعتزاز إلى المقاومة الفلسطينية، ويُقدر عالياً ما تسطّره من بطولات وإنجازات منذ السَّابع من أكتوبر2023، وعلى مدار ثمانية أشهر ، عجز فيها الاحتلال عن تحقيق أيّ من أهدافه المعلنة.

بعد أن تدارس المؤتمر كافة الجوانب المتصلة بملحمة الطُوفان خلص إلى ما يلي: –

الإشادة والتقدير العظيم للمقاومة الفلسطينية الباسلة وفي مقدّمتها كتائب الشهيد عز الدين القسّام وسرايا القدس وباقي فصائل المقاومة الفلسطينية، على الإنجاز الاستثنائي والتاريخي العظيم الذي حقّقته في السابع من أكتوبر، وعلى الانجازات الأسطورية المتلاحقة منذ بدء العدوان وحتى الآن. كما نوجّه تحية إكبار وإجلال للشعب الفلسطيني العظيم في عموم فلسطين والشتات، الذي احتضن المقاومة وصمد صموداً أسطورياً لم يسبق له مثيل، وقدّم عشرات آلاف الشهداء والجرحى والأسرى، ودفع ثمناً باهظاً في سبيل الكرامة والحرية والاستقلال.

إنّ معركة طوفان الأقصى أحيت مجدَّداً القضية الفلسطينية في نفوس الأمَّة العربية والأحرار في كل العالم، وأعادت من جديد روح النضال الفلسطيني وعدالة القضية الفلسطينية التي كان يُراد لها الطمس والتغييب والإنهاء.

شكل طوفان الأقصى فرصةً على الصعيد العربي لتكثيف الجهود لمواجهة المشاريع الاستعمارية في الوطن العربي وتوحيد الصفوف لنصرة ودعم فلسطين والحفاظ على مقدرات وثروات الأمّة بالاعتماد على نهج المقاومة الذي بلور أسسه ومعالمه الرئيسة الرئيس الخالد جمال عبد الناصر.

فضح طُوفان الأقصى حقيقة الكيان الصهيوني أمام العالم، وعرّى حقيقته النازية والإجرامية، وحطّم أسطورته المزيّفة، وفكّك سرديته المتهافتة، وكشف كذب روايته ودعايته، وسقوطه القيمي وانحطاطه الأخلاقي والإنساني، وأفشل كل مخططاته العدوانية ضد الشعب الفلسطيني وأرضه وحقوقه ومقدساته.

التأكيد على ضرورة تكاتف كل الجهود، وتصعيد كل الضغوط، من أجل فتح جميع المعابر بما فيها معبر رفح المصري الفلسطيني الذي يغلقه الاحتلال من الجانب الفلسطيني، لإغاثة أهل غزة في ظل استمرار مأساة الجوع والمرض، وفي ظل تفاقم الأزمة الإنسانية خاصة مع تزايد أعداد الجرحى وخطورة حالة الآلاف منهم الذين هم بحاجة عاجلة للسفر وتلقي العلاج والرّعاية الصحية المناسبة.

الترحيب بقرار محكمة العدل الدولية، مؤكداً على ضرورة اشتمال قرار المحكمة وقف العدوان الصهيوني في كافة مناطق قطاع غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة.

دعوة المجتمع الدولي والأمم المتحدة إلى إلزام الاحتلال بالرضوخ والتطبيق الفوري لقرار محكمة العدل الدولية، وعدم السماح له باستمرار استهتاره بالقوانين والمواثيق الدولية، والإفلات من العقاب والمحاسبة والمحاكمة على جرائمه ضد الشعب الفلسطيني.

تثمين موقف ودور جمهورية جنوب إفريقيا الصديقة الشجاع والجريء في جلب الاحتلال الصهيوني إلى المحكمة وفضح جرائمه وانتهاكاته المروّعة بحق المدنيين العزّل من النساء والأطفال، كما نشيد بمواقف وأدوار كل الدول التي وقفت مع الشعب الفلسطيني وساندت حقوقه ونضاله المشروع.

يشيد المؤتمر بمواقف الدول التي قطعت علاقاتها الديبلوماسية مع كيان الاحتلال الصهيوني مثل بوليفيا وكولومبيا، مثلما يرحب بقرارات الدول التي سحبت سفراءها من الكيان الغاصب مثل الشيلي والبرازيل.

يشيد المؤتمر بجهود الجزائر وحراكها الدبلوماسي الفعال على المسرح الأفريقي الذي أبطل جهود تسلل الكيان الصهيوني إلى الاتحاد الأفريقي من خلال شراكة مع دولة جنوب أفريقيا، والإشادة بدور الجزائر والجهود التي تبذلها في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة من أجل محاسبة الكيان الصهيوني وحصاره، ومن أجل حمل المنظمة الأممية على الاعتراف بالدولة الفلسطينية، كما يُحيي المؤتمر جهود الجزائر الأخرى التي شكلت سنداً ودعماً لفلسطين.

إنَّ الإدارة الأمريكية بدعمها العسكري المطلق وغير المحدود، بالسلاح والعتاد لجيش الاحتلال الصهيوني، وبإستخدامها لسلاح النقض (الفيتو) ضد قرارات تطالب بوقف العدوان وتُجرّم الاحتلال الصهيوني في أكثر من مناسبة، يجعلها شريكة شراكة كاملة في مجازره وعدوانه وحرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، ولن يعفيها من المسؤولية القانونية والأخلاقية والإنسانية.

يشجب المؤتمر ويدين بشدَّة سياسة ازدواجية المعايير التي تنتهجها بعض الدول الغربية في التعامل مع حقوق الشعب الفلسطيني ونضاله المشروع في الحريّة وتقرير المصير، وانحيازها الفاضح ودعمها للاحتلال سياسياً ودبلوماسياً وعسكرياً.

الترحيب بقرار ومواقف الدول الأوربية التي اعترفت بدولة فلسطين (إسبانيا، إيرلندا والنرويج)، ومثلها بمواقف باربادوس وترينيداد توباغو وجامايكا في منطقة الكاريبي التي اتخذت هذا القرار، وندعو الدول الأوروبية وغيرها إلى المبادرة بالاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني وفي مقدّمتها الحرية والاستقلال وحق تقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة كاملة السيادة في كامل التراب الفلسطيني وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين.

التحذير من المشاريع والمخططات الصهيونية الرَّامية للتدخّل في مستقبل قطاع غزَّة ما بعد الحرب العدوانية الصهيونية، ويؤكّد المؤتمر أنَّ الشعب الفلسطيني بكل قواه وفصائله هو القادر على إدارة شؤونه بنفسه، ويعبر عن رفضه لأيّ وصاية أو تدخل من أيّ جهة خارجية في إدارة القطاع أو التدخل في شؤونه، كما يعبر عن رفضه لمشروع تقسيم القطاع الذي بدأ الكيان الصهيوني في تنفيذه.

دعوة الأمة العربية، بكل مكوناتها السياسية والاجتماعية، إلى نُصرة شعبنا الفلسطيني الذي يتعرّض لحرب إبادة جماعية ومجازر مروّعة يندى لها جبين الإنسانية، ودعم المقاومة الفلسطينية حتى تحقيق التحرير.

التحذير من مشروع الكيان الصهيوني في القدس، الهادف إلى تهويدها، ومحو الهوية العربية الاسلامية، وإزالة آثارها ورموزها، وإحلال الهوية اليهودية، لتحقيق أهداف عقائدية، وأمنية، وسياسية، وديموغرافية، واقتصادية، وثقافية، وعمرانية. تساندها في ذلك الدول الغربية التي اعترفت بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، ويعضد مسعاها اعتراف بعض الأنظمة العربية بتقسيم القدس إلى شرقية وغربية. ويؤكد المؤتمر على إن طُوفان الأقصى قد أسهم في إفشال المخطط الصهيوني في “الفصح” العبريّ ومنع إدخال القرابين الحيوانية، ورفع مئات الأعلام الإسرائيلية في الأقصى فيما يسمى “يوم الاستقلال”.

التشديد على ضرورة الوحدة الوطنية الفلسطينية على برنامج المقاومة والعودة إلى الميثاق القومي الفلسطيني لعام 1969،ويدعو المؤتمر الفصائل الفلسطينية كافة وجميع مكونات الشعب الفلسطيني بتغليب الوحدة الوطنية الفلسطينية على كل الأولويات السياسية الأخرى وانهاء الانقسام والتشرذم والالتفاف حول مشروع سياسي فلسطيني واحد يتأسس على نهج النضال والمقاومة، يستثمر التضحيات والمتغيرات الكبيرة لصالح قضية فلسطين،والمضي قدماً نحو إنجاز مشروع التحرير والعودة يتطلب وحدة وطنية تقوم على ثلاث ركائز، هي:

* تشكيل قيادة وطنية موحدة في إطار منظمة التحرير لجميع القوى بدون إقصاء ولا استثناء على نهج نضالي كحركة تحرر وطني.

* تشكيل حكومة وفاق وطني في الضفة والقطاع بمرجعية وطنية متفق عليها.

* إجراء الانتخابات العامة رئاسية وتشريعية ومجلس وطني فلسطيني.

ثانياً: وحدة الساحات

حققت وحدة الساحات كمفهوم ومشروع، نقلة نوعية جديدة في ظل ملحمة الطُوفان، فقد انتقل محور المقاومة منذ السابع من أكتوبر/تشرين أول الماضي من مرحلة التنسيق وتبادل الخبرات وتكامل الإمكانات، إلى مرحلة العمل المشترك في مقاومة العدوان الصهيوني على غزة، فقد تكاملت جهود لبنان واليمن والعراق وإيران في عملية إسناد غزة من خلال حرب استنزاف تاريخية خلطت أوراق الكيان الصهيوني وأمريكا وسائر حلفاء تل أبيب وأربكت استراتيجيتها، وانعكس ذلك على حجم وطبيعة القدرات العسكرية الاسرائيلية وآلة عدوانها في غزة، بعد أن اضطرت الكيان الصهيوني إلى توظيف قدر كبير من قدراتها العسكرية في عمليات الحماية الذاتية من ضربات محور المقاومة، وإذ يثمن المؤتمر جهود محور المقاومة خلال العدوان الاسرائيلي على غزة، فإنه يؤكد على ما يلي:

– الإشادة بالقرار التاريخي لقيادة حزب الله والمقاومة الاسلامية والوطنية بالانخراط في معركة الطُوفان، دفاعاً عن غزة وشعبها وإسناداً لمقاومتها، وتثمين التضحيات الغالية التي قدمتها المقاومة في الجنوب من مئات الشهداء، فضلاً عن الدمار الكبير الذي لحق بعشرات القرى المحاذية لفلسطين المحتلة.

– التنويه بالأداء المتفوق للمقاومة في معركة العقول والارادات حيث ظهرت معالم التجربة المميزة في مواجهة العدو من خلال المزج بين الارادة القتالية والمهارة في استخدام التكتيكات العسكرية والاستخدام البارع للوسائل الحربية، الأمر الذي حول المستعمرات الصهيونية الشمالية إلى مناطق منكوبة وخالية من المستوطنين والجنود، في مشهد غير مسبوق في تاريخ الصراع مع هذا العدو الجبان.

– الثناء على إصرار قيادة المقاومة بمواصلة المعركة وربط إنهائها بوقف العدوان على قطاع غزة، وذلك على الرغم من كل أشكال التهويل والتهديد الصهيونية والأمريكية والغربية التي وجهت إلى حزب الله ولبنان.

– الإشادة بدور اليمن وقراره الشجاع بالدخول على خط المعركة، مناصراً لغزة، عبر العمليات النوعية التي يقوم بها في بحر العرب والبحر الأحمر والمحيط الهندي، والتي استهدفت السفن المتجه إلى الكيان الصهيوني، الأمر الذي عظم جداً من دور اليمن الجيواستراتيجي في مقاومة الكيان الصهيوني وحلفائه وداعميه، والمؤتمر إذا يثمن غالياً هذا الدور، فإنه يذكر بالفخر كذلك، دور اليمن في إنهاك القدرة العسكرية بتوجيه مسيراته وصواريخه إلى المواقع الصهيونية وبخاصة في أم الرشراش المحتلة “إيلات”. ويعتبر المؤتمر أن اليمن برغم ظروفه المعروفة، أعاد تعريف مفهوم وعناصر قوة الدولة الشاملة، وقدم نموذجاً ملهماً في مناهج المدافعة والمناصرة.

– أهمية دور المقاومة العراقية في مقاومة القوات الأمريكية في العراق وسورية، ودورها في مناصرة غزة، باستهداف مواقع العدو الصهيوني في فلسطين المحتلة وصولا إلى أم الرشراش، الأمر الذي يؤكد مكانة فلسطين في أولوياتها، ويؤكد على أن بُعد المسافات لا يحول دون نصرة الحق والدفاع عن المظلومين والمساهمة في تحرير فلسطين من الاحتلال الصهيوني، وأن قوّة الحق لا يحدّها زمان أو مكان، بل تتجاوز كل العوائق والصعاب للقيام بواجب المساندة والنصرة، كما يؤكد أن عدّو الأمة هو واحد من العراق إلى اليمن إلى فلسطين إلى كل قطر عربي من مشرقه إلى مغربه، الأمر الذي يدعو  إلى حشد كل الطاقات من أجل مواجهة هذا العدو، ودحره، وتحرير الأرض من الاحتلال.

– تثمين الموقف المبدئي للجمهورية الاسلامية في إيران من القضية الفلسطينية، وتبنيها لمشروع المقاومة في مواجهة المشروع الصهيو_أميركي في الاقليم، ويقدر المؤتمر عالياً ثباتها في دعم الشعب الفلسطيني الصامد، كما يعبر عن اعتزازه الكبير بالدعم السياسي والمادي الذي تقدمه للمقاومة في فلسطين والاقليم،الأمر الذي يحملها أعباء وتضحيات جسام.

– يقدر المؤتمر صمود سورية على الثوابت القومية والوطنية دورها التاريخي في دعم المقاومة الفلسطينية واللبنانية والعربية والتي دفعت وماتزال أبهظ الأثمان بسبب موقفها هذا على حساب أمنها واستقرارها ووحدتها وسيادتها الكاملة على أراضيها.

ثالثاً: الأبعاد والدلالات الاستراتيجية لعملية “طُوفان الأقصى”

إنّ طُوفان الأقصى هو زلزال استراتيجي عصف الكيان الصهيوني، وفتح الأفق على تحوّلات ومتغيّرات بنيوية جذرية، على المستوى العربي والإقليمي والدولي، ودفع إلى إنتاج وإرساء وقائع ومعادلات ميدانية وسياسية جديدة؛ منها ما هو قيد التبلور، ومنها ما ينطوي على أبعاد ومفاعيل وآثار وفرص ذات طبيعة استراتيجية مستقبلية. وأبرز الطُوفان دلالات وأبعاداً استراتيجية كثيرة؛ من بينها أن:

– شكلّ انتكاسةً بالغة وغير مسبوقة لقوة الكيان الصهيوني التي فقدت أرجحيتَها وتفوّقها، وهشّم الطُوفان صورة اقتدارها، وألحق بها هزيمة استراتيجية من النوع الذي لا يمكن ترميمه أبدا.

– أسس مرحلة جديدة في تاريخ الصراع مع العدو الإسرائيلي، ومع مشروع الهيمنة الأميركية في الاقليم، وأحدث تحوّلا مفصليا في ادارة هذا الصراع.

– أحدث انعطافة حادّة، حوّلت الكيان الصهيوني من قوّة هيمنة إقليمية حاسمة، إلى قوّة تتضاءل سطوتها وريادتها وقدرتها المطلقة على الانخراط في مواجهات كبرى بمستوى عالٍ من اليقين المسبق.

– أخرج فكرة سقوط “إسرائيل” وانهيارها وزوالها من حيّز الإمكان الى حيّز الفعل، وحوّلها من مجرد فكرة إيمانية اعتقادية، ومن مجرّد تقدير أو مشهد محتمل، إلى حقيقة واقعية؛ وبدا  تحرير فلسطين أقرب من أي وقت مضى.

– أسقط الطُوفان “نظرية الأمن الإسرائيلي” القائمة على مبادئ الردع والإنذار المبكر والقدرة على الحسم والدفاع، وسقطت معها فكرة “الملاذ الآمن لليهود”، ووجه الطُوفان ضربة قاسية لمشاريع التطبيع في الوطن العربي والعالم الإسلامي.

– مَثَّل الطُوفان حالة إلهام غير مسبوقة للأمة العربية والاسلامية، وعزز مشروع المقاومة في فلسطين بأبعاده الحضارية والاستراتيجية.

– أيقظ الطُوفان الضمير الانساني، وبشكل خاص عند الشعوب الغربية، وفضح منظومة القيم الغربية، وكشف زيفها، وأبرز الوجه الحقيقي الإبادي للكيان الصهيوني والأنظمة الغربية الداعمة له.

رابعاً: الحراك الشعبي العربي والدولي لمناصرة وتحرير فلسطين

شكل طُوفان الأقصى وصمود المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة علامة فارقة في الصراع العربي الصهيوني، وحقق اختراقا كبيراً في الرأي العام العالمي بصورة عامة والغربي بصورة خاصة، ورفع العلم الفلسطيني في سائر دول العالم وبدأت شعوب العالم في التعبير عن رفضها للإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني والمطالبة بالوقف الفوري للعدوان. والمؤتمر القومي العربي إذ يعبر عن تقديره العالي للرأي العام العربي والعالمي المناصر لفلسطين، فإنه يؤكد على الآتي:

– ضرورة تطوير الحراك الشعبي المناصر لفلسطين على المسرح العربي والعالمي، وفي هذا السياق يثمن المؤتمر المواقف الشعبية العربية، ويخص بالثناء جهود اليمن والأردن، والمغرب، والبحرين، والكويت والعراق التي واكبت العدوان الصهيوني على غزة بدعم متصل لم ينقطع على مدى 8 شهور.

– يثمن عالياً الحراك الشعبي العالمي المناصر لفلسطين في مواجهة العدوان الاسرائيلي الذي تتعرض له غزة، ويؤكد على تقديره الكبير لجهود المناصرة والتأييد التي يقوم بها أساتذة وطلاب الجامعات في أمريكا وأوروبا، ويعتبرها تعبيراً صادقاً عن تغيير جوهري في المزاج والوعي الغربيين.

– ضرورة توظيف التفاعل العالمي الداعم لفلسطين في تشكيل حركة عالمية لدعم جهود تحرير فلسطين، ولبسط العدالة الدولية، وتأسيس هذه الحركة على منطلقات فكرية رصينة، وأن تبني استراتيجية عملها على ركائز سياسية وقانونية واقتصادية وثقافية، وإعلامية.

خامساً: الإعلام

أكدت عملية طُوفان الأقصى، وقبلها حرب تموز 2006، أهمية الإعلام والاعلام الجديد في صياغة الصورة الذهنية، وفي تشكيل وعي الناس، وتحديد ميولهم واتجاهاتهم، وبناء مواقفهم، وقد اضطلع الإعلام والإعلام الجديد بدور كبير إبان معكرة الطُوفان، والعدوان الإسرائيلي على غزة. والمؤتمر القومي العربي إذ يعبر عن قناعة راسخة بالأهمية الاستثنائية للإعلام في حياة الناس، فإنه يُقر بأن الإعلام المهني الحُر، وفي مقدمته الإعلام المقاوم قد اضطلع بدور تاريخي في هذه المرحلة وقدم أرتالاً من الشهداء والجرحى. في سابقة لم تعرفها الحروب من قبل، وكان الاعلام الحر مكملا للإعلام الحربي لفصائل المقاومة، ومن بين الأدوار التي قام:

– إبراز بطولات المقاومة في غزة ولبنان واليمن والعراق، وتقديم الصورة الحقيقية للجرائم التي ارتكبها الكيان الصهيوني في غزة.

– مساهمته في استنهاض وتحشيد وتوعية وتثوير وتعبئة الرأي العام على الصعيدين الإقليمي والعربي والدولي عبر أداء مهني صادق. الأمر الذي مكنه من المساهمة في إدخال الهزيمة إلى “الوعي” الاسرائيلي، إذ تمكن من خلال تصويره للواقع كما هو من كيّ “الوعي” الصهيوني، وضرب مبانيه ومرتكزاته، وإسقاط سرديته.

– أعاد إنتاج صورة العربي عن نفسه، وهي خلاف الصورة التي جرى تنميطها خلال عقود من تاريخ الصراع مع العدو الإسرائيلي. كما أعاد إنتاج صورة الإسرائيلي في الوعي العربي؛ فبدا على حقيقته كائنا جبانا، خائفا، مذعورا؛ في مقابل تماسك المقاوم العربي، وصلابته، وحضوره للتضحية، وايمانه بعدالة قضيته ونبل أهدافها.

والمؤتمر القومي العربي إذ يثني على دور الإعلام الذي اضطلع بتلك الأدوار، فإنه يؤكد على ضرورة استمرارية الأداء الإعلامي بتلك المهنية والمصداقية، ويتطلع إلى قيام المؤسسات الإعلامية المؤمنة بالحقيقة بما يلي: –

– تشكيل خطاب إعلامي يدفع باتجاه إعادة استنهاض الوعي المقاوم وإدخاله كعنصر حاسم في معادلات الصراع، وتعزيز أيديولوجيا المقاومة في الوطن العربي، وتأكيد منطقها، وتثبيتها كخيار في مواجهة التسويات المشؤومة، ومشاريع الاستسلام، والسياسات المتواطئة والانهزامية.

– مواجهة التحيّزات الإعلامية الغربية المتبنّية لموقف الكيان الصهيوني، والمتماهية كليا مع سرديته حول حقيقة الصراع وجوهره ومنطلقاته وأسبابه، والساعية إلى تزييف الوعي، وتلفيق الأخبار،

– الاستثمار في تنامي دور وتأثير الحركات الاجتماعية الممثلة للمهاجرين والأقليات وللجماعات المهمشة، كما في تصاعد دور القوى التقدمية في الغرب.

– الاستثمار في الإعلام الجديد، الذي أثبت جدارته في إيصال الصورة بعيداً عن رقابة وهيمنة الإعلام المتحيّز للرواية الصهيونية.

سادساً: المقاطعة ومقاومة التطبيع

تعتبر المقاطعة ومقاومة التطبيع واحدة من أساليب العمل والمواجهة الشاملة في صراع الأمة مع العدو، وقد واكب المؤتمر الجهود العربية والدولية التي زادت فاعليتها بعد العدوان الاسرائيلي على غزة، ويذكر المؤتمر بالتقدير جهود المنظومات العربية والعالمية العاملة من أجل مناهضة التطبيع، وتوسيع مساحات المقاطعة وتعزيزها، وفي هذا السياق يؤكد المؤتمر على ما يلي:

– الموقف المبدئي الرافض للتطبيع بأشكاله كافة، ويجدد المؤتمر رفضه القاطع لاتفاقيات إبراهام وللديانة الإبراهيمية التي ابتدعتها الصهيونية والإمبريالية كنافذة وآلية جديدة للتطبيع، ويحذر من مخاطر المشروع النيولبرالي على منظومة القيم والثقافة العربية.

– تثمين دور التنسيقية الشعبية العربية لمناهضة التطبيع، التي انبثقت عن ملتقى متحدون ضد التطبيع الذي أطلقه المؤتمر العربي العام، ويقف بتقدير أمام جهودها وجهود مكوناتها في كافة الساحات العربية، ودعوتها إلى ضمان تعظيم واستدامة وتطوير عملها حتى تحقيق النصر بتحرير فلسطين وإقامة دولتها على كامل التراب الفلسطيني.

– دعم الجهود الرامية إلى مأسسة الحراك العالمي المناصر لفلسطين، والمساهمة في بناء أكبر تحالف عالمي لخدمة قضايا العدالة في العالم بالاستفادة من تجربة المقاطعة التي أثبتت جدواها.

– الدعوة إلى ضرب حصار على الكيان الصهيوني، وقطع سبل إمداده باحتياجاته، ويدعو المؤتمر الشعب الأردني وشعوب الخليج العربي إلى منع مرور البضائع والسلع عبر الطرق البرية كافة.

– يعبر المؤتمر عن فخره وإعتزازه بالأدوار التي اضطلعت بها ناشئة وشباب الأمة العربية والأجيال الجديدة في المقاطعة الاقتصادية لمنتجات الشركات الداعمة للعدو الصهيوني.

سابعاً: سورية

يؤكد المؤتمر على موقفه الداعم لوحدة سورية وعروبتها واستقلالها، وأمنها واستقرارها، وتحصين سيادتها ووحدة مجتمعها وترابها، ويجدد رفضه لاحتلال أمريكا و”إسرائيل”، وتركيا لأراض سورية، ويؤكد رفضه لمشروع تهويد الجولان.

يجدد المؤتمر رفضه للحصار والعقوبات الغربية المفروضة على سورية، والتي أضرت بحياة الشعب السوري، و يدعو العرب وحكوماتهم لتحّمل مسؤولياتهم الكاملة في دعم سورية، وإسنادها ومناصرتها لتعزيز قدرتها في مواجهة التحديات والمهددات التي تواجهها، ويدعو إلى تفعيل اللجنة الشعبية العربية الدولية لكسر الحصار واسقاط قانون قيصر، خصوصاً أن الأجواء باتت مهيئة عربيا ودوليا لذلك.

يؤكد المؤتمر على أهمية تحقيق أقصى درجات التوافق الوطني في سورية، وهي تواجه تحديات داخلية وخارجية كبيرة، ويدعو إلى تعزيز الحوار بين أبنائها كافة لتحقيق التوافق والوئام ولقطع الطريق على أهداف الحرب الكونية التي استهدفتها منذ 13 عاماً.

ثامناً: السودان

ناقش المؤتمر القومي العربي باهتمام وحرص كبيرين، تطورات الأوضاع في السودان، والتدخل الغربي والإقليمي في شؤونه الداخلية، التي كانت الحرب التي دخلت عامها الثاني نتيجة من نتائجها الكارثية. والمؤتمر القومي العربي قد نبه منذ البداية إلى أن الصراع الدموي في السودان ليس صراعاً داخليا، إنما مشروع اقتلاع السودان من هويته العربية والاسلامية والافريقية، من أجل تمكين المشروع الغربي الصهيوني من الهيمنة والسيطرة عليه.

عبر المؤتمر عن خشيته من تكرار نكبة فلسطين في السودان في ظل تشابه معطيات الحرب في البلدين، وإذ يؤكد على موقفه الذي تضمنه البيان الختامي لدورته السابقة، فإنه يؤكد على التالي:

– أنّ هذه الحرب تستهدف وبشكل مباشر الأمن القومي العربي الذي يعدّ الأمن القومي السوداني ركيزة أساسية من ركائزه، وهنا يلزم التذكير بأنّ هذه الحرب قد بدأت يوم 13 أبريل/ نيسان 2023 في قاعدة مروي العسكرية تحت شعار مناهضة التنسيق والتعاون العسكري المصري- السوداني، حيث أسرت المليشيا عدداً من ضباط الجيش المصري الذين يتشاركون مع رصفائهم السودانيين واجب صون الأمن القومي العربي من بوابة الأمة الجنوبية وأسوارها.

– أنّ الهدف الرئيس من هذه الحرب هو بسط القوى الغربية والصهيونية العالمية سلطانها على السودان، وإعادة هندسة أوضاعه الاجتماعية من خلال عمليات تهجير مواطنيه وإحلال مستوطنين لا صلة لهم بالسودان، وأن الهدف البديل لذلك، في حال الفشل في تحقيقه، هو تقسيم السودان وتجزئته، ومن ثم السيطرة عليه جزءاً بعد جزء.

– أن هذه الحرب قد أعادت السودان عقوداً إلى الوراء، بعد أن دمرت بناه التحتية، وأفقرت مواطنيه الذين نهبت المليشيا مقتنياتهم، ودمرت مصادر أرزاقهم، وضيّقت عليهم الحياة في بلادهم، لتدفعهم إلى الهجرة حتى تتمكن من استكمال عمليات التغيير الديموغرافي والاستيطان لمن ضاقت بهم أوطانهم في دول وسط وغرب أفريقيا التي تريد القوى الغربية إخراجهم منها إلى السودان “أرض الميعاد الجديد”.

– تحميل الدول الغربية والأنظمة العربية والأفريقية الضالعة في هذه الحرب، المسؤولية القانونية والسياسية، وتحميل المنظمات الدولية والإقليمية مسؤولية محاسبة تلك الدول التي تورطت في هذه الحرب، وحملها على وقف رعايتها ودعمها للحرب، وجبر أضرارها عبر عمليات إعادة الإعمار وغيرها من التدابير.

– ضرورة توفير الدعم العربي الرسمي والشعبي للسودان شعباً ودولة في مواجهة ما يتعرض له الشعب من إبادة جماعية وتصفية عرقية، وجرائم حرب ترتكبها قوات الدعم السريع بحقه، ودعم السودان من أجل المحافظة على استقلاله ووحدة ترابه وإنسانه، وصون هويته، وحق إنسانه في الحياة الحرة الكريمة.

تاسعاً: المشروع النهضوي العربي

تدارس المؤتمر واقع وآفاق المشروع النهضوي العربي، وتأثير عملية “طُوفان الأقصى” على عناصره الستة: (الوحدة العربية، الاستقلال الوطني والقومي، التنمية المستقلة، العدالة الاجتماعية، الديمقراطية، والتجدد الحضاري)، وأكدّ المؤتمر أنّ الطُوفان قد وفّر عناصر دفع إضافية لهذا المشروع، خاصة وأنه جاء في سياق تحرير فلسطين، وهنا يبرز الترابط بين التحرير والاستقلال الوطني وهذا المشروع.

وانطلاقاً من ذلك، يدعو المؤتمر الحكومات والشعوب إلى إطلاق استراتيجية للنهوض بالأمة العربية، تكرس نتائج وآثار الطُوفان، وتُثمِر انتصارات المقاومة، وتصنع مستقبلاً عربياً جديداً تطلق فيه الحريات، وتصان فيه الكرامة الانسانية، ويتعزز فيه الاستقلال الوطني، وتبسط فيه الديموقراطية، وتنجز فيه الوحدة العربية، وتحقق فيه التنمية المستقلة والعدالة الاجتماعية، ويضمن تجدد الأمة الحضاري، الذي يمكنها من المساهمة الفاعلة في البناء الحضاري العالمي.

وحرصاً على مواكبة المتغيرات التي أحدثها الطوفان، يؤكد المؤتمر على أهمية المشروع النهضوي العربي الاستثنائية كمرجعية فكرية يتأسس عليها مستقبل الأمة، يدعو المؤتمر الأمانة العامة إلى بذل الجهود الفكرية الكفيلة بتطوير هذا المشروع وتعزيز قدرته في مخاطبة التحديات ومقارعة المهددات.

عاشراً: المصالحة والشراكة الوطنية

إن الشراكة في نهضة الأمم والأوطان واجب وحق تكفله قيم المواطنة وحقوقها وثقافتها، وتفرضه المصالح الوطنية والقومية. والشراكة الوطنية لا تتحقق بغير مصالحة وطنية، لهذا، فإن المؤتمر القومي العربي يدعو إلى مصالحات وطنية، تقوم على مبدأ التكافؤ والمساواة في الحقوق الوطنية، وفتح صفحة جديدة في التاريخ العربي متجاوزة لتاريخ الغلبة والمغالبة والإقصاء، ويدعو إلى تعزيز الجهود الهادفة إلى تحقيق الوئام بين أبناء الوطن الواحد، وتجاوز محطات الصراع والاختلاف، بالتوافق على قواسم وطنية جامعة، يتأسس عليها الإجماع الوطني الذي سقط من ثقافة النخب السياسية المتنافسة على السلطة.

حادي عشر: حرية الأسرى ومعتقلي الرأي

يدعو المؤتمر إلى إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين من سجون الكيان الصهيوني، وضمان حريتهم، كما يدعو إلى إطلاق سراح جميع معتقلي الرأي في الوطن العربي.

ثاني عشر: تعزيز آليات عمل المؤتمر القومي العربي

– يجدد المؤتمر ايمانه الراسخ بأهمية العمل الشعبي العربي في خدمة قضايا الأمة، ويعبر عن ضرورة تعظيم هذه الأدوار، وضمان استمراريتها، وفي هذا السياق يدعو المؤتمر الأمانة العامة إلى مضاعفة الاهتمام بتطوير آليات عمل المؤتمر، وتطوير نظمه وأدوات عمله، بما في ذلك النظامين الأساسي والداخلي، وبما يعزز ممارسة النقد والنقد الذاتي، بالقدر الذي يخاطب تحديات الحاضر والمستقبل.

– يؤكد المؤتمر على أهمية الأدوار التي يضلع بها منسوبيه في كل الساحات، ويدعو إلى تعزيز مشاركتهم في المبادرات الهادفة إلى دعم صمود غزة مقاومةً ومجتمعاً، كما يدعوهم إلى ضمان أوسع مشاركة شعبية عربية في هذه المبادرات.

ثالث عشر: النظام الدولي الجديد

يعيش العالم حالة من التدافع حول حاضر ومستقبل النظام العالمي، بين قوى دولية تسعى إلى ضمان مساهمتها في تشكيل نظام دولي جديد، وبين قوى دولية تبذل وسعها من أجل تكريس النظام القائم الذي كرس قيادتها، وضمن مصالحها، وفتح لها آفاقاً لفرض أيديولوجيتها على شعوب وأمم اُنتقص حقها في المحافظة على هُوياتها وخصوصياتها الحضارية، وحُرمت من حقها في الاختيار الحر.

ويعيش العالم الآن في ظل المتغيرات الإقليمية والعربية والدولية التي صعدت فيها دول وتراجعت فيها أخرى، وكان للمقاومة في فلسطين ولبنان واليمن دوراً في صناعة هذه المتغيرات على المستويين الإقليمي والدولي، الأمر الذي أتاح فرصاً لمساهمة عربية معتبرة في تشكيل ملامح النظام العالمي الجديد، بيد أن صلاح هذه الفرص يقتضي تكريس الفعل المقاوم، وتحصينه، وضمان استمراريته وحيويته، وضمان تمتعه بمزايا الإبداع والتجدد والتطور والتنوع والشمول.

وعليه فإن المؤتمر  يدعو مراكز التفكير العربية، والنخب والحكومات العربية إلى دراسة فرص وآفاق المساهمة العربية في البناء الحضاري الكوني، وفي تشكيل النظام الدولي الجديد ، مع الوضع في الاعتبار  أن هذا الدور التاريخي يتطلب تمتعاً بأعلى درجات الحرص على السيادة والاستقلال الوطني والقومي، وأقوى درجات الشراكة الوطنية، مع إعطاء أولوية كبرى لمحاربة الأمية وتوسيع الاستثمار في المعرفة والبحث العلمي، واعتماد العربية لغة لتدريس العلوم باعتبارها أداة موحدة للأمة ورابطة أمشاجها وضامنة استمرار وحدتها، مثلما يقتضي التأكيد على التمسك بالمقاومة وتحصينها وتعظيم دورها في عالم لا يعرف حقاً لضعيف، كما يقتضي حسن توظيف الثروات العربية البشرية والمادية بوصفها عنصر قوة استراتيجية يلزم استخدامها واستثمار قيمتها في تحقيق تنمية مستقلة، وضمان توزيع عادل للثروة يحقق العدالة الإجتماعية، ويستجيب لتطلعات الشعب العربي في كل أقطاره لمزيد من العيش الكريم، ولتعزيز المكانة والدور العربي على المستويين الإقليمي والدولي.