المحرر: جومو كوامي سوندرام

ترجمة: محمود كامل

مراجعة: محمد صلاح غازي(**)

الناشر: المركز القومي للترجمة، القاهرة

سنة النشر: 2016

عدد الصفحات: 338

 

يتناول كتاب القرن العشرون الطويل… الاستعمار الاقتصادي الأمريكي لدول العالم الثالث ثلاثية الهيمنة الأمريكية والتنمية غير المتكافئة والتفاوت العالمي. الكتاب من تحرير جومو كوامي سوندرام الأمين العام المساعد للتنمية الاقتصادية بالأمم المتحدة، ونقله من الإنكليزية إلى العربية محمود كامل والصادر عن المركز القومي للترجمة بالقاهرة، 2016. ويُعنى بعواقب التفاوت على التكامل الاقتصادي العالمي في سياق ما سمي بالإمبريالية الحديثة أو الرأسمالية.

لقد أصبحت الهيمنة الأمريكية أمراً لا لبس فيه بعد الحرب العالمية الثانية، وبخاصة مع انعقاد مؤتمر بيرتون وودز، وبداية الحرب الباردة، وإطلاق مشروع مارشال بديـلاً من «دبلوماسية السفن الحربية». غير أن الأثر القريب الحالي «لحديث الإمبراطورية» هو الموقف العالمي الذي تغير بعد الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001. وكما هو معروف فإن مصطلح «الحرب على الإرهاب»، تم تصديره لإضفاء الشرعية على الحروب العسكرية لكل من أفغانستان والعراق. وتنعكس الروح العسكرية الأكبر بشكل جزئي على تصرفات الولايات المتحدة بشكل منفرد في الشؤون الدولية على نحو متزايد.

ومنذ أوائل السبعينيات، استبدل بنظام بريتون وودز الخاص بأسعار الصرف ثابتة مرتبطة بالذهب وبالدولار الأمريكي نظام أسعار صرف مرن، ولكن أفول شمس نظم بريتون وودز في عام 1971 لم يعنِ نهاية تدويل الدولار وإقامة نظام للديون الأمريكية بالخارج. وبذلك يكون «المعيار الدولاري» الافتراضي – والقائم ضمنياً في ربط قيمة الدولار بسعر الذهب – قد «تحرر» من مرجعية الذهب. ومن غير إطار نظام بريتون وودز أصبحت الهيمنة السياسية والثقة هما الشيء الأكثر أهمية. فالعولمة الاقتصادية في هذا السياق وتدهور البدائل النظامية أسهما أيضاً في تقوية ترتيبات جديدة.

– 1 –

إن هيمنة الدولار الأمريكي كانت تعني أن النمو الاقتصادي خارج أمريكا يزيد الطلب على أصول بالدولار، وفي حين تزيد البنوك المركزية المعروض النقدي، فإنها تريد أيضاً أن تحتفظ بمزيد من الأصول الدولارية احتياطياً لدعم عملاتها. ومع العولمة فإن الارتفاع غير المتكافئ في تعاملات قصيرة الأجل عبر الحدود يحتاج إلى مزيد من الدولارات لتغطية التعاملات، وبذلك يظل الاقتصاد العالمي وبشكل متزايد رهينة السياسة النقدية الأمريكية، في حين يحدد البنك المركزي الأمريكي سيولة العالم، وبذلك ينضم الموقف الانكماشي العام للبنك المركزي الأمريكي مع اتفاق النمو والاستقرار الأوروبي وسياسة الانكماش النقدي اليابانية التاريخية، وذلك في مؤامرة على النمو الاقتصادي السريع عالمياً وبشكل ظاهر، لتجنب التضخم المنتظر والمصاحب له.

إن ربع القرن الأخير، الذي ارتبط بالعولمة والتحرر، ارتبط أيضاً بانخفاض معدل النمو عن العقود الثلاثة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية. وهناك شواهد كثيرة على عدم الاستقرار الاقتصادي العالمي، واتساع فجوة التفاوت الاقتصادي بين دول العالم الغنية من ناحية والفقيرة من ناحية أخرى. وتراجع تدفق المساعدات، وغيرها من التطورات الاقتصادية المتناقضة، وهي جميعاً أحوال تساعد على صعود الشركات العابرة للحدود وبخاصة من النواحي المالية. وفي هذا العهد الجديد الذي وصلت فيه الإمبراطورية الأمريكية إلى وضع القوة العظمى الوحيدة في العالم، يجرى حالياً إعادة تشكيل كثير من المؤسسات المتعددة الجنسيات، بما فيها نظام الأمم المتحدة، حتى حلف شمال الأطلسي.

لقد لاحظ عالم الاقتصاد الأمريكي البارز جوزيف ستغليز، أن صندوق النقد الدولي قد تقدم بإرشادات في مجال السياسة الاقتصادية في السنوات الأخيرة قلصت – بلا شك – النمو الاقتصادي التراكمي والرفاه لمئات الملايين من البشر. فقد أسهمت سياسات صندوق النقد الدولي في اقتصادات الاتحاد السوفياتي السابق في واحدة من أسوأ الكوارث الاقتصادية في تاريخ العالم في التسعينيات، حيث فقدت روسيا أكثر من نصف دخلها القومي. وفي روسيا والبرازيل عام 1998 انهارت في النهاية السياسات التي كان صندوق النقد الدولي يدعمها، مسببة ضرراً اقتصادياً كارثياً.

إن «المحافظين الجدد» في الإمبراطورية الأمريكية ليسوا الوحيدين في السعي وراء تعزيز الهيمنة الأمريكية على العالم. وقد اتضحت الحقيقة تماماً في الخطاب «السيادي» الذي سبق وصول جورج دبليو بوش إلى السلطة في أواخر عام 2000. وتصر الولايات المتحدة على حقها المنفرد في اختيار القوانين الدولية والمعاهدات التي تخدم مصالحها، والتي تعزز العولمة الاقتصادية، ومن ثم مصالح الشركات الأمريكية. هؤلاء «السياديون الجدد» من بينهم ليبراليون أمثال السياسي الأمريكي مايكل إغناتيف الذي قال «إن كوني إمبريالية يعني فرض نظام على العالم بشكل يخدم المصالح الأمريكية».

من المؤكد أن المبررات المطروحة للتفاوت الرهيب وللهيمنة الاقتصادية موجودة على الساحة منذ فترة زمنية طويلة، وخاصة منذ اندلاع «الثورة المضادة» على اقتصادات التنمية خلال الثمانينيات من القرن العشرين مع صعود نجم مارغريت تاتشر ورونالد ريغان في الغرب. وأصبح بعث مثل هذا الخطاب الإمبريالى الأمريكي أكثر طنيناً في السنوات الأخيرة، مع تداول متبجح عن إعادة تشكيل الإمبراطورية الأمريكية، وبخاصة مع بعث الاهتمام بما يعرف باسم «الدارونية الاجتماعية» و«الدول الفاشلة».

– 2 –

في الفصل الثاني ويحمل عنوان «مفهوم طريقة الإنتاج ونظرية الإمبريالية، يعرض برابات باتنيك مشكلة أثيرت على السطح البيني للنظريتين المتلازمتين، على الرغم من تناقضهما الظاهري في التقاليد الماركسية، ألا وهما طريقة الإنتاج والإمبريالية، والمرتبطتان – في وجهة من وجوههما – بلينين. حاول إيتان باليبار أن يحل مشكلة الانتقال من طريقة إنتاج إلى أخرى عن طريق تطبيق مفهوم «طريقة الإنتاج الانتقالية» وبدلاً من ذلك اقترح سمير أمين أن تكون طريقة الإنتاج تحليـلاً مجرداً وشبيهاً بالتصور الوظيفي والتركيبي «للنوع المثالي» على عكس التجريد ذي الصلة مع الاختلاف للعلاقات الاجتماعية الفعلية المعروفة باسم «التشكيل الاجتماعي». وهكذا فإن المجتمعات الفعلية – ومن ثم التشكيلات الاجتماعية، تتألف – عادة – من عناصر ومن طرائق إنتاج مختلفة «تم تفصيلها» بطرق تحدد الطبيعة المحددة للتشكيل الاجتماعي بما في ذلك طريقته السائدة في الإنتاج. بالنسبة إلى سمير أمين وباتنيك فإن الإمبريالية تعني – ضمناً – مساندة طرائق ما قبل الرأسمالية للإنتاج باستخدام الطريقة الرأسمالية. وفي ضوء الإسهام التاريخي للإمبريالية في تطور الرأسمالية يشير باتنيك إلى أن مجرد اعتبار الإسهام ببساطة «تراكماً رأسمالياً بدائياً» في إغفال للتحدي التحليلي الجاد الذي يفرضه التراكم «غير الرأسمالي» لرأس المال من أجل فهم كافٍ لديناميات الرأسمالية.

– 3 –

وفي الفصل الثالث بعنوان «أمريكا اللاتينية والاقتصاد العالمي في القرن العشرين» يعرض خوسيه أنتونيو أوكامبو مسحاً مفصـلاً ودقيقاً للتاريخ الاقتصادي لقارته، ويعرف الاتجاهات العامة للتنمية الاقتصادية في أمريكا اللاتينية، ويربطها بالاقتصاد العالمي، وبخاصة باقي دول حافة المحيط الأطلسي من أواخر القرن التاسع عشر. وينقسم مسحة إلى ثلاث مراحل عامة، يتم تقسيمها بعد ذلك لتعكس التباين إلى: شبه إقليم – تنظيم اقتصادي – نتائج عامة، بالإضافة إلى التأثيرات الخارجية. إن الفترة من سبعينيات القرن التاسع عشر حتى عشرينيات القرن العشرين يسميها أوكامبو «عصر الصادرات». أما الفترة التالية من ثلاثينيات القرن العشرين حتى سبعينياته فيهيمن عليها «التصنيع» في حين تسمى الفترة التالية «النظام الليبرالي الجديد». ويتناقض سجل النمو البطيء في الثمانينيات بشكل كبير مع المكاسب الاقتصادية خلال هذه الفترة السابقة التي تعرف حالياً – وعلى مضض – باسم «العصر الذهبي» من جانب أنصار الإصلاحات الاقتصادية الليبرالية الجديدة ودعاتها. ويشير تحليل أوكامبو الثري والدقيق إلى أن الإصلاحات الليبرالية الأخيرة قد أثارت توزيعاً غير متكافئ للدخل والثروة في أمريكا اللاتينية، وذلك نتيجة تكامل القارة السابق مع الاقتصاد العالمي وطبيعة هذا التكامل.

– 4 –

ويخصص الكتاب الفصلان الرابع والخامس لعواقب انخراط الصحراء الأفريقية في الاقتصاد العالمي تحت الهيمنة الخارجية. في فصل بعنوان «أفريقيا: القرن العشرون الطويل» يدرس بيل فرويند التاريخ الأفريقي من مؤتمر برلين عام 1884 مروراً بفترة الاحتلال الاستعماري الأوروبي، وانتهاءً بفترة ما بعد الاستعمار. يدرس الكاتب الأحداث والاتجاهات المهمة قبل بدء الحكم الاستعماري في أفريقيا في ثمانينيات القرن التاسع عشر، بما في ذلك تراجع تجارة العبيد التي هيمنت على التجارة الأفريقية مع القارات الأخرى حول المحيط الأطلسي. وخلال الفترة التالية التي سميت «التجارة المشروعة» سعت أوروبا تجارياً إلى استغلال الإمكانات الاقتصادية لما كانت تعرف بالجزاء المجهولة في أفريقيا. وكان السعي وراء هذه الإمكانات وبخاصة في جنوب أفريقيا ووسطها وشرقها يتطلب في الغالب بدء الحكم الاستعماري وحماية هذه المصالح وتوسيعها عن طريق تعزيز التجارة، وتقديم التسهيلات. ويذكر فرويند أيضاً «مؤشرات الاستعمار الأفريقية» فيقول إنه لولا تقدم الحكم الاستعماري بهذه السرعة في نهاية القرن التاسع عشر لتم تقسيم أجزاء كبيرة من أفريقيا من جانب تلك القوى الصاعدة.

وفي فصل مصاحب حول «الإمبريالية في أفريقيا»، يقول لانس فان سيتيرت: أن طبيعة الإمبريالية وعواقبها كانت نتاج التفاعل بين عوامل إمبريالية ووطنية. ويقسم الكاتب القرن التاسع عشر إلى مراحل، ويميز المرحلة الأولى (1884 – 1914) عن المرحلة التالية التي تعرف باسم «الاستعمار الكبير» (1918 – 1939). كما يؤرخ حقبة «نهاية الإمبراطورية» من الحرب العالمية الثانية (1939 – 1960) قبل أن يميز شهر العسل بعد الاستقلال (1965 – 1980) عن الفترة الليبرالية الجديدة التي تلته. ومن خلال النصف الأول من القرن العشرين تم تحويل الموارد والسكان الأفارقة إلى مصادر للمواد الخام وأسواق للاقتصادات الصناعية الأوروبية. ونجم عن ذلك تكوين «اقتصادات مفتوحة» ذات المحصول الواحد أو المعدن الواحد. وشهد النصف الثاني من القرن العشرين موجات من المذاهب الشعبية والقومية والاشتراكية، وشهد أيضاً إخفاقاً في كسر هذه الروابط التاريخية. وذلك من طريق الاتجاه نحو تصنيع ما كان يستورد كما يجرى في أماكن أخرى في الجنوب. ولكن هذا الاتجاه لم يدم إلا فترة قصيرة من الوقت، ولم يحقق كثيراً من النجاح. وسرعان ما شهد الركود الغربي من منتصف السبعينيات طلباً على المواد الأفريقية الخام إضافة إلى انهيار شرعية الدولة. وفى فترة ما بعد الحرب الباردة منذ ذلك التاريخ انتهجت معظم الحكومات الأفريقية – بشكل بطيء ولكن بخطى واثقة – المنهج الليبرالي الجديد الذي وضعته واشنطن.

– 5 –

فى الفصل السادس بعنوان «الشرق الأوسط في القرن العشرين الطويل» يشير فاروق تاباك إلى اتساع الفجوة في الدخل بين الشرق الأوسط والشمال نتيجة ثلاث عمليات. العملية الأولى هي التغيرات السريعة في المنطقة خلال فترتي الهيمنة الغربية، والتي تناقضت تماماً مع التحولات البطيئة والمرتبطة بحق الصراعات الإمبريالية. ثاني هذه العمليات هو الانتقال من النظام البريطاني إلى النظام الأمريكي، أي من إمبراطورية رسمية إلى إمبراطورية غير رسمية، عبر القرن العشرين، مما أسهم في تعميق الاتجاهات القائمة. وقد حققت محاولات المنطقة تصنيع ما كان يستورد، حيث نجحت مرات وفشلت مرات أخرى. مع وصول النمو الاقتصادي إلى أعلى معدلاته خلال ما يعرف بـ «العصر الذهبي» في مرحلة ما بعد الحرب. ثالث هذه العمليات هو ما يعرف باسم «الأسباب البنائية». بما في ذلك طبيعة الاقتصاد الزراعي، وهي الأسباب التي تفسر الأداء الاقتصادي الذي لا يمكن وصفه بأنه مقنع أو مرضٍ لأحد.

وفى الفصل السابع بعنوان «جنوب شرق آسيا: الاستحواذ وعدم الاستحواذ الإمبريالي في القرن العشرين الطويل»، تحاول ماريا سيرينا دايوكنو معرفة الطبيعة المتباينة للمنطقة التي عمقتها التجارب الاستعمارية وما بعدها بدءاً من القرن التاسع عشر. وكان جنوب شرق آسيا يعرف غالباً بشكل سلبي بأنه منطقة ليست جزءاً من «جنوب شرق آسيا الهندي، أو شرق آسيا الصيني». وكان لكل قوة استعمارية كبرى تقريبا وجود في هذه المنطقة، بما فيها البرتغال (ميلاكا وتيمور الشرقية) وإسبانيا (الفيليبين) وهولندا (إندونسيا) وبريطانيا (ماليزيا وبورما وبروناي) وفرنسا (فيتنام وكمبوديا) والولايات المتحدة الأمريكية (الفيليبين)، وكانت الدولة الوحيدة التى لم تستعمر هي سيام التي احتفظت باستقلالها الوطني عبر الزمان. إن المصالح والطبيعة المختلفة والمتغيرة لهذه الإمبرياليات، والظروف المتغيرة في أجزاء مختلفة من المنطقة، نتج منها منحنيات متميزة، وإن كانت مترابطة في بعض الأحيان.

وفي الفصل الثامن بعنوان «الهند في القرن العشرين الطويل»، يلاحظ سوميت ساركار أن ثورة المواصلات والاتصالات، التي بدأت في منتصف القرن التاسع عشر، جذبت معاً مستويات متعددة من الإدارة البريطانية والهندية إلى نظام أوتقراطي متخفٍّ قليـلاً. وعليه فإن أواخر القرن التاسع عشر شهدت تكامـلاً غير مسبوق في شبه القارة ومركزية للسلطة الإمبريالية. وظهرت «حداثة» استعمارية جديدة مع «اختراع تقاليد» جديدة، فيما عزز البريطانيون تحالفاتهم مع النخب الوطنية. وكانت الهند توفر المواد الغذائية، وغيرها من المواد الخام، والقوة العاملة، بالإضافة إلى فتح أسواقها للصادرات البريطانية، التي كانت أقل أهمية مقارنة بالولايات المتحدة وغيرها من المستوطنات التي استقر بها المستعمرون في حين تعايش الفائض التصديري المستمر مع فائقة هائلة ومتزايدة. وكانت الطرق الاستغلالية الشديدة – بما في ذلك عمالة السخرة – تستخدم في تشغيل المزارع في الهند، وفي أماكن أخرى بالإمبراطورية. وعليه فإنه في حين جاء الاستعمار بمكاسب مهمة لبعض الهنود، فإنه زاد من معاناة أضعاف أضعاف الذين استفادوا منه.

– 6 –

وفي الفصل التاسع والأخير من الكتاب، والذي يحمل عنوان «نظرية لينين في الإمبريالية اليوم» يشدد برابات باتنيك على المغزى السياسي لإسهام لينين الأصلي قبل أن يقترح برنامجاً اقتصادياً يستقي قواعده من تحليل للإمبريالية. ويقول إن تحليل لينين كان أساسياً في انفصاله عن «التعديلية» (وهي حركة في الاشتراكية الماركسية الثورية تؤيد الأخذ بروح التطور) عن طريق توسيع النضال الثوري ليدخل في جعبته أمماً قهرتها الإمبريالية، هذا كان يعني دعم حركات «التحرر الديمقراطي البرجوازية»، وحركات المزارعين في هذه البلدان. يلاحظ باتنيك أن إمبريالية لينين قد شابها سوء فهم كبير، وبخاصة في ما يتعلق بتدني الاستهلاك، أو زيادة الإنتاج، ولكن أيضاً بخصوص تدني الاستثمار.

كان كارل كاوتسكي قد اقترح تصوراً يحمل عنوان «ما فوق الإمبريالية»، وهو اقتراح يقضي بالاستغلال السلمي والمشترك لباقي دول العالم من جانب «رأس المال التمويلي الدولي المتحد». وبدلاً من هذا الاقتراح قال لينين إن السلام أمر مؤقت. مع اتفاق بين القوى الإمبريالية بإملاء من قوة «إمبريالية عظمى». وبالنسبة إليه فإن هذا لم يكن يعني اختفاء دوله الأمة: ذلك لأن «القوة الإمبريالية العظمى» ستمارس قوتها من خلال نظام دول الأمم، بدلاً من «دول عالمية تابعة».

ومع الاعتراف بأن التطورات التي حدثت عقب الحرب العالمية الثانية قد غيرت الرأسمالية – مع انحسار الاستعمار ومدرسة إدارة الطلب لكينزي وإجراءات الرفاهية – يصر باتنيك على أن التطورات التالية توحي بأن العصر الذهبي كان أمراً استثنائياً. وفي حين لا تعد عولمة رأس المال في الوقت الراهن أمراً جديداً، يقول إن تدفقات رأس المال المعاصرة لا صلة لها بالحساب الجاري لميزان المدفوعات. ومع أن الاستثمار الأجنبي المباشر عادة ما يشتمل على حركات ملازمة للسلع فإن التدفقات المالية القصيرة الأجل لا تشتمل على هذه الحركات. ومن هنا فإن السيولة المعاصرة لرأس المال تقوم بوظيفة التمويل، وليس ضخ رأس مال في عملية الإنتاج. وهو أمر شديد الاختلاف عن أوقات هيلفير دينغ ولينين.

ويقول باتنيك إن الآثار البعيدة المدى لعولمة رأس المال التمويلي على مستويات معيشة العمال والفلاحين كانت شديدة القسوة في دول العالم الثالث، فالسيادة الاقتصادية والسياسية لهذه البلدان تم تطويقها، كما أن أصولها الاقتصادية – وبخاصة في القطاع العام – قد تحولت إلى القطاع الخاص، ووقعت – بصفة خاصة – في أيدٍ أجنبية، مع تقلص القوة الشعبية السياسية. وضعفت الديمقراطية في حين تم تشجيع نزاعات الهوية بين أفراد الشعب، مع إضعاف قدرتهم على مواجهة السلطة الجديدة. ورداً على ذلك، يعطى الكاتب الأولوية لتقوية الدول الأممية المستقلة لقواعد طبقية بديلة وبرامج اقتصادية تنموية بديلة لوقف العولمة، بل وقلبها رأساً على عقب، والضغط على الدول لاتباع خطط تنموية تكافئية وواسعة القاعدة، مع حماية الحقوق الديمقراطية للشعب.