لقد أسهمت القضية الفلسطينية في تعميق الوعي القومي العربي لدى عموم التونسيين ولدى النخبة السياسية والفكرية التونسية، إذ كان اهتمامهم بها شديداً منذ أواسط العشرينيات ثمّ تكثّف ووصل إلى درجات عليا مع فترة الثلاثينيات والأربعينيات. ولم يمنع الاهتمام بالشأن الوطني من الاهتمام بالشأن الفلسطيني. مقابل ذلك، لا نلاحظ اهتماماً كبيراً بالقضايا الخارجية غير العربيّة. وقد مثّلت فلسطين أحد أهمّ شواغل التونسيّين في أغلب مراحل قضيتها، إذ تعاطفوا معها وتظاهروا، وعقدوا الاجتماعات، وشكّلوا اللجان للدفاع عن عروبتها. وجمعوا التبرّعات لفائدتها وتطوّعوا للقتال في حرب 1948‏[1]، إدراكاً منهم للخطر الذي يشكله مشروع «الدولة الجديدة» والدور الذي قد تمارسه في خنق حركة التحرر العربيّة ومنعها من تحقيق أهدافها الوحدويّة‏[2].

أولاً: التونسيّون وقرار التقسيم

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، شهدت القضية الفلسطينية تطوّرات عديدة، وتعدّدت المشاريع التي كانت تسعى لإيجاد حلول سياسية لها. ومن بينها، إدراج القضية الفلسطينية ضمن أعمال الدورة الاستثنائية للجمعية العامة للأمم المتحدة بين 28/4/1947 و15/5/1948‏[3]، والتي قرّرت تشكيل لجنة لزيارة فلسطين وبحث الأوضاع بها. وعرفت هذه اللجنة بلجنة الأونسكوب‏[4]. وتوجّهت هذه اللجنة نحو فلسطين، وعند نهاية نشاطها قدّمت تقريراً يتضمّن مشروعاً لحل الأزمة، تمثل بـ «مشروع الأغلبية» و«مشروع الأقلية». أمّا الأوّل، فكان يقضي بإنهاء الانتداب البريطاني وتقسيم فلسطين وإنشاء دولتين: الأولى عربية والثانية يهوديّة، ووضع القدس تحت الوصاية الدوليّة. في حين كان مشروع الأقليّة يقضي بإنهاء الانتداب البريطاني وتأسيس دولة فدراليّة، أساسها دولة يهوديّة وأخرى فلسطينيّة وتكون القدس عاصمة لها‏[5]. وفي 29 تشرين الثاني/نوفمبر 1947، تبنّت الجمعيّة العامّة في إثر انعقاد دورتها الثانية «مشروع الأغلبية» الذي اقترحته لجنة الأونسكوب كحل لقضيّة فلسطين بعد ما أجرت عليه بعض التعديلات، وأصدرت قرارها الرقم 181 الذي كان ينصّ على تقسيم فلسطين إلى دولتين مستقلّتين مع اتحاد اقتصادي، على أن تشمل الدولة اليهودية ثلاثة أقسام من فلسطين، بينما تضمّ الدولة العربية أربعة أقسام بعد أن تقرّر ضم حيفا إليها ووضع القدس تحت الوصاية الدوليّة، وبإنهاء الانتداب البريطاني في أجل أقصاه آب/أغسطس 1948‏[6]. وقد أثار قرار التقسيم هذا، ردود فعل متباينة لدى الأوساط السياسيّة والفكريّة التونسيّة. لكن يمكن الإجماع على رفضه من قبل العموم والنخب الفكرية السياسية على حدّ سواء. مع استثناء للحزب الشيوعي التونسي الذي بارك القرار تماهياً مع موقف الاتحاد السوفياتي‏[7].

1 – الزيتونيّون وقرار التقسيم

في إثر صدور القرار الدولي عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، بادر الزيتونيّون من مدرّسين وشيوخ وطلبة إلى رفضه، وتوجّهوا نحو التعبئة الروحيّة والسياسية لنصرة فلسطين‏[8]، انطلاقاً من المساجد ومن بعض الجمعيّات واللجان التي تشكّلت للغرض. على غرار لجنة إغاثة فلسطين وجمعية الشبّان المسلمين ولجنة الدفاع عن فلسطين. وقد اعتمد الزيتونيّون على كل الوسائل المتاحة – آنذاك – من اجتماعات وتجمّعات حاشدة في الساحات والجوامع بالعاصمة تونس وداخل البلاد، إلى النداءات على المنابر والمقالات الصحفيّة وتوزيع المناشير وجمع التبرّعات وتنفيذ الإضرابات. ففي يوم 4 كانون الأول/ديسمبر 1947، وقع تجمّع كبير انتظم بالعاصمة وتحديداً بجامع صاحب الطابع والساحة المحيطة به، وضمّ أكثر من 3 آلاف شخص من جميع شرائح المجتمع. ورفعوا شعار «من أجل فلسطين العربية». وترأسه الشيخ محمّد الفاضل بن عاشور، وحضره الشيخ محمّد صالح مراد والشيخ محمّد الشاذلي بالقاضي، والقيادي في الاتحاد العام التونسي للشغل الصحبي فرحات. وعن الحزب الدستوري الجديد علي البلهوان، والحبيب شلبي عن الحزب القديم. وكان الافتتاح بخطاب ألقاه الشيخ بالقاضي ندّد فيه بقرار التقسيم وذكّر بدور اليهود فيه وبقيام منظمة الأمم المتحدة بخدمتهم. كما حمّل أوروبا مسؤولية الوضع المتردّي للعرب وللفلسطينيين، وأعلن أنّ واجب المسلمين هو التوحّد من أجل إعانة إخوانهم بالأراضي المقدّسة، وطالبهم بجمع التبرّعات لنصرة فلسطين‏[9]. كذلك ذكّر الشيخ بأن الخطر الصهيوني لن يقف عند حدود فلسطين، فخطره يهدّد مكّة والأراضي العربيّة‏[10]. وختم بنداءٍ لجمع التبرّعات وتجنيد المتطوعين العرب لإنقاذ فلسطين، لأن المسلم يحرم عليه دينه أن يترك اليهود يستولون على الأراضي المقدّسة‏[11].

وفي يوم 5 كانون الأول/ديسمبر 1947، انعقد تجمّع آخر بجامع الزيتونة والساحة المحيطة به، وضمّ أكثر من 6 آلاف شخص، وتجدّدت فيه نفس الدّعوات والمطالب التي وجّهت في جامع صاحب الطابع، والمتمثلة بضرورة نصرة فلسطين ورفض القرار الأممي‏[12]. كما قام الزيتونيون أيضاً، بتنفيذ الإضرابات احتجاجاً على القرار، إذ دخل جامع الزيتونة وفروعه بالبلاد التونسية في سلسلة من الإضطرابات تواصلت إلى غاية يوم 4 كانون الأول/ديسمبر. على سبيل المثال، أضرب فرع الزيتونة بصفاقس يوم 2 كانون الأول/ديسمبر، وفرع القيروان بداية من 3 كانون الأول/ديسمبر في حين أضربت فروع جامع الزيتونة بمدن مساكن وسوسة بداية من4 كانون الأول/ديسمبر 1947‏[13].

قام الزيتونيّون أيضاً بجمع التبرّعات المالية لفائدة الفلسطينيين من طريق بعض اللجان كـ «لجنة الدّفاع عن فلسطين» و«لجنة إغاثة فلسطين». وكانت التبرّعات تجمع على شكل أموال أو مصوغ أو عن طريق بيع بعض الصور الآتية من ساحات فلسطين. وقد بلغت قيمة التبرّعات التي جمعها التونسيّون حتى أوائل تشرين الأول/أكتوبر 1948 ما يزيد على 7 ملايين فرنك‏[14]. كذلك عبّر الزيتونيّون عن مواقفهم الرافضة لقرار التقسيم من خلال المقالات الصحفيّة التي كانت تنشر في تلك الفترة والتي حاولنا جاهدين رصد البعض منها. ففي مقال للشيخ الصادق بسيّس (1914 – 1978) بجريدة الزّهرة بعنوان «ليصرخ شباب تونس لبّيكِ يا فلسطين» كتب قائلاً: «إنّ العالم العربي بموقفه الحاسم بجانب فلسطين مؤيّداً، ناصراً مقدّماً النفس والمال والأقلام والمهج والأرواح سيقطع دابر الصهيونيّة ويطاردها في كل مكان ويدخل معها في دور المحنة الأخير، دور الحياة أو الموت. إن تونس العربيّة المسلمة تصرخ أمام الناس جميعاً بأنها ستؤدّي واجبها في الدفاع عن عروبة فلسطين كامـلاً غير منقوص»‏[15]. وللتذكير فإنّ الشيخ «بسيّس» عُرف بمواقفه الدّاعمة للقضيّة الفلسطينية منذ الثلاثينيات، وكان يلقّب لدى الأوساط الزيتونيّة بالشيخ الفلسطيني لكثرة ما عرف عنه من دفاع مستميت عن فلسطين. أمّا بقيّة المواقف التي صدرت عن الزيتونيّين في الصحف – آنذاك – والرافضة لقرار التقسيم، فقد نسجت على منوال الشيخ بسيّس، من خلال استعمال مفردات ولغة غير سياسيّة في الغالب وإطلاقها أحكاماً قيميّة ذات شحنة أخلاقيّة – تعبوية لم تصل إلى تحليل الظاهرة تحليـلاً متماسكاً يبيّن الأسباب الحقيقيّة لما حصل إلا جزئيّاً‏[16]. من ذلك أن القرار كان «جائراً… ويسعى لصدّ العرب الذين أرادوا أن يعيشوا في بلادهم بسلام»‏[17]، وإنه – أي القرار – «جائر ومهزلة… وقضاء على الإسلام والمسلمين وانعكاس للوشايات والدسائس والتعصّب الدّيني»‏[18]… وإحياء لذكرى الحروب الصليبيّة التي تجدّدت في أذهان المسيحيّين، وصدّ لصعود الحضارة الإسلامية‏[19]. أيضا حمّل الزيتونيّون «الدول العظمى» مسؤوليّة إصدار القرار، والدور الذي قامت به بريطانيا التي كانت المسؤولة عمّا حدث، فهي أصل الدّاء وهدفها كان دائماً إضعاف المسلمين لمصلحة الصّهيونيّة العالمية‏[20].

2 – الحزب الحر الدستوري الجديد والقرار الدّولي

أثار قرار الجمعيّة العامة الصّادر في حق فلسطين حفيظة الحزب الدستوري الجديد الذي رفض التقسيم وعبّر عن ذلك بعدّة أوجه، إذ شارك الدستوريّون الجدد في التجمّعات الحاشدة التي انعقدت لنصرة فلسطــين بالعاصمة «تــونس» وبقية المدن الأخرى. فــفي التجمّع الذي وقــع بجامع صاحب الطابع يوم 4 كانون الأول/ديسمبر 1947 ألقى القيادي الدستوري علي البلهوان خطاباً وسط الحشود أكّد فيه عروبة فلسطين، وندّد بالقرار وبدور الدول الغربيّة فيه وبالأخص دور الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي. كما نبّه إلى الخطر الاستعماري وطالب «بضرورة إعانة فلسطين وأهاليها لأنّهم عندما ينتصرون هناك ننتصر في تونس»‏[21]. أيضاً، شارك نوّاب عن الحزب الدستوري الجديد في اجتماع جامع الزيتونة يوم 5 كانو الأول/ديسمبر 1947، وكان من بين الحضور الأمين العام صالح بن يوسف‏[22] الذي ألقى خطاباً أكّد فيه بأنّ القضية الفلسطينية أصبحت الشغل الشاغل للتونسيّين‏[23] مطالباً بضرورة نصرة فلسطين بكل الوسائل‏[24]، منبّها إلى عدم السقوط في فخ العداء لليهود التونسيّين ومقاطعتهم‏[25]. وختم بالتشديد على عروبة وإسلام فلسطين‏[26]. كذلك أسهم الحزب في جمع التبرّعات والأموال من طريق بعض اللجان التي تشكّلت للغرض، وكانت هذه الأموال تجمع وترسل إلى مكتب القاهرة. لا بدّ أيضاً من الإشارة إلى أن موقف الدستوريّين الجدد في ما يتعلق بفلسطين قد تغيّر تغيراً جذريّاً، فالمتتبّع لمواقف الحزب ولقياداته يلاحظ أنهم كانوا – قبل صدور القرار عن الجمعيّة العامّة – يعتبرون القضية الفلسطينية شأن الفلسطينيّين بدرجة أولى وقضية بقية العرب بصفة ثانوية. وإن عرب المشرق مطالبون أكثر من غيرهم من العرب بالوقوف إلى جانب فلسطين‏[27]. وقد عبّر الحبيب بورقيبة عن ذلك في أكثر من مناسبة، ففي تصريح له قال فيه: «… على عكس يهود تونس الذين يعتبرون فلسطين أرضهم ويسعون جاهدين لبناء دولتهم بها، فإنه ليس ثمّة أي تونسي يعتبر فلسطين وطناً له، وهو في ذلك يقف نفس الموقف من العراق أو سوريا… مهما كانت الذكريات التي تشدّه إلى تلك الربوع»‏[28]. فما هي الأسباب التي دفعت بالدستوريين الجدد لتغيير مواقفهم من قضيّة فلسطين؟ يمكن أن نفسّر تغيّر مواقف الحزب الدستوري الجديد من قضيّة فلسطين بمجموعة من العوامل، نلخّصها في:

– الدور الذي قامت به جامعة الدول العربيّة في مساندة القضية الوطنية وفي نشر البواكير الأولى للوعي القومي العربي بين النخبة الوطنيّة.

– تأسيس مكتب المغرب العربي بالقاهرة وإيقاظه للمشاعر الوحدويّة لدى القادة الدستوريّين من خلال تفعيله لمبادئ النضال والمصير المشترك. وهو ما تكرّس فيما بعد مع تشكيل لجنة تحرير المغرب العربي‏[29].

– صدى القرار الدولي القاضي بتقسيم فلسطين بتونس وما خلّفه من سخط شعبي وتفاعل للرأي العام التونسي معه من خلال الإضرابات والاجتماعات ولوائح الاستنكار والتحرّكات والاحتجاجات الشعبيّة.

– سعي الحزب الجديد إلى سحب البساط من تحت قادة الحزب الدستوري القديم الذين عرفوا بمواقفهم المساندة للقضيّة الفلسطينيّة منذ العشرينيات، ووقوفهم ضدّ الحركة الصهيونيّة‏[30].

هذه المواقف أكسبت الحزب القديم قاعدة جماهيرية كبيرة. كل هذه العوامل، دفعت بالدستوريّين الجدد إلى تعديل مواقفهم من القضايا العربيّة عامة ولا سيّما القضيّة الفلسطينية، فعارضوا التقسيم واتجهوا نحو التعبئة الرّوحيّة والسياسية لنصرتها.

3 – الشيوعيّون التونسيّون ومباركة القرار الدّولي

يعدّ الحزب الشيوعي التونسي‏[31] الاستثناء الوحيد من بين جميع النخب السياسيّة والفكريّة التونسيّة، بموقفه من قرار التقسيم، إذ بارك الشيوعيّون التونسيّون القرار الدّولي في حق فلسطين، معلّلين موقفهم ذلك بأن القرار شكّل ضربة قاصمة للإمبريالية البريطانية وحلفائها العرب المنضوين تحت لواء الجامعة العربيّة‏[32]. ولقد أقرّ الحزب الشيوعي التونسي، لليهود بحقّهم في تأسيس دولتهم، واعتبر أن تأسيس دولتين بفلسطين هو أحسن وسيلة لمحو الاستعمار من كامل الشرق الأوسط وهو أخفّ الأضرار، ويضمن جلاء القوّات البريطانيّة‏[33]. كما اعتبر الحزب أن استتباب السلم مرهون بتطبيق قرارات الجمعيّة العامة وتأسيس دولتين مستقلتين‏[34]. هذا الموقف المساند للتقسيم يعد تناقضاً مع مواقف الحزب من الحركة الصهيونيّة ومن «المسألة اليهوديّة»، إذ أصبح الشيوعيّون التونسيّون يرون في المجموعات التراكميّة من المستوطنين الصّهاينة الذين يحملون صفات بلدانهم الأصليّة وميزاتها، قوميّة يهوديّة في طريق النشوء والتطوّر. بعد أن كانوا ينفون نفياً قاطعاً وجود أمّة يهوديّة تماشياً مع مواقف ماركس ولينين في ما يخصّ هذه المسألة‏[35]. هذا الموقف لقي معارضة شديدة من العديد من النخب الفكريّة آنذاك، التي ندّدت به واعتبرته تنكّراً للمبادئ التي كان يرفعها الشيوعيّون من حق الشعوب في التحرر والانعتاق. وهو ما لاحظناه في بعض المقالات الصحفيّة في تلك الفترة، إذ نقرأ على سبيل المثال مقالاً بجريدة النهضة بعنوان «كاد المريب أن يقول خذوني» وجاء فيه: «لا همّ لهمّ إلا تمكين الشعوب المولّى عليها من حقوقها الطبيعيّة، ثم لا يتعفّف حين تدعو لذلك مصلحة الدّولة التي يأتمر بأمرها عن العمل على نقيض تلك المبادئ، ويقبل بل ويبرّر فرض نوعٍ من الاستعمار هو أشدّ وأقسى بكثير من كل ما عرف عنه لحد الآن على شعب آمن»‏[36].

وقد اعتبرت النخب الفكرية والسياسية التونسية موقف الحزب الشيوعي التونسي مجرّد تماهٍ وتماشٍ مع موقف الاتحاد السوفياتي. هذا الموقف عارضته بعض العناصر المنتمية للحزب الشيوعي التونسي، ونذكر من بينها الأمين العام للحزب – آنذاك – علي جراد الذي أكّد أن الاتحاد السوفياتي له سياسته الدبلوماسيّة الخاصة به، وله الحق في أن يعترف بمن يشاء، لكن الخط السياسي للحزب الشيوعي يجب ألّا يستند بالضرورة إلى الدبلوماسيّة السوفياتيّة‏[37]، وبسبب موقفه هذا فصل الرجل من الحزب. في الختام، نخلص إلى القول بأن النخب السياسية والفكرية وعموم التونسيين قد تفاعلوا مع مشاريع التسوية السياسية المطروحة آنذاك ولا سيّما الدولية منها كحلّ للقضية الفلسطينية، وكان أغلبها رافضاً لها ومتمسّكـاً باستقلال فلسطين وعروبتها وإسلامها. هذا الموقف سيزداد تصلـباً إبّان الحرب العربية – الإسرائيلية الأولى في سنة 1948.

ثانياً: التونسيّون والحرب العربية – الإسرائيلية 1947 – 1949

استمرت الحرب العربية – الإسرائيلية الأولى لمدة تقارب العشرين شهراً من تاريخ صدور قرار التقسيم في 29 تشرين الثاني/نوفمبر 1947 إلى غاية توقيع الهدنة بين سورية وإسرائيل في تموز/يوليو 1949. فما هي أهم مراحلها؟ وكيف تفاعل التونسيّون معها؟

1 – أطوار الحرب

مرّت الحرب بأطوار مختلفة، وشهدت تقلبات عديدة.

أ – الطور الأوّل: تشرين الثاني/نوفمبر 1947 – نيسان/أبريل 1948

امتدت هذه المدة نحو خمسة أشهر، ودارت خلالها معارك عنيفة بين الفلسطينيين والمتطوّعين العرب من جهة، والصهاينة من جهة ثانية‏[38]. وكانت المعارك لمصلحة العرب إلى غاية شهر آذار/مارس 1948، إذ تقدّم العرب رغم الخبرة التنظيمية والمهارة القتالية والعتاد الذي كان يتمتع به اليهود‏[39]. لكن بعد ذلك انقلبت موازين القوى لمصلحة الصهاينة الذين نجحوا في الاستيلاء على العديد من القرى والمدن الفلسطينية.

ب – الطور الثاني: أيار/مايو 1948 – تموز/يوليو 1949

شهدت الحرب في هذه المدة ثلاث مراحل:

المرحلة الأولى وامتدت من 15 أيار/مايو 1948 إلى 11 حزيران/يونيو 1948، وتمّ خلالها إنهاء الانتداب البريطاني وقيام دولة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية‏[40]. في إثر ذلك دخلت الجيوش العربية فلسطين في 15 أيار/مايو، وكانت تضم بعض جيوش الدول العربية على غرار العراق وسورية والأردن ولبنان ومصر، إضافة إلى جيش من المتطوعين العرب. وكانوا بقيادة الضابط السوري فوزي القاوقجي. وتمكن العرب خلال هذه المرحلة من السيطرة على المناطق الفلسطينية بل وصلوا إلى مناطق تشرف على تل أبيب وسيطروا على مدينة القدس‏[41]. في إثر ذلك تدخلت الأمم المتحدة وأمرت بإيقاف القتال بعقد هدنة بين الطرفين استمرت إلى غاية 9/7/1948.

المرحلة الثانية وامتدت من 9 تموز/يوليو إلى غاية 18 تموز/يوليو 1948، وشهدت انتصارات الصهاينة بفضل تلقيهم الدعم المادي والعسكري من الغرب. ونجح اليهود في الاستيلاء على العديد من المدن الفلسطينية، لتتدخل في إثر ذلك الأمم المتحدة وتصدر قراراً بوقف إطلاق النار ابتداءً من 18 تموز/يوليو.

المرحلة الثالثة التي امتدت من 15 تشرين الأول/أكتوبر 1948 إلى غاية 20 تموز/يوليو 1949 تاريخ توقيع الهدنة مع سورية. وشهدت هذه المرحلة انتصارات عديدة ومتتالية لليهود الصهاينة‏[42]. وانتهت الحرب بقرار صادر عن مجلس الأمن يقضي بوقف إطلاق النار وبتوقيع الدول العربية المحيطة بـ «إسرائيل» اتفاقيات هدنة دائمة وفردية‏[43]، حيث وقّعت مصر هدنة في 24/4/1949، وسورية في 20/7/1949، ولبنان في 23/3/1949، والأردن في 3/4/1949. وبذلك انتصرت «الأيديولوجيا الصهيونية» عسكرياً بعد أن انتصرت قبل ذلك سياسياً ودبلوماسياً من خلال حصولها على اعتراف دولي يقضي بإنشاء «وطن قومي لليهود» على أرض عريبة. وجاءت الحرب لتدعّم هذا «النصر» من خلال تأسيس الدولة العبرية في 14 أيار/مايو 1948، التي سيطرت على أكثر من 72 بالمئة من إجمالي الأراضي ونجحت في نشر أغلبية يهوديّة بها بعد أن شرّدت الألوف من الفلسطينيين من قراهم ومدنهم. أما العرب، فقد فشلوا دبلوماسياً وعسكريّاً لأنهم خاضوا الحرب من دون حدّ أدنى من التعاون والتنسيق. وقد وصفوا انتصار الصهيونيّة وهزيمة جيوشهم وتشريد الألوف من الفلسطينيين بـ «النكبة». وذهب أحد الباحثين إلى أن استخدام العرب هذا المصطلح والوصف كان بهدف إخفاء هول الهزيمة والمأساة وإنه قدر غاشم من طرف قوى عظمى وقاهرة‏[44]. وقد كان لهذه الحرب وقع كبير لدى التونسيين، سواءٌ لدى العموم أو لدى النخبة الوطنيّة، الذين تفاعلوا معها ومع النتائج التي آلت إليها.

2 – التونسيّون وتفاعلهم مع الحرب العربيّة – الإسرائيلية الأولى

تفاعل التونسيّون سواء كانوا من النخبة أو من العموم مع القضيّة الفلسطينيّة منذ أطوارها الأولى. هذا التفاعل أخذ منحى أعمق وأشمل مع صدور قرار التقسيم، ليصل إلى أعلى درجاته ومراحله مع اندلاع الحرب أواخر سنة 1947. ليصبحوا طرفـاً فيها، سواء كانوا أحزابا أو منظمات أو أشخاصاً. فعند اندلاع الشرارات الأولى للحرب، تطوّع الآلاف من التونسيّين للدّفاع عن فلسطين. ولكن لم يصل منهم إلا بعض المئات إلى أرض المعركة وقاتلوا على جبهات عديدة. في حين لم يتمكّن أغلبيّتهم من الوصول إلى فلسطين‏[45]. وقد كان يقع تجنيدهم في العاصمة تونس وفي المدن الداخلية أين وضعت مكاتب خاصّة لاستقبالهم ونقلهم إلى الحدود الجنوبيّة الشرقيّة مع ليبيا. وكانت أعداد الذين تطوعوا من التونسيين للمشاركة في الحرب تقدر بنحو 2000 شخص توزعوا على المدن والجهات التالية: تونس العاصمة بـ 657 متطوعاً؛ صفاقس بـ 276 متطوعاً؛ الساحل بـ 256 متطوعاً؛ قابس وبقية الجنوب التونسي بـ 222 متطوعاً‏[46].

لكن هذه الأرقام تبقى تقديرية، لأن هنالك العديد من التونسيين تطوعوا نحو فلسطين من دون أن يقصدوا المكاتب التي أُعدت للغرض. وكان المتطوعون يعانون ظروفاً مادية ونفسية قاسية أثناء توجههم نحو فلسطين وهو ما تبيَّنّاه من خلال مراسلة أحد الشبان المتطوعين في طرابلس إلى أحد مسؤولي التجنيد بتونس. هذه المراسلة تعود إلى شهر أيار/مايو 1948 وورد فيها: «…على طول طريقي نحو طرابلس كان يعترضني المئات من التونسيين متوجهين نحو فلسطين للتطوع في صفوف المجاهدين العرب. كل هؤلاء المتطوعين كانوا في حالة مادية يرثى لها. ورغم ذلك كان يحدوهم شعور وطني حاد بفلسطين. وكلهم إيمان راسخ بأن المعركة من أجل فلسطين هي الخطوة الأولى لتحرر شمال أفريقيا كاملة. ولقد شقوا عشرات الكيلومترات لبلوغ طرابلس وتعرضوا لكل المخاطر عند اجتيازهم الحدود وأن العديد منهم تم إيقافهم وتعرضوا للإهانات والتعذيب. لقد تحدثت مع الكثير منهم وحكوا لي عن مشاق مغامرة الطريق خاصة وأن الكثير منهم كانوا كبارا جداً وصغاراً جداً لحمل السلاح»‏[47]. كما كانوا ينتمون إلى شرائح اجتماعية متوسطة وفقيرة في الغالب. فبحسب تقرير أمني للمراقب المدني بقابس المؤرخ في 8 حزيران/يونيو 1948، ورد فيه أن أغلب المتطوعين كانوا من الفقراء والمعدمين في غالبيتهم (فلاحين فقراء، عاطلين من العمل، شباب، عمال، حرفيين…)‏[48]. وكان المتطوعون التونسيون الذين نجحوا في اجتياز الحدود الليبية ينقلون عبر شاحنات إلى مدينة بنغازي، وهنالك يقوم القنصل المصري بنقلهم إلى مدينة «مرسى مطروح» على مقربة من الحدود المصرية – الليبية بعد أن يقوموا بإجراء الفحوص الطبية لهم، ثم يسلمونهم تصاريح لدخول التراب المصري، وعند بلوغهم ثكنة مرسى مطروح يتم إعطاؤهم زياً عسكرياً، ثم يقسمون إلى كتائب وفرق ويدربون تدريباً استعجالياً على استعمال السلاح بمختلف أنواعه. كما كانوا يتحصلون على ثقافة دينية وسياسية‏[49].

وأثناء أطوار الحرب استشهد العشرات من المتطوعين التونسيين على أرض فلسطين؛ ففي تقرير مؤرخ في 15 تموز/يوليو 1948 للمقيم العام الفرنسي، ورد فيه «أن الفرقة التونسية – الليبية تمكنت من بلوغ بيت لحم، ودخلت في معارك مع القوات الإسرائيلية. وقتل منهم 11 متطوعاً»‏[50]. أيضاً، استشهد العديد من التونسيين في معارك أخرى على غرار «علي بن صالح التونسي» الذي استشهد في يافا في نيسان/أبريل 1948 وعبد الحميد الحاج سعيد وبلقاسم عبد القادر ومحمد التونسي بمدينة القدس‏[51]. هذا في ما يخص تطوع التونسيين لجبهات القتال في فلسطين أثناء الحرب، الذي قد عكس أرقى وأنبل مستويات التضامن العربي والتفاعل مع القضية الفلسطينية. ولم يقتصر دور التونسيين في تفاعلهم مع حرب فلسطين على التطوع في جبهات القتال بل تفاعلت النخبة الوطنية – من موقعها – بما يخدم القضية الفلسطينية بطريقتها الخاصة. ولم تكتفِ هذه النخبة بمتابعة الأحداث والتعليق عليها فحسب، بل كانت لها رؤية شاملة تناولت جميع القضايا ذات العلاقة بحرب فلسطين، إذ راهنت النخبة السياسية والفكرية على خيار الحرب ودعمته واعتبرته «حـلاً وبديـلاً عن العمل الدبلوماسي الذي سيؤدي إلى الاعتراف بالدولة اليهودية ولن يحل المشكل»‏[52].

وقد راهن الدستوريون القدماء والجدد على حد سواء على خيار الحرب لحسم الصراع لمصلحة العرب والفلسطينيين. وهو ما نتبيّنه من خلال موقف الأمين العام للحزب الدستوري الجديد – آنذاك – صالح بن يوسف في خطاب ألقاه بالجامع الكبير في مدينة بنزرت في 16 أيار/مايو 1948 ورد فيه أن «القضية الفلسطينية لن تحل إلا عن طريق السلاح وبالاتجاه الإيجابي لصالح العرب»‏[53]. الموقف نفسه عبر عنه عضو اللجنة التنفيذية للحزب الحر الدستوري القديم الحبيب شلبي في كلمة له ألقاها بالمؤتمر العربي الإسلامي لحماية فلسطين بجامع صاحب الطابع ذكر فيها أن «العتاد والأموال هي التي سوف تنقذ فلسطين. أما القرار الأممي فسيبقى حبراً على ورق»‏[54].

ولقد رأت النخبة السياسية الوطنية – آنذاك – في الحرب بفلسطين حجر الأساس لتحرير الشعوب العربية وتحقيقها لوحدتها بإزالة العائق الصهيوني من طريقها. ففي كلمة لعلي البلهوان في المؤتمر العربي الإسلامي لحماية فلسطين صرح بأن «مسلمي شمال أفريقيا سيدافعون عن فلسطين، لأن بدفاعهم عنها يدافعون عن جنسية ولغة ودين ولا يطالبون بالحرية والاستقلال الفلسطيني فقط بل لكافة العالم العربي»‏[55]. وكما صرّح الحبيب شلبي بأن محنة فلسطين هي فرصة منقطعة النظير هيأها القدر لتتجمع فيها آلام العرب وآمالهم وجهودهم لتتكون نقطة الانبعاث العربي في العصر الحديث‏[56]. نفس الموقف عبر عنه أيضاً عضو اللجنة التنفيذية للحزب الدستوري القديم محي الدين القليبي‏[57] بالقاهرة في حوار أجرته معه جريدة الإخوان المسلمين ونقلته جريدة النهضة التونسية اعتبر فيه أن القضية الفلسطينية هي قضية استعمارية نشترك فيها مع أهلنا في الشعور بخطر الاستعمار ووجوب مكافحته، معتبراً – أيضاً – أن فلسطين هي نقطة الانبعاث العربي‏[58]. أيضاً، كان الرأي العام التونسي يراهن على خيار الحرب ويدعمه – شأنه في ذلك شأن الأحزاب السياسية – كحل لقضية فلسطين يخدم العرب بعامة والفلسطينيين بخاصة، وهو ما لاحظناه في الصحف الصادرة، آنذاك، واقتطفنا البعض منها كنماذج وأمثلة على هذا التفاعل:

ففي مقال صادر بجريدة المرآة بعنوان «مشاكل البلاد العربية» كتب صاحبه قائلاً «إن قضية فلسطين عقدة لن تحل إلا بالحديد والنار…»‏[59]. وفي مقال آخر بجريدة الزهرة بعنوان «كل نقمة في بطنها نعمة»، اعتبر صاحبه «أن الحرب هي فرصة كبيرة لكسر شوكة اليهود، وهي درس لهم حتى لا يعودوا لغرورهم وإلى طموحاتهم الباطلة… وإنها ستكون عامـلاً في بروز الوحدة العربية»‏[60]. أما بقية الصحف التونسية – آنذاك – فقد نسجت على المنوال نفسه من خلال دعمها خيار الحرب والمراهنة عليه، مع استثناء لجريدة الطليعة التي كانت لسان حال الحزب الشيوعي التونسي – آنذاك – والتي لم تكن داعمة للحرب ولا لتطوع التونسيين للقتال في فلسطين بقدر ما كانت ترى بضرورة النضال فوق التراب التونسي، لأن ذلك أحسن وسيلة «يعاضدون بها شعب فلسطين لتحريرها من الاستعمار الأنغلو – سكسوني»‏[61].

أيضاً، نقف على مظهر آخر من مظاهر التفاعل والتضامن التونسي مع فلسطين؛ يتجلى في ربط القضية التونسية والمغاربية بالشأن الفلسطيني، وهو موقف عبر عنه خاصة قادة الحركة الوطنية، إذ أبرز القيادي الدستوري المنجي سليم‏[62] في خطاب له ألقاه في اجتماع للدستوريين بمنزل عبد الرحمن في 22/5/1948، ذكر فيه أن «مستقبل تونس والمغرب العربي مرتبط حالياً بفلسطين»‏[63]. وهو موقف أكده قبل ذلك الدستوريون الجدد في أكثر من مناسبة؛ ففي الخطاب الذي ألقاه علي البلهوان في التجمّع الحاشد بجامع صاحب الطابع، رأى «أن قضية فلسطين هي قضيّة فاصلة تنعكس بالإيجاب أو بالسلب على سير الحركة الوطنيّة التونسية، فإذا نجحنا في فلسطين ننجح في تونس، وإن فشلنا هناك سنفشل هنا»‏[64]. كذلك عبّر الشاذلي بالقاضي‏[65] في أكثر مناسبة عن أن «المعركة الحاسمة لا يمكن أن تحسم في تونس بل هي في فلسطين»، وأن «بتحرير فلسطين العربية – المسلمة يتحرّر المغرب العربي»‏[66].

سجّلنا أيضاً، في هذا السياق موقفاً للحبيب بورقيبة الذي كان آنذاك في المشرق وتحديداً بالقاهرة، إذ طالب الجامعة العربية والدوائر العربية «أن تركيز اهتمامها في هذه الظروف على قضية فلسطين وتأجيل قضيّة شمال أفريقيا. فتحرير فلسطين هو أكثر القضايا تأكداً الآن‏[67]. كذلك، تفاعل التونسيّون مع ما آلت إليه الحرب من نتائج كارثيّة للعرب وللفلسطينيين. هذا التفاعل سجلته صحف العصر التي اعتبرت الحرب «جريمة ومهزلة ومؤامرة»‏[68]. وحمّلت مسؤولية الهزيمة «للقوى العالميّة التي تآمرت وفرضت توقيف القتال ممّا سمح للصهاينة بجلب العدّة والعدد الكافي لردّ غارة العرب»‏[69]. وهو «ما جعل وضعهم القتالي أفضل»‏[70]. أيضاً، سجّلت بعض الصحف التونسيّة في سياق تفاعلها مع الهزيمة موقفاً آخر مغايراً للموقف الأوّل. فقد حمّلت بعض الصحف مسؤولية النكبة للعرب أنفسهم. وهو ما لاحظناه في مقال بجريدة المرآة بعنوان «ضياع الدّولة العربيّة في فلسطين هو ضياع آخر». ورد فيه: «إننا نحن الذين قدّمناها لقمة سائغة لليهود… فماذا أعددنا لهم غير التبجّح الكاذب والخطب الفارغة والادّعاء الممقوت والتضليل والتهويل»‏[71].

وفي هذا السّياق أيضاً حمّلت الجريدة نفسها الهزيمة للعرب بقولها: «لقد كانت الأمم المتّحدة جائرة. لكن العرب كانوا أشدّ جوراً على أنفسهم، وأخذوا ينتظرون النصر من عند الله من غير أن يعملوا له شيئاً»‏[72]. كما حمّلوا الأنظمة العربية وقادتها مسؤولية ما جرى بفلسطين، ففي مقال بعنوان «نكّسوا الرؤوس أيها العرب فقد سطّرتم أفظع وأخزى صفحة في تاريخكم» ورد فيه: أن القادة العرب هم الذين أخرجوا نساءنا عاريات، وهم الذين هتكوا أعراضنا وسلبوا أبناء البلاد بلادهم. وهم الذين تركوا أكثر من 700 ألف نسمة من العرب يموتون جوعاً وعراءً ومرضاً. وهم الذين سيقومون بمصافحة الصّهاينة ويعترفون بدولتهم ويرقصون على تلك الأجساد البريئة»‏[73]. وبذلك كانت الهزيمة في الحرب وسيلة للنخب الفكريّة الوطنيّة لمحاسبة القيادات العربية الحاكمة. كما كانت مطيّة لإدانة سلوكهم السياسي تجاه شعب فلسطين وقضيّته على حدّ عبارة أحد المؤرخين التونسيين‏[74]. وفي الختام، ننتهي إلى القول بأنّ الحرب العربيّة – الإسرائيلية الأولى‏[75] عكست أرقى درجات التفاعل والتضامن لدى التونسيين تجاه فلسطين. وقد بيّنت زخم العطاء الذي قدّمته النخب الفكريّة والسياسية وبخاصّة عموم التونسيّين الذين ضحّوا بأرواحهم دفاعاً عنها من منطلق الوعي بالهويّة الواحدة والعدوّ الواحد.

 

قد يهمكم ايضاً  قرار ترامب بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس: الدوافع والتداعيات