المؤلف: بول آرتس وكارولين رولانتس

ترجمة: ابتسام الخضرا

مراجعة: عماد حمدي(**)

الناشر: مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت

سنة النشر: 2016

عدد الصفحات: 176 ص

ISBN: 9789953827650

 

 

صدر هذا الكتاب باللغة الإنكليزية عام 2015 تحت عنوان Saudi Arabia: A Kingdom in Peril، للباحثَيْن الهولنديَّيْن بول آرتس، وكارولين رولانتس، حيث يدرِّس الأول العلاقات الدولية في قسم العلوم السياسية بجامعة أمستردام، وهو عضو في مؤسسة البحث والاستشارات حول الشرق الأوسط (FRAME)، الذي تتركز أبحاثه بشكل رئيسي حول سياسات الشرق الأوسط المعاصر واقتصاداته، مع التركيز بشكل خاص على الدول المنتجة للنفط؛ بينما تعمل الثانية محللة سياسية مختصة بشؤون الشرق الأوسط في الصحيفة الهولندية اليومية NRC Handelsblad، ولها عدد من المؤلفات عن إيران والعراق والربيع العربي. والكتاب من ترجمة ابتسام الخضرا، الحاصلة على ماجستير في الأدب الإنكليزي من جامعة دمشق، وهي مترجمة محترفة للكتابات الأكاديمية.

يحاول الكتاب الإجابة عن سؤال رئيسي هو ما إذا كان تحالف التشدد الديني مع السلطوية السياسية، يستطيع إطفاء أي مقدمات ثورية في ظل التغيرات التي تشهدها المملكة السعودية والمنطقة في الفترة ما بعد أحداث ما يوصف بثورات الربيع العربي، وذلك من خلال 12 فصـلاً، حاول فيها المؤلفان استعراض بعض العوامل التي يعتقدان أنها من دوافع التغيير في السعودية؛ منها ما هو سياسي، وما هو اقتصادي، وما هو اجتماعي، وما هو ثقافي، مع ربط كل محور بخلفياته التاريخية. غير أن الكتاب أغفل الكثير من العوامل الجوهرية في كل جانب من الجوانب الأربعة. على سبيل المثال لم يتطرق إلى التركيبة القبلية للمجتمع السعودي، وما إذا كانت تسمح بحدوث تغيرات فجائية في هيكل السلطة بالمملكة، أم أن الأمر مع افتراض حدوثه في أي وقت، لن يكون سوى تغيير أشخاص بأشخاص. كما لم يقدم المؤلفان – رغم محاولة اقترابهما – صورة كاملة عن الثقافة السعودية المعاصرة، التي هي في الأصل عبارة عن مزيج من مجموعة من القيم البدوية، والقيم المستمدة من النسخة السلفية الأصولية للإسلام منذ تحالف محمد بن سعود (1701 – 1765)، مؤسس الدولة السعودية الأولى، مع رجل الدين ذي النزعة المتشددة محمد بن عبد الوهاب (1703 – 1792)، وما إذا كانت مثل هذه الثقافة تقبل تغييرات جذرية في بنية النظام السياسي القائم، أم أن الطلب على الحداثة عموماً في السعودية يظل محدود الأثر والنطاق؟

ربما يكون تجاهل الكثير من العوامل الأساسية في تحليل النظم السياسية هو السبب في غياب وحدة الموضوع بين أجزاء الكتاب التي بدت وكأنها قفزات من موضوع إلى آخر لا يبدو لاختيارها مبرر سوى وجهة نظر المؤلِفيّن. كما أن غياب الاعتماد على أحد المناهج العلمية في التحليل – مثل منهج تحليل النظم، أو منهج التحليل الطبقي، أو غيرهما من المناهج الملائمة – كان سبباً في كثرة الأحكام القيمية المطلقة، التي تظهر أول ما تظهر في عنوان الكتاب نفسه، والذي قطع بأن المملكة في خطر، فضـلاً عن كثرة الاعتماد على مواقع التواصل الاجتماعي، وتحديداً مواقع «تويتر» و«فيس بوك» و«يوتيوب»، في تحديد اتجاهات الرأي العام السعودي، من دون وجود قياسات أمبيريقية لحجم ما تعبّر عنه آراء مستخدمي الإنترنت، بما يُضعف من حجية الاستدلال، حتى وإن كانت مثل هذه الآراء مؤشراً لا يمكن تجاهله.

في المقدمة التي حملت عنواناً استفهامياً، ثورة في بلاد النفط؟، يقول الكاتبان إنها لن تكون مفاجأة إذا ما خرجت تظاهرات ضخمة في شوارع الرياض وجدّة على نحو مفاجئ للمطالبة بسقوط العائلة المالكة، مكتفيين في تكوين ذلك الرأي، بتوافر بعض الأمراض الاجتماعية كما كان الحال في كل من مصر وسورية، كالفقر والبطالة والقمع والفساد والاضطهاد الديني والطائفي، ويريان أن عدم حدوث ذلك حتى صدور الكتاب في عام 2015، لا يمكن أن يكون دليـلاً على استمرار الوضع على هذه الحال، من دون تحليل العوامل القبلية أو الإثنية أو حتى الدينية التي قد تكون أكثر تعقيداً، وتمنع بدورها ما يعتقد أنه ممكن الحدوث.

أولاً: التشدد والسلطوية… حلف مقاومة الحداثة

في الفصل الأول الذي جاء بعنوان: لا تخشَ أعداءك: رجال الدين والعائلة المالكة – في الوحدة قوة»، يحاول الكتاب إلقاء الضوء على بداية التحالف بين رجال الدين والعائلة المالكة الذي تم تدشينه بين ابن سعود، وابن عبد الوهاب، بعد نفي الأخير عام 1744 من موطنه بقرية العُيينة التي تبعد 30 كم عن مدينة الرياض، بعد أن أمر برجم امرأة حتى الموت بتهمة الزنى. مع ذلك رحب به محمد بن سعود في المنطقة التابعة له وعقد معه اتفاقاً لتوحيد جهودهما في نشر الدين الإسلامي. ومن هنا يلمِّح المؤلفان إلى الدور الذي مارسه ذلك الحلف في تنامي النزعة الراديكالية لدى السعوديين، وكيف كان ذلك الحلف سبباً رئيسياً في مقاومة كل أوجه الحداثة، ومعاداة الفن والثقافة، والتأصيل لكل الأفكار المتشددة التي شكلت بدورها الأساس الفكري لبعض تنظيمات الإرهاب القائمة المتوالدة عبر سلاسل عنقودية؛ ففي استعراض رشيق لتاريخ خلط الدين بالسياسة، يروي المؤلِفان كيف استطاع عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود (1876 – 1953)، مؤسس الدولة السعودية الحالية، أن يستخدم أفكار بن عبد الوهاب المتشددة لاستمالة البدو في حربه ضد عائلة «آل رشيد التي كانت قد استردت الرياض من آل سعود عام 1900، ونجح بالفعل في هزيمة خصومه، ودخل قلعة «المصمك» بعدما قتل حاكمها بسيفه، لكن سرعان ما استعان آل رشيد بالإمبراطورية العثمانية، وتمكنوا من هزيمة بن سعود، فما كان من الأخير إلا تشكيل تنظيم «الإخوان» عام 1912، وهم ميليشيا بدوية متوحشة فرضت تنقية الدين بقوة السلاح. وحسب تعاليم بن عبد الوهاب، كان على كل من ينتمي إلى دين مختلف أن يختار بين اعتناق دينهم أو الموت، ثم توالت معارك بن عبد العزيز مدعوماً بمجموعات «الإخوان» ضد الخصوم، وتمكنوا من هزيمة الشريف حسين بن علي، أمير منطقة الحجاز وطرده من البلاد عام 1925 قبل إعلان المملكة السعودية بشكلها الجديد عام 1932.

السرد التاريخي لتحالف السلطة مع الأصولية الدينية، يوضح كيف عبثت نشوة الانتصار برؤوس الإخوان، فقد رفضوا كل أشكال الحداثة كالسيارات ومنظومة البرق وغيرها، ولم يتمكن ابن سعود من وضع حد لهم بسبب عدم القدرة على مخالفة تعاليم الوهابية التي خيّرت المرء بين اتّباعها أو الذبح!

أما في الفصل الثاني الذي جاء بعنوان «سيف الإسلام ذو الحدين: الحلف المقدس في مرمى النار»، فيوضح الكتاب كيف كانت واقعة احتلال الحرم المكي عام 1979، على يد جهيمان العتيبي الذي كان حفيداً لعائلة من ناشطي «الإخوان»، تعبيراً عن مدى رفض قسم كبير من المجتمع السعودي الذي تأصلت فيه القيم الوهابية، لمظاهر الحداثة في سلوك العائلة المالكة، وخصوصاً بعد اكتشاف النفط الذي أدى بدوره إلى الانفتاح أكثر على الخارج، إلى أن بدأ الملك فيصل في ستينيات القرن الماضي تبنّي الدعوة لتعليم الفتيات، فاتسعت الفجوة بين المتشددين وبين العائلة المالكة.

بعد واقعة اقتحام الحرم المكي، وفشل قوات النخبة السعودية في التعامل مع الحدث، استعانت الرياض بقوات فرنسية للسيطرة على التمرد. وبعد إجبار بعض رجال الدين على الإفتاء بجواز استخدام السلاح في المسجد الحرام، سقط خلال المواجهات 1000 قتيل بحسب تقديرات غير رسمية، وتم إلقاء القبض على معظم المتمردين وإعدامهم بمن فيهم جهيمان، غير أن شرعية العائلة المالكة تلقت ضربة عنيفة أمام المجتمع السعودي الأصولي بطبعه، لسماحها بدخول غير المسلمين إلى المسجد الحرام، ولسماحها كذلك باستخدام السلاح لقتل مسلمين داخل الحرم. وفي العام ذاته، كانت الثورة الإيرانية قد وصلت إلى الحكم، فأصبحت شرعية العائلة المالكة السعودية على المحك، بسبب ادعاء القيادة الثورية الإيرانية أنها تمثل الإسلام الحقيقي الوحيد. تضافرت هذه العوامل ودفعت السلطات السعودية إلى دعم الجهاد في أفغانستان ضد السوفيات وسهلت مهمة سفر الشباب السعوديين إلى هناك، وساهمت في تمويل سفر الجهاديين من بعض الجنسيات الأخرى، لترميم ما تضرر من شرعيتها أمام الداخل. تخلت دوائر السلطة السعودية منذ ذلك التاريخ عن أحلامها المرحلية بالتحديث الذي يهدد شرعيتها، وبدأت مرحلة جديدة من الأصولية. كل ذلك كان يتم بالتزامن مع ظهور تيارات متطرفة كتنظيم القاعدة الذي شكّلَ خطراً على المملكة نفسها لاحقاً بعد عودة المتطرفين.

ثانياً: النفط السعودي… مستقبل غامض

وبينما يحاول الفصل الثالث بعنوان: «النفط، النفط، ذلك النفط الرائع: درب مجهول»، يُسلَّط الضوء على خطورة انخفاض أسعار النفط عالمياً على مستقبل المملكة، حيث إن عائدات النفط هي المصدر الرئيسي للدخل القومي السعودي، كما إن الاستهلاك المحلي المتزايد بسبب رخص أسعار الوقود محلياً يضغط على الموازنة العامة للدولة، وهذا ينذر بمشكلة خلال 15 عاماً إذا لم يطرأ تغيير على السياسة الحكومية، حيث من الممكن أن تتحول المملكة من دولة مصدِّرة للنفط إلى دولة مستوردة بسبب الاستهلاك المتزايد. ووفقاً لهذه الفرضية، يتوقع المؤلفان – استناداً إلى أن نسبة 80 – 90 بالمئة من عائدات ميزانية الدولة تقوم على العائدات النفطية – أن تتثاقل الحركة الاقتصادية إلى أن تتوقف، ومن ثم ستنخفض الأموال اللازمة لشراء ولاء المواطنين السعوديين عبر منظومة الإعانات المالية الحكومية، والهبات وإيجاد فرص العمل والمشاريع والبعثات الدراسية، وألمحا إلى أن هذه التراكمات قد تتحول بكل سهولة إلى إشارة انطلاق «ربيع سعودي»، كما عززا رأيهما ببعض التحديات التي تواجه المملكة السعودية، مثل اكتشاف النفط الصخري الذي سيعيد صوغ علاقات القوة في سوق الطاقة بحلول عام 2035، حين تتمكن الولايات المتحدة الأمريكية من إنتاج الكميات اللازمة لكامل استهلاكها. وفي هذا الإطار، لم يغفل الكتاب تأثير المنافسة الشرسة لكل من إيران والعراق في إنتاج النفط، خصوصاً بعد توقيع الاتفاق النووي الإيراني ورفع الحظر عن بعض صادرات النفط الإيرانية، وكذلك مع اقتراب سيطرة الحكومة المركزية في العراق على كل مواقع إنتاج النفط حال هزيمة تنظيم داعش.

ويقلل المؤلفان من أهمية اتجاه المملكة لتنويع مصادر دخلها عبر تنويع الأنشطة الاقتصادية، نظراً إلى بطء النمو في القطاع غير النفطي، مشيرين إلى أن المدن الاقتصادية التي خطط لإنشائها الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز على أساس شراكة بين القطاعين العام والخاص، لم تؤتِ ثمراً حتى الآن، حيث وصف الكتاب الخطط الحكومية في هذا الصدد، بأنها شبيهة بالخطط في الاتحاد السوفياتي السابق «مبالغة في العظمة لكن دون إنجاز. وكلما أخفقت خطة عظيمة، يلجأ المسؤولون إلى خطة جديدة».

وربما يؤخذ على المؤلفين في هذا الفصل الاكتفاء باستعراض مستقبل النفط في تحليل التحديات التي تواجه الاقتصاد السعودي، وقد يكون ذلك مفهوماً من زاوية أن عائدات النفط تمثل عماد الاقتصاد في المملكة، لكن كان يجدر التطرق إلى بعض المؤشرات المهمة الأخرى، كعجز الموازنة المتنامي، والاختلالات التي تعانيها هياكل الاقتصاد السعودي الريعي، وزيادة الدين العام، وأثر خفض الإنفاق الحكومي العام على معدلات البطالة والفقر بالمملكة خلال قادم السنوات، وكذلك مسألة زيادة الإنفاق العسكري، وتكلفة الفرصة البديلة لتلك الأموال التي كان يمكن توجيهها لخلق استثمارات جديدة بدلاً من شراء السلاح.

ثالثاً: الشباب والمرأة في السعودية… تغيرات هادئة

أما الفصل الرابع بعنوان: «دقات القنبلة الموقوتة: الطموحات العالية للجيل الجديد»، فيستعرض ملامح الخطر التي يمثلها جيل الشباب على المملكة، باعتبار أن هذا الجيل يمثل ثلثي الشعب السعودي، ويعاني مشاكل اقتصادية واجتماعية، وحتى سياسية جمة، بل إن معظم الأمراض الاجتماعية التي تعانيها السعودية تتوافر لدى هذا الجيل بلا شك نظراً إلى نسبته الغالبة في تركيبة المجتمع السعودي، ومن ثم فإن الفجوة بين الواقع والطموح، تعمل على تنامي مشاعر الإحباط في أوساط الشباب، وهي التي يمكن أن تأخذ شكل احتجاجات، ولا سيَّما بعد عودة عشرات ألوف الطلاب الذين درسوا في الخارج بموجب برنامج البعثات الدراسية الذي أطلقه الملك عبد الله.

في الفصلين الخامس والسادس يتطرق الكتاب إلى ملامح التغيير التدريجي لبعض أوجه الحياة في السعودية، مع مناقشة ما إذا كانت تلك التغييرات جوهرية أم سطحية، دائمة أم قابلة للإلغاء، حيث يستعرض المؤلفان في الفصل الخامس الذي جاء بعنوان: «تغييرات خلف النقاب: النساء يتقدمن»؛ وضع المرأة السعودية في آخر خمسين عاماً من حيث التعليم وشغل المناصب العامة، وما إذا كانت تلك التغيرات مهما كانت بطيئة، قابلة للإلغاء مرة أخرى، أم أنها أصبحت مكتسبات غير مسموح بالتنازل عنها، أو أنها تفتح الباب لمزيد من المطالب النسوية في المستقبل، خصوصاً بعد قرار الملك الراحل عبد الله بتعيين30 سيدة في مجلس الشورى في عام 2011، وكذلك قرار تمكين المرأة لأول مرة من حق الاقتراع في الانتخابات المحلية عام 2015، بينما يوضح الفصل السادس، كيف أسهمت المليارات التي تنفقها الحكومة السعودية على التعليم، وخصوصاً تلك الأموال المخصصة لبرنامج البعثات الدراسية، في تغيير وجه المجتمع السعودي تدريجياً، حيث إن كل الذين يتلقون تعليمهم بالخارج، ومن بينهم الطالبات، يعودون مرة أخرى بأفكار أكثر تحرراً، وهذه الأعداد في زيادة مستمرة.

رابعاً: الثورة الافتراضية

وفي ظل القيود المشددة على حركة الجماهير السعودية، يوضح الكتاب في الفصل السابع بعنوان: «الانفجار الرقمي: وسائل التواصل الاجتماعي – القوة ووهم القوة»، كيف وفرت مواقع التواصل الاجتماعي مجالاً افتراضياً أمام السعوديين من الجنسين لإبداء آرائهم بقدر من الحرية غير المتوافرة في المجال العام، وفرصة للتفاعل مع الأحداث المختلفة، مع الإشارة إلى بعض الوقائع التي عبّر فيها المواطنون السعوديون عن غضبهم تجاه سياسات الحكومة، بل وانتقاد أمراء الأسرة المالكة على غير العادة، كما حدث بعد السيول التي خلفت أضراراً كبيرة في الأرواح والممتلكات في مدينة جدة عام 2011، حين دشن بعض مستخدمي موقع تويتر «وسم» أو «هاشتاغ» يدعو إلى محاسبة ما وصفهم بـ«أمراء الظلام»، في إشارة واضحة إلى رفضهم سياسات أمراء العائلة المالكة.

ورغم ما وفرته منصّات التواصل الاجتماعي من فرصة لإبداء الرأي وإعلان الاحتجاج على السياسات الحكومية في السعودية، إلا أن المؤلف قلل أهمية ما وصفه بـ«الهوس الإلكتروني» في إحداث ثورة بالسعودية، مستشهداً بمقولة عراب الواقعية الإلكترونية إيفغيني مروزوف (Evgeny Morozov)، بأن «الإنترنت ليست هي ما يحرر الناس، بل الناس هم من يحررون أنفسهم».

خامساً: الشيعة وأزمة الاندماج الوطني

وينتقل الكتاب بعد ذلك إلى إحدى أهم القضايا التي تواجهها السعودية، حيث يستعرض الفصل العاشر وضع الأقلية الشيعية بالمملكة تحت عنوان: «الشيعة.. الثورة المنسية الأقلية مهمشة»، موضحاً التمييز الذي يتعرض له أتباع المذهب الشيعي، وكيف أن الهوة بين السنَّة والشيعة باتت غير قابلة للردم، في ظل تجذر المشاعر المذهبية، والممارسات الحكومية المتنوعة التي تعمل على زيادة الاحتقان الطائفي حتى وإن كانت تدعي الإصلاح، مع التحذير من خطورة زيادة أعداد المتعاطفين مع التنظيمات السنية المتطرفة كتنظيم الدولة الإسلامية «داعش» بين الشباب، وأثر ذلك في المسألة الشيعية، بالنظر إلى حجم الخطر الذي سيحمله الجهاديون الذين يقاتلون في صفوف تلك التنظيمات معهم إلى الداخل السعودي، غير أنه يمكن القول بأن الكتاب لم يدرس أزمة الأقلية الشيعية في السعودية دراسة مستفيضة، حيث إن قضايا الاندماج الوطني تحديداً تتطلب الوقوف على مسببات الأزمة كافة وتشخيصها تشخيصا سليماً وشاملاً، لتحديد حجم خطورتها أولاً، ولوصف طريقة المعالجة الصحيحة ثانياً.

وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى الكتاب الصادر في بريطانيا عام 2015، للكاتب الإنكليزي توبي ماثيزن بعنوان «السعوديون الآخرون: التشيع، والمعارضة، والطائفية»، الذي يستعرض فيه أحوال المسلمين الشيعة في المملكة السعودية، تاريخياً، منذ سيطرة الوهابية على الإحساء، حتى الفترة الراهنة، والذي قدم صورة أوضح لأوضاع الشيعة في السعودية، وكيف أنها الأزمة الذي ستظل أحد أهم التحديات التي تواجه المملكة ما لم يتم علاجها بشكل جذري.

سادساً: الربيع العربي…
مقاومة العدوى خير من العلاج!

في الفصل العاشر بعنوان: «مواجهة الثورة: صدُّ زحف الربيع العربي»، يوضح الكتاب كيف انزعجت السلطات السعودية انزعاجاً كبيراً من ثورات الربيع العربي، وكيف ساهمت بالمال والسياسة والإعلام، وأحياناً بالتدخل العسكري المباشر، في إخماد جذوة الاحتجاجات الشعبية في تونس والبحرين واليمن ومصر، خوفاً من انتقال عدوى الثورة إليها وللتقليل من جاذبية الربيع أمام مواطنيها، وكيف ساهمت على الجانب الآخر في تأجيج الاحتجاجات في ليبيا وسورية بسبب الخلافات مع نظامَي الحكم فيهما، في إشارة ضمنية إلى أن السعودية أصبحت عدواً مباشراً لكل الحركات الثورية العربية في محيطها الإقليمي. لكن ما يقلل من خطورة ذلك الأمر، أن هذه الثورات لم تصل إلى السلطة في أي بلد بعد، بيْدَ أن ذلك الأمر يمكن أن يتغير في أي وقت، وتجد السعودية نفسها في مواجهة أعدائها الثوريين.

من جانب آخر، فإن الدعم السعودي المفتوح لبعض التنظيمات المتطرفة التي تقاتل النظام في سورية، يحمل في طيّاته خطراً كبيراً على المملكة نفسها، سواء من حيث إمكان عودة المتطرفين لتنفيذ عمليات بالداخل السعودي بعد انتهاء معاركهم؛ على غرار ما حدث مع عودة المتطرفين الذين كانوا يقاتلون في أفغانستان، فضـلاً عن خطورة تنامي دور الميليشيات المسلحة في سورية، واحتمال تحولها إلى دولة فاشلة، وهي الجار المباشر للسعودية.

خلاصة هذا الفصل، أن المؤلفَين أرادا أن يؤكدا أن سياسات السعودية تجاه ما يعرف بثورات الربيع العربي، تسببت في خلق العديد من المخاطر تجاه السعودية نفسها.

سابعاً: نقل السلطة… احتمالات الخطر

وفي الفصل الحادي عشر الذي حمل عنوان: «ملك جديد: مخاطر نقل السلطة»، ينتقل الكتاب لمناقشة إمكان نشوب نزاع على السلطة حين يتم نقلها من جيل أبناء الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود إلى جيل الأحفاد، وحيث إن الكتاب كان ماثـلاً للطبع مع التغييرات التي أجراها الملك الحالي سلمان بن العزيز عام 2015، بتعيين الأمير محمد بن نايف ولياً للعهد، والأمير محمد بن سلمان ولياً لولي العهد، افترض أن النزاع على السلطة يمكن أن يكون محصوراً بين الأمير متعب نجل الملك الراحل عبد الله، والذي كان يشغل منصب قائد الحرس الوطني قبل إقصائه، والأمير محمد بن نايف، الذي كان يشغل منصب وزير الداخلية، وصاحب العلاقات القوية بواشنطن، مع استبعاد بعض الأسماء الأخرى من الأحفاد، مثل الأمير الملياردير الوليد بن طلال لكونه ابناً لامرأة لبنانية، حيث ترجّح الأعراف السعودية داخل العائلة المالكة، كفة أبناء السعوديات على أبناء السيدات من الجنسيات الأخرى، وهو نفس السبب في استقالة الأمير مقرن بن عبد العزيز طواعية من ولاية العهد، لكون أمه يمنية.

وأظن أنه في إثر التغييرات الأخيرة التي شهدتها المملكة بعد عامين من صدور الكتاب بتصعيد الأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد تمهيداً لخلافة والده، وإقصاء الأمير القوي محمد بن نايف، أصبحنا في حاجة إلى قراءة جديدة لاحتمال نشوب نزاع على السلطة داخل العائلة المالكة حين يتسلم الأمير الشاب السلطة، ولا سيَّما مع ما يثار حول تذمر في بعض أوساط العائلة المالكة تجاه سياساته في اليمن وسورية، مع الأخذ في الاعتبار دور الدعم الخارجي الذي يحظى به من بعض القوى الدولية والإقليمية وفي مقدمتها الإدارة الحالية للولايات المتحدة الأمريكية، والدعم الذي يحظى به أمراء آخرون من جيل الأحفاد.

ثامناً: سيناريوهات السقوط… مؤجلة أم مستحيلة؟

في الفصل الثاني عشر والأخير، يستعرض الكتاب عدداً من السيناريوهات المحتملة لسقوط عائلة آل سعود، لعدد من الأسباب، منها تخبُّط السياسات، أو الانفجار الاجتماعي، أو بسبب ما تقود إليه أي إصلاحات يطبقها أي ملك جديد، بالطريقة التي وصفها خبير السياسة الأمريكي صمويل هنتنغتون بـ«معضلة الملك»، أو بسبب القمع الصارم الذي يمكن أن يأخذ شكل ضربة ارتجاعية عنيفة ضد كل الاحتجاجات أو هوامش الحرية المسموح بها حالياً، وما يترتب على ذلك من إمكان اندلاع احتجاجات أوسع وفقاً لتصور المؤلفَين، وأخيراً سيناريو الانفجار الداخلي الكامل، حيث لا تتوافر في البلاد أي أقنية للمشاركة السياسية. معنى ذلك أنه في حال تفاقم الانقسامات، أو في حالة عجز السلطة المركزية عن أداء مهامها، فسوف يبرز العديد من التباينات التي تمور تحت السطح حتى الآن، ولن تصبح العائلة المالكة قبضة واحدة، بل خمسة أصابع مختلفة، مع افتراض أن ذلك السيناريو يمكن أن يقود إلى صراع مسلح، تتفكك خلاله الدولة السعودية إلى عدة مناطق كما كانت عليه الأوضاع قبل إعلان المملكة عام 1932، غير أن الكاتب استبعد – مرحلياً – حدوث ذلك.

خاتمة

إن كتاب العربية السعودية.. مملكة في مواجهة المخاطر، رغم كل الانتقادات التي يمكننا أن نوجهها إلى منهجيته وبنائه العلمي، يعدّ محاولة جادة لتشريح الواقع السعودي، وكذلك التحديات التي تواجهها المملكة، كما أنه يقدم دليـلاً لفهم كيف استطاعت أن تحافظ الدولة السعودية على استمراريتها على مدى العقود الماضية، مستفيدة من ثروة نفطية ضخمة منحتها مكانة جيوستراتيجية عاليةً من جهة، وموارد مالية صنعت للمملكة هيبة ونفوذاً على الساحتين الإقليمية والدولية من جهة أخرى، فضـلاً عن استفادة هذه المملكة من احتضانها لأحد أهم الأماكن المقدّسة لدى المسلمين.

إن السعودية تظل لاعباً إقليمياً معتبراً، ودراسة سياستها داخلياً وخارجياً، من أهم العوامل لفهم ما يجري في الإقليم؛ ولذلك حاول كل من بول آرتس وكارولين رولانتس في كتابهما، الوقوف على المخاطر التي تواجه السعودية في منطقة غير مستقرة ومهتزة، من حيث الاشتباك مع طموحات بناء الإمبراطوريات، والفراغ العميق الذي يبتلع الدول واحدة تلو الأخرى في ثقب أسود هائل من الفشل المنهجي، ليخلص الكتاب إلى الإجابة عن التساؤل الرئيسي الذي طرحه في مقدمته حول ما إذا كان تحالف السلطوية والدين قادر على إخماد أي مقدمات ثورية، بأن الدولة التي تجمع بين النموذج الأكثر تطرُّفاً للدين، وبين النموذج «التحديثي» الأكثر تطرّفاً في استهلاكيته وفي تمركز الثروة فيه لدى فئة قليلة من أفراد المجتمع مقابل فقر يمس حياة ثلثي أبناء البلد، وفي انغماس مواطنيها في تقنيات العولمة، وبخاصة وسائل التواصل الاجتماعي وثقافتها؛ هذه الدولة لا يمكنها الاستمرار في عيش نموذجها محصّنة خلف أسوار تحميها مما يعصف بالمنطقة والعالم من أحداث وتغيير، ومع ذلك لا تزال الحاجة ماسة وقائمة – في رأينا – لإجراء فحص أعمق، وتحليل أوسع لأوضاع السعودية الراهنة وما يمكن أن تواجهه في المستقبل □