مقدمة:

تنشغل هذه الدراسة في تقديم قراءة أولية لتحوُّل الشباب الفلسطيني من حالة الالتزام الوطني الجماعي تجاه القضية الفلسطينية، إلى حالة الالتزام الفردي تجاه القضايا الوطنية الفلسطينية كالمقاومة والدفاع عن الحقوق الفلسطينية. تنطلق هذه الدراسة من افتراض أن الشباب الفلسطيني في مرحلة ما قبل أوسلو (الانتفاضة الشعبيىة 1987 – 1993) كانوا نموذجاً للشباب الملتزم جماعياً تجاه قضيتهم الوطنية وقضاياهم المجتمعية، أما الشباب الفلسطيني في مرحلة ما بعد أوسلو، وخصوصاً بعد انتهاء انتفاضة الأقصى قرابة عام 2005، فقد تحول إلى ملتزم فردي تجاه قضيتهم الوطنية وقضاياهم المجتمعية؛ وقد تجلى هذا التزام الفردي في انتفاضة/هبّة القدس 2014 – 2017 بتنفيذ الشباب عمليات مقاومة فردية كالطعن والدهس. وفي فرضية فرعية أخرى ترى الدراسة أن هناك تفسيرات سوسيو-ثقافية وسياسية واقتصادية أدت إلى عملية التحول المركزية لدى الفاعل الشبابي الفلسطيني من الالتزام الجماعي إلى الالتزام الفردي في انتفاضة القدس المعاصرة؛ إلى جانب ذلك تفترض الدراسة أن البنية الحزبية والمؤسسية والبيئة الحاضنة الفلسطينية لم تولِ الشباب مكانة وموقعية قيادية في بناها المتعددة، وهذا خلق حالة من الاغتراب بين المؤسسات والأحزاب والشباب، وقد تفاعل هذا الاغتراب على نحوٍ متبادل؛ فلم تلبِّ المؤسسات الفلسطينية طموحات الشباب، ولم يعد الشباب يثقون في البنية المؤسسية والحزبية الرسمية وغير الرسمية أحياناً.

لا بد من الإشارة إلى عدد من الملاحظات المنهجية التي تتبناها هذه الدراسة، أهمها: أن منهج الدراسة هو منهج عابر للمنهجيات يشمل السرد التاريخي والبحث الميداني، والمنهج المقارن والتحليلي. كما لا تتبنى الدراسة فكرة المقارنة الكربونية (الاستنساخية) بين الانتفاضتين؛ وإنما تهدف المقارنة إلى قراءة طبيعة التحول الذي طرأ على المجتمع الفلسطيني وتشكيلاته التنظيمية والمؤسسية عبر فحص التزام الشباب الفلسطيني كفاعل مقاوم إبان الانتفاضة الشعبية لعام 1987 وانتفاضة القدس 2014-2017، أما الملاحظة المنهجية الأخيرة فهي استخدام الدراسة مصطلح انتفاضة وأحياناً هبّة، وذلك وفق استخدام المبحوثين أو السياسيين أو السياق الذي ترد خلاله. إن المصطلحين كرديفين يشيران إلى فعل المقاومة والمواجهة والتمرد في وجه الاحتلال الصهيوني، وهناك شبه إجماع على إطلاق مصطلح الانتفاضة على النشاط الشعبي الواقع ما بين 1987 و1993، لكن هناك خلاف في وسم النشاط الشبابي والشعبي الواقع ما بين 2014 و2017 وهو ما زال مستمراً، فلا يوجد إجماع على التسمية حيث وسم ذلك الحدث ﺑــ: انتفاضة، هبّة، هبّة انتفاضية وغيرها من التسميات؛ التي لا تعبِّر إلا عن موقف سياسي وأيديولوجي من اتجاه ذلك النشاط المقاوم.

أولاً: الشباب الفلسطيني كملتزم ثوري جماعي: حالة الانتفاضة الشعبية 1987 – 1993

1 – بنية الانتفاضة الشعبية 1987 وتشكيلاتها وأنشطتها وسماتها

حشدت القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة[1] مجمل الأطر الوطنية والتنظيمية في الأرض
المحتلة بقيادة منظمة التحرير في بنيتها. وتركز دور القيادة الموحدة إلى جانب البرنامج النضالي، في العمل على بناء المؤسسات والأطر الجماهيرية المنظمة، بحيث يشعر كل مواطن في الأرض المحتلة أن له دوراً في الانتفاضة، وتشكلت هيئات قيادية وطنية، على مستوى المدن والقرى الكبيرة والمخيمات، ارتبطت سياسياً وتنظيمياً بالقيادة الموحدة للانتفاضة[2]. ولقد تشكلت البنية الانتفاضية من القيادة الوطنية الموحدة إلى جانب عدد من اللجان الشعبية والأطر المهنية والنقابية والاتحادية، والمؤسسات الأهلية والشعبية، إلى جانب الأحزاب السياسية خارج المنظمة كحماس والجهاد الإسلامي، والأحزاب خارج القيادة الموحدة كالصاعقة والجبهة الفلسطينية والعربية.

أما مميزات الانتفاضة وسماتها فقد وصفتها زهيرة كمال بثلاث سمات، هي: سعة حجم القاعدة المشاركة في الانتفاضة، من كل الشرائح الاجتماعية من العمال والتجار والطلاب، وفئات أخرى من البرجوازية الصغيرة والمتوسطة، وانخراط المرأة على نحوٍ متميز فيها، كذلك سمة الديمقراطية التي ميّزت حياة ولجان وأطر الانتفاضة، وتمتعها بمستوى جديد من الوعي السياسي والاجتماعي تميز بالجمع بين الروح الواقعية الوطنية السياسية من جانب، والروح الكفاحية العالية من جانب آخر[3].

بينما يرى عزمي بشارة أن أهم ما يميز الانتفاضة من عناصر القوة هو: «جماهيرية الانتفاضة وشعبيتها؛ شمولية الانتفاضة كحالة تلازم نواحي الحياة الفلسطينية كافة؛ الصدامية مع الاحتلال، ورفض الوضع القائم، والوضوح في هدف التخلص من الاحتلال؛ تسييس الجماهير الفلسطينية في الداخل، ونشوء جيل جديد فولذته عملية الصدام مع الاحتلال؛ وجود برنامج سياسي واضح تتبناه الانتفاضة منذ الدورة التاسعة عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني. أما أهم نقاط الضعف في الانتفاضة، التي قد تهدد استمراريتها، فهي: عدم توافر بنية تحتية قطرية منظمة للانتفاضة؛ عدم توافر توازن بين المبادرة المحلية والمصلحة القومية في العمل الانتفاضي؛ عدم قيام قيادة علنية في الأرض المحتلة تتمتع باحترام أغلبية الشعب الفلسطيني، وتكون جزءاً من منظمة التحرير الفلسطينية؛ حالة التسيب في عملية اتخاذ القرار بشأن كيفية التعامل مع الجماهير والأساليب التي يجب اتباعها لتجنيد كل فئات الشعب في العمل الانتفاضي؛ عدم توافر رؤية اجتماعية شاملة، أو حتى عقد اجتماعي ينظم مجالات الحياة الاقتصادية والتربوية والصحية والحقوقية، والفصل في النزاعات الداخلية»[4].

كما يشير بشير البرغوثي إلى الدور الجمعي للشباب في الانتفاضة وجماهيريتها كفعل وحدث، فالانتفاضة «أعطت الجماهير مشاعر احترام لنفسها، وأعادت الاعتبار للدور الجماهيري في مواجهة دور الأفراد، وأبرزت أهمية العمل الشعبي… إن تشكيل اللجان الشعبية واتساعها واشتراك المواطنين في تقرير أمور حياتهم اليومية، هو مظهر ديمقراطي كبير جداً… وقد كانت اللجان الشعبية برلمان الانتفاضة وقيادتها وروحها المتدفقة باستمرار للعطاء»[5]. وقد بيَّن نظام العباسي كيف تخصصت لجان الانتفاضة في عملها من أجل سد حاجات الشعب الفلسطيني إلى ضمان استمرار الانتفاضة، ولمزاحمة المؤسسات الصهيونية. وقد تعددت لجان الانتفاضة الجماعية، منها: اللجان الضاربة، لجان التجار، لجان التموين، لجان أصحاب رؤوس الأموال الوطنية والمغتربين وميسوري الحال، لجان سائقي وسائط النقل العام، لجان المثقفين والمعلمين والكتاب والمبدعين والصحافيين، لجان الأطباء والخدمات الصحية، لجان أصحاب مستودعات ومصانع الأدوية والصيدليات، لجان إنتاجية مختصة صناعية وزراعية[6]. إن أغلبية هذه اللجان مشكلة من فئة الشباب وهذا يؤكد فرضية الالتزام الجماعي للشباب في الانتفاضة الشعبية، ودور المؤسسات واللجان والأطر في تفعيل دور الشباب وطاقاتهم الوطنية والنضالية.

في سياق آخر يبيّن سمير حليحلة دور القيادة الموحدة للانتفاضة في طرح برنامج نضالي شامل. يقول حليلة: «استطاعت القيادة الموحدة أن تبادر وحدها وبدون بناء قواعد مهنية متخصصة إلى طرح شعارات في كل المجالات. فمثلاً شعار المقاطعة، كشعار منظم اقتصادياً لكل فترة الانتفاضة ومراحلها، هو شعار صحيح كفاحياً واقتصادياً، وعكس قراراً صائباً لم يكن الاقتصاديون واعين أنه الأصح في تلك الفترة لتأطير النضال الوطني اقتصادياً. ومن الأمثلة الأخرى، شعار تخفيض إيجارات البيوت والعقارات من أجل تخفيف العبء عن الناس وزيادة العدالة الاجتماعية في لظمة سياسية واقتصادية صعبة»[7]. كما يصف سري نسيبة طبيعة نشاط الانتفاضة الجماعي الذي تمثل بـ: حملة مقاطعة البضائع الإسرائيلية، مجموعة من الإضرابات الجزئية والشاملة، تغذية وتنمية اللجان الشعبية المكونة للبنية السرية وغير الرسمية للقيادة الموحدة، وتنشيط المؤسسات الشعبية الاتحادية والنقابية[8].

إن عملية التراكم الشعبي والوطني التي قامت بها المؤسسات الفلسطينية (الاتحادات، النقابات، لجان الشبيبة، لجان المرأة، الجمعيات… إلخ) قد مثلت من خلال الشباب البنية الجمعية للحدث الانتفاضي المقاوم ضمن إطار الالتزام الجماعي، فالانتفاضة وقعت على نحوٍ مفاجئ لكن حالة الاختمار الشعبي والوطني كانت تراكمية، وكان الشباب الفلسطيني ينشطون في المجالات الاجتماعية والثقافية والتنموية وغيرها لتشكيل أدوات مقاومة وصمود للمجتمع الفلسطيني قبل الانتفاضة، وكان هذا الالتزام الجماعي عاملاً مهماً في ديمومة الانتفاضة واستمراريتها منذ انطلاقها حتى انتهائها.

2 – الشباب والانتفاضة: سردية الالتزام الجماعي

روى الشباب في حي الياسمينة/مدينة نابلس (إبان الانتفاضة) لربى الحصري قصة مقاومة الشباب في ذلك الحي بقولهم: «الياسمينة اشتهرت لأن كافة الشباب كان لهم اتصال معها خلال الانتفاضة. فهي فُرزت فرزاً جيداً، بمعنى أنه لا يوجد فيها (متعاونون) كثيرون. والذين كانوا فيها إما انسحبوا أو أجرى الشباب تحقيقاً معهم أو تمت تصفيتهم على يد مجموعات «الفهد الأسود» و«النسر الأحمر». أما الشباب فيعيشون حياتهم فيها «على أعصابهم»، إذ قد يقتحم الجيش في أية لحظة، يهرب من يهرب وقد يصاب خلال هروبه. ولكن ميزة الحارة أن جميع الشباب يد واحدة، لا يجرؤ أحدهم على سبّ الآخر فتخلوا عن المشاكل. الكل متفاهم وقناعتهم أن الله واحد لا يوجد غيره، والموت واحد كذلك. واشتهرت الياسمينة لأن أحداث الانتفاضة كانت تتركز فيها، الملثمون جاؤوا، الملثمون ذهبوا، المتعاونون سحبوا إليها، التحقيق معهم تم فيها، الاشتباكات فيها والشهداء فيها. «الفهد الأسود» مقره كان في الياسمينة»[9]. إن روايات الشباب السابقة يمكن اعتبارها مؤشراً إلى طبيعة العمل والالتزام الجماعي إبان الانتفاضة الشعبية.

كما تبيّن لنا رواية الحصري على لسان شباب حي الياسمينة التشكيلة العمرية لشباب الانتفاضة. يقول شباب حي الياسمينة: «استشهد عماد الناصر (٢٤ عاماً) ورفيقاه هاني (١٩ عاماً) وعمر (٢٨ عاماً) في الأول من كانون الأول/ديسمبر الماضي [1989]. واستشهد شاب رابع يدعى مسعود بتيري (٢٠ عاماً) كان أمام المكان الذي اقتحمه الجنود متخفّين بثياب نسائية، ويغطون رؤوسهم بالكوفية الفلسطينية. ويروي سكان المنطقة التي دار الاشتباك فيها، أن جنوداً إسرائيليين أُصيبوا خلال تبادل إطلاق النار بينهم وبين مجموعة «الفهد الأسود»[10] يتبين من أعمار مجموعات الفهد الأسود إبان انتفاضة الحجارة أن معدل أعمار أفراد تلك المجموعات المقاومة نحو 23 عاماً وهذه الفئة العمرية تصنف ضمن فئة الشباب.

كما يتجلى الالتزام الجماعي لدى فئة الشباب المقاوم إبان الانتفاضة الشعبية، وفق رواية الشباب أنفسهم (لربى الحصري) حيث يقولون عن التنسيق بين القوات الضاربة: «هناك فريق يدعى «الأمن الداخلي» ومهمته مراقبة المتعاونين وتقديم تقاريرهم قبل أن يصدر أي قرار بشأنهم. وهناك فريق يدعى «الأمن الثوري» وهو الوحيد المخول بقتل المتعاونين عندما يصدر أمر بذلك. وهناك “الشرطة العسكرية» التي حلت محل أفراد الشرطة العادية الذين استقالوا بناء على طلب قيادة الانتفاضة. وهناك أيضاً فريق يدعى «الحرس الوطني» ومهمته حراسة المطاردين من قبل سلطات الاحتلال»[11]. يتبين من هذا التقسيم للعمل الانتفاضي النضالي طبيعة البنية النضالية المقاومة الجمعية التي شكلها الشباب من خلال التزامهم الجماعي، فلولا وجود إرادة نضالية جماعية لما تمكن الشباب من بناء كل ذلك الجسم الانتفاضي المقاوم.

كما تجلت رؤية فيصل الحسيني في إعادة بناء الانتفاضة من خلال «إعادة تأليف لجان الأحياء واللجان الشعبية. وعندما أقول لجان أحياء [القول للحسيني] لا أقصد القوى الضاربة وإنما أقصد تلك اللجان التي عملت في بداية الانتفاضة على خدمة الهيئة الاجتماعية الموجودة في ذلك المكان، إنْ كان مخيماً أو قرية أو حياً أو مدينة. المطلوب لجان شعبية تعمل على تغطية الحاجات الاجتماعية لأهالي ذلك الحي؛ أن تعمل على تطوير أساليب الاقتصادَين المنزلي والمحلي، في الزراعة والحدائق وخطوات من هذا القبيل التي عمل الاحتلال على إحباطها، ونحن أيضاً تورطنا في موضوع معيّن عندما خلطنا ولم نفرّق بين شيء اسمه اللجان الشعبية وشيء اسمه اللجان الضاربة»[12]. تنطلق رؤية الحسيني من فرضية أن العمل الانتفاضي والنضالي لا بد له من بنية جماعية والتزام جماعي ونضال جماعي تشاركي، لذلك انطلقت رؤيته من تأليف لجان لتعزز الروح الجماعية في المجتمع والانتفاضة. كذلك بيَّن عبد الباقي شناق أن حركات المنظمات الشبيبية هي من شكّل القاعدة الصلدة والصلبة للجان الشعبية المختلفة إلى جانب مختلف المنظمات والاتجاهات والهيئات الاجتماعية والنقابية المهنية [13]. لقد عززت البنى الاجتماعية والثقافية والمؤسسية الروح الجماعية ونمّت العمل الجماعي، وخلقت شبكات اجتماعية وسياسية وثقافية غير وجاهية وغير عصبوية، أي أنها تجاوزت المؤسسات التقليدية ونمت ما يمكن تسميته المجتمع المدني الطوعي المقاوم، وهذا المجتمع الطوعي فسح في المجال لوجود حيز ومكان للتثقيف والتدريب والتعارف، وتبادل الأفكار وتطويرها، وخلق صداقات وعضويات واستقطابات ومنافسات سياسية وثقافية وحزبية ووطنية بين الشباب الفلسطيني.

كما بيَّنت بعض أغاني الانتفاضة الشعبية طبيعة الالتزام الجمعي ضد الاستعمار الإسرائيلي، حيث تجلى ذلك في أغنية ثائر البرغوثي «نزلوا صبايا وشبان يتحدّوا للدورية/شعلانة الضفة بنيران الانتفاضة الشعبية… نزلوا ما معهم رصاص يتحدوا للدبابة/عملوا بالشارع متراس وتصدوا للعصابة/وسلاحهم كلوا حجارة/علغاصب شنّوا الغارة/وحرروا للمنارة/بالزنود القوية… عملوا بوسط الشارع سد بالإطارات الشعلانة/وعلدورية كان الرد كبسية بالقناني/دوّا هتاف الشباب: بالدم منروي التراب/ومنتحدى للأرهاب الشب بحد الصبية… الحرية مطلبنا عنها لا يمكن نحيد/من أول يوم ولدنا اتغذينا بفكر جديد/وعلمحتل انتفضنا/وكل المعارك خضنا/وقضيتنا فرضنا/علهيئات الدولية… منشور بيتبع منشور والبرنامج متكامل/وبيوت الجرحى منزور يوم الإضراب الشامل/مظاهرات وصدام/وكتابة وتعليق أعلام/الانتفاضة للأمام مستمرة وقوية… الشوارع مدارس والحصص انتفاضة/والرياضة منمارس وضرب الحجر رياضة/مهما تمارس إسرائيل/من سياسات التجهيل/جيل بيتعلم من جيل/باللجان الشعبية… مطلب تقرير المصير وحق العودة والدولة/بالانتفاضة منسير للمؤتمر الدولي/صار الفيتو الأمريكي/يقول الصهيوني شريكي/وغني معي يا رفيقي: لا للإمبريالية… صبايا مثل الورود بتنزل وسط المعارك/تتحدى بطش الجنود وبالكبسية بتشارك/صبية وحج وختيار/للشباب يجيبوا حجار/وكل ما زاد إطلاق النار/ارتفعت المعنوية»[14].

تشير دلالات الأغنية ومعانيها إلى حالة الالتزام الجماعي، والمشاركة الجماعية في فعاليات الانتفاضة من كل التشكيلات الطبقية والاجتماعية الفلسطينية، وتبين طبيعة العمل الجمعي خلال الانتفاضة من أداوت العمل الجماعية المتمثلة بـ: إلقاء الحجارة والمولوتوف والبيانات والأعلام، ودور اللجان الشعبية في التثقيف والتوعية الوطنية ودور كل الأطر المجتمعية في عملية الالتزام الجماعي الوطني، كما توضح الأغنية طبيعة المشاركة من الشباب والصبايا الذين كانوا معاً في الميدان، وهذه مؤشرات ميدانية وتاريخية تؤكد صحة الافتراض بوجود التزام جماعي لدى الشباب إبان الانتفاضة الشعبية 1987، ووجود برنامج عمل جماعي ومتكامل تشارك فيه كل فئات المجتمع ضمن حالة التزام جماعي يقودها شباب الانتفاضة آنذاك.

ثانياً: الشباب الفلسطيني كملتزم ثوري فردي: حالة انتفاضة القدس 2014-2017

1 – بنية انتفاضة القدس 2014-2017 وتشكيلاتها وأنشطتها وسماتها

تعود أسباب انتفاضة القدس ودوافعها إلى الاعتداءات التي يقوم بها المستوطنون ضد الفلسطينيين، واقتحام المسجد الأقصى المتكرر، وإحراق الطفل محمد أبو خضير، وإحراق عائلة دوابشة في دوما، لكن الأسباب والدوافع الأكثر عمقاً هي:

– ثقل وقسوة الاحتلال الإسرائيلي وممارساته على الشعب الفلسطيني (الاستيلاء على الأرض، طرد السكان، بناء المستوطنات، الاعتقال، تقطيع أوصال الضفة الغربية وعرقلة حركة سكانها، وضم مدينة القدس إلى الكيان الصهيوني).

– تحدي إسرائيل قرارات الأمم المتحدة الخاصة بالقضية الفلسطينية، ورفضها للقرارات بدعم ومساندة علنية من الولايات المتحدة الأمريكية.

– فشل المفاوضات بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل.

– سياسة التطهير العرقي الصهيونية التي تمارس في فلسطين المحتلة (الإجراءات الإدارية، هدم البيوت، طرد السكان، الحرب على غزة ومخيمات الضفة الغربية).

– التجاهل الرسمي العربي للقضية الفلسطينية خلال السنوات الخمس الأخيرة في ظل الثورات واضطراب الوطن العربي.

– حالة الانقسام الفلسطيني والفساد في مؤسسات السلطة الفلسطينية التي ولدت غضباً وغلياناً في أوساط الشعب الفلسطيني وأفقدت الثقة بإدارة السلطة والقيادة الفلسطينية الحالية، وهذا دفع الشباب المتمرد على القيادة إلى الرد على الاعتداءات الإسرائيلية اليومية[15].

كما أكدت بعض استطلاعات الرأي (استطلاع مركز أوراد) صحة التحليلات السابقة حول أسباب الهبّة الشبابية ودوافعها، حيث يرى 97 بالمئة من المستطلعين أن التهديدات الإسرائيلية لوضع الأماكن المقدسة في مدينة القدس والتوسع الاستيطاني والإغلاقات كانت السبب الرئيسي لاندلاع الانتفاضة[16]. وفي استطلاع رأي آخر (لمركز دراسات التنمية، جامعة بيرزيت) تتقاطع نتائجه مع نتائج استطلاع مركز أوراد السابقة، فالاستطلاع يشير إلى أن المبحوثين في أربعة تجمعات فلسطينية (الضفة الغربية، قطاع غزة، فلسطين المحتلة عام 1948، وفلسطينيو لبنان) يرون أن هبّة القدس كانت نتيجة الرفض ومقاومة القمع الذي يمارسه الاحتلال الإسرائيلي من مصادرة أراضي وقتل وتشريد للفلسطينيين بنسبة 94.3 بالمئة[17].

في سياق آخر؛ أثرت إشكاليات الأحزاب السياسية في خطاب الفصائل والأحزاب في توصيف الهبّة الشعبية، حيث وضح خليل شاهين (مدير البحوث في مركز مسارات) تباين خطاب الفصائل «بين فصائل اعتبرتها انتفاضة، وما تزال تعتبرها انتفاضة، مثل: الجهاد الإسلامي وحركة حماس ومنهم بعض الكتاب والمفكرين الفلسطينيين مثل منير شفيق… وكان هناك فصائل اعتبرتها هبّة شعبية وتبنت في خطابها تحويلها إلى انتفاضة شاملة من دون أن توفر على أرض الواقع مقومات لتوجيهها إلى انتفاضة شاملة، وكان هذا خطابياً مثل الجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية… وقد كان هناك الخطاب المركزي والمتمثل بخطاب السلطة وخطاب حركة فتح وكان خطاباً مضللاً يدعي تأييد الهبّة الشعبية، ولكن دون دعم مع انتظار انتهائها، والعمل ضدها»[18].

في حين يصف إلياس خوري شباب الانتفاضة بقوله إن «طليعة المرحلة الجديدة تتميز بأنها ليست طليعية بالمعنى القديم. فهي لا تحمل مشروعاً جاهزاً أو أيديولوجيا مقفلة. تقول للناس أن يفتحوا أعينهم ويبدأوا باستخلأص الدروس»[19]. أما الطليعة القديمة والنخبة السياسية فيشخص أحمد عزم (أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة بيرزيت) تراجع دورها في الهبّة بقوله: «قادة الفصائل حاولت توجيه الشارع والهبّة، بما في ذلك حركة فتح، واكتشفت أنها لم تعد تمتلك بنى تنظيمية وأدوات قادرة على حمل عبء نضال جماهيري واسع. كما اكتفت الفصائل بالمراقبة عن بعد»[20]. كما يؤكد جمال زقوت (عضو في المجلس الوطني الفلسطيني، ورئيس مركز الأرض) أن دور النخبة السياسية «اكتفى بتوصيف ما يجري، وظل منشغلاً في هذا التوصيف… وظهر على نحوٍ قاطع مدى الاغتراب من قبل هذه النخبة عن المجتمع وحاجاته وتطلعاته…»[21]. ويقول بكر أبو بكر (عضو مجلس ثوري في حركة فتح سابقاً) إن «النخبة والقيادات السياسية كان موقفهم لأحق بالهبّة وإلحاقي متأخر وما كانوا مؤيدين أي فعل»[22] وهذا أيضاً ما يشير إليه فراس جابر (باحث مؤسس لمرصد السياسات الاجتماعية والاقتصادية) حين يقول إن «النخبة السياسية هم لحقوا الهبّة، وغير مؤثرين، ومتواطئون لقتل الهبّة لأنها بتعارض مصالحهم السياسية»[23].

كما يبيّن أحمد عز الدين أسعد عدداً من المؤشرات على اغتراب النخبة عن الهبّة وكان أهمها: «عدم المشاركة في الهبّة والانعزال عنها، وعدم قدرة النخبة على قيادة الهبّة، وتكيف النخبة مع نتائج المشروع الصهيوني، عدم القدرة على بناء أطر مساندة لدعم الهبّة، وعدم وجود برنامج يوحد الهبّة ويوجهها»[24]. وهذا ما حدا بهذه الانتفاضة إلى أن تكون متباينة ومختلفة عن الانتفاضة الشعبية لعام 1987.

في حين يبيّن جميل هلال التباين بين الانتفاضة الشعبية لعام 1978 وانتفاضة 2014 – 2017 الحالية، فيقول «في الانتفاضة الأولى برز دور واتساع القاعدة الجماهيرية للتنظيمات السياسية الفلسطينية، ودرجة الصدقية التي حظيت بها بين الناس وخصوصاً بين الشباب (مقارنة بافتقادها هذه القدرة حالياً).

وغياب قيادة موحدة للمواجهات الأخيرة مؤشر إلى أن التنظيمات السياسية الرئيسية في الضفة وفي قطاع غزة (ليست بصدد تفجير انتفاضة ثالثة، وليست على استعداد) أو لا قدرة لتحمل مسؤولية اتخاذ خطوة استراتيجية من هذا القبيل. واستمرار سيطرة حركة «فتح» على سلطة الحكم الذاتي في الضفة الغربية، وسيطرة حركة «حماس» على قطاع غزة، يشكل أحد الشروط المعطلة لإشعال انتفاضة شعبية جديدة، لأن هذا يستدعي الاتفاق بين التنظيمين، وهو أمر لا يبدو أنه يوشك أن يتحقق»[25].

بسبب اغتراب الأحزاب ونخبها والمؤسسات الفلسطينية عن انتفاضة القدس، برزت نخبة جديدة؛ تشكلت في أغلبيتها من أبناء الطبقة الوسطى، وتميُّز دور النخبة الجديدة بأنه بعيد من النخبة التقليدية، لكن دورها وخطابها مؤقت. يذكر أيمن عبد المجيد (باحث في مركز دراسات التنمية – جامعة بيرزيت) مبادرات مجتمعية هامة قامت بها النخبة الجديدة مثل «مبادرة إعادة بناء بيوت الشهداء، ومبادرة استعادة جثامين الشهداء وليكونوا من خلالها مجتمع لدعم بيوت الشهداء. هاي مبادرات بتطلع لسد ثغرات تقصير الحركة الوطنية والأحزاب، جزء كبير من الناشطين فيها أبناء التنظيمات والحركة الوطنية، لكن نتيجة أزمة الأحزاب هم ابتعدوا عنها… أما تأطير هذه النخبة سوسيولوجياً فهم أسرى محررون، جزء من الحركة النسوية، وجزء من أطر شبابية، لكن خطابها مؤقت مرتبط بالحالة»[26]. ويصفهم سمير عبد الله (باحث في معهد ماس) من ناحية سوسيولوجية بأنهم «كلهم من أبناء الطبقات المسحوقة والطبقات الوسطى»[27]، بينما يصفهم فراس جابر بأنهم «نخبة ملامحها غير واضحة … بتتحرك خارج القنوات التقليدية أي السلطة والأحزاب، لديهم قيادة مباشرة للهبّة… وهم من الطبقة الوسطى والشرائح العليا من الطبقة الفقيرة»[28]. إن ملامح هذه النخبة تبين لنا وجود الشباب فيها، لكن الإشكالية المركزية أن هذه النخبة الجديدة والشبابية منها لم تشكل بنية مجتمعية، فهي كانت مرحلية وموسمية وتعمل ضمن هدف محدد تنتهي بانتهائه، بمعنى آخر؛ إنها لم تراكم رصيداً لتشكيل بنية شبابية جمعية تأخذ على عاتقها مهمات مجتمعية ووطنية.

في سياق آخر؛ تأخذ الروايات والقصص حول الهبّة الشبابية وشهدائها أبعاداً رمزية وجمالية وملحمية وتراجيدية أحياناً، وتبين البعد الفردي والتزام الشباب الفردي أو شبه الجماعي ولا تعكس التزاماً جماعياً مثل الانتفاضة الشعبية لعام 1987؛ إن «قصة محمد عطا، وشبان قباطية الثلاثة…، وكل الشباب، تكسر أساطير وأكاذيب، بقدر ما تكسر القلب برحيلهم. تماماً مثل أمجد سكري، الشرطي الفلسطيني الذي نفذ عملية حاجز «بيت إيل»… هؤلأء الشبان لا ينتمون لأي تنظيم، وإذا انتموا فإنهم لم يحصلوا على أي شيء مادي، بل تدبروا أمرهم، وقرروا وحدهم، وخططوا كيف يصلون لمكان عمليتهم، وماذا سيفعلون، وكيف سيحصلون بتمويل وجهد ذاتيين على السلاح»[29]. إن الرواية السابقة توضح تسامي الشهداء على الفصائل والتنظيمات بخطابها وبرامجها وأموالها، فالشهداء الشباب تجاوزوا بإرادتهم ودمائهم كل الفواعل غير الفاعلة، وأسقطوا فرضية الارتهان لقبيلة الحزب وطائفية المؤسسات الرسمية وغير الرسمية؛ وتجاوزوها في الإرادة والفعل المقاوم وحققوا نماذج بطولة فوق حزبية يمكن وسمهم بفواعل ضمن اللاحركات الاجتماعية التي تطورت لاحقاً في صيف 2017 إبان إغلاق المسجد الأقصى المبارك من قبل الجيش الصهيوني الاستعماري[30].

 

أما إحدى القصص المعبرة فحدثت في جامعة بيرزيت وقد برع أحمد عزم في وصف حيثياتها بقوله: «عندما تتحدث الفتاة، لراديو بيت لحم، شريطة عدم ذكر اسمها، فلا يكون الأمر فقط أنّ بنت بيت لحم المسيحية (جنوباً) تبرعت في بيرزيت (شمالاً) لابن جامعة القدس (وسطاً)، ابن الجهاد (الإسلامي)، ابن يافا (غرباً)، الذي شُيع من مسجد عبد الناصر (القومي العروبي المصري)، وحسب، بل تخبرنا: بحثتُ في حقيبتي فلم أجد سوى 33 شيكلاً، بالكاد تكفي لطريق العودة، ولم أجد سوى القلادة التي أهداني إياها أبي قبل وفاته، في يوم عيد ميلادي؛ «صحيح الصليب غالي علي لأنه هدية من أبوي الله يرحمه، بس مش رح يغلى على البطل مهند وعائلته». وتتابع: «لأنه كتير غالي على قلبي، قررت أصوره حتى تضل صورته الذكرى الوحيدة عندي». لا ينتهي الأمر هنا، إذ تقول للراديو «وبالنسبة إلي… مثل ما المسيح أول شهيد فلسطيني.. أكيد السنسال الذهب الصليب راح يكون بغلاوة بيت الشهيد»[31]. إن ما كشفه عزم في الفقرة السابقة يدلل على الفكر المتنور والتحرري الذي يتمتع به جيل الشباب، حيث يتقدم الوطن والشهيد والحرية على كل الخطابات والأيديولوجيات والمعتقدات؛ وهذه إحدى سمات الهبّة الشبابية 2014-2017.

أما رسالة الانتفاضة الراهنة فقد وجهت ضد أربع قوى نشأت في الأراضي الفلسطينية المحتلة خلال السنوات العشرين الأخيرة. وهذه القوى ليست نقيضاً للشباب المتحرك، وليست بالضرورة من دون مشاريع ودوافع نبيلة ووطنية، ولكنّ هناك نمط تفكير جديد (قد) يتجاوزها. أولى هذه القوى، هي السلطة الفلسطينية؛ القوة الثانية، هي بُنى ما بعد «أوسلو» الاقتصادية والاجتماعية؛ من مشاريع اقتصادية وشركات، والمنظمات غير الحكومية (NGOs). القوة الثالثة، هي الحراكات الشبابية التي برزت مطلع العام 2011، أمّا القوة الرابعة، فهي لجان المقاومة الشعبية التي عملت في الريف الفلسطيني لمناهضة الجدار والاستيطان[32]. إن هذا التجاوز الذي بيَّنه عزم ينبع من عدم تسيُّس أو تحزب انتفاضة القدس وإنما تشكلها كظاهرة مقاومة عابرة للأحزاب ومتجاوزة لها كون الشباب مغتربين عن الأحزاب والمؤسسات الرسمية والأهلية؛ كونها لم تقدم للمجتمع والقضية جديداً رغم كل السياسات الإسرائيلية ضد المجتمع الفلسطيني والمواطنين. وهذا التحليل يتفق مع تشخيص جورج جقمان الذي وصف الشباب المنتفضين؛ بأنهم رافضون للواقع الراهن بمختلف جوانبه، وغير مؤطرين حزبياً في الغالب، أو مغتربون عن برامج أحزابهم[33]. بينما أشارت التقارير الإسرائيلية إلى أبشع من ذلك؛ حيث «أكدت المصادر الإسرائيلية في بداية الانتفاضة أنها ستنتهي بسرعة، لأن كلاً من السلطة الوطنية الفلسطينية وحركة حماس تكبحان بشدة امتداد الانتفاضة. والواقع أن الانتفاضة كانت تمرداً على كل من السلطة وحماس، ولا صلة لهما بها»[34]. وهذا ما يؤكد الفصام بين الشباب وأحزابهم.

كما تشير نتائج بعض استطلاعات الرأي إلى طبيعة العلاقة بين الهبّة الشبابية والمؤسسات المختلفة، حيث تفيد النتائج ما يلي: اعتبر 90 بالمئة من المستطلعين أن الاحتجاجات الانتفاضية غير منظمة من قبل القوى السياسية، واعتقد 56 بالمئة أن هذه الاحتجاجات قد تؤدي إلى ظهور أحزاب وقيادات جديدة، وتقاطع ذلك مع رؤية المستطلعين الذي لا يرى 58 بالمئة منهم تأثيراً حقيقياً للأحزاب السياسية في الهبّة. كما عبر 70 بالمئة عن إحباطهم من دور القيادات الفلسطينية في الاحتجاجات،[35] وجزء من النتائج يتقاطع مع استطلاع جامعة بيرزيت الذي أشار أن 62.2 بالمئة من المبحوثين يرون أن الهبّة يقودها الشباب[36].

في دراسة استطلاعية حول انتفاضة القدس قام بها أحمد عز الدين أسعد استنتج أن سمات الهبّة الشبابية: «عفوية، فجائية، غير منظمة، عشوائية، فردية، واستخدامها للأدوات المتاحة مثل السكاكين والمفكات والسيارات. البعض وصفها بالقوية والبعض الآخر بالضعيفة بسبب غياب الأحزاب السياسية عنها. أحد أبرز سمات هذه الهبّة اغتراب الأحزاب السياسية عنها، التي كانت دوماً تتصدر الانتفاضات الفلسطينية السابقة، ومن سماتها غياب التنظيم والعفوية وعدم التخطيط، وهي من عوامل قوة وضعف هذه الهبّة في آن، وهذا قد يعني أن وتيرتها تشتد وتعود تنخفض ثم تشتد من جديد بصورة مفاجئة»[37].

2 – الشباب والانتفاضة: سردية الالتزام الفردي وشبه الجماعي

يجيب أحمد عزم عن سؤال لماذا هي عمليات فردية؟ بقوله: تُشخص الانتفاضة بأنها من أعمال «ذئب منفرد»، بسبب عدم تبني القيادة والفصائل، والاتحادات والنقابات والهيئات الشعبية، مواقف عملية، كما لم تقم بأي فعل للمشاركة في الانتفاضة وأحداثها أو القيام بخطوات إسناد[38]. إلى جانب ذلك لم ينفذ الاحتلال عمليات مستفزة تكون شرارة عمل جماعي، بذلك أصبح لدى كل شاب فلسطيني أو شابة قصصهم الشخصية، التي تؤثر فيهم وتحفزهم، من خلال حالات عاشوها وشاهدوها تمس أقارب وأحبة، بما أدى إلى انتفاضات فردية متتالية قام بها الشباب، على شكل عمليات منفردة، ومواجهات مع الجنود والمستوطنين، بمجموعات صغيرة جداً، بشكل وحد أدنى من التنظيم[39]. وهذا ينسجم مع رواية أم مهند الحلبي، حيث قالت: «نقطة التحول في شخصية مهند كان باستشهاد ضياء التلاحمة، زميله في الجامعة ورفيقه في الرابطة الإسلامية الذراع الطلابي لحركة الجهاد الإسلامي في جامعة القدس – أبو ديس حيث يدرس»، كما تقول الوالدة، وأمام كل زملائه بالجامعة، هنأ والد ضياء بشهادته قبل أيام من استشهاده وهمس في أذنه بكلمات «سنثأر له إن شاء الله»[40]، وقد روى صديقان تلك الحادثة التي روتها أم مهند الحلبي من زاوية أخرى كونهما كانا شاهدين على الواقعة، في حفل تأبين الشهيد ضياء التلاحمة صديق مهند في جامعة القدس- أبو ديس، صعد مهند الحلبي إلى منصة التأبين دون أن يكون له كلمة ولم يكن اسمه مدرجاً في برنامج التأبين لإلقاء كلمة؛ كونه قد حسم قراره في إدراج اسمه في برنامج وسجل آخر، وارتجل الحلبي بلغة عفوية وعاطفية غير منمقة؛ لأنه لا يتقن فن الكلام بمقدار ما يتقن فن الفعل والمواجهة، تحدث في الكلمة عن القدس والاعتداءات على النساء وقال لكل الحفل والحشد «أنتم ابقوا هنا.. أما أنا فسأذهب إلى القدس،» لم يعِ الجمهور تلك البلاغة، بلاغة الصدق غير المنمقة، فكانت بلاغة المقاومة أصدق أنباءً من بلاغة السياسة وفن الخطابة، وبعد أقل من ساعتين من ترجل الحلبي عن المنصة وبأدائه البطولي فجر انتفاضة القدس. إن هذه الروايات والتحليلات تبين أن لانتفاضة القدس سمات وسرديات جديدة على مشهد المقاومة الفلسطينية.

كما حاجج خليل شاهين بأن أداوت التحليل التي أنتجها الفكر السياسي التقليدي، وما أفرزه من بنية سياسية ومؤسسية وممارسة سياسية ضمن منظومة أوسلو، عاجزة عن تفسير سياق واتجاه الفعل المقاوم الذي يتصدره جيل الشباب الذي يعمل خارج المنظومة التقليدية وبل متمرد عليها. لقد سعى الحراك الشعبي إلى تغيير الوضع القائم بالخروج من نفق العلاقات الاستعمارية باستخدام أشكال جديدة من الاشتباك مع الاحتلال[41].

وعند مقارنة الانتفاضة الحالية بالانتفاضات السابقة يوضح لنا وليد سالم تميز الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987 بسعة شمولها جغرافياً (مدن وقرى ومخيمات)، وقطاعياً (تعليم، صحة، سياحة، وكل القطاعات الأخرى)، وفئات اجتماعية (ذكور إناث، مثقفون، تجار، وكل الفئات الأخرى)، بينما الانتفاضة الثانية بدأت بمشاركة شاملة، لكنها سرعان ما تحولت إلى صراع مسلح مباشر، أما الانتفاضة الحالية فإن المشاركة المباشرة في فعالياتها قد اقتصرت على الشباب ولم يتعدَّ دور الفئات والقطاعات الاجتماعية الأخرى موقف التعاطف والإسناد[42]. وهذا مؤشر يثبت الادعاء المركزي للدراسة أن هناك حالة التزام جماعي في الانتفاضة الشعبية 1987، في حين هناك غياب وأفول لهذا الالتزام الجماعي في حالة انتفاضة القدس، وقد تجلى فيها التزام فرد والتزام شبه جماعي أحياناً لكنه فاتر وضعيف.

في السياق ذاته؛ تبين المعطيات الميدانية طبيعة الالتزم الفردي أو شبه الجماعي في انتفاضة القدس، يشير الطالب الجامعي أيمن عبد ربه (مخيم الدهيشة/بيت لحم)[43] إلى: «فقدان الثقة، لأن دور السلطة الفلسطينية كان واضحاً في عدم النضال وهي ضد العمليات الفردية، وهي مستمرة في عدم الاستماع إلى الشعب والاستمرار في المفاوضات العبثية غير المنتجة، ولم يكن (هناك) أي جهة رسمية داعمة للانتفاضة بشكل حقيقي، كل الأحزاب السياسية الفلسطينية لم تدعم بالشكل الحقيقي والكافي خطاب الشعب نحو مواجهة العدو».

كذلك؛ تقول الطالبة الجامعية دالية لهاليه (سعير/الخليل)[44]؛ «فُقدت الثقة بدرجة عالية والدليل على ذلك ما في ولا عملية تم تنفيذها كانت تحت إطار رسمي أو غير رسمي، المسيرات لي بتطلع هي ضد السلطة، في احتكاك بين السلطة والشباب، والشباب (هم) المحرك للانتفاضة خصوصاً ما في دعم من الجهات الرسمية وغير الرسمية عشان ما تتحول الهبّة إلى انتفاضة على مستوى كامل، على مستوى الشهداء بعضهم رفضوا أن يتم تبنيهم من قبل أي حزب سياسي وهذا مؤشر على فقدان الثقة بالأحزاب السياسية». في السياق ذاته يقول الطالب الجامعي إبراهيم أبو لبن (مخيم الدهيشة)[45] «فئة الشباب فقدت الثقة بالقيادات والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية والدليل على هذا الأشي أن الهبّة الشعبية كانت مستقلة عن المؤسسات من خلال العلميات الفردية التي لا تنتمِي للمؤسسات الرسمية وغير الرسمية».

بينما بينت الفتاة «د.أ» (22 عاماً) خريجة جامعة بيرزيت، ومعطلة من العمل، من مخيم قلنديا)، أن شهداء مخيم قلنديا ومن نفذوا عمليات طعن ودهس من فئات عمرية مختلفة، تعتبر أن دوافعهم أغلبها وطنية والدفاع عن فلسطين، وتشير إلى أن أغلبهم كان له تجربة سابقة بالأسر أو أحد أفراد عائلته أو أصدقائه شهداء أو أسرى، وبالتالى هذا يفضي إلى القول إن هؤلاء الشباب من أسر لها تاريخ نضالي وبخاصة في مخيم قلنديا[46]. كما توصف عايدة الحجار الهبّة الشبابية بأنها «تعبر عن حالة من فردانية العمل النضالي، وتتركز ضمن فئة معينة من الشباب، وأيضاً تنحسر في مناطق محددة. وهذه الشباب خرجت لهذه المواجهة بدون تنظيم أو تخطيط أو حتى دعم من المؤسسات الرسمية»[47].

كذلك، تبين بعض أغاني انتفاضة/هبّة القدس طبيعة الالتزام الفردي وشبه الجماعي لدى الشباب الفاعل المقاوم. فمثلاً أغنية عشاق الطعن لفرقة الغرباء تبين ذلك من خلال كلماتها: «بالروح يا أقصى أفديك بمالي/بالدم يا أقصى يرخصلك الغالي/من قدسنا الأحرار طلوا الأبطالي/من ضفة الثوار قالوا الشرف غالي/يا أمجد الجندي دلهم أنا بسكين/يضرب بها زندي أقوى من البراكين/اطعن بها جندي زلزل بها الميادين/هادا العهد عهدي ما أخونك فلسطين/يا هديل الهشلمون ارعبتي بنقابك/برصاص ابن صهيون الخوف ما انتابك/يا حرة لا ما يهون دمك على حجابك/منا العهد ما نخون يا اختنا ترابك/ثائر أبوغزالة لما القدس ناداك/كملت الرسالة ونحرت من عاداك/يا شعب الأصالة والبدية حرة معاك/عنوان البسالة ربي السما حياك/محمد علي المقدام يا كوماندوز السكاكين/صوت جنود البسام بالقدس كالمجاميم/يا فخر الإسلام يشهدلك الملايين/سكينك الأقزام هاربين مشتتين/يا فادي يا علون طعم العدا ما أحلاه/سكينك المسموم يثأر لدين الله/يا بطل يا مزيون يوم النذل تلقاه/اسمك يهز الكون والحر ما ننساه/يا بلال يا بهاء يا مزلزين الباص/ما أحلى ضرب الجبناء بالطعن والرصاص/يا ابن الجبل يا علاء يا شعلة مع إخلاص/يا مشرد الأعداء سكينك القصاص/يا محمد الفارس يا الجعبري المغوار/راس العدا دايس ما يهمك الأخطار/صدر النذل غارس سكينك الأحرار/للأقصى يا حارس يا زينة الثوار/يا مهند الحلبي روحي فدا ناديت/قلت القدس شرفي سيف المجد زليت/قلت النصر طلقي راس اعدا ذليت/بسلاح مغتصبي قاومت واستوليت/اسحق يا بدران دربك درب أحرار/يا مزلزل العدوان بسكينك الفجار/بتحاصر الجثمان وصبوه عليه النار/يبقى البطل عنوان والخيبة للأشرار/من قدسنا الأحرار طلوا الأبطالي من ضفة الثوار قالوا الشرف غالي»[48].

تبين دلالات الأغنية السابقة، التي اشتهرت إبان انتفاضة القدس 2014-2017، طبيعة الالتزام الفردي وشبه الجماعي للشباب الفلسطيني، فالمقاوم الفلسطيني يقاتل بأدوات فردية، وهذا برز في كلمات الأغنية التي أشارت إلى أدوات الكفاح والمقاومة الفردية مثل السكاكين، أما في حالة مهند الحلبي فكانت أداته الأولى السكين لكنها لم تكن الأخيرة؛ فالتقط سلاح المستعمر الإسرائيلي وقاتل به حتى الرمق الأخير، ما نريد توضيحه هو طبيعة البنية الخطابية والتعبيرية في هذا النمط من الأغاني الذي ساد إبان انتفاضة القدس، بأنه يتغنى بالنموذج الفردي للمقاومة، وهذا ما يؤكد طبيعة الالتزام الفردي والتركيز على الفرد الفاعل المقاوم وذكر اسمه كونه هو الفاعل في غياب الفاعل الجماعي (التنظيمات، الأحزاب، اللجان… إلخ)، وذلك على عكس أغنية البرغوثي التي تغنت ووصفت حالة المقاومة والالتزام الجماعي إبان الانتفاضة الشعبية 1987.

إن سمات انتفاضة القدس ونتائج استطلاعات الرأي السابقة وتصريحات السياسيين وآراء الباحثين وتحليلات الدراسة تكاد تؤكد أن الشباب كفاعل ثوري في انتفاضة القدس كانوا أقرب إلى حالة الالتزام الفردي منه إلى حالة الالتزام الجماعي كما هو الحالة في الانتفاضة الشعبية لعام 1978.

ثالثاً: قراءة تحليلية في عملية التحول من الالتزم الجمعي إلى الالتزام الفردي

تبين الروايات والأحداث والقصص التي تم استجلابها من التاريخ الفلسطيني للانتفاضة الشعبية الفلسطينية عام 1987؛ وجود العديد من التسميات لطبيعة الالتزام الجماعي لدى الشباب كفاعل ثوري؛ فمثلاً التسميات لهم هم الشباب كصيغة جمع، والألقاب مثل الفهد الأسود أو النسر الأحمر؛ وهي تسميات لمجموعات من شباب القوة الضاربة التي ظهرت إبان الانتفاضة في شمال الضفة الغربية، لكن الدلالة الرمزية والتنظيمية لهذه المجموعات مؤشر على طبيعة العمل الشبابي الجماعي المقاوم.

كما كان للمؤسسات الفلسطينية الشعبية والأهلية دور محوري في تشكيل رافعة بنيوية لفولذة دور الشباب كفاعل مقاوم جمعي ملتزم اتجاه قضيته الوطنية، فكانت الحركة الطلابية في الجامعات والحركات الشبيبية للأحزاب الفلسطينية دور في تثقيف وتوعية وتثوير الشباب ضمن خلايا ومجموعات شبابية. إلى جانب دور الأطر الشعبية والأهلية والمؤسسات والنقابات والاتحادات واللجان الشعبية في تفعيل دور الشباب كفاعل جمعي في الانتفاضة، وكان الشباب الفلسطيني هو من يقود ويبني تلك المؤسسات، ويمكن إرجاع ذلك إلى الطبيعة التوافقية على برنامج الانتفاضة بين كل الفواعل الفلسطينية التنظيمية والحزبية والشعبية والأهلية، إلى جانب دعم منظمة التحرير آنذاك للانتفاضة وتبني برنامجها والعمل على توجيهها وقيادتها، فقد تم تشكيل القيادة الموحدة كرافعة وطنية وحدوية تفعّل دور كل الفئات المجتمعية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. كما يمكن الاستدلال على ترابط وتبني منظمة التحرير للانتفاضة من استشهاد الرجل الثاني في المنظمة (خليل الوزير- أبو جهاد) وهو يوجه رسالته من مكتبه في تونس إلى الانتفاضة وقيادتها الموحدة، ولغة الرسالة وخطابيتها تدل على طبيعة عمل الشباب كفاعل ثوري جمعي آنذاك «إلى أخوتنا المناضلين في قيادة المنظمة وإلى كافة لجان العمل الوطني في اللجان الشعبية في المخيمات والمدن والقرى والأحياء…»

في سياق متصل؛ اختلفت طبيعة المجتمع الفلسطيني وتشكيلاته المجتمعية والثقافية والاقتصادية إبان الانتفاضة الشعبية عن واقع المجتمع الحالي، ففئات المجتمع في عهد الانتفاضة الشعبية كانوا متحررين من كثير من الالتزمات التي تكبلهم إبان الانتفاضة الحالية من التزامات مالية أو مادية أو وظيفية حدت من انخراط شرائح مجتمعية كبيرة في انتفاضة القدس، وجاءت تلك الالتزامات بعد لحظة أوسلو السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتصعدت حمى تلك الالتزامات مع انتهاج سياسات نيوليبرالية في ظل حكومة سلام فياض 2007-2012.

إلى جانب ذلك، تتمركز فكرة التحول من الالتزام الشبابي الجماعي إلى الالتزام الشبابي الفردي، بعلاقتها بفكرة تراجع دور المؤسسات الفلسطينية الرسمية والشعبية وشبه الرسمية، فلم يعد للأحزاب والاتحادات والنقابات والمؤسسات والمنظمة دور في تنظيم الشباب وتثقيفه، أو بالأدق تراجع الدور الوطني والتنظيمي لتلك المؤسسات كرافعة وطنية مقاومة، وهذا يعود إلى طبيعة التحول الذي طرأ على المجتمع الفلسطيني بعد اتفاقية أوسلو أواخر عام 1993 وزاد الأمر تعقيداً وإرباكاً السياسيات الحكومية الفلسطينية بعد انتهاء انتفاضة الأقصى، وخصوصاً مع خطط التنمية الفلسطينية منذ عام 2007.

كما لا يمكن إهمال عامل الانقسام في زيادة تعصب وتحزب فئات كبيرة من الشباب ضمن استقطابات محلية وإقليمية ظهرت بعد عام 2011. فهذا التحزب والتعصب أنهك الطاقات الشبابية وأعاق تطورها وتبلورها كمبادرات جماعية فلسطينية شبابية. إلى جانب ذلك برزت بنى جماعية شبابية وغير شبابية توصف إسرائيل كمنظومة استعمار استيطاني مثل ملتقى نبض الشبابي، ملتقى نحت المعرفي، ملتقى همم، ودائرة سليمان الحلبي للدراسات الاستعمارية التي تثقف مجموعات شبابية ثقافياً ومعرفياً وسياسياً لكن دورها يختلف عن دور اللجان الشعبية والأحزاب والاتحادات في الانتفاضة الشعبية.

إلى جانب كل ذلك؛ أسهمت التحولات البنيوية في المجتمع الفلسطيني إلى تعزيز الروح الفردية والانشغال بالهموم اليومية ومتطلبات الحياة، كما برزت مظاهر استهلاك استعراضي جعلت بعض الشباب الفلسطيني يخوض غمار المنافسات الاجتماعية والاقتصادية من أجل بناء المكانة الاجتماعية وكسب موقعية مجتمعية، في حين كانت المكانة الاجتماعية تنتزع سابقاً من المكانة التنظيمية والحزبية والعمل المقاوم.

خاتمة لن تنتهي

لا يمكن الجزم أن هناك خطين متوازيين من الالتزام في المجتمع الفلسطيني أحدهما الجماعي والآخر الفردي، وإنما هذان الخطان متوازيان حيناً ويتقاطعان حيناً آخر؛ إما في المكان وإما في الزمان وإما في كليهما، والدليل على هذا الإمكان من التحقق الفعلي ما وقع من عمل مقاوم في القدس في صيف العام الماضي 2017، فحالة المقاومة كانت لا هي فردية ولا جماعية؛ أي أن الأفراد كانوا يقاومون ويصمدون ويعتصمون بالتزام فردي، في حين حالة الصمود الجماعية لكل الحشد الشعبي هي تعبير عن حالة التزام جماعي أو شبه جماعي لكل المحتشدين والمعتصمين؛ وهذا ما يؤكد عدم جزم قضية الالتزام لدى الشباب الفلسطيني، لكن المؤشرات الثقافية والسياسية والاقتصادية والمجتمعية تشير إلى نمو حالة الالتزام الفردي في انتفاضة القدس 2014 – 2017 وتؤكد لنا أحداث صيف 2017 أن هناك قضايا وأماكن مركزية مثل القدس تمثّل مكاناً ورمزاً وتاريخاً ومكانةً عصية على الغزاة ولها فرادتها في إنتاج نماذج المقاومة والصمود، وهي بمنزلة لاهوت المقاومة.

إن الخيط الفاصل الذي عمل على خلق حالة التحول في المجتمع الفلسطيني يتمثل بلحظة أوسلو 1993-1994، وتأسيس نظام سياسي فلسطيني منكشف سياسياً واقتصادياً وبنيوياً، وهذا النظام السياسي المتمثل بالسلطة الفلسطينة ومؤسساتها، ونمو مؤسسات أخرى محلية ودولية، عمل على خلق ثقافة جديدة. وتبدلت منظومة القيم الثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية لا سلباً أو إيجاباً، بقدر ما هي تحول جذري في مفهوم القيمة، فاختفت ثقافة التطوع لصالح التوظيف الحكومي أو في المجتمع المدني، وتبدل مصطلح المناضل بالناشط، وغيرها من التبدلات الطويلة، إن هذه التبدلات أخفت في طياتها النزعة الجماعية لصالح النزعة الفردية. من الطبيعي أن تجري تبدلات مجتمعية لكن الخطر في تحول العمل المقاوم من هم جماعي إلى هم فردي ملقى على عاتق أفراد، يقاتلون لوحدهم ويستشهدون لوحدهم، وينشغل الجميع بعد استشهادهم بنشر صورهم وأقوالهم ويتغنون ببطولاتهم الفردية على وسائل التواصل الاجتماعي أفواجاً أفواجاً…

 

ننصحكم بالإطلاع على  حلقة نقاشية حول” القضية الفلسطينية وصفقة القرن”

للمزيد من الدراسات ذات الصلة إليكم  النكبة الفلسطينية وتأسيس «إسرائيل» في مسردات التاريخ العالمي (دراسة نقدية في التاريخ الموسوعي المقارن)

#مركز_دراسات_االوحدة_العربية #فلسطين_المحتلة #مقاومة_الاحتلال_الصهيوني #الانتفاضة_الفلسطينية #الشباب_الفلسطيني #دراسات