يصدر مركز دراسات الوحدة العربية، كعادته منذ عام 2003، وبالاتفاق مع معهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي - سيبري، النسخة العربية من الكتاب السنوي التسلح ونزع السلاح والأمن الدولي، الذي يعدُّه المعهد. تكمن أهمية إصدار هذا الكتاب السنوي، في ما يحتويه من معلومات ورصد للوقائع والتحولات والصراعات، العسكرية والأمنية والاستراتيجية، ومن عرض لتطور حركة التسلُّح وتجارة السلاح أو الحد من التسلُّح، وتطور التقانات العسكرية والأمنية والمخاطر التي تواجه العالم على هذا الصعيدفيقدم الكتاب بذلك مادة مرجعية تهم كل العاملين والمهتمين بالشؤون العسكرية والأمنية وشؤون الصراعات، من باحثين وخبراء ودبلوماسيين وقادة وصنّاع قرار وصحافيين وغيرهم. 

يحمل نشر هذا الكتاب باللغة العربية أهمية استثنائية هذا العام، نظراً إلى ما شهدته المنطقة العربية عام 2016 من أحداث وظواهر وتطورات تختزل مختلف القضايا والموضوعات التي يتطرق إليها هذا الكتاب ببعد عالمي، من تسلُّح مفرط، وحروب، وصراعات، واستخدام أسلحة محرَّمة دولياً، كيميائية وعنقودية وغيرها، واحتلالات وتدخلات عسكرية معلنة وغير معلنة، ومشاريع انفصالية، ومخاطر تغيير حدود الدول، ومحاولات انقلابية، وعمليات نزوح ولجوء، وهجرة غير شرعية تخلّف آلاف الضحايا، وتغيرات بيئية تزيد من الكوارث وتؤثر في الأمن المجتمعي والغذائي. 

كل هذه العناوين التي تناولها الكتاب، بطريقة أو بأخرى، عرفتها المنطقة العربية عام 2016 بصورة فاقعة أحياناً، من دون أن يعني ذلك أن الأحداث والتطورات والأزمات التي عرفتها المنطقة آنذاك هي وليدة عام 2016 نفسه، كما هي الحال على الصعيد العالمي إلى حدٍ بعيد، ولو مع بعض الاستثناءات التي تميّز بعض القضايا والملفات في المنطقة العربية. 

فالمنطقة العربية لاتزال تشهد واحدة من أصعب وأقدم الأزمات والصراعات في التاريخ المعاصر، إن لم يكن أصعبها وأقدمها على الإطلاق. نقصد هنا القضية الفلسطينية والصراع العربي - الإسرائيلي، وهي أزمة بدأت باحتلال دولة فلسطين منذ نحو سبعة عقود ولم يستطع المجتمع الدولي حتى الآن، بمن فيه منظمة الأمم المتحدة، إيجاد حل ولو تسووي يعيد للشعب الفلسطيني ولو جزءاً من حقوقه المشروعة المستلبة من جانب دولة «إسرائيل». 

من جهة أخرى عرفت المنطقة الكثير من حالات التدخل العسكري من جانب بعض بلدان المنطقة وغيرها في بلدانها الأخرى؛ فقد شهدت الأحداث في كل من سورية والعراق واليمن وليبيا تدخلات عسكرية من جانب بلدان عربية وإقليمية ودولية. فضـلاً عن ذلك، اتخذت الحروب في المنطقة منحيين: منحى الحرب غير المباشرة، أو الحرب بالوكالة، والحرب المباشرة أو الحرب بالأصالة. تمثل الحالتان السورية والليبية نموذجاً للحالة الأولى، حيث شاركت عدة دول في كلتا الحربين من خلال دعم تنظيمات محلية مالياً وعسكرياً وإعلامياً مقابل توظيفها في أجندات سياسية لدى الدول المموِّلة والداعمة عسكرياً. أما حرب اليمن فهي حرب بالأصالة، إذ خيضت الحرب أساساً بالأصالة بين الطرفين المتصارعين: السعودية وقوات التحالف من جهة وجماعة أنصار الله وقوات الرئيس السابق علي عبدالله صالح من جهة أخرى، لكن حتى هذا المنحى المباشر للحرب اليمنية لم يخفِ الدوافع الخلفية لتلك الحرب، المحكومة بالاستقطاب الإيراني - السعودي، بأبعاده السياسية المعروفة، الذي يتخذ منحى تصاعدياً وصولاً إلى عام 2016. 

على مستوى الانفاق العسكري، سجلت سنة 2016 تراجعاً واضحاً في حجم الإنفاق العسكري في السعودية، فإن هذا التراجع لايعبّر بالضرورة عن اتجاه الإنفاق في المرحلة المقبلة، إذ يأتي هذا الإفراط في التسلح في سياق إعداد السعودية نفسها لتأدية دور إقليمي أقوى وأوسع، لابالاعتماد على المال النفطي كما اعتادت السعودية القيام به في العهود السابقة، بل بالاعتماد على القوة العسكرية أساساً. فضـلاً عن أن حدة الاستقطاب السياسي والتوتر المرافق له في المنطقة توحي بإمكان عودة الإنفاق العسكري السعودي إلى الارتفاع، على الرغم من تأثر ذلك سلباً بانخفاض أسعار النفط في السنوات القليلة الماضية. وقد ضربت السعودية بالفعل الرقم القياسي في إنفاقها على التسلح في المنطقة، إذ بلغ إنفاقها العسكري عام 2016 نحو 63 مليار دولار محتلة بذلك المرتبة الرابعة عالمياً من ناحية قيمة الإنفاق بعد الولايات المتحدة والصين وروسيا، في حين احتلت المرتبة الأولى عالمياً من ناحية نسبة الإنفاق من الموازنة العامة، إذ بلغت هذه النسبة 28 بالمئة عام 2016. 

سببت الصراعات العسكرية في المنطقة وما رافقها من تهديدات أمنية في حدوث موجات نزوح من مناطق النزاع باتجاه بلدان عربية أو باتجاه أوروبا عبر تركيا. كما سبب فقدان الأمن الاجتماعي والسياسي والحياتي في مناطق النزاع والفقر في تصاعد ظاهرة الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا عبر المتوسط بظروف إبحار غير آمنة أدت في سقوط الآلاف من الضحايا غرقاً كل سنة. وقد تجاوز عدد ضحايا الموت غرقاً من المهاجرين عبر المتوسط الـ 5000 ضحية عام 2016 بحيث صُنِّف ذلك العام بأكثر الأعوام فتكاً باللاجئين. 

من جهة أخرى، استمرت مخاطر تغيير الحدود الوطنية لبعض البلدان العربية عام 2016: في سورية والعراق، سواء من جهة داعش الذي أقام دولة الخلافة الإسلامية على جزء كبير من أراضي الدولتين، أم من جهة الأكراد في شمال العراق وشمال شرق سورية، الذين كانوا يتجهون نحو إعلان استقلال مناطقهم عن هذين البلدين. وفي اليمن استمرت مخاطر الانقسام بين الشمال والجنوب، بسبب الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي عادت لتظهر في اليمن قبل احتجاجات الربيع العربي. ثم جاءت ظروف الحرب لتغذي هذه المخاطر بدورها. أما ليبيا فقد استمرت عام 2016 منقسمة إلى مناطق نفوذ متعددة محكومة بالانقسامات السياسية والمصلحية الداخلية وبالتدخلات الإقليمية والدولية المتصارعة على المصالح والنفوذ في هذا البلد الغني بالنفط. 

قضايا وعناوين أخرى يتناولها الكتاب يمكن مشاهدتها في المنطقة العربية أيضاً، منها أزمة الأمم المتحدة العاجزة عن التدخل الفاعل لحل كثير من الأزمات، والمعايير المزدوجة التي يتعامل مجلس الأمن بها في تلك الأزمات. وهذا ينطبق أساساً على القضية المحورية في المنطقة، أي القضية الفلسطينية. كما ينطبق ذلك على الحرب الدائرة في اليمن وما تسببه من كوارث إنسانية وانتهاكات لحقوق الإنسان ومؤشرات وقوع جرائم حرب في حق الشعب اليمني. 

ومن القضايا الأخرى التي تناولها التقرير هي قضية التغيرات البيئية وتأثيرها في الأمن الاجتماعي والغذائي وزيادة مخاطر الكوارث الطبيعية وزيادة النزاعات في مناطق مختلفة من العالم. ومن مظاهر التغيرات البيئية في المنطقة العربية عام 2016 ظاهرة الجفاف وندرة الأمطار التي ضربت بلدان المغرب العربي وغيرها من المناطق العربية شرق المتوسط، وهو ما تسبب في تراجع معدل المحاصيل الزراعية فيها وزيادة الطلب على استيراد المنتوجات الزراعية من الخارج فضـلاً عن تأثر الثروة الحيوانية والمواشي سلباً في ذلك. 

أمام كل الوقائع التي يقدمها الكتاب حول قضايا التسلح والنزاعات والحروب والأمن التي شهدها العالم عام 2016، نقف اليوم عند كتابة هذه المقدمة الخاصة بالنسخة العربية من الكتاب في نهاية العام 2017، لنجد أن بعضاً من القضايا العالمية والإقليمية قد تراجعت مخاطره في المنطقة بينما بعضها الآخر زادت مخاطره؛ فمخاطر تغيير حدود الدول في المنطقة العربية قد تراجعت في نهاية هذا العام عما كانت عليه عام 2016، وبخاصة مع الانتهاء من عمليات القضاء على الدولة الإسلامية في العراق والشام، التي كانت ألغت الحدود بين العراق وسورية لحساب دولة الخلافة، وبعد فشل مشروع استقلال المناطق الكردية في شمال العراق عن دولة العراق المركزية، وما كان يمكن أن تحدثه هذه الخطوة الانفصالية من تداعيات مماثلة في البلدان المجاورة للعراق، أي سورية وتركيا وإيران. 

للحصول على الكتاب اليكم الرابط:

التسلح ونزع السلاح والأمن الدولي: الكتاب السنوي 2017